|
بلقيس.....نزار قباني
|
1
بلقيسُ كانت أجمل الملكاتِ في تاريخ بابلْ
بلقيس كانت أطولَ النخلاتِ في أرض العراقْ
قتلوكِ يا بلقيسُ ، أيّةُ أُمةٍ عربيةٍ
تلك التي تغتالُ أصواتَ البلابلْ ؟
2
هل تعرفونَ حبيتي بلقيسَ ؟
فهي أهمُ ما كتبوهُ في كتب الغرامْ
كانت مزيجاً رائعاً بين القطيفة والرُّخامْ
كان البنفسجُ بين عينيها ينامُ .. ولا ينام
بلقيسُ يا عطراً بذاكرتي ، وياقبراً يسافرُ في الغمامْ
قتلوكِ في بيروتَ ، مثل أيِّ غزالةٍ
من بعدها قتلوا الكلامْ ..
بلقيسُ ليست هذه مرثيةٌ
لكن على العرب السلامْ ..
3
بلقيسُ يا بلقيسُ يا بلقيسُ
كلُّ غمامةٍ تبكي عليكِ ، فَمَنْ تُرى يبكي عليَّا
بلقيسُ .. كيف رحلـتِ صامتةً ولم تضعي يديكِ على يديَّا
بلقيسُ .. كيف تركتنا في الريحِ نرجفُ مثل أوراق الشجرْ
وتركتنا ــ نحن الثلاثةُ ــ ضائعينَ كريشةٍ تحت المطرْ
اتراكِ ما فكّرتِ بي ؟
وأنا الذي يحتاجُ حبّكِ مثل زينبَ أو عُمَرْ
4
بلقيسُ أيتها الصديقةُ والرفيقةُ والرقيقةُ
مثل زهرةِ أقحوانْ
يا مَنْ تحدِّيتِ الغيومَ ترفُّعاً
من أين جئتِ بكل هذا العُنْفُوانْ؟
بلقيسُ ، ما أنتِ التي تتكرّرينَ
فما لبلقيسَ اثنتانْ ..
5
بلقيسُ تذبحني التفاصيل الصغيرةُ في علاقتنا
وتجلدني الدقائقُ والثواني
فلكلِّ دبوسٍ صغير قصةٌ
ولكل عقدٍ من عقودك قصِّتانِ
حتى ملاقطُ شعرك الذهبيُّ تغمرني كعادتها
بأمطار الحنانِ
ومن المرايا تطلعينَ ، من الخواتم تطلعينَ
من الشموعِ ، من الكؤوسِ ، من النبيذ الارجواني ..
بلقيسُ ، يا بلقيسُ ، لو تدرينَ ما وجعُ المكانِ
فهناك كنتِ تّدخنينَ ، هناك كنت تطالعينَ
هناك كنتِ كنخلةٍ تتمشطينَ ، وتدخلين على الضيوف
كأنك السيف اليماني
6
بلقيسُ إن قضاءنا العربي ، أن يغتالنا عربٌ
ويأكلَ لحمنا عربٌ
ويبقرُ بطننا عربٌ
ويفتح قبرنا عربٌ
فكيف نفرُّ من هذا القضاء؟
فالخنجرُ العربي ليس يُقيمُ فرقاً
بين أعناق الرجالِ وبين أعناق النساءْ
بلقيسُ إن هُمْ فجَّروكِ فعندنا
كل الجنائز تبتدي في كربلاء ..
وتنتهي في كربلاءْ ..
7
بلقيسُ يا قمري الذي طمروهُ مابين الحجارهْ
الآن ترتفعُ الستارهْ
الآن ترتفعُ الستارهْ
سأقولُ في التحقيق أنّي أعرفُ الأسماءَ ، والأشياءَ
والسجناءَ ، والشهداءَ ، والفقراءَ ، والمُستضعفينْ
وأقولُ أنّي أعرف السياّفَ قاتلَ زوجتي
ووجُوه كلِّ المخبرينْ
وأقولُ أن زماننا العربي مُختصٌ بذبح الياسمينْ
8
من يومِ أن نحروكِ يابلقيس يا أحلى وطنْ
لا يعرف الإنسانُ كيف يعيشُ في هذا الوطنْ
لا يعرف الإنسانُ كيف يموتُ في هذا الوطنْ
9
بلقيسُ أيتها الشهيدةُ والقصيدةُ والمطهّرةُ النقيّهْ
بلقيسُ يا عصفورتي الأحلى ، ويا أيقونتي الأغلى
ويا دمعاً تناثرَ فوق خدِّ المجدليََّهْ
ها نحنُ ندخلُ مرةً أخرى لعصر الجاهليّهْ
حيثُ الكتابةُ رحلةٌ بين الشظيّةِ والشظيّهْ
حيثُ اغتيالُ فراشةٍ في حقلها
صار القضيّهْ
10
لمّا تناثرَ جسمُكِ الضوئيُّ لؤلؤةً كريمهْ
فكّرتُ : هل قتلُ النساءِ هوايةٌ عربيةٌ
أم أننا في الأصل محترفو جريمهْ
11
بلقيسُ يا فرسي الجميلة إنني
من كُلِّ تاريخي خجولْ
هذي بلادٌ يقتلونَ بها الخُيُولْ
هذي بلادٌ يقتلونَ بها الخُيُولْ
12
حتى العيونُ الخُضْرُ يأكلها العربْ ..
حتى الضفائرُ ، والأساورُ ، والمرايا ، واللُّعبْ
حتى النجومُ تخافُ من وطني ، ولا أدري السببْ
حتى الطيورُ تفرُّ من وطني ، ولا أدري السببْ
حتى الكواكبُ ، والمراكبُ ، والسُحُبْ
حتى الدفاترُ ، والكُتُبْ
وجميعُ أشياءِ الجمالِ
جميعُها ضدّ العربْ ..
13
سأقولُ في التحقيقِ
كيف غزالتي ماتتْ بسيف أبي لهبْ
كلُّ اللصوص من الخليج إلى المحيطِ
يدمّرونَ ، ويُحرقونَ ، وينهبونَ ، ويرتشونَ
ويعتدونَ على النساءِ ، كما يريدُ أبو لهبْ
كلُّ الكلاب موظفُونَ ، ويأكلونَ ، ويسكرونَ
على حساب أبي لهبْ..
14
سأقولُ في التحقيقِ ، كيف أميرتي اغتُصبتْ
وكيف تقاسموا فيروزَ عينيها ، وخاتم عُرسها
وأقولُ كيف تخاطفوا الشعرَ الذي يجري
كأنهار الذهبْ
سأقولُ كيف استنزفوا دمها
وكيف استملكوا فمها
فما تركوا به ورداً ، ولا تركوا عنبْ
هل موتُ بلقيسٍ هو النصرُ الوحيدُ
بكلِّ تاريخ العربْ؟
|
|
|
|
|
|