|
النزوح عن توريت
|
النزوح عن توريت قصة قصيرة :
" بضع وثمانون رأساً من الماشية ، وبعدها تصبحين لي…" في سبيلها انقضت سنوات أربع..، ومن أجلها قتلت وسرقت وفقدت إحدى عيناي... o o o على ضوء النيران المشتعلةامتدت صفوفنا..نحن النازحين عن ديارنا ، صفوف تشبه خطوطاً بدائية رسمتها يد لا تعرف الكتابة . كانت توريت تحترق من جديد ، ومن جديد نحمل ما تبقى ونرحل ، هذه المرة كان نزوحنا جنوباً…وكنا نوغل جنوباً أكثر من كل المرات السابقة ، ذلك أننا نعلم انه لم يعد هناك امل في عودة ، وما عاد هناك ما نعود من أجله… بين جموع النازحين رأيتها تجر صغيرها بيد وتحمل متاعها بيد ، أصوات المدافع خلفية سادية للوحة مأساوية ، الرعب المرتسم في وجهها تعبير خرافي لضعف الإنسان وعجزه ، رأيتها وما رأتني..، وتذكرت.. تسع وتسعون رأساً جمعتهم من أجلها ، أعطيتهم تسعاً وتسعون إسماً كان أولها " أهواك " وآخرها " لا أنساك " .. هذا الصغير الذي تجره خلفها كان يمكن أن يكون إبني لو أنها انتظرتني ، أربع سنوات لم تنتظر هي منها سوى عام واحد… اليوم وحيدة هي من خلفها الموت وأمامها مصير غامض محتوم..، هي تحتاجني الآن أكثر من أي وقت مضى ، ولكني تواريت عنها وأخذت أرقبها من بعيد . إقتربنا من الحدود ، ودون أن ندري ودونما أي إتفاق مسبق بيننا اتخذت مشيتنا هيئة ذليلة منهكة ، انحنت رؤوسنا ، توقفت أيدينا عن الإهتزاز ، تقوست ظهورنا التي طالما كانت صلبة ، التصقت نظراتنا بالأرض الطينية ، وباتت خطواتنا ضعيفة متقاربة كما لو أن الف قيد يطوقها..، الأطفال توقفوا عن البكاء كما لو أنهم يعوضون هذا الذل فينا ، إذ أنه عند نقطة الحدود يُفقد كل شيء ، ومددنا أيدينا إلى متاعنا نتحسس بطاقات هوية لا وجود لها ، ولاح لعيوننا شيء.. : الحدود السودانية - الأوغندية ، وفهمنا لأول مرة معنى أن تكون لاجئاً . ومن جديد لمحتها تضم صغيرها إليها ، الخوف : عيناها ، الرجاء : شفتاها ، الضعف : صغيرها ، الذل : االطريق الذي قطعناه من ديارنا إلى هنا ، الأمل : إجتياز الحدود ، الثمن : .. ..أنتِ.. ..أنتِ الثمن . أشحت بوجهي بعيداً حين سمعتها تناديني وتستنجد بي ، رأيت أحد الجنود يقودها بعيداً عن ابنها إلى غرفة صغيرة منزوية ، جندي آخر نظر إلي..، أفسح لي الطريق إلى ما وراء الحدود ، وأنا ترددت ..هي أم النجاة..؟!. كان الناس يعبرون وأنا وحدي أقف ، البنادق..النيران..تسع وتسعون رأساً من الماشية .. ، صور مرت سريعاً في خاطري … تسع وتسعون كذبة اختلقتها لنفسي وأنا أعبرالحدود .. خطوت داخلاً إلى الخارج ..، خارج الوطن ..والحب والإنسانية ، خارج كل شيء وموغلاً في عمق الذل.. تركتها خلفي تدفع ثمن النزوح ورسم اللجوء.. o o o في الصباح تم توزيعنا في مجموعات .. في كل مجموعة بضع وثلاثون رأساً.. .. .. من البشر . تمت
|
|
|
|
|
|
|
|
|