|
أبناء جارانج يواجهون المصير في القاهرة الصادق المهدي يبارك خطة المبعوث الأمريكي
|
أعدت الندوة للنشر ـ أسماء الحسيني
تحولت الندوة أقامتها مجلة الأهرام العربي حول التطورات الراهنة في السودان إلي ليلة ساخنة تشبه ليالي الخرطوم السياسية, التي يحتدم فيها النقاش, وتتشابك فيها الآراء, وتتقاطع فيها الرؤي, ويكثر فيها الجدل. وقد ارتفعت حرارة الندوة التي تميزت بحضور جماهيري كثيف من السودانيين في القاهرة تدريجيا, لتتحول إلي محاكمة ليس لشخصية أحد ضيفي الندوة السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة علي دوره خلال فترات حكمه الديمقراطي للسودان ولمجمل رؤاه العامة من بعض الحضور من أبناء جنوب السودان وجبال النوبة.تحولت الندوة أيضا إلي محاكمة لمجمل التوجه العروبي والإسلامي تجاه جنوب السودان. وقد كشف حديث الجنوبيين في الندوة عن مرارات وأحاسيس عميقة بالمظالم, التي عانوا منها في الماضي, ولا يستطيعون التخلص من آثارها في الحاضر. كما كشفت الندوة عن عمق الإحساس بالمخاطر التي تحيط بالسودان في الوقت الحاضر في ظل التحرك الدولي الحالي المكثف تجاهه. حاولت الندوة الإجابة عن تساؤلات عميقة حول مستقبل الأوضاع في السودان وطبيعة الدور الأمريكي ومصير وحدة السودان أو تقسيمه, فضلا عن انعكاسات أحداث11 سبتمبر وتفجر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية علي الأوضاع في السودان. قدم الندوة الأستاذ أسامة سرايا رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي الذي رأي أن ما يحدث في السودان يؤثر علي مصر والعالم العربي بأسره. وقال الدكتور مصطفي الفقي رئيس لجنة الشئون الخارجية في مجلس الشعب إننا درجنا علي الحديث عن السودان والعلاقات المصرية ـ السودانية بشكل موسمي, وأن الأشهر الأخيرة قد صرفت الأنظار إلي حد كبير عن المسألة السودانية بسبب التطورات المتلاحقة والأحداث المأساوية التي شهدتها الأراضي الفلسطينية, بل إن ما جري شد انتباه السودانيين أنفسهم عن قضيتهم الأصلية, لأنهم شعب له توجهاته القومية والعربية والإسلامية, وشعب مسيس بدرجة كبيرة, فهو أكثر شعوب العالم العربي تسييسا. وأكد الفقي علي أن الشأن السوداني يعني المصريين بشكل واضح منذ بدايات القرن التاسع عشر, كما أن الشأن المصري موضع الاهتمام السوداني منذ تلك الفترة, وهذا لا يعني أن العلاقات بينهما صفاء رخاء طيبة, فالعلاقات دائما ككل علاقات الأشقاء كلما ازداد اقترابهم زاد حجم المشكلات والحساسيات, وتكاثرت السحب أحيانا لنصبح أمام عمليات شد وجذب وارتفاع وانخفاض في العلاقات. وقال الفقي لقد طالبنا ونطالب بتجنب الشعوب كل الهزات المتصلة بعلاقات النظم والظروف الإقليمية المختلفة, لكن الذي حدث ولازال أن العلاقات المصرية ـ السودانية موسمية كأنها الأمطار التي تهطل علي هضبة الحبشة ليجري معها النيل.. لماذا؟ ألا توجد أسس وقواعد تضع إطارا متصلا لهذه العلاقات, أظن أن هذا أصبح ممكنا لعدة أسباب, أولا أن هناك وعيا مصريا وسودانيا بملف الحساسيات التاريخية والمشكلات القائمة, والأمر الثاني أن الحياء المصطنع في العلاقات بين البلدين قد انتهي, وتمكن البلدان من أن يتحدثا بصوت مرتفع عما يعانيه من الطرف الآخر, وحينما نتحدث بشكل علني عن مشكلة معينة, فإننا نكون قد حققنا نصف الحل, لأن المريض حينما يتحدث بشكل علني عن دائه ويوصفه بشكل دقيق فإنه يكون قد وضع يده علي طريق العلاج, وهذا ما حدث في العلاقات المصرية ـ السودانية في العقدين الأخيرين, فقد كان هناك حديث دائم عن ممارسات تاريخية مرفوضة, وعن دور مصري ترك حساسيات معينة, وعن بعض ملاحظات للحركة المهدية بالذات تجاه مصر, لكن تفاعل التاريخ وظهور الأجيال الجديدة والفهم المشترك وتبادل الصلات أثبت أن هذه الأمور سطحية. أعتقد أن مصر وعت ذلك جيدا, وأصبحت تدرك أن أي علاقة لا تخرج من شرنقة التاريخ المظلم ولا تتجه إلي الندية الكاملة وإلي الاحترام المتبادل مقضي عليها منذ بدايتها. وقال الفقي إن الدكتور بطرس غالي قال له إنه يأمل أن يري في حياته مؤسسة فكرية مصرية ـ سودانية غير حكومية تعني بمتابعة العلاقات واستمرارها, وهي الفكرة ذاتها التي طرحها السيد الصادق المهدي, وأوضح أن قيام تلك المؤسسة التي ستضم المثقفين والمفكرين في التخصصات المختلفة في البلدين, ستقدم دراسات, وتكون منبرا للمتابعة والملاحقة وإبداء الرأي في العلاقات بين البلدين. وأشار الفقي إلي أن البعض يري ضرورة تعيين مفوض خاص للسودان في الجامعة العربية, ولكن الأجدي هو قيام مؤسسة غير حكومية دائمة ومستقرة ولها حق الرقابة علي العلاقات وإدانة التصرف الخاطيء من أحد الطرفين, وتعطيها الدولتان صلاحيات فكرية وسياسية وصوتا مسموعا. وأضاف أن الولايات المتحدة فتحت شهيتها فجأة للشأن السوداني بعد أحداث11 سبتمبر, وتحاول الآن أن تقصر الأمر علي طرفين في المنطقة هما كينيا ومصر, في محاولة لفرض حل أمريكي متفرد في ظل هذه الظروف. وأوضح أن مصر لعبت دورا متوازنا إلي حد كبير, وحاولت قدر الإمكان أن تسبق الحكمة الانفعال, وأن تجعل القرار المرتجل غير وارد. من جهته قال الصادق المهدي إن انفجارات11 سبتمبر وانفجار الشرق الأوسط يلقيان بظلال واضحة جدا علي المسألة السودانية, وأن القضية السودانية لا تبحث بمعزل عن الموقف من الإسلام ولا الموقف العربي الإفريقي, ولا الموقف العربي العالمي. وأضاف أن ما يجري في السودان إذا ما أمكن حسمه بصورة إيجابية فإنه سيؤثر علي قضية الإسلام في الحياة العامة في العالم الإسلامي كله, لأن التجارب في هذا الموضوع مهمة, والعلاقات العربية ـ الإفريقية والتنمية والديمقراطية والتخلف.. كلها قضايا متداخلة وما يحدث في السودان سلبا أو إيجابا يؤثر علي مستقبل العلاقات بينهما. وأوضح أن كل هذه القضايا أوسع من السودان, وتهم بلدانا كثيرة, لكنها لصيقة في الوقت ذاته بالمسرح السوداني وبما يحدث فيه. وقال إن المبشر الآن في السودان أنه لم يعد يوجد طرح متعصب, فرغم الواقع المشوه, صار من الشائع والمتفق عليه بين السودانيين أنه يجب إنهاء الحرب الأهلية بسلام عادل يتم التفاوض عليه, وترعي نتائجه آليات يتم الاتفاق عليها, كما صار من المتفق عليه إنهاء الديكتاتورية ووضع برنامج للتحول الديمقراطي. إذن من الناحية النظرية ما كان عائقا في الماضي نظريا صار الآن مقبولا, وكما أن الشعب السوداني في الشمال والجنوب ضاق ذرعا بالحرب ويريد نهاية لها, وصار واضحا ومسلما به أن الحرب لن تحقق أهدافا أو انتصارات لأي طرف من الأطراف, وكذلك صار واضحا أن النظام الأحادي الديكتاتوري, وكذلك الطرح الأحادي الثقافي, لم تعد كل تلك الطروحات مقبولة ولابد من إيجاد بديل لها. وأعرب المهدي عن أمله أن يتم تجاوز هذه المعوقات عبر وسائل مختلفة, لمحاصرة الأجندات الرافضة للحل السياسي الشامل في السودان. وقال إن وساطة مبادرة الإيجاد دخلت طريقا مسدودا, ويعيبها أنها تقوم علي التوسط بين طرفين فقط من أطراف النزاع هما الحكومة والحركة الشعبية فيما لاتزال المبادرة المصرية ـ الليبية تراوح مكانها بعد ما بذلته من جهود انتهت لإعداد نقاطها التسع. وأشار إلي أن أبناء جنوب السودان علي اختلاف انتماءاتهم السياسية يرون أن المبادرة المشتركة لا تستطيع أن تقدم لهم حلولا مرضية, لأنهم يعتقدون أنها تتجاوز رؤاهم بالنسبة للمستقبل وتضع سقفا لما يمكن أن يتفق عليه الجنوبيون. وقال إن جمود المبادرتين فتح المجال منذ نوفمبر الماضي لما يمكن أن نسميه الاجتهاد الأمريكي, الذي دخل إلي الساحة بعد أن شعر بفراغ في الوساطات وأضاف أن أمريكا لم تحسم أمرها بعد للدخول في هذا الأمر, لأن فيها اختلافا واسعا, وفيها تيارات متشددة تري أن النظام السوداني هو طالبان إفريقيا, وأنه لا يجدي معه إلا التصعيد والضغط المضاد, وأن هذه الاتجاهات ترفض أي نوع من التعاطي مع الشأن السوداني بأي نوع من الإيجابية أو التواصل والاتصال. وأوضح أن هناك اتجاها آخر داخل الإدارة الأمريكية يري أن محاولة احتواء النظام السوداني وعزله أخفقت, وأنه يجب التواصل معه, لكن تصوب ضد هذا الاتجاه انتقادات ومعارضة شديدة. ورأي أن المبعوث الأمريكي للسودان السيناتور السابق والقس جون دانفورث ليست عنده خبرة سابقة في الشأن السوداني, لكنه إنسان معتدل وعاقل, وأن موقعه الديني يحميه من الاتجاهات المتشددة, التي كانت ستعرقل مهمة المرشح السابق للمهمة وقال المهدي إن دانفورث حقق إنجازا مهما في فترة وجيزة, أدي للمرة الأولي إلي نتائج عملية,وأدخل في أسلوب التوسط3 عوامل جديدة لم تكن واردة في مجهودات مبادرتي الإيجاد أو المشتركة, إذ استطاع بنفوذ الولايات المتحدة ممارسة الضغط علي أطراف النزاع, وأدخل عنصر التحكيم, والرقابة الأجنبية, وهو ما أسهم في تحقيق تقدم في هذا الموضوع. وقال المهدي إن تقرير دانفورث الذي رفعه إلي الرئيس الأمريكي جورج بوش يتميز بقدر عال من المرونة, ويؤكد أن واشنطن لا تريد القيام بمبادرة في السودان, لأن القضية خلافية في الرأي العام الأمريكي, كما يتحدث التقرير بإيجابية عن مبادرتي الإيجاد والمشتركة, واقترح بصفة عامة مشاركة جميع الأطراف السودانية. أما النقطة التي تحفظ عليها بعض القوي السودانية فهي استبعاد التقرير لحق تقرير المصير, وقال إن حزب الأمة يعد تعليقا مكتوبا سيصدر قريبا حول تقرير المبعوث الأمريكي. وقال المهدي إن التقرير الموجود في الشرق الأوسط سيجعل الصقور في إسرائيل ينقلون المعركة من آسيا إلي إفريقيا وأوروبا وأمريكا, وسيكون السودان جزءا من الصراع ومن المواجهة. وأضاف: أمامنا في السودان معالجة التناقض بين الشعب والحكومة عبر التحول الديمقراطي, وبين المجموعات الوطنية عبر اتفاق سلام, حتي نصبح قادرين علي إغلاق ثغرات التدخل الأجنبي. وعبر السفير الليبي جمعة الفزاني عن أمله في ألا يقتصر مضمون الميثاق المرتقب الذي تحدث عنه الصادق المهدي علي السلام والديمقراطية فقط بل الوحدة أيضا, حتي يكون شاملا.. أزمة السودان وهي قضية السلام العادل والديمقراطية ووحدة السودان. وأشار إلي أن تأثير المبادرة المشتركة كان أكبر من النقاط التي أوردها الصادق, غير أن قيمتها أنها وضعت أهل السودان وقواه الحكومية في موقع التأثير والفعل والرهان علي المستقبل يرتبط بتلك القوي, فمبادرة الإيجاد حصرت مشكلة السودان في إطار جغرافي ضيق ومن حيث القوي الحية المعالجة لها, هذا العزل تجاوزته المبادرة المشتركة كما أشاد الدكتور ميلاد حنا بتقرير دانفورث ورحب بحديث الصادق المهدي عن ميثاق مشترك.. وقال إنه علي الزعماء السياسيين في السودان تغيير ثقافة الأحزاب السياسية بالحديث عن مشاريع فعلية والتفكير في المستقبل بعقلية اقتصادية تنموية. ومن جانبه أكد أحمد دريج رئيس التحالف الفيدرالي السوداني وعضو هيئة قيادة التجمع المعارض أن المشكلة السودانية أصبحت تحتاج اليوم حلا ومعالجة غير حزبية, وبعد أن أصبح وجود السودان مهددا. وقال التوم محمد التوم مستشار رئيس الحزب الاتحادي إنه لا أحد يستطيع حل مشكلة السودان كالسودانيين, وأن إمكانات الوحدة أكبر من احتمالات الانفصال, وأن هناك الكثير من الجنوبيين يؤمنون بالوحدة لكن لن يقبلوها إذا تم إلغاء حق تقرير المصير*
شاب جنوبي: أنتم لا تعرفون السودان
الخلافات بين أبناء السودان أعمق مما نتصور, هكذا قال بأسي د. مصطفي الفقي, عندما احتدم النقاش بين أبناء جارانج والصادق المهدي, في محاولة لمحاكمته, قد تكون متأخرة, أو مؤجلة منذ أن كان رئيسا لوزراء السودان مرتين, عام1966 وهو غض, وفي عام1986, حتي جاء البشير بثورة الإنقاذ, كما أطلقوا عليها, المحاكمة كشفت عن جراح لم تندمل, حاول الصادق أن يدافع عن فترة حكمه وحزبه, لكن الأصوات كانت عالية, حتي إن بعضهم اتهم مصر بالاستفادة من الصراع السوداني ـ السوداني مما دعا أسامة سرايا إلي القول لماذا نريد في مصر إطالة الصراع في السودان, إننا فقط نحاول أن نجعل السودان بلدا متقدما. فقد فاجأ الجنوبيون الحاضرون الندوة بالهجوم علي الصادق المهدي وتساءل فيديت أويرفيديت حول الرؤية المغلوطة للمثقف العربي لأبناء جنوب السودان وأنهم ضد العروبة والإسلام وكيف سيتم التعامل معهم في المؤسسة الفكرية المرتقبة وهم جزء من السودان. وقال جنوبي آخر إنه منزعج من المنصة التي تتحدث عن السودانيين باعتبارهم عربا ومسلمين, وقال نحن لسنا كذلك, فهناك أفارقة في السودان والسودان ليس بلدا عربيا ولا مسلما وتساءل الشاب الإفريقي: هل أنا عربي أنتم لا تعرفون شيئا عن السودان, هل سياستكم نحوه مقصودة أم غير مقصودة, أنا إفريقي إلي الأبد. الأستاذ أسامة سرايا: نحن أيضا أفارقة ونحترم الجنوبيين تماما. الشاب الجنوبي: لا تجرحوا شعورنا ونحن جالسون معكم, ولا تأخذوا الأمور ببساطة, أنا لست عربيا ولا مسلما أنا إفريقي, المصريون والسفير الفزاني يتكلمون عن السودان كأنه تابع لمصر وليبيا, نحن دولة مستقلة, والسودانيون جميعا قبلوا حق تقرير المصير بمن فيهم الصادق المهدي والحكومة السودانية, فما مشكلة مصر وليبيا في ذلك, الجنوبيون توصلوا إلي اتفاقيات كثيرة مع الشماليين في الحكومات المتعاقبة ولم يلتزموا بتنفيذها ولم يفوا بعهودهم في نظر الجنوبيين لا يوجد حل بدون حق تقرير المصير, وأي شخص يظن وجود حل بدون تقرير المصير واهم, وسنحارب بالسلاح حتي آخر جندي في جنوب السودان. وأضاف: موضوع تقرير المصير ملزم لكل السودانيين, وهو ما لا يدركه المصريون والليبيون مصر وليبيا تريدان استمرار الحرب, ما المشكلة في انفصال الجنوب؟
|
|
|
|
|
|