|
الثقافة الإسلامية وليس العربية هي التي هيمنت في السودان
|
الثقافة الإسلامية - وليس الثقافة العربية – هي التي هيمنت في السودان
الدراسات و البحوث التي تمت على كل الشرائح والفئات السكانية في السودان - والتي اعتمدت على المراجع التاريخية الموثوقة وعلوم المجتمعات والأجناس - اكدت ان نسبة العنصر العربي في السودان لا تتجاوز 10% من سكانه ، وهي نسبة ضئيلة اذا تمت مقارنتها بحجم انتشار الثقافة العربية وهيمنتها - على الأقل في وسط السودان و اجزاء كبيرة من شماله - . ولبحث هذه المسألة لا بد من ملاحظة عدد من النقاط يمكن تلخيصها في الاتي :
( 1هناك ثقافات تهيمن بفضل هيمنة العنصر السكاني الذي يمثلها من حيث التعداد ، أي ان الشريحة السكانية الممثلة لهذه الثقافة تمثل اكثرية وسط اقليات اخرى .
(2 ثقافة الأقلية - كما في السودان مثلا - يمكن لها تحقيق هيمنتها اما بالقوة ( محاربة الثقافات الأخرى والعمل على تهميشها وطمس تراثها ولغاتها وعاداتها وتاريخها ) ، او بفعل ايديوليجية فعالة ترتبط بشكل رئيسي ومباشر بثقافة هذه الاقلية ، نشر هذه الايديولوجيا هو نشر مباشر لثقافتها .
(3 قد يحدث ان تهيمن ثقافة الاقلية اذا كانت تمتلك عوامل صحية تجعل من ثقافتها اكثر فعالية وموائمة من غيرها من الثقافات المحيطة بها ، أي عوامل تلائم واقع المجتمعات والتغيرات الناشئة فيه نتيجة امتزاج هذه الثقافات المختلفة وتداخلها ، او لكونها شاملة لملامح اساسية في تكوين باقي الثقافات الاخرى المتواجدة في محيطها تجعل منها الوسيط الامثل لامتزاج هذه الثقافات .
فأي من هذه الإحتمالات يفسر ظاهرة هيمنة الثقافة العربية - وليس العنصر العربي - في السودان ؟
من الظلم بمكان الإدعاء بأن الثقافة العربية قد سادت منذ البدء ( أي ما قبل التاريخ الحديث للسودان ) عبر القوة ، اذ نعرف كلنا ان العنصر العربي كان في وقت ما من تاريخ السودان بعيدا عن مراكز السلطة والقوة التي تتيح له نشر ثقافته قسرا ، اذ اقتصر وجود العنصر العربي حينها في افواج المنشدين والمادحين ودعاة الطرق الصوفية ونسبة ضئيلة من التجار ، بل ان انتشار الثقافة العربية في السودان عبر استغلال مراكز السلطة وطمس الثقافات الاخرى تم في فترة لاحقة ، فكيف انتشرت هذه الثقافة قبل ذلك حتى تسنى لها احتكار السلطة ؟
هل كانت الثقافة العربية هي ذلك الوسيط المثالي لتمازج كافة ثقافات السودان على تنوعها ؟ اولا : الثقافة العربية هي في اصلها وافدة من خارج الشريحة الثقافية للسودان ، وهذا يستلزم بالضرورة انها لا تحمل أي سمات اجتماعية مشتركة بينها وبين ثقافات السودان الاخرى .
ثانيا : الثقافة العربية حملت معها الديانة الإسلامية ، وهي ايضا طارئة على السودان لدى دخولها ، والديانات التي عرفها السودان انذاك - على تنوعها - لم تكن تحمل فيما بينها الديانة الإسلامية .
ثالثا : العادات الإجتماعية للعرب لا تمت بصلة لعادات مجتمعات السودان كافة ، فعلى سبيل المثال كانت المراة في المجتمعات السودانية حجر زاوية في تكوينها في حين كانت عديمة الدور تقريبا في مجتمعات الجزيرة العربية . وعليه لا يمكن ان تكون الثقافة العربية هي ذلك الوسيط المثالي لتمازج ثقافات السودان وحضاراته . فهل حملت بين طياتها ايديولوجية ما لعبت دورا في نشر هيمنتها ؟
الباحث في تاريخ السودان يجد ان انتشار العربية في أي رقعة منه حدث دائما عقب انتشار الإسلام في هذه الرقعة ، وذلك لما يحتويه من الدين الإسلامي من تمجيد للعرب ( كنتم خير امة اخرجت للناس ) ، وتقديس للغة العربية ( وانزلناه بلسان عربي مبين ) ووصف للرسول بـ ( الرسول العربي ) رغم ان دعوته للعالم اجمع ، كذلك فإن ممارسة الشعائر الدينية لا تتم دون معرفة حد ادنى للغة العربية وذلك لقراءة القران والصلاة والاذان..الخ ، ومن الملاحظ ان الديانة الإسلامية تختلف عن المسيحية مثلا في كون المسيحية تتيح لمعنتقها اقامة شعائره الدينية مرددا مقاطع من الإنجيل بلغته الخاصة .
ومن هنا يبدو جليا ان الإسلام - بما يمثله من ايديولوجيا دينية - كان هو العامل الأساسي في هيمنة الثقافة العربية في السودان ، خصوصا خلال المراحل الاولى ومهد بذلك بشكل كبير لوصول العنصر العربي لمواقع القوة والسيطرة على خلفية دينية وقدسية ، فانضم بذلك عامل اخر ساهم - ليس في نشر الثقافة العربية - بل في طمس معالم الثقافات الاخرى . ولعل اقرب مثال يؤكد ان الثقافة الإسلامية - بلغتها العربية - هي التي هيمنت في السودان وليس الثقافة العربية ، هو نموذج ( ارتريا واثيوبيا )الجارتين ، فعلى رغم انهما اقرب للجزيرة العربية من السودان - عبر البحر الاحمر - الا ان الثقافة العربية لم تجد لها موطيء قدم هناك على الرغم من وجود العنصر العربي فيها منذ فترة تاريخية قديمة لأن الإسلام لم يدخل هذه المناطق ولم ينتشر فيها . ولنا عودة .. ..
16 march 2002
|
|
|
|
|
|
|
|
|