|
د. حيدر إبراهيم : الانقاذ سلطة بلا فكرة
|
د. حيدر ابراهيم علي
يوحي المشهد العربي في مجمله بلحظات الاحتضار وما قبل النهاية والموت المحتم، هناك نظام عربي شامل قد اكمل دورته الحياتية بما فيها محاولات ،
الثورة او التجديد او الاصلاح بحيث لم يبق اي افق او احتمال لشكل اخر لحياة تحمل معها الماضي او بعضه، ولحظات النهاية هي الاصعب ويزداد التشبث الشرس بالوجود ويمكن لليأس ان يكون جارفا للغير طالما لم يعد هناك امل.
يمكن للمرء ان يدرك لحظات الافول والغروب اكثر في السودان لانه الاكثر تفككا وصراعا وعدم استقرار، فهو يعاني ما يتعرض له النظام العربي وزيادة ـ كما يقول المناطقة ـ اي ينطبق عليه الوضع العام مع ما يتميز به من خصوصية، ونحن حيال كيان تموت عناصره ببطء ولكن بثقة، فالدولة فقدت الفكرة التي تعطيها شرعية ما. فالسلطة الحالية جاءت بالقوة جامعة بين الدين والعنف لاحداث شرعية امر واقع بعد ان تقوم بانجاز دولة الشريعة وتحقيق الانتصار في الحرب المقدسة التي عجزت الاحزاب عن حسمها ثم القضاء على الازمة الاقتصادية ولجم ارتفاع سعر صرف الدولار، وان تنهج سياسة خارجية متوازنة وقائمة على استقلالية القرار.
وتكمن مشكلة الانقاذ في ان نفس النظام الذي رفع فكرة الدولة الاسلامية وروج لشعاراتها هو الذي تخلى عن تلك الايديولوجية وفي الوقت نفسه يريد الاستمرار في حكم الناس كاجهزة دولة وليس كافكار ومباديء، ففي العادة يأتي نظام جديد لتغيير الوضعية السابقة، ولكن ان يقوم نفس النظام بالغاء فكرته الاولى عمليا ثم يستمر في الادعاء بأنه يحكم بموجبها، فهو يقع في المأزق تماما، ومن هنا نفهم لماذا يتحدث النظام بهذا التوتر والانفعال عن الثوابت وانه لايريد ان يفرط في ثوابته، وقد اصبحت الكلمة من المصطلحات المجموجة والمضحكة حين يرددها بعض اهل النظام اما بعض العقلاء فقد تخلوا عنها.
رغم حسنا الضعيف بالتاريخ حتى القريب منه ولكن المتتبع للانقاذ فكرة وشخصيات ومؤسسات يجد انها انحسرت اسرع من المتوقع ولكنها استمرت كسلطة، وكنت اتمنى لو كان لدي الوقت والحيز لمتابعة مآل منظري الانقاذ في البدايات، كان هناك مشروع جبابرة واكاسرة هم الان يثيرون الشفقة احيانا والسخط احيانا اخرى ولكن في كل الاحوال ليس التقدير لانهم ببساطة ادخلوا الوطن في مأزق وازمة ثم وقفوا مع المتفرجين والحائرين، وبالامس حين نقل الشيخ حسن الترابي الى المستشفى بسبب سوء ظروف الاعتقال وحين تحدثت السيدة وصال المهدي عن ذلك والاهم، حديثها عن الجحود ونكران الجميل الذي يقلق الشيخ حسن حين يتملى تلاميذه الذين يعتلون قمة السلطة الان، ثم يلمح احد المسئولين الى احتمال اطلاق سراح الشيخ وينضح من كلامه تعال اكثر منه الوفاء والامتنان، هذه حالة درامية في العلاقة مع الشيخ الذي صنع كل هؤلاء، قد نجد مثيلا لها في الشكسبيرات ولكن ليس في الواقع السوداني.
نسأل عن فكرة او ايديولوجيا الانقاذ الان، ولايكفي الصراخ بالثوابت فهذا كله ملك الشيخ، والانقاذ لم تعد فكرة بل سلطة مجردة يمكن ان يملأها اي فكر ديني او علماني او الحادي حتى، لقد غادر المنظرون مسرح الانقاذ وهناك اسماء كثيرة كانت تحمي الفكرة بايجاد المبررات والسحنات التنظيرية وقبل يومين كان امامي عدد من مجلة «قراءات سياسية» التي كان يصدرها بشير نافع من تامبا في فلوريدا «عدد صيف 1992» ويبدأ بحوار مع الشيخ حسن الترابي وتبعه تحليلات للأساتذة التيجاني عبدالقادر حامد، ومحمد محجوب هارون، وحسن مكي، وهم يتحدثون عن السودان وتجربة الانتقال للحكم الاسلامي او عن المشروع الاسلامي السوداني، وفي نفس السياق نقرأ للتيجاني عبدالقادر وامين حسن عمر، وجاء في مجلة «الانسان» التي كان يصدرها في باريس الحبيب المكني العدد الثالث عشر مارس 1995 : ان مشروع النهضة الاسلامية المعاصرة في السودان يهمنا من حيث هو مشروع للتحرير من الهيمنة الامبريالية الغربية، ومن حيث انه مشروع لاعادة البناء الاجتماعي وفق رؤية تجديد للدين تجمع بين الاصل السابق للظاهرة الاستعمارية والعصر التالي لها. وبينما كان بين المنظرين من يحلم بأن يكون محمد حسنين هيكل الانقاذ وجدوا انفسهم موظفين في جهاز سلطة عارية من الفكرة لذلك سكتوا عن نقد الذات متناسين ما سطروه قبل سنوات قليلة.
وفي متابعة الفكرة لا ادري كيف يشعر الاسلاميون حين يرون مشروع «التحرير من الهيمنة الامبريالية الغربية» ينتهي الى احضان دانفورث وان يقرأ من كانوا يكتبون مثل تلك الشعارات، مثل هذه الاخبار: اجرت اللجنة العسكرية الفنية لمراقبة وقف اطلاق النارفي جبال النوبة محادثات امس مع المسئولين في وزارتي الدفاع والخارجية في اطار مهمتها وتتوجه اللجنة التي يرأسها الكولونيل الامريكي دينيس جيدينز وتضم اعضاء من النرويج وايطاليا وفرنسا اليوم الى مقرها في مدينة كادوقلي لمباشرة مهمة الاشراف الكامل على وقف النار بين القوات الحكومية والمتمردين الجنوبيين في قلب المنطقة «الحياة 5/4/2002» وهناك بعض الانقاذيين اكثر حرجا لانهم في قلب تطبيق مشروع السلام الذي ينسف فكرة انقاذية قديمة ترفض الامبريالية، ومن بين هؤلاء مستشار رئيس الجمهورية للسلام لذلك يحاول ان يعود الى الفكرة والمناقشة والتنظير ولكن باثر رجعي فلاول مرة يلحق مسئول رسمي القرارات الحكومية بما يشبه المذكرة التفسيرية من خلال مقالات في الصحف السيارة ويتحول الى معلق او محلل سياسي، ويستنجد بقصص كليلة ودمنة وليس بالكتاب والسنة والاجماع، ويتحدث عن صيد البط الساكن بينما الامريكان لم يتركوا بطا ولا ذكر بط من الافكار والثوابت الانقاذية والا واصطادوه دون ان يطلقوا رصاصة واحدة، معتمدين على تداعيات حوادث 11 سبتمبر.
يمضي خواء الانقاذ الفكري ليأخذ اشكالا جديدة لشغل الناس من بينها الزواج الانقاذي كآلية جديدة في العمل السياسي، ورغم ان موضوع الزواج قضية خاصة جدا الا ان صحف السلطة ابت الا تجعلها مسألة دينية عامة وتقليدا للصحابة والسلف الصالح، وكأنهم لم يجدوا في سلوك الصحابة والسلف مايقلد في ميادين العدل والمساواة والرحمة للفقراء والمساكين.
السؤال الاخير هو: حتام تستطيع الانقاذ ان تستمر كسلطة فقط بلا فكرة؟ هذا سؤال يوجه ليس للانقاذ فقط بل للمعارضة ايضا.
شكرًا للاخ سلطان بمنتدى سودانت نقلا عن البيان
http://www.albayan.co.ae/albayan/2002/04/10/sya/40.htm
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: د. حيدر إبراهيم : الانقاذ سلطة بلا فكرة (Re: bunbun)
|
Salam Bunbun
When you look deeply into the article I saw the level of trouble Sudan is in, now. Even without any kind Ideology these guys are able to hold on power without any significant oposition from the other political parties. This show the weakness of the political forum in Sudan, and that especially for the oposition. If we admit that the Islamic movement in Sudan is on the way to instinction, where are the others. Why don't they take advantage of this void to present their ideas, and fight for them. I am sure this government is like a castle of cards, it will go away when faced with the slightest legitimate oposition.
Salam Tarik
| |
|
|
|
|
|
|
|