|
اطفال الـسودان فى ظل الصراعات
|
الأطفال هم الأكثر تضرراً على الإطلاق في المجتمعات التي تعاني من النزاعات والحروب، مئات الآلاف منهم في السودان راحوا ضحايا الحروب والنزاعات والاقتتال الذي مضى عليه ما يزيد على عقدين من الزمن لاسيما الحرب الدائرة في جنوبي البلاد، قضية الضحايا من الأطفال في السودان لا تقتصر على قتل طفولة عشرات الآلاف منهم من خلال زجهم في آتون الحرب كجنود يحملون السلاح، وإنما من خلال تسبب الحرب في مقتل ذوي العديد منهم الذين يجدون أنفسهم مشردين أو متسولين على قارعة الطرق بدون مأوى أو تعليم أو رعاية صحية وإنسانية من أي نوع كان، منظمات دولية أشارت إلى أن الجيش الشعبي لتحرير السودان جنَّد آلافاً من الأطفال المقاتلين، بينما تؤكد جهات مختلفة أن آلافاً من الأطفال ذهبوا وقوداً للحرب وآخرين قتلوا خلال عمليات التدريب التي لا تقوى الأجساد الغضة على تحملها، أضرار الحروب على الأطفال تتعدد وتتنوع ويصعب التعبير عنها في كلمات مهما وصلت البلاغة.
تقرير الطاهر المرضي من السودان.
الطاهر المرضي: هذا الطفل الذي يكاد يتمزق فؤاده من البكاء فقد أمه برصاص الهجوم على مدينة (راجا) بجنوبي السودان، فالتقطته زينب عندما وجدته يصرخ بجوار جثة أمه ليوقظها فحملته عطفاً لأنها تدرك أن طلبة غير مستجاب.
زينب عبد الله (مواطنة سودانية من راجا/ بحر الغزال): بالليل شاف الزلمة يبكي كده، ما كان منه يبكي كده أنا لازم بيقول لنا الناس يفوتوا يقولوا خلونا أنا ... هنا لحد ما، يجي يشرب بعدها يرتاح ويقوم يشيل اللي شافه بالطريقة دي لحد ما وصلنا إلى المحطة، لأي محطة نوصل فوقه بنفس هذه السهولة، لحد ما وصلنا التمساح.
الطاهر المرضي: كما أن هذا الطفل النازح من مناطق الحرب الأهلية في السودان لا مكان له إلا بين الأقدام وسط العاصمة الخرطوم، مشهد يتكرر يومياً حتى ألفته العين، وربما يكون أحد أسباب رزق أسرته في ممارسة التسول لكسب عطف المارة، كل هذا كان نتاج الحرب الأهلية في السودان التي يقال إنها أودت بحياة أربعة ملايين شخص وشردت عدداً مماثلاً يمثل الأطفال منهم 50 % دفعوا الثمن غالياً.
محمد صالح (منطقة كسلا): يعني الحالة بقت حالة صعبة وتشوف يعني اتشردوا من المدارس وما قدروا يتعلموا وما قدروا يقروا.
مواطنة سودانية: السنة دي... البيوت دي نقول هسه ذات لقينا نعمة الدنيا دي كلها، ليه؟ من الصعب تشوفها.
الطاهر المرضي: ومما يفاقم الأمر لجوء الحركة الشعبية لتحرير السودان لتجنيد الأطفال قصراً وإجبارهم على ممارسة الجندية.
فاروق صالح (مسؤول سابق في الجيش الشعبي لتحرير السودان): أنا كشاهد عيان وكنت في مراكز التدريب للجيش الأحمر والأطفال اللي هم ملقبين بالجيش الأحمر الفترة بتاعة التدريب ماتوا فيها ما لا يقل عن 300 ألف طفل معاناة من القسوة بتاعة التدريب وقوة التحمل والجوع والعطش.
الطاهر المرضي: وتشير تقارير برنامج "شريان الحياة" الذي يعمل في مجال الإغاثة بجنوبي السودان إلى أن الحركة الشعبية لتحرير السودان تقوم بتجنيد أعداد كبيرة من الأطفال وإنه قد تم في الأشهر الماضية تسريح قرابة الثمانية آلاف طفل منهم ونقلوا جواً من مناطق بحر الغزال.
ويقدر عدد الأطفال النازحين إلى الخرطوم والذين فقدوا الأسرة والمأوى بأكثر من مليون ونصف المليون طفل، بينما تضم معسكرات ولايات السودان الأخرى ما يزيد عن ثلاثمائة ألف طفل تتراوح أعمارهم ما بين العام والخمسة أعوام.
توماس أكسل (مدير منظمة اليونيسيف/ الخرطوم): العديد من الأطفال منخرطون في الحرب بشكل مباشر، هناك نحو سبعة آلاف طفل يعملون كجنود مقاتلين في السودان، جميع الأطفال المذكورين هنا تحت الخامسة عشرة ومعظمهم في سن الثامنة والتاسعة، جميعهم يشاركون في القتال وفي الحرب، أقول هنا: إنه لا يجب أن يكون هناك مكان للأطفال في أي جيش كان، فهذا ليس مكانهم.
الطاهر المرضي: علماء النفس يقولون إن طبيعة الأطفال النفسية لا تتحمل المناظر البشعة للقتل والتعذيب حتى في الصور والأفلام، ناهيك عن مشاهدة حقيقية يتعرض لها الأطفال في الحرب الدائرة في جنوبي السودان هذا يخلق للطفل شخصية غير متوازنة نفسياً.
فاروق صالح: من صوت الدانة فيه ناس أصيبوا بالخرس، الطرش، العمى، ده كله كان الأطفال اللي حصلت لهم، فكانوا بيشيلوا السلاح بيضعوه في عمق رأسهم ويضربوا نفسهم على أساس إنه ينتهوا من الدنيا دي بأسهل الطرق، فيه البعض منهم تشردوا وسط الغابات، بيتعرضوا لأكل الوحوش، يتعرضوا للأمراض، يتعرضوا للجوع يتعرضوا لأشياء كثيرة جداً.
الطاهر المرضي: وأدى فقدان عدد كبير من الأطفال للأب والأم لوجود ظاهرة الأطفال المشردين، فالإحصاءات الأخيرة في سجلات المحاكم أوضحت أن الأطفال المشردين يرتكبون جرائم غريبة الأطوار يغلب عليها العنف في كثير من الأحوال وربما القتل، وهنالك أخطار أخرى.
منال محمد عبد الحليم (جمعية متعاونات السودانية): أكبر نسبة من الأطفال بتعرض للقوانين هم الأطفال المشردين وبالذات المشردين والجايين من مناطق الحرب، فبيرتكبوا جرائم، لذلك ولما يمشوا المحكمة حتى دي ما بتكون معاها ذويهم يحضروا المحاكم وبيكون معظمهم جزء في الإصلاحية والجزء التاني بعد يطلع تاني بيعيد ويكرر الجريمة ويرجع تاني للإصلاحية، فدي بتشكل كارثة كبيرة جداً لأطفال السودان.
عثمان محجوب (محامي جرائم الأحداث): نسبة كبيرة جداً من الأطفال في المحاكم وفي الحراسات هي نسبة حوالي 70 % من خلال إحصاءات عندنا والتقارير الموجودة عندنا، 70% من هؤلاء الأطفال في تعارضهم مع القانون جم من مناطق النزعات المسلحة والحرب الأهلية في الجنوب.
الطاهر المرضي: كما أن بروز ظاهرة اختطاف الأطفال بسبب الحرب الدائرة في جنوبي السودان وازدياد عدد المعوقين منهم والمشردين وسط مجتمع يعاني الفقر يفاقم الأمر وينذر بواقع أكثر مرارة ويفرز مجتمع يسوده الإحباط، ويعكس أوضاعاً أكثر مأساوية هي حصيلة حرب أهلية رامت أكتر من ربع قرن لا طائل من ورائها سوى هذا الدمار والخراب.
الحرب المدمرة لا تفرق بين صغير وكبير، الأطفال هم أول ضحاياها تتحول آمالهم إلى بؤس وشقاء في مأساة يطول عمرها من جيل إلى جيل.
بـــــــــوب نقلا عن الجزيرة
|
|
|
|
|
|