|
العنف واسبابه
|
مفهوم العنف:
نقتصر هنا على تناول المعنى الإصطلاحي للكلمة :فالعنف هو استخدام الضغط أو القوة استخداما غير مشروع ’أو غير مطابق للقانون من شأنه التأثير على إرادة الفرد ومن هذا الضغط و القوة تنشأ الفوضى فلا يعترف الناس بشرعية الواجبات ما دامت الحقوق غير معترف بها فتنشر العلاقات العدائية في المجتمع و تنشأ مجموعات أوتكتلات تتفق على صيغة تفرض بها إرادتها على الأفراد و الجماعات الاخرى فينصب عنفها على الأفراد ، أو على الممتلكات قصد إخضاع السلطة أو الجماعات الأخرى ؛ وقد تجمع بين النوعين ، و تتطور و تطغى فتصبح إرهابا .
و العنف أشكال و أنواع ؛ إذ نجد العنف الفكري ، و الإجتماعي و الإداري ، و السياسي ؛ و كل ينال من استقرار الوطن و المواطن ، و يزعزع أمته بانتشار الرعب و التخريب قصد فرض رأي أو عمل أو فكرة ، أو نمط حياة ، أو نظام معين .
و يرى الدارسون لهذا الموضوع ، أن العنف السياسي هو إستخدام القوة أو التهديد باستخدامها من فرد أو جماعة تعمل إما لصالح السلطة قائمة أو ضدها ، عندما يكون القصد من ذلك العمل على خلق حالة من القلق الشديد لدى مجموعة أكبر من الضحايا ، و إجبار تلك المجموعة على الإستجابة للمطالب السياسية لمرتكبي أعمال العنف .
أسباب العنف :
إن أسباب تفشي ظاهرة العنف متعددة ، و العوامل المساعدة على انتشارها و تغذيتها مختلفة ، مما ينتج انتشار الفساد ، و زهق الأرواح وسيلان الدماء ، و تحطيم الاقتصاد . و هي نتائج تؤثر في وجدان المجتمع ، فيعيش القلق
و الإضطراب ، و التروح و التشرد ، فلا يهدأ بال ، و لا تطمئن قلوب ، و لا تسكن نفوس . فكيف يفكر في عمل ، أو في بحث ، أو انتاج ؟ .
و تحمل هذه الاسباب في مجملها كثيرا من معاناة المراهقين و الشباب ، الإجتماعية منها و الفكرية ، فيحاولون الهروب من هذا الواقع الصعب ، حيث تتفشى الأمراض الاجتماعية بسبب البطالة و تدهور القدرة الشرائية ، و لا يحاولون تغيير ذلك الواقع المر ، إلى ما هو أفضل بالكفاح الفكري ، و العمل و المثابرة ، فيصاب الكثير منهم باليأس من إيجاد مخرج لمستقبلهم ، فيقعوا فريسة سهلة في شرك من يستغل الظروف ، و يجعل منها تجارة مربحة ، فيحدون أنفسهم في صفوف التطرف.
و التطرف أنواع أيضا ، منه الفكري ، و هو التعصب لرأي معين دزن غيره من الآراء و التشبث به ، و المغالاة في التمسك به و الإصرار عليه .
و إذا ما غاب الححوار الموضوعي و الاقناع الفكري ، فإن التطرف و التعصب يجدان مرتعا ، و ربما تحولت الأفكار إلى أعمال و سلوكات إجرائية بإستخدام العنف .
و هنا تظهر أهمية دروس التربية لتعريف النشئ بالمبادئ الإنسانية النبيلة التي تحث على الود و التواصل ، و العدالة و الأخوة ، و التفتح على الرأي الآخر ، و عدم نصب العداء للمعتقدات الأخرى ، و بذلك نصون المراهقين و الشباب و نحصنهــم ضد المفاهيم المتطرفة التي تزرع الكراهية لكل من يخالفنا الرأي و المعتقد ، و بذون الفتنة و القسوة والعنف
و يرى الباحثون في هذا المجال أن اسباب هذه الظاهرة عديدة ، نلخصها في الأنواع الآتية :
1- أسباب اقتصاديـــة :
لا شكّ أنّ هذا النوع من الأسباب يؤدي دورا هاما في جنوح المراهقين و الشباب إلى العنف : فتفشي البطالة
و تدهور القدرة الشرائية بسوء الأوضاع الإقتصادية و انخفاض مداخبل الدولة ، تجعل نفوس الشباب مرتعا خصبا لكل الأفكار المغرية ، و عرضة لكل إغراء مادي يستعمل مصيدة لهؤلاء لتوريطهم في أعمال العنف بطعم إخراجهم من وظعيتهم الصعبة ، فتنقاد بسهولة وراء كل داع بحق أو بغير حق .
2- أسباب إجتماعية :
يترتب عن الأسباب الإقتصادية السالفة الذكر ، أسباب إجتماعية ، إذ بتدهور الإقتصاد تتدهور الأوضاع الإجتماعية ، و تفكك الأوصار الأسرية نتيجة تعقد المشاكل و استفحال مشكل البطالة
و السكن ، فيجد الشباب نفسه في الثلاثين من العمر ، لا يملك إلى فراشا تحت مغسل المطبخ الذي يتقاسمه مع إخوته ، بل ربما مع أخوته في سن الشباب أيضا .
و من هنا يتكون الشعور بالتهميش و فقدان الثقة ، و يزداد قوة بعد طول إنتظار فتصبح النفوس مهيأة لتقبل أي فكرة تنادي لتغيير الأوضاع - مهما كانت وسائل هذا التغيير - لأنّ الهدف هو تحطيم الأوضاع التي فرضت عليه العيش في هذه الظروف القاسية و جعلتهم طبقة منبوذة مهمّشة ، فتكون الإستجابة تلقائية لدعوة التغيير بالعنف .
3- أسباب ثقافية :
إذا كانت السلطات العمومية لا تولي اهتماما للثقافة و شوهت مفهومها و حصرت في الفلكلور و الغناء و الرقص فقط ، و لم تعطي أي دور للمثقف في تجنيد الطاقات و توجيها - خاصة الشابة منها - فإن ذلك يولد صراعا بين هؤلاء و السلطة ، و يمتد إلى أوساط الشباب ، فتتكون الجماعات المتطرفة تحت غطاءات مختلفة .
و لكن ثقافة مبادء و أسس تبنى عليها و على المجتمع أن يراعي التوازن فإنه ينشأ صراع بين المجددين و المحافظين يؤدي إلى التعصب ، وزرع بذور العنف بدل غرس الأخلاق الحميدة و الفكر القويم و ثقافة السلم و السلام .
4- أسباب سياسية :
عندما تتسلط الإدرة على المواطن ، و تسيطر على شؤون المجتمع حتي يصبح الفرد لا يسأل عن السبل القانونية للقيام بنشاط ما ، بل يبحث عمن له نفوذ في دواليب الإدارة لتحقيق أغراضه ، و لو كانت غير قانونية ، فإن المجتمع - خاصة الشباب - يشعر بخيبة أمل .
و يقول علماء الإجتماع أن السياسة الإجتماعية الرشبدة ، هي تلك التي تعالج أمور المجتمع بالملموس ، لا نظرة السياسي الذي يعيش فوق المجتمع ، سابحا في النظريات الفوقية . فإذا مارست السياية التفرقة بين أفراد المجتمع فلا شك أن ذلك يؤدي إلى فقدان الثقة و هذا يؤدي بدوره إلى العصيان .
و لما كان العنف مرتبطا بالإنحراف ، فلا بد إذن من أن نعرج على هذا الموضوع ، خاصة أنه نال قصطا وفيرا من اهتمام الدارسين من علماء النفس ، ومن حيث هو ظاهرة اجتماعية و سترعى أيضا اهتمام الدارسين من علماء النفس ، من حيث هو طاهرة نفسية سلوكية فردية .
و الإنحراف بمفهومه الواسع هو " انتهاك التوقعات و المعايير الإجتماعية " ، و " الخروج عن المألوف في التصرفات " التي توصف عادة بالسيئة . و تطور مفهوم الإنحراف أو الجنوح بعد نشر " ALBERT COHEN "سنة 1955 لكتابه " الأولاد المنحرفون " ، حيث يرى أن الجنوح نموذج مستمر في الإنحراف لفترة زمية ، وليس ارتكاب فعل منحرف . ولا يكون الشخص منحرفا أو جانحا إلاّ إذا اتخذ من الإنحراف أسلوبا لحياته
|
|
|
|
|
|