ماذا يعني التحول الديمقراطي؟؟ المهندس/هاشم محمد أحمد
· مهما كانت نتيجة المفاوضات في جولة المفاوضات التي انعقدت بالقاهرة بين التجمع الوطني الديمقراطي وحكومة السودان .. ومهما كانت درجة النجاح أو الفشل .. الاستمرار أو الانقطاع لأخذ النفس بعد عملية الشد والجذب، والقلب والخوف من انحراف المفاوضات والعمل على تصحيح مسارها وتقريب وجهات النظر .. ومهما تنوعت درجات الإحساس تجاه ناتج هذه التجربة الجديدة الفريدة بعد انقطاع وقطيعة دامت الخمسة عشر عاماً بين الأطراف المتحاربة المتفاوضة ونظام الخرطوم .. ومهما اختلفت المداخل والمفاهيم فإن قضية التحول الديمقراطي تظل هي المحور والقضية الأساسية التي تربط بين كل الأطراف سواء المتنافرة، المتقاطعة منها أو المنسجمة وتلزمها بالجلوس والوصول إليها عبر التفاوض السلمي المتفق عليه .. ويصبح الهدف الذي يعلو على كل هدف هو التوصل إلى سلام دائم وحل ديمقراطي شامل في حضور جميع أفراد الشعب السوداني .. ويبقى الأمل أن يفضي هذا التفاوض مع ما يدور في جبهات أخرى .. إلى تحول ديمقراطي كامل تقطف ثماره سوداناً جديداً .. سودان الديمقراطية والسلام والعدالة وسيادة حكم القانون.
· فماذا إذن يعني التحول الديمقراطي بالنسبة لأعضاء التجمع الوطني الديمقراطي وقياداته ومستشاريه بفعالياته الأربعة عشر الممثلة لأضلاعه الثلاثة : أحزاب ، ونقابات ، وقوات مسلحة .. والتي تقاطرت من كل صوب وحدب .. شحذت الهمم والأقلام باسم الشعب .. سهرت الليالى وتدارست وسطرت الأفكار والخطط رغم الإرهاق والتعب .. ثم خرجت لنا بخيالها الواسع ببرنامج كامل يصلح أساساً للتفاوض مع الحكومة السودانية ينتج عن تحقيقه مشروعاً كاملاً لحل مشاكل السودان .. وما فتئت هذه اللجان المرابطة بمعسكراتها في قاهرة المعز ضاغطة على الزناد مصوبة على الهدف وهو التحول الديمقراطي من خلال تحقيق النجاح في أربعة شعب السياسي منها والدستوري والقانوني والاقتصادي .. مع معالجة القضايا الكبرى ذات الاهتمام والمساس المباشر بالمواطن وهي رفع المظالم ودفع الضرر، وإعادة الهيبة والاستقلالية للخدمة المدنية والعسكرية للقوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى وأجهزة الأمن .. فضلاً عن ترتيب الأوضاع الخاصة بها وأوضاع أحزاب التجمع ونقاباته ومؤسساته .. وتظل اللجان مرابطة ومصممة على الوصول للهدف ليتمكن التجمع من أداء دوره كاملاً في البنيان الديمقراطي الجديد ..
· أما بالنسبة للجانب الدستوري فإن التحول الديمقراطي في جملة واحدة يعني تقرير قضايا القوانين والقضاء المستقل.. ويعني البدء في إجراءات تهيئة المناخ برفع حالة الطوارئ الآن وتعديل لائحتها ورفع الرقابة على الصحف وأوامر وقفها وأوامر إلغاء بعضها .. وبسط الحريات واحترام حقوق الإنسان، وإلغاء المادة 31 من قانون الأمن الوطني، وإزالة كل القوانين التي تحد من حرية الحركة بالنسبة للأحزاب ومراجعة قوانين تسجيلها، ووضع قوانين جديدة للنقابات، وكفالة حق الإضراب لها، مع إعادة العمل بقانون المحاماة لعام 1983 قبل تعدليه، وقانون النقابات الجديد المقترح مع إلغاء كل القوانين المتعارضة مع حقوق الإنسان المنصوص عليها في المواثيق والعهود الدولية دعماً للتحول الديمقراطي .. كما يجب أن يشمل الإلغاء دستور 1998 ووضع دستور جديد للفترة الانتقالية..
وبما أننا بصدد عودة الأحزاب والتنظيمات والأفراد وكل الكفاءات المتميزة والعقول المهاجرة للمشاركة في بناء السودان فلابد بالضرورة من تحقيق إجراءات تهيئة الأجواء لها ومن ثم ينظر في المشاركة في حكومة ذات قاعدة عريضة .. لأن الحل السياسي لابد أن يقوم على قواعد متينة من الشمول والمشاركة .. وهذا يشمل بالطبع المشاركة في وضع الدساتير وإبداء الرأي في هياكل الحكم وتعديلها وإزالة أي اختلال فيها .. يتطلب المشاركة في وضع قوانين جديدة للخدمة المدنية والمؤسسات والقوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى وجهاز الأمن بما يحقق قوميتها واستقلاليتها وحيدتها وديمقراطيتها.
بهذه المؤشرات وحدها يمكن الحديث عن آفاق الحل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل ..
· أما بالنسبة للجانب السياسي فإنه مع الترحيب الحار والتأييد لما تم في نيفاشا من اتفاق باعتبارها خطوة هامة في طريق إنهاء الحرب ومعالجة جذور الأزمة السودانية المستفحلة منذ الاستقلال فإن التحول الديمقراطي يتطلب أولاً التأمين على وإنهاء ما تبقى من نقاط فنية في بروتوكولات نيفاشا والتوقيع النهائي عليها ومعالجة أي سلبيات تبرز في هذا الأثناء .. ومن ثم تكملة ما تبقى في الشمال وهو أساس التفاوض الحالي الذي يتيح (مع ما تم من اتفاقات) أسساً جديدة لإعادة الهيكلة في البناء الوطني وحفظ التوازن بين المركز والأقاليم .. كما يفتح الباب أمام الوحدة الطوعية في إطار التعددية .. على أنه من الضروري ربط اتفاقية السلام والمفاوضات الدائرة الآن في القاهرة بالأوضاع في شرق السودان مع التصدي لقضية دارفور بكل أبعادها السياسية والإنسانية. مع الاعتراف بأنها إفراز حقيقي للأزمة العامة والتهميش لأطراف الوطن الأربعة .. وبأنها تشكل ركناً من أركان الحل السياسي لقضية سياسية " تتطلب حلاً سياسياً " .. وبدون حل هذه القضايا في إطار التفاوض حول قضايا الشمال فسوف لن يتسنى لنا الحل الشامل والإشراك الكامل..
على أننا نعود ونؤكد مرة أخرى أنا هناك شرطاً هاماً لتحقيق التحول الديمقراطي وهو التزام الحكومة بالبدء فوراً في تنفيذ متطلبات هذا التحول أولها بسط الحريات، وإلغاء القوانين الاستثنائية والمقيدة للحريات، رفع قانون الطوارئ، رفع الرقابة على الصحف، كفالة حرية التعبير والتنظيم وحرية العمل النقابي والسياسي ..
· أما من النظرة الاقتصادية: فإن التحول الديمقراطي كهدف من أهداف المرحلة – يعني برنامجاً اقتصادياً واجتماعياً يفضي لوحدة السودان والنماء والسلام المستدام.. كما يعني إحراز نجاح واتفاق شامل حول إصلاح الوضع الاقتصادي والمالي والمؤسس، ومراجعة السياسيات الاقتصادية والمالية الخاطئة، وذلك في إطار برنامج الإجماع الوطني وبروتوكولات توزيع الثروة.. والتحول يعني وضع برنامج اقتصادي عاجل للإغاثة وإعادة التعمير يشمل (ولا يقتصر على) المشاريع الزراعية الكبرى مثل مشروعي الجزيرة وطوكر .. ويبدأ بالاستجابة للمتطلبات الجماهيرية وتولي الحكومة مسئوليتها الكاملة تجاه الصحة، والتعليم، والخدمات، والمياه، والسكن.. فضلاً عن تحسين الأحوال المعيشية. ويعني اتخاذ إجراءات اقتصادية لمحاربة الفقر وتحسين أحوال المواطنين في طريق إنهاء الفقر جذرياً..
أيضاً وكشرط لإصلاح المسار لابد من وضع الأسس الاقتصادية والمؤسسية لبرنامج التنمية المتوازنة، والبدء الفوري فيه.. وفي هذا يمكن الاستعانة بمؤسسات التمويل وفق برنامج كامل لإصلاح الوضع الاقتصادي وتنفيذ خطط التنمية في كل القطاعات عام وخاص وتعاوني وبناء الأساس لتحقيق التطور الديمقراطي .
ولابد لتحقيق ذلك من آلية أهمها عقد مؤتمر اقتصادي قومي تمثل فيه كل جماهير الشعب السوداني ذات المصلحة الحقيقية في التنمية.. وتكون أعماله وما يخرج به من قرارات جزء من برنامج الفترة الانتقالية.. دون ذلك لا أرى أفقاً للتقدم في مرحلة التحول الديمقراطي .
· إن أحد الأركان الهامة التي تدفع بمرحلة التطور الديمقراطي للامام هي معالجة كل الأوضاع المختلة في العديد من المجالات وهي:
( أ ) ماذا يعني التحول الديمقراطي بالنسبة للخدمة المدنية:
يعني معالجة آثار الدمار الشامل الذي أحل بالخدمة المدنية من تصفية لمؤسسات القطاع العام والخصخصة التي تمت دون أسس سليمة.. وبيع المؤسسات الرابحة للأفراد وإلغاء بعض الوزارات والمؤسسات مثل وزارة الأشغال والنقل الميكانيكي والنقل النهري وتحويل مهامها لأفراد ومؤسسات ذوي الحظوة وتدهور العمل نسبة لتناقص العناصر المقتدرة من جراء الفصل والتشريد بالجملة (والذي بلغ 150 ألف مستخدم من مجموعة 500 ألف مستخدم كانوا هم أساس الخدمة المدنية العريقة وعظم ظهر العنصر البشري فيها.. فضلاً عن تولي عناصر الولاءات واستشراء الفساد المالي والإداري، وانحطاط مستوى الأداء وكفاءة وقدرات نظام الدولة البيروقراطي، وتدهور مستويات الانضباط وتحويل جهاز الخدمة المدنية إلى آلية لخدمة النظام الحاكم.. مما يعني انعدام المبادئ التي تحكم دولاب العمل من استقلالية، ونزاهة وكفاءة وخلافها ..
وعليه فإن الحل يكمن في إنشاء جهاز دولة قومي جديد شكلاً ومضموناً، وقانون جديد للخدمة المدنية، وقانون للنقابات وفقاً للمبادئ أعلاه.. يتم ذلك عبر مجالس ولجان متخصصة تعمل على مراجعة الوضع وتطبيق الإصلاح اللازمة لتفعيل الخدمة المدنية، وكل ما من شأنه أن يضمن قوميتها وديمقراطيتها وحيدتها واستقلاليتها، وكل ما بين على دفع وتحقيق التحول الديمقراطي الكامل في مجال تسيير دولاب العمل بالدولة.
(ب) ما هو دور رفع المظالم ودفع الضرر في بلورة منجزات المرحلة:
نسبة لأهمية العنصر البشري ومشاركته في آلية إنجاز التحول الديمقراطي فلابد من تأهيله وإزالة كل ما لحق به من أضرار ومعالجتها ومحو آثارها وتشجيع العناصر البشرية على الانخراط مرة أخرى في أداء دورها داخل النسيج الاجتماعي للدولة.. على أن تشمل المعالجة كل القطاعات بالذات ضحايا الحرب الأهلية، والمشردين والنازحين والمهجرين قسراً وعودتهم لقراهم، وضحايا التعذيب، والاعتقال التحفظي وضحايا النهب والخطف والحرائق والاغتصاب.
(ج) دور جهاز الأمن والقوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى في المرحلة وماذا يعني التحول الديمقراطي بالنسبة لها:
بالنسبة للحركة الجماهيرية والجموع التي عانت من أجهزة الأمن منذ 30 يونيو 1989 فإن مطالبتها بحل جهاز الأمن (باعتبار أنه جهاز فاشستي مارس القتل والاعتقال خارج نطاق القانون والتعذيب البدني والنفسي في السجون وبيوت الأشباح لمئات المواطنين في كل مدن السودان بشهادات مدونة وموثقة ومازالت ضحاياه تنتظر الإنصاف.. فإنه الآن لن يطمئنها لن يرضيها ويزيل غبنها سوى حل هذا الجهاز ومحاسبة ومعاقبة كل من ارتكب جرماً في حق المواطن السوداني.. فهل تجدي نظرية وتجربة الحقيقة والمصالحة في هذا؟؟.. وهل يتحقق التحول الديمقراطي دون تحقيق رغبة الجماهير؟؟ بما أن الحركة الجماهيرية بصدد الوصول إلى اتفاق حول الأوضاع الأمنية فإن أقل ما يمكن الاتفاق عليه هو مراجعة الأوضاع في جهاز الأمن من خلال لجنة أو لجان قومية من ذوي الخبرة والكفاءة والحيدة والنزاهة لمراجعة الوقع بحيث يعكس التمثيل قومية الجهاز بتعديله ليكون قومياً بكل المعاني في تكوينه ومهامه شكله ومضمونه لا جهازاً يمثل تنظيماً سياسياً بعينه يوظف كل أجهزة الدولة لصالحه ويتابع المواطنين ويخلق عدم الاطمئنان من جراء إرهاب زوار الليل.. ومفتاح ذلك الاعتراف أولاً والاقتناع بأنه جهاز خرب واحد والاعتراف بالتجاوزات وانتهاكات حقوق الإنسان والاتفاق على ضرورة وأهمية وجود آلية لتحقيق القومية.. وفق معايير قومية الأجهزة من حيدة ونزاهة وتجرد والتزام جانب الشعب .. والمشاركة الواسعة في تأسيسه واستراتيجية ومستقبله كما ينسحب ذلك على القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى.
هذا هو المدخل السليم في نظرنا للتحول الديمقراطي وبدونه لن تتوفر لنا عناصر هذا التحول ومقوماته.
( د ) ماذا يعني التحـول الديمقراطي بالنسبة للأوضاع الجديدة لفصائل التجمع الوطني الديمقراطي (أحزابـه ونقاباته.. وقواته المسلحة):
إن ترتيب وإعادة ترتيب أوضاع هذه الفصائل الممثلة للشعب السوداني يعتمد على عودتها للداخل.. وهذه مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتهيئة الظروف والمناخ الملائم للعودة أولاً.. ولكي تلعب هذه القوات دورها الرئيسي في تحقيق التحول الديمقراطي ثانياً.. ولكن بعد معالجة أوضاعها وتوفير كل الحريات اللازمة لها إذ أنها تمثل الأداة الحقيقية لإحداث التحول والمشاركة قاعدة وقيادة في بناء الدولة الحديثة.. ولكي نتمكن من ذلك لابد من توفير المقومات اللازمة لها لإنجاز ذلك ..
· قبل أن أتوقف أرجو أن أشير إلى أن هناك شرطاً أساسياً لنجاح هذه المفاوضات وتحقيق الأهداف أعلاه بصورة سوية.. وهو ضرورة التوصل إليها في جو حر محايد دون تبادل الضغوط أو التهديدات من أي من الجانبين.. ودون تدخل خارجي أو وسائطي يفرض حلاً على حساب المبادئ، ولا يرضي طموح جماهير الشعب السوداني التي ظلت تنتظر التغيير الديمقراطي سنين عدداً.. مثل هذه الحلول التي قد تفرض على أحد الأطراف المتفاوضة تشكل إحدى المهددات وأعظمها للوحدة والسلام وتحقيق التحول الديمقراطي الذي نحن بصدده.. بل وقد تؤدي إلى تعثر المفاوضات منذ الوهلة الأولى ..
وإلا فسوف نهزم المبادئ التي من أجلها جلسنا للتفاوض وفق مرجعيات معلومة تمكننا من تحقيق أهداف الشعب.. والله ولينا جميعاً وبه التوفيق،
المهندس/ هاشم محمد أحمد عضو هيئة القيادة التجمع الوطني الديمقراطي
11-09-2004, 05:29 AM
Raja Raja
تاريخ التسجيل: 05-19-2002
مجموع المشاركات: 16054
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
Raja
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست