|
|
 التهميش للمواطن السودانى فى قلب الخرطـــــــــوم- مأساة اخرى تشريد اسر
|
الاربعاء27اكتوبر2004
تداعيات إزالة حي «ثمانية بيوت» بالحلة الجديدة..
لاجئــــــون في قلــب الخــرطوم!!
تحقيق: هارون محمد آدم
«ثمانية بيوت» أقدم منطقة بحي أبي حمامة الذي يقع وسط الخرطوم، فقد سكانها المأوى وأصبحوا لاجئون يقيمون في أكواخ من جوالات الخيش والخشب وأبواب المنازل التي سلمت من دمار الجرافات التي حولت المنازل الى أكوام من التراب، يتجول على أنقاضها الأطفال، الذين أثار الدمار الرعب في نفوسهم!! الدمار الذي لحق بمنازل الفقراء ينبيء بحدوث زلزال قوي ضرب المنطقة. ولكن الحقيقة أن وزارة التخطيط العمراني بولاية الخرطوم، أمرت بهدم المنازل وطالبت سكانها بإخلائها فوراً وتسليمها للوزارة، بعد اثنين وخمسين عاماً من الاستقرار، فالمنازل المدمرة تحتل موقعاً استثمارياً يسيل له لعاب أصحاب الأموال، يقع على شارع السجانة الذي يربط وسط مدينة الخرطوم بأطرافها الجنوبية فهذا ربما كان سبباً في المعاناة التي أحلت بسكان الحي الفقراء الذين باتوا في العراء!!. بالاضافة الى انعدام مقومات الحياة الأساسية كالمياه ودورات المياه مأساة إنسانية يعيشها أناس مغلوبون على أمرهم بمنطقة أبي حمامة، «الرأي العام» زارت منطقة أبوحمامة للوقوف على الحقيقة.
أطفال مذعورون!!
الأطفال مذعورون يعتقدون أن كل من يقترب من الموقع ويستقل عربة هو أحد موظفي وزارة التخطيط العمراني التي دمرت منازلهم، ولذلك عندما وصلت الى موقع المنازل المدمرة قابلت طفلاً في التاسعة من عمره يقف على أنقاض أحد المنازل المدمرة، وعندما القيت عليه السلام فر مني الى داخل الأكواخ، وهو يصيح بأعلى صوته «ناس الكسر جو تاني» ولم يهدأ للطفل بال حتى خرج أهله الذين يقيمون في الأكواخ وسكان المنازل المجاورة حاولت الاقتراب من الطفل لتقصي أسباب الذعر التي جعلته يعيش حالة هيستيرية، ولكن لم أفلح إلا عندما جاء خاله الذي وقف من خلفه، فسألت الطفل لماذا أنت خائف؟ قال: «إن منزلهم دمرته الجرافات، والأمطار هطلت عليهم وهم بلا مأوى والأعاصير اقتلعت الكوخ الذي شيده والدهم لإيوائهم من حرارة الشمس. ووالدته أصيبت بالملاريا وهي طريحة الفراش داخل الكوخ المشيد من الأخشاب وهو يخشى أن «يأتي ناس الكسر» الذي هدموا المنازل وبالتالي لا يعرفون أين يذهبون فالطفل الذي يدرس بالصف الثاني بمدرسة الحلة الجديدة، قال إن ملابسه المدرسية طمرت داخل المنزل الذي هدمته الجرافات وأن والده لا يملك نقوداً يشتري له ملابس جديدة لذلك يشعر بالخوف لأنه ينوم في العراء!.
تفاصيل النزاع
النزاع حول منطقة ثمانية بيوت بدأ في عام 1994م عندما طلبت وزارة التخطيط العمراني بولاية الخرطوم من المواطنين إخلاء المنازل التي أقاموا فيها لمدة اثنين وخمسين عاماً دون تقديم حلول نهائية بديلاً للمساكن التي خصصتها وزارة الاشغال عام 1952م كمساكن لعدد من الأسر. فاحتج المواطنون لوزارة التخطيط العمراني ولاية الخرطوم التي أصدرت قرار الإخلاء من خلال لجنة خاصة دخلت في مفاوضات مطولة مع وزير التخطيط العمراني في ذلك الوقت الدكتور «شرف الدين بانقا» الذي تفهم أوضاع المواطنين وكون لجنة من وزارته لدراسة الآثار السالبة في حالة ترحيل المواطنين، بعد مغادرة شرف الدين ، الغت الوزارة عمل اللجنة وطالبت المواطنين بإخلاء المنازل فوراً ثم تظلم المواطنون لدى وزارة العدل، و خاطبت وزارة العدل في الثالث من نوفمبر لعام 2003م وزارة التخطيط العمراني ولاية الخرطوم عبر المستشار القانوني لوزارة التخطيط العمراني، طالبة من وزارة التخطيط العمراني وقف إزالة مربع «6» بالحلة الجديدة، حتى تتمكن وزارة العدل من دراسة القضية، وعدم إخلاء الشاكين من المربع المذكور الى حين البت في الشكوى ومهر القرار بتوقيع المحامي العام لوزارة العدل.
في السادس من ديسمبر لعام 2003م خاطب المستشار القانوني لوزارة التخطيط العمراني والمرافق العامة ولاية الخرطوم رئيس لجنة الازالة بالوزارة بناء على خطاب المحامي لوزارة العدل. طالباً وقف قرار الإزالة بالنمرة «4/13/أ/747» لحين الفصل في الطلب، وختم القرار بتوقيع كبير المستشارين القانونيين لوزارة التخطيط العمراني والمرافق العامة، وفي التاسع عشر من شهر يونيو لعام 2004م اصدر المحامي العام لوزارة العدل قراراً بالنمرة «و ع» معنون للمستشار القانوني لوزارة التخطيط العمراني أفاد فيه بأن مكتب المحامي العام قرر إلغاء إيقاف التنفيذ القاضي بعدم إزالة منازل الصحة بالحلة الجديدة، دون أن يورد حيثيات لقرار إيقاف التنفيذ، ومنذ ذلك التاريخ تأزمت الأمور بين وزارة التخطيط العمراني وساكني مربع «6» بالحلة الجديدة وانتهى الأمر الى إزالة مباني مربع «6» بالكامل دون إيجاد حلول لساكنيها الذين باتوا في العراء بلا مأوى، ولا خدمات، بها أثاثات منازلهم وحقائبهم تتناثر على مقربة من الشارع!!.
نيابة الأراضي
يقول سكان ثمانية بيوت بحي أبي حمامة الذين فقدوا المأوى وظلوا يقيمون على أنقاض منازلهم التي دمرت بناء على قرارات اتخذتها وزارة التخطيط العمراني ولاية الخرطوم: «مربع ثمانية بيوت» بني خصيصاً لعمال الصحة في عام 1952م على أن يصبح ملكاً لهم بعد عشر سنوات، كمكافأة لهم على قبولهم ترك المنازل التي كانوا يقيمون فيها بالخرطوم «3» طواعية، حيث كانت هذه المنطقة التي تأسست على مربع ثمانية بيوت، وعرفت فيما بعد بحي أبي حمامة ، غابة تبعد عدة كيلومترات من وسط الخرطوم، ففي عام 1994م حصل تطور أذهل مواطني الحلة الجديدة بصفة خاصة وأبوحمامة بصفة عامة، عندما طلبت وزارة الشؤون الهندسية ولاية الخرطوم من مواطني ثمانية بيوت إخلاء منازلهم. باعتبار أن المباني التي شيدت في عام 1952م وملكت للمواطنين يحق لوزارة الشؤون الهندسية نزعها منهم ، في حين أن تمليك هذه المنازل للمواطنين تم قبل استقلال السودان وفق اتفاق خاص أبرم بين بلدية الخرطوم في ذلك الوقت وعمال الصحة بصورة شخصية، لذلك واجه المواطنون قرار نزع المباني بالرفض، وكونوا لجنة من سكان مربع ثمانية بيوت وقابلت وزير الشؤون الهندسية في ذلك الوقت الدكتور شرف الدين بانقا، الذي وجه بإجراء مسح اجتماعي لسكان ثمانية بيوت وإعداد خيارات اخرى لحل المشكلة حتى لا يلحق الضرر بالمواطنين. أثبتت الوثائق التي تم تداولها أحقية المواطنين للمباني. فأصدر الوزير قراراً ألغى بموجبه قرار نزع ثمانية بيوت التي أصدرته محلية الخرطوم في ذلك الوقت بناء على نص القانون الذي يمنح كل شخص يقيم على أرض عشر سنوات حق التملك، وبدأت مفاوضات بين سكان ثمانية بيوت ووزارة الشؤون الهندسية لدراسة أربعة بدائل: بقاء السكان في المنطقة، الانتقال الى منطقة أبو آدم أو جبرة أو الأزهري قبل اكتمال هذه المفاوضات غادر د. شرف الدين بانقا الوزارة، وتوقفت الاجراءات لمدة ثلاث سنوات. ثم فاجأت الوزارة المواطنين بقرار جديد يقضي بترحيلهم من الحلة الجديدة الى منطقة «أبو أيوب الأنصاري» بالكلاكلة شرق، مع أن المفاوضات السابقة لم تلغ نتائجها، فالمنطقة التي تريد الوزارة ترحيل المواطنين اليها خالية من خدمات المياه والصحة والتعليم والمنزل مساحة مائتي متر وبه غرفة واحدة، ولا يسلم المواطنون شهادات بحث توضح حق الملكية، لذلك قرر المواطنون رفض الترحيل بالطريقة التي عرضتها الوزارة، ومن ثم كونوا لجنة أخرى لبدء مفاوضات جديدة مع الوزارة، وعندما وصلت المفاوضات الى طريق مسدود، رفعت اللجنة دعوى قضائية ضد وزارة التخطيط العمراني، فأصدرت نيابة الأراضي أمراً أوقفت بموجبه قرار إزالة المباني.
إزالة المنازل
في الثالث والعشرين من شهر سبتمبر من هذا العام فوجيء السكان في الصباح الباكر بالآليات تقف على أبواب المنازل لإزالتها، وعندما احتج السكان، وطالبوا الجهات التي جاءت لتنفيذ قرار إزالة المنازل بإبراز قرار مكتوب من جهة اعتبارية تصدى منفذو القرار للمواطنين بعنف وقسوة، واحضروا حمالين من السوق المجاور بناء على مبالغ مالية محددة وامروهم بإفراغ الأثاث والأمتعة من داخل المنازل الى خارجها وقد حدث ذلك، وطمرت الجرافات ما تبقى من ممتلكات داخل المنازل على مشهد من سكان الحلة الجديدة في حين أن المهندس المسؤول عن عمليات الازالة لم يحضر مع جهات التنفيذ، فحوالي مائتي شخص فقدوا المأوى وظلوا بقيمون على أنقاض منازلهم في مواجهة الأمطار والرياح العاتية. وتوقف المواطنون عن العمل والطلاب عن المدارس والوضع البيئي ينذر بكارثة بعد تدمير دورات المياه!!.
يقول الرقيب «حسين إبراهيم إسماعيل» الذي يعمل بمنطقة النيل الأزرق العسكرية، وصلتني أنباء ازالة منزلي وأنا في مناطق العمليات بالنيل الأزرق فعرضت الأمر على قائد المنطقة الذي قدر ظرفي ومنحني إذناً رغم صعوبة الموقف فغادرت الدمازين، وعندما وصلت الخرطوم، وجدت أفراد أسرتي بلا مأوى يقيمون في العراء ولذلك أنا أسأل إذا كان أفراد القوات المسلحة يقاتلون من أجل الوطن وحمايته هل سيكافئون بإلقاء أسرهم في العراء دون أي اعتبارات للجوانب الانسانية، فالوضع الذي نحن فيه في غاية الصعوبة والتعقيد ويتطلب علاجاً عاجلاً!!.
أما «عبدالعظيم سومي» نائب رئيس لجنة مربع ثمانية بيوت بالحلة الجديدة يقول: منازلنا دمرت على رؤوس ساكنيها واضطررنا الى العيش كاللاجئين في قلب الخرطوم التي نقيم بها منذ عام 1952م رغم الخطابات التي كتبتها اللجنة الى وزير الإسكان ليقف على معاناة المواطنين بنفسه ولكن ذلك لم يحدث، كما خاطبنا نائب الدائرة الاستاذ «علي عثمان محمد طه» النائب الأول لرئيس الجمهورية الذي صادفت مخاطبتنا له سفره الى نيروبي لإكمال محادثات السلام مع الحركة الشعبية، ونتوقع منه أن يرد لنا حقنا كما عهدنا منه قبل، لأن هدم المنازل تم بصورة عشوائية لم تراع فيها أبسط القيم الإنسانية حتى أن هناك معلومات شبه مؤكدة تفيد بأن المنازل التي هدمت بيعت لجهات استثمارية بمبالغ مالية كبيرة!!!.
وزارة الإسكان
ظللنا على مدى أكثر من اسبوع نلاحق إدارات وزارة الإسكان والمرافق العامة ولاية الخرطوم بغرض الحصول على معلومات حول قرار الإزالة المفاجيء لمربع ستة بالحلة الجديدة، ولكن التعتيم المعلوماتي المفروض حول المباني التي أزيلت حال دون الحصول على أية معلومات وأتضح لنا من خلال المتابعة أن القرار اتخذ والمباني أزيلت وأن الوزارة لها الحق في نزع المباني وتحويلها لما تريد، فنتمنى من القائمين على الأمر زيارة موقع المباني المهدمة لمشاهدة المآسي التي يعيشها سكان مربع «6» ولو من باب المجاملة، اذا سلمنا أن الوزارة وجدت من أجل خدمة المواطنين وليس اضطهادهم وزعزعة استقرارهم.
alrayalaam newspaper
|
|
 
|
|
|
|
Dia
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست