100 عام من العزلة - ماركيز...

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-12-2024, 02:26 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-21-2004, 05:13 PM

Ehab Eltayeb
<aEhab Eltayeb
تاريخ التسجيل: 11-25-2003
مجموع المشاركات: 2850

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
100 عام من العزلة - ماركيز...

    جابريل جارسيا ماركيز ( يحكي معاناته المادية التي كادت تمنع خروج رواية مائة عام من العزلة إلى النور .

    مقالة لعبقري الأدب العالمي ( جابرييل غارسيا ماركيز ) الحائز على نوبل 82 في المجلة التي يرأس تحريرها ، يروي فيه قصة النسخة الأصلية من روايته الخالدة ( مائة عام من العزلة ) ، التي شهدت مزادا عالميا لها ، وتم رفض بيعها لأن المزاد لم يبلغ الحد الأدنى وهو نصف مليون دولار !
    تعالوا معنا نعش مع جارسيا معاناته المادية التي كادت تحول بينه وبين إظهار الرواية للنور، هذا وهو يكتب إحدى أعظم روايات القرن العشرين .

    يقول جارسيا :

    في أوائل شهر أغسطس من عام 1966 توجهت أنا ومرسيدس إلى مكتب سان أنجل للبريد في المدينة المكسيكية لأرسل النسخة الأصلية من روايتي مائة عام من العزلة إلى بوينوس أيرس، كان مظروفا يحتوي علي خمسمائة وتسع صفحات مكتوبة علي ماكينة مزدوجة علي ورق عادي للغاية وموجهة إلى السيد باكو بروا المدير الأدبي لدار سودامريكانا للنشر، قام موظف مكتب البريد بوضع المظروف على الميزان ثم اجري حساباته المعتادة وقال:
    سيتكلف هذا اثنين وثمانين بيزو
    عدت مرسيدس الأوراق والعملات المعدنية التي كانت تحملها في حقيبتها ثم واجهتني بالحقيقة قائلة:
    ليس معنا سوي ثلاثة وخمسين بيزو
    كنا قد اعتدنا تماما علي تلك الأزمات اليومية بعد عام كامل من الأزمات المادية لدرجة أننا لم نفكر كثيرا في الحل، لقد فتحنا المظروف وقسمنا الأوراق إلى جزأين متماثلين،أرسلنا النصف الأول فقط إلى بوينوس أيرس دون أن نسأل أنفسنا كيف سنتمكن من إرسال الباقي.
    كانت الساعة السادسة مساء يوم جمعة ولن تفتح مكاتب البريد قبل يوم الاثنين ولذلك كان لدينا نهاية الأسبوع بطولها لنفكر في الحل، ولم يكن قد تبقى لدينا سوي القليل من الأصدقاء الذين يمكن أن نثقل عليهم بإقراضنا كما أن أفضل ممتلكاتنا كانت تقبع بجوار معروضات مونت دي بيداد . كان لدينا بالتأكيد الماكينة المتنقلة التي جلست أمامها لمدة ست ساعات يوميا لما يزيد علي عام لأنتهي من كتابة الرواية ، ولكن ما كان يمكن أن نرهنها لأنها كانت مصدر الرزق بالنسبة لنا .
    بعد مراجعة دقيقة للمنزل وجدنا شيئين يمكن بالكاد عرضهما للرهن : المدفأة في حجرة مكتبي وهي لم تكن لتساوي الكثير، وخلاطا أهدته لنا السيدة سوليداد مندوثا في كراكس بعد زواجنا، كان لدينا أيضا خاتما الزواج اللذان لم نجرؤ يوما علي رهنهما لما يعنيه ذلك من فأل سيئ. ولكن في تلك المرة حسمت مرسيدس الأمر وقررت عرضهما باعتبار انهما كانا احتياطيا استراتيجيا للطوارئ.
    مع أولى ساعات صباح الاثنين توجهنا إلى أقرب فروع 'مونت دي بيداد' حيث كنا من العملاء المعروفين لديهم، وهناك أعطونا بدون خاتمي الزواج ما يزيد قليلا عما كنا نحتاج.
    وما كدنا نصل إلى مكتب البريد وننظر إلى باقي المظروف حتى اكتشفنا أننا عكسنا الرواية فبدأنا بإرسال الصفحات الأخيرة منها قبل البداية، غير أن مرسيدس لم تعبأ بالأمر بل قالت: إن الشيء الوحيد الذي ينقصنا الآن هو ألا تكون الرواية جيدة.
    كانت هذه العبارة هي النهاية لثمانية عشر شهرا كافحنا خلالها معا لننتهي من الكتاب الذي كنت أعلق عليه جميع آمالي، فحتى ذلك الحين كنت قد نشرت أربعة كتب خلال ست سنوات وحصلت مقابلها على ما هو أفضل من لا شيء باستثناء كتاب 'ساعة النحس، الذي نلت عنه جائزة بلغت ثلاثة آلاف دولار في مسابقة(أسو كولومبيانا ؛ وقد نفعتني في مصاريف ولادة ثاني ابنائي جونثالو بالاضافة إلي أننا اشترينا بها أول سيارة لنا.
    كنا نعيش في منزل من منازل الطبقة الوسطى يقع على رابية (سان أنخل آن والتي كان يملكها العمدة المحامي لويس كودوريير ،الذي كان من بين فضائله الاهتمام بشكل شخصي بأمور مستأجري المنزل.
    رودريجو الذي كان في ذلك الوقت في السادسة وجونثالو الذي كان في الثالثة - كان لديهما في ذلك المنزل حديقة جميلة يلعبان فيها في الأوقات التي لا يذهبان فيها إلى المدرسة، وكنت أنا أعمل كمنسق عام لمجلتي سوثيسوس ولافاميليا ، حيث أتممت مقابل راتب لا بأس به عامين كاملين لم أكتب خلالهما حرفا.
    كارلوس فوينتس وأنا نقلنا أيضا إلي السينما قصة الديك الذهبي كما عملت معه ، في النسخة النهائية من سيناريو فيلم بدرو بارامو للمخرج كارلوس بيلو، وكتبت أيضا سيناريو فيلم وقت الموت وكان الأول للمخرج ارتورو ربستين .
    و في الساعات القليلة التي كانت تتبقى لدي كنت أقوم بعدد من الأعمال الوقتية مثل إعداد النصوص للنشر وإعلانات التليفزيون وكتابة بعض الأغاني. وكل ذلك كان يكفيني للعيش بشكل معقول ، ولكنه لم يكن يسمح لي بمواصلة كتابة القصص القصيرة والروايات.
    وعلى الرغم من ذلك فثمة فكرة جريئة لرواية ظلت تؤرقني لفترة طويلة، لم تكن فكرة مختلفة عن كل ما كتبته من قبل فحسب، بل كانت تختلف تماما عن كل ما قرأت، كانت نوعا من الرعب غير معروف المصدر، كان ذلك في بداية عام 1965 عندما اصطحبت مرسيدس والطفلين لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في أكابولكو، شعرت حينها أني أكاد انفجر من شدة ما كان يعتمل في نفسي. كنت شديد التوتر والتشبع بالفكرة حتى أني تفاديت بمعجزة بقرة كنت تعبر الطريق أمام السيارة، حتى أن رود ريجو صاح بفرح قائلا:
    -أنا أيضا عندما أكبر سأدهس الأبقار علي الطريق.
    لم أنعم بأية لحظة من الهدوء على الشاطئ يوم الأربعاء، وعندما عدنا إلي المكسيك جلست إلي الماكينة لأكتب جملة البداية التي لم أتحمل أن أحتفظ بها داخلي أكثر من ذلك : (بعد عدة سنوات، وأمام فصيلة الإعدام، كان على الكولونيل أورليانو بوينديا أن يتذكر ذلك اليوم البعيد الذي اصطحبه فيه والده ليتعرف علي الثلج..) ومنذ تلك اللحظة لمأانقطع يوما عن مواصلة الكتابة حتى السطر الأخير، حتى بدا الأمر كأنه حلم مسيطر.
    في الشهور الأولى تمكنت من أن أحافظ علي أفضل مستوى من الدخل يمكن تحقيقه،ولكن مع الوقت بدأت أحتاج لمزيد من الوقت لأكتب كما أريد. كنت أعمل إلى وقت متأخر جدا من الليل لكي أنتهي من الالتزامات المنوطة بي حتى أصبحت الحياة مستحيلة بالنسبة لي. رويدا رويدا ،أخذ الواقع الذي ل ايقاوم يجبرني على الاختيار بلا تردد بين الكتابة أو الموت، لم أتردد لأن مرسيدس اكثر من أي وقت مضي تكفلت بكل شيء بعدما أرهقنا جميع الأصدقاء،وأصبح لدينا حساب مفتوح لا أمل في سداده لدي بقال الحي والجزار علي الناصية.
    وكنا منذ أولى الأزمات التي تعرضنا لها نقاوم بشدة فكرة القروض ذات الفائدة، إلا أننا وجدنا أنفسنا في النهاية مضطرين لأن نقوم بأول زيارة لـ(مونت دي بيداد، وبعد مرتين أخريين رهنّا خلالهما بعض الأشياء البسيطة بدأنا نلجأ لمجوهرات مرسيدس التي تلقتها كهدايا من أقاربها طوال السنوات التي تلت زواجنا، وعندما عرضناها على خبير المحل أخذ يتفحصها بدقة جراح، ثم أخذ يختبرها ويتفحصها بعدسة سحرية.. الألماس في الأقراط والزمرد في العقد والياقوت في الأساور، في النهاية أعادها إلينا قائلا:
    -إنها من الزجاج الخالص.
    لم يكن لدينا من الوقت أو المزاج ما يجعلنا نتوقف كثيرا لنفكر متي تم استبدال الأحجار الكريمة التي احتفظنا بها طوال سنين بالزجاج، ذلك أننا كنا نعلم مسبقا أن نذير الشؤم يحوطنا من كل جانب.
    قد لا تصدقون ذلك ،ولكن كبرى مشاكلي في الكتابة كانت مع الورق. إذ ترسخ لدي اعتقاد بأن الأخطاء الطباعية أو الإملائية أو أخطاء النحو هي في واقع الأمر أخطاء في إبداع الكاتب. ومن ثم فإني كلما اكتشفت أحد هذه الأخطاء كنت أسارع بتمزيق الورقة كلها أشلاء وأبدأ من جديد. كانت مرسيدس تصرف ما يقرب من نصف ميزانية المنزل لشراء رزم الأوراق التي ما كانت لتستمر لأكثر من أسبوع. وربما لهذا لم أجرؤ على استخدام ورق الكربون.
    مشاكل بسيطة مثل هذه ضيقت حولنا الخناق حتى لم يعد لدينا من الجهد ما نقاوم به الحل النهائي والذي كان يتمثل في رهن السيارة التي اشتريناها حديثا دون أن تخامرنا شكوك في أن يكون العلاج أشد خطورة من الداء. ذلك أننا علي الرغم من سدادنا الديون المتأخرة بقي لنا أن نسدد الفوائد الشهرية التي بدت كأنما تغلنا من عنقينا في هاوية من الجحيم. ولحسن حظنا أن صديقنا (كارلوس مدينا قد تطوع بتسديد هذه الفوائد ليس عن شهر واحد فحسب بل عن عدة شهور،واستطعنا بذلك أن ننقذ السيارة. ومنذ سنوات قليلة فقط علمنا أنه اضطر إلى رهن أحد ممتلكاته ليسدد فوائد ديوننا.
    بدأ الأصدقاء المخلصون يقسمون أنفسهم إلي مجموعات لزيارتنا كل ليلة، وكانوا يأتون وقد اشتروا بالصدفة الكتب والمجلات،أو أنهم يمرون بالصدفة أيضا لدي عودتهم من السوق محملين بالمشتريات.كارمن وألبارو موتيس كانا أكثر المواظبين على زيارتنا، وأصبح علي بشكل مستمر أن أحكي لهما فصلا من الرواية الجديدة، وكنت أجهد لأبتكر لهما حكايات مما أحفظه للحالات الطارئة،لأنه كان في ظني في ذلك الوقت أن قص ما عكفت علي كتابته حقا كان ليخيف العفاريت.
    كارلوس فوينتس على الرغم من خوفه من الطيران كان يقطع العالم ذهابا وإيابا، وكانت عودته دائما عيدا لنا نتناقش فيه حول أعمالنا الجديدة كما لو كنا شخصا واحدا. واعتبرت ماريا لويس أليو وزوجها خومي جارثيا ما كنت أرويه علامة علي العناية الإلهية. وعلى هذا فلم أتردد علي الإطلاق في إهداء الكتاب لهما. وشعرت حينذاك أن ردود الأفعال والحماسة التي تحيطني من الجميع بمثابة أشعة نور تضيء لي طريقي إلي الرواية الحقيقية.



                  

08-21-2004, 05:14 PM

Ehab Eltayeb
<aEhab Eltayeb
تاريخ التسجيل: 11-25-2003
مجموع المشاركات: 2850

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: 100 عام من العزلة - ماركيز... (Re: Ehab Eltayeb)

    لم تعد مرسيدس تحدثني عن القروض ومشاكلها حتى مارس من عام 1966 أي بعد عام من بداية كتابة الرواية وذلك بعد أن أصبح متأخرا علينا ثلاثة أشهر من الإيجار. كانت تتحدث مع المالك في الهاتف كما اعتادت دائما لتحاول تهدئته ليصبر علينا في الدفع .وفجأة وضعت يدها على سماعة الهاتف لتسألني عن الوقت المتبقي للانتهاء من ذلك الكتاب. وبالنظر إلى القدر الذي أنجزته في عام من الكتابة حسبت أنه يتبقى لي حوالي ستة شهور وعندئذ قالت مرسيدس للمالك الصبور في ثقة ودون أية رجفة في صوتها:
    _ نستطيع أن نسدد لك كل شيء خلال ستة أشهر.
    _ اعذريني سيدتي_ قال المالك في دهشة_ ولكن ألا ترين أن المبلغ سيكون ضخما حينذاك؟!
    _ نعم أنا أدرك ذلك_ قالت مرسيدس_ ولكن في ذلك الوقت ستكون جميع مشاكلنا قد حلت. فلتهدأ إذا.
    كان الرجل واحدا من أكثر من عرفت ذوقا وصبرا ولذلك فقد قال بصوت مرتعش:
    _ حسنا سيدتي.. تكفيني كلمة منك. ثم قام بحساباته وقال
    _ سأنتظر المبلغ في السابع من سبتمبر القادم.
    وقد أخطأ الرجل. ففي الرابع من سبتمبر ومع أول شيك أتلقاه بشكل غير منتظر إطلاقا عن الحقوق الأدبية للطبعة الأولي دفعنا له.
    والواقع أن الشهور الستة الأخيرة كانت شاقة للغاية. وأخذ الأصدقاء المقربون المطلعون على الأحوال يزيدون من زياراتهم لنا محملين على الدوام بكل ما يساعد على مواصلة الحياة.
    وهناك أصدقاء آخرون مثل لويس ألكرويثا وزوجته الأسترالية جانيت ريسنفيلد اللذين لم يكونا من معتادي الحضور إلينا، ولكنهما كانا يقيمان في منزلهما حفلات تاريخية مع الكثير من الأصدقاء ومجموعات من الفتيات يفوق جمالهن ممثلات السينما. وفي كثير من المرات كانت هذه الحفلات تتخذ ذريعة لرؤيتنا. كان لويس هو الإسباني الوحيد الذي يقدر_ خارج إسبانيا علي صنع الجعة التي تماثل ما تشتهر به فالينسا. أما هي فقد كانت قادرة علي حملنا في الهواء برقصها الكلاسيكي الرائع. أما آل جارثيا ريرا العاشقون للسينما فقد كانوا يدعونا إلى منزلهم أيام الآحاد حيث يشبعاننا بقدر من السعادة يساعدنا على مواجهة الأسبوع المقبل في ذلك الوقت كنت قد تقدمت في الرواية للحد الذي سمح لي برفاهية الاستمرار في غزل الحكايات التي كنت أبتكرها في جلسات الأصدقاء. وكنت أندهش من السرعة التي تنتقل بها هذه القصص بين الأفواه بل ومن التفاصيل التي تضاف إليها في تلك الأثناء.

    في نهاية شهر أغسطس ومن يوم لآخر بدا لي أنني أوشك على اللحظات الأخيرة من الرواية ، ولأني لم أستخدم ورق الكربون فلم تكن لدي نسخ أخرى من هذا الجزء بشكل جعل النسخة الأصلية تتكون فقط من ألفي ورقة من القطع الصغير. وكان هذا بمثابة وليمة رائعة لاسبيرانثا ارياثا أو بيرا التي لاتنسي. كانت بيرا ملجأ للشعراء والسينمائيين. فقد اعتادت في أوقات فراغها أن تنسخ بشكل واضح للغاية بعضا من أكبر أعمال الكثير من الكتاب المكسيكيين ومنها 'المنطقة الأكثر وضوحا' لكارلوس فوينتس 'وبدرو بارامو' لخوان رولفو والعديد من سيناريوهات الأفلام. وعندما طلبت منها أن تنسخ لي الرواية في شكلها الأخير كانت المسودة مرقعة تقريبا ومشوهة بالإصلاحات، مرة بالحبر الأسود وأخرى بالأحمر لتجنب الخلط. غير أن هذا لم يكن بالأمر الصعب على امرأة متمرسة مثل بيرا التي لم تقبل المسودة بدافع الفضول لقراءتها فحسب، بل وافقت علي أن أدفع لها ما أستطيعه علي أن يؤجل الباقي حتى أحصل علي حقوق المؤلف.
    كانت بيرا تنسخ فصلا كاملا في الأسبوع بينما أقوم أنا بإصلاح الفصل التالي بأحبار من ألوان مختلفة لتحاشي التشويش. ولم يكن هدفي من تلك الإصلاحات اختصار الرواية أو جعلها أقصر، ولكني فقط كنت أرغب في أن أصل بها إلى أقصي درجات الكثافة حتى أنه لم يتبق منها في النهاية سوى نصف الأصل.
    بعد صدور الرواية بسنوات اعترفت لي بيرا بأنها عندما كانت تحمل الفصل الثالث من الرواية إلى المنزل انزلقت قدمها عند النزول من الحافلة بفعل بركة من ماء المطر وقالت لي إن الأوراق راحت تطفو علي صفحة البركة الموحلة. وقامت هي_ بمساعدة من الركاب الآخرين_ بجمع الأوراق بعد أن أصبحت مبتلة تماما ومهترئة وأخذتها إلي المنزل وقامت بتجفيفها بقطعة قماش، ومن أكثر المواقف التي مرت بي مع بيرا طرافة هو ما حدث في أحد أيام السبت عندما لم أكن قد انتهيت من تصحيح الذي كانت ستتسلمه مني فاتصلت بها وقلت لها إني سأحضره لها يوم الاثنين. وبعد حديث طويل تجرأت وسألتني عما إذا كان أورليانو بونديا سينام في النهاية مع ريمديوس موسكوت. وعندما أخبرتها بأن هذا سوف يحدث أطلقت زفرة ارتياح وقالت:
    _ حمدا لله.. إذا لم تكن أجبتني ما كنت لأنام حتى يوم الاثنين.
    في ذلك الوقت وصلني خطاب غير متوقع من باكو بروا _الذي لم أكن قد سمعت به من قبل_ يطلب مني فيه حقوق نشر جميع أعمالي لدار النشر سود أمريكانا التي يرأس القسم الأدبي بها،وأخبرني أنه يعرف أعمالي جيدا لأنه قرأ الطبعات الأولى منها. في الواقع كاد قلبي يتمزق ذلك أن كل هذه الأعمال كانت موزعة بين دور نشر مختلفة ومرتبطة بعقود طويلة المدى ولم يكن من السهل علي الإطلاق التحرر منها. كان عزائي الوحيد فكرة طرأت لي فكتبت أخبره أني علي وشك الانتهاء من رواية طويلة جدا لست ملتزما بها تجاه أية جهة ، وأني أستطيع أن أرسل له النسخة الأولى منها في غضون أيام.
    وافق باكو على الاقتراح في برقية أرسلها لي،كما أرسل لي في البريد شيكا بخمسمائة دولار كمقدم كانت تكفي بالكاد لدفع الإيجار المتأخر علينا والذي لم نكن نعرف كيف سنسدده بعد أن أخطأت في حساب الوقت الذي سأنتهي فيه من كتابة القصة. وعلي أية حال فقد كانت النسخ الثلاث الواضحة التي نسختها بيرا بورق الكربون جاهزة في أسبوعين أو ثلاثة. كان ألبارو موتيس هو أول قارئ للنسخة النهائية قبل إرسالها. لقد اختفي لمدة يومين وفي الثالث حادثني هاتفيا وهو يتفجر بذلك الغضب المحبب عندما اكتشف أن روايتي لا علاقة لها في الواقع بما كنت أرويه لأرفه عن الأصدقاء -والذي كان بدوره يقصه علي أصدقائه-
    وصاح بي قائلا:
    _ لقد جعلتني أبدو مثل الخرقة البالية.. إن روايتك لا تمت بصلة لتلك التي كنت تحكيها لنا . ثم انفجر في الضحك وأضاف
    _ ولكن الجيد في الأمر أنها أفضل بكثير.
    لا اعرف إذا كنت في ذلك الوقت قد وضعت عنوانا للرواية أو متى أو أين أو كيف خطر لي ذلك العنوان كما لا يستطيع أي من الأصدقاء تحديد ذلك بالمرة. هل يستطيع أي مؤرخ خصب الخيال أن يفعل بي معروفا ويبتكر إجابة مناسبة؟!
    كانت النسخة التي قرأها ألبارو موتسي هي التي أرسلت على مرتين إلى بوينوس أيرس أما الثانية فقد حملها بنفسه بعد أيام إلي نفس المكان في إحدى رحلاته وبالنسبة للثالثة فقد أخذ الأصدقاء الذين وقفوا معنا في المحنة يتداولوها فيما بينهم.
    عندما تسلمنا النسخة المطبوعة الأولى من الكتب في يونيو 1967 قمت أنا ومرسيدس بتمزيق المسودة التي استعانت بها بيرا في عملية النسخ. لم يخطر في بالنا حينذاك أنها من الممكن أن تكون أعلى قيمة من جميع النسخ الأخرى بكل ما فيها من تصويبات وبالفصل الثالث غير المقروء بفعل ماء المطر وعملية الكيّ التي تعرض لها. وفي حقيقة الأمر فإن غرضي لم يكن بريئا أو أمينا، ذلك أني مزقت المسودة حتى لا يتمكن أحد من معرفة واكتشاف أسرار الصنعة. وعلى الرغم من ذلك فأعتقد أنه مازالت هناك في مكان ما من العالم نسخ أخرى مكتوبة بخط اليد وخاصة النسختان اللتان أرسلتا إلى دار سود أمريكانا. وقد فكرت دائما أن يكون باكو بروا محتفظا بهما حتى الآن غير أنه نفي ذلك تماما وبالنسبة لي فإن كلمته كالذهب.
    عندما أرسلت لي دار النشر تجربة الطباعة الأولى حملتها بما فيها من تصويبات إلى احتفال في منزل آل ألكوريثا، وكان السبب الأول في ذلك هو أن ضيف الشرف في ذلك الحفل كان هو المخرج لويس بونيويل. وكان بونيويل يري أن فن التصحيح ليس المقصود منه الوصول للأفضل بقدر ما يهدف إلي الاستكشاف. رأيت مدى السعادة التي ارتسمت علي وجه ألكوريثا بفعل هذا الحوار بين ضيفيه، وعلى هذا فقد قررت علي الفور أن أهديه هذه النسخة من التجربة الطباعية. وكتبت في الإهداء جملة اعتبرتها جانيت ولويس مكررة ولكنها كانت صادقة: ((من أكثر صديق أحبكما في هذا العالم) وبجوار الإمضاء كتبت التاريخ 1967 وربما يرجع تعليق جانيت ولويس بخصوص الجملة المكررة إلى إهداء آخر كنت قد كتبته إلى ألكوريثا في كتاب سابق. ولكن بعد 28 عاما من هذه الواقعة وبعد أن حققت مائة عام من العزلة ما حققته وانطلقت إلى الآفاق وفي اجتماع شهده نفس المنزل علق أحد الحاضرين قائلا إن الإهداء الموقع على تجربة الطباعة ليساوي ثروة، فقامت جانيت وأخرجت النسخة وعرضتها على الجميع،وهنا وقف الكوريثا وراح يخبط بقبضتيه علي صدره ويصبح بصوت جهوري:
    _ أفضل أن أموت عن أن أبيع تلك الهدية الثمينة التي خصني بها صديق.
    وبين ت######## الجميع أخرجت نفس القلم الذي استخدمته في المرة السابقة والذي مازلت أحتفظ به حتى الآن وكتبت تحت الإهداء الأول الذي مضي عليه 28 عاما: (تم التأكيد 1985) ووقعت مرة أخرى: جابو.
    وهذه الوثيقة التي تتكون من 180 ورقة تحتوي على 1026 تصويبا بخطي هي التي ستعرض في المزاد في برشلونة دون مشاركة مني أو فائدة تعود علي من ذلك. وأعتقد أنها عملية شرعية تماما على الرغم من القلق الذي ساور البعض بسبب ضرورة الحصول علي النسختين الأخريين في بوينوس أيرس ، بما فيهما من تصويبات،والواقع أن هاتين النسختين لا تحتويان علي أية تصويبات لأنني أرسلت التصويبات إلى دار النشر في قائمة مستقلة كتبت علي الماكينة.
    لقد توفي لويس ألكوريثا عام 1992 في الواحد والستين من عمره في منزله بكورناباكا وتبعته جانيت بعد ذلك بست سنوات. وأكثر ما يعلق في ذهني من هذه الذكريات هو الظلم الذي استشعرته لأن جانيت ولويس عاشا سنواتهما الأخيرة وهما يمتلكان بعض الأوراق التي تساوي آلاف الدولارات ولكنهما رفضا بيعها لأنها هدية من أكثر صديق أحبهما في العالم ...

    انتهت مقالة ماركيز .
    نقلا عن موقع مدينة علي هدب طفل...
                  

08-22-2004, 01:55 AM

ibrahim eldeen


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: 100 عام من العزلة - ماركيز... (Re: Ehab Eltayeb)

    Dear Ehab
    Thank you so much for the wonderful article, really this man always surprising me especially when you try to analyse his imagination’s skills and the extra ordinary scenarios through which you could see his characters among the words till it becomes like a movie or a live actions !!!
                  

08-22-2004, 04:42 AM

Alia awadelkareem

تاريخ التسجيل: 01-25-2004
مجموع المشاركات: 2099

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: 100 عام من العزلة - ماركيز... (Re: ibrahim eldeen)

    العزيز ايهاب

    نهارك سعيد

    شكرا علي المقال الجيد

    وكنت بسأل ياربي رسايلي وصولك ولا انا

    حقيقي ضهبانة في الاسم

    مع ودي
                  

08-22-2004, 11:44 AM

Ehab Eltayeb
<aEhab Eltayeb
تاريخ التسجيل: 11-25-2003
مجموع المشاركات: 2850

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: 100 عام من العزلة - ماركيز... (Re: ibrahim eldeen)

    الأخ إبراهيم لك خالص التحايا علي المرور..

    وفعلا ماركيز له مساحات شاسعة من الإبداع..

    واسلوب أدبي متميز مع تحياتي...
                  

08-22-2004, 12:08 PM

Ehab Eltayeb
<aEhab Eltayeb
تاريخ التسجيل: 11-25-2003
مجموع المشاركات: 2850

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: 100 عام من العزلة - ماركيز... (Re: Ehab Eltayeb)

    عالية الغالية:

    الف شكر علي التوقيع الجميل بالبوست..

    وماكي غلطانة في الإسم.. لقد وصلتني الرسائل ورددت عليها..

    وفي إنتظار أخبارك..

    تحياتي,,,
                  

08-22-2004, 12:31 PM

اسامة الخاتم
<aاسامة الخاتم
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2340

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: 100 عام من العزلة - ماركيز... (Re: Ehab Eltayeb)

    معاناة حقيقية
    المضحك يا ايهاب اننى لا استطيع شراء هذه الرواية الآن و البالغ ثمنها ستون جنيها مصريا
    اوليست هذه معاناة ايضا
    لك الياســـــين
                  

08-22-2004, 01:59 PM

Mamoun Zain
<aMamoun Zain
تاريخ التسجيل: 03-27-2004
مجموع المشاركات: 390

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: 100 عام من العزلة - ماركيز... (Re: اسامة الخاتم)

    جابرائيل غارسيا ماركيز روائى متميز و 100 عام من العزلة من أميز الروايات العالمية التى نشرت حتى اللآن وكان فعلا يستحق عليها جائزة نوبل للأدب والجوائز الأخرى التى حصدتها فى العالم ، خصوصا روايات الأدب الأسبانى.
    شكرا ايهاب على هذ النص الرائع الذى يحكى معاناة كاتب جعلت منه المعاناة من أبرز روائيى العالم فى العصر الحديث.

    (عدل بواسطة Mamoun Zain on 08-22-2004, 03:21 PM)

                  

08-22-2004, 04:56 PM

Ehab Eltayeb
<aEhab Eltayeb
تاريخ التسجيل: 11-25-2003
مجموع المشاركات: 2850

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: 100 عام من العزلة - ماركيز... (Re: Mamoun Zain)

    مامون:
    Quote: شكرا ايهاب على هذ النص الرائع الذى يحكى معاناة كاتب جعلت منه المعاناة من أبرز روائيى العالم فى العصر الحديث.


    ولك الف شكر يا قريبي علي العبور والتوقيع

    ووينك مختفي..
    لك التحايا وخالص الود ..
                  

08-22-2004, 04:52 PM

Ehab Eltayeb
<aEhab Eltayeb
تاريخ التسجيل: 11-25-2003
مجموع المشاركات: 2850

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: 100 عام من العزلة - ماركيز... (Re: اسامة الخاتم)

    الأخ أسامه الخاتم:
    الف شكر علي المرور..
    Quote: المضحك يا ايهاب اننى لا استطيع شراء هذه الرواية الآن و البالغ ثمنها ستون جنيها مصريا..اوليست هذه معاناة ايضا


    وهل الكتب غاليه الي هذا الحد بالقاهرة.. حيث أني كنت أظن أن الكتب بمصر أرخص من أي مكان آخر..

    لك تحياتي ..وعليك برجاء العباسي حتما حتلقي عندها الكتاب..
                  

08-22-2004, 10:53 PM

nour tawir
<anour tawir
تاريخ التسجيل: 08-16-2004
مجموع المشاركات: 17638

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: 100 عام من العزلة - ماركيز... (Re: Ehab Eltayeb)

    Ehab

    I]That was wonderfull[/I

    Your selection shows that you are talented as well.Garsia was a typical artist who lived his life through his books and brought
    his books to his daily life
    There is an Americal writer called Taylor Cauldwell.She wrote about America in the late 19 century and the early 20's. She also wrote about different historical issues in different times like Rome during Ceasor's life.Which was the beginning of the fall of Rome
    I started with one book which was A PILLAR OF IRON and could never stop up to now
    Try that. You will really enjoy it
    stay well
    Nour
                  

08-23-2004, 05:24 PM

Ehab Eltayeb
<aEhab Eltayeb
تاريخ التسجيل: 11-25-2003
مجموع المشاركات: 2850

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: 100 عام من العزلة - ماركيز... (Re: nour tawir)

    Quote: Taylor Cauldwell.She wrote about America in the late 19 century and the early 20's. She also wrote about different historical issues in different times like Rome during Ceasor's life

    الأستاذة نور :

    لك التحايا علي المشاركة .. وشكرا لدعوتك لي للاطلاع علي أدب Taylor Cauldwell
    وحقيقة لم أقرأ لها من قبل ..وساجتهد لاحصل علي بعض كتبها خاصة للكتاب الذي أشرت أليه...
    لك تحياتي,,,
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de