الصراع بين جنوب السودان وشماله: الثابت والمتحول.. وجدل الهوية

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 07:48 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-11-2004, 12:05 PM

Amin Elsayed
<aAmin Elsayed
تاريخ التسجيل: 09-05-2003
مجموع المشاركات: 1252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الصراع بين جنوب السودان وشماله: الثابت والمتحول.. وجدل الهوية

    from Alquds Alarbi 11.07.2004

    المعركة ليست بين الشمال والجنوب... ولكنها بين التصور القديم للدولة وبين المركز والهامش
    ايديولوجيا الاسلمة تعتمد علي الاستيعاب.. اما الافرقة فتنزع للجهوية والانفصال


    فيصل محمد صالح

    شغلت قضية العلاقة بين شمال السودان وجنوبه المثقف السوداني منذ ولادة الدولة الحديثة، ففي الوقت الذي نظر فيه الشمالي للازمة باعتبارها، علي الاقل في وجه منها، من مسببات الاستعمار والتبشير، نظر الجنوبي الذي لم يقرأ الا بالانكليزية ولم يفكر الا من خلالها، الي الدولة الحديثة باعتبارها من ترتيب جماعات حضرية في واد مدني، الخرطوم مثلا، وظل الجدل محل شد وجذب، وتقارب وانفصام. وهذه المقاربة تحاول تقديم فهم في سياق التنازع بين هوية الشمال والجنوب.
    القدس العربي

    المسكوت عنه.. هو ما يفرقنا
    فرانسيس دينق
    1 ـ مقدمة

    بعد خمسين عاما من الحوار بكل الوسائل واللغات، بما فيها لغة الحرب والرصاص، هل لا يزال هناك مسكوت عنه في النزاع السوداني ـ السوداني؟
    تبدو ان الاجابة ستكون نعم ، لسبب بسيط وبديهي، هو ان النزاع ما زال مستمرا، كذلك فان النقاش والجدل حول مسبباته وسبل حله لا يزال محتدما. ولو توصل الفرقاء لاسباب النزاع، او توصلوا لتصور مشترك حولها، لكانوا قد توصلوا بالضرورة للحلول.. فكلما اختلفت الرؤي حول مسببات النزاع.. تباعدت رؤي وتصورات الحل.
    بل ان داخل كل طرف من اطراف النزاع هناك عدة تصورات تظهر وتختفي، وهناك مسكوت عنه، مضمر في الخطاب السياسي والاعلامي.
    فقد ظلت الحكومة السودانية ـ والحكومات السابقة ـ تصور الصراع باعتباره بين الحكومة الشرعية ومتمردين خارجين علي السلطة، لا قضية لهم الا التمرد نفسه، او تنفيذ مخططات اجنبية. وعندما تطور موقف الحكومة قليلا، صار يعترف بوجود مظالم ومشكلات، لكنه يستنكر حمل السلاح، باعتبار ان علاج هذه المظالم والمشاكل ممكن من خلال الحوار. وتنفي الحكومة بشدة وجود اسباب دينية او اثنية او عرقية او ثقافية وراء النزاع.
    لكن نظرة واحدة للبرنامج التلفزيوني الاسبوعي ساحات الفداء 1 الذي يبثه التلفزيون الحكومي مساء كل جمعة، يلغي كل هذه المحاججات، ولا يبقي الا سببا واحدا للحرب.. وهو الدين. فالحرب، بحسب البرنامج، بين المسلمين المجاهدين الذين يريدون رفع كلمة لا اله الا الله وبين الكفار المدعومين من قبل التحالف الكنسي الصليبي الصهيوني.
    وقد صار من اللقطات الثابتة في هذا البرنامج عند استيلاء قوات الحكومة السودانية علي اي مدينة او قرية في الجنوب، ان يصعد احد شباب المجاهدين الي اعلي مبني في المدينة، ويرفع صوته بالآذان في انفعال شديد وصوت متهدج يغالبه البكاء وجسده يرتجف، وقد يصحب ذلك اصوات تنادي ها قد صدقنا الوعد.. يا رسول الله .. فهو يتمثل بالسلف الصالح، وبفتح مكة. والدين هنا هو احد عناصر الصراع، لكنه عنصر يتم تقديمه علي كل العناصر الاخري بغرض التعبئة والتجييش، ويتم اخفاؤه عند نقاش المشكلة في المحافل الفكرية والسياسية.
    في الجانب الآخر ظلت الحركة الشعبية تقدم خطاب السودان الجديد الذي يرفض ثنائية الشمال والجنوب، الذي يقول ان الفئة المطحونة والمهمشة في كل انحاء السودان هي ضد السلطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الفاسدة، وضد بنية دولة السودان لكن، وعند انشاء المعسكر المشترك لقوات التجمع الوطني الديمقراطي علي الحدود الشرقية، بعد مؤتمر القضايا المصيرية بأسمرا عام 1995، اشتكي المقاتلون المنتمون لتنظيمات المعارضة الشمالية من خطاب التعبئة السياسية الذي يقدم لمقاتلي الحركة الشعبية، الذي يركز علي الوجه التقليدي للصراع شمال ـ جنوب ، ويعتبر ان العدو هو المندكورو ، وهي مفردة مستخدمة في الجنوب تطلق علي الشمالي ـ العربي. وقد اعتذر مسؤولو الحركة الشعبية عن هذا الخطاب، وقالوا انه خطاب التجنيد والاستقطاب للمقاتلين الجدد الذين قد لا يفهمون خطاب السودان الجديد المعقد، الذي يقدم لهم بعد ذلك في اطار التوعية والتربية السياسية المتقدمة.
    ان تعدد مستويات الخطاب داخل كل طرف من اهم مسببات اطالة امد النزاع، ولو خرج المسكوت عنه للضوء، مهما كانت مرارته، لكان ذلك افضل واجدي، واقرب لابواب الحل. وحتي يخرج كل مسكوت عنه للضوء، فليس امامنا الا ان نتعامل مع ما خرج حتي الآن، ونخضعه للتحليل والفحص، علي امل ان ما بقي ليس شيئا كبيرا.

    2 ـ الثابت والمتحول

    تذهب هذه المقاربة للقول ان جوهر الصراع في السودان ظل يحمل في داخله عناصر الثبات والتحول. فالثابت فيه هو عدم تحقيق الاشباع السياسي ـ الثقافي ـ الاجتماعي والاقتصادي للكيانات والجماعات التي تمثل جنوب السودان خلال كل مراحل النزاع، وتصورات الحلول المطروحة، منذ ما بعد مؤتمر جوبا 1947 واعلان الاستقلال من داخل البرلمان 1955 مرورا بمؤتمر المائدة المستديرة ولجنة الاثني عشر (1965 ـ 196، واتفاقية اديس ابابا 1972 وحتي المرحلة الاخيرة من الحرب الاهلي (1983 ـ 2002).
    وتحقيق الاشباع رهن بمخاطبة الحاجات المتزايدة والمتحولة، كشأن الطبيعة الانسانية. فالحاجات التي صاغ منها القادة السياسيون للجنوب مطالبهم من برلمان 1955 (وعد بالفيدرالية) ليست هي الحاجات التي دفعت قادة حركة انانيا 1 لرفع السلاح بعد ذلك. ومع تطور المجتمع في الجنوب، تطورت الحركة السياسية، وتطورت الحاجات والمطالب بالشكل الذي عكسته برامج الحركة الشعبية لتحرير السودان والتنظيمات الاخري وهذا هو المتحول.
    ولو عاد شخص اليوم وطرح تبني الفيدرالية التي تهربت منها القوي السياسية السودانية عام 1955، لما كان هذا مرضيا لحملة السلاح في الجنوب، ولا التعهد بتطبيق اتفاقية اديس ابابا 1972 والالتزام بها تماما، ولا مبادرة السلام السودانية 1988. وما طرحته الحركة في المانيفستو 1983 لم يعد هو نفسه المطروح الآن، فقد تغيرت الحاجات، وصار المطلوب اليوم الخروج بحلول تحقق الاشباع بكل انواعه ومجالاته.
    ولغرض التوضيح تبحث الورقة في المداخل المتعددة للصراع، مع التركيز علي المدخل الثقافي (الهوية) الذي يسيطر علي الساحة الآن.

    3 ـ المداخل المتعددة

    تعددت المداخل التي تحاول تفهم جذور المشكلة، بتعدد الرؤي. وبينما كانت تسود الساحة، ربما حتي الثمانينات، مداخل احادية الرؤية، فقد تضاؤلت الآن فرص هذه المداخل، واتجهت الدراسات الاكاديمية والسياسية الي تبني مداخل متسعة الرؤي، تنظر للمشكلة بابعادها السياسية والاقتصادية والثقافية، مستصحبة في ذلك التاريخ والجغرافيا وكل العلوم الاجتماعية الحديثة. وصار هناك اتفاق عام، ان لم يكن كاملا، علي ان السودان بلد متعدد الثقافات والأديان والاثنيات، وان اي نظام للحكم لا يستصحب هذه التعددية في برامجه وسياساته الي جانب التعددية السياسية، محكوم عليه بالفشل.
    وربما من المهم، من باب الرصد التاريخي ان نذكر هذه المداخل، مع التنبيه انه لا توجد خطوط حادة فاصلة موضوعية او زمنية بين هذه المداخل، وان ما افترضناه من خطوط هو لغرض الدراسة.
    3/1 ـ المدخل السياسي: ظل هذا المدخل يتعامل مع المشكلة بالتركيز علي بعدها السياسي، علي اساس ان المشكلة سياسية في المقام الاول، ويتم حلها باجراءات سياسية. ولا يعني هذا بالضرورة ان من تبنوا هذا المدخل قد جهلوا الابعاد الاخري للمشكلة، او لم يكونوا علي علم بها، لكن الثابت انهم افترضوا ان الابعاد الاخري هي بمثابة افرازات للبعد السياسي وان الاجراءات السياسية بما فيها تصعيد العمل العسكري للجم حركة التمرد كفيلة بمعالجة جذور المشكلة وافرازاتها. وظل هذا هو المنهج المتبع طوال الخمسينات والستينات.
    3/2 ـ المدخل التنموي: يعتبر هذا المدخل تطورا للمدخل السياسي، وقد ساد خلال سنوات السبعينات، وظل يلخص المشكلة في اطار التطور اللامتكافئ، واختلال موازين التنمية، وبالتالي فان اعتماد خطة للتنمية المتوازنة عبر مشاريع مدروسة كفيل بعلاج كل المشاكل، وتحقيق نوع من الاشباع للتطلعات الجنوبية. وقد ساد هذا المدخل عقب التوقيع علي اتفاقية اديس ابابا. وظل يبشر بمشاريع الكناف، سكر ملوط، قناة جونقلي، تطوير نسيج انذارا.. الخ. 2 .
    3/3 ـ المدخل الثقافي (الهوية): رغم ان الظهور المدوي لهذا الاتجاه يؤرخ له بمنتصف الثمانينات، الا ان كتابات بعض المثقفين الجنوبيين الذين ينتمون لتيار القومية الجنوبية (الانفصاليين) ترجع الي نهاية الستينات (اوليفر البينو 3 ). وظل هذا الاتجاه يتبني فكرة ان بالسودان هويتين متعارضتين لا يمكن ان تتعايشا، وان لكل منهما نمطا من القيم والسلوك مختلفا عن الآخر: الهوية العربية الاسلامية في الشمال والهوية الافريقية في الجنوب. وان اي تعايش مشترك في وطن واحد سينتج عنه محاولة المجموعة المسيطرة علي مفاصل الدولة فرض هويتها علي المجموعة الاخري مما يعني وجود نزاع مستمر واستمرار الحرب الي ما لا نهاية. وكان خيار الانفصال وتأسيس دولة مستقلة هو الحل الوحيد عند هذا الاتجاه.
    الا ان جيلا جديدا من المفكرين والكتاب من الجنوب والشمال اخذ ينحو منحي آخر، فهو رغم اقراره بوجود هويتين او اكثر في السودان، الا انه اقر بامكانية التعايش المشترك، وبدأ يروج لنظرية الانصهار القومي. وفي هذا يقول احد رواد هذا الاتجاه وهو الكاتب والمفكر فرانسيس دينق لا يمكن القطع بثنائية التركيب الثقافي او العنصري للسودان علي اساس شمال ـ جنوب، بالتالي فثمة اساس قوي لوحدة وبناء الامة، وتبقي المشكلة في ان التاريخ السياسي هو الذي اكد علي عناصر الانقسام، وعدم احساس عدم الثقة والعداوة 4 .
    ويمكن ايضا اعتبار مدرسة الافروعربية، ووجهها الأدبي مدرسة الغابة والصحراء من بناة هذا الاتجاه، وظهر هذا في تنظير مباشر وكتابات عبر الصحف، وفي الاعمال الادبية لهؤلاء الكتاب (محمد عبد الحي ـ صلاح احمد ابراهيم ـ محمد المكي ابراهيم ـ النور عثمان ابكر) 5 .
    ثم تطورت مواقف البعض، من نظرية الانصهار القومي لتبني نظرية التعدد الثقافي الوحدة في التنوع باعتبار انه لا يشترط ان تندمج الهويات في هوية واحدة، وان من الممكن ان تتعايش الهويات المختلفة بمبدأ التسامح وقبول الآخر والتعايش المشترك. وهو ما يلاحظه حلمي شعراوي في مقال عن المسألة السودانية.. لقد كان ثمة توجه للاتجاه الصحيح نحو الجنوب، مدعوم بحركة ثقافية نشطة في الشمال خلال السبعينات لدي جيل الباحثين والكتاب الشبان وبدأت سيادة فكرية لمبدأ التنوع في الوحدة واحترام ذاتية الجنوب 6 .

    4 ـ نقطة التحول

    ظلت كل الاتجاهات تتعامل مع المشكلة من خلال ثنائية الشمال والجنوب، الثقافة العربية الاسلامية في الشمال والثقافة الافريقية في الجنوب، الاسلام في الشمال والمسيحية والاديان الافريقية في الجنوب، الصحراء في الشمال والغابة في الجنوب، بكل ما يعنيه ذلك من اختلاف في المناخ والبيئة. حتي جاء زلزال الحركة الشعبية لتحرير السودان عام 1983 فطرحت رؤية جديدة تخرج بها من اطار هذه الثنائية التقليدية، وخرجت ملامح نظرية المركز والهامش. وهي كما يلاحظ كثير من الكتاب والمفكرين، خرجت من كتابات المفكر العربي سمير ايمن عن التطور اللامتكافئ للنظام الاقتصادي العالمي، وقد تمت استعارتها بالتركيز علي الجانب الثقافي.
    ويمكن تلخيص هذا الاتجاه في عدة نقاط:
    ـ المعركة ليست بين الشمال والجنوب، لكن بين تصور قديم للدولة السودانية تستفيد منه الطبقة الحاكمة في الشمال (المركز)، وبين جماعات اثنية وثقافية ودينية مهمشة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا (الهامش). فهذا التصور القديم يخدم ويحمي المصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية للمجموعة العربية الاسلامية في (الوسط والشمال النيلي) ويكرس إقصاء باقي المجموعات، وقد وصلت الأزمة الي قمتها مع حكم الجبهة الاسلامية، التي تمثل عندها اقصي ما يمكن ان يصله البرنامج الاقصائي:
    ـ حل الصراع يتم عبر هدم او تفكيك بنية النموذج القديم للدولة السودانية التي تكونت في ظروف سياسية وتاريخية معينة، وبارادة وايادٍ غير سودانية (فتوحات محمد علي باشا وتوسعات الحكم الثنائي) واعادة بناء الدولة علي اسس جديدة تحقق العدالة والمساواة عبر عقد اجتماعي سياسي ثقافي اقتصادي جديد.
    ـ هذ الحركة انطلقت جغرافيا ومكانيا من الجنوب، لأن الظروف الموضوعية للثورة توفرت في الجنوب، لكنها ذات برنامج وأفق وطني عام، وتهدف لبناء تحالف القوي المهمشة الذي سيبني السودان الجديد. فالجنوب هو الهامش الذي استيقظ وتحرك لاعتبارات كثيرة، لكن حركته توقظ هوامش كثيرة تدفعها المصلحة المشتركة للتحالف.
    ـ يؤشر هذا الاتجاه، بشكل مباشر، او غير مباشر لفشل الاحزاب والأوعية السياسية القديمة في التعبير عن مصالح الجماهير العريضة/ الاغلبية المهمشة، ويبشر بأوعية جديدة تمثل هذه المجموعات، بدأت بالحركة الشعبية، مؤتمر البجا، جبال النوبة، جنوب النيل الازرق، وامتدت الي الحركات المسلحة في دارفور وتتطلع لحركة النوبة في الشمال حركة كوش الديمقراطية . (7) وقوي السودان الجديد في الوسط والشمال النيلي.
    وقد عكست الحركة الشعبية هذه المفاهيم في مانيفستو الحركة 1983 والبيان التأسيسي 1984 ثم وثيقة الرؤيا والبرنامج 1998، بالاضافة لخطابات وحوارات قائد الحركة جون قرنق وقيادتها وكتابها باقان اموم، ستيفن وندو، ياسر عرمان، منصور خالد .(

    5 ـ جدل المركز والهامش

    ولم يتوقف مفهوم المركز والهامش عند قادة الحركة الشعبية التي لم يتح لها العمل السياسي والعسكري الفرصة للتأطير النظري والفكري لهذا الاتجاه، فقد تلقفته اياد وعقول كثيرة، خاصة بين مثقفي الشمال، وعملت علي تطويره، حتي صارت كتابات بعضهم بمثابة برنامج سياسي لبعض التنظيمات السياسية، مثل ورقة جدل المركز والهامش للدكتور ابكر آدم اسماعيل 9، ودراسات محمد جلال هاشم 10، التي يتبناها تنظيم مؤتمر الطلاب المستقلين واسع الانتشار في الجامعات السودانية. ومن المهم ان نلقي الضوء علي هذه المساهمات بتلخيص ارجو الا يكون مخلا.
    تعتبر ورقة جدل المركز والهامش للدكتور ابكر آدم اسماعيل التي كتبت في القاهرة، في كانون الاول (ديسمبر) من العام 1999، واحدة من اهم المقالات التي كتبت عن موضوع الهوية، واشكالات الصراع الاجتماعي الثقافي السوداني.
    يذهب دكتور ابكر في تحليل تاريخي سياسي فكري يدعمه بالرصد السوسيولوجي، الي ان الدولة السودانية متحيزة لكيان اثني ثقافي يقوم باستثمارها اقصائيا ويفرض توجهاته ضد كيانات اثنية ثقافية اخري.
    ويقول ان هذا الكيان ـ المتركز والمسيطر في المركز ـ قد بني لنفسه هوية ايديولوجية هي الاسلاموعربية، وبعد ان يحلل مكونات هذه الايديولوجية، يذهب الي انها قائمة علي نزعتي الهيمنة والاقصاء، تجاه هويات ومصالح المناطق والكيانات الاخري، الامر الذي ادي الي الصدام القومي، والمتجلي في صورة الحرب الاهلية الدائرة حاليا في مناطق مختلفة من السودان، علي محور الهامش ـ المركز.
    ويقول ان اليسار لعب دورا لاجما للغلو والتطرف نسبة لوعيه بديالكتيك المسألة الذي يمكن ان يولد النقائض التي ستطيح بوضعية المركزية.. ولكن هذا اليسار المنتمي اجتماعيا لهذه المركزية المهيمنة كان متواطئا ايديولوجيا، اذ ان موقفه من فرض الهيمنة الاسلاموعربية هو موقف تكتيكي واجرائي متستر بالاممية وليس موقفا مبدئياً . في مقاله يطرح ابكر ثلاثة مآلات رئيسية للصراع وللاشكال القائم، وآفاق حله، حيث يقول: كما ذكرنا، ان جدلية المركز والهامش، هذه الوضعية التاريخية المأزومة قد وصلت ازمتها في السودان الي قمة تجلياتها
    تفشي الحروب الاهلية. ومنهجيا ليس بمقدورها اعادة انتاج نفسها واستمرارها مرة اخري، وتبقي مآلاتها في الاحتمالات التالية: وهي الثورة، والمساومة التاريخية، والانهيار.
    أ ـ قيام الثورة: وذلك بتشكل كتلة تاريخية Historical Ma عبر تحالف الكيانات المهمشة مع قوي الوعي والتقدم في المركز للاطاحة بهذه الوضعية التاريخية التي باتت تضر بغالبية الناس في السودان بمن فيهم السواد الاعظم من ابناء المركز انفسهم. وبالتالي تأسيس الاوضاع بشروط جديدة تستند علي حقيقة التعددية وتلتزم بتوجهات العدالة والمساواة والتعايش السلمي والارتفاع بقضية الهوية المشتركة ـ هوية الدولة ـ من الظرفية الي التاريخ اي لكل هويته والدولة للجميع حتي يحكم التاريخ في مسألة الذاتية السودانية.
    ب ـ التسوية التاريخية: ان لم يتيسر قيام كتلة تاريخية ناضجة وقادرة علي انجاز فعل الثورة لاي اسباب او تدخلات اخري، فتبقي المسألة مرهونة بمقدار التنازلات التي يمكن ان تقدمها النخبة الاسلاموعربية، يمينها ويسارها، واستعداد قوي الوعي والمهمشين للتضحية للاتفاق علي برنامج حد ادني مثل ميثاق اسمرا للقضايا المصيرية، والالتزام به مما قد يؤدي ـ علي المدي الطويل ـ الي التحولات الضرورية، وانجاز ما كان يمكن ان ينجزه فعل الثورة.
    ج ـ الانهيار: فاذا استمرت المساومات السياسية التي لا تعني بجوهر المشكلة، واستمر العجز عن تشكيل كتلة تاريخية ناضجة، وعيا وقوة، وعجزت المركزية عن تقدير الواقع حق قدره واصرت علي مشروعها، فيبقي احتمال الانهيار علي شاكلة الصومال او تفتت الدولة السودانية الي اقاليم متحاربة. ولا تستبعد التدخلات الخارجية كنتيجة طبيعية لذلك. وقد يكون انفصال الجنوب البداية لهذا الانهيار، وربما ساعد ذلك في اعادة الانتاج للازمة في السودان الشمالي واستمرار الوضعية فيه الي حين اكتمال نهوض قوميات اخري والدخول في مأزق جديد مع احتمال نشوء نفس الازمة في الجنوب ان لم يستفد الجنوبيون من الدرس التاريخي.
    اما محمد جلال هاشم، المتخصص في نقد كتابات المفكر السوداني عبد الله علي ابراهيم، فهوي يعطي جزءا كبيرا من دراساته لنقد الاتجاهات الاخري حول الهوية، مثل الافرو ـ عربية، مدرسة الانصهار القومي، السودانوية، السودانو ـ عروبية. ويبذل جهدا كبيرا، مثل كثير ممن كتبوا في مسألة الهوية، لمناقشات ادعاءات عروبة شمال السودان.
    يقول محمد جلال هاشم:
    تستند الورقة علي منهج التحليل الثقافي الذي تقوم مقدماته الاساسية علي ان الصراع في السودان ليس بين شمال و جنوب ، وهذا ما اسميناه بالتمفصل الخطي، والذي لايعكس حقيقة الواقع في السودان، بل هو بين مركز و هامش ، وهذا ما اسميناه بالتمفصل الدائري التام.
    ان التمفصل الايديولوجي الخطي Linear شمال ـ جنوب، هو في حد ذاته سمة من سمات الافروعروبية، ثم السودانوعروبية لاحقا. اذ من شأنه ان يفرز الجنوب لوحده، مع استتباعه (المركز) لباقي اطراف الهامش استيعابا واعادة انتاج، حتي اذا تغير السياق، واصبح الجنوب غائبا، تبين لنا ان هذا الشمال هو نفسه خشم بيوت وهنا يتضح ان هناك غربا، وشرقا.. كما ان هناك شمالا هامشيا للشمال نفسه .
    ويواصل: ان الصراع بين المركز والهامش واقع معاش، وليس قضية مجردة يتحاور حولها المثقفون. ولذلك نجده يفرض نفسه عبر تجلياته الحياتية اليومية، من ذلك الاسقاطات الايديولوجية التي يقوم بها المركز في اتهامه لكل حركات الهامش اما بالعنصرية او بالتآمر مع القوي الاجنبية (الصليبية والصهيونية) استهدافا للهوية العربية للسودان . ويواصل تقوم الاستقطابات الايديولوجية في السودان علي الاسلمة والاستعراب من جانب، ثم الافرقة من الطرف الاخر، تتوسطها دعاوي التوازن القومي والثقافي .
    ـ تعتمد ايديولوجيا الاسلمة والاستغراب علي الاستيعاب، الذي يقوم بدوره علي ميكانيزمات اعادة انتاج الهامش والاطراف في المركز. وقد استصحبت هذه العملية معها كل جراحات ومرارات القهر والاضطهاد التي بلغت قمتها في مؤسسة الرق. واليوم لايجوز التعجب والاستغراب من ان هذه المؤسسة لا تزال ناشطة فعليا، ذلك لان الرق والتمييز العرقي لم يفارقا وجدان الثقافة الاسلاموعربية في المركز حتي الآن، فليس اسهل من ان يدمغ السوداني بأنه عبد لمجرد سواد لونه، وهل يكون السوداني غير اسود؟
    ـ من الجانب الآخر تعتمد ايديولوجيا الافرقة علي الجهوية والنزوع نحو الانفصالية. وهي في ذلك تصدر من احساس متنام بأنه لا حظ ولا حق لها في هذه البلاد. وبما ان تيارات الجهوية الانفصالية قد ظهرت بوادرها في الجنوب، وجبال النوبة، وغربا بدارفور، ثم شرقا بين البجا (الآن بدأت الدائرة تكتمل باشتداد وتائر الحراك الاثني بين النوبيين في الشمال) لذلك لا نحتاج الي ذكر ان هذه الاقوام ذات حق اصيل في البلاد، بل هو في الواقع حق سابق لمجيء العرب المسلمين. لهذا يمكن ان ننظر الي النزوع نحو الانفصال علي انه شكل من اشكال اليأس من جدوي النضال نحو وضع قومي متوازن. وقد اخذ هذا التيار في الاضمحلال ببروز الحركة الشعبية لتحرير السودان وترفيعها لوعي قطاعات الهامش والاطراف بحقها الاصيل في كل اراضي السودان: من نمولي الي حلفا، ومن الجنينة الي الكرمك، وانما لهذا اعلنت انها تسعي لتحرير السودان كله، رافضة بذلك الانحصار في جنوب السودان. الا ان التموضع الجنوبي للحركة الشعبية لتحرير السودان قد ادي الي ما يمكن ان نسميه انتكاسة في هذا الوعي القومي.
    ـ اما الطرف الثالث الذي يمثل وسط الاستقطاب الايديولوجي فيدعو الي قيام دولة مؤسسات وفق ديمقراطية تعددية تستند اساسا علي واقع التعدد الثقافي، علي ان يبدأ هذا المشروع بالخطوات التنفيذية لايقاف سياسة الاحادية الثقافية التي تمارسها مؤسسة الدولة في السودان منذ الاستقلال مرورا بجميع الانظمة والحكومات. ان هذا التيار الايديولوجي يستند في تأسيساته علي ان مؤسسة الدولة مسؤولة عن تحريك ماكينة القهر والاضطهاد الثقافي جراء عدم اعترافها بمسؤولياتها تجاه الثقافات غير العربية في السودان. ان هذا الامر يقتضي مراجعة التعليم لغة ومضمونا، كذلك النشاط الثقافي والفكري، فضلا عن الاعلام، وما يتبع كل ذلك من سياسات اقتصادية وقومية.. الخ.
    ثم يلخص فكرته الاساسية: المخرج في ما نذهب اليه هو اعادة النظر في خريطة التمفصل الايديولوجي في السودان. نبدأ بالتيارات التي فصلنا في امرها، فنلخصها علي النحو التالي:
    أ ـ التيار اليميني: وهو الذي يستند علي ايديولوجيا الاسلمة والاستغراب والنظام السائد، ومن ثم كل العوامل التي ادت الي ظهور الدولة السودانية الحديثة بدءا بالفونج، فالتركية، ثم المهدية، الي الحكم الانكليزي، انتهاء بالدولة الوطنية وانظمة ما بعد الاستقلال التي تسارعت وتائر فشلها في متوالية عددية اوصلتنا الي ما نحن فيه. ضمن هذا التيار يدخل العروبيون والاسلاميون بما في ذلك القوميون العرب والماركسيون.
    ب ـ التيار اليساري: وهو الذي يقوم علي الجهوية دونما اطار قومي، مثلما كان يشهد بذلك الحال في الماضي القريب (حركة انفصال جنوب السودان بمختلف مسمياتها التنظيمية، نهضة دارفور، مؤتمر البجا، اتحاد جبال النوبة.. الخ). ان هذه الحركات الجهوية في حال اضطرارها المنطقي تنتهي بالدعوة الي الانفصال ـ دون التعرض لاستعصاء فنياته. ولانها تمثل بذلك رفضا مبدئيا للدولة السودانية القومية، جاز لنا ان نصنفها كيسار سوداني.
    ج ـ تيار الوسط: هذا التيار يقوم علي ايديولوجيا القومية السودانية، التي تستند بدورها علي الحقوق الثقافية المتكافئة والمتوازنة بين الاقوام السودانية شرقا وغربا، جنوبا وشمالا، ثم وسطا. كما تقوم علي ضرورة الغاء واقع الهيمنة والقهر الثقافي بكل تجلياته السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والدولية (نسبة الي مؤسسة الدولة). ولان هذا التيار يتوازن ايديولوجيا ما بين القطبين السابقين، لهذا جاز لنا تصنيفه كوسط. ان هذا التيار ليس تصالحيا، لمجرد كونه متوازنا. وفي هذا نقصد بالتصالح كل التيارات الفكرية التي تسعي للانعتاق من أسر الثقافة القاهرة عبر التصالح معها ـ مثل الافروعروبية (12).


    الهوامش:
    1 ـ برنامج اسبوعي يذاع مساء كل جمعة، تعده وتنتجه وحدة مستقلة عن التلفزيون السوداني.
    2 ـ يمكن ايضا التنبيه هنا لمساهمات مبكرة لليسار السوداني، والحزب الشيوعي تحديدا في الاشارة لهذا المدخل.
    3 ـ اوليفر البينو، Oxford University Pre The Sudan: A Southern View Point,.
    4 ـ فرانسيس دينق ـ افارقة بين عالمين ـ 1978 ـ دار جامعة الخرطوم للنشر، ص 227.
    5 ـ عبد الله علي ابراهيم، الافروعروبية او تحالف الهاربين، مجلة المستقبل العربي، 19،1،1989.
    ـ وانظر مثلا محمد عبد الحي في كتابه M.A. Hai, Conflict and Identity: The Cultural Poetics of
    Contemporary Sudanes Poetry, University of Khartoum, Khartoum, 1978
    6 ـ حلمي شعراوي، المسألة السودانية ـ الرؤية من الجنوب ـ مجلة كتابات سودانية، العدد اذار (مارس) 2003 ـ ص 28.
    7 ـ تم توزيع البيان التأسيسي للحركة عبر عدة مواقع بالشبكة العالمية انترنت لكن لم يظهر للحركة نشاط سياسي ملحوظ حتي الان.
    8 ـ الواثق كمير اعداد وتحرير ، جون قرنق: رؤيته للسودان الجديد: قضايا الوحدة والهوية، المجموعة الاستشارية لتحليل السياسات واستراتيجيات التنمية، القاهرة، بدون تاريخ.
    9 ـ ابكر ادم اسماعيل، جدلية المركز والهامش، قراءة جديدة في دفاتر الصراع في السودان، كتاب تحت الطبع، نشرت اجزاء منه بصحيفة الصحافة السودانية.
    10 ـ محمد جلال احمد هاشم، منهج التحليل الثقافي: القومية السودانية وظاهرة الثورة والديمقراطية في الثقافة السودانية، ط (4)، مركز دراسات القومية السودانية، 1999.
    ـ وانظر ايضا محمد جلال هاشم السودانوعروبية او تحالف الهاربين: المشروع الثقافي لعبد الله علي ابراهيم في السودان ، 1988، ورقة غير منشورة قدمت في ندوة الثقافة والتنمية، القاهرة، 1999.
    11 ـ ابكر آدم اسماعيل، مرجع سابق.
    12 ـ محمد جلال هاشم، مرجع سابق.
                  

07-11-2004, 01:00 PM

Faisal Salih
<aFaisal Salih
تاريخ التسجيل: 10-12-2002
مجموع المشاركات: 477

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصراع بين جنوب السودان وشماله: الثابت والمتحول.. وجدل الهوية (Re: Amin Elsayed)

    شكرا يا أمين
    لقد فوجئت بهذه المادة منشورة في القدس العربي، والحقيقة لم ارسلها وليست لي صلة مباشرة بالصحيفة ، لكن ربما تكرم أحد الأصدقاء بذلك
    المادة ، باستثناء العناوين والمقدمة التي هي من عمل الصحيفة، هي ورقة قدمتها في ندوة نظمها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالتعاون مع مركز الدراسات السودانية وعقدت بالقاهرة الشهر الماضي. وقد حدد المركز هذاالمحور "الأبعاد المتعددة للصراع بين شمال وجنوب السودان" وطلب من عدد من الباحثين الكتابة فيه، وقد كنت من بينهم، واخترت التركيز على موضوع الهوية
    شكرا للنشر مرة أخرى با أمين

    فيصل محمد صالح
                  

07-11-2004, 02:05 PM

Amin Elsayed
<aAmin Elsayed
تاريخ التسجيل: 09-05-2003
مجموع المشاركات: 1252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصراع بين جنوب السودان وشماله: الثابت والمتحول.. وجدل الهوية (Re: Faisal Salih)
                  

07-12-2004, 10:52 AM

Amin Elsayed
<aAmin Elsayed
تاريخ التسجيل: 09-05-2003
مجموع المشاركات: 1252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصراع بين جنوب السودان وشماله: الثابت والمتحول.. وجدل الهوية (Re: Amin Elsayed)

    The Second Part

    http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=2004\07\07-12\g...ية%20(2%20من%202)fff

    الصراع بين جنوب السودان وشماله: الثابت والمتحول.. وجدل الهوية (2 من 2)


    هناك حديث عن الثقافة الافريقية في مواجهة الثقافة العربية، وفي الحديث عن ثقافة افريقية واحدة وهم كبير
    مسلمة القهر والاقصاء كجوهر في الثقافة العربية الاسلامية في كتابات الهوية تساق دون استدلالات
    فيصل محمد صالح
    شغلت قضية العلاقة بين شمال السودان وجنوبه المثقف السوداني منذ ولادة الدولة الحديثة، ففي الوقت الذي نظر فيه الشمالي للازمة باعتبارها، علي الاقل في وجه منها، من مسببات الاستعمار والتبشير، نظر الجنوبي الذي لم يقرأ الا بالانكليزية ولم يفكر الا من خلالها، الي الدولة الحديثة باعتبارها من ترتيب جماعات حضرية في واد مدني، الخرطوم مثلا، وظل الجدل محل شد وجذب، وتقارب وانفصام. وهذه المقاربة تحاول تقديم فهم في سياق التنازع بين هوية الشمال والجنوب.
    القدس العربي

    6 ـ جدل المركز والهامش

    يلاحظ انه ومع الجهد الكبير الذي يبذل في هذه الدراسات والكتابات التي تنظر لمدرسة المركز والهامش في اطار التحليل الثقافي، الا انها في النهاية لا تخرج عن مدرسة الوحدة في التنوع ، اي تطرح حلولها في اطار الاعتراف المتبادل والتعايش بين الاثنيات والهويات والثقافات المختلفة في السودان، وذلك عبر عقد اجتماعي جديد يعيد توزيع السلطة والثروة ويكرس قيم المساواة والعدالة. وفي ذلك يري ابكر انتصار القوي المهمشة في تأسيس الاوضاع بشروط جديدة تستند علي حقيقة التعددية وتلتزم بتوجهات العدالة والمساواة والتعايش السلمي، والارتفاع بقضية الهوية المشتركة ـ هوية الدولة ـ من الظرفية الي التاريخ اي لكل هويته والدولة للجميع حتي يحكم التاريخ في مسألة الذاتية السودانية. (1)
    ولا يذهب محمد جلال بعيدا من هذا التصور حين يقول عن الطرف الذي يدعو له اما الطرف الثالث الذي يمثل وسط الاستقطاب الايديولوجي فهو الدعوة الي قيام دولة مؤسسات وفق ديمقراطية تعددية تستند اساسا علي واقع التعدد الثقافي، علي ان يبدأ هذا المشروع بالخطوات التنفيذية لايقاف سياسة الاحادية الثقافية التي تمارسها مؤسسة الدولة في السودان منذ الاستقلال مرورا بجميع الانظمة والحكومات. ان هذا التيار الايديولوجي يستند في تأسيساته علي ان مؤسسة الدولة مسؤولة عن تحريك ماكينة القهر والاضطهاد الثقافي جراء عدم اعترافها بمسؤولياتها تجاه الثقافات غير العربية في السودان. ان هذا الامر يقتضي مراجعة التعليم لغة ومضمونا، كذلك النشاط الثقافي والفكري، فضلا عن الاعلام، وما يتبع كل ذلك من سياسات اقتصادية وقومية.. الخ . (2) وهذا يعني ان من الممكن الاختلاف معها في التحليل، والاتفاق معها في النتائج المطروحة كحلول. وهذه بعض نقاط الجدل والخلاف:
    6/1 ـ الحديث عن القهر والاقصاء كجوهر في الثقافة العربية الاسلامية يأتي كمسلمة في كثير من كتابات الهوية دون اي استدلالات حقيقية. فمجرد انتشار اللغة والثقافة العربية الاسلامية في مناطق كثيرة مع انحسار لغات وثقافات محلية يعتبر اقصاء وهيمنة، دون الاستعانة بالدراسات اللغوية والاجتماعية الحديثة والمقارنة التي توضح وتدرس وتشرح، ودون دراسات مقارنة مع ظروف متشابهة في دول افريقية اخري، تراجعت لغاتها واندثر بعضها لصالح اللغتين الانكليزية والفرنسية، دون ان تكون احدي هاتين اللغتين بمثابة لغة محلية لاي من المجموعات الوطنية. كما يتم ادانة دور التاجر الشمالي العربي الجوال الجلابي في نقل كثير من المناطق من الاقتصاد التقليدي الي اقتصاد السوق، وذلك علي اسس ومحاكمات اخلاقية لا علاقة لها بعلم الاقتصاد. وهم حين يحاكمون الهوية العربية الاسلامية، يخلعون الدور الذي لعبته تجلياتها الفكرية ـ السياسية القائدة في اوقات مختلفة ازاء تلك الكيانات (غير العربية والاسلامية) من حوامله التاريخية، بحيث يبدو نابعا من جوهر ثابت في هذه الهوية كخصائص حضارية (3)
    6/2 ـ يكرس منظرو هذا الاتجاه جزءا كبيرا من وقتهم وجهدهم في نقد ونفي الثقافة العربية والاسلامية عن السودان، او علي الاقل تصورات السودانيين الشماليين عن عروبتهم (4) ليس هناك حديث عن بقية مناطق السودان، هذا يعطي ايحاء كاذبا وزائفا عن عدم وجود مشاكل اخري في مسألة الهوية عدا هذه الجزئية المتعلقة بعروبة الشمال. ويستنتج منه ان العقبة الوحيدة هي احساس الشماليين بعروبتهم. فهل هناك، فعلا، ارتباط حقيقي، يمكن البرهنة عليه علميا، بين اعتقاد الشماليين في عروبتهم، وبين واقع الهيمنة وفرض الأحادية الثقافية علي السودان.. بمعني ان اعتقاد الشماليين بعروبتهم يمنعهم بشكل آلي من الاعتقاد في، وتأييد مشرع التعددية الثقافية المطروح كبديل لمشروعي الاحادية والانصهار القومي؟ هل يمكن ان يعتقد شخص بانه عربي، جده العباس او النبي، وانه ينتمي اصالة للثقافة العربية الاسلامية، ويؤمن في الوقت نفسه بان هناك ثقافات واديانا واعراقا اخري في السودان لا تنتمي للثقافة العربية الاسلامية، وان يؤيد بالتالي مشروع التعدد والوحدة في اطار التنوع ولا يتبني نفي الاخر؟
    6/3 ـ هناك حديث عن الثقافة الافريقية في مواجهة الثقافة العربية، وان الحديث عن ثقافة افريقية واحدة وهم كبير. افريقيا قارة ووحدة جغرافية تركت بصماتها علي الشعوب التي تسكنها. ثقافات شعوب شرق افريقيا تختلف عن غرب افريقيا، وشمال افريقيا تختلف عن جنوب افريقيا. وفي السودان فان ثقافة الفور تختلف عن ثقافة الدينكا، وثقافة النوبة تختلف عن ثقافة الفونج والانقسنا. هذا باب لا يناقشه احد ولا يتحدث عنه. ويلاحظ كمال الجزولي في مقال بالغ الاهمية ان صفوة المجموعات الثقافية السودانية الموسومة بالمهمشة، لا تختفي كثيرا بلغاتها المحلية، وقد تستنكف الحديث بها. وعندما اتيحت للحركة الشعبية السيطرة علي بعض مناطق جبال النوبة، قامت بثورة تعليمية، كما اسمتها، اخلت فيها اللغة الانكليزية محل اللغة العربية في التعليم! (5)
    6/4 ـ يلاحظ ان محمد جلال اعطي من حيث يدري ولا يدري مفهوما عرقيا لليمين واليسار.. فكل من يقول بالانتماء للثقافة العربية الاسلامية في السودان هو يميني.. وغاية ما يحققه ان يصبح يمين الوسط، وكل القوي الجهوية والاقليمية سواء التي تنادي بسودان جديد او بالانفصال هي يسارية رغم انفها، سواء رغبت ام لم ترغب، درت ام لم تدر.. فهذا موقف منفصل عن الوعي.. رغم ان الماركسية التقليدية حين ربطت الموقف الايديولوجي بالوضع الطبقي، عادت واضافت مفهوم الوعي الطبقي، اما عند محمد جلال فالوعي هنا غير وارد. ويتم هذا الامر دون دراسة لتركيبة الحركات الاقليمية والجهوية وطرحها الفكري والسياسي، وبعضها اختار ان تكون تراتبية القيادة فيه علي اساس قبلي، وبعضها يتعرض لنزاعات وانشقاقات علي الاساس القبلي، مؤتمر البجا اكثر من مرة، وحركة تحرير السودان التي يتفاقم فيها النزاع والانشقاق بين مجموعة الزغاوة بقيادة مني اركو مناوي ومجموعة الفور التي يتزعمها عبد الواحد محمد نور، بما يعني انها تنتج هي نفسها صراع المركز والهامش بمستوي مختلف. اما داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان فيمكن مراجعة كتابات بيتر ادوك نيابا، لان اكول، وكتاب حرب ايما الذي يكشف البعد القبلي والديني للحرب والصراع بين الدينكا والنوير (6)، كما يمكن مراجعة اتفاقية اونليت بين الدينكا والنوير التي تكشف نقاطها عن وجود عمليات الاختطاف القسري والاسر الذي لا يسمي هنا رقا مثلما يحدث في حالة الدينكا والرزيقات مثلا (7)
    6/5 ـ هل يمكن اعتبار ان اعتقاد الشماليين في عروبتهم واسلامهم مثله مثل اعتقاد الدينكا في اصولهم التي ترتبط باساطير كثيرة، وهم ليسوا وحدهم في هذا. وكذلك تصورات البجا.. او النوبة.. ولدي كل هذه المجموعات قصص واساطير عن تميزهم عن بقية البشر، او انهم ابناء الاله.. او شعبه المختار؟
    هل يحتاج انجاح مشروع الوحدة في التنوع والتعددية الثقافية ان نناقش معتقدات هذه المجموعات باعتبارها معوقا للمشروع؟ ام ان مناقشة هذه المعتقدات يدخل في باب دراسات الانثروبولوجيا الثقافية والاجتماعية، وهذا مقام اخر.
    6/6 ـ من المؤكد ان كل هذه الجوانب مفتوحة للنقاش والبحث، لكن لدي اعتقاد جازم بأن كثيراً من الباحثين يساهم، بوعي او بدونه في تكريس هذه الفكرة الخاطئة، عندما يبدأ وينهي اي نقاش عن الهوية بحكاية نفي عروبة الشماليين، واظن ان في هذا تنفيراً من مشروع الوحدة في التنوع والتعددية الثقافية فالمفروض ان هذا المشروع يقوم علي انقاض الهيمنة ونفي الاخر والاحادية الثقافية، وليس علي انقاض عروبة شمال السودان بالضرورة. وان كان موضوع العروبة في شمال السودان يبقي موضوعا مفتوحا للجدل في كل حين.
    وكما يلاحظ عبد العزيز حسين الصاوي فان التعميمات غير المتبصرة حول مسؤولية العرب والمسلمين متوفرة بكثرة في هذه الكتابات، ادانة الشعب وهويته القومية والدينية المضمرة في العجز المتكرر عن التمييز بينه وبين الفئات السياسية والاجتماعية العربية الاسلامية التي تشكل سلطة اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية، تجريد الشماليين من سودانيتهم (
    فمثلا يقول محمد جلال في نفس الورقة، عند مناقشته موضوع النسب العربي لقبيلة الجعليين ان من يحتاز علي هذه النسبة فقد احتاز شرفا كبيرا ومكانة كبيرة، معنوية ومادية، كامتلاك الارض مثلا. فالبدو المجاورون للجعليين ـ وان كانوا صرحاء العروبة ـ يحرمون من هذه النسبة الامر الذي يستتبع عمليا حرمانهم من ملكية الارض، ولو ملكوا المال والرغبة لذلك .
    وهكذا ببساطة يقرر محمد جلال امرا خطيرا لا يمهد له ولا يدلل عليه، ارتباط النسب الذي يرجع للرسول وعمه العباس بملكية الاراضي، انه حكم بلا حيثيات واعتقد جازما انه منقول من مكان ما من سياق ما.. لكنه قطعا لا يرتبط بهذه المنطقة. ولا اعرف ان كان الاخ محمد جلال يعرف ماذا يسمي اهل الشمال، من الجعليين والشايقيه والبديرية.. البدو الذين لا يملكون اراضي ويعيشون علي اطراف القري ويعملون في البناء وكعمال زراعيين؟ يسمونهم العرب! فالقضية ليست لها علاقة بالعروبة او الهوية، بقدر ماهو الصراع التقليدي علي الموارد المحدودة بين قوم مستقرين في رقعة ضيقة، وبين قادمين جدد. انهم ينكرون عليهم ملكية الارض لكنهم لا ينكرون عليهم العروبة. ولعله يعلم ان تعبير العرب في كثير من مناطق السودان تعني البدو.. الرحل غير المستقرين دون ان يتم دراسة الاصول العرقية والثقافية لهم.
    6/7 وجه محمد جلال نقدا شديدا، وموضوعيا، لمدرسة الانصهار القومي، ونموذجها الافروعربية وبدا من المتحمسين لنموذج الوحدة في التنوع، لكنه فجأة يسمي المدرسة التي ينتمي لها ايديولوجيا القومية السودانية هكذا يقفز من تيار الوحدة في التنوع.. والتعدد الثقافي، الي تيار الانصهار القومي. ان مصطلح القومية السودانية يعود بنا للمربع صفر. ما عيب تيار الانصهار القومي، والآفرو عربية هو التعبير الشمالي عنه؟ عيبه في رومانسيته. لان مدرسة الغابة والصحراء بدأها شعراء وادباء قد تبنت هذا الطرح الرومانسي، وهو تطلع كل السودانيين، لكنه لم يكن طرحا واقعيا. الافضل منه والاكثر واقعية هو الاعتراف بأننا لا نشكل ثقافة واحدة ولا قومية واحدة، نحن من ثقافات واعراق متنوعة لكن تجمعنا ارادة واحدة لنعيش معا في هذا الوطن.. وتجمعنا امنية في ان يتحقق الانصهار القومي يوما ما.. ونكون امة واحدة. استخدام مصطلح القومية السودانية يهدم كل مشروع محمد جلال هاشم، يقلبه رأسا علي عقب ويفرغ كل مجهوده الذي بذله من المعاني التي ارادها. ودعنا مرة اخري نسأله.. فربما تكون هذه زلة قلم، لكن لو كان فعلا تيار الوسط الذي يدعو له يقوم علي ايدلوجيا القومية السودانية، فانه اذن تيار الانصهار القومي.. وأفضل تعبير عنه هو صورة معدلة من الآفروعربية، وبالواقع فان ايديولوجيا القومية السودانية تتعارض كليا مع مفهوم الوحدة في التنوع الذي يتسع لقوميات عديدة يسعها هذا الوطن ولا يستبق سنوات طويلة من تجربة الوحدة في التنوع ونتائجها.
    6/8 ـ هنا نأتي لبيت القصيد، رفض التمفصل الخطي كما اسماه، السعي لتفكيك مواجهة شمال ـ جنوب، تكون الصيغة الجديدة المركز ـ الهامش. المركز هنا ليس كل الشمال.. وانما ما يسمي بالوسط النيلي، حيث يتم تجريده من العلاقة مع الشرق والغرب، واقصي الشمال. تتقلص القوة المفترضة للشمال، وتضعف الثقافة العربية الاسلامية يأتي الشرق كبجا وبني عامر، ويأتي الغرب فور ومساليت ونوبة وزغاوة وحمر ومسيرية وكواهلة وزريقات.. الخ، لا مجال ليتحدث احد ان بعض هذه المجموعات حدث بينها تكامل وانصهار بحيث صارت تشكل تجمعا كبيرا، لان هذا سيتعارض مع المطلوب. المطلوب تفكيك اية مرحلة من مراحل التوحد حدثت بين مجموعات الشمال العربي المسلم. ثم الي ماذا ينتهي محمد جلال؟ الي بناء تمفصل خطي جديد.. لا تمفصل دائري، وقطبا التمفصل الخطي هما: تيار السودانو عروبية، يمثله الوسط الشمالي النيلي بعد تقليصه من هوامش الشرق والغرب واقصي الشمال، وتيار السودانو افريقيا الذي يمثل الجنوب الذي استتبع معه باقي الهوامش. انه اذن بناء تمفصل خطي جديد مع تغيير مراكز القوي يصير فيه الجنوب هو المركز، لقد بحثت في النتائج النهائية عن التمفصل الدائري فلم اجده.. فهو يستوجب وجود اقطاب عدة، لكنه طالما انبني علي وجود قطبين فهو تمفصل خطي مع اعادة تشكيل القطبين. واخطر ما يسعي له هذا الطرح هو تفكيك كتلة الوسط والشمال التي التحمت وذابت فيها القبلية وكونت تجمعات مدينية حديثة، وبعبارات الصاوي فانه يهدف الي الغاء مفهوم الاغلبية العربية السودانية بالمفهوم الحضاري والثقافي لجعل السودان الوحيد الممكن هو سودان الاقليات (9). وهذا الطرح قديم، وسبق ان طرحه عبد الله عبد الوهاب كارلوس في ورقة قدمها في سمنار مهرجان الثقافات السودانية بالقاهرة 1995، وقد رددت عليه بمقال نشر في جريدة الخرطوم اسميته استقالة من جمهورية اتحاد القبائل السودانية (10).
    6/9 ـ ينصف محمد جلال المدرسة الافريقية قائلا: في رأينا ان وجود هذه المدرسة نظري افتراضي، اي لحفظ ميزان الصراع من حيث ثنائيته القطبية عربي ـ افريقي. فالحديث عن الافريقانية في السودان يقوم دائما استيعابا للكيانات مشهودة التأفرق من لغة وعرق.. الخ، واستبعادا للعناصر مشهودة العروبة. ولك لا توجد كتابات عن سودان افريقي الثقافة مع استيعاب شمالي الوسط العربي المسلم فيه (11).
    ربما صح هذا الكلام في اوائل التسعينات.. لكنه لا يصح الآن، فالكتابات الفكرية والسياسية التي تتحدث عن سودان افريقي الثقافة مع استيعاب شمالي الوسط العربي المسلم فيه .. بالكوم، ويذهب بعضها للقول ان هذا هو الخيار الوحيد امام الشماليين.. والا فان عليهم ان يحزموا امتعتهم ويمتطوا ابلهم عائدين من حيث اتوا. واستطيع ان آتي بعشرات المقالات التي تقول بهذا.

    7 ـ عود علي بدء

    لعل مقولة الدكتور فرانسيس دينق عن مسؤولية التاريخي السياسي علي التأكيد علي عناصر الانقسام ودعم احساس عدم الثقة والعداوة هي اصوب واصدق ما قيل لتلخيص تاريخ المشكلة، ومثله في البلاغة عنوان كتاب آبيل الير جنوب السودان: التمادي في نقض المواثيق والعهود . فمع التسليم بالتعدد الثقافي والاثني والديني في السودان، الا انه لا يمكن تحميل هذا التعدد مسؤولية الحرب الاهلية في البلاد، كما ان السودان ليس هو نموذج التعدد الوحيد في العالم.
    فمع التعدد الثقافي والديني والعرقي، وتعدد او ثنائية الهوية في السودان وافق الزعماء الجنوبيون علي خيار الوحدة في مؤتمر جوبا عام 1947 بعد ان تم وعدهم باعطاء نظرة خاصة للجنوب. وعندما جاءت لحظة اعلان الاستقلال من داخل البرلمان، تمت مساومة النواب الجنوبيين للتصويت للاستقلال مقابل النظر في مطلب الفيدرالية. وجاءت السودنة فحصل الجنوبيون علي ست وظائف من 800 وظيفة. ولم تقم اية مشاريع تنمية بالجنوب، وانقلبت الاحزاب علي مطلب الفيدرالية. ثم اندلعت الحرب الاهلية الاولي (1955 ـ 1972) وتم توقيع اتفاقية أديس ابابا، وحصل الجنوب علي حكم ذاتي وحكومة اقليمية وبرلمان منتخب، وصارت شعبية نميري في الجنوب اكثر من شعبيته في الشمال. ثم انقلب النميري ليتآمر علي الديمقراطية في الجنوب وعلي وحدة اهل الجنوب، ويخالف الاتفاقية والدستور.
    وما يثير العجب هو دهشة أبيل الير من انقلاب نميري عليهم، فهل كان من الممكن ان يستمر نظام ديمقراطي اقليمي في الجنوب في ظل نظام مركزي شمولي في الشمال؟ لم ينتبه ابيل الير ولا الساسة الجنوبيون لمطلب حماية الاتفاق بسياج ديمقراطي وارتضوا بالديمقراطية الجزئية في الجنوب.. فأكلوا يوم اكل الثور الشمالي.
    ثم جاءت كل التفاهمات ومحاولات حل المشكلة التي خرجت بعد ذلك من خارج الاطار الحكومي مثل اتفاقيات كوكادام 1986 امبو 1988 مبادرة السلام السودانية 1988 فقد تمت بيد قوي سياسية سودانية مع الحركة الشعبية، وعندما تبنت حكومة الصادق المهدي مبادرة السلام السودانية كان الوقت الاصلي والاضافي للنظام الديمقراطي قد انتهي.
    وحري عن القول ان تاريخ تفاعل حكومة الانقاذ مع هذه المشكلة، ما زال هو تطبيق لكل الشعارات المكيافيلية، مع مأثورات فرق تسد ـ شراء الوقت.. الخ. فقد انهمكت في مفاوضات كثيرة، وقبلت عشرات المبادرات ووقعت عددا من الاتفاقيات، واشترت ما استطاعت من الذمم اتفاقيات فرانكفورت ـ الخرطوم ـ فشودة ، ومفاوضات اديس ابابا، نيروبي، ابوجا، نيروبي ـ المبادرة المصرية ـ الليبية، ثم اخيرا مفاوضات (مشاكوس ـ نيفاشا)، حتي خلت جعبة الحاوي من الحيل، واضطرت تحت ضغط متغيرات اقليمية ودولية للقبول بما كانت ترفضه.
    ان التعدد، مع كل الدراسات التي تناولته، والحبر الذي دلق عليه، ليس هو المشكلة بالضرورة، ولكن المشكلة في كيفية ادارة التعدد بطريقة تحقق الاشباع السياسي والثقافي والاقتصادي لكل المجموعات التي تسكن ارض السودان، وهذا هو الامتحان الذي فشلت فيه النخب السياسية الحاكمة. وهنا يعود المدخل السياسي ليطل برأسه من جديد، مثلما يطل من باب الاشباع المدخل التنموي والثقافي. انه تكامل المداخل والرؤية المتســــعة لافق المشــكلة والصراع.

    هوامش:

    1 ـ محمد جلال هاشم السودانوعروبية او تحالف الهاربين: المشروع الثقافي لعبد الله علي ابراهيم في السودان ، 1988، ورقة غير منشورة قدمت في ندوة الثقافة والتنمية، القاهرة، 1999.
    2 ـ ابكر ادم اسماعيل، جدلية المركز والهامش، قراءة جديدة في دفاتر الصراع في السودان، كتاب تحت الطبع، نشرت اجزاء منه بصحيفة الصحافة السودانية.
    3 ـ محمد جلال هاشم، مصدر سابق.
    4 ـ عبد العزيز حسين الصاوي، السودان: حوارات الهوية والوحدة الوطنية، مركز الدراسات السودانية، القاهرة.
    5 ـ انظر ايضا الدكتور الباقر العفيف في ورقته (ازمة الهوية في شمال السودان: متاهة قوم سود ذوي ثقافة بيضاء) بالانكليزية، ترجمة الخاتم عدلان.
    6 ـ محمد جلال هاشم، مصدر سابق
    7 ـ ابكر آدم اسماعيل، مصدر سابق.
    8 ـ محمد جلال هاشم، مصدر سابق.
    9 ـ عبد العزيز حسين الصاوي، السودان: حوارات الهوية والوحدة الوطنية، مركز الدراسات السودانية، القاهرة.
    10 ـ انظر ايضا الدكتور الباقر العفيف في ورقته (ازمة الهوية في شمال السودان: متاهة قوم سود ذوي ثقافة بيضاء) بالانكليزية، ترجمة الخاتم عدلان
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de