|
أريد أن أكون مسافراً، ولا أريد أن أكون مهاجراً
|
كنت أقول لنفسي: "أريد أن أكون مسافراً، ولا أريد أن أكون مهاجراً. تعلمت في بلدي أشياء كثيرة، تصير بلا فائدة في مكان آخر." ولكن هاهم هاهم زملاء الهجره يخرجون من جيوبهم دفاتر عناوينهم الصغيرة، بقايا هوياتهم. مازالوا يلعبون لعبة كونهم أشخاصاً مهمين. كانوا يتعلقون بكل قواهم بمدلول ما. "أتعرف، هذا هو أنا، كانوا يقولون، أنا من المدينة الفلانية... صديق فلان... أتعرف فلاناً؟" ويقصُّون عليك قصة صديق، أومسؤولية، أوخطيئة، أو أية قصة أخرى يمكن أن تربطهم بأي شيء كان. ولكن لم يعد شيء من هذا الماضي ينفعهم ...كانوا يحسون بذلك جيداً. ومثلما تلعب الهجره لعبة السعادة، كانوا هم يلعبون لعبة الاعتقاد بأنهم سيعودون قريباً. عذبٌ غيابُ الابن الضال! إنه غياب مزيف لأن البيت الأسري باقٍ وراءه. فسواء كان الغياب في الغرفة المجاورة، أو على الجانب الآخر من الكوكب، ليس الفرق جوهرياً. يمكن أن يكون وجود الصديق الذي ابتعد ظاهرياً أكثر كثافة من وجود فعلي...ليس ثمة رتابة في المهجر ...لكلِّ شيء وِجهتُه. حتى الصمت لا يشبه فيها صمتاً آخر.هناك صمت السلام عندما تتصالح القبائل في المهجر ، عندما يسترد المساء برودته، ويبدو لك أنك طويت أشرعتك وتوقفت في ميناء هادئ. . وهناك صمت كاذب، حين تهدأ ريح الشمال، ويعلنُ ظهورُ الحشرات والطيور عن هبوب عاصفة حاملةًللمطر. وهناك صمت المؤامرة، حين نعلم أن قبيلةً بعيدة لم تزل هائجه. وهناك صمت اللغز، حين تنعقد بين رجال القبيله الواحده مؤامراتُهم المبهمة. هناك صمت متوتر حين يتأخر المبعوث في العودة؛ صمتٌ حادٌّ، حين يحبس المرء أنفاسه لكي يسمع صمتاً كئيباً، عند تذكُّر من نحب. "أريد أن أكون مسافراً، ولا أريد أن أكون مهاجراً.
|
|
|
|
|
|