استطلاع حول شخصية نقد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 06:19 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-08-2004, 03:41 PM

محمد اشرف
<aمحمد اشرف
تاريخ التسجيل: 06-01-2004
مجموع المشاركات: 1446

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
استطلاع حول شخصية نقد

    ظل الاستاذ محمد ابراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعى السودانى من الشخصيات التى يدور حولها جدال مستمر حول قدراته و امكانياته الفكرية و السياسية
    و الرجل له كثير من الاصدقاء كما له اعداء و منتقدين بسبب بقائه لفترة طويلة فى قمة سكرتارية الحزب الشيوعى

    اقدم هذا الاستطلاع الذى اجرته الصحفية سعاد عبدالله

    و يمكن لكل قارئ ان يجد جزء من ارائه الخاصة حول شخصية نقد موجودة فى هذا الاستطلاع . كما ان شخصية الرجل يمكن ان تكون على طاولة البحث و الاراء فى هذا البورد

    تجدر الاشارة الى ان هذا الاستطلاع وردنى من الصديق طلال عبد الباسط وهو مشكور على ذلك


    نص الاستطلاع



    الثلاثاء8يونيو2004

    في دائرة الضوء

    محمد ابراهيم نقد

    استطلاع : سعاد عبدالله

    رجل يعيش بعيدا عن الاضواء ولا نستطيع ان نقول في الظلام .. ولكنه عاش زمنا طويلاً فوق الارض قبل ان تجبره الاحداث او يختار ان ينزل تحتها.. له سيرته العريضة ومشاركته الواسعة ومعارفه الكثر مما ييسر لنا ان نضعه تحت دائرة الضوء .. التقينا بعدد من الرجال الذين يعرفونه ..د. عبدالله علي ابراهيم .. الحاج وراق ود. خالد المبارك ود. فاروق كدودة ومحمد ابراهيم كبج وطرحنا عليهم اسئلة تمثلت في شخصيته كمفكر وسياسي وهل سيقود الحزب في المرحلة القادمة ام سيتنازل ومقارنة بينه وعبدالخالق في ادارة الحزب وبماذا استفاد من الاختفاء وبماذا تضرر وماهي سلبيات وايجابيات الرجل؟!

    * شخصيته كمفكر وسياسي

    د. عبد الله علي ابراهيم:

    * أفتكر ان المعادلة هذه بين سياسي ومفكر أول من أثارها هو د. الترابي ، ومال إلى أن نقد هو مفكر أكثر من كونه سياسياً وهذا راجع إلى تزاملهما في الدراسة بمدرسة حنتوب الثانوية.

    وأنا إلى حد كبير أميل إلى هذا الرأي مع د. الترابي في أن نقد مفكر أكثر منه سياسي !

    - الحاج وراق

    نقد مفكر سياسي عميق ، وهو مطلع ليس فقط على تطور الفكر السياسي وحسب ، وإنما كذلك له إلمام عميق بالواقع السياسي ، إلمام ليس نتيجة الدراسة والتأمل ، وإنما كذلك نتيجة الإحساس الفني والأدبي..

    وفي تقديري الشخصي ان الماركسية بطابعها العقائدي المغلق لا تشكل إضافة للأستاذ نقد وإنما خصم وقيد يقيد إستنتاجاته الفكرية وتكتيكاته السياسية.

    د. خالد المبارك :

    نقد هو مفكر أكثر منه سياسي فقد درس الماركسية اللينينية دراسة منهجية وهذا يفرق بينه وبين آخرين في الحزب ، وله دراسات جادة وكتب مختلفة.. لكنه كسياسي في تقديري أولوياته السياسية ضعيفة ومقدرته على القيادة ضعيفة . يكفي أنه عجز عن عقد مؤتمر للحزب منذ وفاة عبد الخالق محجوب...

    * محمد ابراهيم كبج :

    دراسته للفلسفة ساعدته في أن يكون مفكراً وفي مجال السياسة هو شخص مرن جداً وإجتماعي

    د. فاروق كدودة :

    * هو رجل مفكر وجاد ومحاور وذو منطق .

    ولو إتيحت له الظروف لإمتلأت المكتبات بمؤلفاته، أنا أضع نقد في مصاف كبار المفكرين العرب والسودانيين.

    * هل سيقود الحزب في المرحلة القادمة ؟ أم سيتنازل لشخصية قيادية جديدة؟

    د. عبد الله علي ابراهيم

    أنا لا أكاد أرى من بعد نقد شخصية قيادية جديدة للأسف ، وما زال نقد هو أميز الشيوعيين .

    الحاج وراق :

    من حيث القدرات الفكرية والسياسية الاستاذ نقد هو الأكثر تأهيلاً لقيادة الحزب الشيوعي وهو كذلك الأكثر تأهيلاً لتجديد الحزب وتحويله وفق مقتضيات الظروف الجديدة . وبالطبع إذا إكتمل هذا التجديد فالافضل ان يتم تجديد القيادة حينها بما يتفق مع هذا التجديد..

    د. خالد المبارك

    حسب تقاليد اليسار المعروفة والمحفوظة لا يتخلى نقد عن القيادة «إلا محمولا إلى القبر» مع أنه يوجد ناس في الصف الثاني قادرين على قيادة الحزب في المرحلة القادمة لو إتيحت لهم الفرصة !

    محمد ابراهيم كبج :

    أنا أعتقد أنه في المرحلة القادمة لا يمكن مجيء شخص جديد لقيادة الحزب . أعتقد ظهور نقد وعقده لمؤتمر خامس بمشاركة جيل جديد وإنتخاب قيادة جديدة.

    د. فاروق كدودة

    هذا يعتمد على قرار مؤتمر الحزب القادم الخامس، لكني أعرف رأيه الشخصي هو أن يتنحى عن القيادة السياسية المباشرة كل من تعدى السبعين .. ولذلك قد يكون موقفه الشخصي هو أن يقدم من يصغره سناً، لكن هذا يعتمد على أعضاء المؤتمر.

    * مقارنة بين إدارته للحزب وإدارة عبد الخالق محجوب ؟

    د. عبد الله علي ابراهيم

    نعود إلى سؤال المفكر والسياسي - عبد الخالق كان رساماً ماهر التكتيك ونقد قدراته التكتيكية دون ذلك بكثير .

    * الحاج وراق :

    لم أعايش المرحوم عبد الخالق ، ولكن بناء على إطلاع عام يمكن القول إن عبد الخالق أكثر جرأة وأكثر قدرة على المبادرة ، وفي المقابل فإن نقد اكثر تفهماً وتطابقاً مع احتياجات الواقع السوداني - أي أكثر سودانية - وإذا كان المرحوم عبد الخالق هو الذي بدأ محاولة سودنة الماركسية فإن نقد أكثر إلتزاماً بذلك في الممارسة العملية . وقد نجح عبد الخالق في بناء جماهيرية الحزب الشيوعي وساعدته في ذلك الظروف الدولية والاقليمية لكنه «ورط» الحزب في مغامرة 19 يوليو 71 .

    أما نقد فربما لم يلعب الدور النهائي كعبد الخالق ولكنه استطاع بجاذبية شخصيته أن يرسم صورة نموذجية للحزب الشيوعي رغم قناعة غالبية السودانيين بعدم ملاءمة الشيوعية والماركسية لنهضة البلاد.

    د. خالد المبارك

    عبد الخالق كان قائداً عظيماً وله أفق واسع وكان حكيماً ويحظى باحترام الاعداء والاصدقاء . مشكلة نقد هو ظهوره بعد عملاق مثل عبد الخالق وكان مطالباً بملء كرسي عبد الخالق بين يوم وليلة وهذا في إعتقادي طلب غير عادل ومجحف.

    محمد ابراهيم كبج

    عبد الخالق له ميزات كثيرة جداً وقد كان شخصاً بارزاً في وقته. ولكن نقد أثبت أن لكل أوان رجالاً ..

    د. فاروق كدودة ..

    عبد الخالق كان يقود الحزب في فترة التأسيس، ونقد قاده في مرحلة شب فيها الحزب عن الطوق وأصبح قوة سياسية ذات شأن . لذلك تختلف الأساليب والمهام.

    بماذا استفاد نقد من الاختفاء وبماذا تضرر منه ؟

    د. عبد الله علي ابراهيم

    بالاختفاء تحول نقد بشكل ملحوظ إلى المفكر الذي كان ينبغي أن يكون منذ البداية فقد إستطاع التفرغ لكتابة الكتب وإصدارها .. ولا أعتقد أن لديه مشكلة أو ضرراً من الاختفاء فهو سعيد جداً بالاختفاء..

    الحاج وراق : استفاد من الاختفاء بتفادي اعتقاله بواسطة أجهزة الأمن ، ولكنه في المقابل اعتقل نشاطه ولحدود معينة أعتقل نشاط الحزب كذلك، وفي تقديري ان الاختفاء الآن يفيد الديكتاتورية أكثر مما يفيد جهود دفع التحول الديمقراطي في البلاد.

    د. خالد المبارك ..

    أعتقد أن الضرر من اختفائه أكثر من الفائدة المعروفة انه كتب بعض الكتب. والاختفاء ربما يكون فيه معقولية لكن به نوعاً من المبالغة :

    وهو شاطر في الاختفاء وحماية نفسه جيداً . لكنه كان عليه ان يستفيد من تغيير الظروف الآن .

    * محمد ابراهيم كبج : الاختفاء فرضته الضرورة -وهو شيء سلبي جداً- والاختفاء مضر إذا لم يكن مربوطاً بنظام معلومات قوي ، ويؤدي إلى العزلة غير المطلوبة.. والاختفاء يتيح له العمل بجزء من الامكانيات وهو شيء تقديري لكنها في النهاية موازنة ..

    د. فاروق كدودة :

    قرار الاختفاء ليس قرارا فردياً فهو قرار متعلق بتمكين السكرتير العام من القيام بمهامه ...

    استفاد من الاختفاء في وجود فرصة للانفراد بالذات والتفكير والكتابة و «حرية الحركة» وأنجز أعمالاً فكرية كثيرة كما ساعده في اعادة ترميم صفوف الحزب .. وتضرر بعدم الاستقرار الأسري والاجتماعي .

    * إيجابيات وسلبيات الرجل

    * د. عبد الله علي ابراهيم ..

    هذا رجل أعطى حياته لقضية وهذا خيار صعب جداً جداً جداً - إختلفنا معه أم إتفقنا فهو من الجيل الذي يعتقد ان للتعلق بالقضايا ثمناً ويدفعه الانسان وهو راضٍ عن ما يفعله..

    أما ايجابياته فقد وجد الحزب في محنة«71» وقد بذل جهده في الإبقاء به على جمره متقداً، وبفضله الآن ما زال بوسعنا أن نتكلم عن حزب شيوعي في السودان في ظل ملابسات أزمة عالمية للماركسية ومآزق داخلية للحزب، ومن سلبياته أنه إكتفى بذلك الإبقاء على جذوة الحزب وإكتفى بالاسم دون أن ينتقل به إلى موقعه المرسوم وهو وضع الأجندة الوطنية وحمل الناس عليها بغض النظر عن حجم الحزب العددي. فالحزب مجرد رسم الآن وأجندة خروجه من الرسم إلى الفعل مطروحه على أعضائه في ما سمى بالمناقشة العامة منذ عهد بعيد ولا يلوح في الأفق باب إلى إستعادة الحزب لمركزه الطليعي بين الشعب .

    الحاج وراق

    ايجابياته : العمل في التفكير والاعتدال السياسي وقد جرب هذا الاعتدال إبان إنتفاضة السكر 1988م، فرغم ان السلطة كانت على الأرض إلا أنه لم يجنح الى التفكير الانقلابي.. وكذلك من إيجابياته الانضباط الذاتي وروح المرح والنكتة الحاضرة . وله أسلوب أدبي رفيع في التعبير سواء كتابة أو خطابة.

    أما سلبياته : فهي التردد ، في تقديري انه توصل إلى ضرورة تحويل الحزب الشيوعي إلى حزب ديمقراطي اشتراكي - ولكنه لا يزال يراوح ويتردد في إنجاز هذه المهمة الضرورية والتاريخية .

    د. خالد المبارك

    ايجابياته: فيه قدر من التواضع الشعبي وله مقدرة على الخطابة باللهجة العامية في الليالي السياسية وله قدر من التدقيق في العمل السياسي وله اهتمامات أخرى غير سياسية .

    سلبياته : التردد فهو في التردد السياسي أسوأ من «هاملت»، وأيضاً الخلل في حساب الأولويات . وحتى اليوم لا يستطيع حسم الحزب وفرض رأيه وهذا نوع من الضعف في القيادة.

    محمد ابراهيم كبج

    ايجابياته : رجل مستمع جيد ومستوعب جيد وله إنتاج فكري مقدر.

    سلبياته : ظهوره في ظروف صعبة في الحزب بعد أحداث 19 يوليو فقد جاء بكثير من المهام وقليل من المساعدين في القيادة، وكان هنالك فراغ كبير في القيادة يتعين عليه ملئه.

    د. فاروق كدودة ..

    من ايجابيات نقد -حب الاطلاع والتواضع، وقدراته الفكرية العالية - واحترام رأي الآخرين وقليلاً ما يلجأ لطرح رأيه قبل الآخرين.

    سلبياته : ليس هنالك إنسان كامل فالكمال لله وحده، نقد كثير الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة وهذا يسبب له ضجراً وضيقاً وقد لا يفهمه الكثيرون ممن يتعاملون معه مباشرة .




















                  

06-08-2004, 04:27 PM

elmahasy
<aelmahasy
تاريخ التسجيل: 03-28-2003
مجموع المشاركات: 1049

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: استطلاع حول شخصية نقد (Re: محمد اشرف)

    أعجبتني مداخلة د. عبد الله علي ابراهيم ..

    هذا رجل أعطى حياته لقضية وهذا خيار صعب جداً جداً جداً - إختلفنا معه أم إتفقنا فهو من الجيل الذي يعتقد ان للتعلق بالقضايا ثمناً ويدفعه الانسان وهو راضٍ عن ما يفعله..

    أما ايجابياته فقد وجد الحزب في محنة«71» وقد بذل جهده في الإبقاء به على جمره متقداً، وبفضله الآن ما زال بوسعنا أن نتكلم عن حزب شيوعي في السودان في ظل ملابسات أزمة عالمية للماركسية ومآزق داخلية للحزب،
    ومن سلبياته أنه إكتفى بذلك الإبقاء على جذوة الحزب وإكتفى بالاسم دون أن ينتقل به إلى موقعه المرسوم وهو وضع الأجندة الوطنية وحمل الناس عليها بغض النظر عن حجم الحزب العددي. فالحزب مجرد رسم الآن وأجندة خروجه من الرسم إلى الفعل مطروحه على أعضائه في ما سمى بالمناقشة العامة منذ عهد بعيد ولا يلوح في الأفق باب إلى إستعادة الحزب لمركزه الطليعي بين الشعب .


    فقد اهتم الحزب الشيوعي كثيراً بأمر بقاءه وعدم تعرض قيادته الجديدة بما تعرض له الشهيد عبدالخالق ورفاقه أكثر من اهتمامه الطبيعي بأن يكون مركزاً طليعياً .. وقد يكون نتيجة تأثير العقل الجمعي في الحزب لما حدث وعدم قدرته علي تجاوزه في الوقت المناسب ولكن ذلك لا ينفي بالطبع تحمل القيادة مسؤولية كبيرة ونقد أولهم .. واعتقد أن ذلك هو الخلل الأساسي في قيادة الحزب بالرغم من انجازها مهامها الأولي المتمثلة في الابقاء علي الحزب موحداً في ظرف بالغ الصعوبة والتعقيد و في بطولة وجسارة نادرة ...

    لكم الود وشكراً محمد أشرف لنقل الموضوع
                  

06-08-2004, 05:33 PM

salwa elsaeed
<asalwa elsaeed
تاريخ التسجيل: 05-06-2004
مجموع المشاركات: 330

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: استطلاع حول شخصية نقد (Re: محمد اشرف)

    الاخ محمد

    التحية والاحترام

    ليس مهم في اعتقادي التسأول المطروح. فقيادة الاستاذ نقد للحزب الشيوعي يحددها الشيوعيون ومقدراته لاتعني شئ بالمره اذا كانت فكرية او سياسية او الاثنين معا, اذا لم يكن موجود في الساحة السياسية.

    مايدهشني هو اختفاء الاستاذ نقد من الساحة السياسية وغياب الحزب التام عن ما يدور في الوطن من احداث دامية تستلزم الحضور التام بالرأي و المساهمة.

    ماذا يفيد اختفاء الرفيق؟ ومتى تنتهي فترة السرية؟ و ماهو الزمن المناسب في اعتقاد الرفيق للظهور في الساحة السياسية؟
                  

06-08-2004, 06:37 PM

Khalid Eltayeb
<aKhalid Eltayeb
تاريخ التسجيل: 12-18-2003
مجموع المشاركات: 1065

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: استطلاع حول شخصية نقد (Re: محمد اشرف)

    هنالك عامل هام في تقييم شخصية نقد و هذا العامل مرتبط بدور الفرد الشيوعي في اطار المنظمة الحزبية سواء اكانت سكرتارية مركزية او قيادة فرع ما , فمن الناحية النظرية فان المنظمة الحزبية هي التي تحدد مهام وواجبات عضوها وبالتالي تلعب دورا كبيرا في تشكيل شخصيته و لذلك فاني اري ان التقييم لذات الفرد في غير سياق القيادة الجماعية قد يجانبه الصواب او قد لايكون دقيقا . وفي رأيي ان الموهبة الفردية داخل الاحزاب الشيوعية قد لايتم استثمارها لمصلحة العمل الجمعي في كتير من الاحيان و مع ذلك فلابأس من ان يناقش الناس الامكانبات و الخصائص الذي يتفرد بها السكرتير العام سواء اكانت هذه الخصائص ذاتية الاصل او مكتسبة نتيجة وجوده في قيادة حزب له خصائصه هو الاخر .

    قد لايكون اختفاء نقد له الاثر الكبير علبه شخصيا و لكن تأثيره السلبي الواضح علي دور الحزب وسط الجماهير كان كبيرا . ربما كان من الافيد للحزب الشيوعي ان يخرج محمد ابراهيم نقد من الاختفاء و يعيش حياته السياسية بين حماهير الشعب السوداني التي تحترمه كقائد و تثق في اخلاصه لقضاياها و هذا ماتفتقده حركة الجماهير : القائد الزعيم الملهم وفي ذلك فاني اري ان نقد مؤهل للعب هذا الدور و الذي لانستطيع ان ننكر تأثيره علي تطور حركة الجماهير وهي تكافح في سبيل مطالبها السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية . لكن هذا الدور يصطدم بجدار القيادة الجماعية وأساليب عمل الحزب الشيوعي . ليس في الامر " نجومية" و لايخضع الموضوع لمعايير مايسمي بالتواضع الثوري . في ذات مرة استنكر نقد محاولات صحفيين لنصويره قائلا لهم انه ليس محمود يس , اي انه ليس بنجم يهرع الناس لتصويره و لقائه . الجماهير تحتاج لمثل هذا القائد " النجم " و التأريخ يعلمنا الكثير من الشحصيات التي لعبت دورا كبيرا و حاسما في حياة الجماهير .
                  

06-08-2004, 07:56 PM

محمد اشرف
<aمحمد اشرف
تاريخ التسجيل: 06-01-2004
مجموع المشاركات: 1446

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: استطلاع حول شخصية نقد (Re: محمد اشرف)

    عزيزى المحسى

    لك التحية

    اتفق معك ان نقد تسلم قيادة الحزب السيوعى فى فترة صعبةو فى سن مبكرة من حياته وهى محمدة لا ينكرها احدز

    لعل الحزب استفاد من تجربة قراره بخروج عبد الخالق محجوب الى الجماهير و التى دفع ثمنها غاليا بفقدانه و على ما اعتقد ان القرار التاريخى كان عبد الخالق مصرا عليه اكثر من سكرتارية اللجنة المركزية

    ما كنت اود التركيز عليه هو ان كثير من المنتقدين لسياسة الاختفاء
    فى الحزب الشيوعى لم يستطيعوا الخروج من التناقض الذى يقعوا فيه بسبب ازدواجية طرحهم

    فهم تارة يطالبون الحزب بخروج كادره القيادى الى الشارع وفى نفس الوقت فى تقييمهم لتجربة 71 وتداعياتها يتهمونه بالتضحية و التفريط فى قيادته كما حدث لعبد الخالق محجوب
                  

06-08-2004, 08:13 PM

خضر حسين خليل
<aخضر حسين خليل
تاريخ التسجيل: 12-18-2003
مجموع المشاركات: 15087

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: استطلاع حول شخصية نقد (Re: محمد اشرف)

    العزيز محمد الاشرف
    التحايا النواضر
    استطلاع جيد وان لم تعطي الرجل حقه كاملا في تقديري ان محمد ابراهيم نقد شخص من طراز فريد فالي جانب قيادته للحزب فهو كاتب ومفكر تجلت مقدراته الفكريه في مساهماته الرصينه التي انتجها. قد اختلف قليلا مع الذين ينادون بضروره ان يخرج الاستاز نقد تحت دعاوي الانفراج السياسي وهامش الحريات الشيوعيين والديمقراطيين لن يلدغو من ذات الجحر مرتين . الظرف السياسي الذي يمر به الوطن لايوفر ارضيه صلبه للكشف عن السكرتير العام ولا تستدعي خروجه.
                  

06-08-2004, 08:18 PM

محمد اشرف
<aمحمد اشرف
تاريخ التسجيل: 06-01-2004
مجموع المشاركات: 1446

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: استطلاع حول شخصية نقد (Re: محمد اشرف)

    العزيزة سلوى السعيد

    التحيات النواضر

    صحيح ان عملية اختيار من يقود الحزب الشيوعى هى مهمة تخص عضويته
    بالمعنى الحرفى هم من يرشحون و يصوتون

    ولكن اى حزب سياسى لابد له ان يستلهم من عامة الجماهير و المثقفين و اصدقاءه ارائهم حول سياساته و خطه و اداء قيادته

    هل تفاعلت هذه القيادة مع الجماهير فى التعبير و تمثيل قضاياها ام لا

    لذلك اعتقد ان رايك يهم الحزب الشيوعى

    كما هو الحال بالنسبة لكثير من المستنيرين


    العزيز خالد الطيب

    اشكرك على المساهمة

    اود القول ان الحزب الشيوعى حزب مختلف عن فى طبيعة علاقته مع السلطة الحالية على وجه التحديد فهو ليس فى حالة تجاذب و تنافر مع الحكومة كما هو الحال بالنسبة لبقية الاحزاب, و انما هو فى حالة موقف مبدئى من السلطة فلم يدخل معها فى اى اشكال حوار او حالات تصالح. ولم يكن الحزب الشيوعى فى هدفا للاستقطاب من السلطة او حالة استمالة لكوادره. فهذا باب صدته السلطة من اول يوم لها

    استراتيجية السلطة مع الحزب الشيوعى دوما التشريد و الاعتقال لكوادره - و طبعا الامر يصدق مع بقية القوى السياسية و الشرفاء بدون شك.

    من هنا يمكن ان نقول و نقيم تجربة خروج الكادر القيادى للحزب الشيوعى امر مختلف تماما. لا تحديد الاقامة الجبرية و لا شى و انما المعتقل مباشرة مما يجعل الحزب الشيوعى يفكر الف مرة فى الاحتفاظ بقيادته نشطة فى السر بدلا من تحديد حركتها بالاعتقال

    ربما يكون الحزب الشيوعى بالغ فى تقديره لفترة الاختفاء وهذا امر متروك للنقاش

    كانت هناك تجربة لنقد مع العمل السياسى على السطح و علانية ولكن لا املك التفاصيل لتقييمها . اعتقد ان الحزب الشيوعى لنفس الاسباب التى ذكرتها انفا قرر اختفاءه مرة اخرى
                  

06-08-2004, 08:43 PM

محمد اشرف
<aمحمد اشرف
تاريخ التسجيل: 06-01-2004
مجموع المشاركات: 1446

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: استطلاع حول شخصية نقد (Re: محمد اشرف)

    العزيز خضر حسن خليل
    لك كل الود


    اوافقك الراى ان هناك كثير من الجوانب فى شخصية نقد و مقدراته الفردية لم يتعرض لها المستطلعين( بفتح العين)

    و لكن لم يكن الهم من نشر الاستطلاع فى البورد هو التعرض لهذه الميزات الفردية بقدر ما كان الهم هو مناقشة تكتيكات الحزب الشيوعى و الياته فى الاختيار والتعامل مع قيادته و استطلاع راى من هم خارج هذا الحزب حتى لا يتهم انه يسمع صوت نفسه فقط


    التحية لك مرة اخرى على المساهمة
                  

06-09-2004, 03:06 PM

Abdelaziz

تاريخ التسجيل: 11-04-2002
مجموع المشاركات: 310

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: استطلاع حول شخصية نقد (Re: محمد اشرف)

    في فكر محمد إبراهيم نقد
    بيان الكتب: في تقديمه لكتاب «في فكر محمد ابراهيم نقد» الأمين العام للحزب الشيوعي السوداني للباحث نذير جزماتي يرى المفكر العربي المعروف محمود أمين العالم،
    ان محمد ابراهيم نقد عرفه محللا عميقا عارفا بأسرار مختلف حقائق الواقع السوداني والعربي في انحائه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد كان يتابعه باعجاب شديد في سجون السودان المختلفة أو متخفيا من حكومات البطش والاستبداد مواصلا أينما كان وكيفما كان قيادته للحزب الشيوعي السوداني باعتباره أمينا عاما له فضلا عن مبادراته المتعددة الرضية لتوحيد وتنشيط مختلف الفصائل والقوى السياسية والاجتماعية الحية في السودان من أجل سودان ديمقراطي متحرر ومتقدم.
    في حين يؤكد الباحث جزماتي مؤلف الكتاب الجديد ان محمد ابراهيم نقد شيوعي من طراز مختلف عن معظم الامناء العامين في الاحزاب الشيوعية العربية وغير العربية، حيث رأى ان أزمة النظام البرلماني في السودان لا تحل بمصادرة الديمقراطية في نظام دكتاتوري وإنما بتوفير الديمقراطية والحقوق الأساسية للجماهير حيث لم تكن الانتفاضة في عام 1985 للتغيير الاجتماعي بقدر ما كانت من أجل استعادة الحريات الأساسية والقيام ببعض الاصلاحات ذات الطابع السياسي العام في اطار النظام نفسه وفي اطار التشكيلة الاقتصادية ـ الاجتماعية القائمة بما فيها من قطاع رأسمالية الدولة ورأسمالية القطاع الخاص والقطاع التقليدي الذي مازال يحافظ على بعض سمات الاقتصاد المعيشي الذي تكتسبه العلاقات السلعية ـ النقدية بالتدريج. وبالنسبة الى اختلاط الاوراق يرى محمد ابراهيم نقد ان أعضاء الحزب الشيوعي السوداني لم ينتقدوا بالقدر الكافي السلبيات التي أدت الى تصفية التجربة نفسها ولذلك من السهل على «جعفر النميري» ان يأتي في بلد مثل السودان فيه تعددية وثورة سابقة من أجل الحرية السياسية وان يطرح هذه الشعارات فتجد استجابة من جانب الجماهير حيث لا يرى الرجل العادي فرقاً كبيراً بينما كان يطرحه الحزب الشيوعي السوداني وبين ما يطرحه النميري.
    ويرى الباحث في كتابه الجديد ان «محمد ابراهيم نقد» ينتقد ما حظيت به الفلسفة من عناية المنهج الجدلي سواء في هذا الفهم المغلوط للفكر العربي الاسلامي عند هينجل أو في الاشارة العابرة لماركس وانجلز والتي لم تكن في الحقيقة الا تعليقا على دراسات لكتاب آخرين أو في الاشارة العابرة عن ابن خلدون.
    ويحدد «نقد» المنهج الجدلي القويم لدراسة الفكر العربي الاسلامي فلا ينبغي في هذه الدراسة ان نتسلح بصيغة ماركسية جاهزة لنبحث عن مدى انطباقها على واقع العلاقات الاجتماعية وانما ينبغي البدء بالدراسة الموضوعية لهذه العلاقات فربما أسفرت عن نمط متغاير وتشكيلة اقتصادية اجتماعية ذات خصائص خارج حدود التشكيلات الخمس وتابعها الآسيوي فهذه التشكيلات لم تستنفد كل التشكيلات المحتملة. والبحث التاريخي ليس تطبيقا لصيغ مسبقة جاهزة وإنما هو دراسة عينية واستخلاص القوانين الموضوعية منها فالواقع أغنى من ان نفسره بعامل واحد هو الاقتصاد والانتاج واعادة الانتاج ونسخ بقية العوامل المادية والروحية الاخرى. وهو أغنى كذلك وأعقد من ان نفرض عليه تعريفات محددة كتعريف الوعي القومي مثلا وتحديده بمرحلة تاريخية اجتماعية معينة رغم ان البحث العلمي قد أثبت توافره في مراحل سابقة مختلفة ولهذا لابد من انتشال المنهج الجدلي من الجمود والكسل الذهني وخنوع الهمة حيث لابد من احترام ومراعاة مختلف الاجتهادات والتنويعات الفكرية المختلفة من أجل بلورة فلسفة عربية اسلامية معاصرة عقلانية تسع من الملل والنحل والفرق ثلاثا وتسعين.. وهذا دليل على خصوبة وتنوع الابداع الفكري العربي الاسلامي. ومع ذلك يؤكد الباحث «نذير جزماتي» في كتابه عن الأمين العام للحزب الشيوعي السوداني ان «محمد ابراهيم نقد» حذر من الربط الجامد بين الظواهر الفلسفية والفكرية المختلفة وأوضاع اجتماعية واقتصادية معينة في مرحلة من مراحل التاريخ ربطا مباشرا ذلك ان هناك تداخلا بين المضامين الفلسفية القديمة والحديثة ومن التعسف الفرز المطلق بينها ونسبة كل منها الى وضع اقتصادي ـ اجتماعي محدد، فهذا سقوط في القولبة والتحديد الجامد المطلق للظواهر الفكرية والواقعية ولهذا يتبين «نقد» بوضوح ضرورة التمييز بين ما هو ايديولوجي وما هو علمي.
    فقد قام بمتابعة تاريخية تحليلية لمفهوم الايديولوجية منذ بداية نشأة المفهوم حتى معالجته الدقيقة عند ماركس وانجلز اللذين ميزا بوضوح بينه وبين التحديد العلمي، ثم قام بكشف ما وقع من خلط بين الايديولوجيا والعلم على يد لينين وتأثر الادبيات السوفييتية بهذا الخلط.
    ويعود الباحث في كتابه الجديد للحديث عن نقد الأمين العام للحزب الشيوعي السوداني للنمو السرطاني للرأسمالية البيروقراطية والفئات الطفيلية المرتبطة معها في السوق السوداني، فعن طريق ارتباطها بجهاز الدولة وبالاتحاد الاشتراكي ومؤسسات السلطة تحول جعفر النميري فجأة الى الفكر الاسلامي وأصدر القوانين الاسلامية و«تأسلم»، فالجميع يعمل بالصيغة الاسلامية وهذا أنجب أموالا طائلة للفئات الطفيلية لأن النظام المصرفي الاسلامي يتعامل بالمرابحة والمشاركة ولا يتعامل بسعر الفائدة، وبالتالي يتعامل بالتسهيلات قصيرة المدى وهذا ما أدى الى اتساع نشاط الفئات الطفيلية في المضاربة بالسلع التموينية والمحاصيل، خاصة وان التوصية للبنك لتقديم التسهيلات لا تعتمد على الضمانات المالية أو العقارية أو الضمانات المعروفة في النظام المصرفي وإنما الضمان يتوقف على الهوية السياسية في السودان. كما تكلم «محمد ابراهيم نقد» عن الثورة الوطنية الديمقراطية التي تعني الوطنية وفيها تحقيق الاستقلال الوطني وحمايته، أما الديمقراطية فإنها تعني تصفية الاشكال الاقطاعية أو شبه الاقطاعية كما تكلم عن جهاز الدولة الذي ورثوه من الادارة البريطانية وأضافت عليه الحكومات السودانية المتعاقبة أجهزة قمع اضافية وضخمته ووسعت صفوفه وزادت تكلفته وأصدرت قوانين لا تعد ولا تحصى لمصلحة البيروقراطية ولمصلحة أجهزة القمع من جيش وبوليس وغيره لمصادرة الحريات. فهذا الجهاز يحكم سيطرته على القطاع العام وهو أكبر قطاع اقتصادي لايزال في السودان بحكم ملكيته لمشاريع صناعية وزراعية والبنوك وبحكم كونه أكبر مخدم وأكبر مستثمر ولهذا تملك الفئات البيروقراطية الى جانب القرار الاداري قراراً في الشأن المالي وهي بهذا تؤثر في التطور الاقتصادي ولها مصلحة مرتبطة بالرأسماليين في السوقين الأبيض والأسود.
    ويشير الباحث في كتابه الجديد وعبر خمسة فصول الى علاقات الرق في المجتمع السوداني النشأة والسمات والاضمحلال كذلك مفهوم الرق في ممالك السودان المسيحية ورقيق السودان وممالك مصر في حين يتناول الفصل الثاني من الكتاب رواد الاسترقاق وتجارة الرقيق في افريقيا ومرسوم لالغاء الرقيق ومرسوم عتق الارقاء ببريطانيا. أما الفصل الثالث فيتحدث عن الرق والاسترقاق في مجتمع الفونج والرقيق في الثورة والدولة المهدية كذلك علاقات الأرض والحكم الثنائي.

    فريزة عطية
    المصدر
    http://www.albayan.co.ae/albayan/2002/02/25/mnw/7.htm
                  

06-09-2004, 03:10 PM

Abdelaziz

تاريخ التسجيل: 11-04-2002
مجموع المشاركات: 310

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: استطلاع حول شخصية نقد (Re: Abdelaziz)



    الأربعاء 10 شعبان 1423هـ 16 أكتوبر 2002 -العدد 154


    هامش الحريات السوداني الراهن احدى حالات الارهاق بين السلطة والمعارضة


    حوار: عمر العمر






    أقول دونما تواضع وفي غير ما غرور هذا حوار استثنائي اذ انه الاول من نوعه مع شخصية سودانية غير عادية بل ربما لا شبيه لها على الساحة السياسية السودانية وهي دون شك الشخصية القيادية الاكثر اثارة لشهية السبق الصحفي ذلك انه ظل متوارياً عن الانظار منذ العام 1994 ومطلوباً من قبل اجهزة الاعلام والامن والمخابرات منذ ذلك التاريخ.


    والحوار مع محمد ابراهيم نقد لا يكتسب اهميته من مجرد محاولة قراءة افكار السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني وانما كذلك لان الرجل على بساطة مظهره مشهود له حتى من خصومه بقوة الكفاءة السياسية، وعمق المعرفة الفلسفية وفرادة الثقافة الموسوعية ونفاذ القدرات الفكرية كما انه معروف حتى لدى من يخالفونه الرأي والمعتقد بالشجاعة في الرأي والبسالة في الموقف.


    كما يعرف عنه الوسط السياسي دماثة الخلق وعفة اللسان وخفة الظل وروحاً مجبولة على التضحية ونكران الذات بالاضافة إلى جلد وصبر نادرين وربما يدلل على هذه الصفات الاستثنائية ان الرجل سلخ في اهوال العمل الحزبي السري نصف سني عمره التي تناهز السبعين منذ تأسيس الحزب الشيوعي في العام 1946 الذي لم ينعم هو الآخر سوى بالقليل من العلانية فقضى ست سنوات مختفياً ومطلوباً ابان حكم الفريق ابراهيم عبود (58 ـ 1964) 16 عاماً هي عمر حكم المشير جعفر نميري (69 ـ 1985) ويكمل حالياً عامه الثامن في قيادة العمل السري لحزبه من ـ تحت الأرض ـ تلاحقه المطاردة وتتهدده المخاطر.


    كل هذه الاستثنائيات شدت أوتار فضولنا المهني للفوز بسبق صحفي يزيد المساحة المعتبرة التي تفردها «البيان» للشأن السوداني تميزاً.


    واستعنا في ذلك بمن توسمنا فيه القدرة من الشيوعيين السودانيين خاصة واليساريين منهم عامة دون جدوى حتى فاجأنا ذات نهار عبر الانترنت وتسلمنا مساهمته الفكرية الموسومة «الدولة المدنية» التي نشرناها في عدد سابق وما كان لنا ان نرضى من الغنيمة بالمقال فتوغلنا في الالحاح حتى حانت هذه الاستجابة الاستثنائية فاشترط علينا حواراً الكترونياً حدد هو بنفسه موقعه وعنوانه ومساحته الزمنية وتوقيته.


    كل الشروط يمكن التجاوب معها في مثل هذه الحالة مع الادراك التام بان القيود الزمنية وحدها تكبل طموحاتنا في مثل هذا اللقاء اذ تجعل من المستحيل طرح كل الاسئلة العالقة على الساحة السودانية الملتهبة.


    بما ان الحوار مع رجل بقامة محمد ابراهيم نقد لا يتطلب مقدمة او يحتاج إلى اختزال يحرض القاريء على الاستكشاف فيما يلي نص الحوار الاستثنائي:


    ـ استاذ نقد.. كيف الحال؟ نرجو ان نطمئن على صحتكم.


    ـ شكراً لـ «بيان الاربعاء» على هذا الاهتمام.. انا والحمد لله بخير، وصحتي على ما يرام، ولا يفوتني ان اشكركم ايضاً على تفضلكم بنشر ورقتي حول (الدولة المدنية).


    ـ نحن ايضاً نشكركم على تفضلكم بالسماح لنا بهذا الحوار النادر ولو بهذه الطريقة الالكترونية التي اخترتموها للتخاطب معنا!


    ـ لا اكتمك انني، وبوجه عام افضل المقال السياسي على الحديث الصحفي. لكن المقال، كما تعلم، يتطلب حالة ذهنية ومزاجية خاصة.. ولا اخفى عليك ايضاً ان الجلسة امام الصحفي للاجابة عن الاسئلة تذكرني بجلستين اجباريتين لا استطيبهما: امام المدرس في الامتحان، وامام ضابط البوليس في التحقيق، فكلتاهما تنطويان على معنى (الحصار)! وانتم يا معاشر الصحفيين تحبون ممارسة (الحصار)! واظنك توافقني على ان هذه الوسيلة تشطب المسافات، وتختصر الوقت، وتخفف وطأة الاحساس بتلك الجلسة، هذا علاوة على الدواعي التأمينية لكم ولنا حتى نتفادى يا اخي، على الاقل، حكاية يسري فودة وقناة الجزيرة مع ابن الشيبة وتنظيم القاعدة.. فأنتم ونحن في غنى عن مثل هذه المغامرات، أليس كذلك!


    بعد اختفائى في فبراير 1994، استجبت لطلب حديث من غسان شربل (مجلة المجلة) تقديراً لمبادرته وقتها، وكان الحديث آنذاك ضرورياً، واعتقد انه قد افاد بعدها احتواني ما انا فيه، حيث التركيز على الكتابة الحزبية الداخلية، وهي كثيرة ومتشعبة، وتتطلب قدراً عالياً من التركيز، إلى جانب تجميع وتصنيف مواد الدراسات، وانتقاء افضل الكتب والمجلات المتخصصة لمتابعة مستجدات العالم. ورغم محدودية عدد الاجتماعات او اللقاءات، للدواعي التأمينية نفسها، الا انني لا اعاني من فراغ او ملل، فتجربة العمل السري والاختفاء تعلم الانسان، بل تجبره على اتقان استثمار الزمن. أضف إلى ذلك ان ثمة حقيقة جديدة في السودان، في المفصل بين القرنين الماضي والجديد، وهي ان الحركة الثقافية انفصلت واستقلت بذاتيتها عن السياسة، وفي داخل اطارها المستقل هذا تمايزت الرواية عن الشعر، والتشكيل عن المسرح، والفنون الشعبية عن الغناء الحديث، واصبح لابد ايضاً، تمشياً مع تقليد قديم على المستويين الحزبي والشخصي، من متابعة هذه الجبهة المتفتحة عطاءً واصالة، ولكني بت اخشى عليها من ان تستهلكها الصحافة اليومية دون ان تؤسس لنفسها مجلة، إن لم يكن مجلات، تضمن لها الاستقرار والتواصل.


    الاختفاء ليس معجزة!


    ـ البعض اعتبر لجوءك للعمل السري خلال السنوات الماضية هروباً من التصدي لمهام المرحلة في قيادة الحزب الذي يعايش ظروفاً قاسية؟ اهي مخاوف امنية ام مهام حزبية تلك التي اضطرتك للاختفاء؟ وهل حققت ما يرضيك خلال هذا الاختفاء؟ ومهما يكن من امر، الم يحن آوان الظهور بعد، خاصة بعد صدور القرار الحكومي الذي يمنح حزبكم، ضمن الاحزاب الاخرى التي كان لها نواب في آخر (جمعية تأسيسية)، فرصة العمل السياسي العلني؟ الا تعتزمون الاستفادة من هذا القرار؟


    ـ أولاً: المهام الحزبية وحدها هي التي اضطرتني للاختفاء، لان جهاز الامن فرض علي طوال الفترة منذ نهاية اعتقالي في مايو 1991م وحتى يوم اختفائى في 4 فبراير 1994 رقابة دائمة ولصيقة بواسطة مجموعة من افراده يتناوبون النوبات (الورديات) ليل نهار، وسيارة ترابط امام منزلي بصفة دائمة، ترصد كل زائر، وتتبعني اينما ذهبت، لذلك فقد قصرت تحركاتي طوال تلك الفترة على المناسبات الاجتماعية التي يشارك فيها كل الناس مثل مراسم العزاء والزواج.. الخ، وكذلك زيارات القيادات السياسية المكشوفة والمراقبة مثلي من جانب اجهزة الامن، هذا إلى جانب مواظبتي على زيارة (دار الوثائق) بالخرطوم، والاطلاع على محتوياتها، ولعلها كانت من اكبر فوائد تلك الفترة. ومع ذلك فقد امكن، بوجه ما، فتح قنوات للصلة مع الحزب، وتنظيم لقاءات مع كادره، والاتفاق على ترتيبات الاختفاء.


    ـ ولكن، استاذ نقد..


    ـ فهمت رسالتك وقصدك: انت تريد التفاصيل، وانا لن ابوح بها عملاً بالحكمة: «صدور الاحرار قبور الاسرار».. عذرا! كل ما استطيع ان ابوح لك به الآن هو ان في كل (حصار) او (طوق امني) ثغرة يمكن الافلات عبرها! سواء كان ذلك (الطوق الامني) حول منزل نقد في الخرطوم او حول منزل الصادق المهدي في ام درمان!! ولعلك تابعت وشاهدت في الصحف البريطانية قبل سنوات كيف تمكن مواطن بريطاني عادي من التسلل عبر (الطوق الامني) المضروب حول (قصر باكنجهام) حتى وصل إلى غرفة نوم الملكة!! وكيف استطاع شاب من هواة الطيران ان يخترق حدود الاتحاد السوفييتي بطائرة (سيسنا) صغيرة ليهبط في (الميدان الاحمر) نفسه.. ليس في المسألة اعجاز!!


    ثانياً: المخاوف الامنية كانت واردة وشاملة لكل القيادات السياسية آنذاك، وهذا هو بالضبط ما عناه سيد أحمد الحسين، نائب امين عام الحزب الاتحادي الديمقراطي المعارض في السودان، في حديث لصحيفة عربية عام 1993م، قال فيه انه لولا الضغوط الدولية وحملات حقوق الانسان لاجهزت حكومة الجبهة الاسلامية على كل قيادات المعارضة!


    ثالثاً: وبعد ان اختفيت اسندت إلي مسئوليات ومهام لا تحوجني إلى حركة كثيرة، ولكنها تتطلب التركيز وترتيب الاسبقيات والمتابعة، وهذا، في حد ذاته، كاف لدحض الاتهام بالهروب من التصدي للمهام القيادية في هذه المرحلة، فالمختفي يا اخي اكثر معايشة لهموم الحزب ومشاكله، ويمكنه ان يساعد كثيراً في حلها اذا ما تقيد بدرجة عالية من الانضباط في حياته، وتحركاته، وتنظيم ساعات يومه، واذا ما تحرر تماماً من (الشفقة)، والقلق، وتعجل النتائج.


    (اشعر الآن بأنك تود ان تتدخل.. ولكن دعنا اولاً نكمل هذه الاجابة، فأنت ـ على ما يبدو ـ اسرع مني في استخدام هذا الجهاز العجيب!).


    لا.. لم يحن بعد آوان الظهور والعودة إلى الحياة العادية. ولكن تأكد انه عندما يحين فسأعود دونما (طقوس) او (شعائر) خاصة!


    اما فيما يتعلق بالفرص المتاحة للعمل السياسي، فقد بادرنا للافادة مما هو متاح، وليس في هذا جديد بالنسبة لتجارب وممارسات الحركة السياسية والنقابية والجماهيرية في السودان، فهي لا تنتظر حتى يلغي (الحاكم العسكري) القوانين المقيدة للحريات، بل تتخطاها، وتستعيد حقها بوضع اليد. هذا تقليد موروث منذ ايام الاستعمار. خذ مثلاً النقابات.. انها تعلن الاضراب وتنفذه رغم القانون الذي يحرم الاضراب!


    لكن القانون الذي اشرت اليه، والذي (يمنح) الشرعية للاحزاب التي كان لها وجود داخل آخر جمعية تأسيسية (1986 ـ 1989)، فقد صدر خصيصاً لتقنين اوضاع (مجموعة مبارك الفاضل) التي انشقت عن حزب الامة مؤخراً، وتحالفت مع الحزب الحاكم، وشاركت في الحكومة. مشكلة هذا القانون انه تجاهل المتغيرات التي حدثت في الخريطة السياسية: فهناك احزاب جديدة نشأت، وهناك مجموعات سياسية عسكرية تشكلت، وهناك احزاب كان لها دورها في انتفاضة ابريل 1985م، كما كان لها دورها، من خارج الجمعية التأسيسية، خلال (الديمقراطية الثالثة). اضف إلى ذلك مشكلة اخرى هي ان هذا القانون يشترط على الاحزاب الدخول في زمرة (التوالي)، سواء بنص الدستور، او بقانون تسجيل الاحزاب.


    «مرة اخرى ارجو ان ترجيء الاسئلة الفرعية ريثما افرغ من هذه النقطة».


    يتواتر في كتابات العديد من المفكرين العرب ان (الديمقراطية) او (الحريات)، في البلدان العربية، تتنزل من اعلى إلى اسفل، اي من (الحكام)، لكنني اؤكد لك ان ما يميز (الديمقراطية) و(الحريات) في السودان انها ومنذ عهد الاستعمار نبتت ونشأت من قاعدة المجتمع: احزاب، نقابات، منظمات، صحف.. الخ. ولهذا لم تستقر الديكتاتوريات العسكرية في السودان برغم تطاول فترات حكمها، سواء الاولى او الثانية او (مناة الثالثة الاخرى)! ولهذا ايضاً كانت كل (موديلات الديمقراطية) التي فصلتها (بيوتات ازياء) هذه الديكتاتوريات الثلاث من اعلى، قاصرة عن قامة شعب السودان السامقة، وشائهة على قوامه الممشوق، ولعلك تستشف استنتاجي هذا في ورقة (الدولة المدنية) التي تكرمتم بنشرها وما كنت اعلم ان نشرها سيتحول إلى عربون حديث صحفي مطول!).


    التحدي الذي يواجهنا


    ـ حسنا، فإلى أي مدى استعاد حزبكم قدراته التنظيمية على اتساع رقعة الوطن؟ ـ لم يستعدها بعد، فما عادت العقبات التي تقف في طريق استعادتها المنشودة تقتصر على مجرد الملاحقة الامنية او التشريد او الاعتقالات التي تطال كادرنا الحزبي كما كان الحال خلال الديكتاتوريات السابقة. لقد مارست حكومة الانقاذ التشريد الجماعي باسم (الصالح العام) في قطاع الانتاج والخدمات والخدمة المدنية، ونجم عن ذلك نزيف الهجرة إلى الخارج، وتزامن هذا مع طوفان النزوح من الريف إلى المدينة بسبب الحرب والجفاف والتصحر، مما كان له ابلغ الاثر في التغيير الهائل الذي لحق بالتركيبة السكانية والاجتماعية، اضف إلى ذلك ازمة مشاريع الزراعة المروية في الريف المستقر (الجزيرة ـ الرهد ـ حلفا الجديدة.. الخ). فالمعضلة، اذن، او التحدي الذي يجابهنا ليس هو مجرد (استعادة) نفوذ سابق، بقدر ما هو تفهم واستيعاب متغيرات الواقع الاجتماعي في المدن والقرى، والتعامل معها بأساليب ملائمة.


    ـ يتهمكم البعض بتكريس الفردية في القيادة الحزبية، والحرص على عدم افساح المجال امام قيادات شابة، ويقارن هذا البعض بينكم وبين قيادة الصادق المهدي في (الامة) والميرغني في (الاتحادي) والترابي في (الجبهة). ما هي رؤيتكم وردكم على هذه الاتهامات؟


    ـ مسألة (القيادة الحزبية) عندنا محسومة بموجب (لائحة) مجازة من اعلى سلطة في الحزب، وهي (المؤتمر العام)، وليست وقفا على مزاج (الزعيم) او تقديراته الشخصية. وتجري عندنا، منذ اوائل تسعينيات القرن المنصرم، (مناقشة داخلية عامة) مفتوحة للاعضاء كافة في منابر الحزب، و(العمل القيادي) من بين قضاياها، ولو تابعت ما ظل ينشر، طيلة السنوات الماضية، في اصدارة الخارج (قضايا سودانية)، او اصدارة الداخل (مجلة الشيوعي)، لوجدت ان قضايا (العمل القيادي) تعالج بجرأة وشجاعة وصراحة وشفافية، وبذهنية نقدية لا تعرف التهيب. ولعل هذه هي اهم مميزات هذه (المناقشة العامة) التي اعتقد انها سوف تطبع مستقبل الحزب كله بطابعها الايجابي


    حالة توازن الارهاق بين النظام والمعارضة


    ـ هل يعني هذا انه قد اصبح في وسع حزبكم عقد مؤتمر عام وشيك يتبني استراتيجية للعمل وينتخب قيادته؟ واذا كانت الاجابة بالنفي فهل العوائق التي تحول دون عقدة داخلية خاصة؟ وما هي؟ ام خارجية عامة؟ وفيم تتمثل؟ ـ يلزمني ان اقول لك، ابتداءً، وبوضوح تام، ان تأخير عقد المؤتمر الخامس خطأ وقصور نتحمل مسئوليته دون ادنى رغبة في سوق التبريرات او المعاذير. اما فيما يتعلق بالتحضير له فثمة جهد جماعي جار الآن بصبر شديد، وتحتل فيه (المناقشة العامة)، بما لها من اسبقية في حياة الحزب الداخلية، موقع المقدمة التي لا غنى عنها، بكل ما يصاحبها ويتساوق معها من اعداد لوثائق المؤتمر الاساسية، اضافة إلى دورات (اللجنة المركزية) واعمال سكرتاريتها التي تركز وترفد هذه (المناقشة العامة)، وتسد، بطابعها البرامجي، اي فراغ فيما بين المؤتمرين، وإلى ذلك ايضاً اعمال اللجان المتخصصة، كلجنة تجديد (البرنامج)، لجنة تجديد (النظام الداخلي)، لجنة تلخيص (المناقشة العامة) وغيرها، كما تسهم المؤتمرات الدورية التي تعقدها فروع الحزب بالخارج في ذاتها الوجهة.


    وسؤالك عما اذا كان موعد انعقاد المؤتمر (وشيكاً) ربما يشير إلى (الانفراج النسبي) او ما يسمى بـ (هامش الحريات) الذي لم يرفع عنا محقة الاعتقال والمداهمة والاستدعاء، ومع ذلك نواصل التحضير لعقد المؤتمر في اول سانحة. وحقيقة الامر ان (هامش الحريات) هو عبارة عن (حالة) سياسية من حالات (توازن الارهاق) بين السلطة والمعارضة. وقد عايشت الحركة السياسية السودانية توازناً مماثلاً خلال الديكتاتورية الاولى (عبود، 1958 ـ 1964) والثانية (النميري، 1969 ـ 1985)، ففي الحالتين ظلت القوانين المقيدة للحريات سارية، ورغم ان التوازن كان غالباً ما ينتهي لصالح الديكتاتورية، لكن ذلك كان يحدث دون ان تستعيد الديكتاتورية سطوتها بالطريقة القديمة، وخير مثال على ذلك (المصالحة الوطنية) خلال فترة نظام النميري. اما (الهامش) الحالي فيمكن ان تصفه (بديمقراطية رجع الصدى): من حقك ان تتحدث وتنتقد السلطة كما تشاء، فلا تسمع سوى صدى صوتك لأن السلطة، وببساطة لا تسمعك! ومن حقك ان تنشر رأيك في الصحف، وان تقرأ ما كتبت، ومعك من تبقى من قبيلة قراء الصحف، ثم تعودوا لتكرروا هذه العملية مرات ومرات!! ولك ان تسأل زملاءك الصحفيين السودانيين عن حجم وتوزيع الصحف مقارنة حتى بالانظمة العسكرية السابقة!


    قوة حزبنا من خصائص الحركة الوطنية


    ـ هل ترى ضرورة ان يستبدل (الحزب الشيوعي السوداني) اسمه.. وهل سيطال التغيير المرجعية الفكرية للحزب؟


    ـ اسم الحزب مطروح ضمن محاور (المناقشة العامة)، والقرار يتخذه المؤتمر. ليس من حقي ان ابت في الامر من خلال الصحف، طالما ان القضية لا تزال في طور (المناقشة العامة)... فمازلنا نحفظ للانضباط معاييره!


    ـ حسناً.. فما هي، اذن، الاسس الفكرية والتنظيمية التي يعاد عليها بناء الحزب؟ هل تحرصون مثلاً على مواصلة المشوار السياسي لحزبكم باعتباره حزباً للطبقة العاملة ام ستبحثون عن قاعدة شعبية جديدة.. وما هو تعريفكم لهذه القاعدة البديلة؟ بعبارة اخرى كان لحزبكم دور طليعي في عملية التنوير في اوساط الفلاحين والعمال وبناء تنظيماتهم المدنية التي باتت خواء.. فهل مازلتم تعتقدون ان على حزبكم مسئولية في هذا الاطار؟ وكيف السبيل إلى ادائها؟


    ـ الاجابة واردة ضمناً في صيغة الجزء الاخير من السؤال.. اذا رجعت لدستور الحزب المجاز في المؤتمر الرابع (اكتوبر 1967م)، فإن اول فقرة في الفصل الاول من النظام الداخلي تعرف الحزب بأنه «حزب الجماهير العاملة في المصانع والحقول والمكاتب والمثقفين.. يستوعب الطلائع الثورية لتلك الجماهير».


    اما علاقة حزبنا بعمال السودان فقد اصبحت جزءاً من نسيج المجتمع والصراع السياسي والنقابي، وليست مجرد (شعار) او (لافتة) او (نص ماركسي)! واجدني لا اتفق، في هذا السياق، مع وصفك لتنظيمات العمال والمزارعين السودانية بانها «باتت خواء». من حقك ان تقول انها فقدت حيويتها بسبب التشريد، والقوانين القمعية، وفرض قيادات موالية للسلطة.


    لكن واقع الحال ان قواعد الكيان النقابي لا تزال غاضبة وضاغطة على القيادات لدرجة انها فرضت اعلان الاضرابات وتنفيذ بعضها، بل واجبرت (اتحاد النقابات) على اعلان تأييده لتلك الاضرابات، وسوف تجبره على ان يعلن بنفسه الاضراب.. حتى ولو من باب تطويقه.


    وبما ان اساس النشاط النقابي هو القواعد، حيث جماهير العاملين، فلا بديل للنشاط داخل الكيان النقابي، مهما كانت القوانين جائرة او القيادات موالية للسلطة. ولا جدوى كذلك من اعلان مقاطعة انتخابات النقابات او (اوهام) انشاء نقابات بديلة او سرية! اما اعتبار النقابات القائمة نقابات حكومة ففيه تجنى على التاريخ، لان النقابات اسسها العاملون.. اذا سطا لص على منزلك هل تصارع لاستعادته، ام (تحرد) وتتنازل عن ملكيته للص؟! لقد ظللنا نتابع، منذ الستينيات، المتغيرات في التركيب الاجتماعي والعضوي والتقني للطبقة العاملة السودانية، ونتابع احوال العمال، وقدراتهم، ومزاجهم، اكان ذلك في حالة نهوضهم او ركود نشاطهم، وسواء انتخبونا في قيادة نقابة ام لم ينتخبونا. ولا نخفي رأينا ان لعمال السودان دورهم السياسي المستحق من واقع رصيدهم النضالي الثوري منذ فجر الحركة الوطنية. ولكننا، في الوقت نفسه، لا نغفل حقيقة ان حكومة (الجبهة الاسلامية) وجهت ضربات موجعة للحركة العمالية السودانية، سواء بصورة مباشرة بتشريد وملاحقة القادة النقابيين المعارضين، او التشريد الجماعي، مثل تشريد 4 آلاف عامل من عمال السكة الحديد عام 1990 ـ 1991م، ام بطريق غير مباشر جراء سياسات التمويل المعتمدة، وفتح ابواب الاستيراد التي ادت إلى توقف صناعات مثل النسيج والزيوت، او الخصخصة، او استجلاب عمالة اجنبية مثل كثافة العمالة الصينيين في مجالات البترول.


    وكسباً للوقت، واختصاراً للحديث، فسوف اركز على الجزء الاخير من سؤالك: نعم مازال وسيظل دور حزبنا هو نشر الوعي السياسي بين العمال والمزارعين وكل المسحوقين والمهمشين (لاحظ انني استبعدت عمداً مصطلح «تنوير» الوارد في صيغة السؤال، كما استخدمت عمداً ايضاً مصطلح «وعي سياسي»، والسبب لا يعود فقط إلى دلالات الالفاظ ـ semantics). وسنواصل هذا الدور مهما ضاقت المساحة المتاحة لحركتنا، او شحت ادوات مخاطبتنا وانحصرت في مجموعات محدودة. هذا يحدث في ارقى الاحزاب! ونحن على ثقة في ان العاملين والمزارعين سوف يستعيدون حرياتهم النقابية بالاساليب والاشكال التي يختارونها، بارادتهم وحكمتهم الجماعية، وليس وفق (سيناريوهات) تصاغ من اعلى، او (باندساس) الشيوعيين (المخربين) وسطهم، كما ظلت تدعي اجهزة الاعلام الرسمية والمعادية منذ عهد السكرتير الاداري روبرتسون إلى عهد الانقاذ!


    في هذا السياق اود التأكيد على ما سبق ان اكدته اكثر من مرة حول خواء (اسطورة) ان الحزب الشيوعي السوداني اكبر حزب في افريقيا، والمنطقة العربية! لقد نسج هذه الاسطورة من وجهوا ضربات للحزب الشيوعي السوداني، وراحوا يتباهون بانتصاراتهم، ويروجون لها في بورصة العداء للشيوعية (استحلاباً) لدعم القوى الاستعمارية خلال سنوات الحرب الباردة!


    لقد راجت تلك الاسطورة بعد صدور قانون حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان عام 1965، وبعد فشل انقلاب 19 يوليو 1971م، واعدام قادة الحزب وقادة الانقلاب في محاكم مايو الهمجية. واقع الحال ان الاحزاب الشيوعية في العراق وسوريا وجنوب افريقيا ولبنان اكبر من الحزب الشيوعي السوداني سناً ونفوذاً. اما اذا كان الحزب الشيوعي السوداني يتسم بخاصية او بأخرى فهي، بالقطع، مستمدة من خصائص الحركة الوطنية السودانية، بأحزابها، ونقاباتها واتحاداتها وصحافتها وعطاء مبدعيها وتعدد وتنوع اساليب نضالها وقوسها الموشى باثنيات وثقافات ومعتقدات وجهويات وقبائل وطوائف وطرق صوفية!


    انهار «النموذج»


    وليس «الاشتراكية»!


    ـ هل تنطلقون وانتم تتصدون لاعادة بناء الحزب من قناعة بنهاية الاشتراكية عقيدة وايديولوجيا في ظل انهيار الكتلة الشرقية؟


    ـ القناعة الاساسية التي توصلت اليها هي ان الاشتراكية ليست عقيدة، في معنى doctrine او dogma، ولا هي ايديولوجيا، وشرح هذه القناعة لا يستوفيه حديث صحفي، ولكي لا يترهل الحديث اوجز فأقول ان الاشتراكية كعموميات نظرية. او مؤشرات، او برنامج سياسي اجتماعي، وكآفاق بديلة للنظام الرأسمالي بعد ان يستنفد قدراته، لم تنته.. بالعكس، قابلة للتطوير والتجديد، وقابلة ايضاً للنقد والتقويم. انتهت بالفشل والانهيار (التجربة السوفييتية)، وانتهت معها القناعات التي اعتبرتها (النموذج).. وبتعبير بسيط ومباشر فإن النضال من اجل الاشتراكية لا يستهدف (استعادة) التجربة السوفييتية، انما (يتجاوزها).


    ـ ربما نتفق على ان الدول الرأسمالية الكبرى نجحت في امتصاص المؤشرات التي اعتبرتها الماركسية مظاهر لحتمية نهاية تلك الدولة، فهل طرأت على قناعاتكم الفكرية في هذا السياق توجهات جديدة ازاء الدول الرأسمالية والصراع الطبقي فيها؟ واذا كانت الطبقة العاملة لم تعد تعاني في هذه الدول الصناعية التناقض التاريخي ـ حسب الرؤية الماركسية ـ فهل يعني ذلك ان على عمال الدول النامية والكادحين القاء اسلحتهم، والغاء نضالهم ضد مراكز النظام السياسي والاجتماعي في بلدانهم؟


    ـ سؤالان متداخلان، وطابعهما نظري، وقد وددت لو أجد الوقت والمساحة لمعالجتهما باستفاضة، نسبة لخصوبة وتعقيد القضايا الواردة فيهما. لكنني المح في صيغة السؤال الاول، والباديء بتعبير «ربما نتفق»، ظلال استنتاج يبدو انك لم تتوقف عنده ملياً.


    لنبدأ بكلمة (حتمية) ـ وضع تحتها خطاً ـ باعتبارها من مصطلحات العلم في عصر (التنوير) وفيزياء (نيوتن) في القرن التاسع عشر، وما تلاها من انجازات مبهرة في علوم الاحياء والكيمياء وغيرها من علوم ذلك القرن، فنشأت الرغبة او النزعة للارتقاء بالعلوم الاجتماعية والنظريات السياسية إلى مصاف دقة وانضباط العلوم الطبيعية.. استخدم ماركس كلمة (حتمية) لانه ابن عصره، تأثر به واثر فيه. ورغم كل ما قيل وما كتب وقتها عن الفوارق بين العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية، بما في ذلك ما كتبه ماركس نفسه، ظلت نزعة العصر قائمة ومؤثرة، وبالمناسبة حتى كلمة (ايديولوجيا) التي وردت في سؤالك السابق كانت من نتائج تلك النزعة، حيث اراد المفكر الفرنسي دوتريسي (1754 ـ 1836م) تأسيس علم ينظم (فوضى الافكار)، ويحدد دائرة كل فكر، وضبط مصطلحاته.. الخ.


    ليست لدي قناعة جاهزة وصمدية ونهائية.. لكني اتابع، في حدود قدراتي، التطورات التي حدثت في النظام الرأسمالي والدولة الرأسمالية خلال قرن ونصف بعد ماركس: انتقال الرأسمالية من المنافسة الحرة إلى الاحتكار والاستعمار وحروب اقتسام المستعمرات، ثم استشراء ظاهرة الاحتكارات العملاقة، عابرة القارات، متعددة الجنسية، وبعضها اكبر واقوى من الدولة.. لا يحل محلها لكنه يملي عليها ارادته. غير ان هناك عوامل اخرى اثرت على الرأسمالية، كالمكاسب التي حققتها الاشتراكية للعاملين، نهوض حركة التحرر الوطني وانهيار النظام الكولونيالي، هزيمة الفاشية في الحرب العالمية الثانية والمناخ الديمقراطي العام الذي ساد وقتها، والتشريعات التي اصدرتها الدولة الاشتراكية عقب الحرب مباشرة وتركت اثرها على الدول الرأسمالية الكبرى في الغرب كيما تتجه نحو (دولة الرفاه)، لصد المد الاشتراكي بعد الحرب، من جهة، ولامتصاص ضغوط النقابات في الدول الرأسمالية الكبرى من الجهة الاخرى. في هذه الوجهة شهد النظام السياسي وجهاز الدولة في الغرب الرأسمالي تطورات ومتغيرات.. هذه حقيقة، ومن ذلك ان النظام البرلماني الديمقراطي قد استقر في تلك الدول، وان الديكتاتوريات جرت تصفيتها في جنوب اوروبا (اسبانيا، البرتغال، اليونان)، وان (الديمقراطية) اصبحت شرطاً اساسياً من شروط عضوية الاتحاد الاوروبي.


    ولكن هذا كله لا يلغي الصراع الطبقي، ولا يؤبد حالة (العقد الاجتماعي) السائدة، بدليل عودة (الليبرالية الجديدة) والاتجاه نحو تصفية (دولة الرفاه)، الامر الذي نجمت عنه موجة الاضرابات والاحتجاجات، كما اتسعت وتنوعت الحركات الاجتماعية الاصلاحية (البيئة ـ السلام ـ الاطفال ـ حقوق الانسان.. الخ) في تلك الدول. لذلك ارجو ان تسمح لي بأن الحظ عدم الدقة في اشارتك واستنتاجك عن وضع الطبقة العاملة في تلك البلدان، والمتغيرات التي حدثت في تركيب الطبقة العاملة نفسها نتيجة للثورة العلمية التكنولوجية. فالصراع الطبقي لا يتخذ بالضرورة شكل (الاضراب العام) و(المتاريس) و(العصيان المدني).. الخ، بحيث يعني غياب هذه الاشكال غياب الصراع الطبقي نفسه!


    ولا ارى سبباً يدعوك لليأس من مصير عمال الدول النامية والكادحين، لانك حتماً تتابع اتساع الحركة المناهضة للعولمة، والتي اطلق عليها اعضاؤها انفسهم اسم «حركة العداء للرأسمالية»، وهي حركة تتسم بحيوية مذهلة، وتركيبة اجتماعية شاملة، وتحمل هموم شعوب الدول النامية ضمن مطالبها بالغاء الديون، وتعديل بنود وصلاحيات منظمة التجارة العالمية WTO، وفضح مظالم الاحتكارات العملاقة التي تستغل اليد العاملة الرخيصة في الدول النامية، بما في ذلك عمل النساء والاطفال. لا اجنح للمبالغة في قدرات ومآلات هذه «الحركة»، لكني المح فيها انبثاق شكل جديد لتضامن العاملين في البلدان الرأسمالية المتقدمة مع العاملين والشعوب في البلدان النامية كمواصلة متطورة ومتجددة لاشكال التضامن خلال المعارك ضد الاستعمار القديم، ثم الاستعمار الحديث في الحقبة الماضية، خاصة فترة استقطاب الحرب الباردة.. وكمثال فقد نظمت 240 منظمة يسارية من مختلف بلدان غرب اوروبا احتجاجاً في برلين، اثناء زيارة الرئيس الاميركي بوش إلى المانيا خلال شهر يونيو من هذا العام، ضد سياسة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط وافغانستان. وكانت الحركة قد داومت، خلال الفترة الماضية، على استنفار مناصريها للاحتشاد والتظاهر في كل مدينة انعقد فيها اجتماع لرؤساء الدول الصناعية الكبرى السبع، او منظمة التجارة العالمية، او البنك الدولي او صندوق النقد الدولي. وعقدت الحركة مؤتمراً لمنبرها في البرازيل صدر عنه برنامج (مستقبل بديل للعالم) مضمونه تسخير ثمار العولمة والثورة العلمية التقنية لمصلحة الشعوب، وليس لمصلحة الاحتكارات العملاقة متعدية الجنسية transnational التي تسيطر 500 منها على ثلث الناتج الاجمالي للعالم وثلاثة ارباع التجارة العالمية. وفي هذه الايام تتنادى عناصر ومنظمات الحركة لتسيير مظاهرة في الولايات المتحدة ضد تهديدات بوش للعراق. باختصار تقف هذه الحركة مع الشعوب، ومع العاملين في الدول النامية، في مواجهة التركيبة الجديدة للهيمنة الرأسمالية، بدءاً بالاجتماع السنوي لرؤساء الدول الكبرى السبع، وكوكبة الاحتكارات عابرة القارات، ومنظمة التجارة العالمية، والمجمع الصناعي العسكري، والصندوق، والبنك والذراع العسكرية ممثلة في حلف الناتو.


    لسنا «الأب الروحي» لليسار!





    ـ تعرض حزبكم إلى ثلاثة انشقاقات اساسية.. أفلا تتوقعون انشقاقاً قبيل او ابان انعقاد المؤتمر المرتقب؟


    ـ الانقسام، من حيث هو، وبصرف النظر عن حجمه، اضعاف لأي حزب واهدار لقدراته، ونظل دوماً يقظين وحاسمين في مواجهته بغض النظر عن توقيته!


    ـ هل تعتزمون مخاطبة اليسار بمفهومه التقليدي القديم، ام ترون ضرورة الاعتماد في المرحلة الاولى على «بقايا الحزب» كطليعة تنظيمية؟


    ـ استخدامك لعبارة (مفهومه التقليدي) يوحي بأنك تعني تشكيلات الستينيات، مثل (اليسار)، (القوى التقدمية)، (القوى القومية)، (القوى الاشتراكية)، او غيرها من كيانات المشروع الوطني العربي ـ الافريقي وما كان يرمز له جمال عبدالناصر والاستقطاب السياسي الاجتماعي وصراعاته، وما افرز من شعارات مثل (وحدة قوى اليسار) و(وحدة القوى الاشتراكية).. الخ.


    في كل الظروف نعتمد على (الحزب)، سواء كان (شظايا) او (بقايا) بعد ظروف السرية والقمع. ونعمل على استعادة مواقعنا، ضاقت ام اتسعت.. لا ندعي ما ليس لنا، ولا نهول من قدراتنا لاشباع غرور ما، او خلق انطباع ما، او اجترار رصيد ما من الماضي، فالواقع السوداني في حالة حراك سياسي وسكاني واجتماعي نتجت عنه تعديلات واسعة في الخريطة السياسية والاجتماعية، ومازال مستمراً. نحن نسعى لاستيعاب هذه المتغيرات، ونحدد وجهتنا، ونطور قدراتنا، لمواجهة ما يفرزه الواقع من تحديات واصطفاف جديد للقوى الاجتماعية. في هذا الاطار نحدد تحالفاتنا، وليس على الرغبات الذاتية، او التصورات المسبقة، او العودة لصيغة تحالفات الستينيات الفضفاضة. تجربة التحالف الواسع بصيغة (التجمع الوطني) منذ الانتفاضة تجربة جديرة بان تطور لتشمل كل المناضلين من اجل الديمقراطية، والنظام البرلماني التعددي، ووضع الحلول لقضايا القوميات، وتعدد الاثنيات، واحترام الآخر ـ معتقداً دينياً او سياسياً، وارساء الدولة المدنية الديمقراطية.. دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية، والتصدي في هذا السياق للمهمة المركزية: مهمة (التنمية) بمفهومها الشامل والمتوازن. اعتقد ان هذه الصيغة افضل من اي صيغة لتحالفات ضيقة، لليسار او لغير اليسار.. وبشكل اكثر وضوحاً، ولازالة اي التباس محتمل، اقول: لسنا (الاب الروحي) مسئولين عن (اوهام) الذين يتعاملون معنا بمواصفات (الكتب) او (الحزب النموذج)!


    نعم.. نحن مجرد فصيل من فصائل اليسار والاشتراكية والتقدم والديمقراطية. وفي السودان فصائل اخرى لليسار، لها تجاربها ورؤاها، لكن قضايا التغيير الاجتماعي، وقضايا المستقبل الاشتراكي، وقضايا الديمقراطية، اوسع من ان يحتويها اليسار كما كان الحال في ظروف استقطاب الستينيات. لهذا ندعو إلى التحالف الاوسع الذي يشمل اليسار كما يشمل الذين لا يدعون انهم يسار ولكنهم يسعون لحل ذات المعضلات.


    على العموم، وباختصار، فإننا لن (نحل ونندمج)، اما كل ما هو دون ذلك فيمكن التفاوض حوله.


    علامات ساعة «الانقاذ»!


    ـ هل ترى ان هناك ما يدفع النظام من اجل تقديم تنازلات يفك بها قبضته على السلطة لينتهج نهجاً ديمقراطياً تعددياً؟


    ـ حتى الآن لا ارى بوادر مستقرة ومتواترة، انما مؤشرات طابعها المناورة و(الفهلوة)، خاصة بعد فشل اتفاقية (السلام من الداخل) مع الفصائل الجنوبية، واجهاض (اتفاق جيبوتي) مع حزب الامة، ولهذا فقدت مصطلحات (مبادرة ـ وفاق ـ حل سلمي تفاوضي ـ تحول ديمقراطي) بريقها وشحنتها المؤثرة على الرأي العام. ولهذا ايضاً لن يثمر النشاط السياسي الفوقي، على اهميته، ما لم يستند إلى نشاط يومي منظم في قاعدة المجتمع وجذور المشاكل grass roots التي تكتوي بنارها الجماهير: تمويل الزراعة، حق العمل، اعادة المشردين، صرف المرتبات، تخفيض الضرائب والرسوم لتركيز الاسعار، خدمات الصحة والتعليم، خدمات مياه الشرب والكهرباء في المدن.. الخ. تجارب التحول الديمقراطي التي حدثت في بعض البلدان: اسبانيا، تشيلي، جنوب افريقيا، اندونيسيا، كان احد مفاعلاتها الاساسية تبلور كتلة مؤثرة داخل النظام الشمولي تقتنع بجدية اولاً، ثم تصارع من اجل التحول الديمقراطي، وتعلن بوضوح قاطع استعدادها للتعاون مع المعارضة ضد سيطرة الجناح الشمولي. لم تتبلور مثل هذه الكتلة داخل (الانقاذ) حتى الآن، بل لا تزال السلطة تتوهم انها تستطيع ان توظف شعارات (الوفاق) لاصطياد شرائح من الاحزاب بدءاً بمجموعة (مشار)، وانتهاءً بالسيد مبارك الفاضل.


    يبدو ان الانقاذ لم تلمح، بعد ظهور بعض (علامات الساعة) التي تبشر بزوال الانظمة الشمولية، على الاقل حسب تجربتنا مع ثلاثة انظمة شمولية في السودان. تسألني ما هي هذه (العلامات): لن اكشف لك كل اسرار المهنة!! طيب.. واحدة من اوضح هذه (العلامات) عندما تتحول العلاقة بين (السلطة) و(الصحافة) إلى (علاقة عصبية)، بوقائع بعضها علني وبعضها سري، على مدار اليوم والاسبوع والشهر والسنة، من انذار صحيفة، إلى تقديم صحفي للمحاكمة، إلى اهدار المال العام في (صفقات) شراء (صحيفة) او (صحفي)، إلى سحب العدد بعد طبعه، إلى فرض الغرامات الباهظة، إلى استخدام الاعلانات كوسيلة (رشوة) لصحيفة.. الخ!! ـ هل ترون ضرورة اعتذار للشعب السوداني عن خطأ ارتكبه الحزب، سواء كان ذلك في مساندة نظام مايو في مرحلته المبكرة ام في حركة 19 يوليو 1971م؟ ـ نحن (ننتقد) اخطاءنا علناً امام الشعب، وهي كثيرة بحجم نشاطنا. ولا ارى مبرراً لاستخدام كلمة (اعتذار) لمجرد ان الرئيس السابق كلينتون اعتذر للافارقة عن دور أميركا في الاسترقاق. في المهرجانات السياسية التي اقمناها بعد الانتفاضة عام 1985م، ثم داخل الجمعية التأسيسية، اعلنا اننا نتحمل قسطنا من المسئولية في نظام مايو حتى عام 1971م. اما انقلاب 19 يوليو فقد اصدرنا وثيقة تقييم شاملة وناقدة طرحناها على الرأي العام في الداخل والخارج.


    ماشاكوس معركة وليست حلاً للازمة


    ـ ما هي نظرتكم تجاه ماشاكوس؟ هل تعتقدون في ضوء تداعياتها، ان الازمة السودانية تتحول لجهة انفراج سياسي؟ ام ان (الاتفاق الاطاري) المعلن يحمل في طياته بذور قضايا ساخنة ستنتهي إلى تفجير الازمة بدلاً من حل القضايا التي يواجهها الشمال والجنوب حالياً مثل الحدود واقتسام الثروة؟ ـ كل جهد محلي او اقليمي او دولي يفضي إلى انهاء الحرب وارساء دعائم السلام يجد منا كل ترحاب.. لانه يوقف نزيف الدم، ولانه يرفع عن كاهل الاقتصاد الوطني تكلفة الحرب الباهظة المبددة للموارد البشرية والطبيعية، ولانه يسلب الحكومة، اية حكومة، مبررات القوانين الاستثنائية مثل (حالة الطواريء) و(كشات) الشباب لمناطق العمليات.


    ولكن تجارب السودان السياسية مسكونة (بالاستثناءات) ـ مثال (اتفاقية اديس ابابا) التي اوقفت الحرب لاحد عشر عاماً (1972 ـ 1983م)، لكنها لم تحل ازمة الحكم.


    تصوري الخاص لـ (ماشاكوس) لا ينطلق من كونها حلاً ناجزاً حان قطافه، انما هي معركة من معارك الحل، حلبة من حلبات الصراع السياسي.. واذا كانت مشاعر التفاؤل التي صاحبته املا في السلام وحل الازمة، وانبهاراً بمحكم التصميم لمسار التفاوض وفتراته الزمنية ثم التوقيع على (الاتفاق الاطاري) كامتداد (لاتفاق جبال النوبا)، اذا كان كل ذلك قد اخفق مؤقتاً، فان الرأي العام سيفيق إلى حقيقة الصراع، كما وان الشركاء الاربعة (اميركا ـ بريطانيا ـ ايطاليا ـ النرويج) سيفيقون إلى انهم يتعاملون مع نوعية اخرى من البشر، ونمط اخر من الازمات لا يستجيب للعلاج بالسيناريوهات، و(توريت) ليست المفاجأة الاخيرة، سواء من جانب الحركة ام من جانب الحكومة. كما ان التمديد كل ستة اشهر للمراقبين (لاتفاقية جبال النوبا) قد يمتد إلى حالة اشبه بالتمديد لقوات الامم المتحدة في جنوب لبنان، مع ملاحظة ان اختيار منطقة (جبال النوبا) كبالون اختبار لم يكن في تقديري، بسبب الحيز الجغرافي المحدود، او مجرد (اشارة تنبيه) للحركة بأن الشركاء الاربعة يتعاملون مع الجنوب بحدود 1956م وفق تصور (الايغاد)، بل كانت هناك اسباب اخرى، اهمها رغبة حكومة (بوش) لطمأنة جماعات الضغط المسيحي على مصير المسيحيين في (جبال النوبا). ولهذا السبب كان اختيار القس (دانفورث) للمهمة، والذي لم يكن مجرد مصادفة ان تقريره جاء مشمولاً بفقرة ذات دلالة عن (الوجود المسيحي) في (جبال النوبا)، معتمداً اغفال وجود (اسلامي)، ومعتقدات (نوباوية) ضاربة الجذور في القدم. وليس من باب الدعاية السياسية ان نعترف بما لحق (النوبا) من تهميش، وتطهير عرقي، ومصادرة اراضي الاسر، وتوزيع مشاريع الزراعة الآلية لمستثمرين غائبين عن المنطقة. ومن الاسباب الاخرى ما رواه لي عالم اكاديمي سوداني اثق في معلوماته من ان منطقة (جبال النوبا) تقع ضمن حزام افريقي ممتد من الهضبة شرقاً إلى المحيط غرباً، وتعتبره اميركا ضمن مصالحها الحيوية. واستبق الرد على السؤال الذي المحه يتراقص بين سطورك: نعم ستعود الحكومة للمباحثات، سواء استردت (توريت) ام لم تستردها. ولا استبعد، في منعطف آخر، ان تنسحب الحركة من المفاوضات ثم تعود.


    باختصار، ودون خروج عن حدود اللياقة، اكاد اجزم ان (اصدقاء الايغاد)، الذين تحولوا إلى (مايسترو) و(ضباط ايقاع) التفاوض، سيتحولون إلى (ضباط مركز تعليم) لترويض المتفاوضين على (الضبط والربط) وتوقيع الاتفاقية، مع خصم او اضافة فترات انسحاب طرف او آخر.. (فالعصا) في يد الاربعة (اصدق انباء) من (الجزرة)! ولهذا تحتاج الحركة إلى (حلفاء) من القوى السياسية الشمالية والجنوبية يدعمونها في التفاوض، كما تحتاج الحكومة بالمثل إلى تحشيد (المتوالين) معها لدعمها في معركة التفاوض. وسوف يتراجع الاربعة عن صيغة (مستشارين) خارج المفاوضات. ولهذا قلنا، ونكرر، ان تحويل (ماشاكوس) إلى (صراع سياسي) اجدى من مجرد متابعتها عن كثب، او اجترار الاحتجاج المحض على قصورها ونواقصها!


    دعنا نتعامل مع (ماشاكوس) كمحطة في طريق البحث عن حلول للازمة السودانية، وكمدخل اسرد عليك في لمحة سريعة بعض المفاصل في مسار تلك الازمة، مما اوصلنا إلى (ماشاكوس):


    1 ـ اتفاقية الحكم الذاتي للسودان والجلاء والاستقلال تم توقيعها في القاهرة في فبراير 1953م بين انجلترا ومصر والاحزاب (الشمالية).


    2 ـ اتفاقية الحكم الذاتي الاقليمي للجنوب تم توقيعها في اديس ابابا في مارس 1952 بين النميري وقادة (حركة انانيا)، وبرعاية الامبراطور الاثيوبي هيلاسلاسي ومجلس الكنائس العالمي.


    3 ـ الاتفاق الاطاري بين حكومة (الانقاذ) و(الحركة الشعبية) تم توقيعه في ضاحية (ماشاكوس) الكينية في يوليو 2002م تحت اشراف (الايغاد) و(شركائهم).


    4 ـ دخلنا (مرحلة الاستقلال) بدستور (ستانلي بيكر)، السكرتير القضائي للادارة البريطانية في السودان، وتشير كل المقدمات إلى اننا سندخل (مرحلة السلام) بدستور، او حزمة دساتير يعدها ـ ان لم يكن قد اعدها سلفاً ـ (معهد ماكس بلانك) الالماني.


    5 ـ اتفاقية الحكم الذاتي والجلاء والاستقلال وقعتها في القاهرة الاحزاب (الشمالية) دون مشاركة ممثلين للجنوب، فانعكست الآية في (ماشاكوس)، واعاد التاريخ نفسه.. بالمقلوب!


    والآن.. اترك لك ولقرائك الاستنتاج! اما اذا رأت الاطراف الاربعة ان يتم توقيع اتفاقية السلام النهائية بين (الحكومة) و(الحركة)، ثم تعرضها على القوى السياسية الشمالية والجنوبية الاخرى (للمباركة)، فإن (ماشاكوس) في هذه الحالة سوف تخرج عن النماذج الاخرى، وتدخل في اطار اتفاقية الحكم الثنائي 1898م بين بريطانيا ومصر!


    تتبقى هنا نقطة اخيرة، وهي انك تكاد لا تخفي تشاؤمك في خاتمة سؤالك، بل تكاد تنقل لي العدوى!! من جانبي لست متشائماً، (فالازمة) متفجرة منذ عام 1955م، مع فترة سماح (1972 ـ 1983م). ومن خلال سير المفاوضات وعثراتها سوف تقتنع مجموعة الدول الاربع ان القضايا المصيرية لا يمكن ان يحسمها طرفان: (الحركة) و(الحكومة). ولو قرأت بتمعن التقرير الاخير الذي اصدرته (مجموعة معالجة الازمات) بعد انسحاب الحكومة من المفاوضات (نشرته صحيفة «الايام» السودانية، 20 ـ 22 سبتمبر 2002م) ستجد ان نظرة هذه المجموعة قد اتسعت بعض الشيء، حيث اشارت في البند (ثالثا/أ،ب) إلى اهمية معرفة افكار القوى السياسية الاخرى. واوصت في البند (اولاً)، ضمن توصياتها للدول الاربع، بالضغط على مصر كي لا تحيي (المبادرة المشتركة)، بل تلعب دوراً أكثر ايجابية لادخال الاصلاحات المطلوبة للحفاظ على وحدة السودان.. ولنفترض الآن ان مصر وافقت على هذه الصيغة، ووجهت الدعوة إلى (الحكومة) و(الحركة) والقوى السياسية الاخرى للاتفاق على الاصلاحات المطلوبة، الا يشكل هذا شكلا من اشكال (المؤتمر الدستوري) او (المؤتمر الجامع)؟!


    اذا كان ما تقصده هو ان الاتفاق حل جزئي للازمة فإنني اتفق معك، لكن لا اقبل ان نتوقف عند هذا الوصف السلبي، لان بمقدورنا ان نبذل جهداً كي ندفع بالحل نحو الشمول.


    ـ كيف ترون مضمون اتفاق (ماشاكوس) مقارنة باتفاقية (اديس ابابا) التي كان لحزبكم دور في بلورتها؟


    ـ لا مجال للمقارنة بينهما اذا وضعت في اعتبارك العوامل التالية: 1 ـ تعلم الجنوبيون من اتفاقية (اديس ابابا) والنكوص عنها، ثم من اتفاقية (السلام من الداخل) والنكوص عنها، ثم من شعورهم بالمرارة والخذلان بعد وفاة الزبير محمد صالح النائب الاول لرئيس الجمهورية، حيث كانوا يتوقعون ان يحتل المنصب اللواء جورج كنقور اروب، ولو لفترة مؤقتة ريثما يتم اختيار ضابط شمالي من القوات المسلحة، لكن تم تعيين علي عثمان محمد طه، هذه الشواهد وغيرها علمت الجنوبيين التحسب المشوب بالشك والارتياب في كل اتفاق! 2 ـ (الحركة الشعبية) ارقى تنظيما ووعياً سياسياً من (حركة الانانيا)، وجيشها احدث تدريباً وعتاداً.


    3 ـ ظلت (الانانيا) معزولة عن القوى السياسية في الشمال، في حين بادرت (الحركة الشعبية) لابرام مختلف التحالفات مع القوى السياسية في الشمال، بما في ذلك جناح (الترابي) المنشق عن الحزب الحاكم.


    4 ـ حصرت (الانانيا) مطالبها وشعاراتها في الجنوب، وكان تركيبها في الغالب من القبائل الاستوائية، في حين تجاوزت الحركة ذلك وطرحت برنامجا يشمل كل قضايا السودان، وتمدد تركيبها إلى (جبال النوبا) و(الانقسنا) وعناصر شمالية.


    5 ـ اقتصرت (اديس ابابا) على مطلب (الحكم الذاتي الاقليمي)، بينما تجاوز التفاوض في (ماشاكوس) هذا السقف إلى (تقرير المصير).


    6 ـ الحضور المكثف، والمشاركة الفاعلة، للمجتمع الافريقي والمجتمع الدولي في صوغ وطرح (مبادرة الايغاد)، ثم في التفاوض ومتابعة التنفيذ. فاذا قمنا بتشريح حضور المجتمع الدولي، بالذات نجده متضمناً (لمجلس الامن) ممثلاً في اميركا وبريطانيا، و(الاتحاد الاوروبي) ممثلاً في النرويج وايطاليا، والاربعة ـ بسلامتهم ـ اعضاء في ـ(حلف شمال الاطلسي)، ومن خلف الستار الضغوط الهائلة للدوائر المتنفذة في ادارة الرئيس بوش، مثل دوائر اليمين المسيحي، وشركات البترول المتربصة بالبترول الافريقي!


    ـ كل التجارب المعاصرة افضت بخيار (تقرير المصير) إلى الانفصال.. فهل ترون هناك ضمانة تجعل جنوب السودان استثناءً في سياق ماشاكوس؟


    ـ لا اتفق مع تعميمك المطلق بأن (تقرير المصير) افضى إلى (الانفصال) في كل التجارب المعاصرة. فهو لم يفض، مثلاً، إلى انفصال اقليم (كويبك) في كندا. هذا من حيث توخي الدقة. كما وانني لا اعتبر الجنوب (استثناءً) لان تصورنا كان بعد بيان 9 يونيو 1969م ان يفضي نجاح الحكم الذاتي الاقليمي، كحل ديمقراطي سياسي واجتماعي وثقافي.. الخ، إلى طرح شعار (حق تقرير المصير) من فوق نجاحات هذا الحل بعد فترة زمنية مباشرة. وقد توصل لهذا التصور جوزيف قرنق وعبدالخالق محجوب في نوفمبر 1970م مع اقصاء بابكر النور وفاروق حمد الله وهاشم العطا من مجلس ثورة (مايو)، ثم ضمنه عبدالخالق مساهمته المرسومة (حول البرنامج) من معتقله في مطلع عام 1971م.


    من زاوية اخرى لا اعتبر الجنوب (استثناءً) سواء في سياق (ماشاكوس) او خارجه، لانني اعتبره ميدان صراع مكثف لكل تاريخنا وكل مستقبلنا كما ينتصر خيار الوحدة. وهذا لا يعتمد على الجنوبيين وحدهم، او على الحركة وحدها، او على الوسطاء، او على الشركاء، او على مخاوف الدول الافريقية من التصدع، لان الدور الحاسم هنا تلعبه الحركة السياسية السودانية بشمالها وجنوبها، ولا احصر النشاط السياسي في الاطر الفوقية، او مشاركة القوى السياسية في (ماشاكوس). هذا كله مهم، لكن ما الذي يمنع ان ندعو إلى (ماشاكوس اهلي) خارج اطار الحكومة، خارج اطار (الايغاد)، تشارك فيه كل القوى السياسية ومندوبين عن الحركة.. في اسمرا، او القاهرة، او اية دولة اوروبية خارج شركاء (الايغاد)، ويتم التداول فيه حول كل ما هو مطروح في (ماشاكوس الرسمي)؟! واذا امكن تنظيم ذلك في الخرطوم تستطيع الحركة ان تساهم بالهاتف، اذا كان وجودها في الخرطوم لا يزال محظوراً او غير مسموح به! قد توافق اميركا، وقد يعاود (دانفورث) الضرب بقبضته على المنضدة كما فعل في القاهرة (عندما علم من مندوبي التجمع بان ثمة لقاء تجهز له القيادة الاريترية بين التجمع والحكومة في اسمرا)، لكن لا بأس به.. ففي تاريخنا سابقة (كسار قلم ماكميك) لرد الصفعة!! وفي سياق آخر فإن عقد (ماشاكوس اهلي) مفيد، ولو كتمرين وتأهيل، استعداداً لعقد (ماشاكوس دارفور)، وانني بالقطع لا امزح!!


    من هذا المنطلق كان رأينا ان يبدأ التحرك نحو المذكرة التي وقعتها القوى السياسية، بدءاً بالقوى السياسية الجنوبية. ومع تقديرنا لوزن القوى السياسية التي وقعت المذكرة فإن غياب القوى الجنوبية عنها كان احد اهم نقاط ضعفها. لكن الفرصة مازالت مفتوحة لاستكمال هذا النقص. ينبغي الا يغيب عنا ان الجنوبيين تلح على اجندتهم قضية (الحرب والسلام) اكثر من القضايا الاخرى، ولذلك كان رأينا ان تبدأ المبادرة بهم. وقد كان (مركز عبدالمجيد امام) سباقاً في هذا الاتجاه.


    صوت العقل حتى في مستشفى المجاذيب!





    ـ كان السودانيون يراهنون على النفط لاحداث نقلة نوعية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، هل حدث ذلك؟ واذا لم يحدث فلماذا؟ وهل يجوز تنازل الشمال عن النفط الحالي باعتباره مصدر ثروة داخل الاقليم الجنوبي؟


    ـ عائد البترول ابتلعته الحرب، مثله مثل عائد الذهب. ثمة معلومات اولية تشير إلى ان صفقة الاسلحة الروسية تعادل 400 ـ 450 مليون دولار، وان وزارة الطاقة تتصرف في عائد البترول، او جزء كبير منه، دون علم وزارة المالية، وان مناطق البترول في الجنوب تخضع للاشراف السياسي والاداري والعسكري لوزير الطاقة الذي تمت ترقيته إلى رتبة فريق، ويبدو ان ولاية (الوحدة) هذه منحوسة الطالع والميلاد، فقد (فبركها) نميري من اجل البترول، وتعيد (الانقاذ) فبركتها وتقطيع اوصالها من اجل البترول ايضاً!


    اذا انفصل الجنوب فبترول الجنوب للجنوب، مثل قولك «بترول العرب للعرب» اما اذا حافظ على الوحدة، وهذا ما اتمناه واسترخص في سبيله كل تضحية، فالموضوع سوف يخضع لمبدأ (قسمة الموارد) مثل (قسمة السلطة). وغريب حقا ما جاء على لسان د. عوض الجاز وزير الطاقة (الصحافة السودانية، 20/9/2002م نقلاً عن «البيان»)، نافياً مبدأ تقسيم عائدات البترول، مع ان هذا الوزير هو احد اركان الحلقة الضيقة صاحبة القرار في السلطة، ويعلم ان حكومته بادرت باقرار مبدأ اقتسام عائدات البترول في (اتفاقية السلام من الداخل، 1997م) على النحو التالي: (25% للحكومة الاتحادية ـ 35% لمجلس تنسيق الجنوب ـ 40% للولاية التي يستخرج فيها البترول). وهي نسب يعتورها خلل مصدره انها كانت (رشوة سياسية) لضمان توقيع الاتفاقية وضمان انسلاخ (كاربينو) و(مشار) من (الحركة)!!


    والآن، فإن طلب (الحركة) و(الشركاء) في (ماشاكوس) وثائق اتفاقية وحسابات البترول من الحكومة يشير ضمناً ان لدى (الحركة) و(الشركاء) معلومات عن حجم العائد الذي تخفي الحكومة جزءاً منه!!


    في هذا الصدد ألاحظ اختلافاً في صياغة البند الخاص باقتسام الثروة بين التقريرين الاول والثاني (لمجموعة ادارة الازمات). ففي التقرير الثاني، البند (اولاً/3) ترد الفقرة التالية، موجهة للدول الاربع المشرفة على المفاوضات: «وبالنسبة لاقتسام الثروة اعطوا الاولوية لاستغلال الموارد القومية، وخاصة البترول، في التنمية القومية الاقتصادية ـ الاجتماعية التي تحقق تعاوناً شمالياً جنوبياً». ولابد انك تلاحظ انه ليس في هذه الفقرة اية اشارة لتقسيم العائد.


    وبما ان العاملين في هذه (المجموعة) وشبيهاتها هم من المتخصصين الذين تستند حكومات الغرب على مقترحاتهم وتوصياتهم، فاستبعد ان يتعاملوا مع صياغة نص في وثيقة جديدة دون مضاهاته مع النص الوارد في وثيقة سابقة.. اتمنى الا اكون مخطئاً!!


    شعار (تقسيم عائد البترول) اصبح شعاراً ذا (قدسية) بالنسبة للجنوبيين. وكان اكتشاف البترول في الجنوب، وقرار تشييد المصفاة في الشمال، احد اهم اسباب انفجار الازمة بعد مرور اكثر من عشر سنوات على اتفاقية اديس ابابا. قد يصعب على وفد (الحركة) ان يتراجع عنه في (ماشاكوس)، كما وانه ليس لوفد حكومة (الانقاذ) فرصة للتراجع عنه بعد سابقة اتفاقية (السلام من الداخل). ولن تثير الدهشة مطالبة اية ولاية شمالية او جنوبية بنصيبها من عائدات البترول او اي معدن آخر! فولاية (البحر الاحمر) يمكنها ان تطالب بنصيبها من عائد الذهب، وكذلك ولاية (النيل)، كما يمكن (لجنوب الفونج) المطالبة بنصيب من عائد الكروم!! ومع ذلك فصوت العقل يجب ان يعلو، في النهاية حتى داخل مستشفى المجاذيب!!


    وصوت العقل في السياسة باهظ التكلفة!! ان الاستغلال الامثل لعائد البترول والذهب وعائدات الانتاج الزراعي والحيواني انما يتمثل في تجميعها في (الماعون القومي) اولاً، ثم اعادة توزيعها عبر قناتين: الاولى ـ ميزانية التنمية والمعاملة التفضيلية للجنوب والمناطق المهمشة، والثانية ـ الميزانية السنوية والمعاملة التفضيلية لذات المناطق في خدمات الصحة والتعليم..الخ. ولا ابوح بسر اذا قلت لك انني قد بعثت إلى مندوبينا في (التجمع) في الخارج ـ التجاني الطيب والشفيع خضر ـ لكي يطرحوا هذا التصور على الدكتور جون قرنق وقادة الحركة، وان يعطوه حقه من التفكير كمشروع مستقبلي، لاننا ندرك انهم في هذه المفاوضات ملتزمون امام الرأي العام الجنوبي بتنفيذ نسب تقسيم العائد، وان يطلبوا دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع من بيوت الخبرة الاربعة المتفرغة لخدمة مفاوضات ماشاكوس (مركز الدراسات الاستراتيجية بواشنطن، مركز ادارة الازمات ببروكسل، معهد النهضة الافريقية ومؤسسة العلاقات الدولية). واعتقد ان لهذا المشروع المستقبلي جدواه لان ازمتنا الوطنية لن تنتهي بـ (ماشاكوس) وتوقيع الاتفاقية، انما تنتقل من الحيز الحربي إلى الحيز السلمي وقضاياه الاكثر تعقيداً.


    الشق الآخر من تصورنا الا يعولوا كثيراً على وعود الدول الغربية بتمويل اعادة تعمير الجنوب، وليسألوا اثيوبيا واريتريا وناميبيا عن حجم الوعود التي بذلت لهم وحجم الايفاء بها، بل ليسألوا ياسر عرفات كم استلم من الاربعة عشر مليار دولار التي وعدوه بها بعد (اوسلوا)!!


    الدول الغربية تمول شركاتها لتنفيذ وعودها، ولهذه الشركات هوامش ارباح لا تتنازل عنها تلك هي الحقيقة التي لا ينبغي اغفالها.


    نعم .. قرنق وحدوي!


    ـ هل لديكم قناعة شخصية في طرح قرنق الوحدوي ام ترون انه تكتيك سياسي براغماتي؟


    ـ قرنق وحدوي، والكتلة المؤثرة في (الحركة) وحدوية، لكن في داخل (الحركة) وخارجها توجد مجموعات انفصالية. وما شجعنا على الاقتراب من الحركة، منذ تأسيسها وبياناتها الاولى، هو منطلقاتها الوحدوية وتعاملها مع قضية الجنوب كجزء من قضية السودان. وهذا مايز خطابها السياسي عن خطابات القوى الجنوبية الاخرى التي دخلت الغابة منذ اغسطس 1975م. وطبعاً ليس مطلوباً من (الوحدوي الجنوبي) ان يصبح (عروبياً اسلامياً)!! مثلما ليس مطلوباً من (الوحدوي الشمالي) ان ينسلخ عن منابته وينتمي إلى (الدينكا) جنساً او ثقافة!!


    ـ ألديكم قناعة بأن (فصل الدين عن الدولة) يشكل شرطاً اساسياً لما يمكن ان يكون ضماناً للوحدة؟


    ـ مراعاة للدقة فإن الصيغة التي توصل اليها التجمع في (بيان نيروبي) واحتوتها (مقررات اسمرا ـ 1995 م) هي «فصل الدين عن السياسة»، واعتقد انها تشكل احد العوامل الاساسية للوحدة.


    «دفء» الحياة العائلية!


    ـ استاذ نقد.. نستميحك الاذن لكي نطرح عليك في ختام هذا الحوار سؤالاً في الجانب الخاص: لقد كرست للعمل الحزبي السري سنوات طوال من حياتك ـ ربما تجاوزت في مجموعها ما كرسته للعمل العلني ـ فهل تشعر بأنك افتقدت دفء الحياة الطبيعية في المحيط العائلي والاجتماعي؟ وهل يفضي بك التفكير احياناً في مثل هذه الامور الشخصية إلى أي نوع من الشعور بالندم على الصعيد الذاتي؟ ام انت راض عن تجربتك وقدرك؟


    ـ نعم.. افتقدت، ومازلت افتقد متعة للحياة الطبيعية. اما (دفء) الحياة العائلية فيثير لدي سؤالاً: لماذا نتقيد بمفردة (دفء) المترجم عن الانجليزية warmth في مناخنا السوداني الساخن الجاف؟! لو كنت سألتني، مثلاً: هل تفتقد (دعاش) الحياة العائلية، لكنت وجدت عندي الجواب، لكنك اخترت المفردة الخطأ ـ راحت عليك؟ مع السلامة



    المصدر
    http://www.albayan.co.ae/albayan/alarbea/2002/issue154/forum/1.htm
                  

06-09-2004, 09:34 PM

Elmosley
<aElmosley
تاريخ التسجيل: 03-14-2002
مجموع المشاركات: 34683

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: استطلاع حول شخصية نقد (Re: Abdelaziz)

    لقد استمتعت كثيرا بالعبقرية
    الذهنية لهذا الانسان العميق
                  

06-09-2004, 08:49 PM

محمد اشرف
<aمحمد اشرف
تاريخ التسجيل: 06-01-2004
مجموع المشاركات: 1446

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: استطلاع حول شخصية نقد (Re: محمد اشرف)

    العزيز عبد العزيز

    الرجل قامة فكرية وسياسية

    لا اعتقد ان رجل يمتلك هذا التواضع و العمق السياسى يمكن ان يتخلى عنه الشيوعيون كسكرتير عام لهم





    و لنا عودة
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de