أجمل ما كتب عن جامعة امدرمان الاهلية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 06:35 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-03-2004, 03:13 PM

Napta king
<aNapta king
تاريخ التسجيل: 04-03-2003
مجموع المشاركات: 767

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أجمل ما كتب عن جامعة امدرمان الاهلية

    أُمْ دُرْمانُ الأهْليَّةْ: لَيْتَ أَنَّا بِقَدْرِ الحُبِّ نَقْتَسِمُ!

    كمال الجزولى
    [email protected]
    (1)
    (1/1) كثيراً ما يروق لى ، فى باب التنويه بمناقب الامدرمانيين الفضلاء الذين شادوا بأريحيتهم النديَّة مجد المدينة الزاهى ، وعَبَّدوا بثرائهم الروحى مسالك الخير فيها إلى يوم الدين ، أن أستشهد بكلمة رقيقة المبنى ، باذخة المعنى ، كنت سمعتها صدفة من العميد الراحل يوسف بدرى أثناء اجتماع لمؤسسى جامعة أم درمان الأهلية فى بيت آل سوار الدهب بفريق الخنادقة ذات مساء بعيد مطالع العام 1984م. فعندما همست له ، وقد تصادف جلوسى إلى جواره ، بدخيلة قلقى من طيوف الفشل ، بدا متيقناً من نجاح المشروع من كلِّ بُدٍّ ، فهمس بدوره قائلاً: "ما تخاف .. أم درمان دى ربنا مِسَخِّر ليها ناساً مَصَلطين" ، وأومأ برأسه إلى الجمع المهيب المكبِّ على طروس يتولى الراحل محمد عمر بشير شرح محتوياتها فى ضوء فانوس كيروسين يدوىٍّ ، فالكهرباء مقطوعة ، وظلال العمائم الضخام تصطخب على حوائط الغرف الوديعة حماسة ، وفوق سور الحوش الامدرمانىِّ اقتدارا. لحظتها التقطت بيسر أن العميد إنما كان يستدعى خبرة "المدرسة الأهلية" و"معهد القرش" و"الجامع الكبير" والكثير من مثل ذلك ، اطمئناناً لعبقريَّة المكان الفذ ، وثقة بتقاليد العمل الطوعى فى المدينة الجليلة ، واستبشاراً بمن "جعلوا الخدمة فى الحىِّ نخوة وابتدارا" على قول المجذوب.
    (1/2) وما خاب حدس العميد ولا حبط يقينه ، فما كاد ينقضى عام على رهانه المجيد ذاك حتى كان المؤسِّسون الأوائل (المصلتون) يتبادلون ، ودموع الفرح ملء المآقى ، أجمل التهانى وأعذب التبريكات بحصولهم فى مارس 1985م على التصديق (بمشروع جامعة أم درمان الأهليَّة ـ النظام الأساسى لكليَّة أم درمان الأهليَّة لسنة 1985م). وكان من رأى المرحوم محمد عمر بشير ألا يقل عدد أعضاء مجلس الأمناء عن 500 عضواً يمثلون أهل المدينة! فلكأنى به يرفع رأسه فى آخر لحظة من المخططات الأكاديميَّة للمشروع ، والتى كانت آنذاك قد استنفدته آنذاك عُمراً وعافية ، ليكتشف أن الصرح لا يتبع إلى جسد مدنىٍّ ملموس ، فيسارع للتعبير ، على نحو ما ، عن خشيته من مغبَّة ذلك ، مقترحاً زيادة تمثيل المؤسِّسين فى مجلس الأمناء تحسَّباً لما قد يطرأ على بعض النوايا بشأن (المِلكيَّة) فى مقبل الأيام! ولكن الرأى الغالب ، فى ما يبدو ، كان قد استبق تلك الانتباهة الثاقبة ، للأسف ، بانعقاده على التخفيف من تحديد العدد بتلك الصورة القاطعة ، فاستقرَّ على صيغة (ألا يقل) عن المئة ، وليته لم يفعل!
    (1/3) مهما يكن من شئ ، فقد تشكل أول مجلس أمناء فى 1986م من 247 عضواً برئاسة المرحوم محمد سيد احمد سوار الدهب ، و 6 نواب رئيس ، واختير المرحوم سليمان أبو قرون مقرِّراً ، كما جرى انتخاب لجنة تنفيذية من 15 عضواً لتسيير العمل فى ما بين دورات الانعقاد. كان مجلساً توفرت فيه كلُّ عناصر الهيبة والتجرُّد والاخلاص والرمزيَّة الامدرمانيَّة العالية. لكن ، وعلى حين كان ينبغى ألا تتجاوز مدته ، حسب النظام الأساسى ، أربع سنوات ، فإنه استمر عملياً حتى مطلع ديسمبر 1995م دون أن يفكر أحد فى الرجوع إلى هيئة المؤسِّسين! وكان ذلك أول الوهن! فرغم كلِّ ما يمكن أن يساق من تبريرات تتوكأ على عوامل الضرورة المُلجئة أو طيب الخاطر الغالب ، وحيث أنه ليس من النادر أن يكون الطريق إلى الجحيم نفسه محفوفاً بالنوايا الحسنة ، فقد شكل ذلك الخرق فى الحساب النهائى فاتحة لكل التجاوزات الكبيرة والاخلالات الخطيرة التى وقعت خلال السنوات اللاحقة.
    ومع ذلك كله مضى الحلم يَشخَصُ بقوة الدفع الأولى من الاكتاف إلى أفواف السماء ، ومضى الصرح بسبيله لأن يستوى فى عوده خلقاً قويماً على ساقين وقدمين ، ومضى الأمل يعبر مرحلة (الكليَّة) حثيثاً إلى مرتقى (الجامعة) .. ولكن!
    (2)
    (2/1) كرَّت مسبحة السنوات حتى منتصف تسعينات القرن المنصرم. وياله من زمن أعجف تقلبت بالناس خلاله صروف المتغيِّرات السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة المزلزلة ، فغالت غائلتها نفرة هِمَم جمَّة لطالما استعصت على نوائب الدهر ، وأطفأت قسوتها جذوة مبادءات كثيرة كانت إلى وقت قريب لا مقطوعة ولا ممنوعة ، وراحت مملكة (الحاجة) تفاقم من سطوة صولجانها اللعين لتفضى بطاقات المشاركة فى الهمِّ العام إلى التآكل ، ولتسلم البعض إلى حالة مؤسفة من خوف الظلال ، وإلى الانهماك، حدَّ الانغماس ، فى تربية العيال ، وإلى الانشغال بما لا يتجاوز قليلاً عتبات المساكن ، أو الاستغراق فى ما لا يبعد كثيراً عن أرانب الأنوف!
    (2/2) فى لجَّة هذا الظرف التاريخى الاستثنائى ، والذى أبعِد فيه الكثيرون أو ابتعدوا ، صدر قانون التأسيس الموحَّد للجامعات عام 1993م ، فسارع مجلس الأمناء لإعلان قبوله به فى 8/12/1993م ، دون استشارة هيئة المؤسِّسين ، تلهفاً ، كما قيل ، للحصول على الاعتراف بالجامعة. غير أن تلك الخطوة دقت أول إسفين داخل المجلس ، حيث خرجت منه جموعة مغاضبة ، ليتهيأ مناخ عدائيَّات بغيض وملبَّد للأسف بكل غيوم الانشقاق والتكتل. وهنا أيضاً لم يفكر أحد فى دعوة هيئة المؤسِّسين لحسم ذلك الخلاف. بل لم يَدعُ المجلس هذه الهيئة المُغيَّبة ولو (للمشاركة) فى صياغة قانون الجامعة ، أو لمنحها الفرصة ، على الأقل ، للوقوف على الخلل الواضح فيه حتى بعد أن اكتملت صياغته مع خواتيم عام 1994م ، قبل أن يصدر بتوقيع رئيس الجمهوريَّة فى 15/8/1995م. وأبرز ملامح هذا الخلل:
    (أ) أن المادة/3 منه تعرِّف (المؤسِّسين) بأنهم "المواطنون الذين بادروا بإنشاء الجامعة (أو) أسهموا بفكرهم وجهدهم ومالهم"! إنتهى النص. ونحسب الخلل هنا أوضح من أن يحتاج إلى مصباح ديوجينس لإضاءته ، كون كلمة (أو) هذه تصنف (المؤسِّسين) فى فريقين: أحدهما (بادر) والآخر (أسهم) لاحقاً ، فهى ، بهذا المعنى ، كفيلة بأن تدرج فى قوام (المؤسِّسين) حتى من يتبرع للجامعة مالياً ، فى أى وقت لاحق ، أو يتكبَّد مجرَّد حضور اجتماع فى أىٍّ من مستوياتها ، ولو بعد قرن من إنشائها! خطورة هذا النصُّ لا تقتصر ، فحسب ، على منح صفة (المؤسِّس) لمن لا يستحقها ، بل وتمتدُّ لتتيح لأىِّ (مركز قوة) يتشكل ، فى أىِّ وقت ، داخل مجلس الأمناء أن يستجلب من يشاء ويسبغ عليه صفة (المؤسِّس) لأغراض الاستقواء! ولعل مِمَّا يكشف نيَّة المشرع أنه أورد بعد كلمة (أو) عبارة "أسهموا بفكرهم وجهدهم ومالهم" دون أن يوضح فيمَ (أسهموا)! فلو قال: (فى إنشاء الجامعة!) لاستدار المعنى رجوعاً إلى من (بادروا بالانشاء!) ، الأمر الذى قد يجعل العبارتين مترادفتين فيخلق مشكلة عند التفسير والتأويل مستقبلاً ، ولذلك فضَّل المشرِّع الصمت!
    (ب) وقد يقول قائل: ولكن النص مفتوح ، حتى بهذه الدلالة ، (للجميع) بدون فرز! غير أن المادة/8/8 ضمن الفصل الثالث من القانون تهزم (حسن النيَّة) هذا ، وتكشف ، بدورها ، غرض المشرِّع بجلاء ، كونها تخوِّل لمجلس الأمناء "تعريف المؤسِّسين ومهامهم"! بعبارة أخرى فإن (المؤسِّسين) الذين هم فى مقام (الأصيل) ، والذين يُفترض أنهم أنابوا (مجلس الأمناء) عنهم (كوكيل) فى الاشراف ، أصبحوا هم أنفسهم فى قبضة هذا (المجلس/الوكيل) الذى يمتلك صلاحية أن يمنح صفة (المؤسِّس/الأصيل) لمن يشاء ويمنعها عمَّن يشاء! فتأمَّل القدر من المفارقة للمنطق الشكلى ، دعْ منطق العدل ، سماوياً كان أم وضعياً!
    (ج) والواقع أن نظرة عابرة للقانون تكفى لتقدير فداحة السلطات والصلاحيات والمسئوليات والحقوق والمهام الخاصة (بمجلس الأمناء/الوكيل) ، مقارنة (بالمؤسِّسين) الذين هم (الأصل) ، والذين لم يتكبَّد المشرع محض كلمة يتيمة فى الاشارة ، مجرَّد الاشارة ، إلى (قيُّوميتهم) على هذا المجلس الذى يُفترض أنه (ينوب) عنهم ، فلم يرد لهم ذكر فى غير ذلك التعريف العجيب سوى مرَّتين اثنتين فقط: الأولى ضمن المادة/8/1 التى تنصُّ على أن أعضاء المجلس "يُختارون من بين المؤسِّسين ومن غيرهم .." ، لاحظ (يُختارون) وليس (يُنتخبون) ، ولا غرو فقد صدر القانون فى زمن (الشرعيَّة الثوريَّة) التى حللت (التعيين) حتى فى أكثر الكيانات اقتراناً بالديموقراطيَّة ، كالنقابات والاتحادات المهنية! أما المرَّة الثانية فضمن اختصاصات رئيس (مجلس الأمناء/الوكيل) الذى يعمل ، بنص المادة/12 ، على "تقوية صلة المؤسِّسين بالجامعة". وعليك أن تتصوَّر أن من سهروا على لهبة فانوس الكيروسين يؤسِّسون لهذا الصرح يوم لم يك شيئاً مذكورا أصبحت علاقتهم به رهينة ، حال قوتها أو ضعفها ، بعمل رئيس مجلس الأمناء ، وليس حتى بالمجلس مجتمعاً! ثم لا تسَل بعد ذلك عمَّا (عمل) الرئيس وعمَّا (ترك)!
    (د) ورغم أننا نركز هنا ، بالأساس ، على اختلال العلاقة بين مجلس الأمناء وبين المؤسِّسين ، كوننا نرى فى ذلك أسَّ البلاء والأزمة ، إلا أن الخلل يتعدى ، فى حقيقته ، هذا الاطار ليشمل سلطويَّة مجلس الأمناء على كلِّ هياكل الجامعة الأخرى ، وتحديداً مجلس الجامعة وهيكل إدارتها اللذين عانيا ويعانيان الأمرَّين من التهميش والاستلاب بفعل التدخل المباشر ، سواء من جانب شخصيات نافذة فى مجلس الأمناء ، أم من جانب اللجان التى درج رئيسه على تكوينها ولم نجد لها صرفاً أو عدلاً على أىِّ نحو حاولنا تفسير أو تأويل اختصاصاته بموجب المادة/12 من القانون ، كلجنة العشرة عام 1996م ولجنة الخمسة عشر عام 2004م ، حتى ليبدو مجلس الجامعة وهيكل الادارة محض تابعين بلا حول ولا قوة لمجلس الأمناء الذى لا رقيب له ولا مُعقب عليه!
    (2/3) بتلك الصورة ، ومنذ أن صدر قانون 1995م ، صار جليَّاً أن الجامعة بدأت تتسرَّب حثيثاً من بين أصابع مؤسِّسيها الأوائل ، أصحاب الجلد والرأس ، الذين أبعدوا أو تباعدوا ، غيبوا أو تغيَّبوا ، عن حرم الهرم الذى شادوا! وقد عززت من ذلك الانطباع القوى ، بل المُعطى الواقعىِّ المباشر ، الطريقة التى اتبعت فى (تعيين) أول مجلس أمناء للجامعة فى 7/12/1995م ، بموجب المادة/8/1 من هذا القانون. فقد تدخل الوزير بين مجموعتين مصطرعتين على مقاعد المجلس الستين ، فاختار منهما أربعين ، ثم أكمل العدد بعشرين لا علاقة لهم بالمؤسِّسين ، ثم (عيَّن) لهم رئيساً! ومع أن مدة ذلك المجلس كان من المفترض أن تنتهى فى 6/12/1997م ، بنص المادة/8/2 ، ليتم (اختيار) مجلس جديد يستمر لفترة أربع سنوات تبدأ فى 7/12/1997م لتنتهى فى 6/12/2001م ، إلا أن ذلك المجلس الأول مدَّد فترته (بإيده وشديده) حتى 14/3/1999م ، حيث دعيت هيئة (يُفترض!) أنها تمثل (المؤسِّسين) ، فاستصدر منها رئيس المجلس موافقة على قائمة حوت تقريباً ذات الستين عضواً السابقين مع ملء خانات المتوفين ، وهكذا انفض السامر بلا ترشيح ولا تصويت ولا يحزنون!
    (2/4) لكن الفأل الحسن ، برغم ذلك كله ، لم ينطفئ فى النفوس الخيِّرة. لم يغيِّبه الموت الحق مع النفر العزيز الذى غيَّب تباعاً ، ولم تبهت بريقه مماسح الاهمال الفظ تطال أخلص المحبِّين المؤسِّسين ، ولم تجرف لؤلؤته سيول الجحود الهائجة تطبْطبُ فى كل وادٍ تتراجع عنه ديموقراطيَّة النشاط الأهلى! ووحدُه حُسن الفأل والظن والنيَّة هذا هو ما ألزم الكثيرين من أبكار (المَصَلطِين) الصمت ، جزعاً من مآلات التنازع على الوليد ، تماماً كحال الأم التى نازعتها أخرى على جنينها ، فى الأمثولة الصينيَّة ، ولما لم يجد القاضى الحكيم مناصاً من الحكم بقسمته بينهما (بالتساوى!) ، صرخت متنازلة عنه (كله) لغريمتها ، كآية فى (القسمة بقدر الحب)!
    (3)
    (3/1) وليت كلَّ ذلك التنازل أجدى فتيلاً! فقد استيقظ الناس ذات صباح من منتصف مايو المنصرم على انفجار الأوضاع فجأة فى هذا الصرح على النحو الآتى:
    (أ) كانت هيئة الأساتذة قد تقدمت للادارة فى تاريخ سابق بمطالب محدَّدة لزيادة الرواتب بنسبة 100% بالاضافة لإصلاح الوضع الادارى والمالى داخل الجامعة ، كما أصدرت مذكرة ضمَّنتها انتقاداتها لميزانيَّة العام 2004م. لكنها ، وبإزاء إجازة الميزانيَّة دون الالتفات لمطالبها ، قرَّرت فى 11/5/04 التوقف عن العمل يومى 15 ، 16 مايو ، وتنظيم ورشة لتدارس الأوضاع الأكاديميََّّّة والاداريَّّة والماليَّّة للجامعة ، وضمَّنت ذلك فى مذكرة وجهتها للمدير بتاريخ 12/5/04. ردَّ المدير بهدوء فى 13/5/04 ، نافياً رفض المطالب ، ومرحباً باقتراح الورشة ، ومؤكداً استعداد الادارة للحوار. لم يقتنع الأساتذة بردِّ المدير ، ولم يروا ، بالتالى ، موجباً لتغيير موقفهم ، فنفذوا إضرابهم بالفعل فى موعده المحدد ، وأصدرت هيئة الاداريين وتجمع روابط الطلاب بيانين منفصلين تعبيراً عن مؤازرتهم لهيئة الأساتذة.
    (ب) صباح 17 مايو إنتهى الاضراب ، وتوجَّه الأساتذة والطلاب والاداريُّون إلى الجامعة ليفاجئوا بأن مجلس الأمناء أغلق أبوابها دون سابق إخطار حتى لعمداء الكليات ، وأنه استدعى قوات الشرطة لتحيط بالمبنى وتمنع الاقتراب منه ، وأنه أصدر بياناً هاجم فيه الاضراب باعتباره "حدثاً غير مسبوق فى تاريخ الجامعات السودانيَّة إذ لم يحدث أن توقف أستاذ جامعى عن العمل بسبب مطالب فئويَّة!" ، وشكك فى شرعيَّة هيئة الأساتذة باعتبارها "تضم أساتذة الجامعة ومساعدى التدريس والمدرسين من حملة البكلاريوس!" (الرأى العام ، 17/5/04). ولم يكتف المجلس بذلك بل عقد مؤتمراً صحفياً وصف من خلاله عضو المجلس المحامي عمر شمينا قرار الهيئة "بالفوضى ومخالفة القانون العام" ، كما اتهم العضو الآخر ياسين عمر الامام ، جهات لم يسمها "بالتآمر لتقويض الجامعة لاغراض خاصة" (الصحافة ، 18/5/04). ولو ان السيد ياسين بالذات تريَّث قليلاً لأحجم عن إطلاق قول غليظ كهذا ، كون إخوة له قابعين الآن خلف القضبان بسبب اتهامات من هذه الشاكلة حرفياً ، وعلى رأسهم د. حسن الترابى الذى نطالب مع المطالبين بإطلاق سراحه فوراً أو تقديمه لمحاكمة عاجلة وعادلة. وعلى العموم فقد ردَّت هيئتا الأساتذة والاداريين على ذلك الهجوم ببيان مشترك دافعتا فيه عن شرعيَّتهما ، وأوضحتا أن هدف الاضراب كان فتح باب التفاوض ، وأنه ليس ثمة مسوِّغ لإغلاق الجامعة ، وأنه "لو حسنت النوايا لكان بالإمكان التوصل إلى حلول وسطى" ، وأن مطالبهما ليست مطلبية بحتة "بل شملت الإصلاح المالى والإدارى والتطور الأكاديمى وتحسين بيئة العمل" ، وأن "تدهور الوضع المالى والإدارى فى الجامعة هو ما قاد إلى هذا الوضع" ، وأكدتا أن "أموال الجامعة تستثمر فى أغراض لا صلة لها بأهداف الجامعة كالقيام بأعمال .. البنوك من تمويل قصير الأجل للغير" ، وتلك تهمة أنصح مجلس الأمناء بالمسارعة للابانة حولها ، فلا جدوى من تجاهلها ولا طائل من وراء السكوت عليها!
    (ج) ما حدث بعد ذلك كان عبارة عن كوميديا سوداء بكل المعايير. فقد تحوَّلت جهود الأساتذة والاداريين والطلاب لإقناع مجلس الأمناء بفتح الجامعة واستمرار الدراسة واستئناف التفاوض (!) لكن مجلس الأمناء ظل يتعنت ، للعجب ، ولم يستجب إلا بعد لأى ، وبعد أن أهرقت الصحف حبراً كثيراً فى هذا المنحى ، وبعد أن سعى الخيِّرون بالوساطة ، وبحت حناجر الناصحين فى المناشدة!
    (3/2) إن أكثر ما يبعث على القلق فى هذه الأحداث هو أنها كشفت عن خلو وفاض مجلس الأمناء ، للأسف الشديد ، من أبسط حكمة أو كفاءة خليقة باحتواء أزمة كهذه ، دون حاجة لاستعراض قوة هوجاء أو عنف فج ، مادياً كان أم لفظياً. كما كشفت عن شكلانيَّة منهجه فى معالجة مثل هذه القضايا بمسارعته لتأطيرها فى علاقة (المخدِّم والشخص المستخدَم) ، دون مراعاة لحساسيَّة وضع المؤسَّسة فى مخيلة الناس العاديين اجتماعياً وأخلاقياً! وحتى لو استبعدنا حُجة الهيئتين القويَّة على شرعيَّتهما بكونهما ممثلتين فى مجلس الجامعة ، فقد كان على مجلس الأمناء ، بدلاً من أن يغرق مع مستشاره فى شبر ماء الشكليَّات القانونيَّة ، منصرفاً عن (لؤلؤة) المطالب العادلة نفسها للبحث عن ماهيَّة (صَدَفتها) ، أن يستشعر خجلاً إنسانياً مرغوباً فيه من أن دخول هؤلاء (المستخدَمين) الذين لولاهم لما قامت لهذا الصرح قائمة تقل بما لا يقاس عن دخول أغلب أعضاء المجلس ، وأنهم لا يملكون ، ومن ورائهم أسرٌ ممتدَّة ، سوى هذه المرتبات الشحيحة ، وأن تهيئة ظروفهم الماديَّة الأفضل ، ووضع شروط خدمة مجزية تحقق لهم الاستقرار ، لهوَ من أولويات شروط الاستقرار للبيئة الجامعيَّة بأسرها ، وأن ارتفاع أسعار السكر والبنزين والجازولين وتكلفة النقل ومدخلات الانتاج الزراعي والصناعي قد تسبَّب مؤخراً فى رفع أسعار كل السلع الأخرى ، مِمَّا يعنى عملياً انخفاض الدخول الحقيقية للمواطنين ، وأن هؤلاء الأساتذة والموظفين سبق أن ضحوا من أجل هذه المؤسَّسة بالعمل فى مرحلة التأسيس لقاء مكافآت رمزيَّة ، وأن آخر مرة حُسِّنت فيها شروط خدمتهم كانت قبل أربع سنوات ، وأن الدولة نفسها قرَّرت زيادة الأجور فى هذه السنة الماليَّة بنسبة 66% ، رغم عدم جدوى ذلك فى ظل استمرار التضخم وارتفاع الاسعار!
    (4)
    إن تقديرى لا تحدُّه حدود للكثير من الرموز الأمدرمانيَّة الماجدة التى سعت بالوساطة فى هذه الأزمة. وأعلم يقيناً كم هى خيِّرة دوافعهم ، وكم هى نبيلة مراميهم. غير أننى ، مع ذلك ، أستميحهم الإذن والعفو أن أهمس فى آذانهم بأن هذه الخبرة المريرة قابلة للتكرار ، ولذا فإن الاستقامة الواجبة تقتضينا أن نصدع الآن بكلمة حق مستحق باتجاهين: ضرورة إعادة الاعتبار لهيئة المؤسِّسين الحقيقيين ، من جهة ، كى تنتظم فى كيان مدنىٍّ مؤهَّل لضمان مستقبل هذه الجامعة ، وضرورة إجراء المراجعات الشاملة ، من الجهة الأخرى ، ليس فقط للسياسات والمناهج والأساليب ، بل وللقانون نفسه الذى جعل الجامعة بلا أب ولا أم .. لا بد من مراجعة وإصلاح هذا القانون. أما بغير ذلك فإنكم لن تبلغوا ، برغم نواياكم الشفيفة هذه ، أكثر من حشو الجرح بالتبغ ، وتقبلوا صادق اعتذارى!
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de