|
هويدا العتباني ... بعد النجاة من الرجم تبحث عن تفسير !!!!
|
نقلا عن جريدة الراى العام عدد الاثنين 16 أغسطس
معسكر النازحين.. وقصة الرشق بالحجارة
هويدا صلاح الدين العتباني
* ما زال العالم في حالة ثورة اجتماعية الى أن ظهر مفهوم «العنف ضد المرأة» (VIOLENCE AGAINST WOMENS) كأحد أهم المفاهيم الراديكالية التي اكتسبت قدراً من الإثارة والجدل في العالم المعاصر. وأصبح المفهوم يحتل حيزاً مميزاً من المواثيق الدولية كجزء من الاهتمام بقضية «النوع الاجتماعي» الذي يرمي الى تطوير دور المرأة وإثبات ذاتيتها. ليس ذلك فحسب بل اصبحت تُصاغ له القوانين والعهود وترصد له الإمكانيات لجمع الاستبيانات والمعلومات. لكن رغماً عن ذلك قد تفشل المنظمات في الحصول على المعلومة الحقيقية ومن ثم كشف الحجاب عن النسب الصحيحة التي يحدث فيها انتهاك ضد المرأة. والشاهد على ذلك أنه حسب العادات والتقاليد الشرقية فإن المرأة تشعر بالحياء والإحراج البالغين عند البوح أو الإدلاء بمعلومات تصورها وكأنها منبوذة، وهذا ما يجعلها تلتزم الصمت مهما بلغت فداحة العنف وشناعته، اللهم إلا أن تظهر العلامات المميزة على الجسد. وكل ذلك يؤدي في نهاية الأمر الى كتم أنفاس الخبر وقتل المعلومة، ناهيك ان يكون الهدف التبليغ عن الإنتهاك أو الاستجابة للتحقيق. ببساطة شديدة لا يجرؤ أحد مهما طالت قامته وبلغت شجاعته، أن يقف وسط الناس ليقول بكل أريحية «انضربت» أو «أخذت علقة» أو «اتهزأت» كما قال عادل إمام في احدى مسرحياته. وبعد هذه المقدمة وبهذه المناسبة لن أقول «انضربت» لكنني سأكون أكثر دقة وأقول رشقت السيارة التي كانت تقلنا بالحجارة، بعد أن قضينا بعض الوقت في سلام وأمان بين النازحين في معسكر «أبي شوك»، وتجدني لا أشعر بخجل أو حرج ولا أذيع سراً لكنني ربما شعرت بشيء من اللبس أمام الموقف والحالة التي كنت إزاءها. والصراحة التي سأحكي بها ما حدث لم تأت كرد فعل لما نشرته صحيفة (الوان) التي تعودنا أن نقرأ فيها الأسرار والأخبار المخفية من خلال صفحتها الأولى والى درجة أن صاحب الخبر نفسه أحياناً يُفاجأ بالخبر الخاص به. ولكنني سأحكي من منطلقين: الأول توضيح ما حدث بعد أن لاحقتني الاسئلة أينما وحيثما حللت، والثاني من أجل إشراك الآخرين في تحليل موقف لم استطع حتى الآن تفكيك جميع شفراته. وكل الذي حدث أنه حال انتهاء مهمتنا في معسكر أبي شوك اتجهنا صوب السيارات للعودة الى الفاشر ومنها الى الخرطوم. تحركت في باديء الأمر حوالي خمس سيارات من ضمن الفوج وسارت في سلام. بيد أن العربة «الحافلة» التي كانت تقلنا غطست في كثبان من الرمال الكثيفة، وكانت بجواري الدكتورة سيدة بشار وزير الدولة للتنمية والرعاية الاجتماعية سابقاً. وقد ظلت مجموعة من النازحين حولنا وأغلبهم من الأطفال والنساء لا يبرحون مكانهم ولا يمدون يد العون والمساعدة رغم مناشدة سائق العربة. ثم فجأة ومن حيث لا ندري بدأت الحجارة ترشق العربة وكأنها قطع من رصاص. ترجل السائق ـ وهو ابن المنطقة ـ لتفريق حالة الهرج دون جدوى. اقترحت عليه أن يستمر في تفريق الشغب بينما أقوم بقيادة السيارة والأخريات حوالي «7 سيدات» يدفعن السيارة الى الأمام. كان السائق لا يسمع ولا يعي وملامح وجهه تبدي الاستنكار لما أقول، وكأني به يقول امرأة تقود عربة «حافلة» وفي قلب دارفور. وعموماً قدرت له موقفه الاستنكاري، وقد تكون في نظره قيادة امرأة للسيارة في هذا الموقف أسوأ من الرشق بالحجارة من باب «قدر لرجلك قبل الخطو موضعها». عندما ازداد الرشق وتحطم زجاج السيارة لم يجد السائق مفراً من الاستسلام لاقتراحي، قامت الزميلات بدفع السيارة بينما استطعت قيادتها الى خارج منطقة الخطر أصيبت اثنتان من الراكبات بإصابات طفيفة ، واستطيع أن أقول نجينا من «الرجم» رغم أننا لم نرتكب خطيئة، ذكر السائق جملة ظلت عالقة في ذاكرتي هي «الجاهل عدو نفسه». عموماً لا أميل الى ما توارد الى ذهن معظم الناس من أنه تم رشقنا للإشتباه في أننا نمثل الحكومة، ولا اعتقد أن ذلك يمثل رأياً صائباً، ليس لأننا فعاليات سياسية ومنظمات قومية فحسب ولكن: أولاً لأن خمس عربات من ضمن الفوج تحركت أمامنا وبعضها تقل وزيرات، وثانياً: لأن عدداً من المنظمات التي تتبع للحكومة مثل مفوضية العون الإنساني والاتحاد العام للمرأة السودانية تعمل وسط المعسكر دون التعرض لأي نوع من الهجوم، وثالثاً: لأن نفس هذا الموقف تعرض له أحد أكبر الأحزاب السياسية المعارضة، وكذلك مجموعة من الدعاة الذين لا يمتون بصلة للحكومة، وكلهم رُشقوا بالحجارة. ورغماً من أن ما حدث اصبح نقطة سوداء ستظل عالقة في ذاكرة تجربتنا في معسكر أبي شوك إلا أنني أؤمن وأؤكد أن الذي حدث ليس مخططاً سياسياً أو استراتيجياً، ولم يحدث بدافع محدد، لأنه ببساطة شديدة نفذه أطفال تتراوح أعمارهم بين «تسعة وثلاثة عشر عاماً» وبطريقة محض طفولية وعفوية ###### أصغر من أن يخططوا أو ينفذوا تحقيقاً لهدف ما، ولكن مع ذلك أقول ربما لحقهم شعور بالغبن تم تفريغ شحنته عشوائياً على قوم ليست لهم صلة بما يحدث. هكذا انتهت رحلتنا، وانتهت الزيارة الى معسكر النازحين بموقف تراجيدي على نفس السياق الذي انتهت اليه تراجيديا النزاع في دارفور والعنف غير المبرر بين مجموعات عرقية كانت متعايشة على مدى العقود والدهور. *مركز دراسات السلام والتنمية جامعة جوبا
|
|
|
|
|
|
|
|
|