محمد الفيتوري في حديث مسهب عن الشعر والسياسة والمرحلة السودانية في حياته

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 01:03 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-28-2004, 01:26 PM

Esameldin Abdelrahman

تاريخ التسجيل: 02-17-2004
مجموع المشاركات: 2296

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
محمد الفيتوري في حديث مسهب عن الشعر والسياسة والمرحلة السودانية في حياته

    هو محمد مفتاح الفيتوري.. بحر من الشعر والمعرفة.. وعالم من الشهرة.. وسيرة في ذاكرة أجيال لم يخب بريقها.. وعلاقة شخصية امتدت بنا طوال سنوات.. أردت في آخر لقاء لي معه الابحار في عالمه المثير والمتجدد من أجل مزيد من الاكتشاف والكشف في شخصه وشعره..
    وكأني لا أعرفه: من أنت أقصد الصرخة الأولي شعراً؟

    لم تكن كما أطلقها أي شاعر.. كانت صرخة غير عادية في الشعر العربي.. حيث خرجت عن قوالب الغزل وتحولت من التغني بالحبيبة الي الصراخ في وجه الغزاة..

    افريقيا استيقظي..

    وصرخت أنا ترنحي..

    وحدي وأمي زنجية..

    كان هذا هو صوتي.. وعمرها حينها لم يتجاوز الثانية عشرة تقريباً.. انا ولدت في السودان وتربيت وتفتحت عيوني في مدينة الاسكندرية المصرية وفيها حفظت القرآن.



    جئت الي الخرطوم مشاركاً في تأبين الراحل المقيم الدكتور عبدالله الطيب.. وكتبت قصيدة كبيرة في الرجل الكبير.. أسميتها جوهرة السودان.. أسأل.. ما علاقتك بالراحل الدكتور عبدالله الطيب ومتي بدأت؟



    أخذ نفساً عميقاً وسرح بعيداً كأنه يستعيد ذكريات بعيدة واعتدل في جلسته وقال: علاقتي بهذا الرجل صاحب القامة الكبيرة كانت علاقة فكرية وكذلك اجتماعية.. وبسبب ظروف تغربي من السودان وبسبب اهتماماته الأكاديمية والعلمية البحتة كان التيار الوجداني بيننا محدوداً.



    هذا يذكرني بموقف آخر من الاخوة السودانيين الذين عبروا حياتي.. وعبرت انا كذلك حياتهم مثل المجاهد الشهيد بابكر كرار حيث كانت علاقتي به علاقة مختلفة وكذلك الشهيد عبدالخالق محجوب وهي علاقات كانت مختلفة عن تلك العلاقات.. لان الجانب الحركي فيها كان مسيطراً وليس الفكر المحض الذي كان يربط بيني وبين المفكر العظيم الراحل عبدالله الطيب.



    ولذلك عندما اردت أن اكتب قصيدة في ذكري وفاته شعرت بكثير من المعاناة والارهاق لانني كنت ابحث عن مدخل لشخصيته الفذة.. لا اقول كانت مغلقة بالنسبة لي.. ولكن كانت شخصية مستقلة ربما بالنسبة لي وبالنسبة لآخرين كثر.. هنا كانت الصعوبة.. كيف يمكنني أن ادخل الي هذا الانسان العميق الوجدان والعميق الفكر والذي أثر في الاجيال.. دون أن احس بضعف أمام شخصيته القوية ومن هنا يا صديقي كانت حيرتي في كتابة القصيدة.



    ولقد بدأت علاقتي بالدكتور عبدالله الطيب في بداية الستينات عندما عاد من انكلترا وتولي عمادة كلية الآداب.. في تلك المرحلـة توثقت علاقتي به من خلال الشاعر الخالد محمد المهدي المجذوب.. وكما تعلم انه ابن عمه.

    وذلك الماضي يظل عالقاً في ذهني ويطل بعمق علي شخصين في هذا الواقع السوداني.



    كنا نلتقي عندما يأتي الي المغرب بدعوة من الملك الراحل الحسن الثاني الذي كان يحبه كثيراً.. ويدعوه دائماً للمشاركة في ندوة تقام سنوياً بمناسبة شهر رمضان المعظم تسمي الدروس الحسينية.. وكان الدكتور عبدالله الطيب يشارك من ضمن عدد كبير من المفكرين والمثقفين العرب الافارقة والاسيويين.. وكان الدكتور يلقي محاضرته أمام الملك.. ولا زلت اذكر ان الملك الراحل الحسن الثاني كان يعطيه قدراً متميزاً من الاحترام والتقدير.. ليس فقط لانه سوداني.. ولكن لانه احد كبار الفقهاء الاسلاميين المستنيرين في هذا العصر.. وكان الملك الحسن يعرف قدراته الكبيرة وشخصيته المؤثرة وعظمته.



    ما الذي اسس لمرحلة البدايات عندك؟

    عندما كنت طفلاً وذلك في الاربعينيات كانت الاسكندرية مدينة البيروقراطية المصرية.. كنت اتحرك في شوارعها واكاد اكون انا الاسود وحدي الذي يستطيع أن يتحرك وسط قوم من اليسر والبهاء والجمال والبياض.. وفي تلك المرحلة المحببة الان في ذهني.. صرخ محمد الفيتوري الشاعر بعنفوان الانسان الافريقي وتمرده وسخطه علي ما كان ورغبته في ان يشكل هذا الواقع علي نحو افضل..



    هل كان لاحد من عائلتك فضل في ذلك الصراخ؟

    نحن من عائلة ميسورة ابواي مهاجران.. تنحدر في شراييني دماء كثيرة.. قبائل زنجية وعربية واخري شريفة ومختلفة.. ما الذي جعل هذا الشاب ينتبه الي هذه النقطة الحساسة في حياة الانسان المعاصر؟ هل هي حكمة جدتي العجوز التي اسرت واختطفت رغم انتمائها الي احدي اهم القبائل الافريقية ما بين الجنوب السوداني وغربه وتحديداً منطقة بحر الغزال هي قبيلة القرعان.



    وما هي حكاية هذه الجدة؟

    زهرة جدتي.. كانت ابنة شيخ القبيلة كما حدثتني.. وكان اهلها فرسان.. وكما حدثتني ايضا كانت صغيرة عمرها تسع سنوات وخرجت لتأتي بالماء من البئر مع قريناتها.. وفجاة وجدت شخصاً اسمته بالجلابي.. قالت لي: جاء أحد الجلابة ثم خطفني واردفني وراء ظهره ثم أهداني الي جدك.. قلت لها: من هو جدي؟؟!! قالت لي جدك السيد علي بن سعيد بن يعقوب الشريف.. كان تاجر رقيق وكان ذلك هو حديثها.. عندها شعرت وانا طفل صغير لا يعرف معني العبودية.. هذه الجدة مستعبدة.. هذا الجد تاجر رقيق.. وهذه السيدة هي التي بذرت هذه البذرة التي اقول انها سوداء.. وانما البذرة النارية في روحي.. البذرة التي اشعلتني..

    تجربتي لم تكتمل..



    ولماذا لم تؤرخ لهذه المسيرة؟

    انا ما زلت اتعلم وتجربتي الشعرية والحياتية لم تكتمل بعد ومن يكتبون سيرتهم الذاتية كأنما هم سيغادرون الحياة.



    اذن دعني اذهب معك الي البدايات ومن كانوا قد شحنوا ذاكرتك الشعرية.. حدثني عنهم؟

    قرأت لشاعر انتمي اليه روحياً وعاطفياً هو عنترة بن شداد.. قرأت سيرته.. كان اسود.. وأمه جارية.. كان جده شداد من شرفاء العرب وفرسانها.. لم يعترف ابوه ببنوته.. لكن فروسيته فرضت علي ابيه ان يعترف به.. واصبح عنترة رجل تاريخ ونضال.. وقد تاثرت به واتخذته نموذجاً في بداية حياتي.. آنذاك كنت ابحث ايضا عن العراء السود.. فقرأت الامام العبد وهو شاعر مصري. وكان اسود.. كما قرأت سجيم عبد بني الحماس وقراءات اخري متنوعة لشعراء المعلقات والعصور العباسية والاموية والموشحات وكل هذا التراث العميق والمؤثر.



    هل ذهبت بعيداً عن افريقيا شعراً..؟

    في عام 1955 طبعت ديواني الاول اغاني افريقيا وتواصلت كتاباتي ثم توقفت فترة وبعد تخرجي من كلية دار العلوم عملت بالصحافة المصرية كبريد الاخبار ومجلة آخر ساعة وجريدة الجمهورية وكان فيها رئيس الدار انور السادات وكان يتعاطف معي للوننا ربما لان امه ايضا كانت سودانية فانتدبني للذهاب الي السودان لحضور احتفالات عيد الاستقلال عام 1956م.



    مقاطعاً.. سنعود الي السودان.. ودعنا في الحديث الآن عن الشعر..؟

    انتهت مرحلة كتاباتي المتخصصة عن افريقيا بعد أن كتبت ديواني الثاني عاشق من افريقيا ثم الثالث اذكريني يا افريقيا واكملت مسرحية سولارا.. ووجدتني ابحث عن مصدر نبع جديد كي لا اعود ثانية الي نفس المياه فبدأت اهتم بالجانب الصوفي والجانب السياسي الثوري.. خاصة بعد انهيار حكومة ابراهيم عبود ومجئ الحكومة الوطنية في السودان والصدام الذي حدث بين رئيسها وبين الصادق المهدي ثم الذي حصل في حزب الامة فانضممت الي جناح الصادق وعندما اصبح رئيسا للوزراء اختلفنا حول بعض المواقف.



    بعد نصف قرن من الابداع الشعري كيف تقوم تجربتك الشعرية؟

    ثمة احداث كثيرة في حياتي وقعت لي مثلما تقع للآخرين.. فلقد بلغت الآن ما بلغت من العمر ولكن ليس كما يقولون عتياً.. ولكن بلغت مستوي غريباَ. وقاسياً من الحياة.. وأحمد الله علي أني لم ابتذل عمري في ما لا جدوي له.. ولم ابتذل كرامتي قط.. وعشت كما يجب ان يعيش الانسان في وطن عربي.. يعاني من المصاعب وقسوة الظروف في هذا العصر.



    ويمضي ما الذي اضافته هذه السنوات.. في عمري استطيع ان أقول اضافت ما لا يتوقعه الآخرون بالرغم من قسوتها: اضافت الاحساس العميق بضرورة ان ننتصر لهذه الامة.. وأن نتغلب علي هذه المآسي التي نعيشها بضرورة ان نقهر هذا التخلف الذي تعانيه شعوبنا.. نقهره بالتكاتف وبالتعاون وبالاخلاص في المواقف..



    اعطتني الحياة خلال هذه الفترة أجمل تجربة هي تجربة الايمان بالنفس.. فانت كلما كنت شريفاً في مواقفك.. كنت بعيداً عن مطامع شخصية وكنت بالتالي مستغرقاً في آلام أمتك متوحداً معها منصهراً فيها انت قوي وأنت قادر علي عبور هذه المرحلة بكثير من الشرف وكثير من الاعتزاز.



    اضافت لي هذه الحياة ايضاً الايمان العميق بان ما بذلته سوف لن يذهب هدراً.. وان ما قمت به سوف يتبدي لك في يوم من الايام ان كان خيراً بخير وان كان شراً فشر.. تلك هي الحياة.. كمضامين أو محتوي لما عشته أو عانيته.. واعتقد ان الحياة ما زالت امامي ممتدة بالرغم من ما اعترضها في الماضي من قسوة وبالرغم من ما تشكلت فيه من معطيات.

    انا أتحدث عن المضامين فقط..

    كشاعر اظن انني كتبت كثيرا مما مضي حول القضايا الاساسية في حياتنا الانسانية سواء قضايانا كافارقة أو قضايانا كعرب وكبشر ومازلت اعيش وسأظل اكتب بمشيئة الله.. وسأحاول ان اخوض تجارب أخري قد تفيدني اكثر وقد تضعني في المقام التاريخي الذي أحلم به.



    نود ان نقف علي المراحل التي مرت بها تجربتك الشعرية؟

    مراحل عديدة.. اصبح الجميع يعرفونها فلقد مضي علي هذه التجربة الشعرية قرابة الخمسين عاماً.. فأنا بدأتها وما زلت طالباً حتي الآن للعلم وللمعرفة وللعلاقات الانسانية.. طبعاً كانت التجربة الأولي وانا اتحدث عن تجربة التفاعل العميق مع ما ورثته وما احسسته في ذاتي من مشاعر واحاسيس افريقية حضرت لي من اجدادي القدامي في عروقي وأعصابي.. واستطرد.. مرت التجربة كما تعلم أنت ويعلم آخرون في بضعة اعمال أو مجموعات شعرية معروفة.. ثم كان لا بد لي من البحث عن تجربة أخري لكي لا تنضب المواد التي احاول التعبير عنها في حياتي..اتجهت الي التجربة الصوفية.. ولذلك كتبت دواوين شعرية حولها يعني المدد الصوفي كما يقولون أو الايقاعات العميقة في الروح الانسانية المتجاوبة مع هذا الأفق الروحاني أو الاشراقي.. كما تقول الصوفية.



    ومضي قائلا.. ايضاً مرت بي تجربة أخري وهي تجربة العواطف الانسانية.. ولقد كتبت فيها بضعة اعمال شعرية ايضاً.. ولا أنسي تجربة ذات خصوبة عميقة في حياتي.. وهي تجربتي مع مرحلة نهاية الستينات وبداية السبعينات.. حينما أصطدمت بذلك النظام الذي كان قائما آنذاك نظام السيد نميري (اطال الله عمره).. حينذاك وقعت تلك المذبحة التاريخية المرهقة والتي اعتبرها بداية الانحدار للفكر وللمواقف الانسانية في عالمنا العربي والافريقي حيث قضت تلك المرحلة علي أعمق وازهر واعظم شباب القارة الافريقية حينذاك.. عبد الخالق محجوب، فاروق حمد الله، بابكر النور والشفيع كانت ذات أثر عميق في حياتي.. هذه التجربة لا اقول ابكتني لان البكاء يصبح احيانا صغيراً أمام الحدث.. ولكنها دمغت البقية من عمري بالكآبة العميقة التي لا أعتقد أنها سوف تنتهي يوماً ما، والتي أري أنها كما قلت كانت البداية في هذه الاسقاطات الرهيبة التي احتوت اقطارنا.



    عملت في صحيفة حزب الامة هل لك علاقة بحزب الامة وما هي علاقتك بالسيد الصادق المهدي؟

    الصادق المهدي من اهم الشخصيات التي توثقت صلتي بها، لان علاقتنا نشأت بمجرد عودته من الخارج بعد انتهاء دراسته في اكسفورد وعندما عاد سكرتيراً لتحرير جريدة النيل زارني، باعتبار، ان الجريدة هي الناطق بلسان حزب الامة وتعارفنا وكنا نسهر مع بعض ونتحدث في اشياء كثيرة، وانشر له مقالته ضرورة الوحدة الوطنية في الصفحة الاولي في جريدة النيل، وتوثقت هذه الصلات توثيقاً عميقاً، وانشئ حزب الامة الجديد ، وعينني رئيس تحرير لصحيفة الامة لحزب الامة الجديد، طبعاً لم اكن عضواً بالمكتب السياسي كان به عثمان جاد الله الله يرحمه وعبدالله محمد احمد، وهما عضوان بالمكتب السياسي بينما كان دوري اخر، معي في جريدة النيل كتاب، وبقيت انا في جريدة الامة بالرغم من اني لم اكن عضواً في حرب الامة منذ بداية حياتي حتي هذه اللحظة.. دائماً كنت عضواً في حزب الشعر ولم اكن عضواً في حزب الامة.



    ضحك الأستاذ الفيتوري واسترسل قائلاً.. في هذه الفترة كبرت علاقتنا واستمرت حتي اصبح الصادق المهدي رئيساً لوزراء السودان في 65 ـ 1966 بعد محمد احمد المحجوب، وكنت قريباً منه طبعاُ قرابة صحافي بصديق له في رئاسة الدولة ، الذي اثار استغرابي ودهشتي عندما أصبح الصادق المهدي ـ وهو الان علي قيد الحياة ارجو له طول العمر ـ لا اري انه تناقض مع ما يقوله في جلساتنا الخاصة وغيرها.. وهو يتصارع مع عمه.. لا اقول تناقض ولكن لم يستطع تطبيق النظرية الجديدة التي آمن بها تجاه توعية الشعب السوداني وتحقيق الحريات ورفع مستوي الجماهير.. كل هذا طبعا لم يستطيع عندما اصبح رئيس وزراء ان يحقق منه شيئاً.. وكان يشكو من الفساد.. فعرفت ان بعض الوزراء فاسدين.. المهم انا اراقب كشاعر.. اين انت يا صادق؟.. اصبحت مثل الآخرين وحزنت من أجله لكن طبعاً لم استطع مواجهته.. فكتبت حينذاك قصيدتي المعروفة. الطويلة (سقوط دبشليم) وكنت انشرها اسبوعياً في جريدة الناس.. وقد أصبح الصادق المهدي محروساً.. وكان يجلس مثلي ومثلك.. في المقاهي وبين الناس.

    يا دبشليم.. يا ايها الملك الحكيم.. أخائف انت..

    ورد دبشليم.. معصباً تنام مهموماً وتصحو متعباً.. تلبس تاجاً من ذهب.. تلبس ثوباً من قصب..

    وحولك الحراس والحجاب بالالاف.. ثم تخاف !.

    وأيضا..

    اكتب عن عصرك..

    عصر العصب الميت

    عصر الضحك المقهور..

    عصرك يا مولاي..

    حيث ترابط الخيول في القمام..

    وتسكن الغربان في الحمائم..

    حيث يهب فجأة من ظلمة العصور..

    الديناصور..



    وسميت القصيدة الديناصور.. عندما قلت القصيدة لم يكلمني الصادق.. الا بالمحبة التي بيننا.. عندما طبعتها أهديته نسخة منها وكنت ببيروت.. ثم مرت السنوات وتغيرت السلطات.. وانتقل السيد الصادق المهدي من السلطة الي المعارضة.. والي الخارج ثم الي الداخل.. والتقينا في مصر منذ عامين تقريباً قبل ان يعود للسودان.. التقينا في مدينة ناصر.. وكان ـ فعلاً ـ في منتهي اللطف والروعة والصفاء والنقاء.. واقام لي حفل تكريم في بيته.. وكان هناك بعض الأدباء والكتاب والصحافيين والسياسيين.. وكان ان ذكرت الصادق المهدي قلت له: (هل تذكر قصيدة سقوط دبشليم؟) قال لي: نعم. قلت له: (تعرف انك انت دبشليم) قال: نعم.. ولكن احتراما لك ولدورك التاريخي لابد ان نعطيك حرية الادباء، وقال لي: (فعلا نحن كنا ديمقراطيين وانا كنت ديمقراطياً فلو لم اكن ديمقراطياً كنت أرسلت أليك اثنين من الانصار ليضربوك).. واضاف ان هذا الصادق المهدي انسان كبير احمل له كل تقدير واعزاز ومحبة..



    بأي شاعر تأثر الفيتوري؟

    تأثر مباشر بشاعر معين لا يوجد.. انا قرأت كل الشعر العربي.. ولو انه من الصعب ان يدعي انسان انه قرأ كل الشعر العربي.. لان هناك شعر الزنادقة لم يقرأ تماماً وشعر الخوارج لم يقرأ تماماً.. وشعراء ما قبل المعلقات.. ولكن قرأت ما أمكن كل الشعراء الذين وصلت الي المطابع اشعارهم.. قرأتها.. قرأت كل هؤلاء الشعراء الذين امكنني قراءتهم سواء كانوا متصوفة او زنادقة.. سواء كانوا كلاسيكيين أو شعراء الاندلس والشعراء الاوربيين وكثيرا من الشعراء الزنوج طبعاً.. بيبت دبوس.. وسنقور ربولدت وسيزار الشاعر الامريكي العظيم زنجي الاصل طبعاً..



    وزاد.. لا استطيع ان اقول تأثرت بشعر ولكن قرأته بامعان وبامتصاص.. يعني ـ كنت مثل النحلة آخذ من هذه الزهور لكني اسقيها.. رغم انني قلت يوماً انني تأثرت بعنترة.. عنترة شخصيته اثرت في حياتي.. والتشابه الحاصل.. الام التي كانت جارية.. واستعبدت.. الغربة.. عدم الاعتراف به.. كل هذه التشابهات التي احسست بها تجاه عنترة.. ولكن الشاعر العظيم الذي اؤمن بشعره العظيم هو ابو الطيب المتنبئ.. وانا أقرأه حتي الان بكثير من الاندهاش خاصة عندما يقول..

    ومكائد السفهاء وقعت بهم..

    والحر ممتحن باولاد الزنا..

    وعداوات الشعراء شر المغتنا..



    محمد الفيتوري.. كيف يكتب القصيدة.. بمعني كيف تسني له؟

    يمكن عندما كنت في بداياتي الشعرية.. أؤمن انا بالموهبة.. ـ مافي شك ـ واؤمن بالالهام.. واحتاج اليه.. كي اكتب.. واحياناً.. يأخذني غرور فيتخيل لي انه بامكاني أن انظم متي شئت.. أما ان اكتب شعراً متي شئت.. فهذا صعب الا اذا كانت هناك طاقة الهامية تنفتح علي روحي فاري الاشياء التي احلم بها واسجلها ايقاعاً وصورة.. حينذاك تكون القصيدة مقبولة..



    هل كتبت قصيدة ومزقتها؟

    كثيراً.. ولكن ارجع وأعيد صياغتها الي شيء آخر.. الان أنا اكتب قصيدة عن بغداد كتبتها عشرين مرة.. اكتب وأمزق.. أكتب وأمزق.. الي أن اصل الي شكل متقارب..



    قصيدة تمنيت ان تكون لك..؟

    تمنيت أن تكون لي كثير من القصائد التي تقرأها لابي الطيب المتنبئ.. وهو الوحيد الذي اشعر انه يتفوق علي شعراء العرب.. لغة وايماناً وثقة وحضوراً في التاريخ..



    لماذا عدت مرة أخري للقاهرة..؟

    انا مضطر ان أقول شيئاً لم اقله من قبل هو أنني في سنة 1964.. وكنت اعمل رئيسا لتحرير مجلة هنا امدرمان.. وكان تحت رئاستي جيل من الشباب المثقفين.. محمود محمد مدني.. ومحمد عبد الرؤوف عربي.. ومجموعة من الشباب كانوا زهرة الحياة وفجأة.. وكنت علي علاقة وثيقة مع الصحافي السوداني الأستاذ محمد مكي محمد صاحب جريدة الناس.. كان المرحوم محمد بين الحين والحين يدعمني مالياً لانني كنت فقيراً.. رغم انني كنت رئيس تحرير.. ذات يوم جاءني وقال لي.. اريدك ان تنشر هذا المقال.. قرأت المقال ووجدت عنوانه افريقيا قلت له.. ولماذا لا تنشره في صحيفتك؟!! قال لي أنت رئيس تحرير صحيفة هنا ام ردمان.. وهي تبيع اكثر من عشرين الفا.. بينما انا صحيفتي لا تبيع خمسة آلاف.. انشر هذا المقال لانه مهم.. قرأته فوجدته تمجيداً لافريقيا.. وان الشعوب الأفريقية يجب الا تنتمي للشرق او الغرب.. أفريقيا للافريقيين.. قرأته وجدت فيه متعة لي.. اعدت صياغته وسميته حياد افريقيا ونشرت المقال بتوقيع محمد عبد الرؤوف عربي الكاتب الصحافي الذي يعمل تحت رئاستي.. ونشر المقال.. بعد يومين جاءني استجواب من وزارة الأعلام.. ادارة الاستعلامات.. كان حينذاك مدير الاستعلامات هو المرحوم محمد عامر بشير ولم يكن يحبني حقيقة.. رحمه الله.. لا اعلم لسبب أو لاخر كنا نتعامل بكثير من الجفاف هو مدير الاستعلامات وانا أصدر مجلة الاذاعة التابعة له هو.. جاءني استجواب منه.. فذهبت قال لي.. لماذا نشرت هذا المقال؟.. قلت له: هذا المقال عنوانه حياد أفريقيا وليس به شيء.. قال لي: هذا المقال مسرب من السفارة الأمريكية قلت له انا ليست لي علاقة بالسفارة الأمريكية قال لي: هذا المقال يعني انك علي علاقة بالسفارة الأمريكية قلت له: هذا المقال اعطاني إياه محمد مكي وانا نشرته ومحمد مكي صديق وبين الحين والحين نتعاون.. قال لي: انت موقوف فوقفت بقسوة دونما سبب.. ثم فصلت.. ثم تسكعت في شوارع الخرطوم.. دونما عمل وانا اتمرغ في هذا الاحساس بالقهر والتخلف والجوع والضياع في مدينة الخرطوم.. وفجأة استقبلني المرحوم محمد مكي من جديد.. وقال تعال تغدي معي غداً.. هناك شخص يريد أن يراك.. وذهبت له في بيته في بحري وفجأة جاء مدير الاستعلامات في السفارة الأمريكية وكان اسمه مستر ميشيل.. عرفني به محمد مكي.. وعرض علي العمل في السفارة الامركية كرئيس لتحرير النسخة العربية لمجلة الصداقة التي تصدر عن سفارة امريكا.. وهناك نسخة تصدر في مصر برئاسة محمد زكي عبد القادر.. تعجبت.. ولكني كنت بائساً.. كنت في حاجة الي عمل.. ووافقت مبدئياً.. قال لي سوف تأخذ في الشهر ثلاثمئة جنيه.. وسوف تكون مقرباً وسوف تكون عضواً في organization ولم اكن اعرف organization فاستفسرت وعرفت انها تعني منظمة.. قلت له موافق.. قال لي غداً تأتي السفارة الامريكية لتأخذ العقد وتبدأ العمل..



    ومضي الفيتوري قائلاً: ظللت طوال الليل وانا افكر في عرض السفارة..فاستشرت زوجتي فقالت لي.. يستحسن ان تتأني. قلت لها انا شاعر افريقيا.. قالت لي: لهذا ارادوا ان يستغلوك لكي تخون أو تنحرف.. فذهبت الي السفارة الامريكية والتقيت بالمستشار ميشيل وكان محمد مكي موجوداً.. وكان اخونا كمال عبد الماجد موجودا.. وكان هو المترجم.. واتوا بالعقد فوقعته كرئيس تحرير بجريدة الصداقة.. التي تصدر في الخرطوم.. وبعد أن وقعت العقد قلت لميشيل.. انا ارهقت خلال الفترة السابقة.. فارجو السماح لي بالسفر الي القاهرة.. فقال تسافر الي القاهرة وعندنا تذاكر لك.. وهذه مئتان جنيه وعندما تحتاج في القاهرة خذ هذه الرسالة واعطها للمستشار الصحافي للسفارة الامريكية.. اخذت الرسالة واخذت المئتي جنيه وسافرت الي القاهرة.. رغم انني كنت ممنوعاً من الدخول الي القاهرة..



    مقاطعاً: هم من أخذوا لك السماح بالدخول الي القاهرة؟

    في مطار القاهرة.. قالوا لي لانك كنت تهاجم عبد الناصر ـ فعلاً في فترة صدام عبد الناصر مع القوي الديمقراطية.. ضرب الأخوان المسلمين وضرب حزب الوفد.. هاجمت انا وصلاح عبد الصبور المرحوم جمال عبد الناصر... كتبت قصيدة سميتها مات غداً وصلاح عبد الصبور كتب قصيدة سماها هجم التتار كنا ضد عبد الناصر..فوجدت نفسي ممنوعاً من الدخول الي القاهرة.. فقيل لي ترجع ثاني الي السودان.. احترت.. ولكن وجدت صديقنا الكاتب السوداني عبدالله عبيد واقفاً في المطار وقد شاور لي.. جاء وسألني من وراء الزجاج.. قلت له: انا ممنوع من الدخول قال لي اتصل بالسيد محمد فائق كان مديراً لادارة الشؤون الأفريقية بمكتب الرئيس عبد الناصر.. المهم جاءني بعد قليل بالسماح لي بالدخول.. فعلاً دخلت القاهرة وبقيت مع عبدالله عبيد فترة من الوقت وقلت له أريد أن اذهب الي السيد محمد في مكتبه واعطيه هذه الرسالة وفعلاً ذهب معي..وجدنا في مكتب محمد فائق حسن شاش مساعده.. فقلت له: انا معروض علي أن أكون رئيساً لتحرير مجلة الصداقة بمبلغ كبير جداً.. ولكن انا أخشي.. فواضح انه فيها شراء لشخصيتي.. واسمي وانحراف لموقفي وضميري فلا اريد العودة الي السودان مرة اخري.. فرحب بي واعطيتهم عقد الاتفاق ما بيني وبين السفارة والرسالة المكتوبة للمستشار الصحافي الأمريكي في القاهرة ليقوم بمساعدتي وخرجت.. بعدها اتصل محمد فائق بالاستاذ محمد حسنين هيكل والدكتور محمد المعتصم سيد رئيس اذاعة ركن السودان.. وبقيت في القاهرة..



    ماذا كان عقب ذلك؟

    الذي فاجأني بعد شهر ان يأتي شخص من السودان ويستقبلني في القاهرة ويقول لي.. ان المستشار الصحافي الامريكي رئيس دائرة الاستعلامات يسلم عليك ويقول لك وصلتنا الرسائل التي اعطيتها لمكتب الرئيس عبد الناصر.. ونحن نعرف ان الشعراء مجانين.. فلا تخف.. ونشكرك علي موقفك.



    ماذا حدث لمحمد عربي الذي كتب باسمه هذا المقال؟

    محمد عربي كان مسكيناً وانا اعرف انه بريء.. ولم يفصل.. وزاد ان هذه القصة اول مرة اذكرها وهي توضح ان مكتب عبد الناصر كان مكشوفاً للامريكان.. توضح الاختراق في 1967.. وبعد ما حاولوا شرائي.. يعني لو قبلت.. قال لي ايضا محمد مكي حتكون عضو وبعيدن حايختبروك زي الصحافيين الحايرسلوهم للمكاتب والمطابع.



    ما هو تأثير هذه المواقف الصعبة عليك وانت في المنافي؟

    انا اعتقد انها تضاف الي رصيدي في المعرفة والي تجاربي.. ولم تدمرني ولكن اغنتني ولم تصغرني واثرتني ولم تنحرف بي وجعلتني اصمد اكثر واعرف ان الحياة مليئة بالمشاكل.



    ما هي قصة اغنية ام كلثوم التي لم تر النور؟

    طلبت مني ام كلثوم قصيدة.. ودعتني الي منزلها وذهبت مع صديقي الراحل الناقد الكبير كمال الملاخ حيث كان يعمل في صحيفة الأهرام.. وكان معنا كذلك منصور الرحباني.. وطلبت مني ان أقرأ القصيدة وهي عن سيناء.. وكانت لها ملاحظات.. وانا خارج من المنزل قالت لي الراحلة ام كلثوم يا محمد تشخلع لي القصيدة شوية.. ولم استطع ان البي طلبها لان القصيدة لا تحتمل.. وغني لي عدد من المطربين السودانيين.. منهم الكابلي وسيد خليفة ومحمد وردي وآخرون.

    كمال حسن بخيت
    القدس العربي
                  

10-29-2004, 08:58 AM

Esameldin Abdelrahman

تاريخ التسجيل: 02-17-2004
مجموع المشاركات: 2296

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد الفيتوري في حديث مسهب عن الشعر والسياسة والمرحلة السودانية في حيات (Re: Esameldin Abdelrahman)

    .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de