لماذا تصر الحكومات التى تعاقبت على حكم السودان على أستمرار الحرب فيه مع سبق الاصرار و الترصد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 07:32 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-29-2004, 10:20 AM

ابوطالب تيلك تيو-كاتب زائر


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
لماذا تصر الحكومات التى تعاقبت على حكم السودان على أستمرار الحرب فيه مع سبق الاصرار و الترصد

    ابوطالب تيلك تيو

    مقدمة:

    اذكر انى فى العام 1986م قد كتبت موضوعا عن الدوافع الاستراتيجية لاستمرار الحرب فى جنوب السودان. و قد زكرت فيه ان اصرار الحكومات المتعاقبة على الحكم فىالسودان على استمرار الحرب فى الجنوب الهدف منه استراتيجى، و هو تقليل العنصر الافريقى الزنجى و العربى الزنجى غير النيلى فى السودان عن طريق الموت فى تلك الحرب، و استدلت على ذلك بأن أكثر من 99% من المقاتلين فى الجنوب، أن كان من قوات الحكومة او المتمردين يشكلون العنصرين المزكورين اعلاه. و قد ارسل الموضوع لجريدة السياسة الدولية لينشر للنقاش فى فترة الديمقراطية الثالثة، و لكن لم ينشر الموضوع بكل اسف.

    و الان اطرح نفس الموضوع بعد ان تأكد لى تماما ان ما كان يدور فى ذهنى فى ذلك الوقت هو حقيقة و ليس خيالا. و للخوض فى ذلك الموضوع مرة اخرى اضع الفروض الاتية:

    أ-ان العنصر العربى الافريقى النيلى السودانى يريد ابادة العناصر الزنجية الافريقية السودانية.
    بطريقتين هما:

    1-عن طريق الحرب و الاقتتال و التشريد.

    2-أو عن طريق الأنصهار الاحادى و المسخ الثقافى.

    ب-ان ذلك يتم بتاييد من الدول العربية و الاسلامية.

    1-ان دول الخليج مصلحتها فى السودان اقتصادية و هى بذلك تخشى استقرار السودان و من ثم فقدها للعمالة السودانية الرخيصة و لكن ذو الكفاءة العالية و التى تساهم فى بناء و نماء و تطور تلك الدول على حساب السودان.

    2-ان مصر لا ترغب فى ان يستقر السودان دون ضمانات كافية لان استقرار السودان تأريخيا كان مهددا لامنها القومى. و هى بذلك تريد ضمانات كافية لامنها خاصة المائى.



    و سوف اتناول هذه الفروض بالتحليل فى هذا المقال و من ثم نترك الموضوع للنقاش مرة اخرى.

    أولا: ان العنصر العربى النيلى فى السودان يريد ابادة العناصر الزنجية الافريقية فيه:

    1-أن الدليل على ان العنصر العربى الافريقى فى السودان يريد ابادة النعصر الافريقى الزنجى هو الاصرار الشديد على استمرار الحرب فى السودان على يد الحكومات التى تعاقبت على حكم السودان بعد الاستقلال بدون استثناء ، كما ان مسرح هذه الحرب دائما هى الاماكن التى تتركز فيها العناصر الافريقية السودانية الاصلية، الجنوب و جبال النوبة و النيل الازرق و مناطق البجا و حاليا فى مناطق الزغاوة و الفور و المساليت فى دارفور. بل و قد استخدمت تلك الحكومات و مازالت تستخدم سياسة الارض المحروقة و ذلك عن طريق الابادة الجماعية للمواطنين العزل بدلا من تركيزهم على محاربة الذين يحملون السلاح ضدها.

    وانها اى الحكومة تمارس سياسة التخلص من العنصر الافريقى الزنجى بطريقتين، اما بمحاولة هزيمته على الارض، و ذلك باخضاعه بالقوة و من ثم استلابه، او تفريقه على الارض تفريق سبأ، حتى يكون ضعيفا غير قادر على الدفاع عن نفسه و من ثم اغتصاب نسائه هدف تغيير النسل والاستيلاء على اراضيه و الاستعاضة عنهم بعناصر عربية زنجية من خارج السودان لتعمير تلك الارض.

    و يبدو من وجهت نظرى ان الحكومات المتعاقبة على السودان من الشمال النيلى حتى الان تصر على استمرارية الحرب فى السودان و ترسل لهذه الحرب ابناء الهامش وقودا لها و ذلك للاقتتال فيما بينهم، ربما بخطة أستراتيجية من بعض الدول العربية و الاسلامية، لاضعاف العناصر الزنجية الافريقية و اهل الهامش من العناصر العربية الزنجية. لذا لزمت تلك الدول الصمت الرهيب تجاه تلك المجاز التى كانت و مازالت تحدث تحت سمعها و بصرها. و لا تفتح فمها ببنت شفة الا ان شعرت بأن هنالك بارقة امل لحل القضية تلوح فى الافق، مشككة فى ذلك الحل.

    فقد حدث ان فتحت تلك الدول افواهها فى العام 1972 عندما تحرك الجنرال النميرى تحركا شجاعا لانهاء الصراع فى الجنوب و تم تتويج ذلك بأتفاقية اديس ابابا. و قد حقنت تلك الاتفاقية دماء السودانيين لعشر سنوات. و عندما بدأت الاتفاقية تأتى اكلها انقضى عليها النميرى مهندسها بدون ما سبب مقنع و قضى عليها تماما، و لكن ربما كانت فعلته تلك بأيحاء من تلك الدول الرافضة للاتفاقية، لتبدأ الحرب من جديد بصورة اكثر ضراوة عما كانت عليه من قبل ، مما ادى الى ان يفقد السودانيون فى تلك الحرب اكثر من اثنين مليون و نصف شخصا فى عشرين عاما، كان اكثر من 98% منهم من الجنوب و العناصرالزنجية الافريقية غير الجنوبية و العربية الزنجية غير الشمالية ، حيث ان العناصر العربية الزنجية النيلية لم يتعدى عدد الذين ماتوا فى تلك الحرب نسبة ال 2% على اسوأ الفروض.

    و معظم الذين مات منهم حدث لهم ذلك عندما تهورت الجبهة و هى فى عنفوان شبابها و ارسلت ارتالا من الطلاب من الجامعات و الثانويات و الموظفين و الوزراء و اساتذة الجامعات للقتال فى الجنوب فى حرب قيل انها جهادية، لأول مرة فى تأريخ السودان ظانة بأن تلك الحرب يمكن ان تحسم عسكريا حسب زعمهم، حتى تكون لهم الريادة و اليد الطولى فيها. و لكن كانت النتائج سيئة للدرجة التى اخرجت الكثير منهم من اطوارهم بعد ان زاقوا مرارات الحرب لاول مرة. حيث قضى خيرة الشباب نهبه فى تلك الحرب اللعينة المفروضة فرضا من خارج الحدود.

    ان حكومة الجبهة بذلك تكون قد أرتكبت خطأ بحق الوطن بأرسالها الطلاب و الاساتذة للحرب فى الجنوب. و هذه الحكومة لم تحسب للمستقبل القريب و البعيد اى حساب، فالشباب الذى مات فى الجنوب سيجد السودان نفسه يوما من ايام مستقبله القادمات انه كان يحتاج اليهم عندما يشعر بالفراغ الذى هو اتى لامحالة من جراء هذه السياسات الهوجاء.

    لقد استهانت حكومة الجبهة بالحرب فى الجنوب و تعاملت معها تعاملا بدائيا، و لكنها بعد ان اصطدمت بالواقع فى معترك الوغى تبين لها ان تلك الحرب ليست بالهينة، و ان هى استمرت فى ذلك النهج لوجدت نفسها قد قضت على كل شبابها و قبروا فى مقابر الجنوب.

    ففى تلك الحرب، فقد الطيب مصطفى الانفصالى الشمالى الجديد خيرة ابنائه، و قد كان لذلك اثر سىء فى نفسه. فقد جعلت تلك الفجيعة من الرجل حاقدا اعمى لا تهمه من بعد و حدة السودان من عدمة، فأصبح الرجل يتصرف الكثور فى مستودع الخزف. و لانهم كانوا لا يعرفون مدى مرارة الحرب و عواقبها، كانوا يصبون فيها الزيت صبا، الى ان فاجأتهم تلك الحرب و اختطفت منهم خيرة ابنائهم دونما ذنب جنوه، الا ثمنا للعمالة و الارتزاق للاجنبى. و لكنهم يجب ان يعلموا ان تلك الحرب قد مات فيها ايضا اكثر من اثنين مليون ونصف من الجنوبيين و العناصر العربية الزنجية الغير شمالية. فوفاة ابن الطيب و بعض الكبار كان يجب ان يكون درسا مجانيا عن مدى صعوبة هذه الحرب و من ثم السعى لحلها.

    و لكن الجبهة، و مع اصرارها على بيع السودان للاجنبى كسابقاتها من الحكومات لم ترعوى، بل قامت و بسرعة جدا بعد ان استدركت الموقف و خطورته على شبابها فى المستقبل، بالتجنيد الاجبارى، و الذى كانت فيه و مازالت تقوم باصطياد ابناء العنصر الافريقى الزنجى فى السودان مع استبعاد النعصر العربى الزنجى و بخاصة النيلى، و الزج بهم فى اتون الحرب فى الجنوب و جبال النوبة و الانقسنا لقتال بنى جلدتهم، مستعيدين فى ذلك استراتيجيتهم، و هى قتل العبد بالعبد. فلولا براعتهم فى استخدام هذه السياسة مع غفلة الجانب الاخر لما قويوا فى الصمود أمام التمرد لحظة واحدة. و الان نفس السياسة تطبق فى دارفور، و لكن دون ان يعيها انسنها الزنجى الافريقى او العربى الزنجى الغير نيلى.

    2-لقد ارادت الحكومات السودانية الشمالية النيلية المسيطرة على الحكم فى السودان منذ الاستقلال و حتى الان، ابادة العنصر الافريقى الزنجى السودانى و ازالته من الوجود تماما لصالح العناصر العربية الزنجية فى الشمال النيلى و الاسعاضة عنهم عن طريق صهرهم او بعناصر من العنصر الافريقى العربى الغير سودانى و عناصر افريقية زنجية غير سودانية ليسهل التحكم فيها و السيطرة عليها و باملاء ما يريدون بالابتذاذ كما يحدث الان، و خاصة بأستخدام الجنسية و التجنيس، بعد ان اصبح ينفلت العنصر الافريقى الزنجى السودانى من يدها. و قد تم استخدام هؤلاء فى اجهزة الامن، بعد ان تم تجنيدهم فيه، فأرتكبوا ابشع الجرائم فى حق العنصر الافريقى الزنجى السودانى، و ساموهم من العذاب ما لا عين رأت و لا اذن سمعت، و ذلك لارضاء الاسياد العرب الزنوج السمر النيليين.

    أن هذا التصرف من العرب الزنوج السودانيون النيليون هو الاصابة بعقدة الاندلس. فللاندلس هذه عقدة فى انفسهم لن تنفك. فقد بكى شاعرهم على اطلالها عندما زارها. و لكن، ليتهم درسوا جيدا الاسباب التى جعلت اسلافهم يفقدون الاندلس ليستفيدوا منها. و لكن القوم يكررون تجربة اجدادهم المريرة فى الاندلس فى السودان كما كرروها بالامس القريب فى شرق افريقيا و وسطه و جنوب الوسط، كأنهم لا يقرأون التأريخ و يستقون منه الدروس و العبر.

    فبعد انهيار المملكة العربية فى الاندلس بعد ان دامت ثمانية قرون بالتمام و الكمال، كانت هنالك مجموعتين من العرب. المجموعة الاولى هى المجموعة التى لم تختلط دمائها بالعناصر الزنجية عن طريق التسرى بالنساء الزنجيات. فتلك المجموعة قد اثرت الرجوع الى الجزيرة العربية حيث تواصل الاهل و الاقارب.

    أما المجموعة الثانية، و هى المجموعة التى نحن بصدد الحديث عنها فقداختلطت دمائها بالدماء الزنجية الافريقية، فقد سميتها مجازا، بالعنصر العربى الزنجى و الذى نتج عن تسرى العرب القدامى بالافريقيات عندما غزوا افريقيا و شمال السودان و شرقه، على غرار العنصر الامريكى الزنجى الذى نتج عن اغتصاب العنصر الابيض الاوربى للافريقيات الزنجيات.

    فالتسميتن قياسيتين. الاولى هجين تم انتاجهم من أمهات زنجيات افريقيات واباء بيض عرب، و الثانية هجين ايضا تم توليدهم من اباء بيض اوربيين و امهات زنجيات افريقيات ايضا. و هما الاثنين معا مواليد، ميولاتو، كما فى الكلمة الانجليزية و التى يتعزر ترجمتها للعربية بدقة الا بأستخدام كلمة هجين.

    و القاسم المشترك بين المجموعتين هى الام الزنجية الافريقية التى تعرضت للاضطهاد و الابتذاذ الجنسى من قبل العنصر الابيض العربى و الاروبى و انتجت هذا الهجين المتناقض فى سلوكه و توجهاته دونما ارادته، كما يفعل الجنجويد الان فى دارفور معيدين للزاكرة نفس الاسلوب الذى اتبعه اجدادهم الاوائل فى انتاجهم فى السابق.

    و هؤلاء يعيشون عقد نفسية تعيسة لا محالة، خاصة عندما تنكشف لهم الحقائق عندما يخرجون من السودان للعالم الخارجى كما فى حالة المدعو فيصل طه و التى سنتناولها لاحقا. فهؤلاء الزنوج العرب مازالون يعيشون فخرا بأنساب وهمية و دماؤهم كلها ملطخة بالدماء الزنجية ان كانوا يعتقدونها سبة او عار، فهى علامة فى اجسادهم و دماء تجرى فى عروقهم لا يستطيعون الفكاك منها.

    الام اذا الافتخار بالنسب؟ و ان كان لا بد من ذلك؟ فلماذا الافتخار بجزء دون الاخر الذى تم الغائه تماما. فقد كنا ننتظر ان يحدثونا الى اى الاجناس الافريقية ينتمون؟ و ليتهم كانوا شجعانا و ذكروا لنا الى اى القبائل الافريقية السودانية او غير السودانية تجرى دمائهم فى عروقهم؟. و نحمد للسيد الصادق الصديق المهدى شجاعته عندما اعلن فى واشنطون دى سى عند زيارته الاخيرة رد اصوله الافريقية الى اصول دارفورية دينكاوية. و حسنا فعل، فقد فتح الباب على مصرعيه حتى لا يستحى الباقون.

    فالعرب الزنوج فى شرق افريقيا و وسطها و جنوب وسطها و فى غربها و فى السودان اقرب الى الزنوج الامريكيين من حيث تقاطيع الوجه و لون البشرة. اما بالنسبة للسودانيين العرب الزنوج فى امريكا فقد انخرطوا كثيرا فى مجتمعات الزنوج الامريكان مما جعل كثيرا من الزنوج الامريكان يعتقدون بأنهم منهم او انهم من الجزر الكاريبية.

    لذا احتك العرب الزنوج السودانييين معهم بكل سهولة و بدون حرج و تزوجوا منهم و صاحبوا بناتهم، بل و تبنوهم مثل الشيخ حسون السودانى الذى تبنى الناشط الاسلامى الامريكى الاسود مالكم اكس و ساهم فى ان يحوله من اسلامى على شاكلة اسلام امة الاسلام الامريكية الى الاسلام الارثوزسكى(اى السنى). و لكن الزنوج الامريكان يفاجأون عندما يزكر لهم العرب الزنوج السودانيون بأنهم عرب. و لكن بأمتعاط شديد يردون لهم بأن العرب بيض و انتم سود( و الاسود عندهم كل من تجرى فى عروقه دماء زنجية)، فكيف اذن تكونوا عرب؟ ففى الغرب عموما و امريكا على وجه الخصوص لا يمكن للسودانى ان يدعى بأنه عربى و يثبت ذلك فى وثائقه الرسمية مهما كانت درجة نقاء دمه، فهو فى كل الاحوال زنجى افريقى اسود.

    أما فى الجانب الاخر فنجد ان الزنجى الافريقى السودانى مميز و يحدد بأنه افريقى زنجى اسود من اول وهلة كما وانه يجد صعوبة فى التعامل مع الزنوج الامريكان و تجده اقرب فى تعامله الى البيض الامريكان منه الى الزنوج الامريكان. الا ان الحرب الاخيرة فى دارفور فى غرب السودان قد جعلت كثيرا من الزنوج الامريكان يستوعبون الوضع فى السودان الى حد ما، مما جعلهم يتعاملون مع ملف دارفور بكل جدية.

    فهذا العنصر العربى المختلطة دمائه بدماء الافريقيين الزنوج قد اتجه جنوبا الى افريقيا الى ارض الخال، حيث استطاع السيطرة على الجزء الشمالى من افريقيا تماما بعد الاختلاط باللبيين و البربر، و اتجهت مجموعة الى جنوب الصحراء الى مالى و النيجر و تشاد و افريقيا الوسطى كما اتجهت مجمعة الى غرب السودان و اخرى الى وسط السودان عندما سمعت بدولة سنار الاسلامية، ممتهنة مهنة الرعى. فقد احتفظ جزء منه برعى الابل وهى التى كانت تكثر فى الجزيرة العربية، بينما امتهن الجزء الاخر رعى الابقار و هى التى تكثر فى السودان فى السفنا الغنية عموما فى افريقيا.

    فالذين سيطروا على شمال افريقيا، استطاعوا الى حد ما الاستفادة من تجاربهم فى الاندلس، و قاموا بمصاهرة العناصر الليبية و البربرية التى كانت توجد فى تلك المناطق، و على قلتهم، تم السيطرة عليهم و استلابهم تماما عن طريق المصاهرة. الا ان هنالك دولتين فى شمال افريقيا لم تقما بأكمال برنامجها و هما مروتانيا فى شقها الجنوبى حيث عجزت عن استيعاب العنصر الزنجى فيها، و المغرب فى شقها الغربى حيث عجزت عن استيعاب العنصر البربرى فيها. أما الجزائر، فقد أستطاعت مصاهرة العنصر البربرى الامازيقى الذى كان متواجدا فى المنطقة و لكنها فشلت فى الغاء اللغة الامازيقية، و التى اصبحت الان مهددا للوحدة الجزائرية، ما لم يتم معالجة ذلك الامر بنوع من الحكمة و الروية.

    أما فى السودان، فلم يستفد العنصر العربى الزنجى المنتج فيه و المهاجر اليه من دروس الاندلس، فتقوقع على نفسه و لم يختلط بالعنصر الافريقى الزنجى المقيم الا فى اتجاه واحد و ذلك عن طريق سبى النساء و جعلهن ازواجا للمتعة و استعباد الرجال و بيعهم فى سوق النخاسة، و فى كثير من الحالات كان يغتنم الواحد منهم اكثر من امة، و كانت تلك الامات تلد لهم اطفالا يتم عتقهم و تحريرهم،و هم الان الذين يتفاحرون عندنا بالانساب!!!!! !!!! لذا لم يستطع العنصر العربى الزنجى فى السودان من التأثير الايجابى على العنصر الزنجى الافريقى الموجود الا فى غرب السودان لحد ما لتواجدهم المكثف، و قد ادى ذلك الى نشر الاسلام هنالك تماما. و لكن فى الجنوب و جبال النوبة، فقد كان التأثير ضعيفا للغاية، لكثرة النعصر الزنجى الافريقى و تحصنه ببعض الموانع الطبيعية.

    و لكن بعد الاستقلال، عندما قام المستعمر بتوريث العنصر العربى الزنجى النيلى مقاليد الحكم فى السودان على حساب العنصر الافريقى الزنجى ، لم يستفد العنصر العربى الزنجى من تلك الفرصة الذهبية بأتبع سياسة اللين و الاستملاء لتحقيق اهدفه الاستراتيجية التى كان يصبوا اليها. و ان هو قام بذلك فى تلك الفترة بالتحديد، خاصة و ان الظروف كانت مواتية ان اخذنا الموردة فى امدرمان كمثال، لتحول السودان تلقائيا خلال الخمسين عاما الماضية، و ربما تحول الى دولة عربية اسلامية بالفعل مائة فى المائة.

    و لكن ارادة الله قد اعمت بصيرتهم، ربما لسوء النوايا التى كانت تختلج فى انفسهم، لذا لم يستطعوا حتى هذه اللحظة هضم ذلك، و هذه مصيبة. و قد ركنوا الى سياسة اخرى و هى سياسة الابادة العرقية و لكن كانت الامكانيات المطلوبة لتنفيذها أكبر منهم.

    و خلال هذه الحقبة، نضج العنصر الافريقى الزنجى علميا و فكريا و اصبح من الصعب السيطرة عليه كما كان الحال قبل خمسين عاما، و كلما تقدم الوقت دون ان تحرز مشكلة السودان نتيجة ايجابية، كلما ظهرت اجيالا اكثر صرامة و أقل تساهلا. و عليه اصبح من الصعب، ان لم يكن من المستحيل اذابة و استلاب العنصر الزنجى الافريقى مرة أخرى.

    لذا نتوقع، ان تم استقرار السودان، ان يتحول السودان الى اندلس اخرى فى افريقيا. و لكن هذه المره عن طريق تداول السلطة سلميا لان غلبة العنصر الزنجى فى السودان تؤهله على حكم السودان فى المستقبل ان استقرت اوضاعه و مورست فيه الديمقراطية بشفافية، و بالتالى، سوف لن يرضى العنصر العربى الزنجى بأن يحكمه عنصر غير عربى زنجى نيلى بالتحديد، و ربما هاجر هذا العنصر و ترك السودان نهائيا طواعيطة، خاصة ان كان الحاكم زنجى افريقى غير مسلم.

    هذا اذا لم يقم العنصر العربى الزنجى بأثارة الغلاغل. و لكن هذه المرة، سينقلب الدور و ستكون الخسائر كبيرة وسطه لانه لم يخبر مثل هذه التجربة من قبل، كما انه لا يستطيع تطبيق سياسات فرق تسد التى كانت تحدث فى السابق و كان الهدف منها ابادة العنصر الزنجى الافريقى من الوجود فى السودان.

    و لكن أن أبادة اى عنصر بشرى من الوجود هو شأن الهى لا يد للبشر فيه. فكل من يحاول ابادة عنصر بشرى من الوجود يكون كالذى يريد ان يلغى الحكمة التى من اجلها خلق الله البشر بمختلف الالسنة و القبائل و الشعوب. ان الله وحده هو الذى يحق له ان يبيد من يشاء من عباده. فقد خلقنا الله من ذكر و انثى و جعلنا شعوبا و قبائل لنتعارف و ان خيرنا عنده هو اتقانا.

    و لكن الله بقدرته وحده، قد قام بابادة شعوب و امم كانت قد عصته فأمحاحها من الوجود تماما. و هذه قدرة خاصة به فقط، و بقدرته، قد ازال ارم ذات العماد و ثمود الذين جابوا الصغر فى الواد و فرعون ذى الاوتاد. كما اباد قوم لوط. وقد انتقى لنوح قوم و اباد اخر بما فيه ابنه الذى لم يعصمه جبل من عذاب ربه.

    اذا فأبادة اى عنصر بشرى من الوجود هى خاصية ربانية تماما، فقد يعذب بها من عباده من يعصى اوامره. و لنا فى القران امثلة كثيرة. و كل هذه امثلة لقدرة الاله وحده لازالة اى عنصر بشرى من الوجود ان اراد هو. و لكن البشر، كل البشر، ليست لهم هذه القدرة، الا و يكونوا قد شاركوا الاله فى افعاله التى تخصه وحده، والوقوف ضد رغبته فى ايجادهم و العياذ بالله.

    فتجارب الانسانية القديمه منها و الحديثة تثبت لنا ذلك. و هى كافية للاستدلال بها بأن اى عنصر بشرى و نظامه، مهما بلغ من القوة شانا، لا يستطيع ان يمحى اى عنصر بشرى اخر من الوجود. فالعنصر الابيض العربى عندما قام بالزحف الى افريقيا فى فتوحاته الاسلامية الاولى، اول ما حاول هو استعباد كل القارة و استن فى ذلك سنة غير حميدة، تبعه فى ذلك العنصر الابيض الاوربى بمساعدة المنبتين من الزنوج العرب عندما قام بالزحف الى افريقيا وعاث فيها فسادا.

    و عندما اكتشف الرجل الابيض الدنيا الجديدة و استراليا، زحف اليها زرافات و وحدانا. و لكنه قد وجد مقاومة عنيفة من اصحاب الارض، مما اضطره الى تبنى سياسة الارض المحروقة. و لكن بالرغم مما كان يمتلكه ذلك الانسان الابيض من اسلحة نارية متقدمة لم يستطع ان يقضى على العنصر الهندى الاحمر فى امريكا الشمالية أو السكان الاصليين السود فى استراليا. لم يستطع الغزاة افناء تلك الشعوب التى اوجدها الله بأرادته فى هذا الكون يبقوا.

    و اخيرا بعد ان كانت قلوب الغزاة غلف، و بصائرهم عمياء، فتح الله من بصيرة احفادهم ، و استدركوا اخطاء اسلافهم و اصبحوا الان فقط يؤمنون بأن ما قام به اسلافهم من قبل قد كان ضد نواميس الكون. فهم الان يقومون بأعادة تأهيل نفس تلك العناصر التى حاولوا ابادتها من الوجود من قبل و ذلك بأرادة الله الذى لا راد لارادته. فأمريكا الان تنفذ برنامجا الهدف منه زيادة عدد الهنود الحمر الذين حاول اسلافهم ابادتهم من قبل من الوجود. و قد وجد ان اعداد الهنود الحمر فى امريكا فى ازدياد مضطرد، و نفس الشى ينطبق على الحكومة الاسترالية التى كانت من قبل تكافأ من يقتل احد من السكان الاصليين بالمال.

    ففى اروبا قام النازى هتلر بكل ما يملك من قوة و سلطان فى وضع برانامج قاسى و لا اخلاقى كان الهدف منه ابادة اليهود من الوجود. و لكن اليهود الان اصبحوا اقوى عما كانوا عليه من قبل. و هم الان يسيطرون على العالم اقتصاديا و سياسيا و عسكريا. و فلسطين تحت المحرقة الان، و هنالك برنامج يستهدفهم، و لكن مع ذلك فالفلسطينيون يقاومون، و هم فى أزدياد مستمر من حيث الخصوبة و المواليد اكثر من خصومهم بالرغم مما يتعرضون له من تقتيل و تشريد، و كلها بأرادة الله لكيى يبقوا.

    فى جنوب افريقيا، حاولت الاقلية البيضاء القضاء على العناصر الافريقية التى تفوقهم اضعافا و اضعافا، و بالتأكيد لم يستطيعوا ان يفعلوا ذلك. و فى رواندا، الهوتو و التتسى، التى مازالت تجاربها القاسية امامنا.


    و لا ننسى ما تعرضت له و مازالت تتعرض له الشعوب النوبية فى السودان. فمنذ ان احتل العرب السودان و رحلوا منه و تركوا مخلفاتهم و التى واصلت مسيراتها حتى هذه اللحظة و التى استمرت منذ غزوهم السودان و لم تتوقف لحظة الا عندما و قع النميرى اتفاقية اديس ابابا، ما زالت العناصر النوبية موجودة و بكل خصائصها بالرغم من سياسة الاستعباد التهجيرية التى استمرت لاكثر من عشر قرون وطمس الهوية و ازالت الاثار و القضاء على اللغة.

    و الان دارفور تباد بنوع من التشفى امام مسمع و مرأى كل العالم و الهدف من ذلك هو ازالت العنصر الافريقى الزنجى المسلم فى دارفور و الاستعاضة عنه بعناصر عربية افريقية من خارج الحدود، و هذا يخالف النواميس الكونية الالهية جملة و تفصيلا و لا نظن ان ذلك ممكنا بأذن الله الذى بارادته خلق هؤلاء لكى يبقوا الى ان تقوم الساعة، و لا توجد قوة فى هذه الارض يمكن ان تزيلهم من الوجود.

    ولكن لماذا تصر الحكومة الحالية كسابقاتها على الاستمرار فى الحرب بأصرار شديد رغم علمها بعدم جدوى ذلك؟ أن الحكومة الحالية، و بعد ان سنحت لها فرصة فى حل مشكلة السودان بعد تدخل المجتمع الدولى بصورة من المحاباة لها ، بالرغم من جرائمها التى يندى لها الجبين، الا انها مع ذلك مازالت مصرة على مواصلة حرب الابادة.

    لقد توصلنا فى الاسطر السابقة ان اى محاولة ابادة اى عنصر بشرى من الوجود بالقوة بواسطة بشر اخر هو ضرب من الجنون، لان هذه الخاصية لله سبحانه و تعالى و حده. و لكن اصرار الحكومة على عدم ايجاد الاستقرار فى السودان هو مخطط خارجى، و من الدول العربية و الاسلامية بالذات حسب قراءاتنا للأحداث السياسية الجارية وتحليلاتنا الخاصة.

    فهذه الدول صمتت فى الوقت الذى كان يجب لها ان تتحدث و تنصح الحكومات عندما كانت هذه الحكومات المتعاقبة تبيد شعبها فى الجنوب. فالفريق عبود قد بدأ ذلك و تبعه العقيد نميرى و قد قاما بممارسة عمليات الابادة العرقية فى الجنوب بصورة تعسفية. فقد وصل الفريق عبود الى درجة من التطرف حاول معها حرق الجنوب بكل ما فيه من بشر و موار حيوانية و غابية.

    اما النميرى فبعد فترة قصيرة من بداية حكمه فقد قام بانجاز تأريخى كان سيكون اضخم انجاز لرئيس سودانى فى العصر الحديث على الاطلاق عندما نجح فى توقيع اتفاق على السلام فى الجنوب. الا انه و بعد عشر سنوات من استمرار الاتفاقية، يأتى و بطريقة درامتيكية و بدون اى مقدمات او حيثيات مقنعة و يقوم بألغاء الأتفاقية التى كان يمكن ان تخلد اسمه فى تأريخ السودان الى الابد. ولكن بدأت الحرب فى نهاية عهده بصورة اكثر عنفا عما كانت عليه وأ خذت تلك الحرب صور متطرفة الى ان قامت الانتفاضة التى ازاحة النميرى من الحكم.

    و لكن الحكومة الانتقالية التى اتت من بعده لم تختلف ذهنيتها كثيرا عن الذين سبقوها فى الحكم من قبل. فقد قامت هذه الحكومة بالتقنين لانشاء المليشيات فى السودان لاول مرة فى تأريخة و ادخلت الشعب السودانى فى حرب مباشرة مع المتمردين بدلا من استخدام الجيش التقليدى فى الجنوب و جال النوبة و النيل الازرق. و يبدو ان الضربات الموجعة التى تعرض لها الجيش السودانى فى الايام الاخيرة من حكم النميرى و فى حكم الحكومة الانتقالية و الحكومة الديمقراطية الثالثة الى السنتين الاوليتين من اسيلاء الجبهة على الحكم فى السودان قد شجعت تلك الحكومات المتعاقبة فى الاصرار على انشاء المليشيات للحرب جنبا الى جنب مع جيش الحكومة. و لكن هذه المليشيات نفسها معظمها من نفس الجنس التى تقاتله الحكومة.

    فتلك المليشيات القبلية قد خلقت و ضعا معقدا فى السودان و انتشر السلاح بين ايدى المواطنين مما ساعد فى ظهور النهب المسلح بصورة واضحة فى كل من كردفان و دارفور. و ان كانت قد تمكنت الحكومة من حسم النهب المسلح فى كردفان الا انها قد عجزت عن حسمه فى دارفور مما ادى فى النهاية الى ظهور تمرد فى دارفور نتيجة لذلك تبعته مليشيات الجنجويد التى لم تحتاج الى وقت للظهور لانها كانت موجودة اصلا لوجود السلاح السائب فوجدت الحكومة النيلية الشمالية فى ذلك فرصة سانحة لها فأستخدمتهم كمرتزقة فى الحرب بالوكالة عنها. كما انها تستخدم جنودها من اهل الهامش فى تلك الحرب.

    ثانيا: ان ما تقوم به الحكومة السودانية من ابادة للعنصر الزنجى الافريقى يجد تأييدا من الدول العربية و الاسلامية:

    1-ان دول الخليج مصلحتها اقتصادية فى السودان:

    فبعد ان صمتت الدول العربية و الاسلامية سبعة عشر عاما، وهى عمر الحرب الاولى فى الجنوب، نطقت كفرا بعد ان توصل النميرى الى اتفاقية اديس ابابا عام 1972 مع الانيانيا كما زكرنا سابقا. فقد عارضت معظم الدول العربية الاسلامية تلك الاتفاقية كما عارضتها كل الاحزاب السودانية الشمالية ذات التوجه العروبى الاسلاموى. و يبدو ان تلك الدول قد كان لها اليد الطولى فى ان يقوم النميرى فى الغاء الاتفاقية لاحقا.

    ان الدول العربية، هى المستفيد الوحيد من الصراع فى السودان، تعلم ان اى استقرار فى السودانى خطر على امنها القومى، خاصة ان وقف السودانيون بقلب رجل واحد. فعرب الخليج تخشى اى استقرار فى السودان. لإنه، ان استقر السودان و وفر العيش الكريم لابنائه، لهاجرت العمالة المدربة و الرخيصة التى تغذى شرايين تلك الدول بكفاءات عمالية نادرة هجرة عكسية للسودان. و بتلك الخبرات بالاضافة الى الامكانات و الموارد الطبيعية المتوفرة ستجعل من هذه البلد اقوى دولة فى افريقيا و الوطن العربى، و بالتالى سيكون لها القيادة و الريادة فى العالمين الافريقى و العربى لما تتوفر فيها من امكانيات مادية و بشرية ذات مواصفات خاصة غير متوفرة فى تلك الدول الافريقية منها و العربية.

    لذا تقوم الدول العربية، و بكل ما تملك من قوة بدعم قلة من شعب السودان، خاصة فى الوسط النيلى، و الذى اثر مصالحه الخاصة على مصالح البلاد العليا، فباع نفسه رخيصة لتلك الدول تحت شعارات هلامية لا تعترف بها تلك الدول نفسها لانها لا يمكن ان تقدم تلك الشعارات على مصالح دولها العليا. فالقلة النيلية القابعة فى السلطة و التى باعت نفسها للاجنبى، قد فرطت كثيرا فى تراب الوطن. فهى قد فرطت من قبل فى المثلث الغربى فتنازلت عنه طواعية لليبيا، و الان حلائب فى الطريق.

    فهذه الفيئة ما هى الا فيئة مأجورة خائنة لتراب الوطن و مصيره و تعمل لصالح الاجنبى. فهى تقوم انابة عن الزبانية الحقيقيون بقتل و سحل مواطنيها الذين تعتقد بأنهم ليسوا افارقة عرب، او لا تجرى فى عروقهم دماء عربية. و ذلك بقتل الرجال و الاطفال و الشيوخ و ممارسة الجنس الحرام مع النساء. تارة باسم الاسلام كما حدث فى الجنوب، و مرة اخرى باسم العروبة كما يحدث فى الغرب الان، و ربما مرة ثالثة باسم ابناء الوسط النيلى ضد بقية اهل السودان كما يسعى الى ذلك الطيب مصطفى و زمرته من العنصريين الان.

    و عندما تحرك المجتمع الدولى لايقاف تلك المجازر البشرية على مرعى و مسمع من تلك الدول العربية و الاسلامية فى فى الجنوب، تحركت تلك الدول بكامل قواها مرة ثانية مشككة فى تلك الاتفاقية. فقد قامت بعض تلك الدول بالتصدى لذلك بكل قوة مشككة فى جدوى تلك الاتفاقية التى و ضعت حدا للاقتتال فى الجنوب. فهى لم تأبه لذلك. فمصالحها هى الاهم حتى و لو فنى كل شعب السودان.

    و للمرة الثالثة قامت الدول العربية و الاسلامية بالوقوف ضد ايقاف الحرب فى السودان فى دارفور عندما قام المجتمع الدولى بأرغام السودان لايقاف المجازر البشرية التى تتم فى دارفور على مراى و مسمع منها. فقد قامت تلك الدول بالدفاع عن هذه الافعال الشنعية و المخجلة، و ذلك بتحفيز تنابلتهم بالقيام بالمزيد من سفك الدماء و هتك عروض النساء.

    فما يدور الان فى دارفور شاهده و يشاهده كل العالم الا هذه الفيئة الضالة التى اعمى الله بصيرتها تجاه الحق. بل و قد بلغت الجرأة بالشيخ القرضاوى الذى زار البلاد مؤخرا بان يفتى بفتوى غريبة فى هذا الشأن. فبدلا من ان يذهب الى موقع الجريمة و الحدث، و يستقى الحقائق، اثر ان يذهب الى حيث اراد اذناب الزبانية و خرج بفتوته الهزيلة تلك. و لو كان علماء المسلمين فى اجتهادهم، مثل اجتهاد شيخ الازهر، و الذى نعتقد بأنه قد حرر الامة الاسلامية من مفاهيم كانت مغلوطة لا تليق بالعصر الحديث، لما مرت تلك الامة بمصائب، و لكن نجد ان جلهم من امثال القرضاوى يفتى على حق الحكومات الاسلامية على ممارسة القتل و الزنا و هتك عروض شعبها.

    فتلك الدول العربية و الاسلامية تتحرك الان بعد ان شعرت بخطورت الموقف الذى يتهدد الحكومة السودانية من المجتمع الدولى و الذى افتى فى ان تقوم حكومة الخرطوم بتجريد الجنجويد من اسلحته و تقديم المجرمين منهم الى محاكمة عادلة حتى يجد كل من ارتكب الجريمة القصاص. و بالعدم ستتدخل الامم المتحدة بفرض الحظر الاقتصادى على السودان، و خاصة على مبيعات بتروله الذى تستغل الحكومة عائداته فى الرشوة لابادة شعبها بدلا من ان توجه ذلك الى التنمية. فبعد تدخل المجتمع الدولى الان، اصبح حل المشكلة وشيكا فى دارفور بعد ان كان فى الجنوب قاب قوسين او ادنى.

    ولكن نخشى ما نخشى ان تندلع الحرب فى السودان مرة اخرى فى مكان اخر، ربما فى كردفان او الشرق ان حلت مشكلتى الجنوب و دارفور. فالثابت فى البرنامج الموضوع من قبل الدول العربية و الاسلامية و التى تنفذه الحكومات السودانية الشمالية النيلية العميلة المتعاقبة، هو الا يحدث اى استقرار فى السودان على الدوام، لان فى استقرار السودان مهدد كبيرلمصالحها الذاتية اولا و للامن القومى العربى و الاسلامى ثانيا، و خاصة الامن القومى الخليجى و المصرى.

    و نعتقد ان مسرح الصراع القادم سيكون جبال النوية مرة اخرى. و لكن هذه المرة تخطط الحكومة ان تكون الحرب مباشرة بين القبائل العربية و ابناء النوبة. فالحكومة قد حضرت لذلك جيدا عندما قامت بضم منطقة المسيرية الى جبال النوبة بدون استشارة اهلها عندما كان ابناء النوبة يطالبون بأراضيهم فقط فى كل من منطقة اللقاوة و الحجيرات و جبل الدائر. الا ان الحكومة قد دست السم فى الدسم على امل ان تفجر الوضع فى جبال النوبة فى المستقبل و هى تدرى ان النوبة يريدون ان يسموا اقليمهم بجبال النوبة، و لكن كى تقفل الحكومة الطريق امامهم قامت بضم منطقةالمسيرية باكملها لجبال النوبة لتكون شكل المنطقة جبال النوبة/جنوب كردفان، و هذا هو التناقض بعينه. فعلى الحكومة ان تتحمل مسئؤليتها وحدها تجاه هؤلاء و لا يجب ان ترضيهم على حساب ابناء النوبة.

    كما ان الحكومة و فى تحركات سرية مع بعض ابناء النوبة المرتشتين ، تريد ان تحول عاصمة الولاية من كادقلى الى منطقة المسيرية. فهذا الاجراء ان تم بتدخل من الحكومة فأنه سيدخل المنطقة فى صراع لا محالة.

    فعلى الحكومة ان تحترم اتفاقياتها جيدا و تترك الامور الخاصة بالمنطقة الى ابنائها ليقرروا فيما يريدون ان هى فعلا ارادت سلاما. لكن الذى نراه هو نفس مخططهم السابق، و هو استمرار الحرب فىالسودان على الدوام، و فى هذه المرة فى جبال النوبة التى تشكل لهم عقدة وصدمة ما توقعوها.

    2-أن مصر تخسى استقرار السودان لانه مهدد لامنها القومى:

    كيف يصبح استقرار السودان مهددا للامن القومى المصرى و الخليجى، يمكن استنتاجه بكل سهولة. فمصر تعلم جيدا ان حياتها تعتمد كلية على النيل و على مياهه. و ان استغلال تلك المياه مشروط بأتفاقية خاصة بذلك اعطت كل حقه فى هذه المياه. و لكن الان اصبحت تتزمر دول المنبع التى لم تكن طرفا فى تلك الاتفاقيات، مثل اوغندا و اثيوبيا. فالكل الان يطالب بحصته من مياه النيل.

    فالمشكلة على المنبع فى النيل الازرق هى الاخطر على الاطلاق، لانه يمكن ان يتحول مجراه الى اتجاه اخر، اما المنبع الرئيسى للنيل و الذى تعتمد عليه مصر كلية، النيل الابيض، فهو ما لا يمكن ان تفرط مصر فيه اطلاقا، يخترق السودان من جنوبه، على عكس ما زكره الطيب مصطفى فى موضوعه عندما قال بأن جل مياه النيل هى وارد من النيل الازرق و ليس من النيل الابيض لذا فقد كان يحرض مصر على قبول انفصال الجنوب و المحافظة على الشمال.

    و ما لا يعلمه الطيب مصطفى ان المياه التى ترد من الجنوب هى ملك خالص لمصر لا يشاركها السودان فيه كما انه استراتيجيا يمكنها زيادة غلتها منه و ذلك بالاستثمار فى قناة جونقلى كما و انها شريك فى مياه النيا الازرق، و لكنها تتدفق بسرعة و السودان الشمالى ليس فى مقدوره حجز تلك المياه كلها، فهى تتدفق رغم انفه فى اتجاه الشمال الى منطقة السد، و بالتالى فليعلم الطيب مصطفى ان مصر لا ترغب فى السودان الشمالى، فأن عينيها الكبيرين مفتوحتان على الجنوب، اذا وضعنا فى الاعتبار ان الجنوب سوف لن يكون منافسا خطيرا لمصر على مياه النيل لطول فصل الامطار فيه.

    كما ان الطيب مصطفى يجهل تماما ان مصر لا تثق فى العنصر الافريقى العربى بشقيه النيلى و غير النيلى لما اشربه من المقالب بعد ان وثقت فيه و علمته و اعطته كل ما تملك و لكنه ادار ظهره عليها بعد ان دانت له السيطرة على البلاد فنكص العهد. كما انه فى كثير من الاحايين يمارس ضغوطا و ابتزازا على الحكومة المصرية كلما ظهرت بوادر خلاف على الافق.

    فحكومة عبدالله خليل عندما اختلفت مع الحكومة المصرية فى حلائب قامت بأرسال قواتها الى هنالك و بذلك تكون قد اعطت مصر درسا استفادت منه لاحقا و كانت هى السباقة هذه المرة بل ذهبت اكثر من ذلك عندما قامت بتغيير كل ملامح حلائب لتصبح حلائب مصرية مائة فى المائة و بذلك تكون قد فرضت سياسة الامر الواقع ( و ما فيش حد احسن من حد ).

    ثانيا عندما اختلفت الحكومة السودانية مع الحكومة المصرية فى زحمة الزخم الاعلامى الاسلامى فى الايام الاولى لحكومة الجبهة، قامت هذه الحكومة نكاية فى الحكومة المصرية ليس الا، بالشروع فى حفر ما يسمى بترعتى الرهد و كنانة بدون اى دراسات جدوى كافية و قامت بذلك بأهدار اموال الشعب دون ادنى تقدير لذلك و لم تحترم عقول الشعب، و قد كان الهدف من كل ذلكتهديد مصر فى امنها المائى. بل بلغت الجرأة بهذه الحكومة فى المرة الثالثة بأن قامت بمحاولت اغتيال الرئيس المصرى محمد حسنى مبارك.

    كيف اذا يريد الطيب مصطفى ان تثق فيهم مصر و تفتح لهم زراعيها. انى اعتقد جازما بأن مصر تثق فى الدكتور جون قرنق اكثر من ثقتها فى اى سياسى شمالى مهما كانت درجة قربه منها. فهى قد افردت له موقع قدم فى بلادها و هذا لو تقرأون جيدا يجب الا يفوت عليكم. كما ان الحكومة السودانية الشمالية النيلية، كلما ضاقت ذرعا ببعض السياسات المصرية، كلما حاولت ان تستغل بعض كروت الضغط مثل محاولة تعلية خزان سنار او تناول موضوع حلائب و اثارته كما فعل الرئيس البشير اخيرا عندما قامت الحكومة السودانية بتوقيع اتفاق مشاكس الاطارى مع الحركة الشعبية دون علم الحكومة المصرية. و عندما احتجت مصر على ذلك ارعد الرئيس البشير و اذبد متوعدا بتحريك ملف حلائب، الملف الذى لا تحركه الحكومة السودانية الشمالية النيلية الا فى مناسبات الضيق، لانه الملف الوحيد الذى تضمن الحكومة فيه تأييدا شعبيا كاملا. هذا هو العنصر النيلى الذى يدير البلاد.

    أما تأريخيا، ففى الجانب الاخر، فأن العنصر الزنجى الافريقى يشعر بكل فخر ان مصر امتداد طبيعى لتأريخهم الضارب فى القدم، و هى مازالت تحفظ لهم فى متاحفها بهذا التأريخ المتواصل فى حين ان الحكومات السودانية الشمالية النيلية المتعاقبة قد اهملت هذا التأريخ تماما بل ساهمت فى اختفائه و اندثاره، لذا دافع العنصر السودانى الزنجى الافريقى عن مصر بضراوة عندما تخازل المتخازلون.

    فأستشهاد على عبداللطيف و عبدالفضيل الماظ و رفاقه دفاعا عن التاج المصرى كان خير دليل على ذلك. كما ان ابناءهم قد خدموا فى الجيش المصرى و نالوا اعلى الرتب و اقيم الاوسمة. و مازال احفادهم الان فى مصر يتمتعون بكل ما يتمتع به الانسان المصرى. فأعطتهم الدولة اعتبارهم بل و تزوجوا هنالك فى الوقت الذى يضن فيه هؤلاء على ان يتزوج بناتهم من ابناء الاحرارالزنوج لعقدة فى انفسهم كما زكر محمد اسماعيل الازهرى ابن الزعيم من قبل.

    حتى ابن الزعيم له تلك الروح السازجة البسيطة بالرغم من تكدس بيوتهم بالعوانس اللائى بلغن سن اليأس دون ان يجدن ازواجا يمتعهن حلالا. فلا هم زوجوهم و لاهم تركوهم ليتزوجن من شئن. فهن كالهرات المحبوسة، لا هى اطعمت و لا هى تركت لتأكل من خشاش الارض. منتهى الجهل. ان الامم لا يمكن ان تبنى بهذه النظرات الضيقة.

    فلقد رأينا بأم اعيننا، حتى فى الدول التى كانت تمارس العنصرية صراحة، ان هذه العقد اصبحت تنفك منهم فأصبحوا يزوجون بناتهم للزنجى القبيح ذو الانف المفلطحة و الشفة الكبيرة بدون حرج، لكن ماذا دهى امة محمد فى السودان؟؟. الم يسمعوا انه لا فضل لعربى على اعجمى الا بالتقوى، ام هى شعارات.

    و مع ذلك اصبحنا نرى التحول الاجتماعى الناعم التدرج فى اتجاه مصلحة الامة بالرغم من وجود بعض شذاذ الافق الذين مازالوا اسيرى الماضى. ان مصر فى هذا قد خطت خطوة كبيرة لما لها من افق و بعد نظر. فالمصريات قد تزوجن من كل انحاء الدنيا، فهن من مصر ام الدنيا و التى تريد ان تكون لها موضع قدم فى اى بقعة من بقاع الارض.

    فهن قد تزوجن من ادغال افريقيا التى يستفذ انسانها الجهلة و التعساء عندنا. فهؤلاء مازالت عقولهم مقبورة. فهم لم يسمعوا بفطاحلة السياسة فى افريقيا امثال كنياتا و لممبا و سنغور و نيريرى و العظيم ابدا مانديلا. فالسودان لا يمكن ان يكون جسرا للعرب لافريقيا بهذه السياسات الخرقاء و الستعلائية مهما اوتى من قوة ان لم يتصالح مع نفسه اولا.

    لا بد من ان يتواضع القوم و يكسبوا زنوج السودان قبل ان يفكروا فى زنوج افريقيا. لكن كيف يستطيع من فشل طوال تواجده لقرون فى التأثير فى زنوج السودان من التأثير على زنوج أفريقيا. انه الوهم و الخبالة و عدم الجدية.

    لقد استكثروا للواء ابراهيم نايل ايدام الذى اتى البيوت من ابوابها طارقا لستر عورة، فناشت اقلامهم الصدئة هذا الفحل الذى انقذ اختا كانت ستكون عانس فى مزبلة التأريخ. ألم تلن لهؤلاء القوم قلوب ام انهم لا يشعرون؟ انهم قوم من المصابين بعقدة الجنس.

    وان هذه العقد حقيقة هى التى خلقت تلك الكراهية بين الانسان الابيض و الانسان الاسود فى المبتدأ. فضعف الانسان الابيض جنسيا و عدم مقدرته على الاشباع الجنسى لشريكته جعلته يغير على الافريقى الاسود القوى جنسيا و وسمه بأنه جنسى و انه خائن و انه ..... الى ابشع النعوت. انها العنصرية و الجنس. و لكن المرأة لا يهما الرجل و لونه او شكله، فما يهمها هو ان يكون هنالك رجلا يشبع رغباتها الجنسية، حتى و لو عن طريق الخيانات الجنسية التى تكثر وسطهم. فقد كتب الكتاب الافريقيون فى هذا كثيرا و لهم حكايات و روايات و مغامرات المرأة البيضاء مع الرجل الاسود. فقد تفتحنا على مغامرات مصطفى سعيد بطل قصة موسم الهجرة للشمال، و قرأنا كيف كان هذا المصطفى يتلاعب بعواطف النساء البيض.

    ان الجهل و تناول الموضوع بتلك السطحية ان انطلى على الطيب مصطفى، فهو لا يمكن ان ينطلى على المصريين. فمصر بنت النيل و هبته و هى تعرف اين تكمن مصلحتها. و عليه ترى مصر ان مصالحها الحقيقية فى السودان فى جنوبه و ليس فى شماله، لذا فهى حريصة جدا على وحدة السودان.

    فأنفصال السودان الى شماله و جنوبه يخلق دولة جديدة و هى شمال السودان ستكون منافسا خطيرا لمصر على موارد المياه الشحيحة، و ربما يؤدى ذلك الى تغيير جزى فى اتفاقية مياه النيل الموقعة بين السودان و مصر و بقية دول حوض النيل. كما ان مصر قد كانت حريصة منذ الازال بالاهتمام بالنيل الابيض بالدرجة التى قامت فية بأنشاء بعثة لها فى السودان على شريطه تسمى بالرى المصرى.

    فالمتتبع للتأريخ المصرى منذ القدم و تعاملها مع الجزء الجنوبى منها، هو اما ان تكون هى مسيطرة عليه سيطرة كاملة، اما ان يكون ذلك الجزء ضعيفا تتهدده الاضطرابات و عدم الاستقرار. فلقد كان اى استقرار فى الجنوب تأريخيا منذ فترة مؤسس الاسرة الاولى الحاكمة مهددا مباشرا للجزء الشمالى منه و هو مصر. لذا استفادت مصر من تلك الدروس و عملت بكل ما تملك من قوة ان يكون السودان جذءا منها او على الاقل تسيطر عليه حكومات يكون لها اليدى الطولىعليهم حتى لا يستطيعوا ان يعملوا خارج مراقبتها و يهددوا امنها.

    فبعد الاستقلال من الحكم الثنائى الانجليزى المصرى، و بعد ان فشلت احزاب الوحدة من تنفيذ برامجها الخاصة بوحدة السودان و مصر تحت التاج المصرى، كان لا بد من الا تترك مصر للسودان فرصة للاستقرار بدون ضمانات قوية تحفظ لها امنها القومى، لان ذلك الاستقرار سيجلب لها بلاوى و يهدد امنها القومى.

    لذا صمتت مصر على كثير من انتهاكات حكومات الشق الجنوبى منها لانسانها حتى لا تختلف مع حكوماته، و اصبح السودان فى صراع دائم منذ الاستقلال حتى الان، الا تلك الفترة القصيرة التى تقدر بعشر سنوات عندما استطاع النميرى من التوصل لاتفاق للسلام مع المتمردين الجنوبيين، و لكن الحكومة المصرية عارضت تلك الاتفاقية جملة و تفصيلا لانها لم تكن طرفا فيه مما هدى بالنميرى ان يلغيها بعد عشرة اعوام بعد ان اصبحت تعطى أكلها.

    ان استقرار السودان سوف يدخل الدولة المصرية فى تجربة صعبة و مريرة، خاصة من الناحية الاقتصادية. فأى استقرار فى السودان يعنى انه سوف يتجه الى استغلال موارده الاقتصادية، و المائية بالتحديد الى اقصى درجة ممكنة، مما يحصل معها مطالبته بأعادة النظر، مثله مثل باقى دول المصب، فى اتفاقية مياه النيل التى وقعت قبل ان تستقل تلك الدول.

    فمصر الان تستفيد عما يعادل 4 مليارات متر مكعب من المياه تذهب اليها من حصة السودان سنويا بالمجان، و بهذه الحصة، تقوم مصر حاليا بأ ستصلاح اراضيها فى الصحراء الغربية و ذلك بزراعتها بأجود انواع الموالح التى يتم تصديرها الى الدول الاوربية. فأذا استقر السودان تماما و تمكنت حكومته، و بعد ان اصبحت تمتلك موردا اقتصاديا استراتيجيا، هو البترول بأستغلال عائده فى المشروعات الكبرى التى كانت لا تجد التمويل من قبل نتيجة للوبى المصرى، لقامت الحكومة اول ما قامت بتعلية خزان سنار و تم رفعه الى عشر امتار اخرى كافية لحجز المياة السودانية السائبة التى تذهب الى مصر بدون مقابل.

    فهذا الاجراء سيربك الخطط الاقتصادية المصرية، و بخاصة فى الصحراء الغربية التى تعتمد على المياه السودانية السائبة، وربما افشل ذلك نجاح تلك الزراعة لمواجهتها بالشح فى المياه فى ذلك الجزء. و اذا الحقت تعلية خزان سنار بحفر ترعتى الرهد و كنانة، و قام السودان الشمالى النيلى بأستخدام مياهه عن طريق هاتين الترعتين فى الاستثمار فى المجال الزراعى و الصناعى، لخرجت مصر تماما من فائض المياه السودانية السائبة، و ربما ساعد ذلك السودان ان يبيع فوائض مياهه هذه المرة لمصر ان تبقى منها شيئا.

    و لكن السودان سيقوم بأستخدام كامل حصته من مياه النيل فى اغراض الزراعة المروية فى زراعة المحاصيل النقدية المدرة للدخل فى شقه الشمالى و ليس الجنوبى، و لاصبحت الزراعة فى السودان هى المصدر الاول و الثابت للدولة، و تحول البترول و باقى الموارد الطبيعية الغير متجددة داعما للزراعة، و ربما ادى ذلك الى ان يتحول السودان الى دولة صناعية زراعية، حيث يمكنه صناعة كل منتوجاته الزراعية محليا و تصديرها مصنعة للدول الافريقية المحيطة به وبذلك يستفيد من القيمة المضافة لبضاعته، و يكون بذلك منافسا خطير لمصر على الاسواق الافريقية و العربية.

    كما و ان السودان سيتمكن من تبنى سياسات التخصص فى و لاياته المختلفة، و يستطيع بذلك نهج طريق التنمية المتوازنة بجعل كل ولاياته تتخصص حسب المورد الطبيعى التى تجود بها تلك الولايات كل على حدى، و بالتالى ستنفك عقدة التنمية الغير متوازنة و التهميش الذى كان يتمركز فى اماكن معينة، و ذلك للشح الذى كان يتمثل فى الموارد المالية و التى جعل اصحاب القرار ينحازون الى مناطقهم بصورة سافرة.

    فقوة الاقتصاد السودانى، ستدفع به للابداع فى المجالات الاخرى، العلمية و الثقافية و الاجتماعية، مما يؤهله تماما للقيادة و الريادة.

    و لكن هذا الوضع سيضعف كثيرا من الدول العربية فى الخليج و ليبيا التى تستفيد من العمالة السودانية المدربة الرخيصة دون ان تساهم فى تأهيلها و تدريبها. و بالتالى ستفرغ تلك الدول و دول اخرى كثيرة من السودانيين، و تصبح بالتالى فى حاجة الى عمالة لسد النقص الذى ستتركه العمالة السودانية و التى سوف لن تكون بأى حال من الاحوال فى حجم و نوعية العمالة السودانية. و بالتالى تتعرض تلك الدول الى هزات اقتصادية عنيفة من جراء ذلك مما يؤدى الى تهديد امنها القومى.

    و لكن فى الجانب الاخر سيكون للسودان اليد الطولى، و يكون هو الدولة المانحة بدلا من دولة متلقية كما يحدث الان، و بذلك يعيد السودان سيرته الاولى عندما كان مانحا.

    و لكن لكى يستقر السودان لا بد من توفير ضمانات كافية لمصر خاصة فيما يتعلق بالمياه. و هذا شرط ضرورى و اساسى. كما ان مشكلة حلائب لابد من حلها حلا جزريا و قفل ملفها نهائيا بأى اسلوب تتفق عليه الدولتين حتى و لو دعت الضرورة و اقتنع السودان بسياسة الامر الواقع و تنازل طواعية عنها لمصر. و يجب الا تترك هذا المشكلة بدون حل لانها تشكل قنبلة موقوتة يمكن ان تنفجر فى اى وقت من الاوقات.

    أن استقرار السودان سوف يفرز سودانا جديدا بكل المقاييس، و المواصفات التى ذكرناها انفا، ان تصالح السودانيون مع انفسهم، و تعاملوا بشفافية، و وضعوا مصلحة بلادهم العليا فوق اى مصلحة اخرى كما تعمل الدولن لادت لاستقراره و نموه. اما ان لم يتصالح السودانيون مع انفسهم فى ظل الاستقرار، فأن ذلك سيكون فى صالح المجموعة الافريقية و التى سيعلوا كعبها. و ذلك سوف لن يشجع العنصر الافريقى العربى المتواجد فى دول الخليج و الدول الاخرى من العودة الى السودان، و لربما فضل البقاء فى تلك الدول للوهم الذى يدور فى ذهنه بحجة ان السودان يحكمه عنصر افريقى زنجى و هو لا يريد ان يكون تحته، و خاصة ان كان ذلك العنصر غير مسلم.

    اما اذا اريد للسودان ان يستمر بوضعه القديم، سيؤدى ذلك حتما الى انفصال الجنوب انفصالا حتميا. اما الشمال فنتوقع ان يدخل فى حرب جديدة، و قد تؤدى هذه الحرب الى انقسامه الى دويلات فى جبال النوبة و النيل الازرق و دارفور و الشرق، و يبقى الوسط و الشمال و ربما كردفان شماله و غربه.

    و ان لم تسعى الحكومة الحالية الى معالجة مشكلة الحرب فى السودان فى جنوبه و غربه و شرقه، و ارادات الاستمرار فى الحرب هذه المرة بعد الهدنة التى تمت فى الجنوب و جبال النوبة و النيل الازرق و الاصرار على عدم ايقافها فى الغرب، فان هؤلاء سوف لن يقبلوا هذه المرة ان تكون اراضيهم مسرحا للاحداث ليخسروا وحدهم ملايين من الانفس البريئة كما حدث فى الماضى.

    فهذه المرة سوف لن تكون الحرب فى الاقاليم النائية، يحركها تجار الحرب و عملاء الدول العربية و الاسلامية من أجل ايدلوجيا فطيرة لا يؤمن بها حتى اصحابها الاصليون، لانهم لا يمكن ان يقدموها على سيادة دولهم العليا كما زكرنا سابقا الا عندنا فى السودان.

    فالمتوقع هذه المرة ان يكون مسرح الحرب هو قلب الخرطوم مكان السلطة. و وقتها ستكون العملية هى على و على اعدائى.

    عندها فقط سيشعر مؤججوا الحرب فى الجنوب و جبال النوبة و الشرق و دارفور مدى قساوة هذه الحرب و مرارتها، و ان الحرب ليست نزهة. و وقتها عندما يفقد الشمال الملايين كما فقدها الجنوب، و الا ن درافور فى اقل من عام فقدت 70الف من الانفس البريئة من فلزات اكبادها، وقتها فقط سيضع كل السودانيون السلاح ارضا، و يتراضوا فيما بينهم.

    اما ان يخسر البعض و يجلس البعض الذى يؤجج للحرب على الرصيف مشاهدا كأن هذه الحرب لا تعنيه فى شىء، يعنى ذلك أن الحرب ستستمر الى قرون فى قلب البلاد، وربما سوف لن تتوقف، لانها اصلا اججت لكى تبقى لمصالح غيرنا، و لا يهم بعد ذلك.!!!


    ابوطالب تيلك تيو
    واشنطون دى سى
    الولايات المتحدة الامريكية
    اكتوبر2004م

    المراجع:
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de