رجال في حياتي ...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-20-2024, 05:20 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-19-2004, 11:26 PM

Hani Abuelgasim
<aHani Abuelgasim
تاريخ التسجيل: 10-26-2003
مجموع المشاركات: 1103

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
رجال في حياتي ...


    رجال في حياتي

    فجاءة بدأت أمي بالصراخ، خرجت من غرفة النوم وشقت قميصها، ظهر صدرها الذي لم أره منذ حوالي السنة حينما توقفت عن إرضاع أخي الصغير. لم أفهم ماذا يحدث هرعت نحوها لم تلتفت إلي، اصطدمت بي فوقعت أرضا انتباني شعور غريب ورغبة عارمة في البكاء، أطلقت العنان لدموعي دون أن أعرف لماذا أبكي، في غضون دقائق جاءت جارتنا سعاد ومعها اثنتين من أقربائها قبل أن أصل إليهن كن قد فجرن عيونا إنساب منها الدمع بكرم فياض وصراخهن منعني من أن أفعل أي شيء. ذهبت لأرى أبي في غرفة نومه لكن عم عباس جارنا وصاحب الدكان القريب، كان قد دخل البيت وناداني بصوته الجهور وكأنه ينادي طفلا ابتاع حلوى وركض قبل أن يدفع ثمنها، إلتفتُ إليه فلم آبه بوجوده، ودخلت الغرفة لرؤية أبي، كان نائما على فراشه رغم كل الصراخ والعويل والبكاء الذي لا يبعد سوى أمتار قلائل عن غرفته، دخل عم عباس وسحبني من يدي إلى خارج الغرفة ثم عاد إليها وأغلق الباب خلفه.

    كنت في الثامنة حينها، استطعت أن أدرك ما يحدث، أحسست أن هالة من الظلام هبطت فجأة وغطت كل الكون، ضاق صدري وأحسست بأضلعي تقترب من بعضها وانفجرت باكية وكأنها أول مرة أبكي فيها، وجدت نفسي في حضن امي وكانت تبكي هي الأخرى وتعصرني بشدة، سحبتني إحداهن من حضنها، لم أرغب في أن أترك حضنها وكأنني طفل يرضع سحب منه ثدي أمه فجأة. الكل كان يبكي حتى جارتنا نفيسة التي تشاجرت مع أمي قبل أيام فقط. جو المنزل كان يرغمك على البكاء، محمد ابن نفيسة كان في الخامسة من عمره وجدني أبكي قرب الزير، كانت عيناه ما تزالان تحملان دموعا نسي أن يجرفهما بكم قميصه، سألني ماذا هناك .. أجبته، مات أبي ..

    لم أعد أذكر الكثير عن أبي الآن. حكاية عزيزة علي لا تنفك أن تذكرني بنفسها: دخل أبي ذات يوم وفي يده دمية صغيرة، ناداني وقال لي كل سنة وانت طيبة اليوم أصبحت عروسا وسأبحث لك عن عريس، سألته لماذا؟؟ .. قال لي اليوم أصبح عمرك أربع سنوات .. أخذت الدمية، قلت له أنها جائعة، فتحت أزرار قميصي وألقمتها ثديي الصغير. ضحك أبي فحملني وقبل جبيني ..

    عندما قبلت في الجامعة نشأت علاقة ود جمعتني بابن خالتي، أحمد .. أحمد يكبرني ببضع سنوات، تمتع بحب أفراد العائلة، كان كريما حد البذخ ويمتلك ثقافة عالية وشخصية جذابة .. أحبني لدرجة العبادة، ومنحته حبي بسخاء، تزوجنا بعد أن تخرجت من كلية القانون، سافرنا إلى الخارج لينال درجة الدكتوراة في التاريخ، كتب رسالته عن تاريخ أفريقيا، ترجمت لاحقا لمختلف اللغات وأضحت مرجعا عالميا .. عمل كأستاذ تاريخ في جامعة الخرطوم.

    لم اعتبره زوجي فقط، بل كان أبا وأخا، صديقا وحبيبا وعشيقا وأستاذا .. وكثيرا ما كان يعطيني إحساس أنني أمه. عندما يرجع من عمله يحتضنني بدفء وكأنه عائد من سفر طويل، لم ينسى يوما أن يقبلني قبل خروجه إلى العمل .. ما زالت غرفته كما تركها. مكتبه الصغير يحمل صورة تجمعني به وبابننا محمد رضيعا، وعلى الجدار الذي يقابل الطاولة صورة لوالده وأخرى لخالتي، أمه. خلفه، كان يعلق صورة للزعيم إسماعيل الأزهري وأخرى للشريف حسين وأخرى لي تتوسطهما، وكانت أكبرهن حجما. بقية الجدران كانت تحمل أرففا وضع عليها كتبه الكثيرة بعض الأرفف حملت صورا لأشخاص كثر، أخبرني أن أحدهم هو نجيب محفوظ.

    ذات صباح كنت متعبة لم أتمكن من اعداد الفطور، قدم إلى غرفة نومنا وأحضر لي عصير الليمون وأخبرني أنه أعد الفطور، قبلني وخرج ... لم يأتي في الثالثة كعادته، في الرابعة إتصلت بمكتبه لكن ما من رد. بعد ذلك بنصف ساعة اتصل صديقه عاطف وأخبرني أن قوات الأمن اعتقلت أحمد عقب خروجه من الجامعة اليوم. وحضر إلى البيت واصطحبني و محمد لزيارته، لم أفعل شيئا يومها سوى البكاء .. لم يسمحوا لنا برؤيته .. عدت برفقة إبني إلى المنزل، خيم الظلام أعددت عشاءا لمحمد .. لم أتمكن من النوم فهي المرة الأولى منذ زواجنا التي لا أنام فيها بين ذراعيه .. أخبرونا أنه سيتم نقله إلى كوبر بعد اسبوع، هناك يمكننا زيارته، توالت الاتصالات على المنزل من أصداقائه وأقاربنا، بعض الصحف، رجال سياسة و كذلك أصدقائه في لندن حيث أقمنا بضع سنوات.

    نقل إلى كوبر بعد شهر من اعتقاله، طلبنا زيارته، لم يسمحو لنا بزيارته إلا بعد شهر ونصف من وجوده هناك وأخبروني أنه يمكنني رؤيته في المستشفى .. ذهبت إلى هناك عندما رآني ابتسم ورفع يده، لكنها سقطت وسقطت أنا على إثرها لأصحو وأجده مكفنا ..

    بكيته وبكى معي الوطن كله، فجعت لفقده وأحسست أن الدنيا لا تساوي شيئا بدونه، سألت الله أن يأخذني كما أخذ روحي (أحمد) .. لكنه لم يستجب .. ربما لأجل محمد ..

    دبر لي أصدقائه عملا في شركة لأحد رجال الحزب الذي كان يتمتع بشرف قيادة أحمد له، أكرموني لأجله وعاملوني باحترام شديد، علمت أن زوجي لم يكن رجلا عاديا .. وأن الجميع أحبه.

    محمد أحمد، إبني كان في الثانية عشرة عندما قتل والده، كان طويل القامة، كث الشعر ويبدو أنه في عجلة من أمره على الدوام، تمكنت من تنشأته كما تمنينا أنا ووالده، التحق بكلية الاقتصاد، جامعة الخرطوم .. كان فخرا لي تماما كما كان أبوه من قبل، بعد التحاقه بالجامعة طلب مني أن أترك العمل وأرتاح في المنزل لأنه وجد عملا جيدا يستطيع أن يعمل فيه فترة المساء .. وافقت على أن لا يؤثر ذلك على دراسته ..

    ذات يوم خرجت إلى السوق ووجدت الدنيا مقلوبة، عرفت أنها مظاهرة، قلقت على محمد، لأن جامعة الخرطوم كانت دائما شرارة هذه الأشياء .. عدت إلى المنزل لأنتظره اتصلت ببعض اصدقائه، لم يكن أحد منهم في منزله .. عاد أصدقائه بعد العصر ليخبروني أن محمد تلقى رصاصة مزقت رئته، وأنه كان يهتف حينها :

    لن يفلت المجرمون
    لن يفلت المجرمون
    لن نترك الفاشست في بلادنا يعبثون

    (عدل بواسطة Hani Abuelgasim on 07-19-2004, 11:34 PM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de