دارفور تعج بتناقضات مزمنة في بلد المهمشات المتعددة --- بقلم : رباح المهدي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-16-2024, 05:23 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-21-2004, 01:18 AM

sympatico

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
دارفور تعج بتناقضات مزمنة في بلد المهمشات المتعددة --- بقلم : رباح المهدي



    درجة غليان..الجنجويد قوامها قبائل سودانية ومستجلبة

    دارفور تعج بتناقضات مزمنة في بلد المهمشات المتعددة

    بقلم :رباح المهدي

    ان مسألة دارفور توصف عالميا بأنها أفظع كارثة انسانية اليوم، ولكنها بالنسبة للناس في العالم العربي والاسلامي بل في السودان ليست بذلك الوزن، فلماذا؟. هل ذلك بسبب أن السودان هامش للعالم العربي والاسلامي؟. وتلك هي مقولة الدكتور علي مزروعي الكيني الأميركي الذي وصف السودان بالهامشية المتعددة، فهو في نظره في هامش العرب وهامش المسلمين وهامش افريقيا.. هل لتلك الهامشية المتعددة أثر في جعل السودان يأتي في قاع أجندة كل العوالم التي ينتمي لها؟هل ذلك لأننا تعودنا الصمت على الفظائع الداخلية في بلداننا بحيث لا نهتم الا بالظلم الذي فيه مكون أجنبي كما في قضية فلسطين والعراق؟هل ذلك بسبب التعتيم الاعلامي الذي اتخذه نظام الخرطوم للمسألة؟

    أم بسبب تهميش اقليم دارفور حتى داخل السودان؟ .. فالتاريخ والجغرافيا السودانية تركز على بقاع بعينها وتسقط ما عدا ذلك من دائرة الاهتمام أو تكاد.. أم ذلك للأبعاد السياسية في المسألة والتي فيها ظلال انشقاق الحزب الحاكم في السودان وتحوله الى حزبين: المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي.. الشيء الذي جعل البعض يقفون متفرجين باعتبار ذلك نزاعاً بين باطلين حول سلطة مغتصبة من الشعب في الثلاثين من يونيو 1989م ـ تاريخ الانقلاب الانقاذي على السلطة الديمقراطية المنتخبة؟

    . أسئلة كثيرة، واجابات غير قاطعة.. ومهما يكن فاننا نحاول في هذا الملف المرعب القاء أضواء متفرقة على مسألة دارفور تظهر مدى تعقيداتها بدون أن تستطيع الالمام بأطراف الخيوط المختلفة، كما تهتم بالوضع الانساني الذي يشكل قمة الرعب في القضية اليوم. ظلامات التهميش


    السكان في دارفور

    دارفور اقليم يسكنه حوالي 5,6 ملايين نسمة، ويحتوي على تعدد اثني ولغوي كبير، فهنالك قبائل تتحدث العربية وأخرى تتحدث لغات الفور والمساليت والميدوب والزغاوة وغيرها من اللغات التي تصنف داخل عوائل لغوية مختلفة.

    الاثنيات في دارفور مختلطة ولا يمكن الحديث عن نقاء عنصري بشكل واضح، وهي خليط من دماء سامية وحامية وكوشية متداخلة بحيث لا يمكن أن تتخذ السحنات أساسا للتفرقة بين القبائل الا في حالات قليلة، ومهما حاولت اتخاذ القسمات أو الألوان كأساس للتصنيف لقابلت فشلا ذريعا في تصنيفك للناس ليس في دارفور فقط بل في كل السودان، حيث لن يكون غريبا ملاقاة شخص شديد السمرة زنجي الملامح بهوية عربية.

    ولا هو نادر وجود شخص أقنى الأنف فاتح اللون بهوية غير عربية، للدرجة التي يكون حديث البعض عن تلك التصنيفات على أنها اصطلاحية في المقام الأول غير خاطئ، اللهم الا اذا اتخذ للعروبة التعريف النبوي (ليست العربية لأحدكم من أب أو أم من تكلم العربية فهو عربي) لا التعريف العرقي السائد اليوم.. ان ما يشيع في مصطلحات الاقليم حول تصنيف عرب ـ زرقة هو تصنيف غير دقيق بالمرة. التفرقة الأساسية في دارفور ثقافية فالقبائل التي تتحدث لهجات ترفد من العربية بشكل رئيسي تسمى عربية.

    والقبائل التي تتحدث لغات تنتمي لأصول أخرى نايلوصحراوية ونيجر كونغولية تسمى غير عربية برغم اختلاط الدماء وتلاقح الثقافات عبر المصاهرة والتعايش منذ أزمان سحيقة، وحتى هذه القاعدة لها شواذ فقبيلة الفلاتة في تلس بجنوب دارفور تتحدث لغة الفلفلدي (لغة الفولاني) وهي لغة غير عربية ولكنها تعد في الاقليم كقبيلة عربية.

    وقبيلة البرتى كانت لها لغة خاصة ولكنها انقرضت وصارت تتحدث العربية ولكنها تعد قبيلة غير عربية. ينقسم الاقليم الى ثلاث ولايات رئيسية هي: شمال دارفور ـ جنوب دارفور وغرب دارفور، والولايات الثلاثة تختلف في جغرافيتها وفي مساحتها حيث تغلب الصحراء وشبه الصحراء على الشمال وتتحول الى سافنا فقيرة ثم غنية كلما توجهنا جنوبا، ولاية شمال دارفور هي الأكبر مساحة. أما ولايتي غرب وجنوب دارفور فهما أقل مساحة وأكبر كثافة سكانية.

    وتعتبر ولاية جنوب دارفور الأغنى في الموارد الطبيعية وتقع في اقليم السافنا الغنية. قبائل دارفور كثيرة ومتعددة ولا يوجد لها حصر دقيق، لكن القبائل التي دخلت في صراعات فيما بينها في نصف القرن الأخير قد يصل تعدادها لخمسين قبيلة، وفي اشارة لبعض قبائل دارفور المؤثرة نذكر:

    ـ شمال دارفور: القبائل العربية التي تقطن شمال دارفور أكبرها الزيادية وبني فضل والرزيقات الأبالة الرحل (وفروعهم المحاميد ـ الماهرية ـ العريقات ـ العطيفات ـ الزبلات) وهؤلاء يشكلون أحد المكونات الرئيسية للصراع القبلي في شمال دارفور وهم خلافا لأخوانهم رزيقات الجنوب يرعون الابل كما أن اختلاطهم بالمصاهرة مع القبائل الأخرى أقل. أما القبائل غير العربية فأكبرها الفور وهم من المزارعين، والزغاوة والبرتى والميدوب وغيرها.

    ـ في غرب دارفور يوجد دار المساليت ـ ومركزها في الجنينة عاصمة الولاية ـ وقبائل التاما والزغاوة وغيرها من غير العرب ومن العرب قبائل مثل بني حسين.

    ـ أما في جنوب دارفور فتوجد قبائل البقارة العربية كالرزيقات ـ الهبانية والتعايشة، وقبائل البرقد والمعاليا والبني هلبة والفلاتة والقمر، كما توجد بعض القبائل غير العربية علاوة على الفور والزغاوة والمساليت والبرقو. هذه القبائل عاشت متجانسة مع بعضها مع وجود صراعات متعددة في الماضي، بعض تلك الصراعات كان ذا طابع عرقي اتخذت في تأجيجه نبرات عنصرية، ولكن أكثر تلك الصراعات كان قبليا بعضه على الموارد، وآخر حول الحدود الادارية، والزعامة القيادية.

    وحول الحواكير، أو المعاداة الثأرية.. فمنذ الستينات حدثت حرب المعاليا والرزيقات (مؤتمر الصلح عام 1968م) وكلتاهما قبيلتان عربيتان وذلك حول التبعية الادارية، وحرب البرتي والميدوب (مؤتمر الصلح كان عام 2000 وذلك بسبب الموارد والحدود، وهما قبيلتان غير عربيتان) وأيضا حرب الزغاوة والفور على الموارد (مؤتمر الصلح في كبكابية عام 1989م)، مع وجود صراعات بين قبائل عربية وغير عربية مثلا بين الزغاوة والبرقد (مؤتمر الصلح عام 1974م) .

    وبين الزيادية والميدوب حول الموارد (المؤتمر عام 1976م) وبين الفور والعرب (المؤتمر عام 1989م) كان على الموارد وبسبب المعاداة الثأرية. ومهما كان من اختلافات ثقافية واثنية فان قضية دارفور ليس فيها بعد التنوع الديني كما في قضية الجنوب، حيث الغالبية العظمى لأهل دارفور مسلمون، مع وجود جيوب مسيحية ارتبطت بحركة التبشير المسيحي الدؤوبة في السودان، معتنقوها في الغالب أصولهم من خارج الاقليم.

    مشاكل دارفور المزمنة والمستجدة

    لا ينكر الا مكابر مظالم دارفور والكثير من ولايات السودان (خلا الوسط وشمال الوسط)، اضافة الى تميزها التاريخي عن اقليم السودان الأوسط والشمالي الذي مثلته سلطنة الفونج وعاصمتها سنار.. فقد كان لدارفور في العهود التاريخية الوسيطة سلطنتها المنافسة لسنار والتي مثلت دبلوماسيا في الأزهر برواق دارفور كما كان لسنار رواقها الأزهري، وكان لها دورها المتقدم في نصرة الثورة والدعوة المهدية في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي.

    وما صاحب ذلك الدور من صراعات وتناقضات بين أهل سنار وأهل دارفور.. تناقض عرف بفتنة الأشراف أو صراع أولاد البحر (أي النيل) وأولاد البلد فقد تحدى الأوائل سلطة خليفة المهدي (المشهور بالخليفة عبد الله التعايشي) على الدولة ولم يكن ذلك التحدي خلوا من الأبعاد الجهوية أو استعلاء أهل النيل على أهل الغرب.

    وهي تناقضات غذتها لاحقا الطريقة التي تم بها بناء السودان الحديث بشكل شائه في زمن الاستعمار الثنائي والذي ركز على مناطق انتاج القطن في الجزيرة وعضد من سطوة «أولاد البحر» وزاد من امتيازاتهم في التنمية بكافة ضروبها.

    المشاكل المزمنة

    أهمها مشاكل الخلل السياسي والتنموي ومن ذلك اهمال القطاع التقليدي وما جره من تهميش الأقاليم التي لم تتعرض للتحديث بشكل مماثل للوسط وشماله. وهنالك عوامل الخصوصية التاريخية والجغرافية للاقليم والمشاكل المزمنة الخاصة به مثل النزاعات القبلية، والنزاع على الموارد، والنهب المسلح، والتأثر بالنزاعات الاقليمية المجاورة، وتدفق بعض قبائل دول الجوار الى دارفور، علاوة على المأساة البيئية التي تعيشها البلاد مع الجفاف والتصحر الذي ضرب بنوبات متكررة متزامنا مع الزحف الصحراوي الذي أحال كثيراً من جنات البلاد صحارى قاحلة.

    المشاكل المستجدة

    هنالك خطة «الانقاذ» وأهم ما فيها تسييس الادارة المدنية والأهلية وبالتالي تقليص فاعليتها، تفريخ التوجهات العرقية والقبلية والجهوية بصورة أعمق، تحول غالبية خريجي التعليم الى فاقد تربوي اتجه للنهب المسلح والعمل السياسي الراديكالي، انتشار ثقافة العنف، الفساد المجاهر الذي ضرب دارفور في مقتل حيث أحال حلم «طريق الانقاذ الغربي» الذي دفع فيه انسان دارفور حصته من السكر المدعوم، أحاله الى كابوس .

    أوله شد حزام وآخره ما جاء على لسان أهل الانقاذ بعد أن أقبلوا على بعضهم يتلاومون وسأل لائم منهم أخاه أين ذهبت أموال الطريق فرد بأن «اتركوا الطابق مستور». ومما استجد أيضا القدوة المتفجرة في «الانقاذ» بمراعاة وتقدير حاملي السلاح فحسب. ثم وجود خريطة جديدة للقوى المسلحة في اقليم دارفور الكبرى تضم الى جانب القوات النظامية حركات المعارضة المسلحة.

    والمليشيات المدعومة رسميا، وجماعات النهب المسلح والمليشيات القبلية، هذا علاوة على تفاقم آثار علاقات الجوار السلبية ابان «الانقاذ».. هذه العوامل عادت سلبا على الوضع في دارفور، وهذا أدى للتحول النوعي في المشاكل الى أزمة حفلت بممارسات من تقاليدها (العنف) وسقطت عليها المظلة الخارجية التي نصبتها سياسات «الانقاذ»، لذلك كان هذا التأزم السريع.

    دور الانشقاق داخل النظام

    ولدى حدوث الانشقاق داخل الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) كان لعضوية الحزب من اقليم دارفور دور في الترجيح بين كفتي التنظيم داخل المؤتمر العام، فانحاز الدارفوريون خاصة من القبائل غير العربية للشق الذي تسمى بالشعبي -لاحقا ـ في التنظيم. وبعد المفاصلة واستخدام السلطة في قمع الشق الشعبي، اندفع هؤلاء في تأجيج الغضب ضد النظام بالاشارة للتهميش الذي يلاقيه الاقليم والاشارة للأبعاد الاثنية في ذلك والى انعدام التوازن في قسمة الثروة والسلطة وحيازة قبائل الجعليين والشايقية على نصيب الأسد فيها..

    وكان أهم المعالم في ذلك صدور الجزء الأول من «الكتاب الأسود» عام 2000م والذي كان واضحا أن الشق الشعبي له فيه يد كبيرة.. وهو كتاب ركز على مظالم غرب السودان وامتيازات قبائل معينة في شمال السودان الأدنى (المجموعة الجعلية في عمومها مع استثناءات قليلة رآها الكتاب). تلك التصرفات اتخذت شعارات العدل والمساواة كلمة حق أريد بها باطل وهو الصراع على الكرسي وهزيمة شقيق الأمس عدو اليوم في السلطة الحاكمة..

    وكان واضحا لكل عاقل اطلع على تلك الشعارات أنها تأجيجية باعثة للغبن أكثر منها باحثة عن حق ضائع أو حل سلمي.. وهي تصرفات أدت لما رمت اليه فقد وقفت البلاد بعدها في فوهة البركان. ان أهل دارفور الآن قبل غيرهم يدفعون ثمنا غاليا فقد أزهقت الأنفس ودمرت القرى وتقاتل الأخوة..

    صحيح ما تذهب اليه ثقافة السلام العالمية وما تبشر به اليونسكو: ان الحديث عن الحرب باعتبارها وسيلة لتحقيق المطالب التي تعذر تحقيقها سلما هو ضلال تؤكد بطلانه الحقائق الواقعية، صحيح قد يحصل حملة السلاح على تنازلات وقد يقتسمون السلطة مع أهل النظام.. لكن تلك الملايين التي تشردت وعشرات الآلاف من الأنفس التي أزهقت، ومئات القرى التي أبيدت أي شيء يمكن أن يعوض عنها من بعد؟!.

    تفجر الصراع المسلح

    التناقضات المشار تم تأجيجها في شكل فتنة لا تبقي ولا تذر، وقد تضافرت مع عوامل الصراع المستوطنة ومستجدات المظالم في دارفور، وبروز نزاعات محلية بين القبائل لم تفلح السلطة في حسمها بادئ الأمر بل وقر في صدر القبائل غير العربية أن السلطة تؤيد الهجوم عليها..

    كل ذلك أدى لحمل السلاح كوسيلة لرفع الظلم ولتحقيق المطالب على نمط الحركة الشعبية لتحرير السودان (التي فجرت حربها في الجنوب عام 1983م) والتي تحصد الآن زرعها المسلح في اتفاقية للسلام حصرية لها مع النظام تمنح بعض حملة السلاح أعلى المناصب، وتؤكد على قسمة للثروة والسلطة جديدة ..

    حتى لو نفحت الاتفاقية بفيضها البعض ستبقى الحرب من أكبر الكوارث للشعب في الجنوب.. وفي المقابل فان تصعيد الحرب كان بتشجيع من النظام الذي أبطل عملية السلام بعد أن رتب جدولها ابان الحكم الديمقراطي، ثم أعلن على لسان رئيسه أنهم تسلموا قيادة البلاد بالسلاح ولا يفل الحديد الا الحديد، ولا يخفى أن الانقلاب العسكري الذي قامت به «الانقاذ» هو النهاية المنطقية لمبدأ تحقيق المطالب السياسية بقوة الحديد والنار، وظل النظام يصم آذانه في مقابل كل النداءات السياسية ولا يلقي بالا الا لحملة السلاح..

    لقد بلغت القدوة الدارفورية بحركة الجنوبيين مبلغ التسمي باسم مشابه، فبدلا عن الجيش الشعبي والحركة الشعبية لتحرير السودان ء/حجذس تسمت احدى الحركتين المسلحتين في دارفور باسم جيش وحركة تحرير السودان ء/حجس والمثل الانجليزي يقول: المحاكاة هي أبلغ درجات الثناء!.

    أصل المشكلة كان الصراع على الموارد وقد تفجر أولا في شمال دارفور مع تفاقم أزمة عرب الشمال الأبالة الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت بفعل التصحر ومحاصرة حركتهم الرعوية التقليدية. فقد كانوا يمرون بديار القبائل ويقيمون بعض الوقت دون أن يثير ذلك احتكاكا بل كانت حركتهم تشكل مع المقيمين اقتصادا تكامليا في الماضي. ومع التقلبات البيئية في الاقليم صارت المجموعات القبلية والعرقية المقيمة تستأثر بأرضها ومواردها.

    وقد بدأت معاناة هؤلاء منذ أوائل الثمانينات ولكن كافة المؤتمرات التي عقدت للرحل لم تأت بسوى حبر وورق وقرارات تودع لمضابط تستقر في بطون الأرفف والأدراج. هؤلاء، وغيرهم من الأجانب الوافدين الذين لا يملكون الأرض في الاقليم، استقر رأيهم على انتزاع (حاكورات) لهم في مناطق حول جبل مرة وحول الجنينة باستخدام القوة ضد أهل تلك الديار، وقد تفجر اثر ذلك نزاع مسلح وقفت فيه الدولة على أسوأ تقدير موقف المتفرج، بيد أن بعض أهل الديار المروعة كان يتهم الدولة بمحاباة العرب الرحل.

    حول مثل تلك النزاعات حملت القبائل المفزعة السلاح في البدء باسم حركة تحرير دارفور ثم أعلن في فبراير 2003م عن تحول الحركة لاسم حركة تحرير السودان وجيشها، والتي لم تكتف بالحديث عن حماية قبيلة أو ديار بل اتخذت شعارات سياسية واسعة تتحدث عن مظالم الاقليم واعادة قسمة السلطة والثروة على غرار خطاب الحركة الشعبية لتحرير السودان. ثم تلتها حركة العدل والمساواة، حركتان تنطلقان من مجاهل جبل مرة أشهر جبال الاقليم وأوفرها بالثمار والطبيعة الخلابة، ومن كرنوي فيما حول الجنينة.

    كانت هذه الحرب على شكل حرب العصابات .. شرسة ومتصاعدة بشكل مخيف وعنيفة بشكل رهيب (فالثوار من شدة حرصهم على كتمان هوياتهم كانوا كما تنقل الروايات يقطعون رؤوس موتاهم ويحملونها معهم للجبل).. كان واضحا أن المسلحين ينتمون لقبائل معينة غير عربية في دارفور تحديدا الفور والزغاوة والمساليت. واستمرت هجمات المسلحين المباغتة والعجز الحكومي في قمعها، وفي سبتمبر 2003 وقعت الحكومة مع المسلحين اتفاق أبشي (في تشاد) القاضي بوقف اطلاق النار..

    والذي مثل هدنة لاعطاء جميع الأطراف زمنا لتستعد بكامل العتاد لاشعال الحرب الأكثر فظاعة في تاريخ السودان الحديث، والتي استطاعت أن تحشد في أشهر قليلة أحداثاً دامية وقصصا مروعة تضاهي تلك التي حملتها حرب الجنوب في أكثر من عشرين عاما. استعانت الحكومة في حربها بمليشيات الجنجويد، والتي كونت من قبائل عربية في دارفور.

    وأخرى مجلوبة من الدول الافريقية المجاورة والبعيدة حيث يؤكد الأهالي أن كثيرا من أعضاء تلك القوات ليسوا تابعين للقبائل العربية في دارفور، وحتى أولئك الذين ينتمون للقبائل العربية وهم كثر فانهم في الغالب منفلتون غير تابعين لاداراتهم الأهلية القبلية ولا هم تحت طوعها حيث أن القاعدة وقوف الادارات القبلية الأهلية العربية بعيدا عن الفتنة العرقية رافضة الاشتراك مع الجنجويد، وفي المقابل لا ينتفي وجود الشواذ على تلك القاعدة..

    كارثة دارفور الانسانية

    حصاد الحرب في دارفور الآن كارثة انسانية محققة.. كارثة تتبعها المنظمات العالمية المهتمة بانتهاكات حقوق الانسان مثل منظمة العفو الدولية (آمنستي) أو منظمة هيومان رايتس واتش، أو مهتمة بالاغاثة الانسانية مثل وكالة العون الأميركي علاوة على منظمات الأمم المتحدة ومكتبها المقيم بالسودان وجهات أخرى. يصدر هؤلاء نشرات مستمرة تحذيرا من الحالة المتردية في الاقليم، ودراسات ترصد ما يجري على أراضي دارفور، بينما الاعلام السوداني الداخلي في أفضل حالاته غائب..

    ولكنه غياب بعضه طوعي بسبب نجاح الاعلام الرسمي المضلل في صرف البعض عن القضية أو عدم تصديق ما ياتي في وسائل الاعلام العالمية، وأكثره قسري وبفعل أجهزة الأمن التي ظلت تحظر التعرض لمأساة دارفور منذ تفجرها، وتحصرها في مقالات مفرقة متناقضة الرأي تزيد من التشويش في المسألة وتجعل المواطن السوداني العادي في ريب مما يكتب ومما يقال..

    فهنالك من المسئولين من ينكر وجود كارثة في الاقليم ومن هؤلاء وزير الشئون الانسانية الذي أكد في لقاء صحفي معه مؤخرا أن الحديث عن وجود كارثة في دارفور هو حديث مغرض لا أساس له من الصحة، وتعتبر الجهات الحكومية أن ما يقال مبالغة بسبب أجندة استعمارية أو لمصالح جهات أجنبية، وهنالك من المسئولين من يذهب لحد القول أنه لم تدمر في دارفور سوى قرية واحدة.. وهنالك من سمعه الناس يقول أن المشكلة هي في انسان دارفور وفي أخلاقه وذلك منحى لا يفوت صرفه عن الحقائق كما لا تفوت عرقيته وجهويته الفجة.. والسؤال: ما هي الحقيقة في دارفور؟

    تقارير المنظمات العالمية العاملة في دارفور:

    تؤكد الدراسات التي بنيت على صور الأقمار الصناعية (وهذه قامت بها كل من منظمة هيومان رايتش واتش ـ أي رقابة حقوق الانسان ـ ووكالة العون الأميركي) وذلك بتسجيل صور الأرض في دارفور في فترتين بين مارس 2003 ومايو 2004 (بالنسبة لمنظمة رقابة حقوق الانسان). تؤكد هذه الدراسات أنه في تلك الفترة تم حرق واسع للقرى التي تقطنها قبائل المساليت والزغاوة والفور. فقد رصدت دراسة وكالة العون الأميركي 600 قرية حرقت خلال الأحداث في دارفور.

    أما منظمة رقابة حقوق الانسان فقد اقتصرت على جزء من غربي دارفور ووجدت أن القرى المحروقة تساوي 44% من القرى بالمنطقة. هذه القرى تتعرض للحرق والقصف الجوي وتعطيل الآبار وهدم المساجد والمدارس المستوصفات.. ويدفع أهلها قسرا لاخلاء المنطقة. وقد ظلت حكومة السودان تؤكد عدم صحة تلك التقارير وتتهم المنظمات التي تصدرها بأجندة خاصة، بينما وجد فرق بين ما تصر عليه بعض تلك المنظمات خاصة منظمة رقابة حقوق الانسان (من وجود تصفية عرقية في دارفور).

    وبين مواقف الأمم المتحدة بل حتى الادارة الأميركية وهي مواقف تؤكد أن ما يجري في دارفور كارثة ولكن لا يمكن وصفه بالتصفية الاثنية او التطهير العرقي. والتقديرات الآن هي أن 2,2 مليون نسمة من سكان الاقليم متأثرون بالحرب بمن في ذلك حتى الآن أكثر من مليون ومائة ألف نازح داخل مدن دارفور في ولاياتها الثلاث.. وهنالك حوالي 158 ألف لاجئ لتشاد، وعشرات الآلاف من النازحين للخرطوم. هؤلاء كانوا يشكلون في غالبهم القوى الزراعية المنتجة الأولى في دارفور..

    وسيشكلون خصما على الانتاج الزراعي للعام المقبل. فالزراعة في دارفور تقليدية وتعتمد على الأمطار، والخريف قد بدأ هناك. والحكومة تتحدث الآن عن اعادة النازحين لقراهم حتى يتمكنوا من زراعة اراضيهم ولكن هذا لن يتم طوعيا حيث يشترط النازحون استتباب الأمن لكي يعودوا من حيث فزعوا..

    وحتى لو تم ذلك بالسرعة الخارقة فان الكثيرين ستكون قد فاتتهم التجهيزات المطلوبة للزراعة وسيكون موسمهم في أحسن الأحوال أقل من كل عام. ولحين اعادة المفزعين لقراهم سيكون على المجتمع الوطني والاقليمي والدولي أن يطعم ذلك المليون ويزيد الذي يعيش عاطلا عن الانتاج بل وعليه أن يطعم الآخرين الذين كانوا يعيشون على انتاجه في دارفور وفي السودان عامة. وهذا المليون وزيادة بعضه يعيش في معسكرات للنازحين أقل سوءا من البعض الآخر..

    المنظمات العاملة في الاغاثة في دارفور

    تشكو المنظمات العالمية من وجود مضايقات في الحصول على أذونات الدخول لكادرها العامل حيث انتظر البعض أسابيع عديدة قبل اعطاء التصريح المطلوب. كما تحظر بعض المناطق على المنظمات وتظل بدون أية خدمات تقدم للنازحين فيها. وهو ما خاطب به المجتمع الدولي حكومة السودان .

    وتم توقيع اتفاق بشأن رفع الحظر وتسهيل المهمة للاغاثة بين الأمين العام للأمم المتحدة وحكومة السودان مؤخرا كما سيأتي تفصيله. وبالرغم من ذلك وفي الولايات الثلاث فان الحضور الأكبر هو للمنظمات العالمية (مثلا في شمال دارفور توجد منظمة انقذوا الأطفال البريطانية ثص-س.

    ومنظمة أوكسفام حءئظد، جول جءدا، وكالة التنمية الألمانية ، ومجموعة تنمية التقنية الوسيطة اشة، ومنظمة الصليب الأحمر العالمية زة. وفي جنوب دارفور توجد بعض تلك المنظمات كما توجد منظمة أطباء بلا حدود الهولندية ب-ئسح، أما في غرب دارفور فتوجد منظمة انقذوا الأطفال الأميركية سص-س، وأطباء بلا حدود الفرنسية ئ-ئسح وميدير ْيفلمح) ثم الوجود التالي للمنظمات التابعة للأمم المتحدة (مثل برنامج الغذاء العالمي ذئط واليونسيف.

    ومنظمة الصحة العالمية، والفاو، ومكتب الأمم المتحدة للتنسيق حول الشئون الانسانية)، وأخيرا المنظمات الوطنية مثل وكالة الاغاثة الاسلامية الأفريقية، المسار، المنظمة السودانية للتنمية «سودو»، والهلال الأحمر السوداني مع تنامي الشك في بعض هذه المنظمات من قبل النازحين خاصة المنظمات ذات الصلة بالحكومة.

    الاختلاف في الأوضاع الانسانية

    ان نظرة سريعة للتقرير الذي أعده المكتب المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشئون الانسانية للسودان حول الوضع الانساني في دارفور توضح أن فجوات الخدمات في المعسكرات كبيرة بشكل مخيف، كما يلاحظ أن وضع شمال دارفور هو الأفضل من ناحية نسب الخدمات المتوفرة، ووضع جنوب دارفور الأفضل من ناحية قلة أعداد النازحين النسبية (في غرب دارفور حوالي ستمائة ألف نازح، في شمال دارفور أكثر من ثلاثمائة ألف نازح، وفي جنوب دارفور حوالي مائة وخمسون ألف نازح فقط). هذه الأرقام هي التي يمد بها تقرير مكتب الأمم المتحدة والذي كتب في أول أبريل الماضي.

    ولكن الزيارات الميدانية تؤكد أن تلك الأرقام نفسها تحتاج للمراجعة الآن.. فالتقرير مثلا يذكر أن مدينة الفاشر بها 091,32 نازح، بينما أكد والي ولاية شمال دارفور في يوم 23 يونيو 2004م أن النازحين بمعسكر أبي شوك فقط (داخل مدينة الفاشر) عددهم 43 ألف نازح. والتقرير يذكر أن النازحين بمعسكر أردمتا بالجنينة عددهم 652,23 نازح بينما أكد المسئولون في المعسكر بتاريخ 24 يونيو 2004م أن عدد النازحين فيه أكثر من ذلك وأنه يتعرض للزيادة اليومية في الأعداد.

    أما معسكر كلمى في نيالا فالتقرير يورد أنه يأوي 173,4 نازح فقط بينما في 25 يونيو وصل العدد الى أضعاف ذلك العدد. . أيضا فان أحداث الضعين في الأسبوع الأول من يوليو 2004 قد نتج عنها عشرات القتلى وعشرات الآلاف من النازحين لم يتم حصرهم بعد. تقديرات الضحايا في كارثة دارفور تدور حول الثلاثين ألف قتيل، وآلاف النساء والفتيات المغتصبات.

    وبعد أن فاتت فرصة ارسال المواد الاغاثية قبل هطول الخريف فان المنظمات الاغاثية تقدر أنه في خلال الشهور الاثنى عشر المقبلة سيلقى ما يتراوح بين مائة ألف الى ثلاثمائة وخمسين ألف نازح حتفهم جوعا أو مرضا. مشاهدات حية في المعسكرات

    المعسكرات في شمال دارفور يشيع فيها الأمن نسبيا، والمعسكرات في جنوب دارفور أكثر سوءا من ناحية انعدام الصرف الصحي وزيادة الاستقطاب الاثني.. أما الحال في غرب دارفور فهو قمة في السوء..

    حيث النازحون يتعرضون حتى داخل معسكراتهم للغارات من الجنجويد وذلك داخل عاصمة ولاية غرب دارفور (الجنينة) .. الشيء الذي حدا ببعضهم للهرب الى جبال مورني بعيدا عن فزعات الجنجويد ولكن أيضا عن مناطق وصول الاغاثات الانسانية!. لقد كنت في رحلة لعواصم الولايات الثلاث، ولا شك أن هنالك فرقاً بين الفاشر (حاضرة ولاية شمال دارفور) وبين نيالا (حاضرة جنوب دارفور) وبين الجنينة في غرب دارفور.. ففي الجنينة يتحرك الجنجويد بالحرية الكاملة.

    وفي طرقات المدينة نهارا جهارا، وقد قتل أحدهم حسب روايات الأهالي أحد المساليت في سوق الجنينة وعلى مشهد ومرأى من الناس، ولما تم تعقبه وسجنه هجمت قوة من الجنجويد على السجن وحررته مع غيره من عتاة المجرمين وذلك في منتصف النهار!!. والناس في المدينة التي تقع داخل دار المساليت يروون روايات تتحدث عن الاستهداف بسبب الاثنية (ولكنها وحسب التعريف الحقوقي الذي تتخذه الأمم المتحدة لا تصلح باتفاق المنظمة العالمية لأن توصف بالتطهير العرقي) ..

    والأخطر من ذلك أن الناس في الجنينة يجمعون على فكرة الاستهداف لاثنيتهم سواء أكانوا مع السلطة أم ضدها مما يعني أن تلك الافادات ليست مبنية على موقف سياسي معين.. اذ حتى بعض قيادات التنظيم الحاكم من المساليت تعرضوا لحرق المزارع ولا يملك المسئول منهم حتى فتح بلاغ ضد مهاجميه!.

    الحكومة بين الانكار والتدويل

    الحكومة السودانية ظلت تنكر وجود أية مشكلة في دارفور خلاف النهب المسلح وقطاع الطرق.. كما أنكرت وجود أية أسباب سياسية أو مظالم تنموية أو تهميش أو تدخلات ادارية خاطئة ساهمت في اشعال نيران الحرب في دارفور.. بل تؤكد على دور عدوها اللدود حليف الأمس (المؤتمر الشعبي) في اطلاق الشرارة واستمراره في تأجيج الفتنة وسعيه لدعم الحرب في دارفور، ظلت تتعامل مع الحرب كأنها ملف أمني داخلي حصري على المؤتمر الشعبي.

    متجاهلة أن شرارة الحرب حينما انطلقت ساهمت فيها عوامل عديدة وشملت كثيرين خارج عباءة الشعبي حركتهم الغباين والتناقضات المشار لها آنفا، وتعاطف مع الجوانب المطلبية والسياسية الكثير من أبناء الاقليم.. أما تصرفات مليشيا الجنجويد (خاصة في غرب دارفور) فقد جلبت على الحكومة سخطا داخل الاقليم وداخل البلاد كلها وفي العالم أجمع، بالصورة التي غطت على انتهاكات حاملي السلاح وعنفهم، وملأت حلوق أهل الضمائر الانسانية أنى كانوا بالغصة.

    وأظهرت النظام في شكل لا يطاق.. وعلى حد تعبير أحد قيادات حزب الأمة بالمنطقة وهو يعترض على أي تنسيق مع النظام (بينما الحزب قد وقع على اتفاق مع المؤتمر الوطني الحزب الحاكم بشأن قضية دارفور) قال: هذا النظام كالقنفذ (أب شوك) ، وأب شوك لا يمكن أن يحضنه أحد!. ظلت الحكومة تنكر الفظائع البشعة التي ترتكبها قوات الجنجويد، وتنكر علاقتها بها، مع أن تلك القوات تمتلك الأسلحة الخفيفة التي وزعتها الحكومة عليها وبعضها يلبس ملابس القوات النظامية..

    بل بعض قادتها ترقى في الرتب العسكرية.. هذا علاوة على أن تلك القوات تستهدف في المقال الأول القوات التي حملت السلاح ضد النظام، وتعيث فسادا فيمن تعيث ظنا بأنهم يناصرون تلك القوات.. وتغطي هجماتها في كثير من الأحيان الغارات الجوية أو البرية من القوات النظامية.

    ان الرسميين الآن ينكرون أية علاقة بالجنجويد وينعون عليهم أنهم ألبوا عليهم العالم، وبعضهم يؤكد عجز الحكومة عن جمع السلاح منهم وعن تتبعهم لدى التبليغ عن غاراتهم المتكررة.. وقد كانت قضية الجنجويد احدى ملفات التدخل الأميركي في المسألة حيث أعلن وزير الخارجية كولن باول لدى زيارته للخرطوم في نهاية يونيو الماضي أن حكومته تتوقع من حكومة الخرطوم أن تعمل على تجريد ميليشيا الجنجويد من السلاح.

    أرادت الحكومة في البداية أن تحل المسألة بمفردها وأطلق بعض الولاة في الاقليم نفرات للقضاء على «التمرد» في ظرف ثمانية وأربعين ساعة ( نفرة والي جنوب دارفور الفريق آدم حامد موسى وقد تعهد بنسف المتمردين وأعوانهم من عالم الوجود منفعلا بنداء سياسي وجهه لتظاهرة أعدتها حكومته بالولاية بضرورة الحسم الفوري لمشكلة الأمن في غضون ثمانية وأربعين ساعة وتلاحظ بعد ذلك انتقال غرفة العمليات العسكرية من الفاشر الى نيالا) .

    وفي فبراير 2004م كونت الحكومة لجنة سمتها قومية لحل المشكلة وكونتها بشكل حزبي ففشلت في تحريك الأمور نحو أي حل.. كما استجاب النظام لنداءات بعض الأحزاب بالتحرك نحو الحل السلمي وعقد اتفاقا مع حزب الأمة ذي الثقل الجماهيري الكبير بالولاية يقتضي عدة معالجات فورية ادارية واغاثية واعلامية كما يقتضي عقد مؤتمر قومي لمناقشة كافة الملفات السياسية والأمنية والخدمية والتنموية والادارية والقبلية في الاقليم، وذلك في 12 مايو المنصرم..

    لكنه اتفاق ظل حبرا على ورق كما قال رئيس الحزب الذي نظم زيارة لوفد عالي المستوى لعواصم ولايات الاقليم الثلاث في 23 ـ 25 يونيو الماضي، وذلك لأن الاتفاق لم تعقبه أية اجراءات على أرض الواقع مع أنه أكد على ضرورة السرعة والتحرك الحاسم في القضية..

    تدخل المجتمع الدولي بدءا بالوساطة الفرنسية الأميركية والتي نجحت في جعل الأطراف يتوصلون لاتفاق بوقف اطلاق النار في 8 أبريل 2004م.. ولكنه وقف للنار يشكو الطرفان من خرق الطرف الآخر له.. فالحكومة تتهم المعارضة المسلحة بأكثر من 43 خرقاً للاتفاق، والمعارضة تؤكد أن قوات الجنجويد بمساعدة الحكومة لم توقف أعمالها الوحشية في حق المدنيين لاتهامهم بمناصرة التمرد..

    ولذلك فان أحداث العنف في دارفور لم تقف برغم الاتفاق المذكور، آخرها كانت أحداث الضعين بولاية جنوب دارفور في مطلع هذا الشهر.. كل ذلك ليس فقط جر أرجل المجتمع الدولي لتلافي تفاقم أكبر كارثة انسانية وتحولها من ترويع ونزوح الملايين الى فنائهم المحقق في معسكرات ستغرق بعد أسابيع قليلة في برك الأمطار، وتترع بالأوبئة، ويشح فيها الغذاء والدواء، وتزيد فيها معدلات الفناء الانساني بشكل مريع..

    بل الى جعل ذلك التدخل مطلبا يكاد يجمع عليه السودانيون أنفسهم، وان ظلت بعض الأحزاب المعارضة تنادي بحل سوداني يكون فيه المجتمع الدولي في موقع المراقب فقط.. أما الحكومة فقد استمرت تنكر وجود كارثة وتستنكر التدخل الخارجي في المسألة.

    زار البلاد تزامنا مع احتفالات النظام بعيد انقلابه كل من كولن باول وزير الخارجية الأميركي الذي جاء في 28 يونيو وغادر البلاد في 30 يونيو، كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة الأميركية في 29 يونيو وحتى 3 يوليو.. كانت الزيارتان منصبتين على مسألة دارفور.

    كانت رسالة وزير الخارجية الأميركي للحكومة السودانية قصيرة ومتعلقة بنزع السلاح من الجنجويد في جدول زمني محدد واغاثة النازحين، كما اقتصرت زيارته على لقاء المسئولين بالحكومة وزيارة معسكرات النازحين في شمال دارفور، ثم مقابلة زعماء القبائل في دارفور.. وقد ووجه باول بنقد من الأحزاب الديمقراطية في السودان فأميركا التي تزعم أنها رسول ديمقراطية في العالم لا تعترف أو تسعى للالتقاء بالقوى الديمقراطية ولكن تلاقي الناس على أسس قبلية.

    حزب الأمة مثلا هو الحزب الأكبر في دارفور بدليل نيله حوالي 85% من مقاعد الاقليم في آخر انتخابات عامة حرة ابان الفترة الديمقراطية عام 1986م ، ولكن باول لم يطلب ملاقاته ولا غيره من الأحزاب، وكانت النتيجة أن ثلاثة من الخمسة الذين طلب ملاقاتهم على أسس قبلية هم من حزب الأمة، بينما رفض أحدهم وهو الدكتور آدم موسى مادبو (نائب رئيس حزب الأمة) أن يلتقي بباول على أسس قبلية وأوفد غيره من قبيلة الرزيقات في جنوب دارفور.

    وقد واجه السيد باول نقدا من رئيس الحزب وجهه من منبر «ندوة الأربعاء» الأسبوعية بقوله: «لم يطلب السيد كولن باول مقابلتنا ولا مقابلة القوى السياسية في البلاد بل طلب مقابلة أبناء الاقليم بصفتهم القبلية. مرة أخرى يتضح الموقف الأميركي الذي فيه حديث عن الديمقراطية فوق رؤوس القوى الديمقراطية. هذا يطعن في مصداقية المشروع الديمقراطي الأميركي».

    أن الدور الأميركي بعد زيارة باول في مسألة دارفور اصبح يتسارع بخطى ربما تسابق أجواء الانتخابات الرئاسية الوشيكة في الولايات المتحدة وتضع في عينها تراجع حظوظ الرئيس بوش في استطلاعات الرأي.. وقد بادرت الادارة بتقديم مشروع قرار لمجلس الأمن لفرض عقوبات على السودان ويثير قضية مليشيا الجنجويد في هذا الملف.

    وفي يوم الجمعة 9 يوليو ناقش مجلس الأمن بالفعل مسألة دارفور وفرض العقوبات على الجنجويد واذا لم تستجب الحكومة خلال شهر تتعرض هي بالمثل للعقوبات. وقد قدم الأوروبيون داخل المجلس مقترحا بحظر السلاح في كامل السودان. وهي تحركات تتم برغم رفض حكومة السودان لها باعتبارها محض تجن، وتتواصل برغم استياء الحركات التي تحمل السلاح باعتبارها تركز على النواحي الانسانية والاغاثية في المسألة وتنسى المسألة السياسية أس الداء.

    الاعلان بين عنان والنظام

    أما السيد كوفي عنان فقد بقى مدة أطول في السودان والتقى بكافة المسئولين وسعى للقاء القوى السياسية والشعبية علاوة على زيارته لمعسكرات النازحين بدافور. وقد بدا السيد عنان غاضبا مما يحدث في دارفور ولكن وقبل مغادرته للبلاد وقع على اعلان مشترك بين حكومة السودان والأمم المتحدة.

    احتوى الاعلان على ديباجة تؤكد الاهتمام بالوضع القاتم في دارفور وضرورة التعاون لازالته، كما احتوى على عدد من المهام تلقى على عاتق الأمم المتحدة فيما يخص: الاغاثة الانسانية ـ الاسراع في مساعدة تطوير قوات مراقبة لوقف اطلاق النار من الاتحاد الأفريقي ـ الاستمرار في المساعدة في الوساطة للحل في الجنوب ودارفور ـ والالتزام وفقا لقرارات مجلس الأمن بالمساعدة في تنفيذ الاتفاقيات التي يتم الوصول اليها في جنوب السودان ودارفور.

    كما احتوى الاعلان المشترك على قائمة من المطلوبات من حكومة السودان:

    ـ مطلوبات انسانية تقتضي: تعليق كافة القيود على العاملين الانسانيين والأذن بحرية تحركهم عبر دارفور ـ السماح بتسجيل منظمات طوعية مؤقتة للعمل في دارفور ـ تعليق كافة القيود على استيراد واستعمال المواد والمساعدات الاغاثية.


    ـ فيما يتعلق بحقوق الانسان: انهاء الحصانة على القوات المنتهكة للحقوق ـ اجراء تحقيق فوري في كافة حالات الانتهاك ـ توفير الامكانيات اللازمة للجنة تقصي الحقائق المستقلة وتنفيذ توصياتها ـ مقاضاة المنتهكين ـ السماح بوجود مراقبين لحقوق الانسان ـ تكوين نظام عادل يحترم التقاليد المحلية ويسمح للنساء المظلومات بالانتصاف.


    ـ وفيما يتعلق بالأمن: نشر قوات شرطة قادرة وقوية في كافة مناطق النازحين ومناطق الهجوم المتوقع ـ تدريب قوات الشرطة على قوانين حقوق الانسان وتنصيبهم حماة عليها ـ التأكد من عدم وجود أية مليشيات حول معسكرات النازحين ـ البدء فورا في نزع سلاح الجنجويد وكافة القوات المنفلتة ـ الاسراع في اعادة بناء الثقة لدى المتأثرين بالحرب، وألا تتم أية اعادة للنازحين لقراهم الا طوعيا.

    ـ وحول الحل السياسي للنزاع في دارفور: استئناف محادثات السلام في دارفور بأسرع ما يمكن للوصول لحل سلمي يوافق عليه جميع أطراف النزاع ـ وبما أن السلام في دارفور مطلوب للسلام في الجنوب، على الحكومة الترحيب بدور المجتمع الدولي في المساعدة في تنفيذ الاتفاق النهائي للسلام في دارفور.

    وحول آليات تنفيذ الاعلان، اتفق الطرفان على تكوين آلية مشتركة عالية المستوى للمتابعة والتطوير ورفع التقارير الدورية حول تقدم عملية تنفيذ الاتفاق.

    ان الأسئلة المطروحة حول هذا الاتفاق كثيرة أولها حول الاطار الزمني المطروح لتنفيذ الاتفاق.. فالاوضاع الانسانية في دارفور يلعب فيها الوقت أدوارا حاسمة.. ولكن أهم ما يمكن أن يعاب على هذه الضغوط الهامة والمطلوبة من لاعبين هامين في المجتمع الدولي أنها تجاوزت مطلبين هامين عاجلين لا يمكن لعمليات الاغاثة الانسانية أو الاستقرار الأمني أو المحاسبة على الجرائم أو الحل السلمي المزمع أن تتم بدونهما وهما:

    أولا: الاصلاح الاداري: فبالأجهزة الادارية الموجودة حاليا وبالمسئولين الذين ساهموا في تعقيد المشكلة بشكل كارثي، فان أي اتجاه للحل السلمي ستقابله مشكلة انعدام ثقة.

    ثانيا: الخط الاعلامي: فالخط الاعلامي الحكومي الآن مضلل وتقع فريسته أغلب الصحف المحلية، وحتى تلك التي تحتفظ لنفسها بخط مستقل عن الحكومة مثل صحيفة «الأيام» فانها تجد مضايقات من الأمن ذلك أن موضوع دارفور من موضوعات التدخلات الأمنية في الصحف داخل السودان. أجهزة الاعلام الأبلغ أثرا والأكثر انتشارا مثل التلفزيون والاذاعة هي أجهزة مملوكة للدولة وتلعب دورها المرسوم بالتعتيم على القضية واظهارها على غير حقيقتها..

    ان استنفار المنظمات الطوعية للعمل في دارفور ومحاولة تلافي الكارثة الانسانية المحققة بقدر المستطاع لا يمكن أن تتم في ظل اعلام يشكك في مصداقية التقارير حول ما يحدث في دارفور ويحاول أن يقول أنه لا توجد في دارفور أية مشكلة تسترعي الالتفات.


    ان الاهتمام الدولي بقضية دارفور على رأسه الآن قمم دولية بدليل زيارتي باول وعنان. أما اقليميا فقد أعطى الاتحاد الأفريقي للمسألة اهتماما ومساحة أقل في بحث القضية، ولم يخرج بموقف واضح يدين ما يجري في دارفور الشيء الذي اعترض عليه الأديب النيجيري الحائز على جائزة نوبل «وول سوينكا». ان مساعدة الاتحاد الأفريقي للسودانيين في قضية دارفور أسفرت عن 300 جندي يرسلون لمراقبة وقف اطلاق النار في دارفور كاقليم بحجم فرنسا كلها..

    بل ان الاتحاد يبحث الآن امكانية أن تشمل مهمة ذلك العدد أيضا حفظ الأمن في معسكرات النازحين.. وهو عدد لن يكون أمام أعداد القوات والمليشيات الموجودة وسلاحها المهول سوى شمعة تضيء لشمس الظهر!. الاتحاد الأفريقي يحاول الآن التوسط في القضية وجمع الأطراف المتحاربة للحوار، وها هي حركة العدل والمساواة تصرح برفضها فكرة الاقتصار على الاتحاد الأفريقي بل تريد حضورا دوليا أوسع..

    وبعد زيارة باول وعنان، فان الخرطوم استقبلت وزير خارجية ألمانيا يوشكا فيشر الذي أعربت بلاده عن قلقها فيما يخص دارفور ، وهي الآن تستعد لزيارة وزير خارجية فرنسا ميشال بارنييه في نهاية الشهر.. من جانب آخر هددت بريطانيا باستخدام عقوبات على السودان في حال عدم تعاونه في حل المشكلة، متناغمة مع الاتجاه الأميركي المشار اليه. ماذا بعد؟







    =========
    http://www.albayan.ae/servlet/Satellite?cid=10901250527...%2FFullStyle3&c=Page

    (عدل بواسطة sympatico on 07-21-2004, 06:51 AM)

                  

07-21-2004, 04:25 AM

محمد عبدالرحمن
<aمحمد عبدالرحمن
تاريخ التسجيل: 03-15-2004
مجموع المشاركات: 9059

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دارفور تعج بتناقضات مزمنة في بلد المهمشات المتعددة --- بقلم : رباح ال (Re: sympatico)

    سمكيتو


    كل الود

    مقال جدير بالقراءة
                  

07-21-2004, 06:34 AM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دارفور تعج بتناقضات مزمنة في بلد المهمشات المتعددة --- بقلم : رباح ال (Re: محمد عبدالرحمن)

    كالعهد بها دائماً
    بعد نظر
    وإتقاد قريحة
    وقوة بصيرة
    لك التحية رباح على هذا المقال القيم.
    ولك التحية أخي سايمبتيكو لإيراد هذا السفر
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de