|
Re: باول والسودان و"الحرب العالمية النفطية" .......... سعد محيو (Re: Omar)
|
شكراً.. باول في دارفور ................ محمد الحسن أحمد ظل السودان طوال الأسبوع الماضي في دائرة الأضواء العالمية نتيجة لزيارة كل من كولن باول وكوفي أنان له للوقوف على مسببات وآخر تطورات مأساة دارفور، ومعرفة إمكانية الحكومة ورغبتها في ضبط الأمن وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.
وفي المبتدأ تضاربت الأنباء حول الرسائل التي حملاها إلى الحكومة بين مفسر لها بأنها رسائل إدانة وتهديد وتمهيد لتدخل عسكري، بسبب التهم الخطيرة حول التطهير العرقي والإبادة الجماعية، ومرجح أنها رسائل تعبر عن أمل في إمكانية التوافق مع الحكومة في معالجة الأوضاع المأساوية بالتعاون من الجانبين حفاظاً على الأرواح في دارفور، وكذلك السلام الذي ما زال طرياً في الجنوب، والذي يُراد له أن يستمر ويتعزز حتى يشمل دارفور وكل أرجاء السودان.
وفي نهاية الزيارة، حسم كولن باول كل المزاعم المروّجة للتطهير العرقي، والإبادة الجماعية بتصريحات أعلن فيها “ انها ليست صحيحة، وان الأزمة لا ينطبق عليها وصف إبادة، حتى وإن بدت خطيرة جداً، وأن ما جرى في دارفور لا يشبه ما حدث في رواندا”.
وكان باول أكثر تحديداً ووضوحاً في مقابلة مع إذاعة “إن.بي.آر” الأمريكية، عندما قال: “استناداً لما شهدناه، هناك مؤشرات، ولكن بالتأكيد ليس كل المؤشرات حول التصنيف الشرعي للإبادة في هذه المنطقة، وهذا هو رأي الحقوقيين الذين يعملون معي”. وأضاف: “إنه ما كان ليتردد في استعمال كلمة إبادة لو توافرت شروط مثل هذا التصنيف”. ورفض تشبيه ما يجري في دارفور بالإبادة التي وقعت في رواندا ،1994 مؤكداً أن “الوضع ليس شبيهاً بوضع رواندا”. وقال إنه مهتم بشؤون الناس أكثر من اهتمامه بالتصنيفات القانونية واصفاً الوضع في دارفور بأنه كارثة.
ولا يختلف اثنان مع ما قاله باول من أن الوضع هناك كارثة. ولا بد أن يُشكر باول على صراحته ووضوحه بأن ما جرى ويجري هناك ليس إبادة ولا تطهيراً عرقياً. ولكن تلك التخرصات والمزاعم روّجت لها دوائر معينة في الإعلام الأمريكي وفي الكونجرس أيضاً، فعسى بعد هذه الشهادة من وزير الخارجية أن تكف عن الاستمرار في ضخ هذه المزاعم.
نحن لا نطالب بذلك دفاعاً عن حكومة السودان، بل دفاعاً عن شعب السودان الذي يؤذيه مثل هذا البهتان، ويلطخ سمعة نسيجه الوطني، فالحكومة بلا شك مقصرة ومسؤولة عن جلّ ما جرى في دارفور، ولكن أن تُنسب أخطاء الحكومة إلى الشعب، وأن تخرج عن سياقها في الوصف، فهذا ما يلزم التصدي له من كل سوداني وطني. وهذا ما نفعله، ولأننا ندرك مرامي تلك المزاعم، ونعرف أن المقصود بها ليس حكومة السودان وإنما العرب عموماً، والسودان والعلاقات العربية الإفريقية على وجه الخصوص، فإننا نتصدى لهذه الهجمة الشرسة ونحسب أن ما ورد على لسان باول هو صفعة لكل الأصوات التي ارتفعت في الولايات المتحدة مطالبة بإنزال عقوبات على السودان وإرسال قوات لمنع ما وُصف بالتطهير العرقي والإبادة الجماعية.
ولعل في شهادة كولن باول أوضح إجابة على كل الذين هالهم التضخيم الذي صاحب الحملة الشرسة على السودان حول مأساة دارفور، خاصة أولئك الذين انساقوا وراء تلك الأكاذيب متحسرين على ما حسبوه أصاب أهل السودان من دمار للنسيج الاجتماعي وأولئك الذين اعتبروا أن عرب السودان قد جلبوا لهم المزيد من الأزمات والنكبات بحسبانهم من الذين يمارسون التطهير العرقي ضد إخوتهم الأفارقة والذين من ملّة الإسلام أيضاً.
وبالطبع ان أهل السودان وعرب السودان براء من هذه التهمة، وغالبيتهم يعلم تمام العلم أن وراء هذه المزاعم جهات يسرّها دوماً النيل من العرب ومن مكانتهم والعمل على تدمير نسيجهم الاجتماعي وتدمير العلاقات العربية الإفريقية، علماً بأن أكثر من ثلثي العالم العربي في القارة الإفريقية، وأن العلاقات العربية الإفريقية مرشحة بحكم الجغرافيا والتاريخ لأن تترسخ وتتقوى وتصبح قوة كبرى ضمن أطر التكوينات العالمية الكبرى.
لقد وجدت هذه الجهات الخبيثة في هذا الصراع الذي يتجدد من حين إلى آخر بين شرائح من عرب رعاة ومواطنين من المستقرين في دارفور مدخلاً إلى الترويج له بأنه صراع عنصري، وان العرب يحاولون طرد إخوتهم الأفارقة من ديارهم وإحلال عرب آخرين مكانهم، وأن الحكومة تدعم هذا التوجه وتشجع هجرة عرب آخرين من تشاد إلى السودان وتعمل على إبادة المواطنين المتحدرين من أصول إفريقية، وهذه كلها افتراءات ما أنزل الله بها من سلطان لأن معظم القبائل العربية بعيدة عن هذا الاحتكاك، وكذلك غالب المتحدرين من أصول إفريقية غير منخرطين في هذا التراشق المرفوض والمدان من معظم أهل السودان. ولعل أبرز دليل على صدق ما نقول إنه ما من زعيم قبلي بارز ظهر وراء هذه المجموعة أو تلك، بل إنهم جميعاً لم ينزلقوا في هذه المسالك ولم يسمحوا لغالب أهل عشائرهم بالانخراط في أتون هذه الفتنة.
وإذا أمعنا النظر في خلفيات الحركتين المتمردتين، فالأولى هي حركة “العدل والمساواة” زعيمها الدكتور خليل إبراهيم من أبناء دارفور المنتمين إلى الحركة الإسلامية التي يقودها الدكتور حسن الترابي، وتتمركز حركته حول جبل مرة، وقد كان يشغل مناصب وزارية عدة في حكومة الإنقاذ قبل الانقسام، ما يعني أن ظلالاً من الصراع السياسي بين الحركة الإسلامية وراء اشتعال نار هذه الفتنة ومحاولة توسيع رقعتها وإخراجها من سياقها الطبيعي. أما الحركة الثانية، “حركة تحرير السودان” فيتزعمها عبدالواحد محمد نور المحامي وهو يُعتبر من الناشطين في الحزب الشيوعي، ما يعني أن هذه الحركة أيضاً تنتمي إلى عقيدة أيديولوجية. ولهذا نلمس بين الحين والآخر صراعاً بين الحركتين وصراعاً داخل الحركتين وبيانات تقصي هذا أو ذاك وما إلى ذلك من تناقضات، ما يشي بأن القائمين على هاتين الحركتين يمارسون اللعب على أوتار تمس النسيج الاجتماعي وتحاول استغلال الكيانات القبلية في أبعاد أيديولوجية لا صلة لها بواقع الحال ولا بحقيقة المشكلات التي ينبغي أن تُطفأ لا أن تُستغل على هذا النحو الذي لا يجلب إلا الدمار لأهل دارفور وللسودان ولا يعود بأي نفع على أي من الحركتين.
إن مثل هذه التنظيمات القصيرة النظر لن يُكتب لها النجاح، ولكنها كما نرى تستطيع أن تسهم بنصيب ضار جداً في تغذية كل القوى المتربصة بالسودان لبث دعايات مغرضة عن سمعة السودان ومكانة السودان، وهي في النهاية ستخسر وتندحر مهما نالت من سمعة ومكانة السودان. وهي بلا شك الآن تلقت صفعة كبيرة من كولن باول وزير خارجية أمريكا، حيث كانوا يأملون أن ينساق وراء دعاوى التطهير العرقي والإبادة الجماعية ويتبنى الدعوة للتدخل العسكري وكل ما سوف يترتب عليه من إلحاق ضرر بمكانة وسمعة السودان، فضلاً عن تمزيق اتفاق السلام الذي ما زال طرياً.
محمد الحسن أحمد
| |
|
|
|
|