|
الوان من الحب ... وللحب الوان.. الي د. بيان و المطر
|
الى هذين الشفيفين ... اهدى هذه الخربشات التى قد لا ترقى الى طول قاماتهما السامقة ولكنها محاولة لمجاراة العزيوة بيان فى كتاباتها بهذا العنوان ....لعلها تواصل ...
الوان من الحب ... وللحب الوان عندما هبطت بنا طائرة خطوط الماليف فى مطار فريغى الدولى فى باريس الشرق ( بودابست ) ... لم اكن اتوقع ان يطول انتظارنا الى هذا الحد لانهاء معاملات الجوازات ... ولكن زال سبب اندهاشى عندما رأيت ان الطائرة التى اقلتنا من دبى تعج بالعديد من الجنسيات المغضوب عليها من العرب والايرانيين وغيرهم ... وعند خروجى من المطار وجدت امامى شابين سودانيين تعرفا على دون مقدمات على طريقتنا السودانية وعرضا على ان ارافقهم فى سيارتهم الى قلب المدينة .. وقد كان ذلك ..ومن ثم بدأت رحلة البحث عن فندق .. ولسؤ حظى لم أعثر على فندق مناسب حتى انقضى النهار كله ...وبدأ الليل العباءة يرخى سدوله فعرض على احدهم ان ارافقه الى داخليتهم حتى نستطيع ان ندبر أمرنا صباح اليوم التالى ... وفجأة استطاع صديقى عبر بعض الاتصالات ان يجد لى غرفة مع امرأة تؤجر بيتها للسياح . فذهبنا الى هناك .
كانت صاحبة الشقة امرأة فى الخامسة والخمسين من عمرها... قصيرة القامة ...بدينة من غير ترهل شانها شأن نساء شرق اوروبا قويات البنية ..ترتسم على وجهها ابتسامة دائمة... تزيد من تورد خديها اللذان يتحولان الى اللون الاحمر عندما تضحك هذه العجوز من القلب ...عيناها بلون الفستق ...نظراتها حادة ...وفى عينيها مسحة حزن دفين ...يرتسم الشيب فى خطوط متوازية عند مفرق رأسها اثرا لسنوات العمر المديد ...
صافحتها فأحسست بحرارة مصافحتها وترحيبها عندما ضغطت على يدى بشدة ...فتحت لى غرفة من غرف منزلها الانيق المرتب ... يبدو أنها لم تعتد فتحها لكل السياح .. ومنذ تلك الليلة بدأت ايامى تترى مع تلك العجوز ..فى تلك البناية فى شارع بارتوك بيلا فى قلب بودابست ...منذ الوهلة الاولى احسست باهتمامها الفائق بى ...كانت تعلمنى كل يوم بعض العبارات التى تعيننى على التواصل ... عبر هذه اللغة التى يطلقون عليها لغة صين اوروبا لصعوبتها ..كنا ننكب على الخارطة وتؤشر لى على الاماكن السياحية فأغيب يوما او يومان فى مدن أخرى ,,,ولكنها كانت تغلق تلك الغرفة الاثيرة لديها ولا تؤجرها لاحد حتى اعود .. كانت تغمرنى بحنان فياض ...كانت تظل طوال الليل ساهرة تنتظر عودتى من الديسكو ... كانت تسألنى عندما أهم بالخروج وتعرف مكان توجهى ...كانت تتأبط ذراعى ونذهب سويا لمشاهدة غروب الشمس على ضفة نهر الدانوب ...كانت تحيطنى بدفء اسر ... كانت تسألنى عن امى فاقول لها أنها رحلت عن عالمنا فتنهمر دموعها على خدبها فيصيبها الحزن فيحمر وجهها كله .
سالتها يوما عن صاحب الغرفة وعن الصور المعلقة فيها فعرفت انه ابنها الذى هرب الى الغرب فاستهواه بذخ الحياة فيه ولم يعد ...وتركها وحيدة لليل والاسى وفريسة للذكريات أ حسست.ان هذه المرأة تحبنى كأبنها.. شملتنى بحب ابوى غامر ... وعاطفة دفاقة ... ولم تعاملنى كسائح يكتب اسمه على دفاترها ويقضى بضعة ايام ثم يمضى فى حال سبيله .. انه شىء مذهل ... اننى احب هذه المشاعر الانسانية المليئة بالدفء والنبل والتى تمس حشاشة القلب.
وعندما حانت ساعة الرحيل بعد اكثر من شهر قضيته فى هنغاربا أغير تاريخ سفرى مرة بعد أخرى نزولا عند رغبة هذه العجوز وقفت تودعنى فظل هذا المنظر محفورا فى تلافيف الذاكرة وربما يظل فيها الى الابد ... كانت تبكى بحرقة وطلبت منى ان اقبلها على خديها ... فقبلتها ومن ثم طبعت على خدى قبلة دافئة وسط دهشة وذهول اصدقائى ... ولم تنقطع صلتى بها حتى حين ... انه لون من الحب .... وللحب الوان ....
احمد داود
|
|
|
|
|
|