الحقيقة، المصالحة والمغفرة فى السودان-جون كيمو سلفيو أجينق

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 09:43 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-25-2004, 07:58 AM

Amjad ibrahim
<aAmjad ibrahim
تاريخ التسجيل: 12-24-2002
مجموع المشاركات: 2933

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الحقيقة، المصالحة والمغفرة فى السودان-جون كيمو سلفيو أجينق


    الحقيقة، المصالحة والمغفرة فى السودان
    جون كيمو سلفيو أجينق
    [email protected]

    مثلما فشل التاريخ فى معرفة عدد العبيد والمسترقين الذين سلبوا من القارة الأفريقية فيما بين القرنين السادس و التاسع عشر الميلادى، كذلك لم يستطع الخبراء و الأحصائيون من تحديد عدد الذين ماتوا أو تضرروا من الحرب الأهلية السودانية التى استمرت مدة واحد وثلاثين عاما من جملة الثمانى وأربعين سنة هى عمر إستقلال السودان. التقديرات الجزافية للمنظمات الدولية تقول بأن حوالى المليونين ونصف المليون قد ماتوا بجانب أربعة ملايين تم تشريدهم فى جميع أصقاع الأرض. لقد زار الحبر الأعظم البابا يوحنا بولس الثانى المكان المعروف ب "بوابة اللا عودة" فى السنغال ؛ والتى كان العبيد يرحلون عبرها الى أمريكا للعمل فى المزارع والحقول ، وقدم إعتزاره للبشرية عن الإهانة التى صفعت وجه الإنسانية جراء هذه التجارة البشعة فى حق الأفارقة. الرئيس الأميريكى الأسبق بيل كلينتون زار نفس المكان فى العام 1998لكنه لم يقدم إعتذاره عن الرق. كذلك خلفه الحالى؛ الرئيس جورج بوش (الأبن) زارالبوابة بعد فوزه بكرسى الرئاسة إلا انه ،هو ،الآخر لم يقدم على إى إعتذار رغم أنه أبدى أسفه. وعلى الرغم من التقدم المزهل والتطور المدهش الذى بلغته الولايات المتحدة الأميريكية ؛إلا ان مسألة العبودية والرق تظل الشوكة التى تؤلم خاصرتها وأحدى العاهات المستديمة التى لا يرجى برءها منها. من يدرى ربما كان الأعتزار هو الحلقة المفقودة.

    ما ينطبق على الولايات المتحدة قد ينطبق على السودان إذا لم نتدارك آثار الحرب المنتهية وتبعاتها الموجعة. بعد التوقيع النهائى على إتفاق السلام بين الحكومة السودانية و الحركة الشعبية لتحرير، الذى سيضع النهاية لأطول حرب دارت فى تأريخ أفريقيا الحديث؛ ستتشكل حكومة وحدة وطنية عريضة القاعدة تستوعب كل الأحزاب السياسية فى السودان. وربما لأول مرة فى تأريخ السودان ؛ ستأتى الحكومة مكونة من كل أقطاب الرحى و الأضاد فى السودان، خلافا لما عرفناه فى الماضى القريب والبعيد من حكومات تأتى عن طريق الوفاق اوالإئتلاف. و يحدونى الأمل فى ان تكون أولى المهام والواجبات الوطنية لهذه الحكومة الوطنية هى زيارات ميدانية الى المناطق التى كانت ساحات للوغى و المعارك الطاحنة؛ ليس فقط بين قوات الحكومة السودانية و الجيش الشعبى لتحرير السودان ؛ بل بين مختلف الفصائل التى تمردت على الخرطوم و المليشيات المحلية وتلك المرتبطة بالحكومة فى الخرطوم. كماأتمنى ان تبدأ هذه الزيارات بالمنطقة المعروفة بمثلث الموت ( واط - كونقور- وإيود) بجنوب البلاد. ففى ذلك المثلث إزيلت كل أخضر ويابس عن سطح الأرض ولم يترك حيوان او دابة تدب فيها او بنى آدم على قيد الحياة. والذين نجوا من المعارك بإعجوبة؛ ان لم نقل بمعجزة، لم يكن من سبيل امامهم فى العيش والحياة إلا ان يقتادوا من أغصان الأشجار وبقايا الحيوانات الميتة و المتعفنة. ولا زلت أستذكر بمرارة شديدة تعليق مراسل الأذاعة البريطانية الذى زار المنطقة،إبان فترات الأقتتال، ولم يصدق عيناه عندما رأى الناجين من الموت وهم مازالوا أحياء يمشون فعلق قائلا: " أننى أرى هياكل عظمية تتحرك...وتأكل الأغصان وأوراق الأشجار..". كذلك مدينة فشلا الواقعة على مقربة من الحدود السودانية الأثيوبية؛ ففيها نرى العجب والعجائب، فعلى إمتداد اكثر من خمسين عاما كان أجساد الموتى تجمع وتكوم فى المدينة بطريقة متواصلة لعدة سنين لعدم إمكان حفر القبور لهم حتى تشكل بعد ذلك جبل أبيض من عظام الآدمية يبلغ عرضه عشرات الكيلومترات وإرتفاعه شاهقا ؛ يمكن مشاهدته من على بعد بعيد ؛ من تلال المدن الأثيوبية و السودانية فى فترات الليل ،حيث ينبعث منه أضواء فسفورية بيضاء وكأن بقايا تلك العظام والبقاايا البشرية تلامس النجوم والأجرام السماوية اوكأنما هذه الأجرام والنجوم هى مصدر هذه الشعاع. الليالى الظلماء تعطيك إنطباعا مخيف عن مدينة فشلا وكأن امامك (ابولمبة) المعروف فى القصص والأمثال الشعبية فى نواحى عديدة من السودان.

    هذه الصور والمشاهد الحية، والتى تكاد تكون خيالية، تعد القليل من الكثير فيما يتعلق بمجريات الحرب فى السودان، عليه فهى التى تقف امامنا قبل ان نعلن قرار نبذ الحرب و عدم اللجوء الى الإقتتال وحمل السلاح فى المستقبل مهما سادت الخلافات و التناحر بيننا. طبعا كلامى هذا لايقع ضمن فقه الضروريات التى تبيح المحظورات، لأن الذين حملوا السلاح فى وجه الخرطوم كان بدافع الأهمال المتعمد واللا مبالة المعهودة الى استمرت رغم الصبر و... والصبر .. وثم الصبر حتى قهرهم الذل والهوان وبالتالى عجزوا عن الصبر سيما والظالم كان لا يجيد فهم لغة ومنطق آخر غير منطق ولهجة الأستفزاز الملجىء المولد لإسباب العنف. هذه هى نتيجة الظلم والمظالم التى لابد من الأعتراف بها قبل البدء فى مرحلة الصلح و المصالحة ومن ثم طلب المغفرة. لذا يجب ان تكون مسؤلية الحكومة الوطنية ، فى المقام الأول ؛ هى الأعتذار للشعب السودانى ؛ أصالة عن نفسها ، نيابة عن الحكومات السابقة وكذلك نيابة عن كل الأحزاب السياسية التى ستقبل بالحكومة الوطنية القادمة . مسؤلية الحكومة فى تحمل وزر الحكومات السابقة مسؤلية أدبية و أخلاقية و قانونية على حد سواء بإعتبار ان بعض الذين ساغوا القرارات الخاطئة فى الماضى سيدخلون هذه الحكومة او سيقبلون بالوضع الجديد المتمثل فى قبول إتفاقية وقف إطلاق النار و الركون الى التسوية السلمية والسلام لحل الخلافات السياسية. كما ان الكثيرين فى هذه الحكومة سيمثلون أحزابهم ، والتى ماهى إلا إمتداد طبيعى لتلك الأحزاب التى ساهمت او شاركت بصورة او بأخرى فيما آلت إليه الأمور فى السودان. لقد استرعى إنتباهى الشجاعة غير المسبوقة للدكتور/ غازى صلاح الدين العتبانى المستشار السابق للرئيس/ عمر البشير، عندما أعترف صراحة بان الحركة الإسلامية دمرت السودان ولم تكسب شيئا...وقبله قال الدكتور/ حسن عبدالله الترابى، وذلك قبل إنشقاق المؤتمر الشعبى عن الوطنى، بان القائميين على السلطة فاسدون. ان أهمية هذه التصريحات تؤكد الأعتراف بالأخطاء توطئة لتصويبها وهى مؤشر صحاح على ان مرحلة محاسبة الذات والنفس، قبل الغير، قد أزفت. ضف الى ذلك ان مرحلة ما بعد السلام فى السودان تتطلب ان نحاكم انفسنا قبل ان نتمكن من الحكم على غيرنا حتى نستطيع مد جسور الثقة والإطمئنان الى بعضنا البعض.

    قرار شن الحروب او إحداث الخرائب يأتى غالبا من أشخاص او أفراد يمثلون وجهة نظرهم او وجهة نظر تنظيماتهم السياسية و الفكرية الى حد بعيد، وهذا ينسجم بشكل دقيق مع المثل:" يعملوها الكبار ..ويدفع ثمنها الصغار.."بحسبان ان أكثر المتضرريين من الحروب هم الشعوب كما ان فواتير الحروبات تسدد على الدوام من الضرائب والجباية التى تفرض وتستقطع من دخول المواطنيين البسطاء ومن عرق عملهم الدوؤب بينما الحكام يتمتعون بالحصانة منها. فلو كان بيد المغلوبين على امرهم حيلة لما رضوا بحمل السلاح و الشقاء بغية نيل المطالب والإستحقاقات التى يرجونها. ورغم ان هذا يدحض دعاوى المثاليين فى عدم اللجؤ للعنف او القوة، إلا انه لا يعنى بان الحرية يجب ان تاتى من دون ثمن مدفوع مقدما. الحرية بطبعها لا توهب بل تؤخذ و تنتزع بإصرار وعزيمة وثورة لكن الطامة الكبرى تكمن فى ان ما دفعه السودان( كشعب)، فى سبيل الحرية و الديمقراطية منذ فجر الإستقلال والى اليوم، تفوق بكثير مقدرات البلاد وطاقاتها وهذه الحقيقة تأكدت لأن الحرب قد أنهكت كل طرفيه ولم يعد الشعب بقادر على سداد المزيد من الفواتير فى وقت عجز فيه الطرفان تحقيق نصر على الآخر الشىء الذى دفعهم الى إعمال العقل.

    من التبسيط القول بان الأعتراف بالذنوب و الأخطاء وحدهما تحقيقان الشىء المبتغاء ، إذ لا بد من تصحيح الأوضاع بعد مرحلة الأعتذار. الأعتزار بطبعه لا يعنى المحاسبة والإدانة الدامغة بقدر ماهو العمل فى قرارة نفوسنا على عدم تكرار أخطاء الماضى وإخفاقاتها الرهيبة. أوربا التى نشاهدها اليوم، ظلت ولعهد قريب جدا تصطلى بنيران الحروبات إلا أنها تسامت عن إرتكاب الأخطاء بحق شعوبها ووضعت علامة فارقة امامها بعدم تكرار مجازر الماضى، واستمعت لأصوات العقلاء من بين أبناءها الذين آمنوا بمبدا نبذ الحروبات تمشيا مع المنطق المصرى القائل بأن: " الطلقة اللى ما تقتل تدوش". وهكذا نجحت فى بناء حضارتها التى يعتذ العالم اجمع بها رغم ان مشاكلها بدأت ؛ بالضبط ، كما بدأت مشاكل السودان: مثلا ، مقتل ولى عهد النمسا كان السبب المباشر لإندلاع الحرب العالمية الأولى. الإيمان بالمبادىء و العمل على ديمومتها يعتبر اول الركائز لخوض عملية البناء والوحدة ان كنا نريد لهذا السودان ان يكون، وإلا فأنه سوف لن يكون.عقب تصفية النظام العنصري فى جنوب أفريقيا، تنبأ كثير من المحليين السياسيين والأستراتيجيين بحرب شرسة بين البيض و السود بسبب مرارات الماضى والوضع المذرى للغالبية العظمى من السود وتكهن الجميع بنهاية دولة جنوب أفريقيا وإستحالة العيش المشترك بين البيض والسود، إلا ان تسامى شخصية نلسون مانديلا وحزبه/ المؤتمر الوطنى الأفريقى حول خيبة الأمل الى شعار واقعى معاش. السيد/ الصادق المهدى؛رئيس الوزراء السابق تحدث هذه الأيام محذرا من وضع "طالبانى" فى الشمال ومن "بورندى" فى الجنوب والعبرى سيكون بمن وبكيفية تحويل ما هو قادم بشكله البشع الى سلم وتفاهم أعمق وعيش مشترك؟ هل السودان بحاجة الى نهرو او غاندى نؤتى به من الهند او مانديلا نستعيره من جنوب أفريقيا، ام ان جمهورية السودان مازالت حبلى بالأبطال يمكن ان يترجلوا كما ترجل مانديلا ومن قبله نهرو وغاندى؟ هل يمكن ان يصبح الدكتور جون قرنق مانديلا يبرز من الجنوب .. وعلى طه فرديريك ديكيرك يطل برأسه من الشمال، علما بان هذه الفرصة هى الأخيرة والوحيدة فى ان يكون السودان موحدا او ان لا يكون وان يكون الشعب السودانى واحدا موحد من نمولى الى تورا بورا( حلفا) ومن الجنينة الى مذار الشريف او ان لا يكون؟! لا يخلو بيت فى السودان، تقريبا، لم يضحى بأبن او بنت فى أتون الحرب وهذه الحقيقة وحدها تعزز من روح المصالحة والصفح والمغفرة وتجعلنا نؤمن إيمانا أمين ومنقطع النظير بقدسية الحياة والأخوة كبشر أتوا من آدم ونؤلف المحبة ونتحلى بالعفو والتسامح مهما عظمت الكبائر فينا وبيننا. فكلنا أبناء الله ولا فرق بين المسلم والمسيحى والوثنى وهو الذى يعطينا أسباب الحياة و يهب الشمس والمطر وكل خيرات الدنيا لجمعينا من دون فرق او تمييز.

    ثم هنالك إبرام تهعد جماعى بعدم إدخال البلاد و العباد فى مثل هذه التهلكة مستقبلا. وذلك بإسقاط الشعارات التى تدعوا الى التناحر والتفرقة، كتلك التى بدأت تطفو على السطح هذه الأيام، او بعضها من المتبقى فى جعبة بعض احزابنا السياسية كتلك التى توحى بالإقتصارية العرقية و السياسية او بالتهميش والأفعال التى تمتهن كرامة الأشخاص كالوسائل المستخدمة من قبل أجهزة الأمن فى التحقيقات وغيرها من الملابسات. لقد وقعت الأحزاب فى الماضى على ما يسمى ب"ميثاق الدفاع عن الديمقراطية" إبان فترة الديمقراطية الثالثة وسرعان ما أصبح ذلك الميثاق حبر على الورق؛ عندما لم يستطع الصمود امام أول مؤامرة ضد الديمقراطية فى ليلة 30 يونيو 1989. أكدت هذه التجربة مدى هشاشة إيماننا بالديمقراطية رغم ان محاولات المطالبة بإستعادة الديمقراطية والأحتجاج فى وجه النظام الجديد بدأت لاحقا من أضعف فئات المجتمع،وهم الطلاب.الأصوات ترتفع الأن بضرورة تحويل إتفاق السلام من ثنائى الى قومى ورغم قبول جمعينا بهذه الإملاءات بإعتبارها المحصلة النهائية للإتفاق المبرم بين الحكومة السودانية المتمثلة فى المؤتمر الوطنى و الحركة الشعبية لتحرير السودان، إلا ان الدوافع التى تحرك المناديين بهذا الخيار وفى الوقت الراهن تمليئها نظرة ضيقة وشهوة الإستئثار بالسلطة بإستخدام الأغلبية الميكانيكية. لا أنكر دور الكل، لاسيما الأحزاب والإتحادات وكافة القطاعات فى، المساهمة الفعلية فى خلق الواقع الجديد المتمثل فى بداية عصر جديد لسودان جديد لكن، فى المقابل، نرى ان أكبر الأنجازات الجدير بالإحتفاء هو قبول النظام الحاكم بتصفية نفسه طوعا واختيارا بعدما إرتضى مبدا التداول السلمى للسلطة وإستكان الى التعددية بدلا عن الشمولية. وعلى الرغم ان الكثيرين لا يحسبون ان يكون ذلك نابع عن قناعة النظام، إلا انه يمثل الخطوة الأولى فى الإتجاه الصحيح و محمدة تستحق التصفيق طالما تقهقرنا الى الوراء قليلا بالتنازل عن شعار إقتلاع النظام من جذوره. لكن من يدرى؛ قد تعود حليمة لعادتها القديمة؟! وهنا أدير السؤال الى المناديين بضرورة الأسراع الى صناديق الأقتراع والإحتكام الى ضمير الشعب ، ماذا سيفعلون عندئذ؟! علما بأنهم لايملكون جيشا وطنيا بتقدير ان الولاء فى صفوف الجيشين المقبلين سيكون إما للحركة او للمؤتمر الحاكم؟! فكيف إذن سيتصدون للمؤامرات التى ستحاك فى الظلام ضد الديمقراطية والتداول السلمى للسلطة؟! الكل مدرك وملم بقدراته وحجمه فى العملية الديمقراطية متى إجريت إنتخابات مباشرة ونزيهة إلا إن المصيبة تكمن فيمن إستهانوا بدورهم الكبير فى المحافظة ومن ثم تأطير العمل الديمقراطى فى السودان. فمن هذه الفئة نلتمس منهم ان يحذوا حذوة من سبقوهم فى الأعتراف بالأخطاء لأن التمادى فى الخطأ مع عدم القراءة الجيدة للأمور برهان للامبالاة وإستخفاف بمصيرالشعب لغرض فى النفس وهى السلطة.

    غاندى حقق تطلعات شعبه والآن الهند فى مقدمة الدول النامية التى فى طريقها الى اللحاق بركب الدول الصناعية الكبرى ومع ذلك لم يملكه، طيلة حياته، حب السلطة ولا عن له سعده فى يوم من الأيام،التفكير فى الإستئثار بالحكم، بل كان محتار دائما من أمر نفسه، قال:" ولدت لا أدرى لم؟ وعشت لا أدرى لم؟ وها أنا أموت من دون أن أدرى لماذا ولا كيف؟".

    الإنقلابات العسكرية فى البلاد من الأمورالتى تتطلب وقفة تأنى كون ان السودان يقع ضمن الدول الأفريقية التى يتمتع ضباط الجيش فيها بسجل حافل من التهورات العسكرية. فعلى الأغلب، الرياح التى تعصف بالديمقراطية تأتى دوما عن طريق الأعمال غير المشروعة و المتمثلة فى الإستيلاء على السلطة بالوسائل غير السلمية وتجهيض محاولات التداول السلمى للسلطة وتسوية المظالم المتعلقة بالتنمية والتهميش والى ما شابه ذلك من الأمور. بعد تحقيق السلام، يجب ان يقتصر دور المؤسسة العسكرية على حماية حدود الوطن وأمنه وصون الديمقراطية فيه وغيرها من الأمور الطارئة . الإنقلابات العسكرية أصبحت " دقة قديمة" التى لا يجب معاودة الكر فيها، سيما ورياح التغيير عمت أرجاء القارة الأفريقية واصبح ميثاق الإتحاد الأفريقى لا يسمح بقبول عضوية الدول التى يلجأ العسكريون فيها للإستيلاء على السلطة عن طريق تغييرالأنظمة المنتخبة ديمقراطيا، كما ان الدول المانحة للمساعدات والقروض تعزف عن تقديم المعونات اللازمة لدفع عجلة التنمية والنمو اذا حدث إنتزاع للسلطة من قبل العسكر او مرتزقتهم او جنجويدهم. وهنا أشير الى محاولات الأحزاب الى حشر كوادرها فى صفوف القوات المسلحة حتى تطمئن للجلوس على سدة الحكم. أدى هذه السياسة الى تفريغ الجيش من الكوادر الوطنية وبلغت ذروتها فى عهد الأنقاز، التى سعت الى تغيير هيئة المؤسسة العسكرية و ترتيبات عملها كجوازإطلاق اللحية - فلو كانت اللحية دليل الذكاء لكانت العنزة فيلسوفا. توجد قيود ومعايير دولية تنظم عمل القوات المسلحة ليس من بينها مثل هذه التصرفات التى نشاهدها فى السودان. بالطبع الهدف ليس تعرية مساوئ الأنقاذ ، رغم انها الأشد بروزا، بقدر ما هو إلقاء للمسؤلية على عاتق الكل بطريقة تضامنية فيما آلت أليه الأوضاع داخل مؤسسة قوات الشعب المسلحة.

    الخطرالأكبرالقادم سيأتى من الفئة الضآلة والتى سبقت ان تحالفت مع نظام نميرى فى السابق فى فترة العنفوان والهوس الدينى مما أدى الى شنق الأستاذ محمود محمد طه زعيم الحزب الجمهورى السودانى والى إستشهاد الدكتور على فضل وغيرهم من الوطنيين الذين أمتد اليهم ايدى التطرف الدينى. إن نفس الدواعى هى التى تقف وراء إختباء زعيم الحزب الشيوعى السودانى / محمد إبراهيم نقد لأكثر من ستة عشر عاما والسبب يعود الى آرائه السياسية المحضة التى لا تنسجم مع تطلعات هؤلاء الساعيين الى وضع قيود دينية تحكم كافة مناحى حياة الناس فى هذه الدنيا. أننى أستغرب من الذين يسارعون هذه الأيام الى أصدار البيانات المتعلقة بصحة الشيخ المسجون / حسن عبدالله الترابى، بل يلجاوؤن الى مخاطبة منظمات حقوق الإنسان ومنظمة الإيغاد وغيرها ونسوا فى لحظة؛ الفظائع التى أرتكبوها فى حق عدد مقدر من أبناء الشعب السودانى .اسألهم متى عرفوا قيمة هذه المنظمات؟! متى نسوا اصطياد الطلاب برصاصات الشرطة حتى سقط سليم و التاية وغيرهما؟! نعم كلنا نعلم ان خير الخطاءين التوابين. لكن هل تاب هولاء ام المسألة عبارة عن إستغلال ظرف التسامح والعفو ومن ثم تطويق الجميع؟!أن باب حظيرة الوطن يجب ان يكون مفتوحا للجميع من دون إستثناء لأحد لكن هذه الفئة تحديدا وبجانبهم بعض علماء السؤ فى هيئة علماء السودان الذين بصدرون فتاوى التكفير بقصد قمع الخصوم السياسيين ، يجب إخضاعهم الى قيود تمنعهم من التطاول على الغير تحت ذريعة الكفر،الإلحاد اوالردة او ما شابه ذلك من محض افتئات على الشريعة الإسلامية. الشواهد القريبة ماتزل مثال حي لما نقول بحق هذه الآراء المتطرفة، منها ان علماء السودان كفروا الإمام محمد أحمد المهدى لثورته ضد الأتراك العثمانيين وقد كان من تبعات سياساتهم فصل وتكفير الطالب شوقى بمعهد المعلمين العالى فى الستينيات من القرن الماضى مما ادى الى حل الحزب الشيوعى السودانى وطرد إعضائه المنتخبون ديمقراطيا من البرلمان وقد شكلت هذه الواقعة قضية دستورية تعتبر من أشهر القضاياالدستورية فى السودان حيث رفع الحزب دعوى دستورية فى مواجهة الحكومة ناب عنه جوزيف قرنق وعزالدين على عامر بينما كان فى مقدمة الذين استصدروا فتوى الإلحاد الصادق عبدالله عبدالماجد . مصيبة السودان الجديد والحكومة الوطنية المقبلة ستكون كيفية التعامل مع هؤلاء وأنتشالهم من هاوية التطرف الدينى التى يندفعون نحوها بشدة، سيما ومنطقة شمال إ فريقيا والشرق لأوسط أصبحت مرجل تغلى بسبب تطرفهم. ان قوة الشعارات التى تحتد هذه الأيام من قبيل : " مليون شهيد فداء التوحيد " ...مليون شهيد لوضع جديد .."، "هى لوجه الله ...لا للجاه او السلطة.." وغيرها ماهى إلا دق لناقوس الخطر القادم المعبر عن الأفكار الفاسدة المرتبطة بالإسلام المنغلق وأفكار اهل العصور البائدة التى لا تخرج عن إطار الوعظ النظرى المتمثل فى ترديد الشعارات ورفع الأعلام الجهادية التى تزكرنا فقط بقرون الجمود والإنحطاط الفكرى والعقلى فى العصورالوسطى .أما الناحية العملية فى خطبهم غائبة تماما حيث لا نكاد نسمع شعارات لهم تختص بالتنمية والحرية الفكرية ورفع كاهل المعاناة عن المواطن الذى لعق مرارة الفقر والجهل والمرض، وما الى ذلك. هذا الكابوس ان لم يفارق السودان، فان الخطوب لن تقف عند هذا الحد، بل ان هذه التصرفات الخارجة عن نزق ستصيب كل السودان بلظاها ولا بد من إستئصالها قبل فوات الأوان خاصة وامام أعيننا دول بالأسم تعانى من جرائمهم المشهودة. الحركة الشعبية لتحرير السودان من دعاة التوفيق بين الدين والأمة ، تماما كما فعل ابن رشد فى عصره و كما فعله القديس توماس أكوينيس وهذا لا يتعارض مع مبدأها القائم على فصل الدين عن الدولة. لأن السلطة تمارس من خلال الدولة وبالتالى فان السلطة هى التى تحدد صلاحية الأيديولوجية من عدم صلاحيتها من خلال الممارسة وتغلبات السياسة،ومتى فسدت الأيدولوجية فسدت السلطة ومتى ما صلحت صلحت السلطة وأذا طبقنا نفس المعيار على الدين؛ اى دين، نجده لايصلح البتة. فتتدخل السلطة فى الدين قد تفسده وبالتالى تنتفى صفة القدسية عنه ويكون عرضة للأخذ والرد. الخطا هذا وقع فيه بابوات الكنيسة الكاثوليكية فى صراعهم المستميد مع دعاة النهضة والتقدم فى أوربا عندما حولوا السلطة المسيحية ، والمسيحية تشتهر بانها دين الحب والتسامح ، الى ساحات للمحاكم وتكفير للناس ومن بينهم جاليلو الذى قال بكروية الأرض فيما كان العقل الدينى لايستوعب ذلك وأمر بالتوبة النصوح والرجوع عن أقواله إلا انه رفض وغادر قاعة محكمة التفتيش وهو يهمس: " ...ومع ذلك فإنها تدور..." فلاقى حتفه. الإسلام، وهو دين الرحمة والمغفرة، لم يسلم من نفس المصير حين حوله الأموييون الى عقيدة تبث الخوف والرعب فى النفوس ونفس المعيار ينطبق على الإنقاذ التى لجأت فى الماضى الى "بيوت الأشباح" و التعذيب وسياسة التخويف وظاهرة التكفير للتخلص من المنافسيين السياسيين. اما سياسة الإنقاز إزاء الجنوب، فليس هناك شك فى انها ذرعت شيئا فى العقل الباطن لدى الإنسان الجنوبى مفاده ان الإسلام دين يقبل الظلم والإضطهاد،وهذه حقيقة ماثلة أبينا ام رضينا. وهى فى حد ذاتها تشويه للإسلام كدين سماوى. قصارى القول ان مبدأ الصلح و الغفران والمصالحة من أجل بناء سودان جديد يؤمن بجميع مواطنيه يجب ان ياتى من القلب لكى يؤتى أوكلها وإلا فان السلام القادم لن يكون أكثر من إستعداد لفترة ديمقراطية رابعة تعقبها إنقلاب عسكرى جديد.

    source
    http://www.sudaneseonline.com/ketab.html
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de