|
أمطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك
|
ما يحدث -الآن- في دارفور، يتجاوز بتعقيداته ومضاعفاته، هذا الإقليم السوداني الشاسع، إلى منطقة غرب أفريقيا، التي تعاني أصلا من اضطرابات هنا، وهناك. حركات تمرد على حكومات، وحركات قتال عرقي. إزاء ذلك كله هل كان يمكن للمجتمع الدولي -ذلك الذي لا يزال يعذبه تثاقله في التدخل في أزمة البحيرات- أن يظل يتفرج على سيناريو آخر، شبيه بذلك السيناريو الذي تسبب في أسوأ مذبحة في التاريخ المعاصر؟ الذين يريدون ذلك، لا يعرفون تعذيب الضمير على المستوى الفردي، والجماعي، والذين يريدون ذلك لم يفتحوا نوافذهم، وعيونهم، ليروا كيف أن العالم كله قد تغير، بعد سبتمبر/أيلول وبن لادن والبرجين، ولم يدركوا من هنا، إنه في ظل الحرب الكبيرة على الأرهاب، لا مكان للحروب الصغيرة، حتى وإن تحصنت هذه الحروب، بما كان يعرف قديماً بالحدود الوطنية. سقطت حدود السودان إذن وتدخل المجتمع الدولي، وتدوَّلت بالتالي أزمة دارفور (أفريقيا ودوليا) ووجدت الخرطوم -في النهاية- أن حل هذه الأزمة لن يكون سودانيا وبالرصاص بأية حال من الأحوال. تلك خيبة أخرى للسودانيين، أولئك الذين عجزوا لأكثر من عشرين عاما عن أن يسكتوا الرصاص في الشمال والجنوب، حتى إذا ما تدخل الغرب بثقله لحل الأزمة انصاعوا صاغرين. الآن ارتفعت أصوات -من بينها أصوات سودانية- تقول إن الحل في بروتوكولات نيفاشا، تلك التي يمكن أن تعتبر أنموذجاً لحل كل أزمات الأطراف في السودان. وما بروتوكولات نيفاشا -في النهاية- إلا توزيع عادل للسلطة والثروة. ولا توزيع عادل لهاتين إلا في ظل نظام «فيدرالي». الآن ولئن كان السودان -هذا الممتد، كثير الاختلاف- قد أضاع منذ الاستقلال الفرصة التاريخية، يمكن أن يكون بديعا بتنوعاته المدهشة، فإن الفرصة الأخيرة لا تزال ممكنة. غير أن إمكانية اغتنام هذه الفرصة، لن تتأتى إطلاقا، طالما ظل «الوسط» يقول لكل سحابة تعبر سماءه، ما قاله هارون الرشيد لتلك السحابة المشهوره، التي عبرت سماء قصره: أمطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك
|
|
|
|
|
|