|
Re: أسبوع الشعر القومي بغرب استراليا الشاعر عفيف إسماعيل يشارك (Re: elmahasy)
|
كابوس
استيقَظَ مبَّللاً بالذُّعر والذّهول كأنه رأي مَسخاً عملاقاً بأظلاف غليظة حدّق بعينين فارغتين وبفكٍّ جاحظٍ دار برأسِهِ سريعاً كمروحةٍ كهربائية في جميعِ الاتّجاهات حين تَأكَّدَ من سلامةِ مفاصلِهِ رفعَ الهيكلُ العظميُّ أصابعَه المرتعشةَ إلي السماء: الحمد لله الحمد لله لقد حَلِمتُ بأنّني مازلتُ حياً.
Nightmare
He woke up soaked in fear and stupor As if he had seen a giant monster with thick claws He gazed with hollow eyes, With a protruding jaw. He turned his head rapidly in all directions like an electric fan When he was assured that his joints were whole, The skeleton raised his trembling fingers to the sky: Thank God Thank God I dreamt I was still alive.
سجن
قال السَجَّان : _ أتريد شيئا الآن تنتهي نوبتي؟ ـ ما أسعدك ، سوف تعود إلى زوجَتِكَ وأطفالكَ _ أنت اكثر حريةً منِّي غداً أو بعد غد تخرج من هنا وتكتب عنى قصائد وقصصاً وذكريات أمّا أنا فأحمل معي كلّ يومٍ سجني إلى بيتي!!
Prison
The jailer said: My shift will end now Do you need anything? - - What a lucky man you are You will go back to your wife and children. - - You are more free than I am Tomorrow or after tomorrow you will get out of here Would write poetry, stories and memoires about me. As for me, Everyday, I take it home with me … this prison
طقوس ميلاد الأبدية
أجراسُ المعابِدِ لا تتوقَّفُ عن رنينها مآذنُ المساجدِ تتلو آيات الرحمةِ والغفران ديوكٌ حبشيةٌ تصيحُ في غير مواقيتها جوقةُ أطفالٍ بارتباكٍ غير معهود يطرُقُون أوانٍ حديديَّةً صدئة سُمرٌ عرايا على قرعِ طبولٍ مسعورةٍ تهتزُ لها أرجاءُ الكون يَرْقُصُونَ صرخاتُ هنودٍ حُمر زاعقةٌ بكافةِ لوعاتهم الثاقبة غجرٌ يطوُون خيامَهُمْ على عجلٍ وخيولُهمُ المجنحةُ تطلقُ صهيلَ الشَّتَاتِ المزمن الأرضُ تسعل بوهن مسملةَ العينينِ تتوكَّأُ على عصاها المعقوفة مرتديةً معطفَها الواقي تلتزمُ بكافةِ قوانين المرور وتسيرُ إلى الخلاء ، من خلفِها يزحفُ فحيحُ ثعبانَها الأليفِ الهادر، يتلَهَّى بابتلاعِ طيورِ الرخّ المذعورةِ والفيلةِ الطائرة كبيُر سحرةِ " تمبكتو" يهمهمُ بلغةِ "الهوسا" وبعربيَّة أعجميةٍ يتعوذُ ثم يرمي بكمونٍ أسود وقلبِ خفاشٍ رضيع مازال ينبض وأظافرِ طفلٍ حديثِ الولادة وتاجِ هدهدٍ لم يولد بعد في عمقِ البئرِ التى لا تعكسُ إلا ما يراه قِطُّ عينيه من أوْجُهِ الشمسِ الغائبةِ في منتصف النهار يتهاطل ندفاً كقطن محروق ، ظلام يعض الروح الأرضُ تصعد أعلى قمةٍ فيها ترى صخرةً مستطيلةً تجلس في رأس الجبلِ على كرةٍ حجريّة كالميزان في مركز اتّزانِها تقفُ تُباعِدُ بين رجليها تمد عصاها تكادُ أن تثقبَ السماء بصوتِ مغنيةِ "أوبرا" محترفةٍ ترِّتلُ تعويذةً ورثتها من جدّتها التي أصابَتْها هرطقةُ الشيخوخة المبكرة تتأرجح تتأرجح ترفع رِجلاً وتنزِلُ أخرى تتناغم معها: الأجراسُ / ارتباكُ طَرَقاتِ الأواني/ الطبولُ المسعورة / صهيلُ الشتات المبين / الصرخاتُ الراعفة / همهماتُ الساحر/ الفحيحُ الهادرُ على امتدادِ الجبلِ حتى أسفله / تتأرجح تأرجح تثملُ روحُها بنشوةٍ عارمة فجأة يختلُ إيقاعها تزِلُّ قدمُها اليسرى فتتدحرج من على المنحدرِ ككرةٍ كريستاليةٍ تتشظَّى في جَسَدِ ثعبانِها الأليفِ الذي كان يلتهمُ بومةً عُظْمَى تسقطُ من فَمِه تُهَشِّمُ جمجمةَ الساحر، نسر يقظٌ يخطف جثتَه عقدُ مسبحتِهٍ الحجازيَّة ينفرٍط تطيرُ منها أسرابٌ من الغربانِ البيضاء، تسعةٌ وتسعون كألعابِ ناريَّة يسدَّون الأفق من خدر النعاس ، تصحو تشهقُ تتمطَّى أهدابُ شمسٍ بهيّة لا أثرَ على وجهها من كوابيسِ الكسوفِ الكلَّيِّ الأخير تنظر بغَنَجٍ إلى معاجِنِ تخميرِ الطينِ المقدَّس يطيرُ منها هدهدٌ استعادَ تاجَه الذهبيّ يدندن : إنَّهُ رهانُ الصلصالِِ الأبديِّ يا أبانا إنًَََََََّهُ رهانُ الصلصالِ الأبديِّ إنًّهُ رهانُ الصلصالِ إنًّهُ رهان إنَّهُ
Rituals of the birth of eternity
The bells of the temples do not seize to ring The minorities of the mosques recite the verses of mercy and forgiveness Habachi roosters cry on unfamiliar times A band of children unusually confused knock on rusted iron containers Brown and naked They dance to the knocking of rabid drums that tremble the corners of the universe Cries of Red Indians filled with their various accurate anguishes Gypsies hurriedly pleat their tens and their winged horses release the neighing of chronic Diaspora The earth feebly coughs She closes her eyes and leans on her crooked stick Dressed in her protective coat She abides by all the traffic rules and walks towards the open fields Behind her creeps the thunderous hissing of her pet snake, Amusing itself by swallowing the frightened roc birds and the flying elephants The chief magician of Timbuktu mutters in Hawsa and a foreign Arabic Wards off Satan Then throws black cumin And the still pulsating heart of a baby bat And the nails of a newly born baby And the crown of a not-yet-born hoopoe Into the depth of a well that does not reflect but what his eyes can see Of the absent faces of the sun in the middle of the day It drops in flakes like burnt cotton, a darkness that bites the soul The earth rises to its highest summit She sees a rectangular rock. She sits on the top of the mountain on a rocky ball like a scale At its point of balance she stands and separates her legs She stretches out her stick almost piercing the sky With the voice of a professional opera singer She sings a hymn that she inherited from her grandmother who was struck by an early heresy. She swings She swings She lifts a leg and puts down another She harmonizes The bells/ the confusion of the knocking on the vessels/ the rabid drums/ the neighing of the absolute Diaspora/ the blossoming cries/ the muttering of the magician/ the thundering hissing along the mountain Until its lowest point She swings She swings Her soul is drunk be an overwhelming ecstasy Suddenly her rhythm is disturbed Her left foot slips She rolls down the slope like a crystal ball splintering in the body of its pet snake, which was eating a huge owl It falls from its mouth and smashes the skull of the magician, An alert vulture snatches its corpse The beads of his chaplet from Higaz break loose Flocks of white crows fly out of it Ninety-nine of them like fireworks they block the horizon From the narcosis of her sleep she wakes up she brays the eyelashes of a joyful sun stretches out No trace on her face of the nightmares of the last complete eclipse With coquetry she eyes the bakeries of fermented sacred mud Out of them flies a hoopoe who has reclaimed his golden crown, humming: It is the eternal bet of the Argil father It is the eternal bet of the Argil It is the bet of the Argil It is the bet It is
| |
|
|
|
|
|
|
عفيف إسماعيل يشارك في أسبوع الشعر القومي بغرب أستراليا (Re: elmahasy)
|
مزيداً من ترجمات الشاعر عفيف ...
Times
In the early morning, The decorated rooster wakes up all those who are asleep After sunset, The bat illuminates millions of stars At midnight, I sneaked barefooted, pulled the earth by its left ear, and aborted its scream with my hand. Close to the cliff, I pushed her quietly into the depth of the ocean, washed off my hands three times, redeemed them back to my pockets, whistled a low hymn and slept without misgivings. In the early morning, The rooster didn’t wake up After sunset, The bat disappeared
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عفيف إسماعيل يشارك في أسبوع الشعر القومي بغرب أستراليا (Re: rani)
|
العزيز راني، شكراً علي مرورك المصحوب بالصوت، وهذا النص من مجموعة "فخاخ .. وثمة أثر" للشاعر عفيف إسماعيل وأسمه "رغبة" ويمكن ان تجده بموقعه الفرعي بالحوار المتمدن علي الرابط التالي http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=16476
رغبة
..بالأمس خلعتُ عينيّ بهدوء وضعتهما في إناء به ماء بارد أمامي وغسلتهما جيداً ثم تركتهما تجفان ريثما اقرا العناوين الدامية للصحف اليومية/ ريثما تجفان/ قطعتُ رأسي من حد الرقبة وغمرته كله في الماء البارد إرتعشت اذناي أصطك فكاي لم آبه او ألتفت للفقاقيع التي صارت تعلو وتعلو وتعلو لساني يرطن بلغة لا افهمها يزعجني انزعه ارمي به بعيداً وارفع سبابتي مهدداً وحذراً قطتي مخافة التسمم/ فتبتعد منه مزمجرة انادي عليها وانا ازيح الشعر عن مفرق راسي وبفاس صدئة اهوي بها علي جمجمتي فيتناثر مخي علي الجدران أدندن بلحن يحبه مصارع ثيران إسباني تعود قطتي تلعق ما تبقي بين هشيم العظام فامد يديَّ لتبحثا عن عينيّ في قاع الإناء فلا تجداهما!! تزمجر قطتي تطلب مزيداً فأرمي لها بقلبي فيتقافز مرات من علي الأرض وجذلي هي، تشب علي رجليها الخلفيتين تطارده فتذكرته مشفقاً عليه كم مرة شب وتقافز - هكذا – خلف الحبيبات وعاد خائباً حتي صار بدون قلب! تخلصت من كل آلالام ظهري بعد ان علقت سلسلتي الفقرية علي حبل الغسيل/ تخلت عني يداي طوعاً فإنفصلتا من مفصل الكتف وظلتا تركضان في مختلف الإتجاهات كنعامتين وجدتا نفسيهما فجاة في قلب سوق المدينة/ طوبي لرجليّ/ تركتهما خلفي حافيتين تسعيان بلا أهدف وعندما تتخلصان من شهوات لا تنتهي ، ستجلسان القرفصاء وتمارسان "اليوغا" / حدقت في المرايا واصلحت ياقة القميص وربطة العنق وضعت قليلاً من العطر واخذت كرسياً من الخيزران حملته إلي خارج الدار جلستُ تحت شجرة جارتنا الحبشية أضع رجلاً علي رجل أدخن مبتسماً مستمتعاً بمراقبة المارة/..
31/12/1998 الحصاحيصا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أسبوع الشعر القومي بغرب استراليا الشاعر عفيف إسماعيل يشارك (Re: elmahasy)
|
الحميم خالد المحسي يا صديقي عفيف إسماعيل مشروع حقيقي للمثفق المنتج والمنفتح المتواصل مع الآخر ومشاركتنا في القاهرة كانت نتاجاً لتواصل عفيف وما بذله هنا من جهد ليفتح نافذة لكل المبدعين والجمهور السوداني على الثقافة والوسط المثفق في مصر وتشهد له الكثير من المنابر والكثير من الأسماء ذات الوزن من المثفقين والمبدعين المصريين بذلك وحقيقةً فقدت القاهرة عفيف وأأسف لو قلت أن بريق الحياة الثقافية التي كانت تخبو بعد هجرة الكثير من المثفقين السودانيين والذي ظل عفيف يحافظ عليه طيلة فترة وجوده هنا بل وأكسبها نكهة مختلفة أقول أأسف لو قلت أن كل الحياة القافية قد خبا بريقها تماماً بعد سفره مباشرةً وهذا شيء مؤسف ولكن ما يقوم به عفيف الآن هناك هو ما يتوقعه جميع من كانوا يتابعون نشاطاته ومنافذه التي يفتحها عبر منتى شموس هو والأصدقاء المؤسسين معه أو عبر حرصه على التواصل مع كل المنتديات والمنابر وكافة أشكال الحياة الثقافية القاهرية وكان يدعو لها السودانيين الذين كانوا يلبون دعوته وشكلوا وجوداً في كل تلك المنابر التي ذكرتها وغيرها والتي غابت عنها الوجوه السودانية بمجرد سفره إذن هكذا يظل عفيف أينما حل فاعلاً حقيقياً ومبدعاً يُشار إليه بالبنان ورقماً هاماً كما كان ولازالت سيرته في الحصاحيصا وفي أجواء الخرطوم التي أصابها القحط والطاعون ومزيداً من الإنجاز ننتظره من مبدعنا عفيف إسماعيل وأتوقع شخصياً أن نراه صوتنا القادم للعالم في فترة قادمة أحسها قريبة أبداً علاء
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أسبوع الشعر القومي بغرب استراليا الشاعر عفيف إسماعيل يشارك (Re: Ala Asanhory)
|
العزيز علاء سنهوري أولاً دعني أحييك لاهتمامك بموضوع البوست عفيف هو كما قلت فعلاً .. هو يتميز عن كثير من مبدعينا بالاجتهاد والقدرة علي التواصل والحركة في اتجاهات متعددة .. عفيف ليس كمبدعينا الذين يعتلون المنابر الثقافية الجاهزة بل هو نفسه من يجهز المنبر وفي نفس الوقت هو ناشط في مجالات السياسية وحقوق الانسان وعندما يصادفك في مكان ما يسألك عن تفاصيل تفاصيلك .. أذكر أنني وفي ونسة خاصة مع عزت الماهري قلت له أنني كنت أستغرب كثيراً من قدرة عفيف علي الحركة والمبادرة وكيف أنني كنت أحس بالتقصير دائماً عندما يبتدر اجتماعات شموس بالتكاليف التي أنجزها منذ آخر اجتماع ... لكل هذا أتوقع له النجاح في كسر كل حواجز المنافي باجتهاده ومثابرته وقدراته الابداعية ..
برغم كل هذا أحزنني حديثك عن انطفاء أضواء شموس بعد رحيله .. كيف حدث هذا والقاهرة بها ما بها من شموس ؟
لك الود يا عزيز وواصل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أسبوع الشعر القومي بغرب استراليا الشاعر عفيف إسماعيل يشارك (Re: elmahasy)
|
الشاعر كريم عبدالسلام يكتب عن رهان الصلصال لـ " عفيف اسماعيل "
عندما تتحقق اللفتة الشعرية من الاختلال في النظر القاهرة - كريم عبدالسلام - الحياة 2004/09/19
"رهان الصلصال" هو الديوان الشعري الثاني للشاعر السوداني المهاجر عفيف اسماعيل, إذ صدر له قبلاً "فِخاخ وثمة أثر" 2001 عن اكاديمية الشريف في السودان. يقدم ديوان "رهان الصلصال" الصادر ضمن سلسلة كتاب "مجلة شعر" القاهرية ملمحاً شعرياً اكثر تركيزاً وصفاءً يفتقده الديوان الاول لإسماعيل الذي كان أقرب الى المجموعة الشعرية التي تحمل الكثير من الاصوات والمتوزعة بين اتجاهات عدة, والشاعر بينها يبحث عن صوته الخاص ونبرته المميزة.
ففي "رهان الصلصال" نرى بوضوح كيف اصبح التكثيف والايجاز والحس الساخر والاستثناء الى ما هو كوني عام افقاً واسعاً لما هو خاص, سمات لقصيدة عفيف اسماعيل الذي تجاوز مزلق الثرثرة والإطناب والنثرية المجانية لتصبح قصيدته اكثر تماسكاً وثراء, ومعبرة عن الحراك الشعري الجديد في السودان, البلد شبه المجهول ثقافياً بالنسبة الى كثير من المثقفين والشعراء العرب.
الايجاز من دون اخلال كأول ملامح الديوان يتبدى في نبرة اسيانة ساخرة من العالم ومن النفس, كما يتبدى في تلك القدرة على عقد الارتباط بين الاشياء الكبيرة والصغيرة واقامة علاقات مفاجئة بينها.
ففي قصيدة "تأمل" (ص )17 من الديوان, يقول: "أمسك التشكيلي فراشة محنطة/ وتأملها بذهول واندهاش/ ثم شهق: يا لها من سيميترية موفقة".
إن اللفتة الشعرية هنا, تتجلى في هذا الاختلال في النظر الى الاشياء وعدم وضعها في موضعها الصحيح. لقد نسي الرسام أو أُنسيَ ما يُسمى بـ"عمل الطبيعة" الذي دعا دافنشي مثلاً الى النظر اليه باهتمام ووقار ومحاولة سبر أغواره, ولكنه في الآن نفسه ينظر الى عمل الطبيعة, فكيف ينظر اليه؟ انه ينظر اليه باعتباره موضوعاً ينتظر منه حكماً عليه, وهنا موضع الاختلال في النظر الذي يولّد السخرية ومن ثم, به تتحقق اللفتة الشعرية وتظهر. وفي قصيدة أخرى ضمن هذا السياق, (ص 21) بعنوان "معركة" يقول الشاعر: "قال ظل السيف/ لظل المحارب: في إمكاني أن أقتلك من دون دماء". فضلاً عن تعيين الاختلال في النظر بصفته مظهراً للشعرية, فإن المقابلة بين عالمين, والمعتمدة على حركة ذهنية نشطة في التوليد والاستنباط, تصلح ايضاً مظهراً للشعرية.
أيضاً, في هذه السياق, وفي قصيدة "إظلام" (ص 24) من الكتاب, تقول: "الشهداء/ لم يربحوا/ سوى موتهم".
نجد أننا فجأة, أمام التقرير الاخباري المحمّل بالدلالات, فيما يشبه بساطة مقطوعات الهايكو الياباني, التي تحاول أن تُثبت منظراً يراه الشاعر, لا باعتباره موضع سقوط عين الشاعر على بقعة ما, بل باعتباره "باباً" الى العالم, هنا, فإن القصيدة على رغم كثافتها الشديدة تقدم لأعيننا وأرواحنا وأذهاننا, هذا الباب الواسع الى العالم المملوء بالتناقض, والذي تحيا فيه البراءة لصق الجريمة, وفيه الشهداء يمنحون الطغاة والفاسدين الحياة المديدة الرغدة.
في الديوان روح مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالطبيعة, بالأرض وعناصرها, "فالأرض الرحم" هنا, ليست هي تلك المقولة الانشائية السالفة التي ذاعت في عصور التحرر من الاستعمار, بل هي هنا "الكرة الارضية". ويبدو أن الشاعر تنقل بين المنافي المختارة وغير المختارة منذ فقد ملامسة تراب قريته "الحصاحيصا" متطوحاً بين برلين وصوفيا والقاهرة والاسكندرية وأخيراً استراليا. لقد ايقن ضرورة تبني الكرة الارضية بكاملها, باعتبارها "الارض الرحم" وان من الواجب حمايتها والدفاع عنها والولاء لها, فمن يعلم أي منفى سيحتويه غداً. فضلاً عن ذلك, هناك وعي بارز بوحدة الارض وصيرورة الانسان فيها في ما يشبه المعتقد البوذي بعجلة "السامسرا" بديلاً عن البعث والقيامة, فهي عجلة من التحول الدائم والحيوات المتجددة باستمرار للإنسان وتكون مرتبته فيها نتيجة مباشرة لعمله هو وحده.
هذا الوعي البوذي يحرك الشاعر عفيف اسماعيل في اكثر من موضع في الديوان, ولعله اوضح ما يكون في قصيدة "سلالة" (ص 47): "عندما كنت ضفدعاً مراهقاً, سألت أمي وهي تضع آخر لمسة من زينتها, قبل أن تمضي الى حفل موسم التزاوج في المستنقع: هل في البدء كانت اصواتنا أم آلة الساكسفون؟"
هذه القصيدة توضح هذا الميل الأقرب الى الاعتقاد بالأرض الكاملة وبعجلة "السامسرا" وبهما يرى الشاعر ويصنع منظره الشعري ويختار التفاتاته ومداخله الى القصيدة, ويمكننا القول إنها محاولة جادة لبعث الروح الزنجية الافريقية في اطار كوزموبوليتاني معاصر, من دون طنطنة او انشاد غنائي مترهل, بل عبر سَبْر أغوار هذه الروح كطريقة في الحياة والنظر, لا كشعار سياسي تتم المتاجرة به.
إن ديوان "رهان الصلصال" للشاعر عفيف اسماعيل ببصيرته النافذة وسخريته المريرة يكشف ببساطة وتلقائية المأزق الذي نمر به الآن, شعراء وكتاباً وسياسيين, المأزق المتمثل في تراجع فرص الوجود للنوع الانساني على الأرض أصلاً.
| |
|
|
|
|
|
|
|