47 عاماً على انقلاب 17 نوفمبر احكموا علينا باعمالنا قتلوا الصراحة عمداً عثمان ميرغنى: كفاية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 08:09 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-19-2005, 12:20 PM

ABDELMAGID ABDELMAGID

تاريخ التسجيل: 09-09-2005
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
47 عاماً على انقلاب 17 نوفمبر احكموا علينا باعمالنا قتلوا الصراحة عمداً عثمان ميرغنى: كفاية

    (إلى محمود ابو العزائم وأحمد علي بقادي وجعفر حامد البشير لفضل مذكراتكم الغراء على هذه الكلمة)

    أريد في الذكرى الواحد والاربعين لثورة أكتوبر 1964 أن التمس من الكاتب المميز الأستاذ عثمان ميرغني أن يكف عن قلة أدب وطنية له معتادة يبخس بها هذه الثورة كلما أطلت علينا ذكراها. وكلمة قلة أدب النابية ليست من عندي. فقد دعا عثمان نفسه إلى نشوء "جيل من الكفرة" بالمعلوم من تاريخنا لأنه مجرد افيون ورطنا في ثوابت كاذبة مثل ثورة أكتوبر وحجب عنا سوءة سياسينا. وقال إنه يريد لهذا التنقيح أن يكون صريحاً ولا مانع عنده أن يتم " بكل "قلة أدب وطني". وقد أرادها مجازاً بالطبع. وقد سمعنا من تنقيح عثمان لتاريخنا الوطني ما يصك الأذن ويؤذي الخاطر. وأكثر ما كدرني كمعلم تاريخ أن هذه الدعوة الجذرية لرمي الأحجار علي زجاج تاريخنا المظلل أو( كما قال) لم تقم على درس كائناً ما كان لهذا التاريخ. فهي دعوة فكرية جرئية لرمي أكثر تاريخنا في سلة المهملات من إنسان حظه من هذا التاريخ بخيس جداً. فللاجتهاد في التاريخ، بقلة أدب او بغيرها، شروط مثل الاجتهاد في الدين. وما سمعته من تاريخ عن عثمان هو تلاقيط ملتبسة بغيظ مشروع عما آلت إليه بلادنا تحت ما يسميه بالساسة. وقيل في الدين أنه لا رأى لحاقن.

    فأكتوبر عند عثمان ليست بشيء. فمن رأي عثمان أن أكتوبر هي افدح عملية تضليل سياسي تعرض لها شعب السودان دفعه فيها الساسة للإطاحة بأفضل نظام حكم مر بالبلد. وهو يستعجب لمن يقول إن عبود انتزع السلطة بانقلاب عسكري. بالعكس. فقد ذهب إليه الساسة في نزوة صراعهم السياسي في القيادة العامة ورجوه وبكوا له وقالوا له من أجل الوطن خذ السلطة. فلم يكن عبود سياسياً ولا طالباً للسلطة. ولما دانت له البلاد بكى الساسة كالنساء على ملك لم يحافظوا عليه كالرجال. وعلى عثمان أن "خليك مع الزمن" في لغته. ثم اضاف أن الساسة خدعوا الشعب المسكين في ليلة فاطاح بعبود ثم عاد يبكى عليه ويندب: ضيعناك وضعنا وراك: يا عبود." ويال له من ضياع لم يخرج من تيهه السودان حتى اليوم. وهذه شغب وددت لو تطهر عثمان منه.

    وإمعاناً في تجريح أكتوبر طلب عثمان أن يؤذن له بالاحتفال بذكرى تولي عبود الحكم في 17 نوفمبر اسوة بذاكري اكتوبر. وقد احتفل بها بالفعل في 17 نوفمبر 2003 في مناسبة مرور 54 عاماً عليها. وكرر في كلمته عقيدته أن عبود "وصحبه الميامين" (كما كانت تؤذي أسماعنا لسنوات ست من عهدهم) قادة عسكريين محترفين استجابوا لطلب رسمي من رئيس الحكومة باستلام الحكم لإصلاح الملعب السياسي المائل ثم أعادوا الحكم في رابعة النهار كما استلموه اختياراً وطوعاً عند ظهور أول بادرة طلب شعبي بذلك. وهذا دليل عثمان على انتفاء صفة الانقلاب العسكري أو المؤامرة أو انتهاك الدستور عن هؤلاء الرجال الغر الميامين. وأعاد القول أن ثورة أكتوبر هي ثمرة تضليل سياسي. وقد بدأت بها مهزلة عبثية سياسية أضاعت البلاد وأغرقتها في الوحل إلي يومنا الراهن. وطالب الشعب بأن يكفر عن خطئه الذي قابل به إحسان حكومة عبود. وطالب بإطلاق اسمه على إحدى الشوارع بمثابة إعتذار شعبى كبير .وعند عثمان أن زيطتنا لأكتوبر هي من باب "التاريخ افيون الشعوب".

    والاستقلال نفسه ليس عند عثمان بشيء. وسمى عيد الاستقلال في 2003 ب "عيد الاستذلال" . فهو على الرأي أنه لو لم يأتنا كتشنر بالسكة حديد فمن كان سيأتينا بها. والحركة الوطنية عنده لم تقع اصلاً. فالذي أخرج الاستعمار من السودان هو المظاهرات التي سيرها الانجليز في شوارع لندن يطلبون من حكومتهم التخلص من مستعمراتهم كالسودان التي اصبحت عبئاً ثقيلاً وهم يعانون ويلات اقتصاد ما بعد الحرب العالمية الثانية. فلو لم ينهض الانجليز بأمرنا لبقي فينا الاستعمار خالداً أبدا. فقد عاشوا بيننا 58 عاماً لم تقلق مضجعهم مظاهرات شعبية جماهيرية، فلم تخرج مظاهرة حرقت علمهم، ولم يتعقبهم فدائيون من الأحزاب، ولا تخاصم الساسة خصاماً جعلت الإنجليز يشعرون بعذاب الضمير. وعاد يكرر في كلمة اخرى أمر خيبتنا في حرق علم المستعمرين. فقد قال إنه برغم فخرنا بثورتين هما أكتوبر وابريل خلال الحكم الوطني إلا أن التاريخ لم يشهد مظاهرة واحدة خرجت لتحرق العلم البريطاني أو تعترض على جور الحريات في كنف الاستعمار. ولذا بقى بيننا هانئاً لم تزعجه حتى مذكرة الخريجين لأنها طالبت بزيادة رواتبهم. ولذا كان استقلالنا هو مجرد خروج للإنجليز تلقاء أنفسهم. فلم يتحمل الساسة ممن ورثوا الإنجليز بلا نضال أو دماء أو عذابات المطاردة.

    كنت رتبت بيان ما غمض من التاريخ علي عثمان. واكتشفت أنني قد أضطر إلى كتابة مؤلف آخر مما هو متاح في السوق مثل كتابات المرحوم محمد عمر بشير أو الدكتور مدثر عبد الرحيم أو المرحوم حسن نجيلة والدكتور القدال وهلمجرا. وكنت بدأت اصلاً سلسلة مقالات بمجلة "أوراق جديدة" احتل انقلاب عبود فيها مركز الدائرة. وقد راجعت في هذه الكتابات العقيدة الشائعة أن الانقلاب كان "تسيماً وتسلماً". وهي عقيدة أفرغت الجيش من كل شبق أو سبق سياسي. فيمكن للقاريء أن يطلب تلك المقالات في موقعها.

    ولكن يكفي هنا أن عثمان نفسه يراجع قلة أدبه حيال تاريخ الحركة الوطنية بمشقة وعتو. فلربما نبهه احدهم إلى أن هناك ثورة اسمها ثورة 1924 لما قال إن الإنجليز عاشوا بيننا في تبات ونبات. فعاد في كلمة اخرى يقول إن الإنجليز لم تزعجهم منا سوى حوادث قليلة طارئة مثل ثورة 1924. وربما كان من بين تلك الحوادث القليلة الطارئة الهبات العيسوية (لدكتور حسن احمد إبراهيم) وانتفاضات ود حبوبة والسحيني والنوبة ) كمال عثمان صالح) والنوير (دوقلاس جونسون) والدينكا (لازريس ماووت) حركة مؤتمر الخريجيين والحركة النقابية (سعد الدين فوزي ترجمة جادين) وحركة المزارعين (البوني وصديق البادي )، والصحافة (محجوب محمد صالح) والجهاد ضد الجمعية التشريعية في 1948 وشهداء مثل قرشي الطيب. ويحار المرء كم يراكم المرء من اطنان النضال الوطنى حتى يبلغ بها نصاب عثمان لإقلاق راحة المستعمر وطرده بولده وعدده. وإمعاناً في تتفيه كل خاطرة وطنية قال إنه من هواننا على أنفسنا في ظل الانجليز أننا لم نجرؤ حتى على التغني بوطنيتنا إلا رمزاً في إنشودة "عازة في هواك". والمضطر يا عثمان يركب الصعب أو الرمز. ومع كل هذا الازراء بالاستقلال نجد عثمان في 2002 يطلب من السلطات أن نجود احتفالنا بالاستقلال بمسابقات للشباب في مختلف ضروب الإبداع. وطالب ان يكون حفلنا "بعيد الاستذلال" هذا فرصة لإكتشاف الذات والتنقيب في النفس عن القيم الجميلة". هل رائعة خليل فرح "عازة" مما تأذن لنا بالتنقيب عنه كشفاً للجمال فينا. . . والفداء، يا عثمان؟

    من سوء طالع منهج عثمان أنه يؤسس مصداقية قلة أدبه في وجه وطنيتنا على فرضيات سهلة الدحض لأنها من من باب إما وقعت أو لم تقع. فمن وقائع خيبتنا الوطنية في زعم عثمان أننا لم نقو على تسيير مظاهرة تحرق العلم البريطاني. ولا ادري سبب اختيار عثمان لهذه المفردة في التظاهر والوطنية دون سواها كعلامة فارقة. وسيطيب لي (في قول عبود المشهور) أن يفيدنا عثمان في المسألة. أما المفاجأة التى ربما لم يتوقعها عثمان أنه بالفعل خرج سودانيون في مظاهرة وحرقوا العلم السوداني. وكان ذلك بمدينة الفاشر عام 1952. وكنت قرأت عن هذه المظاهرة مراراً عند كل احتفال بذكري الاستقلال. ولما رتبت الرد على عثمان لم أجد بين كتبي ما اقوي به حجتي. فأتصلت بصديقي القديم صديق محمد البشير صاحب مكتبة الجماهير بالفاشر وسكرتير الحزب الشيوعي لسنوات بدارفور. فلم أعثر عليه. وضربت للإنسان المميز عبد الله آدم خاطر استفتيه خبر علم الإنجليز. وفؤجئت بقوله إنه كتب عن حرق العلم الانجليزي بجريدة الصحافة في صباح نفس يوم اتصالي فيه. والقلوب شواهد. وتأملت مع خاطر حرائق دارفور القائمة على قدم وساق على ضوء حادثة الحريق القديم.

    لقد سبقني الباحث المحقق الدكتور عبد الله حمدنا الله إلى طلب الهدنة من أمثال عثمان ممن جردوا سيوفهم للاجهاز علي ذكرى ثورة أكتوبر فينا. فقال إن منطقهم "يحاكم الثورة بنتائجها لا بأسبابها وبما تلاها من أحداث لا بما سبقها وننتهي بأن نحمل أنبل ثوراتنا طيش الساسة ونذهب بها إلى مذبلة التاريخ". وأضاف أن هذا منطق يغتال أروع ما في التاريخ من نزعة نحو الحرية والقبول بمنطق التضحية من أجلها." وقال: "كفانا جلداً للذات ورفقاً بنا من طيش الساسة وتحامل المثقفين". لله دره.

    عثمان قلم له رشاقة في طلب الحرية. وقد أرقتني متاعبه حين تكأكأت عليه نيابة الجرائم الموجهة تكيد له بعد تحقيقات دامغة له حول مؤسسة السكر وغيرها. وكتبت مرتين أدافع عنه كشوق بليغ للحرية. ولكن عثمان يعتقد أن به بدأ نازع الحرية وربما به انتهي. وهنا مربط الفرس. فنازع الحرية فينا وطيد وثيق. ولو ألح عثمان على أنه يبني على غير أساس لكان مثل من يقال فيه إنه يعيد اختراع العجلة. وأعود في كلمة قادمة إلى تلمذة عثمان كصحافي على يد المرحوم محمد سعيد معروف في قاهرة الثمانينات من قرن هلك لبيان دقيق لنازع الحرية وكيف ابتذله عبود وأصحابه الغر الميامين .

    2) نظام الفريق عبود والصحافة: فأمسك لا يطال له فيرعى

    لأستاذنا عبد الخالق دفاع أمام محكمة عسكرية لنظام عبود (1958-1964) سارت به ركبان الشباب اليساري في الستينات. وفيه استرجع سيرته الذاتية وكيف تعلق بالماركسية. ومن آيات بلاغته تجسيره الشقة المظنونة بين الشيوعية والتقاليد السودانية وما اتصل منها بالصراحة والفروسية. فقال إن هناك من يتشدقون بالأخلاق السودانية وكيف أن الشيوعية نقيض لها. وزاد بأن هذا قول عجب لأنه أتى ممن افتقروا إلى الشهامة والرجولة والاستعمار يطأ البلاد بينما تصدى له الرجال من ذوي الفكر الشيوعي. وقال إننا نفهم التقاليد السودانية متركزة في حب الحرية والكرامة والصراحة والشهامة، وفوق ذلك، قولة الحق. وهي مما قد لا يقوي البعض على قولها إذا قامت في البلاد دولة بوليسية. ففي ظلها تصبح قولة الحق في محنة. وأضاف بأنه قد رأى في ظل نظام عبود كيف انصرف بعض الناس عن أن يصدعوا بالحق. وضرب لذلك مثلاً بصحفي عارض المعونة الأمريكية بضراوة وما أن قبلتها الحكومة العسكرية حتى اصبح يكتب عن جوانبها الإنسانية. وقال إنه تألم له وهو يكتب غير ما يعتقد. وقال إنه يعرف ما يعانيه الصحفي الذي اكره إلى غير ما يعتقد. وأنشد:

    لا افتخار إلا لمن لا يضام مدرك أو محارب لا ينام

    واحتمال الأذى ورؤية جانيه غذاء تضوي به الجسام

    ذل من يغبط الذليل بعيش رب عيش أخف منه الحرام

    واختتم قوله بأن مضمون الأبيات هو الخلق السوداني المنحدر إلينا من تراث العرب وقد ضمته أرض أفريقيا وغذته. وقد لمست عن قرب شغف أستاذنا بالفروسية الثقافية يوم اقتطفت كلمة للشيخ حمد النحلان في مقال لي. قال النحلان مؤرقاً بالتزامه المتعب بالصراحة: "وآ مغصتي النصيحة قطعت مصاريني." وطرب أستاذنا لها ورددها علي حين التقينا.

    وكانت محنة هذا الصحفي، الذي أشار له استاذنا، مع الحق فاشية علي عهد عبود. فقد روى الأستاذ أحمد علي بقادي عن وخذ الضمير الذي كان يحسه أستاذ الجيل حسن نجيلة وهو يكتب "يوميات الرأي العام" يشيد مكرهاً بحكم عبود. قال بقادي إن نجيلة كان كل ما أشاد في يوميات الجريدة بشئ أو موقف لنظام عبود قال للمحررين :" العنوني يا أبنائي فقد كتبت اليوم مالا أؤمن به." وقال بقادي أنهم كانوا يضحكون ونقول"نحن نعلم موقفك يا عم حسن ولكن من أين للقراء أن يعلموا."

    لم يخف نظام عبود سوء ظنه بالصحف. ففد اجتمع عبود برؤساء تحرير الصحف في مساء اليوم الثاني للانقلاب، 18 نوفمبر 1958، وأطلعهم على ما لا ينبغي الخوض فيه. وكانت المحرمات من الكثرة والخطر بحيث يستحيل معها ممارسة المهنة في حد ذاتها. وقد رأينا في كلمتنا الماضية كيف جاء الأستاذ عبد الله رجب، رئيس تحرير الصراحة، حسيراً بعد أن سمع من عبود قولاً ثقيلاً. قال عبد الله لمحرريه يعلن نهاية الصحافة السودانية كما عرفها في ظل الوضع الجديد: "إن مهمتنا ستكون صعبة للغاية وإن الصحافة سواء كانت الصراحة أو غيرها لن تستطيع ممارسة عملها في جو غير ديمقراطي."

    واتبع النظام خطتين لإلغاء مهنة الصحافة برغم صدور الصحف بما فيها الصحف الحزبية. والأخيرة إلى حين قريب جداً. فقد درج النظام على تبليغ الصحف بما لا ينبغي أن تخوض فيه كلما عن له ذلك. وقد بدأ هذه السنة منذ اجتماعه الأول بالصحفيين. فقد طلب عبود من الصحفيين في ذلك الاجتماع بوجه ناشف: "لا تكتبوا أي شئ ضد سياسة الحكومة ولا تنتقدوا أعمالها في الأمور الداخلية والخارجية ولا تعلقوا على هذه الأعمال بشيء . لا تكتبوا عن الأحزاب السابقة أو الطوائف. لا تكتبوا معلقين أو منتقدين سياسة البلدان الأخرى." ثم لم يكف النظام من تزويد الصحف بصورة راتبة بما لا تجوز الكتابة فيه مثل الكف عن إبداء الرأي في أي نزاع عالمي أو نشر البرقيات المؤيدة لنظام جيزنجا الذي خلف لوممبا بعد اغتياله في الكنغو أو الكتابة عن السيد مصطفي كيشو ولجنة نادي الهلال وأزمة نادي الهلال. وشغلت هذه المحظورات 4 صفحات من كتاب "ثورة شعب" الذي أصدره الحزب الشيوعي عن ثورة أكتوبر. وقد استعان الأستاذ بشير محمد سعيد بالمتنبئ، الذي لن تعدمه متى تناوشتك مسائل الدهر العصية، لتصوير هذه البطالة المقنعة التي ألجأهم نظام عبود لها حين جعل المهنة مستحيلة. فقد كتب بمناسبة عودة جريدته، الأيام،من فترة توقيف أمني هذه الأبيات من المتنبئ:

    يقول لي الطبيب أكلت شئياً وداؤك في شرابك والطعام

    وما في طبه إني جواد أضر بجسمه طول الجمام

    تعود أن يغير على السرايا ويدخل من قتام في قتام

    فأمسك لا يطال له فيرعى ولا هو في العليق ولا اللجام

    ولا هو في العليق ولا اللجام. رحم الله المتنبئ وبشيراً.

    ومن الجهة الأخرى أبطل نظام عبود إغارة أقلام الصحفيين بالحق "من قتام في قتام" بحد القانون. فقد تعجب الأستاذ فتح الرحمن محجوب من تعسف تعديل نظام عبود في 1959 لقانون الصحافة الاستعماري لسنة 1930(تعديل 194. فقد أسقط بالطبع تمثيل اتحاد الصحافيين (الذي لم يكن مسموحاً به) من مجلس الصحافة واستبدله ب "صحافي يعينه وزير الداخلية". وجرد التعديل مجلس الصحافة نفسه من التوصية بإصدار الصحف للسكرتير الإداري وجعل الإذن في يد وزير الداخلية (سكرتير إداري دولة الاستقلال) يمنحه "بموجب أي شروط ويسحبه عند الإخلال بتلك الشروط". وهذه الرخصة في أن يعز آدمي ما من يشاء ويذل من يشاء مأخوذة نصاً وروحاً من قانون 1930 قبل تعديله في 1948. فقد جعل ذلك القانون الاستعماري الإذن برخصة إصدار الصحف في يد السكرتير الإداري يحرمها بدون تعيين السبب ويمنحها بالشروط التي يقررها ويسحبها متي أخلت الصحيفة بأي من تلك الشروط. يعز من يشاء ويذل من يشاء. وهكذا عاد نظام عبود بقانون الصحافة إلى مربع قانون 1930 الذي جري تعديله ليعطي مجلس الصحافة، وكثرته من موظفي الدولة، حق التوصية بمنح ترخيص الصحف. وقد جرد نظام عبود مجلس الصحافة حتى من فتات القوة هذا برغم أن المجلس كله اصبح في يد السلطة بتعيين وزير الداخلية لممثل الصحفيين.

    وخضعت الصحف لأنواع من العنف الفج من قبل النظام. فتعطيل الصحف كان عشوائياً. فقد أغلقت "الصراحة الجديدة"، والحكومة شريك فيها، عام 1961 مزاجياً. فقد روى اللواء طلعت فريد، وزير الاستعلامات للأستاذ محمود أبو العزائم، رئيس تحريرها نفسه، ملابسات هذا التعطيل. فقد قيل إن الفريق عبود جاء هائجاً يلعن الصراحة الجديدة وأمر بإغلاقها. فقال له طلعت إن هناك من هو أسوأ منها. فقال له الفريق:"تقصد الصحافة؟". قال طلعت:"نعم" قال الفريق: " أغلقوها أيضاً". كما اتضح للأستاذ حعفر حامد البشير، محرر الصراحة، أن اللواء البحاري، وزير الداخلية، كان يناقشه في خبر أزعج الحكومة من نص مفرغ بواسطة الأمن من شريط لمحادثة مسجلة كان الصحفي قد أجراها مع الفريق عبود نفسه. ولم يوقر النظام أياً من أعراف الصحافة. فقد قال أبو العزائم إنه نشر خبراً عن العمال وطلب اللواء احمد عبد الوهاب، وزير الداخلية، معرفة مصدره. وتمسك أبو العزائم بشرف المهنة. ولكن السيد أبارو مدير الأمن نصحه بمراعاة فروق الزمن. فقال له: "النظام العسكري لا يعرف جملتك التقليدية وهى عدم إفشاء اسم المصدر لأن ذلك ضد أخلاقيات المهنة. فإن تعليمات وزير الداخلية هي من هو المصدر أو الحراسة والمحاكمة الفورية ثم السجن". ومن سخرية القدر أن اللواء نفسه هو من طلب من جعفر البشير في 1954 أن يكتب مقالات في الصحف لتنبيه الحكومة الوطنية الجديدة آنذاك أن لا تسكرها السلطة اللنج فتعميها عن متاعب الجيش وضباطه. وقد فعل جعفر على ضوء نقاط أعدها اللواء احمد. وكافأت الحكومة الضباط بعد نشر المقالات. وهذا جزاء الصحف ممن ذاق حلوها!

    ولعل أكثر ما امض الصحف هو استباحة السفارات الغربية لحرماتها يريد سائر ملحقيها تزيين صورة بلادهم فيها غصباً. فقد قال بقادي إن تعليقاته في السياسة الخارجية بالرأي العام (مثل غزو كوبا، وجهاد قبرص ضد بريطانيا، والنزاع الصيني الهندي، ووقائع الحركة المعادية للاستعمار البريطاني في شرق ووسط أفريقيا، وثورة اليمن ضد بريطانيا) لم تكن تلقى قبول الملحقين بتلك السفارات. وكان السيد العتباني، رئيس التحرير، يعدم بعضها كما نبه بقادي أن لا يثير مشاكل هو في غني عنها و السفارتين ساهرتين. وقد شجع الملاحق على هذا الوقاحة على الرأي الوطني والمهني تواطؤ نظام عبود وضغطه على الصحف أن لا يصدر عنها ما يجرح سياسة البلدين العظميين. وتلقت الرأي العام إنذارها الأول من وزارة الإعلام عن طريق وزارة الخارجية لشكوى من الملحق الإعلامي الأمريكي (مستر ستس) من تغطية الجريدة لأخبار غزوة خليج الخنازير التي دبرتها السي أي آى الأمريكية على كوبا. وانزعج السيد العتباني جداً للإنذار. وعاتب بقادي وكظم غيظه على استباحة الملحقين لحرم داره. غير أن العتباني غضب أخيراً على الملحقين الصحفيين الأمريكي والبريطاني اللذين كانا يزوران الرأي العام مرات عديدة في لأسبوع لشرح مواقف حكومتيهما. وكان ذلك مما احتمله عتباني في البداية ثم ضاق به بعد ذلك. وقد كره العتباني بالذات صلف الملحق الأمريكي في محاولته التأثير على ما تكتبه الصحيفة. وقال بقادي إن السفارتين أغرقتاه بالدعوات لحفلات خاصة وعامة. وقد اعترف الملحق مستر ستس لبقادي في نقاش معه مرة عن سوء أدبه لأنه يشكو الصحف على الحكومة وهو من بلد يؤمن بحرية التعبير.

    من هو الصحفي الذي رثى أستاذنا لحاله الفكري والمهني يمجد المعونة الأمريكية في ظل نظام عبود القاهر لجوانب إنسانية فيها غابت عنه وهو الذي شجبها في عهد الديمقراطية؟ هل هو من صحفيي الصراحة التي هادنت نظام عبود وقبلت منه ما لم تقبل في عهد الديمقراطية؟

    ولا افتخار إلا لمن لا يضام

    3) مصرع الصراحة على أعتاب الاستبداد

    يلهج الأستاذ عثمان مرغني بفضل الأستاذ محمد سعيد معروف على تنشئته قلمه الصحفي الصائب. فقد كان معروف ملحقاً ثقافياً لنا بالقاهرة في آخر السبعين وأوائل الثمانين. واتفق مع دار روز اليوسف أن تصدر مجلة شهرية يحررها الطلاب السودانيون ويمولها مكتب الملحق الثقافي. وصدرت المجلة بإشرافه لخمسة أعوام. وتعاقب على هئية تحريرها ، إلى جانب عثمان، جيل من أحذق صحفيينا هم الأساتذة كمال حنفي وراشد عبد الرحيم وصلاح حبيب والسمؤال خلف الله وعبد السلام كامل وفيصل محمد صالح. ولا أعرف راعية يأخذ بمجامع قلوب رعيته ويستنهض أجمل عزائمهم مثل الأستاذ محمد سعيد معروف. وقد صدق عثمان حين جعل نعيه لمعروف عنواناً هو "صنائع المعروف" في دلالة هذا الخاصية السخية في الرجل. وهذه فترة معروف الخضراء بالنظر إلى أن معظم تلاميذه في القاهرة المذكورين من الإسلاميين. ولكن سبق لمعروف تخريج جيل أحمر في الأربعينات خلال تدريسه بمدرسة عطبرة الوسطي. فكثير ممن درسهم بعطبرة يوم كان عضوا قائداً بالحزب الشيوعي خرجوا إلى مدرسة وادي سيدنا شيوعيين عقيدتهم راعفة.

    لا أعلم إن كان عثمان قد توقف ليسأل عن رحلة أستاذه هذه من اللواء الأحمر في عقد الأربعين والخمسين إلى اللواء الأخضر بتحريره جريدة "السودان الحديث" في دولة الإنقاذ الإسلامية. وقد تأمل هذه المسالة كمال حنفي بصورة عجلي في مناسبة ذكرى وفاة معروف في مايو الماضي. فقد تطرق لما يقال من أنه ركب الخطوط الجوية الإسلامية وكان وراء التطهير بين المعلمين في حقبة من دولة مايو. وجدد حنفي ثقته في متانة قماشة معروف وأنه ، حتى لو تحقق ما ينسب إليه، جواد ولكل جواد كبوة.

    أنا شديد الاقتناع أن الخيط الفاصل في رحلة معروف من اللواء الأحمر إلى الأخضر وما بينهما هو مصرع جريدة الصراحة، التي كان ثاني اثنين في جهادها الشعبي اليساري، على عتبة نظام عبود (1958-1964). وبدأت الآفة التي أدت إلى مصرعها يوم جاء الأستاذ عبد الله رجب محرريه بعد لقاء الفريق عبود برؤساء تحرير الصحف في مساء 18 نوفمبر. وأطلع الفريق الصحفيين على ما لا ينبغي الخوض فيه. وكانت محرمات الفريق، بإيجاز، مما ألغى المهنة في حد ذاتها. قال عبود لهم : "لا تكتبوا أي شئ ضد سياسة الحكومة ولا تنتقدوا أعمالها في الأمور الداخلية والخارجية ولا تعلقوا على هذه الأعمال بشيء . لا تكتبوا عن الأحزاب السابقة أو الطوائف. لا تكتبوا معلقين أو منتقدين سياسة البلدان الأخرى." وقد رأينا في كلمتنا الماضية كيف جاء الأستاذ عبد الله رجب، رئيس تحرير الصراحة، حسيراً بعد أن سمع من عبود قولاً ثقيلاً. ولما بلغ رجب محرريه، وفيهم معروف، نائب رئيس التحرير، أعلن لهم نهاية الصحافة السودانية كما عرفها. وقال عن مستقبلها في ظل الوضع الجديد: "إن مهمتنا ستكون صعبة للغاية وإن الصحافة سواء كانت الصراحة أو غيرها لن تستطيع ممارسة عملها في جو غير ديمقراطي." واتبع النظام خطتين لإلغاء مهنة الصحافة. في الأولى عدل قانون الصحافة لعام 1930 ليجعل لوزير الداخلية حق الحياة والموت على الصحف لا معقب لأمره يعز من يشاء ويذل من يشاء. ثم اخذ الوزير يصدر محرمات جديدة لا ينبغي للصحف الخوض فيها تهافت تحذيراته حتى بلغت حظر الكتابة عن انتخابات أندية كرة القدم. وعبر الأستاذ بشير محمد سعيد عن نهاية المهنة وعطالة القلم الصحفي بكلمة مستشهداً بالمتنبئ:

    فأمسك لا يطال له فيرعى ولا هو في العليق ولا اللجام

    كان طريق معروف إلى جريدة الصراحة شاقاً مزاجه أشواق يسارية وفدائية شعبية تميز بها جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية. فمعروف من مواليد 1926 بعطبرة وتخرج في كلية الآداب عام 1947. وتقلد رئاسة اتحاد طلابها عن الشيوعيين وكان عضو أول خلية لهم مع المرحوم محمد عمر بشير جندهما لها المرحوم محمد أمين حسين. وضمت الخلية المرحومين عبد الرحيم الوسيلة وحامد عبد الحليم. وعمل معلماً بوسطى عطبرة منذ فبراير 1948. وتلك كانت السنوات التي أسفرت الحركة الوطنية عن أثقالها وقال الإنجليز مالها. وكانت قمة هذا النشاط الوطني مظاهرة 1948 ضد الجمعية التشريعية بشهدائها وعودة جثمان الرفيق الشهيد صلاح بشرى من مصر ومواراته الثرى في مدينته. واعتقل البوليس معروفاً بعد كلمة ألقاها ضد الاستعمار ببلدته كريمة وحفظت القضية لتعذر الأدلة للمضي بإجراءات اتهام ناجحة. وفصله الإنجليز من المدرسة بعد نهاية فترته التجريبية "لترويجه للدعاية الشيوعية" كما جاء في تقرير للمخابرات البريطانية جرى نشره مؤخراً. وقد سمعت بمعروف لاحقاً من ابن عمي، المرحوم محمد علي إبراهيم، الذي كثيراً ما حكى لي كيف تحمس معروف مرة وهتف في محاضرة ما بينما هو يعلم أن بطرف ابن عمي منشورات كان هو نفسه قد سلمها له قبل بداية المحاضرة. وبعد فصله سافر معروف للأبيض وعمل بمدرستها الأهلية ولاحقه الإنجليز وفصلوه لتسببه في إثارة القلاقل بين الطلاب كما زعموا. وضيقوا عليه حتى حين اشتغل بمرتب مقداره 7 جنيهات مع زمبيركس الإغريقي الذي كان يدير مكتباً للترحيلات. وراسل الصراحة من الأبيض منذ ظهورها حتى استدعاه رجب ليكون ضمن أسرة التحرير وصار نائباً للمحرر بالزمن.

    كان معروف في نظر الإنجليز "من النوع الخطير جداً" كما قال تقريره مخابراتهم. وقد لا حظوا ، بعد أن سدوا أبواب الرزق في وجهه، أنه بلا عمل يسترزق من الكتابة في الصحف وعلي صلة وثيقة بعبد الله رجب رئيس تحرير الصراحة "لمتعاطفة مع الشيوعيين".

    وكانت سياسة معروف مما قام على موهبة أدبية وتاريخية نافذة. فعلى أيامه بكلية غردون تخصص في التاريخ. وقد كان بعض تدريبه أن يخرج إلى الريف يجمع مادة الروايات الشفوية التاريخية من أفواه الرواة. وقد طاف معروف بتوجيه من شيخ المؤرخين مكي شبيكة بدار الجعليين يلتقي بمؤرخيها مع زميله المرحوم محمود محمد نمر. وقال معروف إنه سأل أحد الرواة عن أغاني الجعليين فقال له :"هو متين فضوا من الحروبات والمصائب نامن يلقوا وقت للغنا". كما صدر له في أوائل العقد الخمسين مجموعة قصصية عنوانها "مات حجر" غاصة بأخبار غمار الناس وحيواتهم الشقية الملهمة لأشواق العدل الاجتماعي. وهو الذي راجت عنه عبارة "تطير ما ترك" لعضو في الجمعية التشريعية، المعروف عنها أنها صنيعة الإنجليز، قال إنه لو غادر الإنجليز السودان لطرنا وراءهم زرافات ووحدانا: وأنشد العضو المغرم بالإنجليز أبياتاً من قريط بن أنيف:

    لو كنت من مازن لم تستبح إبلي بنو اللقيطة من زحل بن شيبانا

    قوم إذا الشر ابدي ناجذيه لهم طاروا إليه زرافات ووحدانا

    فكتب معروف بذائقته الشعبية: :"تطير ما ترك" . وقد فتلت من نولها جريدة الأيام يوماً حين وصفت سفرة ما لعبود بمانشيت قال: "طار الرئيس عبود . . ."

    لم تقل الصراحة من يوم لقاء عبود للصحفيين "أحي يا العافية". ويبدو أن ما خسرته منذ ذلك اليوم هو روحها نفسه التي كان عنوانها "الصراحة: التزام جانب الشعب". وستفتح قراءة أرشيفها ما بعد الانقلاب باباً بالعلم الدقيق بكيف يزهق الاستبداد الرأي، وعزة أهله به، وكبرياءهم وهم يذيعونه نصيحة للشعب قطعت مصارينهم. وربما وقعنا على كتابة للصحفي الذي رثى له أستاذنا عبد الخالق محجوب في دفاعه أمام محكمة عسكرية عام 1960. فقد قال إن الاستبداد يزيغ الناس عن الرشد ويجعلهم أذلة صاغرين. وضرب المثل بصحفي سل قلمه ضد المعونة الأمريكية حتى قبلتها عصابة 17 نوفمبر، كما جرت عبارة الشيوعيين آنذاك، فسرعان ما وجد فيها ذلك الصحفي "جوانب إنسانية". وكانت الصراحة أقوي معارض للمعونة ووقفت أمام محكمة بتهمة القذف لوصفها بالخيانة بعض نواب البرلمان الذين صوتوا لقبول المعونة. ومع ذلك ظل قلم رجب يجالد جفاء النظام كما استمر الأستاذ محمد الحسن احمد رقيباً على ما يكتبه كما كان يفعل حتى في ظل النظام البرلماني. وبالزمن قبلت الصراحة بحقائق القوة الجديدة بل اصبح لمحرريها ، السيدان محمد الحسن احمد وجعفر حامد البشير، علاقات نافذة بولي الأمر. وكانت وزارة الاستعلامات والعمل، ووزيرها اللواء طلعت فريد ووكيلها محمد عامر بشير فوراوي، منبعاً لأخبارهم. وقد قال طلعت في الدفاع عنهم في مجلس قيادة الثورة بعد محنة تعرضوا لها :إن جريدة الصراحة غير معادية لنا وأن محرريها أصدقاء ويتصلون بنا يومياً لأخذ الأخبار من مصادرها." وقد أعادها للصدور بعد 3 أيام من الإيقاف وأطلق سراح رجب ومحمد الحسن احمد. بل اصبح الفريق عبود مصدراً في متناول اليد. وكان عبد الله رجب يستغرب لحصولهم على الأنباء بالتلفون مستخدمين كلمات مثل "سعادتك" و"معاليك".

    ولما أغمدت الصراحة سيف الحق في غمد التواطؤ هجرها القراء هجراً غير جميل كتب عنه محمد سعيد معروف مقالاً أتمنى أن أقع عليهً. فهبط ما تطبعه إلى ألفى نسخة ولم يزد ما توزعه عن مائة نسخة. وتلقت الصراحة دعماً من وزارة الاستعلامات والعمل ولم يجد. وكانت مطبعتها قد هرمت وتآكلت حروفها وأثقلتها ديون بلغت 8 ألف جنيه. وحين تأزم موقف الجريدة أطلقت عليها وزارة الاستعلامات، طلعت وفوراوي، رصاصة الرحمة بشرائها لأن الشكاوى من تعذر رجب دفع ديونه قد بلغت المحاكم. وذكر لرجب الأستاذ جعفر حامد البشير محاكم أخرى من زمن مضى كان يقف أمامها بطلاً من اجل حرية التعبير. واستولت الاستعلامات على اسم "الصراحة" ومولت صحيفة "الصراحة الجديدة" التي ترأس تحريرها الأستاذ محمود أبو العزائم.

    واستوقفني في رواية معروف عن الصراحة في حديثه لأفضل الصحفيين علماً بالترجمة للرجال والنساء، صلاح شعيب، أنه لم يتطرق لهذه الخاتمة المؤسفة للصراحة. فقد ذكر أن نظام عبود ضيق عليها وأنذرها مرتين حين خرجت على نواهيه في التعبير. ثم صمت. واستغربت من معروف أيضاً نسبة خروجه من الشيوعيين إلى خلاف حول ما يجب فعله بعد خروج المستعمر وهل يكون الشيوعيون حزباً عادياً أم يدخلون في الأحزاب القائمة.ومبلغ علمي أنه كان للشيوعيين حزبهم العادي وهو الجبهة المعادية للاستعمار وكان معروف من أقطابه. وربما أفادنا معاصر بالأمر بأفضل مما وقع لنا.

    أخرس الطغيان الصراحة: أوسم صحيفة سودانية نهضت بجيلها وكانت صوت من لا صوت له التزاماً بالغبش- الشعب . وتفرق جمعها الفصيح السليط أيدي سبأ في شعاب النظام الجديد. فقد اصبح رجب إلى حين محرراً للبرش، صحيفة النظام المسماة "الثورة". ثم اصبح ضابطاً للإعلام بمدينة كسلا. أما معروف فقد عمل بعد توقف الصراحة في 1958 بالأحفاد حتى عام 1963. ثم تقدم بطلب للعمل بالتربية والتعليم. وتدخل طلعت لقبوله بعد أن رفض البيروقراطيون ذلك بالنظر إلى تقارير سلبية عن نشاطه السياسي. وقد كان ممن يستشيرهم طلعت أو ممن يبادرون بالمشورة مما رواه الأستاذ كامل محجوب في الجزء الثاني من " تلك الأيام". وتدرج معروف بوزارة التربية حتى صار ملحقاً ثقافياً بمصر من 1976 إلى 1983. ثم تقلد منصب السكرتارية بنقابة المعلمين قبل ذلك. ومع مجيء دولة الإنقاذ اصبح رئيساً لمجلس إدارة جريدة السودان الحديث الرسمية ورئيساً لتحريرها. ثم اصبح عضوا بالمجلس القومي الانتقالي ورئيساً لمجلس الصحافة والمطبوعات ونقيباً للصحفيين. وتقاعد عن ذلك كله وأدركه الموت في 2001.

    كانت رحلة معروف يوم التقى عثمان ميرغني شقية. فقد مر به يوم طوى فيه صحيفته وكسر قلمه كرهاً و "صمت الملعب". وهي عبارة عثمان نفسه في وجوب دور شعبي أكبر في مجريات السياسة. فالملعب الصامت بلا صفير ، في قوله، أخلد اللاعبين للنوم وأثقل همتهم. لربما لم يمتد التزام معروف باللواء الأحمر كما فعل غيره. ولكن تلازم تخليه عن قلمه السنين بقيام دولة عصابة 17 نوفمبر مؤشر إلى محنة ما في حياته لم نحسن فهمها بعد. فقد اكتفينا بتجريم الضحية وتجريحه بالسقوط أو غيره مما احتشد به القاموس الشيوعي. ولم ندرس بكفاية أو مسئولية الأنظمة المستبدة التي جعلت الكتابة عن الحقيقة مستحيلة. فنحن نستثني نظاماً طاغية من الحساب ونفاضل بينها بإسقاط جريمة حرابة حرية الرأي من بعضها بمجرد التقادم. فهذه حيلة عاجزة يتبعها "الخارجة روحهم" من الكادر السياسي. فهو يخلق ماض ذهبي من مثل نظام عبود أو غيره بلا دليل أو برهان يؤاسي به الناس ويؤلبهم لاسترداده. وهذا ضلال في ضلال. وتبعة المثقف، المنقذ من الضلال، على خلاف ذلك. فهي قائمة في الكشف عن أنساق الطغيان في اتصالها وانقطاعها التاريخيين لا نستلطف استبدادا موصوفاً بالأقل بالنظر إلى أوجاعنا تحت استبداد موصوف بالغلظة. وعاب أستاذنا عبد الخالق محجوب مثل هذا النهج السطحي في النضال ضد النظم العسكرية. فقال إنهم حاربوا نظام عبود في إطار الخلاص منه وكفى. وكان الأحرى أن يواجهوه لا "بوصفه ديكتاتورية عسكرية بل بوصفه نظاماً طبقياً أداته العسكرية". وهذا شغل آخر. هذا حفر للقاع.

    ربنا بلل قبر عبدك محمد سعيد معروف بالندى والثلج والرحمات علي تأسيسه مع رفاقه صحافة المعلمين الله. ربنا الطف به بجاه الغبش عندك.


                  

11-19-2005, 12:22 PM

ABDELMAGID ABDELMAGID

تاريخ التسجيل: 09-09-2005
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: 47 عاماً على انقلاب 17 نوفمبر احكموا علينا باعمالنا قتلوا الصراحة عمداً عثمان ميرغنى: كفاية (Re: ABDELMAGID ABDELMAGID)

    د.عبد الله علي إبراهيم
                  

11-19-2005, 12:27 PM

ABDELMAGID ABDELMAGID

تاريخ التسجيل: 09-09-2005
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: 47 عاماً على انقلاب 17 نوفمبر احكموا علينا باعمالنا قتلوا الصراحة عمداً عثمان ميرغنى: كفاية (Re: ABDELMAGID ABDELMAGID)

    هذا نقلا عن مقال كتبه د. عبدالله على ابرهيم بصفحة sudanile. com
                  

11-19-2005, 05:35 PM

ABDELMAGID ABDELMAGID

تاريخ التسجيل: 09-09-2005
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: 47 عاماً على انقلاب 17 نوفمبر احكموا علينا باعمالنا قتلوا الصراحة عمداً عثمان ميرغنى: كفاية (Re: ABDELMAGID ABDELMAGID)

    من مساوىء الدكتاتورية هو الموات السياسى و الإذعان الشعبى للقرار الحكومى اى و بتعبير اخرالإستسلام و الإنهزامية هذا اذا ما كانت تلك الدكتاتورية دكتاتورية اوتوقراطية لا عقائدية و الأخيرة تأثيرها اعم و أشمل و مدمر و نتيجتها الموات السياسى و الصحفى و هذا الحاصل عندنا فى السودان و ظاهرة ( عثمان ميرغنى ) هى نتاج طبيعى لذلك بحكم انه عضو فى التنظيم الحاكم ( لاحظ التنظيم و ليس الحزب لأن التنظيم انقسم ظاهريا الى حزبين مؤتمر وطنى و شعبى ) و هو تنظيم عقائدى ( الجبهة الإسلامية ) استولى على السلطة بانقلاب قاده جناحه العسكرى ... الفكر العقائدى دائما ما يلقى التاريخ الذى سبقه مثلما حدث فى رو سيا البلشفية و عراق صدام و حاليا فى خرطوم الإنقاذ و سوريا ذو الأسد و ليبيا القذافى فالجبهة الإسلامية ارادت ان تكون هؤلاء و لكن بفكر و ايديولوجيا مختلفه اساسها العصبية الدينية و اخيرا العنصرية ... تلك الأنظمه تكره كلمة الديمقراطية و الإنعتاق و التحرر و نظام الإنقاذ ( موضوعنا الآن ) هو جزء من تلك المنظومة و ان الإستقلال الحقيقى للسودان قد بدأ فى ال ٣٠ يونيو ١٩٨٩ و ما قبله كان كفر و علمانية و لذلك الغيت او حتى مجرد ذكر سم او اى مظاهر احتفالية لثورتى اكتوبر و ابريل الشعبيتين و لهذا لا نستغرب من صحفى مثل عثمان ميرغنى تربى و ترعرع فى كنف ذلك التنظيم الظلامى و كذلك تدرب على امثال محمد سعيد معروف !!!!!!!!!!!
    عبدالماجد
                  

11-19-2005, 07:53 PM

ABDELMAGID ABDELMAGID

تاريخ التسجيل: 09-09-2005
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: 47 عاماً على انقلاب 17 نوفمبر احكموا علينا باعمالنا قتلوا الصراحة عمداً عثمان ميرغنى: كفاية (Re: ABDELMAGID ABDELMAGID)

    هذه استراتيجية جماعة مثل جماعة الجبهة الإسلامية و هذه هى افلسفتها التى لفظها شعب اكتوبر و ابريل و افشل مشروعها الذى يسمونه الحضارى فانقسموا الى شيع و جماعات انتهازية تسرق الثروة و السلطة فعلى شعبنا ان يهب ليقتلع جزورها حتى تعود الحرية و الديمقراطية لشب السودان و لنعيد ذكرى شهداء اكتوبر و ابريل و تضحيات شعبنا فى سبيل نيل استقلاله الذى يستمتع به امثال هذا النشاز الإعلامى عثمان ميرغنى الذى يعبر فى هستيريا حمى العليل عما يجول بفكر هذه الفئة الإنتهازية التى تستغل الدين و تتلون بأى لون لتصل الى هدفها الإنتهازى الأنانى حتى تحاربت فيمابينها فكان هذا البعاق !!!!!!
                  

11-19-2005, 08:01 PM

ABDELMAGID ABDELMAGID

تاريخ التسجيل: 09-09-2005
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: 47 عاماً على انقلاب 17 نوفمبر احكموا علينا باعمالنا قتلوا الصراحة عمداً عثمان ميرغنى: كفاية (Re: ABDELMAGID ABDELMAGID)

    هل مثل هذا الشخص ( عثمان ميرغنى ) لهو حق الإستمتاع بشرف الجنسية السودانية ؟؟؟؟
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de