|
|
 ماذا يعني العيد !!!! ……….
|
قال الملك دبشليم :
ما الغربة يا بيدبا الحكيم؟
قال : الغربة ..
أن تحلم بوطن ما عاد موجود
ويدغدغ خيالك ماضٍ لن يعود ..
يحكى أنه في قديم العصر والأوان .. كانت قيمة الإنسان في بلاد السودان .. تفوق قيمة الدواب والعربات .. وفي ذاك الزمان ، كانت هناك أيام من العام تسمي أيام العيد .. ممتعة وذات طعم خاص سعيد ..
وكلما مرت أشباح تلك الأيام في زماننا هذا يروون لأبنائنا وبناتنا القصص الطويلة في التلفزيون ، يكتبون و يحكون ويظلوا يكررون ، عاماً بعد عام ، نفس الكلام العام .. عن صلاة العيد .. ولباس الثوب الجديد .. ومديح المصطفي الحبيب .. بينما الصغار يتسألون متى كان كل هذا ؟ وبلادنا ضاعت لماذا ؟ ..
الأعياد كانت .. لكن الرغبة في تجميل الصورة وإعطاء المواعظ تجعلهم يغفلون عن ذكر الكثير من الطقوس في الأعياد وكأنما ولدنا شيوخاً لم نعرف إضاعة الوقت والكلام الفارغ بتاع الأيام دي .. لقد آن الأوان أن نحكي للصغار لماذا كانت تلك أياما سعيدة للأطفال وللشباب ، وبأن نخبرهم عن السينمات والكاوبوي … عن الاحتفالات وخيم الطرب داخل حديقة الحيوان والأسواق الخيرية و" إنتي كلك زينة وعايمة كالوزينة " ، والتسكع خلف ذوات الضفائر ، حب البنـات ورسائل العيـون والهيام وطوابير البيادة وتحمل المشاق من اجل نظرة من التي " سال من شعرها الذهب " في بلد لا يسيل فيه إلا اللعاب .. عن الاختلاط في السـاحات الشعبية والعروض المجانية من حيدر قطامة وشمشون السودان وفرق الفنون الشعبية ، عن الكازينو العائم والمقرن والجندول والريفيرا وغيرها من صور وأشكال إبتهاجات العيد في العاصمة ومدن السودان الكبيرة ……..
كان الضحك بيملأ الحلوق لامن الصوت ينقرش ..
العْشَاء للعيال ما بيزيدلو عن طعمية بقرش ..
والناس بترقد في اللحاف والمخدات والفرش ..
يحكى أن الناس في تلك الأيام كانوا ذاك " الشعب المثقف " والخرطوم كانت " عاصمة الثقافة العربية والأفريقية " واقعاً ، لا لقباً تمنحه منظمة إقليمية كسيحة وجاهلة . كانت البلد والنيل معطاءان قبل أن ينضبا ، كان الناس طوال العام في البرلمان والأندية الرياضية يتابعون ويتناقشون ، وفي دور الأحزاب يتحاورون حول الأحداث في العالم والبلد .. يذهبون للصلاة بأيديهم الجرائد اليومية والكتب ، ويرددون قول المجذوب عيون الشعر أخر الليل وهم يترنحون .. ينتظرون في شوق هبوط الطائرات التى تحمل المجلات .. كانت أكشاك الصحف والمجلات تملا الدروب والطرقات ، والكتاب يتداوله الناس فيما بينهم لقراءته.. الصبية والأطفال كان يسمح لهم المشاركة في كل هذا بداخل وخارج البيوت ويتعلمون كل يوم ما هو جديد ويتثقفون ، الجاهل في التصنيف من لا يتابع العالم من حوله ولا يطلع علي ما هو جديد في الفكر الإنساني وإن حمل الشهادات الجامعية .
لذا كانت أيام العيد هي فترات الاستراحة وكان الناس يعيشونها في فرح حقيقي وسرور.. كانت تعني لهم الكثير من السعادة والأحداث حتى انهم كانوا يؤرخون بها . ففلان تزوج في العيد الفلانى ، او وُلد عِلان أيام العيد التي قضوها مع الآهل في البلد ، وخطب فلان علانه بعد أن التقاها أيام العيد ، أو رحلة عيد الضحية التي تتعلم خلالها العوم وأشياء أخرى .. هي أيام خاصة ولابد أن تقع خلالها الأحداث ..
في زمن الانكراشه ونومة البرش ..
وضياع البلد وسط الدقون والكرش ..
واقفين صفوف عشان نصفق .. نقبض وننبرش ..
ولان العيد حالة من الفرح الجماعي ، لا تستطيع فئة الاستمتاع به بدون باقي المجتمع ، صار مذاقه المر يدبغ حلوقكم في سنوات الجوع ومراوغة الساسة . إذ ماذا سيعنى العيد اليوم لمن بالكاد يجد قوت عياله ؟.. ماذا يعنى لام أجبرت على تسليم أبنائها وقوداً لحرب لا معنى لها تأكل الملايين ؟.. ماذا يعنى العيد لامرأة تنتظر في قلق ( يا ربي الوليد إشتغل وألا لسع .. رسل حوالة وألا أخروها ناس التحويل .. والا ياربي ما يكون قبضوه ناس الترحيل ) حوالة لن تصل من غائب منذ سنين طويلة يبتلع المهانة يومياً صابراً على اللهث وراء سراب حين يوجد يكون نخاسة وغير مجزي ؟ .. ماذا يعنى لطفل لا تمتلئ بطنه إلا حينما يصاب بالاستسقاء ؟ .. ماذا يعنى لأب فارقه النوم يوم فارق أحضانه الأحباء والأبناء ، لا يعرف الانتشاء والفرح إلا حين يعثر مصادفة علي مبلغ يكفى لحوالة ؟ .. ماذا يعني العيد لصبي قتل الفقر أحلامه ؟ …..
( حجيتك ما بجيتك .. خيرن جاكم وجانا )
لان أطفالنا جاءوا في زمان الرمادة والقحط .. لزاماً علينا أن نجيبهم بوضوح لماذا أكل الناس ما بجحور النمل ؟ لماذا يعاني الغلابة من لسعات البعوض والقمل ، لماذا فقدت الأيام رونقها وانزوت أيام الأعياد وضاعت وسط الزحمة ؟ لماذا صارت تعنى المعاناة لتوفير طلبات هي ضرورات تنازلنا عنها في الأيام العادية ؟ كيف صارت أيام العيد تعني للكثيرين التوجس من زيارات لا تستر بل تفضح .. أيام بلا عمل لأناس لا يملكون حق الاسترخاء والراحة ..
قيل : وما الحل يا حكيم ؟
قال : الحل !! ..
أن تعود ولا تعود
أن تزرع العدل والخبز كالرياحين كالورود
أن تمسح الدمع من على الخدود
أن تنزع الخوف والحدود والسدود
وعلى صندوق خشبي رغم أنف الجميع تعود
د.عارف عثمان
|
|
 
|
|
|
|
SILVER MOON
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست