|
|
 علي امير المؤمنين سيد العصور مقال لكاتب شيعي
|
بقلم: حبيب محمد هادي الصدر :
يا علي.. نداء ندي مخضل بالخشوع ينبعث رقراقا من ثنايا الروح فتطرب له النفوس قبل الاسماع وتتضوع به الحنايا قبل الافواه . يا علي.. استغاثة تزمجر في القلوب كلما ألمت بنا الغوائل وحفت من حولنا الخطوب نبغي بها وجه الله بجاهك عنده . يا علي.. هتاف ينهمر من الوجدان درج لوقعه الصغير وشاب على ترديده الكبير .
يا علي.. خطاب يسافر الى الروح لم نألف مثله ولا هفونا لغيره، ولن نرتضي بدلا عنه حتى نرد عليك الحوض، فننضوي تحت لوائك ونغترف من كوثرك .
وكلما دنوت(أمير المؤمنين) من شواهقك بحرف غمسته من حبر وجدي اليك.. كبوت في مضمارك وقصرت عن مدياتك فالكلام عنك(يا يعسوب الدين وقائد الغر المحجلين) قد يبدو يسيرا في مأتاه ولكنه عسير جدا في مبتغاه . لاني -في رحابك- أخال نفسي اعدو ولا اتعدى واجري ولا أجاري وفيض مزاياك وألق سجاياك بقدر ما تزدحم صاخبة في الضمائر، وتتجول جذلى في الخواطر لكنها عصية عن الحصر وتجفو عن الاحصاء . لانك انت سادن الحرف وسلطان الكلمة والعالم النحرير يخشى ان يلج للعلم مدينة لانك أنت بابها الاوحد . وكلما استبدت بنا الهواجس وأزرى بحالنا السقم هرعنا للنجاة في سفينتك واذا ما أثقلت كواهلنا الذنوب وانحسرت في الفؤاد فضاءات الرجاء.. أوينا الى حصنك وارتمينا بشطان محبتك واستلقينـا على عشب ودادك .
فرادتك-ايها الوصي- ما كان لها نظير في التاريخ.. تحدرت من أكرم الأنساب طرا وانتميت الى أطيب الاعراق . أبوك (ابو طالب) عظيم الجاه في قريش وجدك (عبد المطلب) سيد البطائح . حتى ولادتك تميزت بها عن سائر اهل الجاهلية والاسلام مذاولدتك أمك(فاطمة بنت أسد) في جوف الكعبة وتلك-لعمري- مزية لا تعلوها مزية والى ذلك أنشدنا الحميري :
ولدته في حرم الإله وأمنه
والبيت حيث فناؤه والمسجد
بيضاء طاهرة الثياب كريمة
طابت وطاب وليدها والمولد
ما لف في خرق القوابل مثله
إلا ابن آمنة النبي محمد
نعم... اختصصت بقرابتك من الرسول وتربيت في حجر النبوة يحوطك النبي برعايته ويشملك بلطفه كيف لا وانت غرسه وابن عمه واصبحت-بعد حين- زوج ابنته واحب عترته اليه وكاتب وحيه واقرب الناس الى فصاحته وبلاغته واحفظهم لقوله وجوامع كلمه .
أسلمت-اول الخلائق- صبيا ولازمت النبي يافعا حتى تخلقت باخلاقه واتسمت بصفاته وفقهت عنه الدين وحفظت ما نزل به الروح الامين .
هاكم قوله(ص) يخاطب عشيرته الاقربين (ان هذا أخي ووصيي ووزيري وخليفتي فيكم فاسمعوا له واطيعوا ) وقوله له ( أما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي) وقوله(ص) لبضعته الزهراء : ( يا فاطمة اما علمت ان الله عز وجل اطلع على اهل الارض فاختار منهم أباك فبعثه نبيا ثم اطلع ثانية فاختار بعلك فأوحى إلي فانكحته واتخذته وصيا) . وطهرك الله وآل بيتك من الرجس حيث قال جل وعلا(انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وباهى بك المصطفى وبالزهراء والحسنين نصارى نجران فانزل بحقكم الله(تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) . وان فرقت بيض الشمائل وطهر الخلال على رهط النبي(ص) فقد استودعت كلها في شخصك فجعل الله قولتك عدل، ورأيك موقف، وحكمك فصل، وصارمك نصر، ورؤيتك يقين، وكل هواك مروءة ونقى وورع، ومبادىء ما سقيتها إلا بدمع عينيك وعصير قلبك ونجيع دمك . وقد المح نبينا الاعظم(ص) الى خصائصك بقوله  يا علي اخصمك بالنبوة ولا نبوة من بعدي وتخصم بسبع ولا يحاجك فيها احد من قريش أنت اولهم أيمانا بالله وأوفاهم لعهد الله وأقومهم بأمر الله واقسمهم بالسوية وأعدلهم في الرعية وأبصرهم بالقضية وأعظمهم عند الله مزية) .لله درك- يا إمام المتقين- كم حملت بين جنبيك أيمانا لم تعدله رواسي الأرض فتوحد عندك الحس والفكر والقول والفعل، ورسمت كلام الله بين حدقتيك حفرته على جدار قلبك فاذا القرآن كله يتمثل في شمائلك وينطق بفعالك وصرنا نقرأ القرآن بملامحك ومخايلك . الم يقل (ص) فيك علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض).
ولا يعرف تاريخ الاسلام بطلا مجاهدا لا يدرك له شأو ولا يشق له غبار مثل علي (ع) فان اقتضت المصلحة الحرب خاض غمارها واسعر نارها بجنان ثابت وعزم صارم ونفس مطمئنة تستعذب ورد المنايا واذا كانت المصلحة في جانب السلم اغمد حسامه واكتفى بالدعوة الى الحق بلسانه الساطع وبيانه الرائع فهو بحق رب السيف والقلم وهما طوع ارادته ورهن اشارته . وقد شهد عليه السلام المشاهد والمواقف كلها إلا تبوك . ففي بدر اتفق المسلمون على ان الامام قتل بسيفه نصف قتلى المشركين فيما تكفل الملائكة والمسلمون بالنصف الآخر وفي موقعة الأحزاب انبرى لمبارزة بطل الكفر عمرو بن ود العامري فيما جبن عن قراعه كل المسلمين فارداه قتيلا فنرى الرسول الكريم يؤرخ لتلك المآثرة الخالدة بقوله (قتل علي لعمرو يعدل عبادة الثقلين ) . وفي غزوة خيبر عقد الرسول له الراية بعد ان اخفق غيره باقتحام حصون خيبر قائلا لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار يأخذها عنوة وفتحت الحصون على يد علي بعد حصار بضع عشرة ليلة . ويوم حنين أعجبت المسلمين كثرتهم فلم تغن عنهم شيئا وضاقت عليهم الارض بما رحبت ثم ولوا الادبار وحسب الامام فخرا انه ثبت مع نزر قليل وظل ينافح عن رسول الله وقتل لوحده من المشركين اكثر من اربعين . وفي غدير خم فقد ابان النبي الكريم في حجة الوداع ولاية علي عليه السلام وامارته على المسلمين بما لا يقبل الشك والتأويل بعد ان نزلت الآية الشريفة (بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته الله يعصمك من الناس) فخطب في الناس ورفع يد علي قائلا لحشود المسلمين العائدة من الحج (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وابغض من ابغضه وانصر من نصره واخذل من خذله وادر معه الحق حيث دار) وبولايته عليه السلام تمت النعمة وكمل الدين فانزل الله بهذه المناسبة قوله الكريم(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) . اما أدبك الرفيع فحين يحل جدائله وينشر عطره لهو روض يضحك فيه الزهر والاس والنغم النسيق والكلم الرشيق والماء السلسبيل وكأن فصاحتك وبلاغتك ما صيغت الا على مقاساتك العملاقة فكلماتك ووصاياك وخطبك كلها نسيج متناغم من حيث اتساق المعاني واشراق الديباجة وجزالة العبارة، واذا كان القرآن الكريم معجزة النبوة فان نهج البلاغة هو معجزة الامامة .وعلى ثقل ما حملت من اعباء الامة وهمومها.. ما رآك احد الا بشا سباقا الى ابتسامة خالطت طلعتك المقمرة تكاد لا تفارق وداعة عينيك وطمأنينة نفسك . ولطالما كنت(يا أبا الحسن) تحتكر الحزن لنفسك وتهب الفرح للآخرين وتخلع الكرى من اجفانك كي ينعم الناس بالرقاد وتقتات من الزاد بقرصه ومن اللباس بطمره كي توفر اللقمة والحياة الكريمة لرعيتك .
وكان قدر خلافتك -ان تتصدى للناكثين والقاسطين والمارقين فاذا بسيفك ذي الفقار يجتث في يومك كما في امسك دغل النفوس وغل الصدور وفساد البدع لقد أبيت(أبا الأحرار)- ان تدع القوى السوداء ان تبث سموم احقادها في جسد الامة وتذر رماد خرائبها فوق كل ما هو جميل في دولة الاسلام فمشيت اليها الى النهاية الفاصلة لا يبطؤك عن قصدك حتف ولا يثنيك عن عزمك نكوص لقد اردت ان تحسم بارادتك الجبارة امرا لم يكن عنه من محيص حتى ذوى قلبك الكبير وامتلأ قيحا وتآمر العدا على إسكاته ليجهضوا منجزك الرسالي الجهادي الخالد فهوى السيف الاثم الفاجر المسموم على هامتك الشريفة في مثل هذا اليوم وأنت بين يدي الله تصلي الفجر فقلتها بفمك المفعم بالايمان الذي لم يبح بالاه (فزت ورب الكعبة) .
فيا ايها الفارس المطل على خيل البطولة والبلاغة والفضيلة .
أيها المالك مفاتيح الصبر والدمع والخلود.
أيها المتوطن في الحدقات المؤمنة الشريفة .
يا ذا الفقار اللامع في ليل التحديات .
يا نهيض الحرة ويا ضلع النبي .
إليك هواي ......
روحا تحوم على رملة اتوسدها في حماك،وعبرة مهراقة اذرفها على مثواك للذي أحدثه خوارج هذا الزمن بعدك من تزييف واحتراب وانحراف فان تجرّأوا على مقامك القدسي باشقى اشقياهم منذ سالف القرون، فالف الف ابن ملجم يطل علينا اليوم بلثام الدسيسة وسكاكين الغدر وسموم الفتنة مدافة بعسول الدين واباطيل التأويل .
وخذ مني.. ولسانا لم ينثن يوما عن التغني بفضائلك والتعطر بالصلاة والثناء عليك . وهمة فوارة تحركني هنا وتقعدني هناك استنفرتها لبث مبادئكم وفضح اعدائكم (آهل البيت) .
وقلما عاشقا لكم ما سالت منه كلمة الا في حبكم ولا اطلق بيانا ولا استوحى فكرا الا من صميم منهجكم .
وشغفا وولاء لك-يا أمير المؤمنين -
وليدا مباركا ابصرت النور في جوف الكعبة، وفتى مقداما حكيما لم تجد بمثلك الدهور.
تصول على العدا بصارمك فتخر صرعى امامك الجبابرة . وتسدي النصح ببلاغتك فتنقاد لك العقول، وتهب العفو بمقدرتك فيذعن لمشيئتك حتى الخصوم .
ثم... شيخا مكللا بالمجد ومسريلا بالفخار تتهادى بنعشك افواج الملائكة .
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست