هوامش على متن الرسالة المفتوحة لعضوية الحزب الشيوعي السوداني(1 من 7)-عادل عبد العاطي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 03:28 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-20-2005, 10:57 PM

معتز تروتسكى
<aمعتز تروتسكى
تاريخ التسجيل: 01-14-2004
مجموع المشاركات: 9839

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
هوامش على متن الرسالة المفتوحة لعضوية الحزب الشيوعي السوداني(1 من 7)-عادل عبد العاطي


    هوامش على متن الرسالة المفتوحة لعضوية الحزب الشيوعي السوداني

    سلاح النقد أم نقد السلاح؟

    أو في تعامل الشيوعيين السودانيين مع النقد الموجه لحزبهم (1 من 7)



    عادل عبد العاطي
    [email protected]

    ازعم ان أغلب التنظيمات الاجتماعية والسياسية السودانية؛ تعاني من حساسية مرضية تجاه النقد الذي يمكن ان يقدم لمكوناتها؛ وتعاني من انيميا حادة لا تطاق؛ فيما يتعلق بالنقد الذاتي؛ اى النقد القادم من داخل التكوين المعين؛ تجاه بعض مواقفه السابقة او الحالية؛ وفي هذا الاطار فان الحزب الشيوعي السوداني ليس استثناءا؛ ولكن ضيق صدر قادته والكثير من عضويته بالنقد قد اصبح مضرب الأمثال.

    والطريف في الأمر؛ ان الشيوعيون السودانيون هم من ادخل تعبير ومفهوم النقد والنقد الذاتي؛ في الحركة الفكرية – السياسية السودانية؛ وذلك حين جعلوه – نظريا وقبل زمن بعيد- احد دعائم حياتهم الحزبية الداخلية؛ ووضعوه في دستورهم؛ ويبدو انهم قد فعلوا هذا في الأدبيات؛ ليهربوا منه هربا عظيما في الواقع؛ وليمارسوا الضد منه تماما؛ وخصوصا منذ الانكفاء الكبير للحزب عقب هزيمة انقلاب 19 يوليو 1971.

    ان عقلية الانكفاء وسيكلوجية إمتلاك الحقيقة المطلقة؛ انما هي ظواهر معهودة في المجتمعات التقليدية والتسلطية؛ والمجتمع السوداني مجتمع تقليدي؛ وبه مؤسسات تسلطية بامتياز؛ تبتدئ من سلطة الأب والجد والاخ على كافة الاسرة؛ وتمر عبر المدرسة التلقينية القهرية؛ والطائفة الدينية المغلقة؛ ولا تنتهي عند السلطة الحاكمة الديكتاتورية؛ ولذا فليس من الغريب ان تلقى هذه الظواهر بظلالها على الشيوعيين السودانيين؛ بحيث يعتبر بعضهم الاعتراف بالخطأ شرا وهزيمة ومصيبة عظيمة.

    كما ان الطابع العقيدي والرسالي الذي نظر / ينظر به اغلب الشيوعيون السودانيون الى النظرية الماركسية والى دور حزبهم في الحياة العامة؛ يحول اغلبهم الى دوغمائيين من الدرجة الاولي؛ بل وأكاد اقول اصوليين؛ حيث يتصوروا ان منبع الحكمة والحقيقة والوطنية والشرف كامن في حزبهم وقيادتهم لا يتعداه؛ وكل من ينقد حزبهم او قيادتهم انما هو مارق وشرير؛ ومعاد بالضرورة للحقيقة والوطن والشرف؛ حتى يثبت العكس.

    في هذا التعامل السلبي من ظاهرة النقد؛ والذي هو – أى النقد- من اساسيات المنهج الجدلي؛ ومن ابجديات كل تطور وتغيير؛ يمكن ان نلمس ايضا عقلية ما اسميه بالقلعة المحاصرة؛ حيث ان التنظيمات والمجموعات والتيارات التي تكون في فترة ما اقلية في المجتمع؛ او تتخوف من الهزيمة او عانت منها؛ أو تسير في اتجاه الانحسار؛ تميل في العادة الى ضم صفوفها والتوحد حول تنظيمها – فكرتها - عقيدتها؛ وتبجيل قادتها بل وتقديسهم؛ والدفاع عن القلعة المحاصرة – حقيقة ام تخيلا- حتى الرمق الاخير والرجل الاخير والقطرة الاخيرة من الدم او الحبر.

    في المقابل فان الافكار الجديدة والتنظيمات الناهضة؛ لا تتخوف من النقد بل وترحب به؛ لانها ترى فيه مصدر قوة؛ وامكانية لتطوير خطاها. في هذا الاطار يمكن ان ننظر للنص الاكثر نقدية في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني؛ وهو وثيقة "اصلاح الخطأ في العمل وسط الجماهير" ؛ والتي كتبها عبد الخالق محجوب في عام 1961 ؛ وقدم فيها نقدا شاملا لعمل الحزب ومناهجه بعد 15 عاما من تاسيسه؛ على مستوى التعامل مع الافكار والجماهير واشكال التنظيم والعادات والتقاليد الخ.

    لقد اندهشت في الثمانينات؛ وانا انظر لمقدمة الطبعة الجديدة لتلك الوثيقة؛ والتي توقعت ان تقوم بنقد تجربة الحزب منذ 1961 والي تاريخ اعادة الطباعة؛ بنفس المنهج؛ لاجد انها هربت من ذلك الواجب؛ وكررت او اختصرت ما قالته الوثيقة التي كتبت قبل ربع قرن.. ان عقلية تعتقد ان ربع قرن من العمل وسط الجماهير؛ كانت خالية من الاخطاء ؛ أو لا تجد الرغبة او القدرة لنقدها؛ لا يمكن ان تنتج الا حالة الانكفاء وعقلية القلعة المحاصرة التي نلمسها في ردود فعل بعض الشيوعيين اليوم.

    لقد قال البعض ان الكيزان لا يعترفوا ابدا باخطائهم؛ ولا يعتذروا عنها؛ بل يبرروها في أحسن الاحوال؛ وذلك لما دخل في روعهم من امتلاك الحقيقة المطلقة ومن حيازة اسرار الأرض والسماء ومن طهر وقدسية قادتهم غير المقدسين. وفي هذا المجال فان الحزب الشيوعي السوداني لا يختلف عنهم البتة.

    ولو كان بعض هؤلاء الشيوعيون يكتفوا برفض النقد السلبي؛ لكان هذا هينا؛ ولكنهم ينتقلوا سراعا الي الهجوم والاتهامات التي ليس لها دليل ولا اساس تجاه الناقدين؛ وشخصنة الحوار معهم؛ ووصفهم بالانتهازية والامنجية والسقوط الخ؛ ومحاربتهم اجتماعيا .. ويمكن ان نجد مثالا ساطعا في تعامل الشيوعيين اليوم مع الصحفية صباح أحمد؛ والتي لمجرد ان كتبت مقالا نقديا عن حزبهم؛ وكتبت عن الفشل والمناورات في عقد مؤتمرهم الخامس؛ تحولت عندهم الى عميلة لجهاز الأمن؛ كما تقول الميدان؛ وتحولت عند بعضهم الى العدو الاول والأخير؛ والذي يمكن ممارسة اسؤا وابشع ممارسات اغتيال الشخصية والقتل المعنوي والتبشيع تجاهه.

    يقول عبد الخالق محجوب عن مسلك مثل هؤلاء:

    " نتج عن المسلك الخاطئ المتميز بالعجلة ان اصبح بعض الرفاق يطلقون الصفات علي الناس دون مبرر: فهذا انتهازي وذلك جاسوس !! بالطبع هناك الانتهازي وهناك الجاسوس؛ ولكن الانتهازية مسلك مستمر وموقف طبقي؛ والجاسوسية امر لا بد من التحرز والدقة والاقتصاد في الحكم عليهما. (.....) وهذه الاحكام العاجلة المبتسرة تصبح اخطر اثرا؛ عندما تصدر من قادة في حزبنا؛ وهناك بعض الرفاق في فصائل القيادة يسلكون هذا المسلك غير المسؤول ازاء الجماهير؛ بل في بعض الاحيان ازاء الاعضاء؛ فيستثقلون دم شخص دون ذنب جناه؛ ويذمون آخر ويجرحونه دون مراعاة لمراكزهم ومسؤولياتهم.(.....) مثل هؤلاء الرفاق يخربون علاقات حزبنا بالجماهير؛ ويهدمون ما بني غيرهم في وجه صعوبات جمة؛ ويستجيبون لفردية البرجوازي الصغير؛ الذي يعيش اسيرا لتعصبه؛ ويبني احكامه علي النزوات الطائشة والعواطف الفجة." ( عبد الخالق محجوب: اصلاح الخطا في العمل وسط الجماهير: الطبعة الثانية - ص 48-49)

    ان مثال الصحفية صباح أحمد؛ يقف مثالا ساطعا على هذا التعصب؛ وبناء الاحكام على النزوات الطائشة والعواطف الفجة؛ وعلى انعدام التحرز والدقة والاقتصاد في الاحكام؛ حيث يجهل بعض هؤلاء الشيوعيون او يتجاهلوا؛ ان ما نعاني منه في بلادنا ليس كثرة النقد بل قلة النقد؛ وليس انفلات الصحافة بل عدم حرية الصحافة؛ والتي هي في الانظمة الديمقراطية تشكل السلطة الرابعة؛ فهل يكون مصير كل صحفي انتقد حزبا ان يؤكل حيا هكذا؛ وان يمارس عليه ما حذر منه عبد الخالق محجوب قبل حوالى نصف قرن؟

    ان معظم الشيوعيين ممن اتهموا الصحفية صباح بالعمالة للأمن؛ لا يمكنهم تقديم دليل على ذلك؛ وهم بهذا إنما يقدموا اسؤا الامثلة لموقفهم من قضايا الشفافية وحرية التعبير وحق الرأى العام في معرفة المعلومة. ولا يهمنا هنا ان تكون الصحفية صباح متحيزة ضد الحزب الشيوعي ام لا ؛ او ان تكون هناك هنات في حرفيتها الصحفية؛ بقدر ما ان الاهم هو حق المواطن في المعلومة؛ وحقه في انتقاد احزابنا السياسية المتكلسة؛ وقياداتها الديناصورية؛ هزا للقديم واستشرافا للجديد؛ وحق الصحفي في حرية التعبير.

    ان الصحفيين في البلدان المتقدمة والديمقراطية؛ تكاد تكون لهم حصانة من السياسيين مطلقة؛ وهم باسم الرأى العام من حقهم تعقب هؤلاء السياسسين بالذات؛ وفضحهم ونقدهم؛ ولو كان النقد لاذعا ومؤلما وغير صائبا في بعض الاحيان.. ولم اسمع عن اى صحفي تمت محاولة اغتياله معنويا؛ واتهامه بالعمالة للامن دون دليل الا العواطف الفجة؛ في تلك البلدان التي يحترم سياسيوها ومؤسساتها السياسية حق المواطن في المعلومة.

    ان ممارسة اغتيال الشخصية عند قيادة الحزب الشيوعي قد تم رصدها من اكثر من مراقب: كتب عنها الدكتور حيدر ابراهيم على؛ وكتب عنها الاستاذ عرمان محمد احمد؛ واكتوي كثيرا منها وكتب عنها الراحل الكبير الخاتم عدلان. ورغم ان دكتور حيدر والراحل الخاتم عدلان قد شككا في فعالية هذا السلاح اليوم في يد الشيوعيين؛ الااننا نؤكد انه لا يمكن ان يتم اصلاح وتطوير الحزب الشيوعي السوداني؛ أو أي تنظيم يخرج منه؛ ولا اندراجه من جديد وسط القوى الديمقراطية؛ واستعادة مواقعه في النضال من اجل الحريات وحقوق الانسان وكرامة الفرد؛ لو لم يتخلص من حساسيته المرضية تجاه النقد؛ ومن ممارسات اغتيال الشخصية الشنيعة والبشعة.

    ويتمظهر الضيق بالنقد عند بعض الشوعيين؛ بمطالبة الناقد ان يترك الحزب الشيوعي وينصرف لاموره؛ وخصوصا اذا كان هذا الناقد قد فارق صفوف الحزب من قبل؛ او كان ينشط في حزب آخر. بل ان هذه السلوك قد تبدى حتى في التعامل مع المختلفين في الراى من الشيوعيين؛ وكلنا يذكر دعوة التجاني الطيب للمنتقدين لايدلوجية وبنية الحزب الشيوعي المتكلسة؛ ان يتركوا " حزبهم" ويذهبوا لبناء "حزبهم" الديمقراطي بعيدا!!

    لقد واجهني هذا المنهج كثيرا؛ وطلب مني بعض الشيوعيين ان اترك حزبهم لحاله؛ كما طلب مني البعض الآخر ان اتفرغ لبناء حزبي الجديد !! وفي الحقيقة اقول ان هذا المنطق المعوج مدهش في انكفائيته؛ فلماذا اذن ننتقد حزب الامة؛ والمؤتمر الشعبي؛ ,والحركة الشعبية ؛ والمؤتمر الوطني ؛ والنظام؛ اذا كان عدم الانتماء لحزب معين يمنع من نقد اخطائه او جرائمه؟ ان المشاركة في بناء حزب جديد او احزاب جديدة؛ او الوجود في مواقع الاستقلال؛ لا يمنع المواطن السوداني من حقه في انتقاد الاخطاء في الحركة السياسية القائمة؛ تماما مثلما ان انخراط الشيوعيين في عمل حزبهم؛ لا يمنعهم من نقد غيرهم من الاحزاب او القيادات او المؤسسات السياسية.

    إنني شخصيا رحبت وارحب بكل نقد موجه تجاه شخصي الضعيف؛ وتجاه الحزب الذي انتمي اليه؛ ولقد تعلمت من كل نقد وجه الي؛ او الى أي حركة سياسية انتمي لها؛ واحسب ان من يعمل لا بد ان يخطئ؛ وان خير تصويب للاخطاء يأتى عبر معرفتها اولا؛ ومرات لا يتاح رؤية الاخطاء الا من الخارج؛ وخصوصا في الاحزاب العقائدية الرسالية؛ ولذا اظن انه من الافضل ان يرحب الشيوعيون بالاحرى بكل نقد موجه اليهم؛ اذا كانوا يريدوا حقا الاصلاح وتطوير الحياة السياسية؛ لا مقابلته بالعداء والاتهامات المجانية و الاحكام العاجلة المبتسرة؛ المبنية على التعصب والعواطف الفجة والنزوات الطائشة.

    لقد آن الاوان ليس في الحزب الشيوعي فحسب؛ بل وفي كل مكونات الحركة السياسية السودانية؛ ان نشهر سلاح النقد عاليا؛ لما نحن فيه من حال؛ وان ننتقد البني المتكلسة والقوى والعناصر المسؤولة عن هذا الحال؛ وان ندع الاقلام تنتقد والاصوات تعلو بالخلاف والسجال والحوار؛ بدلا من ان ننقض بعضنا بالسلاح؛ اى ان نقتل بعضنا بعضا؛ من اجل المطامح الذاتية لهؤلاء القادة بالذات.

    عادل عبد العاطي

    http://abdelaati.net

    19 /10/2005


    http://www.sudaneseonline.com/
                  

10-23-2005, 12:18 PM

معتز تروتسكى
<aمعتز تروتسكى
تاريخ التسجيل: 01-14-2004
مجموع المشاركات: 9839

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هوامش على متن الرسالة المفتوحة لعضوية الحزب الشيوعي السوداني(1 من 7)-عادل عبد العاطي (Re: معتز تروتسكى)

    هوامش على متن الرسالة المفتوحة لعضوية الحزب الشيوعي السوداني (2 من 7)

    الميثولوجيا والمارتيرولوجيا في تربية الشيوعيين

    أو في التعامل العاطفي وهل يبني الحزب صنما يعبد ؟



    الميثولوجيا في اللغة هي الاسطورة؛ والمارتيرولوجيا هي الاحتفاء بالشهداء؛ أو قل هي روح القربنة؛ اى الاحتفاء بالشهداء – القرابين وتعليقهم ايقونات على الصدور؛ او بالتعبير القديم قل هى البكاء على الاطلال والقبور.

    الشيوعيون في تطويرهم لملامح غيبية قوية في اطار ايدلوجيتهم التي يقال انها علمية؛ ادخلوا كثيرا من الميثولوجيا والمارتيرولوجيا قى نظامهم لتربية الاعضاء؛ وهذه ظاهرة يمكن رصدها في تجربتهم على المستوى العالمي؛ او في صيغتها المحلية في السودان.

    هذه الاسطرة للتاريخ الخاص؛ والبكاء الدائم على قبور الشهداء – القرابين؛ تحول الحزب السياسي من كونه أداة للفعل السياسي؛ لتحقيق برنامج سياسي بعينه؛ الى هدف في حد ذاته؛ ويتحول الحزب نفسه – بفعل الاستخدام الطوطمي لتاريخه وقادته وشهدائه - الى اسطورة والي ايقونة يصلي تجاهها؛ او الى صنم جديد يعبد من قبل من رفضوا الاصنام القديمة.

    يقول عثمان محمد صالح؛ في استخدام الشهداء في صنع ايدلوجيات الاستلاب السياسي والوجودي في شمال السودان؛ وهي الظاهرة التي مارسها الحزب الشيوعي عن جدارة:

    "الإستشهاد مفـهـوم مـركزيّ بالنسبة للعـقـل السياسي لشمال السودان . إنـه " الفـصل " السـّري اللامكـتوب من برامج الأحـزاب السياسية و مكـوّن أساسيّ من مكونات صورة كل حـزب عـن نفـسه و آليات عـملـه في مجال الدعـاية و التـبـشـير و الإسـتـقـطاب. مـن العـسـير العـثـور عـلى حـزب سـياسي ـ راسخ ـ لا يمـتـلك فـعلياً أو يـدّعـي إمـتلاكـه لرصـيد من الشـهـداء في" بـنـك السياسـة "، وكـأن ممارسـة السياسة مـرادفـة للمـوت، لكن الأمـر ليس كـما يتـبـدّى للوهـلة الأولى، فالرسـالة " الخـفـيّة" تـقـول ما يلي : أنا حـزب الشـهـداء ، إذن أنا موجـود ! وبقـدر ما تطول قائمة الشهداء بقـدر ما يُـمـنـّي الحزب المعـيّن نـفـسـه بإكـتـسـاب عـمـر مـديـد . ( عثمان محمد صالح: الإسـتشهاد و الشـهداء في شـمـال السـودان : زاوية نظر سـوسـيولوجـية؛ فرناى – هولندا؛ 28/4/2004)

    هذه الاسطرة للتاريخ والبكاء الدائم على الشهداء واستخدامها عاملا لربط العضوية بالحزب وتراثه الرمزي؛ نجدها تدخل في تربية الشيوعيين منذ أول ملامسة لهم للحزب؛ أى في مراحل الدعاية والتبشير والاست\قطاب؛ وفي ظل واقع تنتشر فيه الافكار الغيبية والميتافيزيقية؛ ويأتى فيه الانسان الى مواقع العمل السياسي المتأدلج الى درجة كبيرة؛ مليئا بالحماس والنهج الرسالي؛ يكون لهذا المنهج بعض الفعالية مرات؛ ولكنه لا يؤدي بأي حال الى بناء الوعي النقدي والعلمي المرتقب في ومن حزب ثوري.

    هذا المدخل لا يستخدم فقط للاستقطاب؛ وانما لزيادة لحمة الاعضاء بالحزب؛ حيث يصبح الارتباط بالحزب ليس ارتباطا ببرنامجا سياسيا محددا؛ وانما بتراث روحي طويل؛ ممتلئ بالشهداء – القرابين؛ الذين يملاؤا على العضو كل مسامات حياته؛ وتصبح قمة المني ليست الحياة والانجاز فيها؛ وانما الموت مستشهدا؛ وتصبح بذلك حقا ممارسة السياسة مرادفة للموت؛ ويكون حينها الخروج عن الحزب؛ اذا ما عاد يوافق آراء الانسان؛ او تم الاختلاف مع قيادته؛ بمثابة موت معنوي؛ وتخلي عن كل هذا التراث الروحي العظيم.

    نفس الشي يتم انتاجه وتطويره عن القادة الأحياء ؛ والذين تروي عنهم ايضا قصص تقرب للأساطير؛ ويتم تضخيم انجازاتهم و"تضحياتهم" الى حدودها القصوى؛ ويفرض نوع من الغموض والسرية والهالا ت النورانية عليهم؛ ويتم التعامل معهم كشهداء – أحياء؛ ويكون مجرد استمرارهم في قيادة الحزب لعقود؛ غض النظر عن نتيجة هذا الاستمرار او سببه او مثالبه؛ مصدرا للفخر ؛ كعلامة للصمود؛ وتكون اى محاولة لنقدهم؛ فكريا او سياسيا؛ بمثابة هرطقة وكفر عظيم بالمقدسات والمقامات.

    هذا طبعا لا ينفصل عن الطبيعة التقليدية للمجتمع السوداني؛ بكل ما فيه من ارث طائفي وعشائري وابوي؛ ووجود المؤسسات التسلطية والقمعية والقهرية التي اشرنا اليها سابقا؛ حيث سلطة الاب مستمرة على ابنائه وبناته حتى الموت؛ ولو بلغوا – وبلغ – من العمر عتيا؛ اما المريد فهو في يد شيخه؛ كالميت في يد الغاسل؛ والاستاذ في تعامله مع التلميذ لا يقبل حوار ولا نقدا؛ وزعيم الطائفة يكاد يُعبد من قبل اتباعه؛ الخ الخ؛ لذلك لا غرابة ان تنخرط القيادة اليمينية للحزب الشيوعي وان تنسجم مع هذا الجو العام؛ وان تستمرأه وتعيد انتاجه في حزبها الذي قيل انه "من طراز جديد" ؛ وخصوصا انه كلما كبر عمر الانسان؛ زاد ميله للحلول التقليدية وابتعد عن دعوات وممارسات التغيير والتجديد.

    هذا كله يؤدي الي بناء عقليات غير نقدية؛ وسط عضوية الحزب الشيوعي؛ تتعامل مع حزبها بصورة صنمية؛ ومع قادتها بصورة عاطفية؛ وتؤدي الي الرد الرافض العنيف والتعامل بتشنج مع اية اطروحات نقدية؛ تأتى تجاه هذه القيادة او الحزب؛ وتجعل اعدادا كبيرة من هذه العضوية متحجرة تجاه النقد ودعوات التغيبير التي تأتي من خارج القيادة؛ وفي نفس الوقت تتعايش بخضوع مع كل ما تأتي به القيادة من سياسات وممارسات؛ مهما احتوت من تناقضات؛ ومهما صادمت مقتضيالت الواقع؛ او خالفت اهداف ومبادئ وبرامج وتاريخ وتراث الحزب؛ او شذت عن المنطق السليم؛ او تصادمت مع مصالح الشعب الملحة.

    من كان يصدق قبل 5 سنوات مثلا؛ ان بعض الشيوعيون سيدافعوا عن تعامل قيادتهم مع حزب الترابي؛ وزياراتهم للرجل ومحاولتهم ادخالة حلبة السياسة السودانية من الباب؛ بعد ان اخرجه منها تلاميذه – الاعداء من النافذة؛ وانهم سيهاجموا كل من يرفض هذا السلوك الانتهازي؛ وانهم لن يألوا جهدا في ذلك؛ وسيطوعوا كل المناهج البراجماتية وسيجعلوا من الفسيخ شربات؛ لتبرير ما لا يبرر بالعقل والمنطق"؛ وينفوا ما هو معلوم بالضرورة.

    من كان يصدق مثلا؛ ان يوافق بعض الشيوعيون على انخراط قيادتهم في صفقة نيفاشا؛ وتقديمها التنازلات الواحدة تلو الأخري تجاه نظام الانقاذ الدموي الفاشي؛ وان تدوس على دماء الشهداء؛ وان تجعل سقف مطالبها منخضا حتى عن مطالب الاحزاب الطائفية؛ وان تتراجع عن دعم ما طالب به المجتمع العالمي من محاكمة مجرمي النظام؛ والذين استشهد عشرات الشيوعيين تحت ايديهم؛ كما جاء في موقفها المضطرب من قرار مجلس ألامن رقم 1593؛ والذي عجزت قيادة الحزب الشيوعي اليمينية عن صياغة موقف واضح منه؛ بعد شهور عديدة من صدوره؟

    التعامل الصنمي مع الحزب؛ يظهر كذلك في أدبيات الشيوعيين؛ في تقديم الحزب على الشعب؛ حيث نجد قولهم "شهيد الحزب والشعب " ؛ " قضية الحزب والشعب " ؛ " مصالح الحزب والشعب" ؛ الخ الخ ؛ ونحن هنا نتسائل؛ هل هذا الحزب هو كيان خارج الشعب؛ حتى يُميز عنه؛ وهل هو اهم من الشعب؛ حتى يقدم عليه ؟

    من الواضح ان الشيوعيين ينظروا للشعب ومصالحه وقضاياه؛ من منظور حزبهم ومصالحه وقضاياه؛ ويعتقدوا ان حزبهم هو خلاصة الشعب السوداني؛ وان الانتماء اليه هو قمة الانتماء لذلك الشعب؛ وان كل الانتماءات السياسية والفكرية الاخري؛ هي مشبوهة باحسن الاحوال؛ وخائنة في اسؤاها؛ ومن هنا يتبدى ويُفهم لنا حجم الهستيرية والتشنج والعداء والكراهية التي يتعامل بها بعض الشيوعيين مع الخارجين عن حزبهم؛ حيث يعدونهم مباشرة خارجين عن الشعب؛ الذي تماهى لهم مع حزبهم.

    هذا يفسر ايضا؛ كيف ان العديد من الشيوعيين؛ ممن توصلوا الى قناعات مخالفة تماما لاطروحات حزبهم؛ يتخوفوا من الخروج من ذلك الحزب؛ او الانضمام الى حزب آخر؛ وذلك بسبب من صورة ذلك الحزب الاسطورية في لاوعيهم؛ وحفاظا على العلاقات الاجتماعية والنفسية التي طوروها اثناء وجودهم فيه؛ وخوفا من السقوط في عيون "الزملاء"؛ والذين هم اشداء كل الشدة مع رفاقهم السابقين؛ والذين يقف معظمهم في الصف الديمقراطي والثوري؛ ورحماء كل الرحمة اليسوم مع قادة النظام والفاشيين مثل الترابي ومع الزعماء الطائفيين؛ رغم مواقفهم المعادية للشعب و"الحزب الشيوعي".

    ان هذا ما يفسر وجود شيوعيين مغتربين داخل حزبهم؛ يلهجوا بلسان؛ وحزبهم بلسان آخر؛ وفي ذلك فانني اذكر ان احد الاعضاء في فرع الحزب الشيوعي ببولندا؛ قد كان يتبني اطروحات اقتصادية متطرفة في دعوتها ودفاعها عن الراسمالية؛ في اكثر اشكالها يمينية؛ ومع ذلك كان عضوا في الحزب الشيوعي. اذكر انه قد دارت لي محاورات مطولة مع هذا العضو؛ والذي كنت اقف على يساره من ناحية الآراء الاقتصادية؛ وذلك بعد خروجي من الحزب الشيوعي؛ ولم يستطع ان يقدم شرحا لانتمائه للحزب الشيوعي السوداني؛ مع تبنيه لتلك الاطروحات الاقتصادية الراسمالية المتطرفة؛ غير الانتماء التاريخي والعلائق العاطفية وعجزه عن قطع الحبل السري مع صورة ذلك الحزب الميثولوجية والمارتيريولوجية التى تربى عليها عبر السنين.

    هذه الممارسات والعقلية والنهج؛ لا يمكن بأى حال من الاحوال ان تطور بناء علاقات سليمة فيما يتعلق بعلاقة العضو بالحزب؛ فالعلاقة هنا ليست مع تنظيم زمني؛ تقوم على الاتفاق على برنامج؛ والالنتزام بلائحة؛ وانما هي علاقة روحية ميتافيزيقية؛ يكون فيها العضو دائما تحت الضغط الهائل لميثويلوجيا الحزب؛ ولهيمنة قيادته؛ وهي هلاقة في حدها الادني تشكل علاقة استلاب؛ وفي اشكالها الاكثر تطرفا؛ تشكل علاقة عبودية.

    ان صورة الحزب الشيوعي في عيون بعض اعضائه؛ او قل الصورة التي يربي عليها العضو؛ لا علاقة لها بعلم السياسة الحديث؛ حي الحزب السياسي ما هو الا اداة واحدة؛ من ادوات العمل السياسي. وليس العمل السياسي نفسه؛ الا شكلا واحدا من اشكال النشاط العام؛ لا تتوقف الحياة دونهما؛ ولا ينبغي ان يعطيا اكثر من حجمهما؛ كادوات لتحقيق اهداف اهم منهما؛ وهذه الاهداف هي ما تستحق النقاش والحوار والتمسك بها؛ طالما اقتنعنا بها؛ وليس الادوات المتغيرة؛ والتي يمكن ان تبلي وان تتغير؛ بمرور الايام وتبدل الاحوال.

    هذا العلاقة الطوعية والصحية لعلاقة العضو بالحزب؛ والتي تفترض حق الاختلاف والنقد والخروج عن الحزب وتغييره؛ تنبع اساسا من مفهوم المواطنة؛ ومن حرية وكرامة الفرد وحقوقه ككينونة مستقلة؛ وان يكون المواطن هو الهدف والغاية؛ وليس الحزب او الايدلوجية او القائد؛ وهذا هو لب النهج الليبرالي او الديمقراطي.

    بالمقابل فان علاقات الخضوع والاستلاب والعبودية؛ المطورة عبر آليات الأسطرة وعبادة الشهداء والقادة؛ أنما تنتمي الي مجال فكري واجتماعي آخر؛ اقطاعي - طائفي عشائري على المستوي الاجتماعي؛ وعقيدي رسالي ميتافيزيقي على المستوى الفكري؛ يُغيّب فيه الانسان لصالح المؤسسة ( التي تصبح طائفة)؛ وينسحق فيه التابع امام القائد؛ وتضيع فيه الحقيقة امام الاسطورة؛ ويتراجع فيه الواقع امام الايقونة؛ وينهزم فيه العقل امام الصنم.

    عادل عبد العاطي

    22 اكتوبر 2005
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de