|
|
 عبد الوهاب الافندي: الحكومة الجديدة شخصيات بضاعتها الوحيدة هي النفاق
|
حكومة اللحظة العابرة في الخرطوم
2005/09/27
د. عبدالوهاب الافندي
انشغلت الاوساط السودانية في الايام القليلة الماضية بالحكومة الجديدة التي اعلن عنها الثلاثاء الماضي بعد طول انتظار. وكان الشعور الغالب علي الرأي العام وغالبية المعلقين هو شعور الصدمة والاحباط، وذلك بسبب الآمال الكبيرة التي علقت علي التشكيلة والتوقعات بأن تكون بداية تغيير حقيقي.
وكانت الصدمة اكبر تجاه الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي بدا حضورها باهتا في الوزارة، سواء من حيث الوزارات التي تولتها، او الاشخاص الذين قدمتهم، وكثير منهم غير معروفين، او قد جربوا في الوزارة من قبل ولم يكن لهم حضور فاعل. ولم تكن الصدمة اقل كثيرا في المؤتمر الوطني، الذي بلغ من استخفافه بالشعور العام انه اعاد للوزارة وفي احد ارفع المناصب، وزيرا استقال قبل اشهر بعد ان اصبح اول وزير في عهد الانقاذ يتعرض لتحقيق رسمي بتهم الفساد والتقصير، وقد اعترف الرجل حينها بذنبه في التقصير واستقال فيما يبدو الان انه كان مسرحية فجة الاخراج.
اضافة الي ذلك ازدحمت الوزارة بشخصيات كثيرة لا وزن لها، في اي ميزان سياسي، كثير منهم انشقوا عن احزابهم لاغراض شخصية، واخرون من بقايا نفايات عهود استبدادية سابقة وحالية، بضاعتهم الوحيدة هي النفاق.
هذه النقاط تعتبر في حد ذاتها مدعاة للكثير من القلق. فهي تكشف الي اي حد اصبحت المجموعة الصغيرة المهيمنة علي الاوضاع معزولة تماما عن العالم من حولها، وفاقدة لكل احساس بمواقف انصارها قبل خصومها، فقد كان المبدأ المهيمن علي ما يبدو في تشكيل الحكومة هو الترضيات وداخل هذه الحلقة الصغيرة وحاشيتها من المطبلين لدرجة استحداث مناصب لاكثر من اثني عشر مستشارا للرئيس لا توجد مكاتب تسعهم في القصر الجمهوري، ناهيك عن ان يوجد لهم عمل او وقت لدي الرئيس لاستشارتهم.
ولو كان الرئيس يستشير احدا في الاصل لكان علم ان تعبئة الوزارة بكثير من هذه الشخصيات يحسب علي الحكومة لا لها. فكثير منهم لا يفتقدون فقط الرصيد السياسي والسند الشعبي، بل لهم فوق ذلك رصيد سلبي، بحيث ان وجودهم في الوزارة يثير غضب الكثيرين، ولا يرضي احدا.
ولكن هذه ليست هي القضية، ذلك ان كل هذه الانتقادات للوزارة تفترض ان حكومة الانقاذ هي حكومة مثل كل الحكومات الاخري. وهذا غير صحيح، فالاستخفاف بالمنصب الوزاري والمنصب العام هو جزء من تركة عهد الانقاذ الاول، حين كانت الحكومة تدار من منازل في المنشية والرياض، وكانت الحكومة كلها، بدءا من مجلس قيادة الثورة وانتهاء بالوزراء هم آخر من يعلم. وكانت من مفارقات ذلك العهد ان اعضاء مجلس قيادة الثورة فوجئوا بصدور تصريح يعلن قرب حل المجلس من شخص لم يكن له منصب حكومي، ناهيك عن ان يكون عضوا في المجلس.
هذا النهج واستمراره اعتمد علي وجود اشخاص مستعدين لتمثيل دور الوزراء والمسؤولين القياديين دون ان يطالبوا بحقوق المنصب ومسؤولياته، فيما عدا الامتيازات المالية والجاه المرتبط بالمنصب الرفيع اسما. وكان هؤلاء يدخلون في الوزارة علي اساس هذا التفاهم، ويتعاملون مع آليات داخل وزارتهم يمثلها في الغالب وكيل الوزارة الذي يكون علي اتصال مباشر بمراكز صنع القرار الفعلي خارج الجهاز الحكومي او في مواقع اخري منه.
وكان من المفترض ان يتغير هذا المنهج بعد انتهاء ازدواجية مركز القرار ودخول كل اعضاء الحكومة السرية الي ارفع المواقع في الحكومة العلنية، ولكن يبدو ان البعض استمرأ هذا المنهج وما يتيحه من تركيز السلطة، وافراغ للمؤسسات، بما فيها مجلس الوزراء والبرلمان، من كل سلطة ومحتوي. وهكذا استمرت القرارات المهمة تتخذ في تلك الدائرة الضيقة نفسها، ولا تناقش في اي من هذه المنابر قبل البت فيها. وهي بالقطع لا تؤخذ بالتصويت كما يحدث في حكومات العالم المنتخبة.
وقد واجه هذا الترتيب تحديات محدودة بعد اتفاقية الخرطوم للسلام عام 1997 ودخول جناح من الجيش الشعبي في الحكومة، ثم دخول احزاب منشقة اخري فيها. ولكن هذه القوي تصالحت مع هذا الواقع في مبدأ الأمر، وعرفت بعد فترة قصيرة الباب المؤدي الي مواقع مركز صنع القرار الحقيقي. هذا التصالح لم يستمر طويلا، حيث ان المنشقين علي الجيش الشعبي سرعان ما اكتشفوا (ومعهم المنشقون من حزب الامة) ان رمضاء الاستبداد واحتكار القرار اللذين فروا منهما في حركاتهم هما اهون بكثير من نار التهميش الكامل التي اصطلوا بها، فعادوا ادراجهم نادمين.
بعض هؤلاء، وعلي رأسهم د. لام أكول وزير الخارجية الحالي، عادوا الي الحكومة، هذه المرة وهم مسلحون باتفاقية سلام حقيقية تحدد بوضوح نصيبهم في السلطة، وبدعم اقليمي ودولي لا يجعلهم كما كانوا من قبل رهائن في يد سلطة الانقاذ. وهذا بدوره يدخل داينامية جديدة في داخل مؤسسة السلطة قد يجعل من المستحيل استمرار المنهج القديم. ذلك ان وزراء الجيش الشعبي لن يقبلوا بالقطع بدور الممثلين، وسيحاولون ممارسة السلطة الحقيقية كل في وزارته. وهذا بدوره سيجعل من مجلس الوزراء الجهة التي تناقش فيها السياسات ويتم التداول حولها.
بالطبع من الممكن الالتفاف علي هذا المطلب، كما حدث في الفترات السابقة في المداولات حول الوزارة، عبر مداولات تتم خارج المجلس بين الرئيس ونائبه، وهذا كان المنهج المتبع ايام الديمقراطية الثالثة في السودان (والعهود السابقة ايضا) حيث كانت القرارات الهامة تبرم في لقاءات بين السيدين وتنزل بعد ذلك الي البرلمان، او مجلس الوزراء. ولكن هذا الاسلوب بدوره كان يقوم علي مشاورات مطولة تتم داخل الاحزاب المعنية.
ولكن هذا الترتيب من شأنه ان يقوي موقف الرئيس ومؤسسة الرئاسة علي حساب حكومة الظل التي ظلت تطبخ القرارات بليل، وقد تكون لهذا انعكاسات خطيرة علي بنية النظام والعلاقات بين مراكز القوي فيه. وقد بدأت آثار هذا التغيير تظهر لاحقا، حيث تم في هذا التغيير الوزاري ابعاد او تحييد شخصيات كان لها دور مهم في المرحلة السابقة.
المسألة لا تتعلق بشكل الحكومة وشخصيات من يتولون الوزارة او يمثلون دور من يتولاها، ولكنها تتعلق ببنية الحكم والديناميات التي تحكم مراكز صنع القرار فيه. فقد دخل السودان بهذه الوزارة مرحلة جديدة يتعرض فيها نهج صنع القرار وادارة الحكم السائد لاختبار حقيقي لن تكون هناك بعده عودة الي ما سبق. فاما ان يطور المنهج نفسه ليواكب مبدأ المشاركة في السلطة، والشفافية في اتخاذ القرار والمحاسبة للمسؤولين، واما ان يواجه الوضع انتكاسة يكون من عواقبها انفصال الجنوب قبل الاستفتاء وقبل نهاية المرحلة الانتقالية، ثم تعرض النظام لهجمة دولية لن تنتهي قبل سقوطه.
السودان اذن مقبل علي فترة حرجة، وطريق مليء بالالغام، ذلك ان ايا من طرفي الاتفاق لم يأت الي السلطة بانتخاب، وانما بقوة السلاح، وكلا الطرفين يحتفظ بسلاحه وهيمنته علي مفاصل السلطة والموارد في منطقة نفوذه. واذا كان هناك سند شعبي ودولي للاتفاقية التي بموجبها اعلنت الحكومة، فانه سند مشروط بما سيكون، لا بما هو كائن، والشرط هو ان تنفذ بنود الاتفاقية التي تنص علي بسط الحريات، وتوسيع المشاركة في السلطة، واتاحة الحكم الذاتي للولايات، وانهاء نزاع دارفور، ثم اقامة انتخابات حرة ونزيهة، وكل خطوة من هذه الخطوات لا بد ان تكون علي حساب احتكار القرار لحاملي السلاح. وقد تكون المحصلة النهائية للانتخابات ـ وهو المرجح ـ انتقال السلطة الي طرف آخر.
الذي يبعث علي القلق هو ان طرفي الاتفاق، وخاصة المؤتمر الوطني، لا يتصرفان تصرف من يدرك ان الانتخابات قادمة، او انها ستكون نزيهة وحرة. والبعض فسر الدعم الشعبي الكاسح، والسند الدولي القوي، لاتفاقية السلام، التي تنص علي تفويض الامر للشعب والاستعداد للتخلي عن السلطة، علي انها دعم لاستمرار حاملي السلاح في احتكار القرار نيابة عن الشعب ـ وهذه قراءة مقلوبة للمسألة. فالسند الشعبي والدولي هو للتغيير وليس لبقاء الامور علي ما هي عليه، والا لماذا لم يتم التعبير عن الفرح الشعبي سابقا؟
وهذا بدوره يفسر الاحباط الشعبي من التصرفات الرسمية التي اظهرت عدم وجود تغيير او نية في التغيير. واذا استمرت الامور علي ما هي عليه، واستمر هذا الاستخفاف بالتطلعات الشعبية الي تغيير حقيقي، فقد يحدث ما لا تحمد عقباه، وقد لا تنتظر الجماهير الانتخابات المقررة بعد اربع سنوات لتعبر عن عدم رضاها عن استمرار النهج القائم.
واذا وقع هذا، فان هذه الحكومة التي تعرف نفسها بأنها انتقالية، قد تصبح اكثر انتقالية مما توقعت، وتتحول الي حكومة اللحظة العابرة مثل حكومة رئيس الوزراء الاسبق سر الختم الخليفة التي تولت السلطة عقب انتفاضة اكتوبر 1964 ولم تعمر سوي ثلاثة اشهر فقط.
wwww.alquds.co.uk
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الوهاب الافندي: الحكومة الجديدة شخصيات بضاعتها الوحيدة هي النفاق (Re: مكي النور)
|
العزيز مكي النور
شكرا لايراد هذا المقال الهام للدكتور الافندي التائب من رجس الكيزان و الذي يبدو انه قد حسنت توبته. بعد تحرر الافندي من جمود الايدلوجية الاسلاموية اكتسب ثقل فكري و قدرة عالية علي البحث و التحليل تتناسب مع مكانته الاكاديمية و تجربته السياسية التي تمكن من التأمل فيها من خارج الايطار مستمدا منها العبر و بذا يبدع في نقد العقل الاسلاموي.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الوهاب الافندي: الحكومة الجديدة شخصيات بضاعتها الوحيدة هي النفاق (Re: مكي النور)
|
حكومة العالم السفلى التى تدير الامور بشكل سيقودها الى منحدر وهاوية غير ذات قرار ربما انطبق عليها القول الماثور المكتولة لا تسمع الصايحة . فهاهو الاتحاد الافريقى يشكوها للامم المتحدة بسبب وقوع هجوم شامل ومنسق بين الجنجويد والطيران الحكومى على معسكرات نازحين وليس على قوات محاربة . هذا جنون وهذا هو وزير عدلها الجديد يعترف بانه لا ة يستطيع ان يعتقل المجرمين وتلك دعوة كافية لمحكمة العدل الدولية لكى تتولى الامر ينفسها وهاهى مفاوضات ابوجا تراوح مكانها ثم بعد كل هذا يتجدد نشاط الجنجويد العسكرى المدعوم حكوميا ---------------- انه الجنون بعينه . صحيح أن الجاهل عدو نفسه .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الوهاب الافندي: الحكومة الجديدة شخصيات بضاعتها الوحيدة هي النفاق (Re: مكي النور)
|
لا أعتقد ان الأفندي قدثاب لرشده ولكنه يتباكى على مجد إندثر مع شيخه الترابي وهوحين كان يتمتع يصفة مستشار لم يذكر
| Quote: فالاستخفاف بالمنصب الوزاري والمنصب العام هو جزء من تركة عهد الانقاذ الاول، حين كانت الحكومة تدار من منازل في المنشية والرياض، وكانت الحكومة كلها، بدءا من مجلس قيادة الثورة وانتهاء بالوزراء هم آخر من يعلم. وكانت من مفارقات ذلك العهد ان اعضاء مجلس قيادة الثورة فوجئوا بصدور تصريح يعلن قرب حل المجلس من شخص لم يكن له منصب حكومي، ناهيك عن ان يكون عضوا في المجلس. |
إنهم من طينه عجنت الكذب والخداع فليس من خارج السلطة بأحسن ممن هو بداخلها فكلهم من بيضة ذاك الثعبان
| Quote: فكثير منهم لا يفتقدون فقط الرصيد السياسي والسند الشعبي، بل لهم فوق ذلك رصيد سلبي، بحيث ان وجودهم في الوزارة يثير غضب الكثيرين، ولا يرضي احدا. |
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الوهاب الافندي: الحكومة الجديدة شخصيات بضاعتها الوحيدة هي النفاق (Re: Mohamed Elboshra)
|
العزيز محمد البشري
احقاقاً للحق (كما راه) فأن الدكتور الفندي قد اختلف مع الاسلاميين قبل
مفاصلة الاجنحة و من حينها صدح برأي واضح اكثر جرأة من كثير من المعارضين
السياسيين للانقاذ منذ ظهورها. و من متابعتي لكتاباته في الشأن السوداني
و العربي و الاسلامي يتضح لي بوضوح ساطع أن الرجل حقق نقلة كبيرة في منهجه
و ادواته و خطابه و تحليله للدرجة التي تصنفه في خانة الاكاديميين و البحاثة
الذين يعملون علي أن يكونوا امينين مع انفسهم و لعلمهم.
هي شهادة لله في حق الرجل و أنا من موقفي تجاه الحركة الاسلاموية السودانية كان
من الايسر لي أن انكر عليه اي تغيير ايجابي من منطلق أنه ليس لهؤلاء ان
يخرجوا من جلودهم و انه التلون. قد اكون مخطئ في تقديري لكن هو الصدق مع
النفس الذي نسعي لان نتخلق به.
تحياتي
| |
|
|
|
|
|
|
| |
نصار
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست