|
Re: الحاج وراق .. هذا (العمى) الاجتماعي ! (Re: مكي النور)
|
مسارب الضي هل كنا واهمين؟!
الحاج وراق
* كنت من الأكثر المتفائلين باتفاقات السلام، والداعين إليها والمدافعين عنها بحماسة،وذلك بسبب ان الاتفاقات خلاف ايقافها أطول حروب القارة الأفريقية، وانهائها للمقتلة التى اقعدت بالبلاد، وفرت آلية مضمونة وآمنة لانتقال البلاد للديمقراطية، فقد كفلت حقوق الانسان وفق المواثيق الدولية، ونصت على قيام انتخابات حرة ونزيهة ومراقبة دوليا، كما دعت إلى تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة، كفيلة فى حال قيامها بإنهاء الطابع الاحتكارى والاقصائى للانقاذ. * والآن، تبدو الأوضاع فى البلاد، بعد بدء نفاذ الاتفاقية، وكأنها تمد ألسنتها نحونا نحن الذين أيدنا الإتفاقات! فالواضع أن البلاد ليست فى مجرى تنفيذ الاتفاقات، وليست فى اتجاه التحول الديمقراطى، ولا فى بوابة الانخراط فى مشروع للبناء الوطنى، بل ان أقصى ما يمكن توقعه من الحكومة القائمة والمسماة «حكومة الوحدة الوطنية» أن تدفع إلى تقسيم البلاد إلى شمال وجنوب فى نهاية الفترة الإنتقالية! هذا أقصى ما يمكن توقعه منها! والأرجح أنها ستدفع بالبلاد إلى التشظى الى جهويات عديدة تغرق فى بحور من الفوضى! فهل كنا واهمين فى توقعاتنا من اتفاقية السلام؟! أجيب بلا. واضيف بأن الاتفاقات، كانت وستظل، طريق البلاد الآمن نحو السلام والديمقراطية والبناء الوطنى.. وعلى عكس ما يعتقد الكثيرون فإن اتفاقات السلام لم تكن ثنائية، هى على الأقل ثلاثية، فاضافة الى المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية، كان هناك المجتمع الدولى، وقد اضفى هذا الشريك الثالث طابعه على الاتفاقات، فكانت ذات طبيعة ديمقراطية واضحة. ولهذا السبب فإن الاتفاقات تشبهنا وتعبر عنا نحن كقوى ديمقراطية اكثر من شبهها وتعبيرها عن المؤتمر الوطنى الذى وقع عليها! * اذن لم نكن مخطئين فى تأييد الاتفاقات. ولكن حدثت متغيرات عديدة عقب التوقيع عليها، جعلت المؤتمر الوطنى فى موقع مواتي للاستمرار فى نهجه القديم، أى فى موقع مواتي للقفز على إستحقاقات الاتفاقية، فأعاد تفصيلها بالقوانين والممارسات التى تصدر عنه تباعا لكى تتماشى مع قامته كمؤتمر وطنى! وبالطبع فإن الاتفاقية المصممة على قامة الوطن لن تكون ذاتها الاتفاقية بعد أن اعيد تفصيلها بمقاس ضيق الافق الاحتكارى والاقصائى! ولكن المؤتمر الوطنى، نتيجة للمتغيرات المشار اليها، والتى سنعرض لها تفصيلا، لم يعد يستشعر ضغوطا كافية تدفعه للايفاء بالعهود التى قطعها على نفسه ضمن الاتفاقات، كما لم يعد يأبه لضرورة اخذ التزاماته مأخذ الجد! فلماذا حدث ما حدث؟! * أول هذه المتغيرات غياب شهيد الوحدة الوطنية د. جون قرنق، وهو غياب صمم خصيصاً ليحدث تحولاً كاملاً فى توجه الحركة الشعبية لتحرير السودان! فالفريق اللاحق لفريق الراحل قرنق يعبر عن السياسة التقليدية للساسة الجنوبيين التقليديين، سياسة تحركها الأنانية القومية الضيقة، وتكرر بصورة تدعو للشفقة ذات أخطاء تجربة أديس أبابا، اخطاؤهم السابقة التى جعلتهم لا يعيرون انتباها لطبيعة السلطة المركزية فى الخرطوم، فتصوروا بأنهم غير معنيين بالاستبداد فى الشمال ما دام هذا الاستبداد لايتدخل فى شؤونهم الجنوبية الخاصة! وقد قال التاريخ كلمته فى مثل هذه الأنانية القومية، حيث اتضح بعدم امكان الحفاظ على جزيرة ديمقراطية فى الجنوب ضمن محيط من الاستبداد على النطاق الوطنى! ولقد كان قرنق، اضافة الى وضوح رؤيته حول ضرورة اجراء تغييرات هيكلية فى السلطة المركزية، كان الاكثر إلتزاما من قادة الجنوب برؤية السودان الجديد، بسبب طموحه الواقعى ومصالحه السياسية، ولهذا كان الاكثر معرفة والتصاقا بما يجرى فى المشهد السياسى فى الشمال وفى المركز! والآن فإن الفريق البديل يتعامل مع ما يجرى فى المركز بنفاد صبر واضح ، وبالزهد الجنوبي التقليدى، مما يكشف عن قصر نظر بعيد! وهكذا فإن رحيل قرنق، وتهميش فريقه الأساسى، ليشيران الى إنعطاف حاسم فى توازن القوى السياسى فى البلاد لصالح الديكتاتورية! * وأما المتغير الثانى فهو الارتفاع الكبير فى أسعار النفط، مما جعل جهاز الدولة، وبصورة لم تعهدها البلاد من قبل ، أكثر «المشاريع» الطفيلية ربحية ! وتعرف الفئات الطفيلية الموجودة فى أحضان جهاز الدولة معنى وقيمة وآليات التمسك بالضرع الذى يدر اللبن! خصوصا اذا كان ضرعا كالنفظ بات يدر لبناً وافراً وسائغاً! وبالطبع فإن النهب الطفيلى لموارد البلاد يتناقض وسيادة مبادئ الشفافية والمساءلة والمحاسبة، أى يتناقض مع التحول الديمقراطي وكفالة حقوق الانسان، بما يعنى ان شرط مواصلة هذا النهب انما هو الانقلاب على اتفاقات السلام وعلى نصوصها القاضية بكفالة حقوق الانسان! ثم ان ازدياد مداخيل النفط قد وفر للدوائر المعادية للتحول الديمقراطى موارد اضافية هائلة لتوطيد طابعها الإحتكارى، موارد لتعميم القيم الطفيلية وسط النخبة السياسية والثقافية، وموارد للتوسع فى ممارسات الرشاوى وشراء الذمم! وكذلك موارد لتحييد الطبقة الوسطى ورجال الاعمال باغرائهم بأن الافضل لصيانة مصالحهم، ليس الدفع باتجاه الإصلاح، وانما (التواؤم) مع الاستبداد، بحيث ينالون جزء من (الكعكة)! والناظر بتمعن فى ما يجرى فى صفوف الحزب الاتحادى الديمقراطى هذه الأيام يتأكد من مقدار ما تشكله هذه الموارد الجديدة من اغراء! * وأما المتغير الثالث فهو انشغال الولايات المتحدة الأمريكية - وهى اهم شريك من شركاء الاتفاقية - فى همومها الخاصة - انشغالها فى العراق وافغانستان، وفى النتائج المالية والسياسية الباهظة لاعصار كاترينا، مما يعنى بأن الولايات المتحدة لم تعد فى موقع يمكنها من ممارسة ضغوط حقيقية على الإنقاذ، كما انها، وهذا هو الأهم، لم تعد قادرة على تمويل عملية اعادة البناء التى يتطلبها استقرار السلام فى البلاد، وبالتالى لم تعد قادرة على استخدام (الجزرة) لصالح تنفيذ الاتفاقات! ويجد العجز الأمريكى الحالى برهانه فى المديح المجانى الذي ساقه (زوليك) لما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية أمام الكونغرس! وهو مديح، يعلم زوليك قبل غيره، بأنه أبعد ما يكون عن الحقيقة! ولكن يبدو ان الإدارة الأمريكية الحالية تنحو الى تبنى آليات خداع الذات بتحويل العجز الى فضيله! } ثم اضافة الى هذه المتغيرات المرتبطة باتفاقات السلام ارتباطا مباشرا، حدثت متغيرات اخرى تصب فى ذات اتجاه تحويل موازين القوى لصالح الديكتاتورية، أهمها الصراعات التى نشأت بين الحركات المسلحة فى دارفور، الصراعات بين حركة تحرير السودان والعدل والمساواة من جانب، والصراعات فى داخل حركة تحرير السودان بين رئيسها وأمينها العام، من الجانب الآخر! وبالنتيجة فإن الإنقاذ فى موقع يجعلها تتوهم امكان التهرب من الايفاء باستحقاقات الاتفاقية، وهو توهم، لأن الانقاذ إذ تتلاعب بالاتفاقية وتنقض نصوصها، لا تطيح بالاستحقاقات الديمقراطية وحسب، وانما كذلك تطيح بأهم فرصة من فرص البناء الوطنى فى البلاد مابعد الاستقلال. هذا إضافة الى انها ستطيح بوحدة البلاد، بل وستجعل من تطورات طبيعية وحتمية - سأتعرض لها فى الأيام القادمة - ستجعلها تندفع فى مسارب تحول البلاد الى شظايا متناثرة! * وهكذا فإنني لست نادماً على تأييدى لاتفاقات السلام، ولكن الاتفاقات لم تجد الشروط المواتية لتنفيذها، كما أنها لم تجد السلطة التى تعبر عنها، وفى حال استمرت الحكومة الحالية قائمة على تنفيذ الاتفاقات، فلن أكون وحدى نادماً، ستندم و«تسف» التراب البلاد كلها!!
| |
|
|
|
|