ثقافة السودان الجديد:سر الرجل الذي تطارده الكلاب

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 12:38 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-17-2005, 02:25 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36923

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ثقافة السودان الجديد:سر الرجل الذي تطارده الكلاب


    أغلق محمد عثمان متجره ، كانت تمطر بغزارة والشوارع يلفها الهدوء .. فجأة مزق السكون واقع إقدام مذعورة تضرب على طريق الإسفلت، اختبأ عثمان خلف أحد الأعمدة كان المنظر غريب حقاً !! .. عربة نصف نقل تطارد رجل غامض تقطعت أنفاسه .. سقط الرجل على الأرض في المياه ، توقفت السيارة جوار الجسد المسجى ترجل منها ثلاث رجال تبدو عليهم القسوة الشديدة .. انهالوا على الرجل بالضرب المبرح بكعوب البنادق والهراوات.. ظل الرجل يتلوى ويئن حتى همد تماماً ، انطلقت العربة مبتعدة عم الهدوء المؤسف المكان فيما عدا أنفاس الاحتضار الأخير للرجل المسجى على الأرض في بركة من دماء.
    خرج عثمان من مكانه وهرول نحو الرجل التعس في جزع كان الرجل يهزى بكلام غريب .. حكى كل شيء ثم مات بين بديه ، اخذ عثمان المواطن البسيط يحدق فيه مذهولا وقد جلل الرجل سكون الموت ، كانت المنشورات المتناثرة حوله تعبث بها الرياح وقد اختلطت بالأوحال ومياه الإمطار.. أثرت هذه الحادثة في عقل عثمان ردحاً من الزمن ، لم يصدق أحد قصته ، حتى الطبيب ، شخص حالته بأنه مريض وقد وقع تحت تأثير السينما الأمريكية ويلزمه مزيد من الراحة " أي راحة هذه التي يعينها هذا الطبيب المسكين ؟!.. أن الصدفة وحدها هي التي أتاحت لعثمان الإطلاع على ذلك الجانب الخفي من الحياة ، خلف الكواليس . حياة لمناضلين الشرفاء ، الغزلان الوديعة وكلاب الصيد في قانون الغابة ، وقد روى لي عثمان القصة كاملة كشريط سينمائي طويل لحياة رجل مات على قارعة الطريق .
    * * *
    أسرتي بسيطة من الأسر للعمالية التي تقع بها مدينتنا عطبرة … والدي يعمل في مرفق السكة حديد تصنع أمي بعض الأشغال اليدوية من سعف النجيل أما بقية الأسرة فهم شقيقي أحمد الذي يكبرني بعدة أعوام وشقيقتي فاطمة متزوجه من رجل يعمل في إحدى دول النفط أبي من أعيان طائفة الختمية .. دأب والدي على تربيتنا تربية دينية حقيقية ، غرس فينا الصدق والأمانة … كان لوالدي مكانته في هذا المجتمع العمالي البسيط ، يأتيه صاحب حاجة مكسور النفس فيرد له البسمة ... اعتدت منذ الصغر رؤية بيتنا ملئ بالرجال والنساء ، كنت أتصفح المجلات والكتب التي يحضرها أبي .. كانت هذه الكتب تتضمن معاني كبيرة ، النقابات ، الاشتراكية ، الاميربالية كنت لا أعرف لهذه الرموز معناً وبعد أن تقدم بي العمر قليلاً عرفت أن والدي من أعضاء نقابة عمال السكة حديد ، عندما كنت صغير ، كان البوليس يداهم منزلنا مراراً ، كنت أختبئ في ثوب أمي ، ظلت أصاب برعب شديد كلما رأيت رجل الشرطة … كثيراً ما كان والدي يتغيب عن البيت لمدة تتجاوز أعوام عندما أسأل عنه أمي تخبرني أنه معتقل ، وترك هذه الكلمة بأصداء مؤلمة في نفسي … أن تصوري بأن يضع إنسان داخل حجره مغلقة مسألة مؤلمة فقد كنت أنصب الفخاخ للقطط التي تأكل الحمام .. كان القط يسقط في الفخ ويدور داخل القفص ويمؤ بأسى …ظللت أقارن بين النظرة في عيني القط الحبيس وعيني أبي كانت تحملان نفس المعنى … ومن ذكريات الماضي . أعطانا أبي أنا وشقيقي منشورات نبثها في الشوارع ليلاً … كانت مغامرة جريئة كادت تؤدي بحياة شقيقي عندما فاجئنا رجل الشرطة السواري ، طاردنا بحصانه ، اختبأت تحت عجلات عربة القطار تقف عند خط مهجور يمر بالحي الذي نقطن فيه ، ظل شقيقي يركض والحصان خلفه حتى وصل شاطئ النيل ، ألقى بنفسه في الماء وكعادة أهل المنطقة ، كان أخي ماهر في السباحة ظل يسبح حتى وصلى إلى مكان بعيد . خرج من الماء وملابسة تقطر ماء وقد سبب له ذهاب الحادث مرض الزمه الفراش مدة غير قصيرة ..
    * * *
    كنت يوما مستلقى على فراش أمام غرفة الضيوف يترامى إلى أذني صوت والدي وبعض الزوار يتداولون أمر المظاهرة القادمة بمناسبة عيد العمال العالمي .
    - هذه ثالث مذكرة ترفع للحكومة . ولا حياه لمن تنادي
    - للأسف الرئيس .. أضحى يحيط بنفسه بطبقة سميكة من القاذورات .
    - أرجو أن يفهم الجمهور عدالة قضيتنا ولا يتبعون الإعلام المضلل ..
    - أبتلع السوق الأسود كل مدخراتنا .
    - هذا جحيم البنك الدولي القادم .
    - لقد تعرضت المتاجر للنهب في المظاهرة الماضية الشيء الذي جعل الشرطة تطلق النار على المتظاهرين أدى ذلك إلى وفاة ثلاثة زملاء وجرح عدد من المواطنين .
    - نحن لا نريد أن يتكرر ذلك .
    ظلت أطراف الحوار تترامى إلى أذني ثم أخذتني عفوه. ما كدت اغمض عيناي حتى سمعت ضوضاء شديدة اعرفها جيداً ، داهم رجال أمن الدولة المنزل كالمعتاد … ولم يجدوا منشورات وخرجوا تتبعهم لعنات أمي وتدعو عليهم بالويل والثبور … كان هذا أبي .
    * * *
    أما أمي زين ابنة شائق القطار ، كانت تمتاز بسداد الرأي والعزيمة الماضية ، الفضائح حديث نساء المدينة ما عدا أمي التي كنت تلتزم الصمت واكسبها ذلك احترام نساء الحي … كانت تتحدث في التربية والاقتصاد فتخالها من كبار المفكرين مع أنها لم تكمل تعليمها الابتدائي عندما كان أبي يرسلنا نبث المنشورات في شوارع المدينة ، كانت تنتظرنا عند الباب وقد غطت الدموع عيناها ، فهي تعرف خطورة ما نحن ذاهبون إليه ، ترافقنا دعواتها الطيبة وتظل ساهرة طوال الليل حتى نعود . ومضت السنين تباعاً و انطوت صفحة مشرقة من النضال الوطني … وتوفي والدي في منتصف السبعينات خرجت كل المدينة لتشيعه إلى مثواه الأخير لا زالت أصداء ذلك اليوم ترن في نفسي ، شعر أبي بالأم شديدة في الظهر وخدر في الأطراف حملناه إلى المستشفى .. كنا نتناوب السهر على راحته أنا وأخي وفي ليله الوفاة سمعت صوته الواهن يناديني كأنه قادم من بئر جلست جواره في الفراش ، نظر إلى وقد اختفى ذلك البريق الآخاز من عينيه وبدتا زجاجتين
    - آت لكم أن تتجهو إلى مستقبلكم وتتركوا العمل بالسياسة .
    - لكن يا أبي
    ضمني إليه بقوة .. ثم همد جسده الذي كان ينضح بالحياة تمصلت من يديه الباردتين برفق وأغمضت له عينيه ، إنقضت لحظات لا توصف ارتبكت ، فقدت القدرة على البكاء ، طاف بخيالي والدتي .. عندما تحضر صباحاً وتجده رحل .
    *************
    يتبع...............

    (عدل بواسطة adil amin on 08-17-2005, 02:36 AM)

                  

08-18-2005, 00:40 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36923

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثقافة السودان الجديد:سر الرجل الذي تطارده الكلاب (Re: adil amin)

    جاءت والدتي مع لفيف من رجال ونساء الحارة وأحمد يجلس من ركن قصى يبكى بحرقه ، نقل جثمان والدي من المستشفى إلى البيت ودفن في مقابر المدينة وعدنا إلى المنزل الذي كانت تسودة الوحشة " كم كان إحساس بغيض عندما عدنا إلى البيت ولم نجد أبي " إنقضت أيام وذهب كل من حاله وبدأت الأحزان تنحسر تدريجياً … الشيء الوحيد الذي ظل عملاقاً في ذهني وصيه أبي الأخيرة … أخبرت أمي وأخي بالوصيه وإنه يجب احترام رغبة المتوفي .. ومضت الايام تباعاً عكفنا على الدراسة .. جلس أحمد لامتحان دخول الجامعة ولم تسعنا الفرحة لاحقاً عندما ثم قبوله في كلية الاقتصاد ، أطلقت أمي زغرودة شقت الحي الذي نقطن فيه وتقاطرت أفواج المهنئين إلى البيت أنا الوحيد الذي لم يعجبني نجاح أخي ، كان يسد الفراغ الذي خلقه أبي في البيت في يوم الوداع كانت أمي تحاصره بدعواتها ،كان أخي كنجوم السينما وهو يرتدي الملابس الجديدة التي ارسلتها شقيقتي من السعودية .. تحرك القطار .. حاولت جاهداً أن اخفي دموعي كان الموقف حافل بالشجن .. هذا نوع جديد من الرحيل ، ظل أحمد يلوح بيده حتى غاب القطار وعدت إلى البيت .. أمي يبدو عليها التوتر هذه أول مرة يذهب عنها أحمد بعيداُ وبعد عدت أيام استلمت الرسالة التالية فعدت إلى البيت:
    - أمي وصلت رسالة من أحمد .
    - انتظر يا ولدي .. لا تقراها حتى أحضر .
    خرجت من المطبخ تقطر عرقاً جلست جواري وفتحت الرسالة .
    الآسرة الكريمة
    تحية طيبة وبعد
    لقد وصلنا بالقطار بعد مسيرة طويلة إلى الخرطوم في منتصف نهار اليوم التالي .. فتعرفت على بعض الطلاب الجدد في القطار وصلت معهم إلى الجامعة كل شيء فيها مبهر مباني تاريخية عريقة ، هل تذكر الصورة في العملة أنها مباني المكتبة الرئيسية … وجدت شيء غريب .. كانت هناك صحف حائطية يصدرها الطلاب .. تشجب الحكومة علناً … هناك حرية في الجامعة لكنى لا زلت عند وعد المرحوم أبي لم أقرأ فيها حتى سطراً واحداً … يوجد بالجامعة طلبة من الدول الشقيقة .. لقد بأت الدراسة بصورة مكثفة أخيراً أستودعكم الله و اتركم في رعايته .
    ابنكم أحمد الطاهر
    طويت الخطاب ، لمعت عينا أمي من فرط السرور وأجبرتني على كتابه الرد فوراً .
    أبني العزيز أحمد
    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
    وصلنا خطابك الذي طمئننا على أحوالك .. أبني إذا احتجت إلى مصاريف نحن مستورين الحمد لله ، لقد حصلنا على معاش التقاعد لوالدك وعملنا به متجر صغير اعمل فيه بالنهار ويعمل أخوك بالمساء .. أرجو أن تهتم بدروسك ولا تنحرف خلف أي تيار وتقبل سلام أمك المشتاقة
    الجواب من أمك زينب
    ظلت الرسائل تتوالى بيننا حتى أوشك العام على الانتهاء … كنت فرحاً ذلك اليوم ، سيحضر أخي وتظل نثرثر طوال اليوم … ذهبت إلى محطة القطار مبكراً وصل القطار ولمحت أخي يقف على باب عربة القطار وقد كساه الغبار تلصقنه بالأحضان قبل نزوله وحملت عنه الحقائب .. كانت أمي تتنظرنا عند الباب وفتيات الحارة يختلسن النظر خلف الأبواب المغلقة ، لقد عاد أبن الجامعة وهم شئ نادر في حي العمال .
    * * *
    بعد أن استحم وتغدي راح في سيات عميق ، جلست قربة كالقط من انتظار الاخبار … استيقظ عشائاً ونظر إلى باسماً
    - طبعاً تنتظر الأخبار أيضاً الفضولي؟!
    - لدي ما يكفيني من أخبار . خاصة عند جارنا العزيز
    لمعت عيناه وقال في استسلام .
    - إذاً لابد من تبادل الأخبار .
    - هات ما عندك أولاً .
    - هناك في الجامعة تنظيمات طلابية سياسية تختلف عن بعضها البعض ولكنها تثقف في عداءها للسلطة … هناك مظاهرات وهتافات لتعريض الطلاب.
    - أين أنت من هذا ؟!
    - أنت تعرف تماماً .. قسم والدي العظيم .. أني أمارس الرياضة فقط.
    - وينحى منحى أخر عندما حدق في صورة فاطمة شقيقتي وزوجها المعلقة على الجدار .
    - ما هي أخبار فاطمة .
    - وضعت مولد ذكر … اسمته الطاهر
    - أرجو أني يكون جسوراً كجده .
    - أرجو ذلك ما خطتك لقضاء العطلة المملة
    تشادي أحمد .
    - سألتحق بسلك المحاسبين في السكة حديد للتدريب وأنت .
    - سأجلس في المحل حتى ترتاح أمي .
    * * *
    مضت الشهور تباعاً وأنقضت العطلة الصيفية وعاد أخي إلى الجامعة ، وعدت إلى الدراسة كان هناك حافز قوي يحفزني للالتحاق بالجامعة فقد استهوتني تماماً وكانت أمي لا تنفك تطرى شقيقي أمامي وهذا يثير غيرتي .
    كان وقع الزمن بطيئا في تلك الأيام الراكدة في بداية الثمانينات وأحمد يواصلنا برسائله الحافلة بالإثارة كان سرور والدتي عظيما بتلك الرسائل التي ترد إليها ما فتئت تجمعها وتضعها في إحدى علب الحلوى الفارغة وكثيرا فاجئيها وهي تأملها وتحملق في طلامسها .
    بعد حين توتر الجو وبدأت الأخبار ترد بأن هناك إضطرابات في الجامعة ، بسبب تردي الاحوال المعيشية وكالعادة ملأت الشائعات الافق والمظاهرات تجتاح الشوارع والشرطة تطلق النار على الطلاب … أزعجنا لذلك وعرفنا بعد ذلك من المذياع ان الجامعة أغلقت أبابها وسيتم ترحيل الطلاب إلى ذويهم بأسرع وقت
    ظللت لفترة استقبل القاطرات القادمة من الخرطوم دون جدوى . سألت العديد من الطلبة العائدين ، أسألهم عن أخي ، بعضهم لا يعرفه والبعض يقول أتن هناك بقية لم تأتي بعد . وبين هذا وذاك انزعجت أمي وتملكها المرض … عصفت بى الهواجس والافكار السوداء هل أصابه مكروه ؟"،،
    ظلت أمتي نفسي بقسم أبي . ومضى أسبوعان أخي لم يحضر ، عزمت على السفر إلى الخرطوم …. كنت قد فرغت من امتحان دخول الجامعة لتوي …. هناك في الخرطوم كانت المفاجئة . أول مرة انزل عاصمة البلاد ن لم أدر من اين أبدا ن توجهت نحو حافلات يصيح الناس حولها بأنها تسير عبر شارع للجامعة واستقلت احداها ، هناك نزلت لأواجه الجامعة المحاصرة بالجنود ، سألت أحد المارة عن مكان الإستفسار عن الطلاب ، دلوني على عمادة الطلاب ، هناك وجدت قسم من أعضاء الاتحاد ، أعطوني قائمة بأسماء الطلاب المعتقلين ، لم أجد اسم أخي بينهم ، وقد أطلق سراحهم جميعا ، في قائمة المفقودين كان يقبع اسم أخي ومعه اسم طالب آخر يدعى جابر حاج التوم ،تملكني رعب وتوجس شديد وقفلت راجعا من نفس اليوم بالقطار إلى عطبره
    لن أسطيع أن أصف لك ، الايام المروعة التي عشناها أنا وأمي ، أمي التي نحل جسمها واصبحت جلد بلا عظم … حضرت شقيقتي فاطمة من السعودية أصيبت بانهيار عصبي ولزمت المستشفى بين الحياة أو الموت ن تشتت جهودي بين اختي أمي ، كنت أعيش في كابوس مزعج ، في هذة الأيام الموت أفضل من الاختفاء ، ظلت تنتابني الهواجس ولااجد منها فكاكا … سمعت اسمي في المذياع مع الطلاب المقبولين في كلية القانون ، لم أعر الامر التفاتا للوهلة الأولى ما جدوى دراسة القانون في بلد تعيش شريعة الغابة . لكن لاحقا قررت بجدية السفر إلى الخرطوم والبحث الدقيق عن اخي … وكان يوم الفراق ، لحظات مرة تنازعني مشاعر عدة .
    * * *
    كنت أعرف كل شيء عن الجامعة ، كما كان يحكي أخي مقهى النشاط ، منتدى الفلاسفة / سينما النيل الأزرق … الملعب الشرقي ، هذه الاماكن التي كان يرتادها أخي … كعادة الطلاب في الجامعة كان يتندرون بالطلاب الجدد ويدبرون لهم المقالب الظريفة ، ومع ذلك لم يتعرض لي أحد لعلهم استشفوا الحزن الغريب المخيم على ، كنت أحاول الابتسام وسرعان ما تزوى الابتسامة حالما يحاول الطلاب التعرف علي وجذبي إلى ما يسوقه الطلاب وعقلي نائم ، كنت أعيش في وحده مع نفسي بين الأصدقاء وليس معهم …. ظل الحال على هذا المنوال حدث ذات مره أن التقيت بأحدى زميلات أخي في الكلية عن طريق الصدفة ، تدعى سلمى تعرفت على الشبه الغريب بيننا أخبرتني أنها رأت صورتي معه … وقد شاهدته مع صديق … آخر يدعى جابر في المظاهرات الأخيرة متجهين إلى السوق … ومنذ ذلك التاريخ لم تسمع عنهم شيئاً … ولاحقاً عرفت أن جابر التوم اصيب باختلال عقلي ويقبع تحت رعاية شيخ الزاكي في ضاحية الدروشاب الشمالية .. إذا اليوم التقطت طرف خيط ، يجب العثور على جابر أولاً .
    ********************
    يتبع.....

    (عدل بواسطة adil amin on 08-18-2005, 00:43 AM)

                  

08-19-2005, 07:52 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36923

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثقافة السودان الجديد:سر الرجل الذي تطارده الكلاب (Re: adil amin)

    في مساء يوم الجمعة توجهت إلى الضاحية التي يقيم بها الشيخ الزاكي : هناك دلنى أحد الصبية على داره العامرة ، كانت الدار تنؤ بالرجال والنساء والأطفال وصوت الطبول تهز القلوب هذاً بذلك الايقاع الصوفي الجميل …كانت الحلقة كبيرة والشيخ يدور في استغراق عميق ، عندما لمحني خرج من الحلقة واتجه إلي ناظراً في ود ، أخبرته بمقصدي اشار نحو غرفة عند طرف الغناء البعيد ، اتجهت إليها ودخلت من بابها الموارب وفي ظلال الضوء الشاحب لمحت جابر التعس .. كان يجلس متكوراً في أحدى اركان الحجرة يتلفت حوله في رعب ، أقتربت منه ، نظر إلى في هلع لحظات ثم انبسطت اساريره وهب من مكانه ساحياً السلسة الطويلة التي تقيد كاحلة وأحتضني بقوة صالحاً أحمد …أحمد … لقد عدت …ألم يقتلوك ؟!
    - من هم الذين أخذوني ؟؟
    نظر إلى جبر الله من ارتياب وانسحب بعيداً وتكور في مكانه وأخذ ينتحب بشدة ، اقتربت منه وجلست جواره ، ربت على كتفه في رفق .
    - قل لي اين ذهب أحمد ؟ أنا أخوه محمد
    نظر إلى جبر الله في حزن عميق وتمتم بعض الكلمات الغامضة بدأت أشعر بصعوبة المهمة التي جئت من أجلها ، إذ يجب على أن اكسب ثقته أولاً .
    لذلك قررت البقاء عدة أيام .. وفي ذات مره حدثت المفاجئة ، بعد صلاة العشاء .. أجلسني جواره وانحلت عقدت لسانه وبدأ يتداعى .
    * * *
    خرجنا أنا وأخوك إلى السوق ، هناك وجدنا المتظاهرين تغص بهم الشوارع ، كانت الشرطة تطاردهم في جميع الاتجاهات والغاز المسيل للدموع يخنق المكان لمحنا رجل بملابس مرتية يضرب فتاة ، كانت تزحف على الارض مختنقة بالغاز ، انفلت أحمد ولكم الرجل بقسوة على بطنه ، اطاحت به بعيداً وهوى عليه لكماً وركلاً ، كانت الفتاة قد أغمي عليها وبعد ذلك توقفت عربة نصف نقل جوارنا وحجيتنا عن الانطار نزل منها أربع رجال طوقونا وحملونا إلى السيارة ذات النوافذ السوداء ثم فأرقنا الشعور … عندما افقنا وجدنا أنفسنا في غرفة مظلمة بها نافذة واحدة ، كان أحمد مقيد ومشدود على كرسي وأنا من غير قيود ، هناك رجل قاسي الملامح ذو سحنة أفريقية غريبة يتحرك أمامنا بعصبية ، كان يرتدي حذاء رمادي صاح فينا .
    - استيقظو يا ملاعين .
    أتجه نحو أحمد
    - أنت لماذا ضربت الرجل .؟!
    - كان يضرب الفتاة .
    - وما شانك أنت ؟!
    ثم أنهال عليه صفعاً ولكما حتى تورم وجهه وأخذ ينذف دماً ، أتجه الرجل نحوي وعيناه تقدحان شرراً .
    - أنت عليك أن تلزم الصمت .
    اشار إلى أحمد .
    - أما هذا فلي معه شأن آخر .
    شعرت ساعتها بأصابع باردة تعتصر قلبي ، هرولت نحو أحمد .
    - لا تأخذوه .. أنه بريء وليس له أي ممارسة سياسية ، لكن هيهات أن يسمعوا ، جذبتني يدين قويتين إلى الوراء وسمعت صوتاً عميقاً يردد .
    - - هذا الشخص رأي الكثير .
    ولم أدر بعدها ماذا حدث شعرت بضربة قوية على مؤخرة رأسي واظلمت الدنيا في عيني ، عندما أفقت وجدت نفسي في قسم الحوادث بالمستشفى وأخبروني بأنه رآني أحد الصيادين وأنا أهوى من الجسر على النيل في ساعات الفجر الأولى فهب لنجدتي وأنقذ حياتي …
    * * *
    ظل جبر الله يروي حكايته في تداعي مرير وأنا استمع إليه في آسى . المسألة غدت اكبر مما كنت التصور في الصباح ودعت جبر الله وعدت إلى الخرطوم ، أرسلت خطاب اطمئن أمي وعزمت على مواصلة البحث ، علمت أن السجناء السياسيين ينقلون إلى سجن كوبر بعد سلسة من الاهوال .. بدأت الاحداث تتفاقم مرة أخرى عادت اضطرابات والقلاقل .. كانت الخطة تكمن في أن أعراض نفسي للاعتقال .. خرج الطلاب إلى الشارع وعادت الاشتباكات مجدداً لمحت الرجل الاصلع ذو السحنة الغربية والحذاء العجيب كما وصفه جبر الله .. اندفعت بين جموع الطلاب الهاربة وقفزت في الهواء وأهويت على الرجل سقط على الارض ، أطيق على رجال الامن وانهالوا على ضرباً حتى فقدت وعي ومات افقت لاجد نفسي في الغرفة الرهيبة مقيد على كرسي والرجل أمامي تغطي وجهه ضمادة .
    - أنت محمد الطاهر الابن الثاني للنقابي الطاهر .
    رأيت بطاقتي في يده وأردف
    - إذا لدينا مزيد من الإبطال .
    كانت هناك عصابة تلف رأسي ، نظرت إليه في قرف ثم بصقت على الأرض ، انهال علي الرج ضرباً ورفساً ونزع العصابة ونتف خيط الجرح ، شعرت بالدم الحار يسيل على وجهي وأغمي علي مرة أخرى توالت سلسلة التعذيب .. كان أقساها أنهم في ساعات الفجر الأولى ، عصبو عيني واخذوني بالسيارة وعرفت أنها تسير في شارع النيل وذلك لأن هواه البارد أنعش روحي ، بعدها رفعو العصابة عن عيني وفتح أحدهم باب السيارة ونكس رأسي حتى كاد يلامس الإسفلت والسيارة منطلقةبأقصى سرعة ، حاولت أن أغمض عيني فلم استطيع ، شعرت بغثيان شديد وأن أمعائي كادت أن تخرج من فمي .. بعد عده مشاوير أعادو العصابة إلى عيني وعادوا بي مرة أخرى إلى مقرهم الرهيب .. ظل الحال على هذا المنوال ، سمعت أنهم يريدون نقلي إلى سجن كوبر وفي سجن كوبر استقبلت استقبال الأبطال .. تحلق حولي السجناء ، شيوعيون ، جمهوريون ، قوميون ، وجمع الفئات الأخرى التي كان ينؤبها السجين في هذه الايام العصبية أخذت أتحسس عن من يخبرني عن أخي أو يعرفه كان هناك سجين يجلس منزوياً… كان ينظر إلى مراراً بعينين تحملان كثير من المعاني .. ظلت قوه خفية تشدني نحو هذا السجين …وذات مره فاتحني بالقول بأني أشبه سجين سابق كان معهم يدعى أحمد …قال : إن هذا السجين كان يعاني من حزن عميق وشعور بالذنب حيال أسرته وأنه سبب لهم الألم امتنع أياماً بلياليها عن تناول الطعام .. وأصيب بالملاريا وفي مرة أستبد به هياج شديد أخذ يضرب كل من حوله حضر الحراس وأخذوه إلى مصلحة السجن … أنتهى عبد الكريم السجين ثم الغامض من سرد قصة أخي … لم يلحظ بالدموع الغزيرة التي انسابت من عيني وكان هدفي الأن أن أجد طريقة تنقلني إلى المصحة … أن إدعاء الجنون من الأشياء السهلة التي اتقنها منذ أيام المسح المدرسي .. تعريت عن ملابسي وأنا أصيح في هستيريا في يوم الجمع الصبحي كانت صرخاتي المفزعة كافية لأن يأخذوني إلى المصحة.
    * * *
    هناك لم تمض مدة طويلة ، تعرفت على أحد أصدقاء أخي في قاعة الطعام حكى لي النزيل الذي كانت عيناه لاتستقران على موضع بعينه ، كان من الشيوعيين القدامي الذين ضاع نصف عمرهم في السجن ومصحات السجون وذهب نصف عقلهم من جراء ذلك ، أخبرني أنه استيقظ ذات يوم فجاه وليجد نفسه غارق في الدم ، قطع النزيل السرير الاعلى شرائية بموس حلاقة !!
    إذا هذه النهاية المحزنة التي وصل لها أخي كان ميال للاكتئاب منذ الصغر ولا يرضى الظلم ،كثيراً ما تأثيه مشاعر ودوافع لاشعورية للانتحار .. خرجت إلى باحة المصحة ، رغم الزهور التي تغطي المكان … كان هناك ضباب كثيف من الدموع التي انسابت من عيني وأنصبغ كل شيء أمامي باللون الرمادي

    يتبع
                  

08-20-2005, 07:18 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36923

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثقافة السودان الجديد:سر الرجل الذي تطارده الكلاب (Re: adil amin)

    جلست على كرسي في الحديقة كان أتعس يوم في حياتي رغم أيامنا الكثيرة المؤلمة … قررت الهروب من مستشفى السجن ….وهربت .
    * * *
    تحت جناح الظلام دخلت المدينة ، توجهت نحو الجامعة ورأسي تنؤ بالافكار … التقيت سلمي التي كلفتها إن تراسل أهلي في غيابي .. أخبرتها بوفاة أحمد في مستشفى السجن .. أجهشت في البكاء ، كانت تحب أخي حقيقة ..في اليوم التالي سافرت عطبرة ... وجدت أبن شقيقتي طاهر مات بالحصبة ، طيبت لها خاطرها … أخبرتها بوفاة أحمد بالسجن زاد ذلك من تعاستها … جلست أيام العزاء وطفقت عائداً إلى الخرطوم وفي رأسي تدور فكرة واحدة … إسقاط النظام !! وانخرطت في صفوف القوميين كما ترى.
    * * *
    في الصباح تجمهر طلاب ومارة حول رجل ملقي علي قارعه الطريق ، كانت المنشورات تعبث بها الريح في كل مكان "مات محمد بن المرحوم الطاهر وعيناه مفتوحتان متى يعرف كل المناضلين الشرفاء أن الثورة الحرية الحمراء شمس لا تغيب" .
    ....تمت........
    أبريل / 1985م

    هذه القصة خيالية..كل الشخصيات خيالية ولكن يمكن ان تحدث في اي دولة يحكمها نظام بوليسى فاشي... وانا لا اخجل من نفسي حين اعري عاهات وطني والامراض التي تنفر منه ..لانك ان لم تتطهر امام نفسك ستظل النجاسة تغمر دواخلك مهما استخدمت من ماء وصابون
    ********
    انا ومنذ خمسون عاما
    اقف شاهدا
    على ما قد رايت
    رايت ناس يظنون
    ان رجال المباحث امر من الله
    مثل الزكام
    مثل الانفلونزا
    مثل الجرب
    وجدت العروبة تباع
    في سوق الاثاث القديم
    ولكنني ما وجدت العرب
    نزار قباني

    (عدل بواسطة adil amin on 08-20-2005, 07:27 AM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de