|
|
 مقال هام : الشرطة وبركان وفاة دكتور جون قرنق
|
الشرطة وبركان وفاة دكتور جون قرنق)
نقيب شرطة (م) عمر محمد عثمان
[email protected]
بسم الله الرحمن الرحيم
تطورت الحياة الانسانية عبر القرون والحقب واكتسب الناس خبرات واسعة فى مجالات حفظ الامن والسودان لم يكن بعيداً عن هذا التطور فبعد الاشكال البدائية لحفظ الامن فى عصور مختلفة عرفت البلاد الشرطة النظامية فى العام 1899م حينما صدر قانون تحقيق جنايات السودان الاول ومنذ ذلك التاريخ انطلقت مسيرة الشرطة السودانية التى فاق عمرها الان قرن من الزمان.
طوال هذا العمر المديد للشرطة السودانية تعرضت للكثير من الامتحانات والمواقف الصعبة واثبتت على الدوام انها هي (العين الساهرة واليد الامينة) وظلت محل ثقة وتقدير كل مواطن سوداني يتنقدها فى بعض الاحيان لكن فى ظل كل الظروف لم يفقد ثقته فيها حتى الى ما قبل انفجار بركان وفاة دكتور جون قرنق.
كلنا تابعنا وعايشنا الاحداث المؤسفة التى اعقبت الاعلان عن وفاة الدكتور جون قرنق والذى بلاشك فقدت البلاد بفقده ركيزة اساسية فى عملية بناء السلام والتنمية والوحدة ، لم يكن لتلك الاحداث المؤسفة ما يبررها لكنها كانت متوقعة وربما هذا هو السبب الذى جعل ثقة المواطن فى الشرطة تهتز نتيجة لانه لم يجد الاجابة الشافية على الاسئلة التى ظلت تدور فى ذهنه ... هل الشرطة لم تتوقع ماحدث ؟ لماذا لم تتوقع الشرطة ما حدث ؟ بعد الذى حدث لماذا تأخرت الشرطة فى التدخل ؟ كل هذه الاسئلة وغيرها تسببت فى حالة من الشعور بفقدان الثقة والامن والامان دفعت المواطنيين لجملة من الافعال وردود الافعال الخارجة عن نطاق القانون (سبق ان اعربت فى مقالة سابقة عن احداث سوبا عن خوفي من ان تسود شريعة الغاب على سيادة حكم القانون) واصبحت الخرطوم وكأنها احد المدن العراقية فى مشهد لايمكن قبوله او تصديقه فى بلداً فاق عمر الشرطة فيه مائة عام.
من اصعب الاشياء على الانسان ان يتخلص من انتماءاته مهما طال الزمن او قصر وهذه الصعوبة هى التى تجعلنى مرتبطاً وجدانياً بالشرطة السودانية بحكم انتمائي لها حتى بعد انتهاء الرابطة الوظيفية بيننا ، لذا تجدني اتألم واشعر بحزن عميق وان استمع الى احد المواطنيين او اقراء ما يكتب فى الصحف هذه الايام عن فقدان الثقة والانتقادات الحادة التى توجه للشرطة واحس وكأنما هذا الامر موجهاً لى شخصياً ، وربما هذا هو ما دفعني لكتابة هذا الموضوع.
الشرطة السودانية ترتكز على ارث قانوني وتجربة عملية قديمة فقانون الشرطة حدد لقوات الشرطة اهداف وواجبات ومنحها السلطات للقيام بمهامها وكفل لها الحصانات اللازمة ومن اهم اهداف قوات الشرطة تحقيق امن الوطن والمواطنيين وحماية الممتلكات والاموال ....الخ ومن اهم واجباتها 1) منع ارتكاب الجريمة واكتشاف مايقع منها 2) مباشرة واتخاذ الاجراءات والتدابير لوقاية وحماية الانفس والممتلكات والمرافق والمنشآت العامة من الاخطار والكوارث والحريق وكافة اعمال الحماية المدنية وللشرطة فى سبيل ذلك الحق فى الاستيقاف والمطاردة والقبض واغلاق الطرق والاماكن والمحال العامة واستعمال القوة والسلاح الناري وفقاً للضوابط القانونية كل هذا يأتي فى الاطار التشريعي القانوني للعمل الشرطي اما عن الاطار العملي التطبيقي نجد ان الشرطة الان تمتلك خيرة الرجال المدربين مزودة بكل المعينات اللازمة للقيام بالدور المنوط بها وكلنا شاهدنا عدد وشكل وتجهيز القوات التى دفعت بها الشرطة الى الشارع لاعادة الامور الى نصابها وبالفعل اعادتها الى نصابها.
ترتيباً على ما تقدم اود ان اطمئن المواطن السوداني بان ثقته فى الشرطة السودانية كانت فى محلها ويجب ان تستمر وان الشرطة تملك الوسائل القانونية والمادية التى تمكنها من حمايته وحماية الوطن ، وان الذى حدث له ما يبرره ففى بعض الاحيان تتداخل عدة ظروف وعوامل لتخلق واقعاً جديداً لم يكن تصوره بالامر الهين فمن كان يتوقع والبلاد تعيش اسعد ايامها وتجري التريبات بخطي متسارعة لاكمال الشكل الدستوري للدولة ان يموت دكتور جون قرنق وتصبح كل الاحتمالات واردة من انهيار اتفاقية السلام الى حدوث فوضي وشغب مثل الذى حدث ، اذن الحدث الاساسي المتمثل فى موت الدكتور جون قرنق لم يكن متوقعاً وسقف الاحتمالات بعد موته اصبح مفتوحاً الى اعلى مستوي ، والتدابير لمواجهة تلك الاحتمالات هى نفسها يمكن ان تفجر الاوضاع ونحن فى سنة اولى سلام ، والامر برمته صار اكبر من تقديرات او تقييم فرد او جهاز واحد خصوصاً واننا فى بلدان العالم الثالث لم نصل بعد الى المستوي المطلوب من المؤسسية والمهنية الفعالة التى تتجنب الخلط وتعرف كيف تفرق بين ماهو سياسي وماهو امني يساعدها فى ذلك شعب واعي متعلم . اذن الصدمة كانت كبيرة والحدث جلل لذلك تتطلب الامر بعض الزمن لاتخاذ التدابير المناسبة هذا الزمن لم يكن طويلاً بمقياس الساعات لكنه كان دهراً كاملاً بمقياس الخراب والقتل وفقدان الاحساس بالامن والامان.
فى الختام اود ان اوجه رسالتين واحدة للمواطنيين والثانية لقيادة الشرطة رسالتى للمواطنيين يجب ان تفيقوا من صدمة الاحداث الدامية وان تستعيدوا ثقتكم فى جهاز الشرطة وان تتناسوا مرارة ما حدث لنفتح صفحة جديدة فى عملية بناء السلام والتنمية والوحدة (انا شخصياً فقدت اثنين عزيزين على قلبي فى حرب الجنوب لكنني لا احمل اى ضغينة على الجنوبيين او الحركة الشعبية) ورسالتى الى قيادة الشرطة احرصوا على ان تستعيدوا ثقة المواطن فى جهاز الشرطة وان تتدارسوا ما حدث وان تواصلوا العمل على جعل الشرطة جهاز عالى المهنية يمتلك القدرة على العمل التلقائي وان لاتتردوا فى انفاذ القانون و منع ارتكاب الجريمة ومكافحة الشغب واى اخلال بالامن مستخدمين كل الوسائل القانونية المشروعة بما فى ذلك القوة او العنف حيث يقول بارنت احد مدراء الشرطة بانجلترا ( ليس كل عنف من الشرطة تقابل به المجرمين هو عمل لا انساني اذ ان هناك حالات تستوجب العنف الرادع وفى توقيعه تتحقق اسمي صور الانسانية)
|
|
 
|
|
|
|
nadus2000
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست