ثقافة السودان الجديد:..........حقل السمسم..........

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-12-2024, 08:22 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-14-2005, 07:32 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 37029

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ثقافة السودان الجديد:..........حقل السمسم..........

    حقل السمسم
    ظل الباص يشق به الطريق المترب وحقول السمسم اليانعة تحيط به من كل جانب وتعطر حوله الفضاء.. كمال الطشي من أبناء اليمن ، ولد في السودان من أب يمني وأم سودانية في أواسط الخمسينات عندما كان السودان مزدهراً ومضيافاً ، اليوم في منتصف الثمانينات ، بعد أن سافرت أسرته وعادت مرة أخرى إلى اليمن ، بقي وحده في السودان من فرط حبه لهذا البلد الطيب وقد درس في جامعة العتيدة جامعة الخرطوم في كلية الزراعة : أخبر والده في المطار أنه سيبقى في السودان ويدير ما تبقى من أملاك والده ، البقالة وبيتهم في الصافية.
    سرح بخيالة بعيداً والباص يترنح في الطريق المترب وسط لغط الركاب ، كان الطريق مألوفا وهذه ليست أول مرة يزور شرق السودان .. بمعنى أدق قرية صديقة المرحوم الغالي .. قبل ثلاث سنوات جاء بجثمان صديقه مع وفد طلابي كبير تذكر آنذاك الاستقبال الحزين من أسرة صديقه وأهل البلدة ونواح النساء إن انطفاء طالب جامعي في هذه المناطق النائية شئ مؤسف … مات الغالي من غمرة الاشتباكات والعنف الطلابي الذي كانت تنؤ به جامعة الخرطوم ….… عبد السلام قتل الغالي وكلاهما صديقاه ، عبد السلام من الشمال والغالي في الشرق ، عبد السلام يساري والغالي يميني كلاهما كان ضحية التحريض المتشنج الذي كان يثير امتعاض كمال كثيراً ويرى فيه منتهى الابتذال عندما يقتل أبن عامل في السكة حديد أبن مزارع بطعنة واحدة نافذة في القلب .
    أردته قتيلاً … وانتهى الأمر في المحكمة إلى براءة عبد السلام بعد أن شهد شهود عدول أنه كان في حالة دفاع عن النفس .
    عندما جلس كمال مع والد الغالي المكلوم ، كان يعرفه من فرط حديث أبنه الراحل عنه ، لذلك اصطفاه بشجونه الخاصة بأنه حذر ابنه مراراً بأن الجامعة ساحة علم وليس ساحة قتال و أهلاك … وإنهم ادخروه لياتي ويعمل مفتش زراعي ويكون مصدر إعزاز لأبوية وللمنطقة التي تقوم بزراعة السمسم بواسطة الأمطار …كلمات والد المقتول التي ظلت تردد في أعماق كمال ذو الفطرة اليمنية الطيبة واختزنها في قلبة الذهبي عبر السنين حتى تخرج من الجامعة هي التي عادت به مره أخرى إلى البلدة ، حتى يحقق للأب الحزين حلمه المجهض ، طافت على شفته ابتسامة ظفر وتحسس جيب سترته حيث يقبع جواب التعيين ثم اغمض عينيه وردد في نفسه سيثبت للأهالي قيمة الجامعة في تطوير الزراعة باستخدام أحدث الوسائل ، خاصة أنه تخرج بمرتبة الشرف من قسم إنتاج المحاصيل .
    * * *
    توقفت السيارة ، نزل منها كمال وحمل حقيبته وأتجه في طرقات القرية مر على دكان عم عثمان وحياه بحرارة وتناول عنده مشروب بارد ، ثم نهض وأنصرف نحو البيت المألوف ، استقبله أبو الغالي بالأحضان وجاءت أم الغالي تتلمس طريقها إلى الضيف العزيز فقد ابيضت عيناها حزناً على وحيدها ، فرح الأبوان فرحا شديداً عندما عرفا أن كمال سيقيم معهم في البيت ويترك بيت الحكومة في محطة الأبحاث الزراعية ، ادخلاه إلى غرفة صديقه المرحوم … كانت مرتبة كما رآها منذ سنتين ، صور الأصدقاء ورحلات الجامعة تغطي الجدران ، استلقى على الفراش وتنفس الصعداء ثم اغمض عينه وغرق في سبات عميق …
    * * *
    في اليوم التالي أستيقظ مبكراً ، أغتسل وارتدى ملابسه على عجل وتناول الإفطار مع الأسرة ، وخرج مع والد الغالي نحو محطة الأبحاث ، هناك وجد لفيف من المزارعين متجمعين حيوه بحرارة ، أدرك كمال حجم التحدي الذي يواجهه إن عليه أن يعزز ثقتهم في استعمال سماد اليوريا والأسمدة الحديثة التي يتوجس منها المزارعون البسطاء حتى إنهم يرون دائماً ن هذه المواد الكيمائية التي تأتي من بلاد الكفار لا نفع فيها وإن الأرض تنتج غلتها بالبركة والعمل الصالح لصاحبها … ظل الحديث سجالاً بين كمال الذي يؤمن بالعلم التجريبي الذي دراسه في الكلية وبين المزارعين وأو رآهم الغيبية وإيمانهم العميق بالقدر … قطع أبو الغالي قول كل خطيب عندما تبرع بأرضة ليجرب فيها المفتش الجديد السماد الحديث ، تهللت أسارير كمال وعرف أن أبو الغالي فعل ذلك إكراماً لصديق ابنه الوفي …
    كان أبو الغالي يحب كمال ويرى فيه روح ابنه الراحل منذ أن رآه أول مره عندما حضر في تلك السنين الغابرة مع الجثمان وبثه أشجانه …. فقد عرف أن كمال عاد مرة أخرى إلى البلدة لأجله .
    * * *
    عاد كمال إلى الخرطوم مرة أخرى ليحمل شحنة السماد الذي اشتراه من شركة مشهورة ، متخصصة في استيراد الأسمدة يملكها طبيب بشري ثري جداً من التيار اليميني الذي يؤيده صديقه الراحل ، كان كمال في أشد الشوق إلى تطبيق ما درسه عملياً قفل راجعاً دون أن يزور صديقه عماد الذي يعمل في المعمل المركزي ويهنئه بزواجه الميمون فقد وجد رسالة منه في البقالة في الصافية التي استأجر كمال رجل من أبناء غرب السودان لإدارتها ، حاج آدم ، صديق والده الحميم …
    * * *
    عاد كمال إلى البلدة وظل يعمل بجد ونشاط مع والد الغالي في تسميد الحقل بالسماد الجديد ، أراد كمال أن يجرب السماد في نصف الحقل إلا أن أبو الغالي حلف بأغلظ الأيمان أن يقوما بتسميد الحقل كله ، نزل كمال عند رغبته ومضى الزمن بدأت الحقول تزدهر من حولهم ، محملة بسنابل السمسم الذهبية وحقلهم يزوي مصفراً خاوياً على عروشه إلا من أعواد متيبسة هزيلة أوجس كمال في نفسه شيئاً وبدأ يشعر بالإحباط يتسلل في دهاليز نفسه " لابد أن هناك خلل ما !! " .. كان يرى في عيني أبو الغالي نظرة العطف والإشفاق التي لا تخلو من الأسى العميق لهذه الخسارة الفادحة ، ثم بدأ المزارعون يثرثرون بما يكره ، كان وقع الكلام في أذني كمال كوخز الإبر ، ظل أبو الغالي يتحمل غمزهم ولمزهم في صبر الجبال فهو رجل أعتاد الصبر الجميل …. إلا أن كمال الذي كان اكثر ما يتسرب إليه حديث أبو الغالي الهامس الحزين مع زوجته الوفية ليلاً .. بدأ يشك في جدوى دراسته الجامعية جدوى السماد اليوريا ويجمع شتات إرادته المضعضعة ويبحث عن حل علمي لهذه الكارثة ، حمل عينة من تربة الحقل المنكوب وعينة من السماد وذهب حيث يعمل صديقة عماد …
    * * *
    بعد يومين كانت تنتظره مفاجئة رهيبة ، أن الشركة التي اشترى منها السماد كانت تخلط السماد بالجير ، لذلك أحترق محصول السمسم وتحولت التربة إلى أرض قلوية ، لقد أغتال السماد المغشوش للأرض ، وأصاب أبو الغالي في مقتل طعنة نجلاء أخرى ، في ذلك اليوم بكى كمال بكاء مراً لهذه الهزيمة النكراء التي حاقت به في بداية مشواره في العمل ، حمل تعزيز المعمل المركزي مع صديقة عماد عضو الحزب اليساري المحظور ،وقدما بلاغ إلى النائب العام ضد الشركة المشهورة .
    * * *
    شطب البلاغ وفصل عماد من العمل وأحيل إلى الصالح العام وتم حماية الشركة وصاحبها المتنفذ … استشاط كمال غاضباً وباع أملاك والده وترك البقالة فقط لصديق والده الحميم حاج آدم وحمل الأموال وسافر من البلدة ليلاً وضع المبلغ مع رسالة عند عثمان صاحب البقالة وأوصاه بأن يسلمها إلى أبو الغالي عند صلاة العشاء وأنسحب يجر جر أذيال الخيبة وفي دهنه تدور فكرة واحدة الخروج من هذا البلد الذي خبث …فسافر إلى اليمن غضباناً آسفا …
    * * *
    عندما أعطى حاج عثمان صاحب الدكان الأمانة والرسالة إلى أبي الغالي ، أنهار المسكين جالساً وأخذ يتمعن في الرسالة وردها لعثمان يقرأها له ، انحدرت دمعة مرة حبسها سنين وهو يستمع إلى آخر فصول المهزلة وتهدج صوته "لا حول ولا قوة إلا بالله…عليهم لعنة الله إلى يوم الدين " ثم نهض يجر قدميه في تثاقل نحو بيته ، دخل من الباب حيا زوجته في مرارة فلمست فيه نبره حزينة ، لم تألفها من قبل ، أوجست خيفة ،لم يشأ أن يخبرها برحيل كمال استلقى في الفراش وأطلق لدموعه العنان……
    * * *
    هب من رقدته وقد عصف به غضب مدمر اختطف شعلة نار من الموقد التي تعد فيه زوجته العمياء الشاي واندفع خارجاً نحو الحقل وألقى فيه الشعلة ، سرت النار لتضيء الفجر الحالم وهي تلتهم أعواد السمسم في شره شديد ، كان طيف أبنه الراحل يقف جواره بنظارته الطبية وصوته الهامس .
    - لماذا أحرقت الحقل يا أبي ؟.
    - لقد أحرقوا فوادي مرتين يا ولدي .
    - انه السماد المغشوش .
    - نعم يا ولدي أنه السماد الفاسد .
    - سامحني يا أبي أني بريء من هؤلاء .
    - الله يرحمك يا أبني .
    جاءت أم الغالي الضريرة تدفع جموع المواطنين الذي تحلقوا حول زوجها المجنون وقادته إلى البيت وهو يرغي ويزبد …
    في صباح اليوم التالي لم يعثر السكان على الأسرة المنكوبة ،رحل العجوزان عن البلدة وخلفا وراءها بيت مهجور يضج بالذكريات وحقل سمسم محترق يتصاعد منه غاز ثاني أكسيد الكربون …
    6/4/2000م

    (عدل بواسطة adil amin on 08-14-2005, 09:03 AM)

                  

08-14-2005, 10:19 AM

منوت
<aمنوت
تاريخ التسجيل: 03-18-2002
مجموع المشاركات: 2641

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثقافة السودان الجديد:..........حقل السمسم.......... (Re: adil amin)

    (7)
    شجيراتُ السلامِ النابتةُ على أرضٍ
    عانقَ ثقافيُها اجتماعِيَها

    "... لو كنتُ في (طنجة) لَما أحسستُ بهذا الفراغِ المُمِلِّ . هناك أستطيعُ أن أولّدَ من أكثرِ الأيّامِ كآبةً و عوزاً بعضَ المتع. العزلةُ هناك حرةٌ لها مذاقُ التوتِ البرِّي ، هنا (العرائشُ) مفروضةٌ لها مذاقُ الحنظل " .
    " زمنُ الأخطاءِ " .. سيرةٌ ذاتيةٌ روائية.. للروائي المغربي محمد شكري.

    "... هل أجازفُ فأقول بأنَّك عوّضتَ حبَّ المرأةِ بحبِّ طنجة أيها المتوحِّشُ الذي يخافُ عتمةَ الدفءِ و ينتشي بشسوعِ البحرِ و لا نهائيةِ المدى... ؟ "
    " أخطاؤك التي تُحبُّها " ، مقدمةُ محمد براده في " زمن الأخطاء "

    تُرى ، ما سرُّ العلائقِ بين (طنجة) شكري ، و ود دكونتي ؟، و (العرائشِ) و هذه المدينةِ الموسومةِ ب (كوالا لمبور)، أي ملتقى الطمي– باللغة المالايوية- ؟
    لمن يا ترى ، تغرّد عصافيرُ خريفه (الدَّرتي) على سرير أمسه المترع توقاً للذي يأتي عبيراً غازل النسماتِ فيه بعضُ إيراق و ذكرى ؟ .. من يا زمانُ .. و يا مكانُ .. و يا بعضَ كلّي .. و كلَّ ألوانِ الفراشات المحلِّقة انتصاباً يحوم مختالاً فوق هامات القرى و البوادي و النوّارِ الأفقي، و قد لفّ الندى – أرقاً - حدقاتِ أعينه السواهر ؟. و مَن يا أنا ، ينساق – مُنجرّاً- تجاه البرق آن يكون أوّلنا يغادر كيف ما شاء الخريف ؟.. إنه الإنسانُ حين تشاغب (دلوَه) المسكونَ امتلاءً بوريقاتٍ تنزُّ أشجاناً ، عواملُ الزمنِ المُعرّي للتواريخِ الصوادح، و المساءاتِ الفوارح ، و الصباحاتِ الأواتي.
    تطاولت أعناقُ قناديل الذرة ، و شمخت في إباءٍ سنابلُ السمسم مجاريةً زهرةَ الشمس في نضوجها البكري تنادي مناجلَ الحاصدين .. و الحاصدون هم أولئك العمالُ الموسميون الذين يتجمعون – عادةً- في الأنادي أو على أطراف أسواق القرى أو المدن القروية أو فلنقل : القرى المتمدِّنة ، ينتظرون أصحابَ المشاريع الزراعية المطرية المنتجة ذرةً و سمسماً و عبّادَ شمس .. و قد جرت العادة أن يمرَّ صاحبُ المشروع - في وقت الحصاد - على هذه المظانِّ العماليةِ المكانية ، متفقاً مع مجموعة منهم كعمالٍ للحصاد يٌطلقُ عليهم نعت (الكتاكو) . و هؤلاء الكتاكو ، ينحدرون من أصلاب جدّتنا الأولى التي أبت – في شموخ – أن تعير الأرض لوناً آخرَ غير السواد بدرجاته المتفاوتة بين الصحراء و غابات الاستواء و ما بينهما من آدميين . سلالاتٌ من البشر يجمع بينهم القلبُ النظيف إلا من بعض إرهاقٍ و فاقه ، و تغسل يومَهم همومُ العيش الحلال . يتكاثرون كالنمل في السُكَّر آن ينادي أذانُ الحصاد على بذرٍ هو الحياة في مسرح التوقع و انتظار وابل المطر الغياب. ليس بينهم مَن له شجرةُ نسبٍ عرقيٍّ سوى الأرض و ما تهدي من زاد ٍ تشكِّلُه النساءُ محاولاتٍ جعلهُ وجبةً يوميةً تتمظهر (عصيدةً) أو (بليلةً) أو( ماناكيلو) ، هذا الطعام الشلكي المصنوع من الذرة ، و الذي يشبه شكلاً ( السكسكانية) ذات الأصول القمحية ، أو مشروباً يغذي كاملَ الأحلامِ في عيشٍ سعيدٍ يلفح الحزنَ و العوزَ المقيم بثوبٍ من توقٍ متوهم ، أعني ( أتابوب) ذلك المشروب المقوّي للحوامل و شيوخِ القبيلة من ذوي السبعين خريفاً كما تقول أدبياتُ الشلك.
    أواسطُ سبعيناتِ القرن المنقرض، قامت مشاريعُ (الطيّارة) الزراعية المطريةُ غربي ود دكونه ، جنوب شرق مشاريع (المقينص) الزراعية التابعة لمديرية النيل الأبيض – آنذاك - ، شرقي مشاريع (هبيلة) المطرية المنتسبة إلى جنوب شرق كردفان . و الطيارة أرضٌ تعجُّ بالخصوبة ، و ببهرةِ التواصل الحميم بين سبلاتٍ وبتلاتٍ (زولية) سكتت عنها محافلُ الآني من ثقافتنا الممهورة بالصمت (المغبّش) و المحرّف للتواريخ الشموس. وقد سميت بذلك حينما سقطت طائرةٌ عليها - و الزمان قبل الاستقلال - ، و قد قام الإنجليز بإنشاء مدرسة أولية في مكان سقوط الطائرة ، نتمنى أن تكون قائمةً حتى الآن تحكي عن زمنٍ سالف و وفاء مستحق ، كما تشهد بذلك المشاريع المطرية الماثلة حتى اليوم ، سلةَ غذاء يسبق شقُها الروحيُ جانبَها المعاشي.. تهدي البهيمَ قبل الإنس لقمةَ الحياة و نضارةَ الزرعِ المثمِّن للعمل كقيمة ولود .. و تكفي الجياعَ شرَّ التشرد في البنادر و المنافي بعيدها – جغرافياً و نفسياً – و قريبها المتثاقف في تعاضد حميم. و ها هو الصديق القاص "يحي فضل الله" ، يحكي على لسان العم حسن محمد على ، و الذي كان شاهداً على حادث الطياره ، بل معيناً و مساعداً لأبناء ( جون ) في تحديد موقع سقوط الطائرة ، مما جعلهم يسجلون هذا الحدث التاريخي في شكل مؤسسة تعليمية نقاربها - إسلامياً – و نضعها في مقام الصدقة الجارية .. صديقنا " يحيى " يهدينا مداخلةً تنز إيثارا ، قائلاً : " لست أدري من أين أدخل في السرد ، و حيرةٌ تكمن في أنني أدّخر شخصيةَ العم حسن محمد علي لحكايات أظنها في مقام الرواية ...؟ " . حيث كان العم حسن مفتشاً زراعياً من أوائل الذين درسوا الحقل و سياسته على يد و فكر الإنجليز . فقد تخرّج العم حسن في كلية غوردون ، أو قل في ما يخص علاقة هذه الكلية بالزراعة . و قد تأسست على يده فكرة البنك الزراعي السوداني ، حيث قام بافتتاح العديد من أفرع البنك في نواحٍ زراعية تنتظم أرض المليون ميل مربع مطري ، كالرنك و كوستي ... إلخ .. و قد آثر الإقامة بمدينة كوستي التي أحبها ، ونظنه قد فاض به شوقُه و غالبه عشقُه السرمدي للحقل و الزرع ، فأقام نواحي المدينة التي أطلقت عليها ميرفت نصر الدين – مؤخراً - في اجتراحاتها الحميمة مع إشراقه مصطفي – على سودانايل – هذه الصحيفة السايبرية الرائدة ، واصفةً إياها - أعني كوستي – بالمدينة التي ( تتآكل و تتحول إلى مجرد بقعةٍ مباركةٍ منقرضه ) . و قد كانت – زمان العم حسن – بقعةً مباركة تسمق زهيرات عشقها للإنسان لتطول الأعماق العامرة بالود و التسامح و الزولية المترعة نقاءً و إلفة . و لعل الطريق المسفلت الخارج من تقاطع ميدان الحرية و المجلس البلدي ، مؤدياً إلى حي النصر ، أثار كوامن أفراح العم حسن و كبله بإيثار مساكنة من و ما أحب ، خاصةً و أن البنك الزراعي يشمخ قبالة الكنيسة و حوانيت الهنود و الأقباط التي (تتزوّل) في تماهٍ يشي بعطرٍ أريجه التسامح الحر ، و زمنٍ يتفجّر انتماءً للإنسان في أرقى درجات تحضره و انتسابه لفكرة التعايش على وجه البسيطة.
    أصحاب المشاريع المطرية بالطيارة و الرنك و المقينص ، يفضلون (أولاد المك) - إشارةً إلى أبناء قبيلة الشلك - عمالاً للحصاد ، و ذلك لما يتميزون به من صفات تجنح إلى الإخلاص في العمل ، و صدق الكلمة ، و قلة المطالبة بما ليس حقاً لهم ، إضافةً إلى الجدية في إنجاز ما يوكل إليهم من عمل . و من محاسن سياسات مؤسسة الزراعة الآلية ، إنصافُ عمّال الحصادِ و إبعادُ شبح نتائج (الطمع) المتوقع من أصحاب المشاريع المطرية و رغباتهم الملحة في إصابة أرباح (خيالية) في أسرع وقت، دون الالتفات إلى كروموسومات العمليات الزراعية ، ألا وهي (عمال الكتاكو) .. فقد تشددت إدارةُ العمليات الزراعية في المشاريع المطرية – وهي جهة حكومية – في إعطاء العمال حقهم كاملاً دون نقصان . و من أبرز هذه الحقوق : ترحيلُ العمال من مواقع تواجدهم إلى موقع المشروع وحق التفاوض ، و في حالة عدم الاتفاق ، وجب على صاحب المشروع إرجاعهم إلى حيث أخذوا .. أما في حالة الاتفاق على إنجاز العمل الحصادي ، فعلى مالك المشروع تزويدهم بأساسيات و مقومات الحياة ، من دقيق ذرة ، و زيت طعام ، و ملح طعام ، و كبريت ، و بصل ، و كجيك .. و الكجيك هو السمك النيلي المجفّف المملوح ، و الذي يستطيع مقاومة آفات الأحياء الدقيقة لمدة تربو إلى السنة إذا ما أُحسن تخزينه.. و قد اُشتهر و برع في صيده و تجفيفه أبناءُ ( الهوسا) القادمين من غرب إفريقيا و الذين يطلق عليهم – تعميماً – لقب الفلاته، و هناك فرق شاسع بين الفلاته (الفولاني) ساكني النيجر و تشاد و بعض أجزاء من الكاميرون و السودان .. و هؤلاء الهوسا المنحدرين من بلاد نيجيريا - جنة أفريقيا المعلقة بين سندان الذهب الأسود و خراب الخدمة المدنية - . فكتب التاريخ و الاجتماع تشير -في صرامة أكاديمية- إلى الفرق بين هذه الإثنيات و الجماعات الإنسانية .. فمن أهم بطون الفولاني ، فلاته (فوته) و (أم بررو ) ، أما من نعني هنا فهم الهوسا ، هؤلاء المسلمين من النفر الذي يمَّم أجدادُه صوب الكعبة في رحلته (الحجّية) منذ مئات السنوات، فطاب لهم المقام في ديار الزولية الرحبه . فكانت إقامتهم خيراً و بركةً على ديار و أهل السودان برغم ما يحمله العقلُ الشعبي من اتجاهات (خرافية) و إقصائية تجاههم . و يكفيهم أنهم صائدو و صانعو الكجيك – طعامِ الكتاكو – واهبِي (الأزوال) ما يقيم أصلابهم.. و بذلك – فقط - يكون الهوسا أهلَ بلدٍ بحكم المواطنة و صالحِ العمل.
    (جار مويه) ، شاب نشأ و تربى وسط أهالي مشروع البشاره الزراعي المروي المنتجِ للذهب الأبيض (القطن)، شمال ود دكونه على بعد خمسين كيلومترا .. أصولُه شلكيةٌ محضة تتحكّر راكزةً في قرية ( كوع المنقو ) جنوب ود دكونه ، شمال كاكا التجاريه و المطيمر.. منبتُه سودانوي .. استطاع تعلم حروف الهجاء في خلوة الأنصار على يد أحد فقهاء المهدية .. فصارت (جناح أم جكو) لباسه الغالب ، و لسانه العربية ذات اللكنة السليمية الشلكية المشوبة بعجمة البرقو و لهجة الزغاوة .. بدأ حياته عاملاً في حصاد الذرة و السمسم (كتاكو) و استطاع في موسمه العملي الأول جمعَ دستتين من الجنيهات السودانية مشترياً بها بقرةً و نعجتين .. و قبل حلول موسم الحصاد التالي ، ولدت البقرةُ (عجلتين) وصارت نعاجُه خمسةً .. فواصل عمل الحصاد مستبدلاً – هذه المره – جنيهاته بجوالات ذرة صار يبيعها (بالملوة) و (الكيله) أمام طاحونة القرية و التي يملكها حاج أبكر ولد إسحاق .
    في موسمه الثالث ( كتاكو) آثر جار مويه مزاولةَ حصاد السمسم ، و ذلك لقصر فترة حصاده و التي لا تتعدى الأيام المقمرة من الشهر ، حيث إنّ للقمر مفعوله في تفتيح سمبلات السمسم ، محتجاً باختصار الزمن و التفرغ لأعماله (البيعية و الشرائية) المزدهرة ، إضافةً لما يدرّه حصاد السمسم من أموال تختصر المسافة بين الواقع الحافي و الغد المأمول و المفرهد ثراءا .. فكان له ما يريد و يبتغي من ثروة جعلته رمزاً للشباب الآمل في حلمٍ يعشعش في عقول المحرومين باثاً فيهم ظلال ما يملكه الحاج محمد من أسطول حافلات (باصات) تتقاطع – يومياً – طاويةً أراضي جنوب النيل الأبيض و شمال أعالي النيل ، ناقلةً العباد و ما يملكون من ثروات بهيمية و زراعية.
    موسم الكتاكو الرابع جاء ، و تتابعت فيه نجاحاتُ جار مويه فاتحةً أمامه شهية َ الزرعِ و الضرع و الانتماء إلى الأرض و الأنثى .. استأجر نصف مشروعٍ مطري نواحي الطيّاره ، و صار يبحث عن (أولاد المك) رفقاء دربه (الكتاكوي) عمالاً لحصاد سمسمه اليانع .. فاستجاب الجميع بنصف الأجر ، فتحقق الحلم في امتلاك أول (بص) ينتمي إلى تواريخ الكتاكو .. و نبتت طاحونة أخرى في البشاره .. تلتها شباك و مراكب ( موتورية) صائدة لأسماك الكجيك .. و تحقق معظمُ ما كان يرجوه جار مويه و تطمح إليه نفوسُ أقرانه .. إلاّ أن الحلم المستعصي على التحقيق ظلَّ يطارده و أقرانه .. ألا و هو الانتماء إلى أنثى تطرّزُ يومه دفئاً و تهديه الولد .
    ثرواته تتضاعف موسماً بعد موسم ، بل شهراً بعد شهر .. و حاجة الانتماء الإنسانية تعلو فوق صهيل الجنيهات .. و هو الذي وجد نفسه منتمياً (ثقافياً) إلى السائد – حضارياً – من معتقد أهل القرية و ما جاورها .. فقد كان مسلماً بالفطرة و الممارسة .. و يشهد له أعتى شيوخ القرية بالصلاح .. فلم يقرب خمراً أو صدراً أو حقاً لا يستحقه شرعياً .. وهكذا كان يحدّث نفسه باضطراد .
    و ذات صباحٍ درتي - قُبيل الفجر - ، قرر جار مويه الانتماءَ إلى مستقبل الأنسنه ، حيث إنه عاش و تربّى يتيماً فاقد الأبوين في حادث (صاعقة) في خريف ممطر قبل ثلاثين عاما. وبُعيد أدائه صلاة الصبح ، داهمه هاجسُ الانتماء و السؤال المحوري .. من أنا ؟ و ماذا أريد ؟ .. و إلى أي المرافئ تتجه مراكبي و ترسو ...؟ و على كرسي وثير أمام دكانه العامر بالبضائع – و الشمس ترتفع قامةَ رجُلين - ، و على مقربةٍ من مخزنه المجاور الذي يئن من تزاحم جوالات الذرة و السمسم و الكركدي و الصمغ العربي ، سأله حاج أبكر أحدُ أعيان القرية - و هو يحتسي القهوة - ، لماذا يا جار مويه لم تكمل نصف دينك حتى الآن ؟ فأنت و الحمد لله مستطيعٌ للباءة و أكثر ؟ .. حالها، سقطت علبةُ (صلصة) من على رفِّ الدكان ، و تبعتها أخرياتٌ محدثاتٍ صوتاً كالرعد فجّر فيه تواريخ الفقد الجلل و الولد الانتماء ، فالتقطها صبيُ جار مويه و مساحات من الصمت تعلو لتعمَّ المكان برهةً كأنها الدهر .. فكان الرّد : و هل لديك امرأةً لي ؟ و كان ردّ حاج أبكر : لِمَ لا تتقدّم لنفيسه بنت مبارك البشير ؟ فهي بنت جميلة و أكملت الابتدائية و أمها من الشلك و أبوها من الشماليه ؟ .. و أنت رجل حسن الدين و الأخلاق و ناجح في عملك .
    تفاقمت أحلامُ جار مويه متصايحةً بالذي يأتي وريثاً لعرش السودنة ، و تداخلت أنفاسُه و تقطَّعت كاللبن الصراح آن يعانقه عصيرُ ليمونٍ حامض ذي أفقٍ فاعل .. نفيسه ..؟ إنها حقاً لإمرأةٌ حلم .. و لِمَ لا .. ؟ كان يحدّثُ نفسه قبل أن يردّ على حاج أبكر .. و لكن يا حاج ، أبوها و ابن عمّها الآن في المشاريع يعملان ( كتاكو) في حصاد الذرة ، و كما تعرف ، فإنّ حصاد الذرة يحتاج إلى أكثر من ثلاثة أشهر ، و أنا قرّرتُ أن أتزوج في أقرب وقت ممكن ، و لا أستطيعُ التأجيل أكثر من هذا .. و في أبوةٍ نادرةٍ كان قرار إرسال (لوري) جار مويه إلى مشاريع الطيارة لإحضار مبارك و ابن أخيه .. و لمّا وصلا إلى القرية ، فتح عليهما حاج أبكر - بصحبة أعيان القرية - موضوعَ زواج جار مويه من نفيسه .. فطلب الأبُ فرصةَ يومين – على الأقل - للرد .. فكانت إجابتُه بعد ثلاثة أيام : " البنت عاوزها ولد عمها "... و هكذا تدحرجت آمالُ (جار مويه) متجهةً –جنوباً- نحو (أنونق) فتاةِ العشقِ النيلي المحضِ ، و وارفِ الأحلام .. حيث الانتشاءُ بشسوعِ النهرِ و لا نهائيةِ المدى الزولي و انفتاح المدى الأرحب .



    _________________

    شدو جمالم جونا ..
    جلبنا ليهم سمسم ، السمسم ماكفّاهم ..
    جلبنالُم سعيه !!!!!
                  

08-15-2005, 00:37 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 37029

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثقافة السودان الجديد:..........حقل السمسم.......... (Re: منوت)

    العزيز منوت

    كانت هناك فى طرف الفناء شجرة ليمون دائمة الخضرة تبتسم ازهارها صباحا وتعبق بالاريج ليلا....قال لي ابى ايك وسماد الفرنجة ...اياك والتصالح مع كل ما هو وافد من خلف الحدود لابد من التعامل معه بحذر،لذلك كان موقفى من التنظيمات الطلابية من كيزان وشيوعيين حادا ومرفوضا
    ان الذين يستوردون السماد المغشوش...يستوردون الدين المغشوش والايدولجيات الخربة..وحتى لا تموت شجرة الليمون...التي اسميتها منوت.....لابد من التخلص من البضاعة المغشوشة وفضح تجارها..وهذا يسمى ادب التمرد...اوثقافة السودان الجديد
    اني لا اخجل من نفسي حين اعري اوجاع وطني والعاهات المنفرة التي تكتنفه...لانك اذا لم تتطهر امام نفسك ستظل النجاسة تغمر دواخلك مهما استخدمت من ماء وصابون


    التحية لمنوت الاخضر
    ومرحب بيك صديق دائم لبوستاتنا
    وانى فى انتظار كوستاوي....عازف الناي ...ليعبر من هنا بمزماره السحري

    عندما اتوق للحديث مع اناس اذكياء
    افتح سوادنيز اون لاين

    (عدل بواسطة adil amin on 08-15-2005, 00:39 AM)

                  

08-15-2005, 00:53 AM

Ali Alhalawi

تاريخ التسجيل: 02-10-2004
مجموع المشاركات: 1467

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثقافة السودان الجديد:..........حقل السمسم.......... (Re: adil amin)


    الجميل عادل أمين

    حين لمحت هذا الأخضر الليمونى يتجول هنا .. أدركت أننى داخل حديقة

    دعنى أكمل القراءة و أعود ..
                  

08-16-2005, 01:38 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 37029

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثقافة السودان الجديد:..........حقل السمسم.......... (Re: Ali Alhalawi)

    التحية للاخ علي الحلاوي
    ومرحب بيك صديق للحروف
                  

08-16-2005, 03:02 AM

nada ali
<anada ali
تاريخ التسجيل: 10-01-2003
مجموع المشاركات: 5258

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثقافة السودان الجديد:..........حقل السمسم.......... (Re: adil amin)

    ***
                  

08-17-2005, 02:18 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 37029

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثقافة السودان الجديد:..........حقل السمسم.......... (Re: nada ali)

    الاخت ندا مصطفى
    تحية طيبة
    اشكرك عل مرورك الصامت البليغ...ابحث عن تشكيلي يزين بوستات هذه القصص القصيرة
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de