دعوة للرفض لا المقاومة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 07:59 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-23-2005, 06:01 AM

منصور شاشاتي

تاريخ التسجيل: 02-09-2005
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
دعوة للرفض لا المقاومة

    ورأيت أن أبكي على الورق !
    لكن ، ما جدوى البكاء على ورق؟!
    أحيانا، نحمل الله نتائج أخطائنا. وكثيرا ما يكتب علينا تحمل أخطاء الآخرين. . والمسألة في النهاية نسبية. المقدمات تقود إلى نتائج. والأسباب تؤدي إلى مقاصد.
    ما أجمل ذاك الدعاء : "يا رب الأسباب" . . نعم، الأسباب.
    كيف إذن أبدأ مشوار البحث عن الأسباب؟.
    المطلوب أولا أن لا نغرق في دوامة "النتائج". . فما كان، قد أصبح حقيقة وواقع. وما حدث لا يمكن أن يتغير. فقدر الله هو أن تكون اللحظة "متراجعة" على الدوام، ومستعصية على الثبات وليس بالمقدور استعادتها - على الأقل حسب ما أوتينا من علم حتى الآن - ولعل لذلك صلة بمغزى استدراك : "قدّر الله وما شاء فعل".


    لا أريد أن أتحدث حديثا دينيا، ولكني أردت لقلمي أن يسكب مداده دمعا على الورق. وساعة يبكي القلم يكون صادقا. ولا يكون القلم صادقا إلا إذا كان حرا طليقا. لا يوجد بكاء كاذب ولا تتساقط الدموع حارقة إلا من فرط المواجع. وهي نعمة أنعم الله بها على خلقه، تخفف عن الإنسان أحزانه وينفس فيها عن نفسه، خاصة إذا جاءت في حالة بث وشكوى وفي خلوة مع الله.


    الخاص والعام لا ينفصلان إلا بمقدار. يتداخلان. . "وكيفما نكون يولى علينا". فالسماء لا تمطرنا حكاما. قد يأتي الحاكم من وراء الحدود غازيا.. لكن ذاك ليس هو المقصود. المقصود حكاما يترعرعون وسطنا، يتشربون كل سلبياتنا وإيجابياتنا، ثم يجلسون - برغم أنفنا أو نجلسهم نحن بمحض إرادتنا - على كراسي الحكم. ما يفعله بنا هؤلاء من خير أو شر، هو ما كان سيفعله أي واحد آخر منا - إلا من رحم ربي - يجلس على ذاك الكرسي.
    إذن فمصدر الداء لا يكون في الاتجاه الذي اعتاد أهل السياسة والكتابة أن يشيروا إليه، عندما يقولون لنا: "غيروا حكامكم، ينصلح حالكم ويسقط المطر وتخرج الأرض خيراتها وتشرق الشمس على الحقول والمراعي، تنشر السعادة والحبور".
    المسألة ليست بهذه البساطة التي نتصور. وحتى عندما يحاول بعضهم ، أن يجوّد حديثه فيطلق مقولة أنه "لا يوجد حاكم عادل وإنما هناك نظام عادل" فإنه يكون قد قال نصف الحقيقة وأخفى - أو خفي عليه - نصفها الآخر. وإظهار نصف الحقيقة - لو تعلمون - أسوأ من تغييبها تماما، ذلك أن في الأمر تخدير للناس والإبقاء عليهم في قاعات الانتظار، متعلقين بخيط الوهم، الذي لا يغني من الحق شيئا.


    الطريق إلى الحقيقة ، يبدأ من داخل الإنسان. وما نحتاجه ليس هو الإصلاح السياسي وإنما هو الإصلاح الآدمي. فالسياسة أصبحت علما والاقتصاد كذلك كما هو الحال مع الطب والهندسة والمعمار.. وهؤلاء كثر. ومأزقنا ليس في تمكنهم من مجال اختصاصاتهم وإنما في فقدان ثوابت الأخلاق وسطهم. وفقدان هذه الثوابت لا يبقى محصورا عند هؤلاء وإنما يمتد ويتسع ليشمل كافة قطاعات المجتمع. الإصلاح المجتمعي هو الأساس وإذا صلح المجتمع صلحت كل الجوانب الأخرى سياسية واقتصادية وخلافها.


    ما زلت أقول بأن ما نحتاج إليه هو إعادة ترتيب مجتمعاتنا وهذا الترتيب لا يبدأ إلا من الإنسان. والتغيير كما يقولون يبدأ من "أنا" ومن يريد أن يقوم بإصلاح غيره ، عليه أن يبدأ بنفسه. فلن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. كما إنك لا تستطيع أن تخرج القذى من عين أخيك وتنسى الخشبة التي في عينك. ولن ينتج الأفراد الفاسدون إلا مجتمعا فاسدا ولا يحكم المجتمع الفاسد إلا فاسد منهم .


    خالطت الساسة عمرا. . أصحاب الحكم منهم والمعارضين. الحالمين منهم والواهمين. المسالمين منهم والمشاكسين، فلم أجد عندهم ما يطمئن إليه الفؤاد.
    لا أزعم أنهم غير جادين في ما يقولون أو أنهم غير مؤمنين بما يدعون إليه أو يبشرون به. على العكس، منهم من قدم حياته قربانا على مذابح معتقده وقناعته. إلا أني رغم ذلك لم أجد عندهم ما يطمئن إليه الفؤاد.
    إنها مصالح تصطرع، وهذا واقع الدنيا. خلافي مع أهل السياسة ليس على "فعل" الصراع وإنما على "ضوابط" الصراع.
    هم يرون أن مهمتهم هي تحريض الناس على الصراع وتأجيجه والوصول به إلى أقصى مستوياته حتى يحسم في النهاية. كل يريد أن يحسمه لصالحه وله في كل ذلك علم وفلسفة ونهج وتكتيك وأدوات وقواعد انطلاق. غير أني أرى بأن التلطف في الصرع وإفساح مساحات للتناغم واعتماد التنوع الطوعي لا التصنيف القسري هو الأليق بالإنسان. وهذا أمر يجوز في عالم الأفكار أيضا ، حيث يقال بأن صراعها لا رحمة فيه، وأقول ما جدوى الفكر في غياب الرحمة؟!.
    ليس أروع من أن تسير الأمور بالملاطفة وأن تتنافس الأفكار وتتصارع بلا تطرف، حتى وإن تأخرت في زمن اصبح طابعه التسارع. لأن الهرولة التي تؤدي إلى التزاحم وسحق الضعفاء تحت أقدام الأقوياء، لا تليق بالإنسان أفكارا ومعايشة.
    ولأن مقولاتي هذه، اعتبرها البعض سذاجة وعدم إدراك لقوانين الحياة وطبائع البشر، خالفتهم، فخلّفني ركبهم وراءه أو قل تخلفت عنه.
    اختاروا أن يسلكوا طريقا واسعا، تتدافع فيه الناس وتتزاحم وتصطرع. . منهم من وصل إلى غايته وتربع على كرسي من كراسي الحكم أو على مقربة منه. . ومنهم من غيبته السجون أو بواطن الأرض.
    اخترت أن أسلك دربا ضيقا لا يرتاده إلا القليلون، إما رغبة وإما اضطرارا.
    ضيق هو الدرب وفيه مشقة، قد يتمنى المرء في بعض لحظاته، لو أنه لم يسلكه أصلا. ثم يرتد إليه وعيه فيطمئن إليه قلبه أو يحاول أن ينصرف عنه ، قبل أن يدرك أن لا عودة إلى وراء. فلا وراء إلا الهلاك. والدرب يمتد أمامك طويلا. ومع طوله ومشقته أنت فيه آمن.
    لا يعني هذا أن الشرطة سوف لن تطاردك، وأن الحاكم أو حراسه سوف لن يلاحقوك فيمن يلاحقون. بل قد تجد نفسك في حبس وأمام محاكم بدون سبب لذلك سوى أنك لست على شاكلتهم.
    حظك من هذا الدرب أن يتطاول عليك أو يسخر منك الجميع. غير أنك مع ذلك كله أسعد من كل الذين يتزاحمون في الطريق الواسع. فأنت إن احتجت هنا لخلوة مع النفس، تختار على هواك ركنا هادئا، لن يصل إليه غيرك. وإذا شعرت بحاجة إلى النوم يأتيك النعاس في اللحظة التي تضع فيها رأسك.
    ماذا نأكل. . ماذا نلبس . . ماذا ندخر للغد. . مسائل لا بد وأن تشغلك وتستطيع أن تدركها بل وإدراك ما هو أكثر منها ولكن بمشقة لا يطيقها الكثيرون. . وفي الواقع سوف لن يخسروا شيئا جوهريا على الإطلاق بإيثارهم راحة البال. ولن تكون نهاية مسارهم أسوأ من نهاية مسار أكثر الناس حظا ممن يتزاحم في الطريق الواسع مع المتزاحمين ويدوس المستضعفين أو تدوسه أقدام الأقوياء. النهاية هي النهاية من حيث الشكل لكنها نهاية أسوأ بكثير من حيث الجوهر والمضمون، من نهاية أقل الناس حظا ممن اختار أن يسلك الدرب الضيق.

    لكن ما دخل هذا كله بالساسة التي نعترف بأنها علم لا مجال فيه لشطحات روحانية. . إنها ببساطة :"واحد زائد واحد يساوي اثنين". أنا ما اختلفت مع أحد في ذلك. ولكن ألا يقول أهل السياسة أنفسهم بأن صحة السياسات تقاس بنتائجها على أرض الواقع. إذن ، أنا لم أفعل شيئا آخر سوى رصد نتائج سياستهم على الأرض، فلم أجد ما يطمئن إليه الفؤاد.
    ما زلت عند موقفي : لسنا في حاجة إلى ساسة. فالطريق الواسع يغص بملايين الساسة الفعليين والمحتملين. نحن في حاجة ماسة إلى من يقف في واحد من مياديننا ويتعرى أمامنا ، ثم لا نجد فيه ما يخزي أو يعيب.. لأنه بدأ بنفسه فطهرها من المخازي والعيوب.
    نحن في حاجة إلى أمثال هذا الرجل أو المرأة أو الطفل ، ليعلمنا كيف نطهر نحن أيضا أنفسنا من المخازي والعيوب.


    البداية صعبة والمشوار طويل.
    البداية كما قلت من "أنا" . . فليبدأ كل واحد منا إذن مواجهة مع الذات.
    لماذا فشلنا؟
    وقبل ذلك، هل كنا نعرف أصلا ما نريد؟
    وإن كنا نعرف فهل أعددنا لذلك العدة وأخذنا بالأسباب؟
    هذا يصدق على الخاص والعام.
    ولكن قبل هذه البداية لا بد من مرحلة إعداد تأتي في أعقاب مرحلة تبشير.
    وهذا التبشير في اعتقادي بدأه بعضنا منذ أربعين سنة أو يزيد. واتخذ شكل الشكوى من واقع الحال وسوداوية طبعت أعمال أدباء وفنانين وشعراء, غير أن التبشير الذي نحتاجه يأخذ شكل "الرفض" لهذا الواقع الفاسد.
    لا أدعو إلى هروب إلى صومعة كما إنني لا أدعو إلى مواجهة ومصادمة.
    الرفض خيار المستضعفين والأقوياء في آن واحد. بمعنى أنه اسهل أسلوب ينتهجه المستضعف واشق أسلوب يختاره القوي، لكنه سلاح لا يفشل من يلتزمه ويؤدي إلى نتائج حاسمة ومصدر روعته أنه يعطي "الصراع" طابعه الإنساني ولا يفقده رصانته وكبرياءه. يحاصر مصادر الشر ونوازعه فيقضي عليها في مهدها، يحول الخصم إلى آخر يختلف معك حسب ضوابط وثوابت تم التراضي عليها.. ضوابط وثوابت تأتي من داخلنا ولا تفرض علينا من الخارج نلتزمها لأنها تصبح جزءا من أدمغتنا.

    قلت لكم من البداية إنه درب طويل. أحاول أن أسلكه وكلما أبصرت من يسبقني إليه يهفو إليه قلبي. قد يكون هناك آخرون مثلي في أماكن مختلفة من هذا الوادي لكني لا أكاد أراهم.
    لعل الغشاوة ما زالت تسد المنافذ على البصر.
                  

07-24-2005, 03:48 PM

منصور شاشاتي

تاريخ التسجيل: 02-09-2005
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دعوة للرفض لا المقاومة (Re: منصور شاشاتي)

    الانسان هو الحيوان الوحيد القادر على رؤية بقية البشر كتجريدات رقمية أو حسابية. ومع ذلك يظل الإنسان هو المصدر، هو الموجود الذي لا خالق له. هو الخالق المبدع، خالق الأديان والآلهة والشياطين والملائكة، خالق الجنة والنار، خالق الأساطير والأشعار والأدب والفن، لأن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يستطيع أن يحلم. الإنسان هو المصدر وهو الوسيلة، وهو أيضا في نهاية المطاف، الغاية والهدف. غير أنه يكتشف للمرة الثالثة صعوبة المعادلة بين الفكر والفعل والخيال الفردي، وبين الحركة الجماعية لملايين الذوات الأخرى التي تتحرك حوله، تخنقه، وتمنعه من التنفس. كيف تستطيع هذه الذات الفردية المفكرة، الحالمة، الفاعلة، أن تخرج من قوقعتها نحو الآخرين، إذا كان الآخر مجرد بطيخة متوسطة الحجم؟
    وكالعادة، فالحل لم يسقط من السماء، إنما كان موجودا منذ البداية .. الكلمة. هذا الحل السحري الملتصق بنا كجلودنا، هو ملاذنا الأخير والوحيد، وهو الحبل الإلكتروني المشدود بيننا وبين الآخرين. اللغة هي جسد الإنسان، وجسد الإنسان هو لغته. واللغة هي الشيء الوحيد الذي يمكـّن الإنسان من تجاوز جزئيته المزرية إلى الكلية المطلقة للإنسانية. اللغة جسد كلي عام، هي معطف جوجول الذي يغطي الإنسانية بكاملها. غير أن هذا الحل السحري ليس سحريا إلا لأنه قابل للانقلاب في أية لحظة إلى كارثة. يمكن أن نلبس اللغة .. كما يمكن للغة أن تلبسنا، غير أنه من حق الإنسان أن يحلم بلغة جديدة تخلو من كل أدوات الاستلاب، لغة تحرر الإنسان. من حق الإنسان أن يحلم، غير أنه لكي يحقق حلمه، لا بد له من أن يستيقظ، ينهض من فراشه، يغسل وجهه بالماء البارد، ويبدأ في تعلم الأبجدية.

    من حق الإنسان أن يحلم، أن يحلم بعالم يخلو من الاستغلال والعنف والسلطة، ويخلو من الفقر والتعاسة النفسية والمادية، من حق الإنسان أن يحلم بعالم يخلو من المؤسسات العسكرية، ومن أجهزة القمع بكل أنواعها. من حق الإنسان أن يحلم بعالم يغمره الرخاء والازدهار والسعادة والتضامن الإنساني، من حق الإنسان أن يحلم بعالم مملوء بالخلق والإبداع، ومبني على التعاون والحب بين البشر. غير أن "الحق" ليس كافيا لتحقيق هذا الحلم البسيط. لتحقيق هذا الحلم لا بد لنا أولا... أن نستيقظ من غفوتنا، لابد للإنسان لكي يحقق ما يعتقده حقا أن يستيقظ، ينهض من فراشه، يغسل وجهه بالماء البارد، ويخرج إلى الشارع. لابد له أن يتحرك من مكانه. ذلك ان حركة الإنسان المستمرة في المكان والزمان هي التي تحدد صورته في لحظة معينة، ومكان معين. وتحدد علاقته بكل ما يحيط به.. علاقته بالكون بأسره. الإنسان ككل يحتوي وعيه ووعي الأشياء. والإنسان ليس جزءا من العالم، ليس إضافة خارجة، لأن الإنسان والعالم شيء واحد. العالم هو الإنسان، والإنسان هو العالم ذاته بلحمه وشحمه وعظامه وصخوره ونيرانه وثلوجه ودخانه. فالوعي الفردي... والفعل الفردي هو الذي يعبر عن كلية الإنسان وجزئيته في آن واحد. وعي الإنسان ليس معجزة تسقط عليه كالصاعقة من السماء، إن هذا الوعي هو ضرورة وجودية تنبثق مع ظهور العالم والأشياء في نفس الحركة الواعية، في نفس اللحظة الزمانية والمكانية.
    والحلم وعي، كما أن الحب وعي، والكلام وعي، والمعنى وعي، مثلما أن التفكير وعي. وكل وعي هو وعي بشيء ما.. وكل وعي هو وعي فردي ـ والحلم الجماعي هو خرافة فردية لبعض علماء النفس ـ فالإنسان الفرد يحلم ويعرف أن أمثاله يحلمون مثله، وقد يكون حلمهم واحدا. غير أن كل واحد يعيش حلمه في جزيرته المهجورة، وحيدا مثل شجرة. الإنسان الفرد يعيش ممزقا بين عالمه الداخلي المظلم، وبين العالم الخارجي الذي يسبح فيه منذ البدايات الأولى لوجوده. يريد حريته، وفي نفس الوقت يريد حرية الآخرين. يعرف بأن حريته لا معنى لها بدون حرية الآخرين الذين يمنعونه من أن يكون حرا. يعرف بأن الجحيم هو الآخر، وأنه محكوم عليه بالحرية مثله مثل بقية البشر. هذا الحبل المشدود ـ هذا التوتر، هذا الموقف التراجيدي هو مصدر الحرية، وهو مصدر القلق والالتزام والخلق والإبداع. إنه الإنسان ذاته معزول داخل وعيه في عصر البدايات، عصر ما قبل الاختيار. الإنسان في حيرته المزمنة، وهو يصارع كل شياطين الدنيا وجن الآخرة لوحده، معزولا في جزيرته الجسدية، معزولا داخل جمجمة عظمية لا يتعدى حجمها حجم بطيخة متوسطة. يصارع طوفان السلطة بأمواجه المتعددة، يواجه الأشباح والعفاريت، أشباح أبطال التاريخ الذين يمتصون كينونته، وينهشون وجوده من الداخل. يناضل ضد ذاكرة صدئة مليئة بالكوارث والحرائق والحروب والهزائم، ويواجه آلهة دموية. يناضل ضد رؤاه الصفراوية للأشياء. الإنسان الفرد يفقد الأمل، تنتابه الرغبة في الغوص في باطن الأرض، يمزق خلايا جسده وينثرها في وجه الريح هدية لصقور الجبال، ويكتب على التراب الساخن بأصابعه المقطوعة التي تقطر دما أسود، الكلمة الوحيدة الملتصقة بحلقه على مدى العصور والأجيال .. لا...لا لن أكون ما يريدون لي أن أكون. الإنسان الفرد يقول لا.. للمجتمع وللتاريخ والسلطة والآلهة والشياطين. يقول لا.. لحريته ولحرية الآخرين، الإنسان الفرد لكي يكون، لا بد له أن لا يكون. ولكي لا يكون، لا بد له من أن يكون. يرفض أن يختار حريته ضد حرية الآخرين، ولكنه يرفض في نفس الوقت أن يموت من أجل قضية لا تخصه. ويكتشف فجأة بأن فرديته مصدرها زحمة وتعدد المحيطين به. يكتشف بأنه ليس فردا إلا في جماعة، ولولا المجتمع لما كانت هناك إنسانية على الإطلاق. ويكتشف للمرة الثانية بأنه "المخلوق" الوحيد الذي يستطيع أن يعتبر إنسانا آخر "كشيء"، وليس كوعي وجودي بلحمه ودمه، إنما كأداة من الأدوات التي تملأ الدنيا، ويمكن استعمالها كمادة أولية، مثل الحديد والنحاس والبترول، أو مثل الدراجة أو السيارة أو الطائرة، يركبها لكي يصل بها إلى نقطة يواصل منها رحلته في الوجود.

    سعود سالم/ تولوز / فرنسا
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de