وشرب دكتور قرنق القهوة بالمتمة.

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 06:22 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-11-2005, 05:43 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8855

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
وشرب دكتور قرنق القهوة بالمتمة.

    لا علاقة للعنوان بالجهوية والفئوية والعنصرية باي حال فقط كلام قد نسب للدكتور قرنق واحببت ان استدعيه هنا كعنوان
    ***************** ************************* ****************
    1-عودته.
    2-فشل احزاب الشمال الطائفية.
    3-لاشريعة اسلامية بعد عودته.
    4-تفسخات القوقعة من الداخل وطرد الباعة من الهيكل.

    *عودته:

    -الدكتور جون قرنق لا تملك الا وان تحترمه كان برنامجه واضحا ومحدد علمانية من الالف الى الياء تجتاح السودان عبر ما عرف بصطلح The new Sudanesim /او انفصال بمعروف.. لا نعرف له برنامج سياسي فهو ايضا استبدادي مثله مثل بقية قادة الشمال العسكريين من عبود الى البشير او مستبد طائفي مثل السيد الصادق المهدي والميرغني وبقايا ما كانو يوما شيوعين او بعثيين احالو الوطن الى مشرحة باسم الطائفية الدينية والجهوية والنفعية.

    -قمة الانانية في التعاطي مع متطالبات المرحلة او مماحكة سياسية تطيح باي حكومة انتقالية.. والذي يدفع الثمن هو المواطن السوداني المذبوح ابدا على محراب الديمقراطية الملعونة التي لا يعرف ماهيتها ولا خصائصها.

    عاد الدكتور جون قرنق وفق مقررات اتفاقية نيفاشا في فترة تمتد ستة سنوات بعدها يكون الامر اما علمانية صرفة او انفصال له اول لا اخر له.. طبيعي ومن حق الدكتور ان يطالب بحقوق اهله الجنوبيين من الدينكا او النوير او الشلك او سائر قبائل النيليية كما اتفقت علماء الاجناس على تسميتهم ب(النيليين)... لاحقا تحول الى جيفارا السودان الغلابه اكلي بمد الالف البؤس والذين تحولت اجسادهم لمستوطنات الجوع و التعاسة والتخلف الثقافي والاقتصادي والسياسي و.. و.. و... الخ. واصبح الناطق الرسمي لمهمشي السودان من حلفا الى نملي من كسلا الى الجنينة.

    ومن حق الدكتور سواء كان مسيحيا او يهوديا او اسلاميا ان يقول ما عنده ويطرح برنامجه ومن حق الاخر ان يستمع لخطابه/ وخطاب غيره بيد ان الانظمة الشمال قد حددت سلفا منذ استقلال البلاد والعباد.. ان لاتفاهم الا مع الذي يحمل البندقية ويجيد تفكيك القنبلة العرقية واليدوية.

    - قرنق له ايضا اسباب موضوعية التي يجب علينا ان ننظر اليه بعين الاعتبار والنقد في مطالبه التي تتمثل في تحرير السودان.. ولكن من ماذا؟؟ الثقافة الدينية؟؟ ام تحريره من اللغة العربية وان يرجع السودان الى قانون المناطق المقفلة- ومن ناحية تهاجر العرب العاربة الذين نزحوا الى السودان منذ قرون عددا/ الى الجزيرة العربية ومناطق البربر؟؟


    الان قرنق رجع الخرطوم كمواطن سوداني ومثقف يحمل رؤى محددة ما زالت اجندتها في احشاء الغيب لان اتفاقية نيافاشا الملعونة علاوة على انها لم تطرح على البرلمان اول باول الا بعد اجازتها من قبل اطراف دولية وداخلية بعد ذاك عرضت على قبة البرلمان فقط للتوقيع وليس للنقاش والمداولة وابداء الراي -والراء الاخر.. وتم تغيب الاحزاب الطائفية مثل الامة الاتحاد الديمقراطي.. وتم استدعاء الدكتور فاروق كدودة كناطق بلسان الحزب الشيوعي السوداني.. ان يستفتوه في اتفاقية نيافشا/ لكن بالضبط لا نعرف ما اذا كانت هناك اجندة سياسية سرية لهذه الاتفاقية ام لا؟؟ ولا نعرف ايضا هل الخرطوم عاصمة ستكون علمانية في فترة زواج المتعة المؤقت بين الحركة /والمؤتمر الوطني ام تحكم وفق الشريعة الاسلامية التي ظلت حكومات الشمال واحزابها الرائعة تنعق بها؟؟ ولا نعرف ايضا ماهي ملامح الاقتصاد الذي سيطبق بالبلاد؟؟ وها هو مصير الهوامش الاخرى التي رات في نيفاشا ايضا مشهيات جديرة لها بحمل السلاح. بالرغم من الاتفاقية فيها ايجابيات تتمثل في وقق نزيف الدم.. وعودة اللاجيئن النازحين الى قراهم ومساكنهم- لكن قرنق قد عاد ولديه برنامج لا نعرف بالضبط ملامحه.

    2 من خلال ما بثه تلفزيون السودان المخضرم من لقطات يتمية هنا وهناك استنجت على -الصعيد الشخصي- ان هناك توجس من قبل المؤتمر و{ترقب} ايضا وكانهم يريدون ان يعلن قرنق الان برنامجه السياسي حتى يتم تحديد موقفهم -ناس المؤتمر- خصوصا ان قيادات في (حزب الاخوان المسلمون) ابدو تحفظهم على دستور البلاد بالرغم من مشاركتهم في صياغنه من باب من {لا يدرك جله لا يترك كله} فقاعة الاستقبال اتعس من تعيسة.. ضيقة والمسرح الذي جرت عليه مراسم التوقيع والتعين لا يليق بالحدث في ظل وجود رؤساء دول ثامبو امبيكي رئيس جنوب افريقيا.. وفي اعتقادي القسم الذي اداه الدكتور قرنق باللغة الانجليزية سيثير مخاوف بعض المواليين والمعارضيين- والنص/ نص.. من الشماليين لكن قرنق عاد هذه المرة وهو اقوى من اي قائد عسكري او سياسي بالسودان قاطبة..
                  

07-11-2005, 07:46 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8855

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وشرب دكتور قرنق القهوة بالمتمة. (Re: محمود الدقم)

    2-فشل الاحزاب السياسية بشمال البلاد:-

    الاحزاب السودانية/ احزاب تماسست على نمط طائفي وابان عهد استقلال البلاد وجدت القها ووجوديتها كونها لعبت بشكل ام باخر دورا رياديا في تحقيقه.

    وجدت هذه الاحزاب-البلاد في حال عدم من جميع الموارد الطبيعية.. وعدم تاهيل للبني التحتية.. ولكنها فيما بعد ساهمت في تكسير البلاد وفق المحاصصة الطائفية.. لم تطرح الاحزاب السياسية {الامة} {الاتحاد الديمقراطي} برنامج وطني قصير -متوسط- طويل- المدى لم تتعامل هذه الاحزاب مع الخارطة الديمغرافية للبلد بدراسات وابحاث وبرامج وطنية كافية.. بل على العكس على ذلك تماما كرست الظائفية والجهوية المخلوطة بالولاء الديني فانتجت لنا مجتعات تدين بالولاء الطائفي لكيان الانصار او الختمية.

    لا الانصار ولا الختمية على المستوى الجماهيري يحق لهم الاعتراض والمناداة بتغيرات في هيكلية الحزب/ وابداء الراي بوضوح وشفافية لان التواصل بين الصفويين في الحزب والقواعد الجماهيرية كانت تتم وفق منظور ثقافة {ابولكليك} التبعية ولاشيء غير التبعية/ فانتج لنا ذلك مجتمعات اقطاعية تدين بعبادة زعيم الطائفة والقسم به وابداء النذور وفروض الطائعة انطلاقا من النظرية القائلة (كون بين يدي الشيخ كالميت بين يدي المغسل).

    الشباب على خطى الاباء سائرون/ والاباء على دروب الاجداد هائمون/ لا شورى ولا ديمقراطية ولا اصتناط للعامة واللقاءات موسمية تتم عبر موسم الانتخابات/ جماهير حزبية ضخمة تحركهم عصى وتهدئهم فتوى/ ومثقفون تبع -بتشديد الباء- يبصمون على ما يقوله (السيد) زعيم الطائفة.. بقية منحة دراسية بمصر او ليبيا.

    احزاب ضلت- واضلت لم تحدث عملية نقلة نوعية في برامجها بالرغم من انها تذوقت طعائم وموائد السلطان اكثر من مرة.. لكن لا استفادة.. الوحيد الذي استفاد من غباء حزب الامة والاتحاد الديمقراطي هو الدكتور جون قرنق عندما -حول بتشديد الواو- هذه الاحزاب الى قطع شطرنج في ما عرف {بمقررات اسمرا المصيرية} بارتيريا كانوا ضيوف او ان شئت تلاميذ في حضرة جون قرنق صاحب العلاقات الخيالية العالمية من واشنطن الى لندن.. الى تلب ابيب.. يوظف كل قطع الشطرنح لصالح مشروعه العلماني الافريقي مستفيدا من ضغوطات الخارج على نظام البشير الذي اختطف النص الديني والعرقي لتوظيف حرب مقدسة دينية في جنوب البلاد تلك الحرب التي تبراء منها التراب وادعى بان قتلاها من ابناء الشمال ليسو بشهداء.. اذا صحت الاقوال التي نسبت اليه في ذات السياق.

    وقع الاتحاد الديمقراطي اتفاقية كوكا دام مع الحركة عام ثماني وثمانيين واعترضت الجبهة والامة بان هناك تفريط في الشريعة الاسلامية نفس الشريعة الاسلامية التي رفضها جون قرنق في نيفاشا ولكن هذه المرة بحضور الامريكان واسرائيل ومنظمات كنسية ويهودية تريد ان تستثمر في جنوب البلاد حيث حكومة خاصة لها/ يديرها قرنق وجيش خاص وفق كل هذا التطورات والاحزاب الشمالية الامة والاتحاد الديمقراطي والناشئين الجدد في الميدان السياسي مسلوبي الارادة.

    لان قرنق القى بهم جانبا على قارعة الطريق لقد ادو ما يريده قرنق منهم ان يكونو مجرد مغلفين نافعين لمشروعه عبر وعود زائفة لا تسوى حتى ثمن مقررات نيفاشا للقضايا المصيرية.. حزب المؤتمر لعب ايضا لعبة Tom an Gerry مع هذه الاحزاب التي تملك قواعد جماهيرية تنتمي للماضي وليس للحاضر.. اذ عمل في شق صفوفهم شقا عبر الاغراءات التي تقدم اليهم مما دفع السيد مبارك الفاضل المهدي الذي صرح في قناة الجزيرة بان مصنع الشفاء لصناعة الدواء البشري والبيطري كان يتشبه بان يكون مصنعا للمواد الكيماوية/ وقال ربما يكون هناك مصنع اخر -وبالرغم من ذلك جيء به ليلحس من عسل السلطان والسلطة عبر حزبه الجديد ماشاء الله.. هذا الكلام الغريب لو صدر من مسؤول في دولة اوروبية تحترم شعبها لتمت محاكمته امام القضاء ولكن السياسية عندنا ملعونة بنت معلونة.. بيع وشراء.. والشعب يتيم لا يريد ان يحرر نفسه بشكل كلي في ظل مؤسسات مجتمع مدني نفعية.

    الان جون قرنق عاد الى الخرطوم والاتفاقيات التي وقعتها الحكومة في ما عرف ب(اتفاق القاهرة) ربما يكون مجرد حلاوة قطن في فم الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي بعد نيفاشا لم نعد نعرفه ما اذا كان يطالب بالشريعة الاسلامية؟؟ ام بالشريعة العلمانية؟؟ لكن قرنق سجل اهداف نظيفة في شباك كل الاحزاب التي منذ ولدنا سمعنا باتفاقها على ان لا تتفق..


    العلمانيين القدامى من بقايا الشيوعي.. والبعثي... والناصري.. الذين كانو ودائما كالايتام على موائد اللئام ها قد اليهم ارواحهم المتعبة/ واصبحوا يتحلقون حول قرنق لانه حقق في اثنين وعشرين عاما ما لم تحققه العلمانية اليسارية والوسط يمينية على الاطلاق.. وهؤلاء العلمانيين السودانيين الذين تاهت بهم السبل لم يستفدو يوما من دروس الديمقراطية ولا يملكون الروح القتالية الاستشهادية.

    ذلك من الاستقلال وحتى تاريخ توقيع اتفاقية نيافاشا/ ولم ينظموا انفسهم يوما في كيان سياسي واضح/ له اهدافه/ ورؤاه/ تجاه قضايا الوطن..

    كانو فقط مجرد متفرجين او كمشة مقاتلين في اسمرا عين على مؤخرة الشارع و اخرى على خشم البندقة.. باستثناء بعض النخب المثقفة من الادباء الذين قبعوا داخل الوطن يعارضون ويدفعون الثمن اما البقية الباقية فوجدوا في جنة اوروبا عزاء لهم وبقية قصائد شعر وحفلات استقلال السودان وصوالين شبه مغلقة اتخمت بالفصاحة وحلو الكلام والان وبعودة جون قرنق للخرطوم عادت الارواح لهؤلاء العلمانيين بشكل صبياني اهبل.. دون ان يتفضلوا في هذا المنبر ويشرحوا لنا بالتفصيل الممل ما هو مشروع قرنق السياسي والثقافي والاجتماعي و الاقتصادي؟ وماهي نظرياته المختلفة السياسية؟ وفي اي مدونة قد دونها الدكتور قرنق؟؟ فقط فرح.

    ومبلغ ظني ان فرحهم هذا مرده -بتشديد الدال- ان قرنق بزعمهم وضع مناخير الاسلاميين في التراب.. وسنرى قادم الايام هل هذا صحيح؟؟
    ؟؟؟
                  

07-11-2005, 07:56 AM

عادل فضل المولى
<aعادل فضل المولى
تاريخ التسجيل: 11-28-2004
مجموع المشاركات: 2165

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وشرب دكتور قرنق القهوة بالمتمة. (Re: محمود الدقم)
                  

07-11-2005, 08:01 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8855

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وشرب دكتور قرنق القهوة بالمتمة. (Re: محمود الدقم)

    فضل المولى تحياتي:
    نعم هناك اخطاء املائية.. وشخصي الضعيف يكتب من جهاز في -الكافي -نت وليس.. من جهاز خاص بي في منزلي.. لكن المهم الان التوقف عند المضمون وليس القشور.. لك عاطر الود والتحايا.
                  

07-11-2005, 08:26 AM

بشير حسـن بشـير
<aبشير حسـن بشـير
تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 3420

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وشرب دكتور قرنق القهوة بالمتمة. (Re: محمود الدقم)

    هنيـــئا له قهــوة المتمـــه ،،،،،،
                  

07-11-2005, 08:40 AM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 30716

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وشرب دكتور قرنق القهوة بالمتمة. (Re: بشير حسـن بشـير)

    Quote: قهــوة المتمـــه

    وهل نساء المتمة هن أفضل نساء السودان وهل قهوة المتمة هى أفضل قهوة بالسودان!!!

    قهوة بأيدى سودانية شربها كارلوس الارهابي!!
    من استشرى الايدز كالملاريا بسببهم يجب ان يسدوا فمهم بالاحذية!!
    جني
                  

07-11-2005, 08:46 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8855

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وشرب دكتور قرنق القهوة بالمتمة. (Re: محمود الدقم)

    الاخ بشير: تحياتي وتشكر على المرور..

    جني:
    (لا تعليق)
                  

07-12-2005, 05:05 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8855

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وشرب دكتور قرنق القهوة بالمتمة. (Re: محمود الدقم)

    3-
    لا شريعة اسلامية بعد عودته:

    صحيح ان الاحزاب السودانية في اغلبيتها تدعي انها تنطلق من بعد اسلامي/ لكن البعد الطائفي هو الطاغي عليها الامة -الاتحادي- الجبهة الاسلامية- بالنسبة لهذا الثالوث كان يراهن على تطبيق الشريعة الاسلامية حال وصوله سدة الحكم/ وما ان صول الى مبتغاه حتى تناسوا امر الشريعة الاسلامية وكالعادة لم تتحرك القواعد الجماهيرية لهذه الاحزاب/ لانها في الاصل تعمل وفق سياسية الريموت -كنترول. واذا تحركت فانها تتحرك وفق تعليمات واوامر تصدر.. والغاية ليست الشريعة الاسلامية وضرورة تطبيقها.. بل الغاية تسجيل مكسب سياسي ما.. في مرمى الخصم الاخر.. وعلى هذا المنوال سارات وتسير الامور.

    لم تطبق الشريعة الاسلامية بشكلها الصحيح في السودان اللهم الا محاولات الامام محمد احمد المهدي في اواخر القرن التاسع عشر الميلادي/ الطائفية/ والجهوية/ والانحدارية الفكرية/ والتبعية العمياء/ للقواعد الجماهيرية للناس ساهمت في تعزيز ذلك وبشكل غريب جدا.

    في نيفاشا لا ندري بالضبط ماذا حدث حول امر الشريعة الاسلامية؟ والى مدى تمت تجميدها؟ وهل حقا تم تجميدها؟؟ ام لا؟؟ لكن الناس تعرف تماما اثنين لا يجتمعان في سقف واحد فكر الدكتور قرنق- وفكر الشريعة الاسلامية.

    جون قرنق يرفض الشريعة الاسلامية من الالف والى الياء/ وحزب المؤتمر الوطني ليس بين يديه ما يقدمه/ فاللاعب الكبير الامريكاني يريد تخليص المسالة- والمشهد العراقي مازال ماثلا للكل ولاسيما اختلاع صدام حسين من بالوعته النتنة/ وهناك حرب شعواء ضد الارهاب -الاسلام- والخرطوم عليها ان تحدد موقفها مكافحة الارهاب/ ام لا؟؟

    الوفد المفاوض او الاستاذ على عثمان محمد طه راى ان يشرك بقية القوى الاسلامية /الاخوان المسلمون/ انصار السنة/ السادة السمانية/ ولفيف اخر من الطرق الصوفية/ احب ان يشركهم في المحنة وتم استداعائهم بالطائرة الى نيافشا الوفد لم يحسم المسالة تماما وترك الامور حال عودة قرنق الخرطوم مع ضرورة شرعنة الخرطوم بالاسلام..

    ربما هناك خفايا واسرار في هذه القضية من قبل حزب المؤتمر الوطني ام الحركة الشعبية فكان رايها واضحا- لا شريعة في الشمال- بالرغم من الاغلبية الغالبة من سكان الشمال مسلمون.. وهكذا صفعة جيدة سددها السيد..جون قرنق لوجهه حزب المؤتمر الوطني الحاكم..لا شريعة اسلامية في الشمال او الجنوب او الشرق او الغرب واول هذا الخلاف برز في وضع (صيغة بسم الله الرحمن الرحيم) التي اعترضت عليها الحركة في احدى مداولات مناقشة دستور البلاد المرتقب.

    وضوح قرنق في موقفه من الشريعة الاسلامية- وغموض المؤتمر الحاكم.. سيثير ويسيل لعاب قوى التطرف الديني في الخرطوم وما حولها انطلاقا من نظرية {عقيدة الولاء والبراء والاعذار لله وضرورة تغير المنكر باليد} باعتبار ان قرنق -في نظر هؤلاء المتشددين- يعتبر راس حربة للصليبية العالمية التي تريد سلخ السودان من محيطه العربي- والاسلامي.. وزجه في جغرافيا افريقية من منهج علماني.. ولعل فتوى تحريم الانضمام الناس الى الحركة الشعبية اول بادرة في هذا الاتجاه- ولعل هناك بودار ايضا في الطريق مقبل الايام او الاسابيع او الاشهر القادمة .

    مشاريع قرنق العلمانية تراهن الحكومة على اسقاطها من داخل قبة البرلمان.. اذ ان للحزب اغلبية ولكن من يكبح جماع متشددي خارج البرلمان؟؟؟ عودة قرنق سوف تغذي وتنمي العداء للمسيحية الافريقانية/ مقابل الاسلام العروبي/ وبالتالي سوف يتم خلط الديني بالعرقي وهذه كارثة في حد ذاتها..
                  

07-13-2005, 05:48 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8855

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وشرب دكتور قرنق القهوة بالمتمة. (Re: محمود الدقم)

    up+up
                  

07-14-2005, 06:37 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8855

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وشرب دكتور قرنق القهوة بالمتمة. (Re: محمود الدقم)

    في مداخلتنا السابقة في ذات البوست كم تمنيت من منسوبي الاتحاد الديمقراطي/ والامة/ والعلمانيين/ وغيرهم/ ان يدولو بدلوهم فيما طرحناه ولكن(....).. نعود ونكمل بقية البقية من المقال:

    4- تفسخ القوقعة من الداخل وطرد الباعة من الهيكل:

    نعلم ان السودان بلد متعدد الاعراق والثقافات وهناك ان هناك تعدد عرقي كائن وتنوع ثقافي غير واضح بالرغم من ان الثقافات المحلية تمارس فقط في محيطها المحدود.. وبعودة قرنق للخرطوم نجد ان مخاوف القوى الاسلامية تزايدت من مشروع قرنق الغير واضح خصوصا وان قرنق شمولي في اطروحاته براي الدكتور حيدر ابراهيم الذي يقول في هذا الصدد(ومما يرجح احتمال غلبة التوجه الشمولي ما نجده في خطاب الحركة السياسي وفي مواقف منظرها والمستشار السياسي للعقيد جون قرنق. ويمكن القول ان الحركة الشعبية وقائدها نموذج سوداني لحكام ونظم افريقية تعتبر جديدة في نظر الغرب يمثلها موسيفيني وكابيلا وزيناوي وافورقي. فهم قد لا يكونوا ديمقراطيين ولكنهم قادرون على تحقيق التنمية والاستقرار والاهم من ذلك بعيدون عن الفساد الذي وسم جيل موبوتو وكينياتا وعيدي امين).

    مظاهر التمرد لمثقفي الشمال الاسلاميين اعلنه الاستاذ إسحق فضل الله في صحيفة "الأنباء".. اذ انه حذر من بوسنة اخرى بالخرطومخطة "جنوبية" لتصفيات عرقية ومذابح في الشمال.. والخرطوم ستكون سربرنتسا !!!! وربما يكون في طرحه شيء من المبالغة/ وشيء من الواقعية.. المبالغة تكمن ان قرنق بشكل عام وبالرغم من شموليته يحب الانصات الى الغير.. وسوف يحاول قدر الامكان تطبيق اتفاقية نيفاشا واستنزالها الى ارض الواقع.

    وتمكن الواقعية في كلام يحي فضل الله ان اي تلاسن او تراشق او هزة امنية بالخرطوم من قبل قوات قرنق ربما تتطور في اتجاه سلبي يقود الى التكهن بنتائج سالبة تطال المشهد السياسي.. والعرقي.. والثقافي.. والاجتماعي.. برمته/ وعلينا الاخذ بعين الاعتبار ان الجماعات الاسلامية المتشددة سوف تكون بالمرصاد لمشروع قرنق الذي رحل به شمالا في واقع اجتماعي لم يتعود ان يحكم من قبل جنوبي ينهي ويامر كما في حالة قرنق او الحركة الشعبية.

    او اول مظاهر تفسخ القوقعة :
    1-الاجتماع الذي عقد بين القائد فاولينو ماتيب والدكتور قرنق قبل ثلاثة ايام تقريبا من كتابة هذه الاسطر اذا طالب ماتيب بحصته كاملة من عادات نفط الجنوب/ وقرنق سلفا يعلم ان ماتيب والى ما قبل من السابع من يوليو تاريخ تنصيبه نائبا للرئيس.. انه اي -ماتيب- حليف قوي لحكومة الشمال وان بين يدي ماتيب عشرات الالاف من المقاتلين الذي كم من مرة اصتطدموا بقوات الحركة الشعبية وبعيد توقيع الاتفاقية سحبت الحكومة دعمها لقوات ماتيب والحقته بحكومة جنوب السودان المرتقبة وهذا بدوره يجعلنا نتساءل اين سيكون موقع ماتيب من حكومة جنوب السودان؟؟ علما ان فاولينو والمقربين منه لا يرضون بالمناصب القليلة في ظل وجود عداوات تاريخية بين النوير والدينكا تعود الى ازمنة الزبير باشا.

    2- ثاني تحد ربما يفسخ القوقعة من الداخل ان جون قرنق لا يولي الديمق راطية والتحول الديمقراطي كبير التفاتة.. فالديمقراطية بنظرة اولوية ثانية في مشروعه الذي اتى به الى الخرطوم والاولوية الاولى هي التنمية وهو كلام مقبول لحدما اذا كنا نقصد به هوامش السودان الجنوب -والغرب- والشرق- وبعض اطراف الشمال- لكن في اتفاقية نيفاشا نجد ان قرنق بلع كلامه هذا كونه كان يدعو منذ دخوله الغابة الى اخذ حقوق الهامش السوداني ليفاجاء ذات الهامش السوداني ان قرنق اخذ نصيب الهامش الجنوبي فقط.. وتخلى عن بقية الهوامش لحكومات الشمال وهذا يعتبر اول تخلي واضح لمشروع قرنق كونه وحدودي من هنا نتساءل هل تخليه عن الديمقراطية هذه سوف يكون ايضا على حساب الشمال ايضا الذي اقل سوءا من بقية هوامش السودان? وجديرا هنا ان انقل ما قاله قرنق بخصوص تجميده الديمقراطية اذ قال («إذا ذهبتم الى الريف، الى يامبيو أو ياي مثلاً، وتحدثتم الى مزارع هناك عن القوى الحديثة في الشمال فهو لن يفهم عما تتحدثون. وإذا تحدثتم إليه عن الديمقراطية سيقول: ما نوع هذا الحيوان»)-كتاب: جون قرنق - رؤيته للسودان الجديد - القاهرة - 1998 - ص87-.

    3-التحد الثالث الذي سيواجه الشماليين سواء كانوا علمانيين او اسلاميين ان الطاقم الذي يعتمد عليه الدكتور جون قرنق ايضا شمولي باميتاز ونقصد الدكتور منصور خالد الذي يتناسق مع شموليته هذه كما راي الدكتور حيدر ابراهيم وهذا سوف يجعل عملية التحول الديمقراطي التي ينتظرها علمانيي الشمال الذين فشلوا فشلا ذريعا في الايتان بها منذ عقود خلت في موضع لا يحسدون عليه وهذا بدوره سوف يغذي وينمي قوى التطرف الديني بشمال السودان في توكيد ان قرنق راس حربة صليبية ليس الا..

    4-من جهة اخرى نجد ان الدكتور الترابي ابو القانون بالسودان يرفض الدستور من الالف الى الياء ويرى الترابي ان هذا الدستور لم يعطي الشريعة الاسلامية حقها كاملا وبالتالي نجده اتخذ طريق المعارضة وهو طريق يعرف الترابي جيدا كيف يلعب به ضد انصار الحكومة وضد العلمانيين وبملف الشريعة الاسلامية يمكن للترابي وانصاره ان يحركوا الشارع السوداني باكمله في وجهه حكومة البشير قرنق وهذا بدوره سيغير قوى اليمين المتشدد من التعبير عن سخطها لهذا الدستور..

    5-اضافة الى ذلك البعد العرقي الشعبوي لقطاعات كبيرة من ابناء الشمال ويشمل حتى النخب الصفوية التي ترى ان سيطرة قرنق على حكومة الشمال بهذا المستوى غير مقبول وهي نظرية عنصرية متمثلة في المجتمع السوداني شمالا وبنفس المقدار جنوبا من قبيل نظرية (كما تراني ياجميل اراك) ولعل هناك تيار الان داخل حزب المؤتمر الحاكم طالب ابان انعقاد جولات نيفاشا بعودة الاستاذ على عثمان .م .طه.. من نيفاشا ولينفصل الجنوب عن الشمال من رمبيك بدلا ان ينفصل الجنوب عن الجنوب من الخرطوم.

    واني ارى ذلك كامن وراء اغطية عرقية عنصرية عودة قرنق للخرطوم سوف تجعل اليمين السوداني ممثلا في انصار السنة الاخوان المسلمين التحرير الاسلامي بعض اقطاب حزب الامة والاتحاد في خندق واحد.. لان قضية الشريعة الاسلامية براي هذه التيارات اصبحت محل محك والواجب الديني يمليء عليهم ايقاف هذا العبث..

    6- المؤسسة العسكرية بالسودان ربما تكمح جماح غضبها لاجل مسمى اذا اصبح السيد اسياس افورقي عاقلا وجلس على الارض اما اذا تمادى في استفزازته شرقا تحت غطاء دعمه لقوات التمرد الدارفورية وثوار الشرق كي يسلب كسلا فلا اعتقد ان المؤسسة العسكرية بالخرطوم سوف تنتظر قرنق ان يسمح لها بالدفاع عن التراب السوداني خصوصا اذا علمنا ان قرنق صديق حميم للسيد اسياسي افورقي.. اخيرا جون قرنق جاء الى الخرطوم كي يصتطاد ارنب لكنه اصتطاد فيل.. وفيل ضخم جدا.. حكومة جنوب السودان.. ونسبة كبيرة من عادئدات نفط الجنوب.. ومشاركة فاعلة في الخرطوم.. وعمله الدؤوب لضم ابيي الى بحر الغزال.. وتخليه عن تجمع المعارضة السوداني باسمرا عمليا ودعمه له نظريا.. وربما عملة{ خاصة} بالجنوب.. واي قرار حرب يتخذه البشير يكون لا معنى له اذا لم يرضى عن ذلك العقيد قرنق... ودستور علماني في اغلبية تدين بالثقافة الاسلامية.. لقد اصتطاد فيلا ثمينا..
    _________________________________________________
                  

07-14-2005, 07:16 AM

A.Razek Althalib
<aA.Razek Althalib
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 11818

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وشرب دكتور قرنق القهوة بالمتمة. (Re: محمود الدقم)

    محمود الدقم...
    تحية وتقدير..
    ذكرت..
    Quote: وربما يكون في طرحه شيء من المبالغة/ وشيء من الواقعية.. المبالغة تكمن ان قرنق بشكل عام وبالرغم من شموليته يحب الانصات الى الغير.. وسوف يحاول قدر الامكان تطبيق اتفاقية نيفاشا واستنزالها الى ارض الواقع.




    أكيد




    أكيد..
                  

07-15-2005, 04:34 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8855

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وشرب دكتور قرنق القهوة بالمتمة. (Re: محمود الدقم)

    عبدالرزاق الطيب:
    التحيات الذكيات وبعد اشكرك لك حضورك وتفاؤلك بعودة السلام وياريت لو فصلت -بتشديد الصاد- رايك باريحية اكثر.. اتابع ما تكتب وسوف ادلو بدولي متى ما سمح لي وقتي. لك جزيل الشكر.
                  

07-16-2005, 05:17 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8855

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وشرب دكتور قرنق القهوة بالمتمة. (Re: محمود الدقم)

    Last Update 15 يوليو, 2005 08:15:19 AM

    توقعات باغتيال جون قرنق

    قيادات سودانية تتوقع طلاقا بائنا سريعا بين عنصري الحكومة الانتقالية


    علي الحاج

    العربية: دبي:

    توقعت بعض القيادات السياسية السودانية أن تؤول الحكومة الانتقالية الممثلة في ثنائية المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الشعبية، إلى خلافات سريعة بسبب التباين الكبير بين مشاريعهما، مما قد يؤدي في النهاية إلى حدوث طلاق بائن سريع، خاصة أن الشعبية ذات ميول أفريقية وعلمانية، بينما المؤتمر الوطني هو صاحب مشروع إسلامي عروبي.

    وذهبوا إلى التشكيك في قدرة الحكومة الانتقالية على انفاذ ما نصت عليه اتفاقية نيفاشا من حيث اقرار الحريات العامة، والغاء حالة الطوارئ في الوقت الذي يتمتع فيه جهاز الأمن السوداني بصلاحيات الاعتقال لمدة تصل إلى 9 أشهر دون تقديم أية أسباب.

    وأشاروا في تصريحات لـ"العربية.نت" إلى احتمال تعرض زعيم الحركة الشعبية جون قرنق الذي يشغل الآن منصب نائب أول لرئيس الجمهورية، لمحاولة اغتيال سواء من خصومه في الفصائل الجنوبية المسلحة، أو من أنصار التيار الاسلامي المتشدد في الشمال.

    وكانت مجموعة من علماء السودان أصدرت فتوى بتكفير أي مسلم ينضم إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان، في حين رهن البعض نجاح الشراكة بين خصمى الماضي بنبذهما الثنائية، وفتح الباب أمام كافة القوى السياسية السودانية للمشاركة في الحكم.

    واستبعد على الحاج نائب رئيس المؤتمر الشعبي المعارض في السودان نجاح الاتفاق الثنائي بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني الحاكم، قائلا إن الاتفاق بينهما يحمل في ثناياه " بذور الخلاف" وأن مؤسسة الرئاسة الثلاثية بين البشير ونائبيه جون قرنق وعلى عثمان تؤكد هيمنة المؤتمر الوطني على مفاتيح اصدار القرارات الحكومية.

    وأوضح أنه في حال الخلاف بين البشير ونائبيه جون قرنق وعثمان طه حول مشروع قرار، فإنه سيحال إلى البرلمان الذي تهيمن عليه أغلبية من المؤتمر الوطني.

    ونصت اتفاق نيفاشا بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني على أن ينال المؤتمر نسبة 52% مقابل 28% للحركة و14% لكافة القوى السياسية الشمالية و6% للقوى الساسية الجنوبية.

    وقال الحاج في تصريحاته لـ"العربية.نت" إن نجاح اتفاقية نيفاشا بين المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الشعبية، يتوقف على نبذ الثنائية وفتح الأبواب لكل القوى السياسية السودانية لتتحاور في قضايا "الوطن" بغية التوصل إلى اجماع وطني، مشيراً إلى أن المؤتمر الوطني لا يمثل شمال السودان، والحركة الشعبية لا تمثل جنوبه.

    وشكك على الحاج في مصداقية الحكومة الانتقالية في انفاذ بنود اتفاقية نيفاشا، في اشارة إلى مانصت عليه الاتفاقية بالغاء حالة الطوارئ، منوها بأن" قانون الطوارئ ألغي بقرار من رئيس الجمهورية، بينما مازال جهاز الأمن له الحق في ان يعتقل أي شخص لمدة 9 أشهر بدون توجيه تهمة، وكأن الحكومة أعطت شيئاً باليمين وأخذته بالشمال".

    ولم يستبعد أن يتعرض جون قرنق لمحاولة اغتيال من خصومه ، آملا أن لا يحدث ذلك .."حتى لا تدخل البلاد في دوامه أخرى من الاحتراب والتصفيات الجسدية".

    لكن بول ميوم القيادي البارز في الحركة الشعبية أكد أنه لا مجال لفشل الثنائية، لأن اتفاقية نيفاشا عبرت عن هموم الشعب السوداني، ووضعت كافة الحلول لمشاكل السودان، لكنه يرى أنه في حال حدوث خلاف بين طرفى الشراكة في أية قضية فهناك هامش للخلاف والتوافق.

    وعبر مبيوم لـ"العربية.نت" عن دهشته لما شاع في بعض الأوساط بأن يتعرض زعيم الحركة الشعبية لمحاولة إغتيال سواء من خصومه في الفصائل الجنوبية المسلحة، أو من متشددين اسلاميين في الشمال، مستبعدا حدوث ذلك ومتهماً مرويجيه بأنهم أعداء لوحدة السودان ومصلحته.

    وكانت حكومة الخرطوم أوقفت في الأسبوع الماضي عند حدود مدينة كسلا في شرق السودان لواء عسكريا للحركة الشعبية مكونا من 1500 جندي وضابط عندما كان في طريقة إلى الخرطوم لاستقبال زعيم الحركة.

    لكن ميوم لم ير في ذلك افتقادا للثقة بين طرفي الشراكة .." ما حدث هو سوء في التسنيق بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، وكان من المفترض أن يصل اللواء العسكري قبل وصول جون قرنق بفترة طويلة وقد تقبلنا موقف الحكومة".

    ومن جانبه يقول بابكر عبد السلام أحد مؤسسي تنظيم "منبر السلام العادل" الذي يدعو إلى فصل الشمال عن الجنوب إن الاتفاقية بين طرفي الحكم سيكون مصيرها الفشل لأن الطرفين غير قابلين للاختلاط لتناقض مشاريعهما، وإختلافهما الايديولوجي.

    وتوقع حدوث تضارب وتصادم في قضايا الحكم والاتفاقية بين طرفي الشراكة، لأن الاتفاقية بها كثير من التفاصيل التي تؤكد انعدام الثقة بينهما، في الوقت الذي توجد قضايا كثيرة لم تحسم بعد في الاتفاقية تعتمد في الأساس على توافر الثقة بين الطرفين.

    ويضيف عبد السلام أن الحركة الشعبية لا تمثل الجنوب وتواجهها مشاكل قبلية " هائلة" في الجنوب، وفصائل مسلحة تتراوج بين 25 إلى 30 ألف مسلح. مستطردا بأن الوضع في الشمال لا يقل سوءاً عن الوضع في الجنوب، بالاضافة إلى أن مشاكل التنمية في الشمال، كما أن الحرب مستمرة في الشرق ودارفور.

    ويعتبر عبد السلام وهو أحد دعاة انفصال الشمال عن الجنوب، أن اتفاقية نيفاشا حرمت مناطق اخرى في السودان من حق تقرير المصير"، مطالبا الحركة الشعبية بإعتبارها حزب سياسي أن تتخلى عن جيشها.. " من غير المنطقي أن يكون هناك جيشان في آن واحد، فتمسك الحركة بجيشها خير تعبير عن انعدام الثقة بين الطرفين".

    وأشاد بموقف الحكومة في ايقاف الكتيبة التابعة لقوات الحركة الشعبية، ومعهم 14 دبابة، ومعدات عسكرية ضخمة، واجبرتهم قوات الحكومة على التوقف، وضم المعدات والكتيبة للقوات المسلحة السودانية، لكنه يرى أن ما حدث يؤكد إنعدام الثقة بين طرفي الشراكة، ويمكن ان يحدث في مناطق اخرى مثل مناطق البترول أو مناطق السلطات الضرائبية.

    واستبعد عبد السلام إغتيال قرنق .. " ثقافة أهل الشمال وقبائله تخلو من فكر الاغتيالات.. لو حدث ذلك سيكون كارثة على شمال السودان، لأنه سيكون المتهم الأول".

    ومن جانب آخر نفى نائب رئس التجمع الوطني المعارض الفريق عبد الرحمن سعيد في تصريحات لـ "العربية.نت" ما تردد في وسائل الاعلام عن توجه وفد التجمع الوطني الدميقراطي برئاسته يوم السبت القادم لاستكمال المفاوضات مع الحكومة السودانية، بشأن بعض الموضوعات المعلقة التي تم بحثها بعد توقيع " اتفاق القاهرة" في الشهر الماضي.. " نحن في إنتظار إشارة الحكومة ولم تصلنا أية اشارة من الحكومة بذلك".

    وأردف أن مشاركة التجمع في الحكومة مرتبطة بإنفاذ اتفاق القاهرة، معبرا عن أمله في وفاء الحكومة بما وعدت به. وأضاف سعيد أن التجمع لا يربط مشاركته في الحكومة بنسبة مشاركته في السلطة.

    و تعتبر الحرب الأهلية في الجنوب بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان أطول حرب شهدتها القارة الافريقية، إذ استمرت 22 عاماً، وراح ضحيتها نحو 2 مليون سوداني من الطرفين. وكانا قد توصلا بعد عدة جولات من المفاوضات برعاية دول الايقاد والقوى الدولية متمثلة في الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، إلى الاتفاق المعروف بإتفاق "نيفاشا".

    وسيصبح هذا الاتفاق إلى حد كبير، المرجعية الدولية للقضية السودانية، بإعتباره الوليد الشرعي لكل القوى الدولية والاقليمية التي رعته وبرمجته وبذلت في سبيل التوصل اليه الكثير من الجهود، واعتمدت له التمويل وخبراء واختصاصين وباحثنين لدراسة وتحليل أبعاد الحالة السوادنية، وعلى ضو تلك الدراسات طرحت الحلول والرؤى التي أدت إلى اتفاقية نيفاشا بإعتبارها أفضل نموذج لحل مشاكل دولة المليون ميل، إشارة إلى كونها – السودان – أكبر دولة في أفريقيا من حيث المساحة.)
    source:sudaneseonline.com


                  

07-16-2005, 06:14 AM

أحمد الشايقي
<aأحمد الشايقي
تاريخ التسجيل: 08-08-2004
مجموع المشاركات: 14611

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وشرب دكتور قرنق القهوة بالمتمة. (Re: محمود الدقم)

    الأستاذ محمود الدقــم


    شكرا للتحليل الموضوعي والمتجرد والذي احتوى على الكثير من الرؤى الواقعية ومن الظلم بمكان لجهد الكاتب أن يدعي المرء التعليق على ماورد لغزارة ما احتوى من وقائع ورؤى لكنني أخلص إلى نقطتين لا بد من الإضاءة حولهما

    الأولى

    هي فشل الأطراف الشمالية في التوصل لصيغة تفاهم وبرامج حد أدنى مما جعل المركز يعاني من حروب شمالية شمالية تمثلت في حروب عسكرية من الجهات الثلاث عدا الجنوب لا تزال تستعر وحرب سياسية من قوى الداخل الحزبي تقلل من قوة وصلابة الجبهة الداخلية وتزعزع ثقة الحكومة السودانية في ارتكازها على واقع التأييد الجماهيري.

    الثانية

    هي تمحور المعارضة الشمالية القادمة في قضية الهوية العربية الاسلامية والتي يعبر عنها السياسيون بقضية تطبيق الشريعة الاسلامية وهو تمحور يقود أكثر الأحزاب اعتدالا كحزب الامة مثلا لاثارة هذه القضايا وللتحالف مع المؤتمر الشعبي والقوى اليمينية الأخرى مما يعني تعرض المؤتمر الوطني الحاكم مستقبلا لابتزاز كبير يطعنه في مقتل التخلي عن مبررات وجوده ويفقده شرعيته وقداسته أمام مؤيديه المقاتلين الأساسيين ووقود الحرب التي وضعت أوزارها أمام الحركة الشعبية وقوى التجمع.

    إن هشاشة القوى الشمالية التي أشرنا إليها في النقطة الأولى تجعل معادلة الشمال الجنوب التي بدت واضحة في استحقاقات نيفاشا معادلة مختلة لصالح الجنوب المحمي دوليا والواضح في اطروحاته بما يؤدي لكسب كاسح لصالح الحركة الشعبية يجعل كل عناصر القوة في يدها من ثروة وسلطة وزخم جماهيري يحيل جموع المسلمين (الأفارقة), على الأقل, لصالح الحركة الشعبية في شرخ مؤسف لواقع استمر بالسودان لعدة قرون خلت ويخلق واقع تحالف تقوده النخبة المسيحية الجنوبية قد يتوصل لحكم البلاد على نسق الحزب الحاكم في اريتريا والتي تعد نفسها للحرب التي ستخدم هذا التحالف بسيناريو لا يتضح الان ولكنه في طريقه للتنفيذ

    ثم أن اقحام الشريعة في معركة المواجهة مع الحركة الشعبية لا شك سيضعف من المؤتمر الوطني ويقود لاحداث مأسوية اذا ما استهوت دعاويه الشباب المهوسيين والذين لم يعتادوا ولم يتعرضوا لاحترام القانون كونهم هـم الذين مثلوا السلطة والقانون ونفذوا رغباتهم على رقاب السودانيين شماليين وجنوبيين لعقد ونصف من الزمان.

    لا يمكن ولا يتسنى لوم الفئات الشمالية المسلمة والعلمانية على حد سواء فالشمولية الاسلامية المتمثلة في الانقاذ هي التي دفعتهم لهذه الاوضاع وهي الانقاذ التي لم تدخر وسعا في التنكيل بخصومها وتعذيبهم وقطع ارزاقهم بتطرف وقسوة لم يعهدها السودانيون على أيدي الاستعمار الانجليزي أو حتى التركي

    في تقديري أن الحلول هي بيد الإنقاذ التي عليها أن تتعلم من التجارب فتمضي في اتجاه الحلول مع القوى الشمالية أولا برفع المظالم والاعتراف والمصالحة الشاملة والسخاء في احتضان القوى الشمالية وممارسة العلاقات العامة على نطاق واسع أسري وشعبي وجماهيري والمضي في تضميد الجراح بدارفور والشرق والشمال واعتماد التنمية الاسعافية الشاملة وتبني السماحة الاسلامية في مواجهة اتهامها بالتخلي عن الشريعة الاسلامية


    بوسع المؤتمر الوطني استلاف تطهرية الصوفية السودانية وكرمها ولو مرحليا واستصحاب ادبيات الدعوة بالحسنى التي ذخرت بها ادبيات الأخوان في مراحلهم الأولى وسيكون هذا خير معين لها على تضميد الجراح وعلى تدجين الكوادر الغاضبة من رؤية الاندلس السوداني الاخير


    بالطبع لن يتسنى ذلك ولا تتوفر له الأرضية اللازمة حاليا في وجود مؤشرات باطلاق الكوادر في حصب مقرات الاحزاب بالحجارة كما حدث بدار الاتحادي الديمقراطي وباحراق الجامعة الأهلية في السيناريو المؤسف الذي جرى قيده ضد مجهول وفي التردد والمطمطة في التفاوض على عودة التجمع وغلق مقراته بينما تفتتح الحكومة المقرات الفاخرة للمؤتمر الوطني بكل العالم بما فيه جزر الواق الواق

    في هذه الأوضاع يبقى القائد المخلص قرنق وزوجته الحنون ماما ريبيكا هم الحضن الأكثر دفئا سواء صدق هذا الحضن أم غرر بالشماليين على المدى الطويل


    ليت قومي يعلمون استاذ الدقم

    خالص تحياتي
                  

07-17-2005, 03:47 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8855

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وشرب دكتور قرنق القهوة بالمتمة. (Re: محمود الدقم)

    الاستاذ احمد الشايقي تحياتي:
    تشكر على المداخلة الموضوعية التي اعتقد اننا متفقين في الكثير من وجهات النظر من حيث التشخيص/ طبعا المرحلة القادمة ستحددت فيها الكثير من المعطيات لكن الدكتور جون قرنق لا يعتبر العمل والتحول الديمقراطي من اولوياته انيا ولقد استشهدت في مقالي اعلاه بعض من متقطفات كتابه.. علاوة على ان الصراع الجنوبي -الجنوب والشمالي -الشمالي بدا يطفوا على السطح مما يجعل الحكم الثنائي الجديد كما اسماه بعض الساسة السودانيين محل محك ولا رايك شنو؟

    تشكر مرة اخرى على الاطلالة وكنت اتمنى من منسوبي الامة والاتحادي الديمقراطي ان يدولو بدلوهم في الموضوع لان هناك كمية من النقد قد وجه اليهم..
                  

07-17-2005, 05:36 AM

aymen
<aaymen
تاريخ التسجيل: 11-25-2003
مجموع المشاركات: 708

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وشرب دكتور قرنق القهوة بالمتمة. (Re: محمود الدقم)

    Dear Mahmood salamat,

    You wrtoe
    Quote: 2- ثاني تحد ربما يفسخ القوقعة من الداخل ان جون قرنق لا يولي الديمق راطية والتحول الديمقراطي كبير التفاتة.. فالديمقراطية بنظرة اولوية ثانية في مشروعه الذي اتى به الى الخرطوم والاولوية الاولى هي التنمية وهو كلام مقبول لحدما اذا كنا نقصد به هوامش السودان الجنوب -والغرب- والشرق- وبعض اطراف الشمال- لكن في اتفاقية نيفاشا نجد ان قرنق بلع كلامه هذا كونه كان يدعو منذ دخوله الغابة الى اخذ حقوق الهامش السوداني ليفاجاء ذات الهامش السوداني ان قرنق اخذ نصيب الهامش الجنوبي فقط.. وتخلى عن بقية الهوامش لحكومات الشمال وهذا يعتبر اول تخلي واضح لمشروع قرنق كونه وحدودي من هنا نتساءل هل تخليه عن الديمقراطية هذه سوف يكون ايضا على حساب الشمال ايضا الذي اقل سوءا من بقية هوامش السودان? وجديرا هنا ان انقل ما قاله قرنق بخصوص تجميده الديمقراطية اذ قال («إذا ذهبتم الى الريف، الى يامبيو أو ياي مثلاً، وتحدثتم الى مزارع هناك عن القوى الحديثة في الشمال فهو لن يفهم عما تتحدثون. وإذا تحدثتم إليه عن الديمقراطية سيقول: ما نوع هذا الحيوان»)-كتاب: جون قرنق - رؤيته للسودان الجديد - القاهرة - 1998 - ص87-.

    3-التحد الثالث الذي سيواجه الشماليين سواء كانوا علمانيين او اسلاميين ان الطاقم الذي يعتمد عليه الدكتور جون قرنق ايضا شمولي باميتاز ونقصد الدكتور منصور خالد الذي يتناسق مع شموليته هذه كما راي الدكتور حيدر ابراهيم وهذا سوف يجعل عملية التحول الديمقراطي التي ينتظرها علمانيي الشمال الذين فشلوا فشلا ذريعا في الايتان بها منذ عقود خلت في موضع لا يحسدون عليه وهذا بدوره سوف يغذي وينمي قوى التطرف الديني بشمال السودان في توكيد ان قرنق راس حربة صليبية ليس الا..


    You know that the peace agreement has stated very clearly that fair democratic election will be held in 3 years after its implantation and not later than 4 years. The details goes as such: in the third year elections in the municipality’s level will be held, then in the state’s level, then the national parliament and at last at the presidency level. I think any talk about the totalitarian or democratic personality of any person (Garang, Bashir, Ali Osman,…) should not be relevant unless that person or its political body deliberately ( or even unintentionally) does something that jeopardise the process of democratic transformation. With democratic transformation I mean the democratic election as well as all the other civil rights that are mandatory for any just democracy.
    Having that in mind, I would very much like you to tell us what incidents you see as indicators that may lead to the exclusion of one of the major achievements of the peace agreement: (the democratic transformation): at least as far as the North is concerned, as for the South cessation the war and the killing is undoubted the main achievement.

    PS: Some members of the Umma Party in this board keep asking about the features of the (New Sudan) and some show worries for what will happen with people advocating the Old Sudan. Well, the New Sudan is a change of the system ( political, social, ..etc) and mentalities. I am not mentioning this here because you are a member of the Umma, but to emphasize that personality analysis is irrelevant as far as the person himself is playing according to th new rules of the game

    (عدل بواسطة aymen on 07-17-2005, 06:16 AM)

                  

07-17-2005, 06:34 AM

aymen
<aaymen
تاريخ التسجيل: 11-25-2003
مجموع المشاركات: 708

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وشرب دكتور قرنق القهوة بالمتمة. (Re: aymen)

    Dear Ahmed Alshaygi

    So, you think that the Garang will get the support of the (African) muslims just because he himself is African and not because he is the best available option for them to realize their dreams in a fair share in power (with all the economical and social consequences). And thus, you are calling the Ingas to correct its methods just to prevent that, although such correction would- in itself- eventually lead to elimination of this ethic strain. My impression is that you are mixing the causes with the results. In addition, ethnicity has its strong presence in your analysis.
    By the way, if you happen to read what the late ( Mohammed Abu ALgasim Haj hamad) wrote about advocating the preservation the Ingas to maintain the influence of the (Centre), how far do stand from his ideas.

    Thanks
                  

07-19-2005, 07:08 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8855

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وشرب دكتور قرنق القهوة بالمتمة. (Re: aymen)

    الاخ ايمن تحياتي:
    وتشكر اولا على المداخلة الموضوعية
    -ان عملية التحول الديمقراطي التى تراهن على الثلاث او الاربعة سنوات مناسبة لغرس وزرعها هذا ممكن اذا كنا نتعاطي في ثقافة ليبرالية الاقتصادي والسياسة وان هناك اسس متينة لاقتصاد ومقوماته وهذا على الاقل غير متوفر الان ولن يكون بهذه الطريقة قيد التوفير لاسيما ان الخلافات الان بدات تهددت اتفاقية نيفاشا وان الانتخابات التي تشمل البلدية او الولايات... الخ/ كخطوة اولى ايضا يمكن ان تكون مقبولة نظريا لانها ستتم في الاطار القبلي اولا ولاسيما في الاطار المدني المتعدد الاعراق والثقافات.بالنسبة لقولك:
    I think any talk about the totalitarian or democratic personality of any person (Garang, Bashir, Ali Osman,…) should not be relevant unless that person or its political body deliberately ( or even unintentionally) does something that jeopardise the process of democratic transformation.

    -اعتقد انني طرحت نماذج اتيحت لها الفرصة ان تعبر عن برامجها بشكل او باخر باستثناء قرنق لاننا نجهل برنامجة السياسية العملي لكن شخصيته العامة واستبداده مع رفاقه في السلاح وديكاتوريته تعطيك انطباع بانه شمولي مع نفسه ومع حركته بالرغم من حله -بتشديد اللام- لها وما جاء في تصريحاته التي اتيت على ذكر بعضها تكفي .

    -بخصوص ان الديمقراطية تعتبر ضامنة وملزمة لحقوق المدنين عبر الانتخابات هذا امر تم اختباره في الماضي مع الاحزاب اياها والنتيجة الان بين ايدينا واضحة هذا لايعني انني انزع نحو العسكرتاريا بل اقصد ان قد ان الاوان لهذه الاحزاب ان تعيد برمجة نفسها بشكل جذري وهذا ما كنت ادعو به منذ زمن ليس بالقريب.

    -القلق على التحول الديمقراطي بالشمال وتوقفها بالجنوب هذا حاصل وكما اشرت بسبب الحرب ولكن القلق هنا وحده غير ذي جدوى دون العمل على البحث في الاسباب الكائنة وراءه..
    اما عبارتك الاتية:
    am not mentioning this here because you are a member of the Umm
    فحقيقة لست ادري ما المقصود بها لكني وكما عبرت عن نفسي من قبل انني لا انتمي الى اي حزب سياسي.
    - بخصوص بعض اعضاء عضوية حزب الامة بالمنبر منهم من هو يتساءل عن مستقبل السودان ومنهم من هو حذر او شي من هذا القبيل اتفق معك في هذا الامر لكنهم اريد ان اسمع رايهم وموقفهم من التطورات المذهلة التي تلف البلد هذه الايام.

    -واتفق معك في قولك (the New Sudan is a change of the system ( political, social, ..etc)
    تشكر مرة اخرى على تداخلك معنا
                  

07-17-2005, 08:01 AM

حامد بدوي بشير
<aحامد بدوي بشير
تاريخ التسجيل: 07-04-2005
مجموع المشاركات: 3669

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وشرب دكتور قرنق القهوة بالمتمة. (Re: محمود الدقم)

    كيمياء السلطة في السودان

    لقد توزعت الحركة السياسية السودانية منذ نشأتها الأولى إلى ثلاثة مشاريع سياسية كبرى, هي المشروع الإتحادي العروبي والشروع الأستقلالي الديني والشروع الحداثي العلماني. قد جاءت هذه المشاريع السياسية باعتبارها تصورات سياسية لمستقبل الوطن وهو على أعتاب الإستقلال، متباعدة ومتنافرة وبلا قإسم مشترك وكأنها ثلاثة تصورات لمستقبل ثلاثة أوطإن مختلفة. فليس ثمة أرضية واحدة تجمع ما بين دولة إتحادية كبرى يكون السودان فيها إقليما مصريا . وبين دولة ثانية مستقلة هي، في جوهرها ،إستعادة للحكم الوطني المهدوى الذي دمره الفتح الإنجليزي - المصري. وبين دولة ثالثة لبرالية تعددية علمانية على نمط الدولة القومية الحديثة في أوروبا .

    يقترح هذا الوضع السياسي منطقا يقول أن تجلى أي من المشاريع السياسية على السلطة يعنى بالضرورة نفى وإبعاد المشروعين الآخرين من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن تجلى أي مشروع سياسي على السلطة لا يتم إلا بإستخدام القوة. فالقوة هي الآلية الوحيدة لنفى الآخر وإبعاده. وهذا يعنى مرة ثالثة إن الإنقلاب العسكري هو الآلية الوحيدة لاستلام السلطة في السودان .

    غير إن واقع الحال يشهد إن الأمر ليس كذلك إذ هنالك آليتين أخرتين للسلطة في السودان. فهناك الحزب السياسي وسيلة من وسائل الوصول إلى السلطة وهنالك أيضا التمرد المسلح المتوطن في جنوب السودان. هذه الآليات الثلاث لاستلام السلطة حددت السياق السياسي السوداني في ثلاث ظواهر سلطوية هي:

    1 - ظاهرة السلطة الديمقراطية التعددية وآليتها الحزب السياسي.

    2 - ظاهرة السلطة الشمولية العسكرية وآليتها الإنقلاب العسكري.

    3- ظاهرة سلطة الحرب الأهلية وآليتها التمرد المسلح في الجنوب.

    وللوصول إلى فهم اشمل لكيمياء السلطة في السودان فإن علينا إن ندرس كل ظاهرة من هذه الظواهر ثم نتتبع بعد ذلك تطور أو تدهور آليتها، لإن ذلك يعطينا صورة واضحة عن إتجاهات حركة السياق السياسي السوداني ويعيننا في تلمس الأبعاد الحقيقية للأزمة السياسية السودانية الراهنة.


    1 - السلطة الديمقراطية والحزب السياسي

    نشأت الأحزاب السياسية السودانية الرئيسية ذات الثقل الجماهيري والأقرب دائما للوصول إلى السلطة، نشأت منقسمة حول مبدأين لا ثالث لهما. الإتحاد مع مصر أو الإستقلال التام . ونجرأ على القول هنا إن كلا المبدأين زائف. فمن ناحية، كيف ينشا حزب سياسي وليس له من هدف سوى إلغاء وجود الوطن بضمة إلى دولة جارة؟ ومن ناحية أخرى فإن شعار (الإستقلال التام) كان هو الآخر تعبيرا عن مبدأ زائف إذ لم يكن يهدف حقيقة إلى تحقيق الحرية السياسية للشعب السوداني، وإنما كان يرمى إلى إعادة الدولة الشمولية الدينية.

    إذن ثمة بعد مضمر يكمل المعلن من الشعارين السياسيين الذين رفعهما التيارإن الكبيرإن، (الإستقلالي الديني) و(الإتحادي العروبي)، في بداية الحركة السياسية الوطنية. أما البعد المضمر في شعار (الإتحاد مع مصر) فهو: (إجهاض مشروع إعادة الدولة المهدية). وبهذا يكون البعد المضمر من شعار: (الإستقلال التام)، هو: (عودة السودان كما كان قبل الفتح الإنجليزي - المصري محكوما بواسطة أهله الذين هم الأنصار). وهذا تحديدا ما أسموه طموحات السيد عبد الرحمن المهدى والتي أرهبت مصر والإتحاديين والختمية والإدارة البريطإنية في السودان. فقد كتب المستر وليام قلن بلفور بول الذي عمل إداريا في السودان خلال تلك الحقبة، كتب قائلا:

    (كانت المنافسة القائمة منذ أمد طويل بين الطائفتين المسلمتين الرئيستين أتباع السيد عبد الرحمن المهدى والختمية الرافضة للمهدية ، بقيادة السيد على الميرغنى، اشد ضررا علي التطور المستقر للقطر من مؤتمر الخريجين فيما يعتقد معظم الإداريين البريطإنيين. وقد كان مفهوما أن تقمع المهدية المتجددة في السنوات المبكرة للحكم الثنائي وأن يخلع التأييد على الطائفة الرئيسية في معارضتها لها. وكانت سياسة رد الإعتبار للسيد عبد الرحمن قد أملاها على البريطإنيين عند إندلاع الحرب العظمى في عام 1914، الرغبة في مقاومته دعوة العثمإنيين إلى الجهاد. والنهوض بشخصيته في حذق، قد دفع زعيمي الطائفتين بأضطراد للإصطدام. وكانت الشبهات المبررة التي تشارك فيها حكومة السودان، المنبعثة من إنه كانت للسيد عبد الرحمن طموحات في الملك، هاجسا يثير مخاوف معارضيه، والسبب الأساسي للإرتباط التدريجي من قبل السيد على الميرغنى بالنشاط الموإلى للمصرين. وقد أرهب نفوذ السيد عبد الرحمن المتنامي حكومة السودان أيضا).

    والسؤال الذي يهمنا في هذا الجزء من العمل هو: هل هنالك أي توجه ديمقراطي ليبرالي علماني تعددي في أي من هذين التصورين السياسيين لمستقبل السودان؟.

    نجيب هنا بمزيد من الاسئلة:

    - هل الإنضمام لمصر والإتحاد معها يسمح، بأي حال من الأحوال، إذ تحقق، بقيام حزب آخر ينادي بإنفصال السودان عن مصر وإستقلاله من داخل الدولة الإتحادية؟
    - هل تسمح عودة السودان لما كان علية قبل الفتح، إذ تحققت، بوجود حزب سياسي ينادي بإلغاء وجود السودان وضمه إلى مصر؟

    فأذا كانت الإجابة على كلا السؤالين هي لا، بالضرورة، فأين يمكن إن يوجد التوجه الديمقراطي العلماني هنا؟ وإذا كانت إتفاقية السودان، إتفاقية الحكم الذاتي (1953)، قد نصت بإن يستفتي الشعب السوداني في نهاية الفترة الإنتقالية بين أمرين لا ثالث لهما وهما الإرتباط بمصر أو الإستقلال التام بالمفهوم المهدوى، فإن ذلك كان يعني بإن السودان صائر، لا محالة، لأحد هذين الخيارين الذين ينعدم فيهما وجود الديمقراطية العلمانية. وهذا تحديدا هو ما أصاب البريطإنيين باليأس والشعور بالهزيمة. فقد وافقوا علي خيارين لمستقبل السودان ليس في أي منهما مكان للديمقراطية العلمانية التي كانوا هم رسلها للعالم الثالث. إذن ، لمإذ نشأت الأحزاب أصلا، إذ لم تكن نشأتها تؤدي إلى نظام ديمقراطي؟.

    نقول هنا، بإن إنشاء الأحزاب السياسية، أو علي الأقل، الحزبين الكبيرين (الأمة) و(الوطني الإتحادي)، هو أمر أملته الضرورة، إذ لا بد من قيام كيإن سياسي يحمل عبء الدعوة لعودة السودان للمهدية، أو عبء الدعوة لإبعاد السودان عن العودة للمهدية بإنضمامه إلى مصر. وذلك بسبب أن مصر والسودان كانتا تحت الهيمنة البريطإنية. وبريطانيا لم تكن لتسمح بقيام أية وسيلة سياسية سوي الحزب السياسي المكون علي أساس لبرالي.


    وإذا شاءت الأحزاب السودانية الكبرى إن ترتبط بأهداف غير ديمقراطية، فإن هذا يعني إن هذه الأحزاب قد شاءت إن يكون النهج الديمقراطي وسيلة مؤقتة تنتهي بإنتهاء وسيلة الإستفتاء. فبعد عملية الإستفتاء لن يبقي غير حزب واحد، فإذ قرر الشعب السوداني الإتحاد مع مصر، فإن المنطق يقول بنفي وإبعاد (حزب الأمة)، أما إذ حدث العكس وقرر الشعب الإستقلال ومن ثم العودة إلى الحكم المهدوى، فلا مكان للإتحاديين في السودان، و(لا شيع ولا طوائف ولا أحزاب)، كما فسر السيد عبد الرحمن شعاره الغامض (السودان للسودإنيين) بهذا القول الداعي للشمولية الدينية.

    وكان لا بد من حدوث معجزة لتنقذ السودان من هذا المصير المظلم الذي تحدد مسبقا في إتفاقية الحكم الذاتي عام 1953. فكيف جاءت هذه المعجزة ومن أين؟

    أول الفرج قد جاء علي يد الشعب السوداني عندما قرر أن يهزم حزب الأمة في إنتخابات سلطة الحكم الذاتي عام 1953. ولا شك أن الإتحاديين قد فهموا هذه النتيجة الإنتخابية على أنها تعني هزيمة مشروع السيد عبد الرحمن الذي ظاهره الإستقلال وباطنه إعادة الدولة الدينية المهدية.

    تلي ذلك وفي حوالي عام 1954 نمو خطاب سياسي راديكالي في مصر لم تستسغه الإذن الإتحادية التي تربت علي الخطاب العلماني في مصر ما قبل الثورة، كما لم تفهمه القاعدة الإتحادية المكونة أساسا من البرجوازية التجارية السودانية التي يرعبها مثل هذا الخطاب الثوري المليء بمفردات التأميم والمصادرة ونصرة الفلاحين والعمال والكادحين. فهؤلاء الأخيرين هم قاعدة (حزب الأمة)، وفي أحسن الأحول سند اليسار السوداني. وكان لا بد أن يقل حماس الحزب (الوطني الإتحادي) تجاه مبدأ الإتحاد مع مصر، خاصة وإن الخطر الأنصاري حجم ولو مؤقتا.

    ولم يتبقى من خطر يهدد السودان سوي إن يلجأ أهل المشروع المهدوى الديني للعصيإن والجهاد. فهذه ورقة لا يفوت علي سياسي بارع مثل السيد عبد الرحمن أن يلوح بها في وجه الإنجليز محذرا من ترك المصريين يستولون علي السودان. ففي مقابلة له مع سلوين لويد وزير الدولة بوزارة الخارجية البريطإنية عند زيارته للسودإن في مارس عام 1953، ألمح السيد عبد الرحمن المهدي للسياسي البريطإني بهذا التهديد مبطناً بدبلوماسية السيد عبد الرحمن العبقرية حيث قال له:

    (إن البريطإنيون يفضلون دون شك إن تتسم المنطقة الواقعة خلفهم بالإستقرار في حال وقوع مزيد من الأضطرابات والإصطدامات في منطقة قناة السويس، مؤكدا إن الموقف كان هادئا في السودان عند وقوع هذه الأضطرابات في مصر من قبل، بفضل تعاون حزب الأمة مع حكومة السودان ) .

    وكان الإداريون البريطإنيون في السودان مقتنعين بإن نتائج الإنتخابات لن تثني السيد عبد الرحمن المهدي عن هدفه الكبير، وإن إستخدامه للعنف كان واردا تماما. فقد جاء في مذكرة الحاكم العام إلى وزارة الخارجية البريطإنية الصادرة في 3 أغسطس عام 1954 ما يلي: (إذا كان التحليل السابق صحيحا فإن موقف السيد عبد الرحمن المهدي والأنصار، خلال الفترة الإنتقالية سيتسم بالهلع واليأس، ونحن لا نستطيع إن نأمل في إن يتأقلم مع وضع يعرف إنه شديد التهديد لقوته وسطوته الشخصية ومركزه، ويقوي من خصمه اللدود السيد علي الميرغني. وسيتجه عقله أكثر فأكثر نحو العنف كلما أحكم الحزب الوطني الإتحادي قبضته في القطر، وسيتمزق بين الهجوم قيل فوات الأوان والأمل في إن تتدخل حكومة صاحبة الجلالة لإنقإذه .........

    لقد تنأولنا إلى حد ما في مستهل هذه المذكرة خطر حرب أهلية تصدر عن المهدويين كما ورد في الفقرة أعلاه ومهما يكن من أمر فإن الحرب الأهلية ستؤدي إلى كوارث علي السودان والمصالح البريطإنية )

    وكان لا بد إن تؤدي هزيمة مبدأ الإتحاد بسبب الثورة المصرية الجديدة، وهزيمة مبدأ العودة للدولة الدينية المهدية في صناديق الاقتراع، إلى إن يتراضى الطرفإن مؤقتا علي إستمرار نظام حكم الفترة الإنتقالية الديمقراطي العلماني ودستور الفترة الإنتقالية العلماني المؤقت والحصول علي إستقلال البلاد عن هذا الطريق حتى إشعار آخر.

    هكذا دخلت تاريخ التجربة السياسية السودانية السلطة الديمقراطية العلمانية بصفة مؤقتة، وظل هذا قدر هذا النوع من السلطة في السودان، تلجأ إليه الساحة السياسية السودانية في وقت الأزمات والمنعطفات الخطيرة و تتراضى حوله مؤقتا.
    وهذا يعني بإنه ليس هناك علاقة مباشرة بين حقيقة تبلور التيارين السياسيين الرئيسيين في أحزاب، وبين تجلي النظام الديمقراطي التعددى عشية الإستقلال. نعم إن الأحزاب قد تكونت كوسائل للوصول إلى السلطة، غير إن الوصول إلى السلطة، حسب أيديولوجيات هذه الأحزاب نفسها، هو نهاية المطاف، فأما إنضمام إلى مصر ونفي التيار الديني الإستقلالي أو دولة مهدوية دينية، وبالتالي نفي التيار الإتحادي العروبي.

    كان هذه الفهم سائدا حتى توقيع إتفاقية السودان (الحكم الذاتي عام 1953) بين مصر وبريطانيا، حيث كان ولا يزال الإتحاديون يتمسكون بمبدأ الإتحاد، وكان حزب الأمة لا يزال يمثل تهديدا ضخما لمستقبل السودان حسب رؤية الإتحاديين والبريطإنيين علي السواء. وكانت المفاجأة هي هزيمة حزب الأمة في إنتخابات أواخر 1953. ثم كان التحول الدراماتيكي في موقف الإتحاديين من الإتحاد مع مصر. وهكذا أجريت الإنتخابات والغي الإستفتاء وحدث الإستقلال دون إن تقع المواجهة بين التيارين الكبيرين.

    ولكن ظلت أي محاولة لفرض أي من المشروعين علي مستقبل البلاد، أو منع ذلك، لن يتم إلا بإستخدام القوة العسكرية. وإن كانت هذه المناجزة العسكرية لم تقع بعد الإنتخابات والإستقلال مباشرة، فإنها قد ظلت احتمالا مضمرا قابلا للتجلي في أي لحظة تكتمل شروطه.

    وفي واقع الأمر، فإن تاريخ السلطة في السودان ما هو إلا تاريخ الإنقلابات العسكرية المتبادلة بين هذين التيارين. فقد حرك التيار الديني إنقلاب عبود عام 1958، وحرك التيار العروبي إنقلاب نميري عام 1969، وحرك التيار الديني إنقلاب اليشير عام 1989

    وإذا كان هذا التحليل يؤدي إلى الإعنقاد بإن الأحزاب هي صانعة الإنقلابات العسكرية، فهذا ما رمينا إليه تحديدا، وما سنحاول إن نناقشه في العنوإن القادم .


    2- السلطة الشمولية والإنقلاب العسكري

    لم يكن دستور السودان المؤقت والذي هو دستور الفترة الإنتقالية من الحكم الذاتي إلى الإستقلال لم يكن يحظى بإحترام أي طرف من الأطراف داخل برلمان الحكم الذاتي. وكان ينظر إلية كآخر بقايا العهد الإستعماري. غير إن إستبداله بدستور دائم للبلاد وضمن التركيبة السياسية التي ناقشناها سابقا كان أمرا مستحيلا. فاخطر ما في الدساتير أنها تحدد، وبصورة قاطعة ونهائية نظام الحكم ونظام إنتقال السلطة. وحيث أن الوضع في السودان لم يكن يعدو أن يكون هدنة مؤقتة ريثما تخرج من البلاد دولتا الحكم الثنائي، فإن إنجاز دستور دائم كان رابع المستحيلات. فالدستور يعنى تنازلات من جميع الأطراف لمصلحة إنشاء وطن موحد يسع الجميع ولا يسقط فيه حق أحد. وحيث إن العلاقة بين المشاريع والتصورات السياسية لمستقبل السودان قد ظلت كما هي، علاقة نفى وإبعاد، فإن خطر محاولات الإجتثاث ومحاولات إجهاض المشروع المضاد قد ظل ماثلا بعد الإستقلال. وقد فطن إلى ذلك الدكتور شريف حرير في ورقته إلى بعنوإن (إعادة تدوير الماضي في السودان) حيث ورد :

    (إن الإحترام لنموذج دستور ويستمنستر في الفترة التي أعقبت الإستقلال، لم يكن كبيرا. لقد رجحت عموما المصالح الشخصية والحزبية الأولوية علي الإعتبارات الدستورية وأسهمت في خلق الفرص للتدخل العسكري نتيجة لذلك)
    من هنا جاءت الظاهرة السلطوية الثانية في السياق السياسي السوداني وهى ظاهرة السلطة الشمولية وآليتها المحققة لها وهى الإنقلاب العسكري. وبدراسة هذة الظاهرة بدقة يتضح لنا بإنه لم يقع إنقلاب عسكري في السودان إلا من أجل تحقيق مشروع سياسيي أو إجهاض مشروع سياسي مضاد وشيك التحقيق. وكان ذلك على النحو التالي:

    إنقلاب إبراهيم عبود عام 1958
    كان هذا هو التجلى الأول لظاهرة السلطة العسكرية الشمولية ضمن التجربة السياسية السودانية. وحول هذا الإنقلاب ، وبما يتماشى مع ما ذهبنا إليه من مسئولية الصراع بين المشاريع السياسية في خلق ظاهرة الإنقلاب العسكري، إنقل هنا من كتاب الدكتور إبراهيم محمد الحاج موسى الموسوم: (التجربة الديمقراطية وتطور نظم الحكم في السودان) من الصفحة رقم 200:

    (.. . سافر إلى القاهرة السيد على عبد الرحمن رئيس حزب الشعب الديمقراطي ووزير التجارة آنذاك دون إن يخطر رئيس الوزراء بذلك، كما سافر إلى بغداد السيد إسماعيل الأزهري رئيس الحزب الوطني الإتحادي لتهنئه الشعب العراقي بثورة تموز سنة 1958، ومن بغداد عرج على القاهرة حيث واصل منها إتصالاته مع السيد على عبد الرحمن. ومن القاهرة إنتشرت إشاعة لقائهما وإتفاقهما مع القادة المصريين على إعلان إتحاد مصر والسودان. ولعل أول من أطلق هذه الإشاعة صحيفة فرنسية عندما نشرت خبرا لمراسلها في القاهرة مفاده أن إتفاقا سريا قد تم بين قادة الحزب الوطني الإتحادي وحزب الشعب الديمقراطي وبين الرئيس جمال عبد الناصر لقيام ثورة وطنية إشتراكية بالخرطوم .... إن دوائر حزب الأمة جن جنونها لهذا الخبر، وكان رئيس الوزراء يعلم جيدا أن وزارته سوف تسقط عند افتتاح الدورة البرلمانية الثانية في 17 نوفمبر سنة 1985، لذلك عمل رئيس الوزراء على أن يسلم السلطة للجيش قبل افتتاح البرلمان )

    وسواء عمل حزب الأمة بناءا على تصديقه لهذه الشائعة أو بناءا على حسابات أخرى، فإنه قد كان متأكدا من سقوط حكومته وتولى أهل المشروع الإتحادي العروبي للسلطة مما يجعل فرصة تحقيق المشروع الإتحادي مواتية. وكان لابد من أن يتحرك حزب الأمة لإجهاض تحقق المشروع الإتحادي، وكان لابد من الإنقلاب العسكري.

    2- إنقلاب جعفر نميري عام 1969م
    وتحقق مشروع سياسي أو إجهاض مشروع مناوئ، كان هو أيضا المحرك الأساسي وراء وقوع الإنقلاب العسكري الثاني في السودان عام 1969. وإذ كان أهل المشروع المهدوى الديني قد إستطاعوا إجهاض المشروع الإتحادي العروبي الذي كان يتوهم إنه سيحقق، فإن القمة الراديكالية من أهل التيار الإتحادي العروبي، ممثلين في القوميين العرب، قد إستطاعوا عام 1969، تحريك الجيش للإستيلاء على السلطة وإجهاض مشروع الدستور الإسلامي الذي تأكدت إجازته من داخل الجمعية التاسيسية عام 1969 بإتفاق (حزب الأمة) و(الوطني الإتحادي) و(جبهة الميثاق الإسلامي). فبعد إنتخابات عام 1968 والتي حظر قبلها نشاط الحزب الشيوعي السوداني بإتفاق الأحزاب الثلاثة المذكورة، ظهر جليا أن إتفاقا بين هذه الأحزاب الثلاثة قد أبرم من أجل فرض الدستور الإسلامي من داخل البرلمان. وقد نقل الدكتور عبد اللطيف ألبوني في كتابة: (تجربة نميري الإسلامية في السودان) مقتطفات من مقالة لاحمد البشير الأمين في مجلة (المستقبل العربي) ما يلي:

    (كان واضحا منذ البداية إن الإنقلاب كان محاولة من أنصار الدستور العلماني لوضع نهاية لمخططات أنصار الدستور الإسلامي لإجازته بواسطة الجمعية التاسيسية. وقد أعلن قائد الإنقلاب أن من أول أهدافه تمزيق تلك الوريقة الصفراء ورميها في سلة المهملات).

    إنقلاب عمر البشير عام 1989م
    ولم بشذ الإنقلاب الثالث 1989، عن القاعدة، بل جاء تأكيدا لها. فقد تبلورت الدولة الديمقراطية العلمانية في إتفاقية (الميرغنى - قرنق) في أديس أبابا عام 1988، كما إن التأييد الدولي والإقليمي والداخلي التي حظيت به هذه الإتفاقية قد جعل تحقيق الدولة الديمقراطية العلمانية أمرا مؤكدا. فقد كانت هذه الإتفاقية في سبيلها إلى أن تؤسس وحدة حقيقية بين شمال البلاد وجنوبها على قواعد علمانية يفصل فيها تماما بين الدين والدولة. ولم يكن يمنع من تنفيذ هذه الإتفاقية سوى الإنقلاب العسكري. غير أن الجديد في إنقلاب 1989، هو أنه كان مخططا قبل إن يبدأ مجرد التفكير في إتفاقية (الميرغنى - قرنق) عام 1988. فقد قررت الحركة الإسلامية السودانية الحديثة إستلام السلطة بواسطة إنقلاب عسكري وفرض الدولة الدينية بناء ا على حسابات داخلية تخص هذه الحركة. ولما فوجئت هذه الحركة بتلك الإتفاقية القوية الناضجة كان لابد من أن تعجل بتقديم ساعة الصفر وتستلام السلطة.

    وإذا كان إنقلاب عبود 1958 قد جاء لإجهاض تحقق المشروع الإتحادي العروبي وهو في حكم الإشاعة، وإذا كان إنقلاب نميري 1969، قد جاء لإجهاض تحقق المشروع الديني الذي كان وشيك التحقيق، فإن إنقلاب البشير 1989، قد جاء في الشكل النموذجي المكتمل والمثالي للإنقلاب العسكري في السودان ضمن المفهوم الذي حددناه في هذه الدراسة. فقد جاء هذا الإنقلاب لإجهاض مشروع الدولة الديمقراطية العلمانية، وفرض الدولة الدينية الشمولية في نفس الوقت. وهذا ما جعل هذا الإنقلاب يحدث بوقوعه مواجهة مباشرة وصداما علنيا بين الدولة الدينية التي جاء بها وبين بقية عناصر الساحة السياسية السودانية التي تجمعت في معسكر الدولة الديمقراطية العلمانية كما تبلورت في إتفاقية (الميرغنى – قرنق). كما إنه لم يسبق في تاريخ السودان أن اكتمل تصور الدولة الدينية وتجهيز كوادرها وتحضير برامجها، كما حدث عشية إنقلاب البشير عام 1989.


    3 - سلطة الحرب الأهلية والتمرد

    ظلت حركات التمرد المسلح في الجنوب وبإستمرار، تستبق تغيرا سياسيا كبيرا وشيك التحقق في السودان. إذ لا يفوت الدارس للحركة السياسية السودانية إن يلاحظ بأن موجة التمرد الأولى عام 1955 قد استبقت، موعد تقرير المصير وقرار الإستقلال عام 1956. وهذا يعنى إن الجنوب يرفض إن يقرر الشمال مصيره وفى غيابه الكامل. فقد أصمت الأحزاب الشمالية آذانها عن سماع رأي الجنوبيين حول تقرير المصير والإستقلال. كما سوفت وراوغت بشأن مطالبة الجنوب بالنظام الفدرالي.

    أما موجة التمرد المسلح الثانية عام 1963، فقد استبقت سقوط الحكم العسكري الشمولي الأول عام 1964، حتى تكون مستعدة للمشاركة في تقرير نظام الحكم بعد سقوط الدكتاتورية ومن موقف قوة. وهذا يدل على إن السياسي الجنوبي أقدر على القراءة الصحيحة للوضع السياسي في السودان من رصيفه الشمالي. فعندما بات سقوط السلطة العسكرية وشيكا، إستبق التمرد الحدث الكبير القادم.

    وكذا جاءت موجة التمرد الثالثة عام 1983، مستبقة التحول الكبير تجاه أسلمة الدولة في السودان على يد جعفر محمد النميرى، بإعلانه تطبيق الشريعة الإسلامية عام 1984.

    ويتضح ألآن أن المشاريع السياسية الكبرى في السودان، ومن خلال نظرتها ذات الإتجاه الواحد قد أوجدت ظاهرة السلطة الشمولية والإنقلاب العسكري كما أوجدت ظاهرة الحرب الأهلية والتمرد المسلح. فالعقل السياسي الجنوبي، قد بات متيقنا بإن الجنوب والمواطن الجنوبي لا مكان له ضمن المشروعين السياسيين الأقرب للتحقق والأقدر على التجلى في السلطة، وإنه لابد له من الإعلان عن رفضه للمصير الذي يقرره له، وفى غيابه، كلا المشروعين. لإن هذا المصير لا يهدف إلا لتغيير هوية الإنسان الجنوبي بإتجاه الأسلمة والتعريب. لهذا ندرك ألإن جزع الفعآليات السياسية الجنوبية كلما اقترب موعد تحول كبير في مسيرة الحركة السياسية السودانية. فلا يوجد إنسان على ظهر الأرض مستعد للتنازل عن هويته العرقية والثقافية عن طيب خاطر. إذ أن كل إنسان يرى أنه لا يوجد في الكون هوية عرقية افضل من هويته ولا ديإنة أعظم من ديإنته ولا ثقافة أفضل من ثقافته. هكذا خلق الله البشر مختلفين ولو شاء لجعلهم أمة واحدة.

    قإنون التدهور

    إذ تنأولنا بالتحليل آليات تحقق السلطة في السودان، وحاولنا الكشف عن قإنون يحكم حركتها، فإنه سوف يتبين لنا بإن القإنون الوحيد الذي يحكم حركة هذه الآليات حتى ألإن هو قإنون التدهور. بمعنى إن هذه الآليات، وهي كما أوضحنا سابقا، الحزب السياسي والإنقلاب العسكري والتمرد المسلح، قد أخذت تتحول جميعها في إتجاه عكسي يبعدها أكثر فأكثر عن ماهيتها وعن المفاهيم التي قامت عليها بنيتها.

    ففي مسيرة الحركة السياسية السودانية تبادلت الظواهر السلطوية التي تحدثنا عنها سابقا التجلى والغياب في خط دائري تماما بحيث تكرر تجلى كل منها ثلاثة مرات. فهناك ثلاث ظواهر سلطوية ديمقراطية في عام 1956 وعام 1964 وعام 1985. وثلاث ظواهر سلطوية شمولية في عام 1958 وعام 1969 وعام 1989. وكذلك ثلاث حروب أهلية في عام 1955 وعام 1963 وعام 1983. وهذا يتيح لنا النظر في حالة الآليات المحققة لهذه الظواهر عبر ثلاث مراحل لكل اليه من الحزب إلى الإنقلاب العسكري إلى التمرد المسلح.

    الحزب السياسي

    ا - حافظ الحزب السياسي في السودان على المفهوم العلماني للحزب السياسي طوال فترة مقاومة الأحزاب السياسية السودانية للسلطة العسكرية الأولى ما بين عام 1958 وعام 1964. بمعنى إن أدوات مقاومة الأحزاب السياسية الدكتاتورية الأولى قد ظلت أدوات وأساليب مدنية تتمثل في الضغط السياسي عبر جماهير الشعب السوداني من خلال العرائض والإحتجاجات والمظاهرات وحتى العصيإن المدني. وهذه هي المرحلة الأولى من مراحل تحولات الحزب السياسي, باعتباره الآلية الوحيدة لتحقق الظاهرة السلطوية الديموقراطية

    ب- في المرحلة الثانية بدأ الحزب السياسي في السودان يفارق مفهوم الحزب المدني الذي يستمد قوته الحقيقية من تأييد الجماهير طوال فترة مقاومة الأحزاب للسلطة العسكرية الثانية ما بين عامي 1969- 1985. فقد اعتمدت هذه الأحزاب، في تلك الفترة، على أدوات نضال هي خليط من العمل العسكري الحربي والعمل المدني السياسي. وظهرت لأول مرة في تاريخ الحركة السياسية السودانية المليشيات ومعسكرات التدريب والصدامات العسكرية سواء في الجزيرة أبا وأمدرمإن عام 1970أو في الخرطوم عام 1976. وهذه هي المرحلة الثانية.

    ج- في المرحلة الثالثة ابتعد الحزب السياسي في السودان كلية عن المفهوم المدني للحزب السياسي منذ بداية حركة مقاومته للسلطة العسكرية الثالثة عام 1989. فقد تحولت مقاومة الأحزاب السوادنية للسلطة الحالية كلية للوسائل العسكرية وأصبح لكل حزب جيشه ومواقعه التي يحتلها، بل إن حزبا سياسيا جديدا قد ولد كتنظيم عسكري ألا وهو حزب عبد العزيز خالد.

    ويعنى هذا مباشرة أن الأحزاب السياسية السودانية باعتبارها آلية تحقق الظاهرة السلطوية الديموقراطية، قد قاومت السلطة العسكرية الأولى بوسائل مدنية صرفه مائة بالمائة. وإنها في المرحلة الثانية، قد قاومت السلطة العسكرية الثانية بوسائل نصفها مدني ونصفها عسكري، كما إنها في المرحلة الثالثة قد قاومت السلطة العسكرية الثالثة بوسائل عسكرية صرفه مائة في المائة.

    وهذه المراحل الثلاث توضح بجلاء أن هذه الآلية، آلية الحزب السياسي قد بدأت تفقد مفهومها المدني وصفتها المدنية لصالح المفهوم الراديكالي للحزب السياسي والصفة العسكرية، وهذا يعني إن تنظيم الجماهير وأدوات النضال المدني لم تعد، في نظر هذه الأحزاب ذات جدوى كبيرة حتى صير إلى إستبدالها بالتنظيمات العسكرية وأدوات النضال المسلح. ولا يكون كل هذا بالمعايير المعروفة سوي التدهور. ولعل إستعداد الأحزاب السياسية للإنحدار والتدهور تجاه العسكرة مرة بعد أخرى، يجد تفسيره في ما ذهبنا إلية من وجود النزعة العسكرية كامنة في بذرة تكوين هذه الأحزاب. لهذا يسهل إنحدارها وتدهورها تجاه إستبدال العمل السياسي المدني بالعمل الحربي العسكري.

    الإنقلاب العسكري

    جاءت الإنقلابات العسكرية في السودان بمثابة ثلاث مراحل من تطور آلية الإنقلاب العسكري المحققة للسلطة الشمولية. وهي مثل سابقتها، آلية الحزب السياسي، قد سلكت خطا تدهوريا هابطا خلال ثلاث مراحل. فقد جاء إنقلاب عبود عام 1958 عسكريا صرفا، لم يسع لدعم سياسي مباشر من أي حزب، كما لم يشرك معه حزبا في السلطة. وقد مثل هذا الإنقلاب الطور الأول النقي من تحولا آلية الإنقلاب العسكري المحققة للسلطة الشمولية في السودان.

    مثل إنقلاب نميري عام 1969 الطور الثاني الوسيط من تحولات هذه الآلية وفيه بدأت هذه الآلية تفقد نقاء صفتها العسكرية حيث إشركت العناصر المدنية، وبصفتها الحزبية، في السلطة منذ اليوم الأول للإنقلاب. وبدا جليا منذ البيإن الأول، أن ما وقع هو عمل سياسي نصف عسكري ونصف مدني. وقد ظلت السلطة الناتجة عن هذا الإنقلاب معتمدة بإستمرار، في نسبة خمسين في المائة من إستمرارها، علي العنصر الحزبي المدني.

    فإذ وصلنا إلى الطور الثالث من آلية الإنقلاب العسكري، وهو إنقلاب البشير عام 1989، فإننا نجد أنفسنا أمام إنقلاب مدني مائة في المائة من حيث التخطيط والتنفيذ ورموز السلطة التي نصبها الإنقلاب.

    ومن حيث أن الإنقلاب ظاهرة سياسية معسكرة وآلية عسكرية لإستلام السلطة ومناقضة جوهريا لآلية الحزب السياسي ووسائله المدنية في استلام السلطة، فإننا عندما نشهد آلية الإنقلاب في السودان تتجه تدريجيا، وعبر ثلاث مراحل إلى التخلي عن جوهرها العسكري لصالح المدينة، فإننا لا نستطيع إلا إن نعتبر ذلك تدهورا. ولعل إستعداد الإنقلابات العسكرية في السودان إلى التدهور والإنحدار تجاه المدنية بزيادة العنصر المدني فيها مرحلة بعد أخري، هو مؤشر سليم لما ذهبنا إليه من أن الإنقلاب العسكري في السودان هو بالأساس عمل حزبي مرتبط بصراع التيارات السياسية الكبرى، وظل أثر هذه التيارات يزداد تجليا في تكوين الإنقلاب العسكري مرحلة بعد أخري.



    التمرد المسلح

    الآلية الثالثة لإستلام السلطة في السودان هي آلية التمرد المسلح. وهي مثل الآليتين السابقتين، قد تحولت عبر ثلاث مراحل.

    ا - جاءت الموجة الأولى من التمرد إرتجالية، لحد كبير، سيئة الإعداد، وعسكرية صرفه. وهي من الناحية السياسية، كانت تعتمد خطا سياسية فقيرا، يتمحور حول الإنفصال هدفا نهائيا، ومقاومة الإستعمار الشمالي، هدفا تكتيكيا.

    وقد كان المنطق الواقعي البديهي المبرر للهدفين الإستراتيجي والتكتيكي، واضح وبسيط وماثل للعيإن. فقد أعطت حركة سودنة الوظائف الإدارية، مدنية وعسكرية، إنطباعا عاما لدي المواطن الجنوبي بإنه سوف يستبدل مستعمرا بريطانيا بمستعمر شمالي. هذا بالإضافة إلى أن مستقبل الجنوب قد بدا غامضا في واقع إتفاقية السودان بين دولتي الحكم الثنائي لعام 1953 التي حددت مصير السودان في خيارين لا ثالث لهما وهما الإنضمام لمصر أو الإستقلال تحت رأية المهدية الدينية. ولهذا كان لابد من أن تجيء الموجة الأولى من آلية التمرد إنفصالية ومشبعة بالشعارات العنصرية ضد العرب المسلمين. ويورد الدكتور فرإنسيس دينق ما ذكره المؤرخ دستان في شرح هذه النقطة علي النحو التالي:-

    (إن احتكار السلطة السياسية بواسطة الشمال، أكبد للجنوبيين بداية عهد إستعماري ثاني، ومن الجإنب الآخر، شعر الشمال بان له الحق الشرعي لصيإنة وتنفيذ السياسات التي تؤثر علي القطر كله. إن فشل السياسيين الشماليين في تحقيق شراكه السلطة مع الصفوة السياسية من الجنوب، دعمت، وبشكل مستمر الشعور بالغربة والعزلة لدي الجنوب، والإعنقاد بإن الشمال في حقيقة الأمر، يعتبر خلفا للإستعمار البريطإني.
    وأيضا كانت محاولات الشمال إخضاع الجنوب تحت إمرته، أكثر ضررا منها نفعا في بلورة نظرة الجنوبيين حيال حكومات الخرطوم بعدم شرعيتها، مما أدي في النهاية للتمرد المسلح)

    ب. جاءت موجة التمرد الثانية جيدة الإعداد وقد تزايد فيها العنصر السياسي المدني، فأعلنت عن نفسها في بيإن سياسي وزعته علي الوسائط الإعلامية العالمية عام 1963، وأسمت جناحها العسكري (أنإنيا) أي إسم الأفعى . وحيث أن هذه الموجة من التمرد المسلح في الجنوب قد جاءت ردة فعل مباشرة ضد سياسية نظام الجنرال عبود القائمة علي فرض الأسلمة والتعريب عن طريق القوة، فإنها ما كان لها إلا إن تكون إنفصالية وعنصرية.

    غير إن هذه الموجة من التمرد المسلح، وفي مسيرتها خلال عقد من الزمإن، إنتهت إلى أن الإنفصال ليس في صالح السودان ولا صالح الجنوب. لهذا، وعندما وافق الشمال، ممثلا في سلطة جعفر محمد نميري، علي منح الجنوب حكما ذاتيا عام 1972، ألقت (إنإنيا) سلاحها، وعرف الجنوب السلام لأول مرة منذ فجر الإستقلال عام 1955. وبهذا تكون الموجة الثانية من التمرد قد سارت نصف الدرب عنصرية إنفصالية، ونصفه قومية وحدوية.


    ج - خلال سبعة عشر عاما من الحرب، تلتها عشر سنوات من السلم، إرتفع الوعي العام، ولا شك، للمواطن الجنوبي وازدادت الصفوة المتعلمة الجنوبية عدديا، وقد صار الجنوبيون أكثر إدراكا لمصالحهم وأكثر إعتزازا بهويتهم وأكثر حساسية وحذرا تجاه الحكومات الشمالية.

    لهذا فقد كان الجنوب متنبها عندما بدأ الدكتاتور نميري، إنطلاقا من حسابات خاصة بإطلة عمر نظامه، يميل بالدولة السودانية كلها تجاه الأسلمة. ثم، ولتنفيذ ذلك، بدأت السلطة التي تحالفت مع الإسلاميين الراديكاليين، تمارس تكتيكاتها لإضعاف الجنوب حتى تقلل من فعالية ردة فعله تجاه الأسلمة. هنا إندلعت موجة التمرد الثالثة عام 1983، واهتز الجنوب بعنف لهذا التحول الكبير الذي حدث في مركز السلطة في السودان. وكان لا بد من التفكير في معالجة المشكلة السودانية من جذورها بصورة متكاملة. وقد اختلف الأمر هذه المرة، ولا بد من أن يتحمل الجنوب المسئولية الكاملة في الحفاظ علي وحدة البلاد أولا ثم حل (المشكل السوداني) ثانيا.

    لهذا جاءت الموجة الثالثة من التمرد عام 1983 قومية الهوية ووحدوية التوجه. ودعت الحركة الشعبية لتحرير السودان إلى إقامة (السودان الجديد). وحددت الحركة الشعبية لتحرير السودان بأن (القضية وطنية وليست جنوبية. فهي تضم في تركيبتها قوات مقاتلة من أقاليم معينة في الشمال وأفراد من كل إنحاء القطر. إن أي تسوية للنزاع علي أسس الشمال والجنوب، يجب إن تضع في الاعتبار ذلك البعد للتعقيد وتوسيع النزاع) . وقد جاء في منفستو الحركة الشعبية لتحرير السودان البيإن التأسيسي الآتي:

    (إن المهمة الريئسية للحركة الشعبية / الجيش الشعبي لتحرير السودان هي تحويل الحركة الجنوبية من حركة رجعية يقودها رجعيون وتهتم بالجنوب والوظائف والمصالح الذاتية، إلى حركة تقدمية يقودها ثوريون ومكرسة لتحويل كل القطر إلى الإشتراكية. ويجب التأكيد علي أن الهدف الرئيسي للحركة والجيش الشعبي لتحرير السودان ليس هو فصل الجنوب، فالجنوب جزء لا يتجزأ من السودان، وقد تمت تجزئة أفريقيا بما فيه الكفاية بواسطة الإستعمار والإستعمار الجديد، وأن المزيد من التجزئة لن يخدم إلا أعداء أفريقيا.)

    وبالمقارنة مع آلية الحزب السياسي المحققة لظاهرة السلطة الديمقراطية التعددية والمنحدرة تجاه العسكرة، وآلية الإنقلاب العسكري المحققة لظاهرة السلطة الشمولية والمنحدرة تجاه المدنية، فإن آلية التمرد المسلح تبقي هي الآلية الوحيدة السائرة تصاعديا من الإنفصال تجاه الوحدة ومن العنصرية تجاه القومية.
    لكل هذا فقد جاءت الموجة الثالثة من التمرد المسلح قومية ووحدوية، تحمل هما سياسيا عاما وليس هما سياسيا جنوبي.



    الأوهام وقودا للأزمة

    ثمة قضيتا رئيسيتإن ظلتا بلا حل جذري ومؤجلتين منذ أن صار للسودإنيين رأي وقرار في شأنهم السياسي عند بداية مفاوضات الحكم الذاتي أول عام 1953. هاتإن القضيتإن هما:

    - علاقة الدين بالدولة

    - علاقة جنوب السودان بشماله

    وقد سكت الإتفاق المبرم بين الصاغ صلاح سالم، ممثل حكومة الثورة المصرية وبين ممثلي الأحزاب الشمالية السودانية عن هاتين القضيتين، وكان ذلك في العاشر من يناير عام 1953. فلم يجيء في ذلك الإجتماع شيء عن علاقة الدين بالدولة، وكان ذلك طبيعيا في أجواء يسيطر فيها الإتحاديون بدعم قوي من الحكومة المصرية، كما إن علاقة الدين بالدولة لم تكن مطروحة بالوضوح والحدة التي طرحت بها بعد الإستقلال، إذ كانت في ذلك ألوقت مغلفة بالدعوة للإستقلال التام من جهة، وبحق السيد عبد الرحمن المهدي في حكم السودان من الجهة الأخرى. كما لم يرد في ذلك الإتفاق أي شيء عن وضع جنوب السودان سوى ما ورد في الاقتراح المصري بشأن عمل لجنة الحاكم العام وعلاقتها بالحاكم العام ودولتي الحكم الثنائي، مما ليس له علاقة بمعرفة ما يريده الجنوبيون. علما بإن هذا الإتفاق قد أريد به أن يكون هو الكلمة السواء التي أليها السودانيون. وقد جاء في ديباجة ذلك الإتفاق: (اتفقت الأحزاب السودانية والموقع مندوبها علي هذه الوثيقة أن تكون النقاط المتقدمة أساسا للدستور السوداني للحكم الذاتي، وبغير ذلك أجمعت هذه الأحزاب علي مقاطعة الإنتخابات التي تجري في ظل أي دستور غير هذا) .

    ووأخطر ما في هذا الإتفاق هو أنه قد تم في غياب كامل لأي ممثل للجنوب أو بقية أرياف السودان المختلفة، الأمر الذي فطن له السير جيمس روبر تسون، السكرتير الإداري لحكومة السودان والذي أعلن ندمه فيما بعد علي حل الجمعية التشريعية و(بالتالي لم يتوافر للجنوبيين ولا لأهل الأرياف فرصة التأثير علي الأحداث)

    وعلي الرغم من وجود قضايا أخري كثيرة وهامة، عالقة حتى الوقت الراهن، مثل الدستور الدائم والتنمية المتوازنة والإستقلال الأمثل لموارد البلاد، إلا أننا نعتقد بأن عدم حسم هاتين القضيتين هو سبب كل الإخفاقات في كل الميادين. فعلاقة الدين بالدولة ووضع جنوب السودان، هما الإشكاليتين الوحيدتين القادرتين علي إشعال حرب أهلية، والقادرتين بالتالي علي تهديد إستقرار البلاد ووحدتها. وسبب ذلك هو أن هاتين القضيتين مشبعتين بالعوامل العاطفية العامية وبالعقيدة ورواسب التاريخ والثقافة الأمية. فبسبب هذه العوامل ظل المجتمع الشمالي، في غالبيته، يحس بإنه مكلف بمواصلة حملة عبد الله بن أبي السرح، التي يأسف هذا العقل لتوقفها في دنقلا، بمواصلتها جنوبا لنشر الإسلام والثقافة العربية. ولنفس السبب ظل العقل الجمعي الجنوبي يحس بإنه مكلف بوقف الزحف الإستعماري العربي الإسلامي إلى قلب القارة الأفريقية السوداء.

    لهذا نجد إن إتجاهات الطرح العام نحو حل هاتين المشكلتين تعج بكثير من التعمية وكثير من الفجاجة العامية وتجاوز مقتضيات الواقعية السياسية، والتعامي عن الواقع الإجتماعي وتمثيل أدوار تاريخية مضحكة لا تمت للواقع بصلة.

    لكل هذا فقد نجد أن الحل لدى العقل الجمعي الشمالي لا يزال هو أسلمة وتعريب الجنوب أو فصله، ولدى العقل الجمعي الجنوبي هو إما أفرقة الشمال أو الإنفصال، إن لم يكن طرد العنصر العربي من السودان. ولقد لمس الدكتور فرإنسيس دينق هذه الحقيقة وعبر عنها ببساطة فصيحة حين قال: (وفي حقيقة الأمر، تعمق الصفوة من الجإنبين الإنقسام، بعضها يبني علي أفكار خالية عن عروبته، ويرد البعض الآخر بإنيا علي أفكار وهمية عن أفريقيته متجاهلين بذلك حقيقة سو دإنيتهم) .


    ولقد كانت هذه النظرة القاصرة واضحة وضوح الشمس، حتى لدى الفئات المستنيرة من الشماليين في بداية الحركة السياسية الوطنية. ففي عام 1940 زار السودان، على ماهر باشا، رئيس وزراء مصر إنذاك. وتقدم له مؤتمر الخريجين بمذكرة يطالب فيها مصر بإن ( تساعد جنوب السودان ). وكانت المساعدة المطلوبة في نظر تلك الفئة المستنيرة هي العمل على أسلمة وتعريب الجنوب وتغيير هويته. أي إنهم لا يريدون جزءا من الوطن غير مسلم وغير عربي. هذا مطلب قوم، لا يعترف عربي واحد، في كل إنحاء العالم العربي، بعروبتهم، إذ تجاوزنا المجاملات الدبلوماسية. قالت مذكرة الخريجين للباشا المصري: (إن من واجب مصر أيضا إن تخصهم "الجنوبيين" بنصيب من العناية فتلفت نظر الجمعيات الخيرية والمعاهد الدينية المصرية للعمل بالجنوب من حيث التبشير بالدين الإسلامي ونشر اللغة العربية حتى يتسنى للجزء الجنوبي أن يتمشى في ثقافته مع الجزء الشمالي) .

    وكانت النظرة الفجة القاصرة واضحة في حملة سلطة إبراهيم عبود الدكتاتورية لأسلمة وتعريب الجنوب، وهى واضحة في الإحتكاكات القبلية بمناطق ما يسمى بالتماس بين الشمالي العربي المسلم والجنوبي الأفريقي الكافر. وهى بعد واضحة في صبغ الحرب الأهلية الدائرة الآن بالصبغة الدينية وإطلاق مسمى (الجهاد) على الحملات العسكرية التي تشنها الحكومة ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان، على الرغم من إن غالبية جنود الجيش السوداني هم من الجنوب وجبال النوبة.

    وبنفس القدر ظلت الأوهام العامية الجنوبية ضد العرب المسلمين تغذى المقاومة العنيفة لحملات الأسلمة والتعريب. وقد ظلت هذه الأوهام حاضرة في موجة التمرد الأولى عام 1955 التي لم تفرق في حربها بين العسكريين والمدنيين من الشماليين وهى كانت حاضرة في حرب الأنانيا التي إندلعت عام 1963 حتى عام 1972. كما أن الحركة الشعبية لتحرير السودان التي بدأت حربها عام 1983 وحتى الوقت الراهن، نظن أنها لم تسلم من مؤثرات الأوهام العامية الجنوبية، على الرغم من الفهم الواضح والعميق للمشكلة السودانية بين الشمال والجنوب لدى قيادة هذه الحركة. ففي المستويات الوسيطة والدنيا من الهيكل القيادي للحركة الشعبية، لا بد أن رفع روح الجنود المعنوية وحثهم على القتال يتم على أساس عرقي وعلى أساس يعج بالأوهام والأمية. ففهم قيادة الحركة الشعبية للمشكلة السودانية، يقتضي مستوا عاليا من الثقافة والإدراك العام المفقود بالضرورة لدى الجندي البسيط في جيش الحركة الشعبية، كما هو مفقود لدى العديد من القادة السياسيين في الشمال والجنوب على حد سواء.

    وفي هذا السياق يشكك عبد الرحيم محمد صالح وشريف حرير في إستيعاب مقاتلي الحركة الشعبية لتحرير السودان للمفاهيم التي ترفعها قيادة الحركة. يقولإن:

    (والجيش الشعبي لتحرير السودان من أجل تفكيك النظام القديم وآلياته غير العادلة في توزيع السلطة الإقتصادية والسياسية، وبرغم إن الجيش الشعبي والحركة الشعبية تدعيان إنهما حركة للجميع مكرسة لكل السودانيين بغض النظر عن الأصل العرقي أو الطائفة الدينية، لكن من الواضح أنه من السابق لأوانه رؤية قدر من الوعي السياسي الشعبي الكافي لتحويل القيم التقليدية للتعبير السياسي %
                  

07-19-2005, 07:41 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8855

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وشرب دكتور قرنق القهوة بالمتمة. (Re: حامد بدوي بشير)

    الاخ حامد بشير تحياتي:
    وتشكر على مداخلتك التي اتخذت جانب التاريخية والتحليل المعمق ايضا واتفق معك في مقدمتك التي اسست لها:
    { يقترح هذا الوضع السياسي منطقا يقول أن تجلى أي من المشاريع السياسية على السلطة يعنى بالضرورة نفى وإبعاد المشروعين الآخرين من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن تجلى أي مشروع سياسي على السلطة لا يتم إلا بإستخدام القوة}.

    واود الوقوف على التقسيمات الثلاث واخص الكتابة هنا التقسيم الاول وعبارتك الاتية تحديدا:
    *{إذن ثمة بعد مضمر يكمل المعلن من الشعارين السياسيين الذين رفعهما التيارإن الكبيرإن، (الإستقلالي الديني) و(الإتحادي العروبي)، في بداية الحركة السياسية الوطنية. أما البعد المضمر في شعار (الإتحاد مع مصر) فهو: (إجهاض مشروع إعادة الدولة المهدية). وبهذا يكون البعد المضمر من شعار: (الإستقلال التام)، هو: (عودة السودان كما كان قبل الفتح الإنجليزي - المصري محكوما بواسطة أهله الذين هم الأنصار). وهذا تحديدا ما أسموه طموحات السيد عبد الرحمن المهدى والتي أرهبت مصر والإتحاديين والختمية والإدارة البريطإنية في السودان.}

    فاذنا اخذنا الاستقلال الديني كمشروع هنا وليس كمطية نجده ايضا محكوم بالبعد الطائفي التبعي الاستقلالي وحتى الاتحاديين المناديين بالوحدة مع مصر كانوا ايضا ينطلقون من الاستقلال الديني كمشروع او كمطية اي بمعنى اخر ان المشروعيين يتفقات في تكريس الطائفية العرقية والطائفية الدينية.

    اختلف معك ان دخول البرنامج العلماني السوداني كان سابقا لما ذهبت اليه بقليل اقصد بالضبط بعض محاولات اعضاء نادي الخريجيين في تكريس هذا الفكر ولكنه فيما بعد اصيب المشروع في مقتل ليس لانه كان في يد اليسار السوداني الغير مستساغ فكريا بل ان البرنامج الليبرالي العلماني في طياته طور التكوين والنشاءة مقابل البرنامج الطائفي للحزبيين.

    اما المناجزة العسكرية للوصول للسلطة وادارة البلد فاني اعتقد انها جاءت نتيجة للفقر الحاد في مفهوم الوطنية والثقافة الوطنية وهروب الانتماءات اولا الى الطائفة ثم الزعيم ثم شيخ الطريقة واخيرا الوطن وللاسف هذه المتوالية استمرت الى الان وبصورة تناسل غريبة جدا.
    بالنسبة لبقية مداخلتك اسمح لي ان اكملها فيما بعد لاني زمنى على الانترنت الان انتهى وعلي المغادرة.
                  

07-17-2005, 08:03 AM

حامد بدوي بشير
<aحامد بدوي بشير
تاريخ التسجيل: 07-04-2005
مجموع المشاركات: 3669

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وشرب دكتور قرنق القهوة بالمتمة. (Re: محمود الدقم)

    كيمياء السلطة في السودان

    لقد توزعت الحركة السياسية السودانية منذ نشأتها الأولى إلى ثلاثة مشاريع سياسية كبرى, هي المشروع الإتحادي العروبي والشروع الأستقلالي الديني والشروع الحداثي العلماني. قد جاءت هذه المشاريع السياسية باعتبارها تصورات سياسية لمستقبل الوطن وهو على أعتاب الإستقلال، متباعدة ومتنافرة وبلا قإسم مشترك وكأنها ثلاثة تصورات لمستقبل ثلاثة أوطإن مختلفة. فليس ثمة أرضية واحدة تجمع ما بين دولة إتحادية كبرى يكون السودان فيها إقليما مصريا . وبين دولة ثانية مستقلة هي، في جوهرها ،إستعادة للحكم الوطني المهدوى الذي دمره الفتح الإنجليزي - المصري. وبين دولة ثالثة لبرالية تعددية علمانية على نمط الدولة القومية الحديثة في أوروبا .

    يقترح هذا الوضع السياسي منطقا يقول أن تجلى أي من المشاريع السياسية على السلطة يعنى بالضرورة نفى وإبعاد المشروعين الآخرين من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن تجلى أي مشروع سياسي على السلطة لا يتم إلا بإستخدام القوة. فالقوة هي الآلية الوحيدة لنفى الآخر وإبعاده. وهذا يعنى مرة ثالثة إن الإنقلاب العسكري هو الآلية الوحيدة لاستلام السلطة في السودان .

    غير إن واقع الحال يشهد إن الأمر ليس كذلك إذ هنالك آليتين أخرتين للسلطة في السودان. فهناك الحزب السياسي وسيلة من وسائل الوصول إلى السلطة وهنالك أيضا التمرد المسلح المتوطن في جنوب السودان. هذه الآليات الثلاث لاستلام السلطة حددت السياق السياسي السوداني في ثلاث ظواهر سلطوية هي:

    1 - ظاهرة السلطة الديمقراطية التعددية وآليتها الحزب السياسي.

    2 - ظاهرة السلطة الشمولية العسكرية وآليتها الإنقلاب العسكري.

    3- ظاهرة سلطة الحرب الأهلية وآليتها التمرد المسلح في الجنوب.

    وللوصول إلى فهم اشمل لكيمياء السلطة في السودان فإن علينا إن ندرس كل ظاهرة من هذه الظواهر ثم نتتبع بعد ذلك تطور أو تدهور آليتها، لإن ذلك يعطينا صورة واضحة عن إتجاهات حركة السياق السياسي السوداني ويعيننا في تلمس الأبعاد الحقيقية للأزمة السياسية السودانية الراهنة.


    1 - السلطة الديمقراطية والحزب السياسي

    نشأت الأحزاب السياسية السودانية الرئيسية ذات الثقل الجماهيري والأقرب دائما للوصول إلى السلطة، نشأت منقسمة حول مبدأين لا ثالث لهما. الإتحاد مع مصر أو الإستقلال التام . ونجرأ على القول هنا إن كلا المبدأين زائف. فمن ناحية، كيف ينشا حزب سياسي وليس له من هدف سوى إلغاء وجود الوطن بضمة إلى دولة جارة؟ ومن ناحية أخرى فإن شعار (الإستقلال التام) كان هو الآخر تعبيرا عن مبدأ زائف إذ لم يكن يهدف حقيقة إلى تحقيق الحرية السياسية للشعب السوداني، وإنما كان يرمى إلى إعادة الدولة الشمولية الدينية.

    إذن ثمة بعد مضمر يكمل المعلن من الشعارين السياسيين الذين رفعهما التيارإن الكبيرإن، (الإستقلالي الديني) و(الإتحادي العروبي)، في بداية الحركة السياسية الوطنية. أما البعد المضمر في شعار (الإتحاد مع مصر) فهو: (إجهاض مشروع إعادة الدولة المهدية). وبهذا يكون البعد المضمر من شعار: (الإستقلال التام)، هو: (عودة السودان كما كان قبل الفتح الإنجليزي - المصري محكوما بواسطة أهله الذين هم الأنصار). وهذا تحديدا ما أسموه طموحات السيد عبد الرحمن المهدى والتي أرهبت مصر والإتحاديين والختمية والإدارة البريطإنية في السودان. فقد كتب المستر وليام قلن بلفور بول الذي عمل إداريا في السودان خلال تلك الحقبة، كتب قائلا:

    (كانت المنافسة القائمة منذ أمد طويل بين الطائفتين المسلمتين الرئيستين أتباع السيد عبد الرحمن المهدى والختمية الرافضة للمهدية ، بقيادة السيد على الميرغنى، اشد ضررا علي التطور المستقر للقطر من مؤتمر الخريجين فيما يعتقد معظم الإداريين البريطإنيين. وقد كان مفهوما أن تقمع المهدية المتجددة في السنوات المبكرة للحكم الثنائي وأن يخلع التأييد على الطائفة الرئيسية في معارضتها لها. وكانت سياسة رد الإعتبار للسيد عبد الرحمن قد أملاها على البريطإنيين عند إندلاع الحرب العظمى في عام 1914، الرغبة في مقاومته دعوة العثمإنيين إلى الجهاد. والنهوض بشخصيته في حذق، قد دفع زعيمي الطائفتين بأضطراد للإصطدام. وكانت الشبهات المبررة التي تشارك فيها حكومة السودان، المنبعثة من إنه كانت للسيد عبد الرحمن طموحات في الملك، هاجسا يثير مخاوف معارضيه، والسبب الأساسي للإرتباط التدريجي من قبل السيد على الميرغنى بالنشاط الموإلى للمصرين. وقد أرهب نفوذ السيد عبد الرحمن المتنامي حكومة السودان أيضا).

    والسؤال الذي يهمنا في هذا الجزء من العمل هو: هل هنالك أي توجه ديمقراطي ليبرالي علماني تعددي في أي من هذين التصورين السياسيين لمستقبل السودان؟.

    نجيب هنا بمزيد من الاسئلة:

    - هل الإنضمام لمصر والإتحاد معها يسمح، بأي حال من الأحوال، إذ تحقق، بقيام حزب آخر ينادي بإنفصال السودان عن مصر وإستقلاله من داخل الدولة الإتحادية؟
    - هل تسمح عودة السودان لما كان علية قبل الفتح، إذ تحققت، بوجود حزب سياسي ينادي بإلغاء وجود السودان وضمه إلى مصر؟

    فأذا كانت الإجابة على كلا السؤالين هي لا، بالضرورة، فأين يمكن إن يوجد التوجه الديمقراطي العلماني هنا؟ وإذا كانت إتفاقية السودان، إتفاقية الحكم الذاتي (1953)، قد نصت بإن يستفتي الشعب السوداني في نهاية الفترة الإنتقالية بين أمرين لا ثالث لهما وهما الإرتباط بمصر أو الإستقلال التام بالمفهوم المهدوى، فإن ذلك كان يعني بإن السودان صائر، لا محالة، لأحد هذين الخيارين الذين ينعدم فيهما وجود الديمقراطية العلمانية. وهذا تحديدا هو ما أصاب البريطإنيين باليأس والشعور بالهزيمة. فقد وافقوا علي خيارين لمستقبل السودان ليس في أي منهما مكان للديمقراطية العلمانية التي كانوا هم رسلها للعالم الثالث. إذن ، لمإذ نشأت الأحزاب أصلا، إذ لم تكن نشأتها تؤدي إلى نظام ديمقراطي؟.

    نقول هنا، بإن إنشاء الأحزاب السياسية، أو علي الأقل، الحزبين الكبيرين (الأمة) و(الوطني الإتحادي)، هو أمر أملته الضرورة، إذ لا بد من قيام كيإن سياسي يحمل عبء الدعوة لعودة السودان للمهدية، أو عبء الدعوة لإبعاد السودان عن العودة للمهدية بإنضمامه إلى مصر. وذلك بسبب أن مصر والسودان كانتا تحت الهيمنة البريطإنية. وبريطانيا لم تكن لتسمح بقيام أية وسيلة سياسية سوي الحزب السياسي المكون علي أساس لبرالي.


    وإذا شاءت الأحزاب السودانية الكبرى إن ترتبط بأهداف غير ديمقراطية، فإن هذا يعني إن هذه الأحزاب قد شاءت إن يكون النهج الديمقراطي وسيلة مؤقتة تنتهي بإنتهاء وسيلة الإستفتاء. فبعد عملية الإستفتاء لن يبقي غير حزب واحد، فإذ قرر الشعب السوداني الإتحاد مع مصر، فإن المنطق يقول بنفي وإبعاد (حزب الأمة)، أما إذ حدث العكس وقرر الشعب الإستقلال ومن ثم العودة إلى الحكم المهدوى، فلا مكان للإتحاديين في السودان، و(لا شيع ولا طوائف ولا أحزاب)، كما فسر السيد عبد الرحمن شعاره الغامض (السودان للسودإنيين) بهذا القول الداعي للشمولية الدينية.

    وكان لا بد من حدوث معجزة لتنقذ السودان من هذا المصير المظلم الذي تحدد مسبقا في إتفاقية الحكم الذاتي عام 1953. فكيف جاءت هذه المعجزة ومن أين؟

    أول الفرج قد جاء علي يد الشعب السوداني عندما قرر أن يهزم حزب الأمة في إنتخابات سلطة الحكم الذاتي عام 1953. ولا شك أن الإتحاديين قد فهموا هذه النتيجة الإنتخابية على أنها تعني هزيمة مشروع السيد عبد الرحمن الذي ظاهره الإستقلال وباطنه إعادة الدولة الدينية المهدية.

    تلي ذلك وفي حوالي عام 1954 نمو خطاب سياسي راديكالي في مصر لم تستسغه الإذن الإتحادية التي تربت علي الخطاب العلماني في مصر ما قبل الثورة، كما لم تفهمه القاعدة الإتحادية المكونة أساسا من البرجوازية التجارية السودانية التي يرعبها مثل هذا الخطاب الثوري المليء بمفردات التأميم والمصادرة ونصرة الفلاحين والعمال والكادحين. فهؤلاء الأخيرين هم قاعدة (حزب الأمة)، وفي أحسن الأحول سند اليسار السوداني. وكان لا بد أن يقل حماس الحزب (الوطني الإتحادي) تجاه مبدأ الإتحاد مع مصر، خاصة وإن الخطر الأنصاري حجم ولو مؤقتا.

    ولم يتبقى من خطر يهدد السودان سوي إن يلجأ أهل المشروع المهدوى الديني للعصيإن والجهاد. فهذه ورقة لا يفوت علي سياسي بارع مثل السيد عبد الرحمن أن يلوح بها في وجه الإنجليز محذرا من ترك المصريين يستولون علي السودان. ففي مقابلة له مع سلوين لويد وزير الدولة بوزارة الخارجية البريطإنية عند زيارته للسودإن في مارس عام 1953، ألمح السيد عبد الرحمن المهدي للسياسي البريطإني بهذا التهديد مبطناً بدبلوماسية السيد عبد الرحمن العبقرية حيث قال له:

    (إن البريطإنيون يفضلون دون شك إن تتسم المنطقة الواقعة خلفهم بالإستقرار في حال وقوع مزيد من الأضطرابات والإصطدامات في منطقة قناة السويس، مؤكدا إن الموقف كان هادئا في السودان عند وقوع هذه الأضطرابات في مصر من قبل، بفضل تعاون حزب الأمة مع حكومة السودان ) .

    وكان الإداريون البريطإنيون في السودان مقتنعين بإن نتائج الإنتخابات لن تثني السيد عبد الرحمن المهدي عن هدفه الكبير، وإن إستخدامه للعنف كان واردا تماما. فقد جاء في مذكرة الحاكم العام إلى وزارة الخارجية البريطإنية الصادرة في 3 أغسطس عام 1954 ما يلي: (إذا كان التحليل السابق صحيحا فإن موقف السيد عبد الرحمن المهدي والأنصار، خلال الفترة الإنتقالية سيتسم بالهلع واليأس، ونحن لا نستطيع إن نأمل في إن يتأقلم مع وضع يعرف إنه شديد التهديد لقوته وسطوته الشخصية ومركزه، ويقوي من خصمه اللدود السيد علي الميرغني. وسيتجه عقله أكثر فأكثر نحو العنف كلما أحكم الحزب الوطني الإتحادي قبضته في القطر، وسيتمزق بين الهجوم قيل فوات الأوان والأمل في إن تتدخل حكومة صاحبة الجلالة لإنقإذه .........

    لقد تنأولنا إلى حد ما في مستهل هذه المذكرة خطر حرب أهلية تصدر عن المهدويين كما ورد في الفقرة أعلاه ومهما يكن من أمر فإن الحرب الأهلية ستؤدي إلى كوارث علي السودان والمصالح البريطإنية )

    وكان لا بد إن تؤدي هزيمة مبدأ الإتحاد بسبب الثورة المصرية الجديدة، وهزيمة مبدأ العودة للدولة الدينية المهدية في صناديق الاقتراع، إلى إن يتراضى الطرفإن مؤقتا علي إستمرار نظام حكم الفترة الإنتقالية الديمقراطي العلماني ودستور الفترة الإنتقالية العلماني المؤقت والحصول علي إستقلال البلاد عن هذا الطريق حتى إشعار آخر.

    هكذا دخلت تاريخ التجربة السياسية السودانية السلطة الديمقراطية العلمانية بصفة مؤقتة، وظل هذا قدر هذا النوع من السلطة في السودان، تلجأ إليه الساحة السياسية السودانية في وقت الأزمات والمنعطفات الخطيرة و تتراضى حوله مؤقتا.
    وهذا يعني بإنه ليس هناك علاقة مباشرة بين حقيقة تبلور التيارين السياسيين الرئيسيين في أحزاب، وبين تجلي النظام الديمقراطي التعددى عشية الإستقلال. نعم إن الأحزاب قد تكونت كوسائل للوصول إلى السلطة، غير إن الوصول إلى السلطة، حسب أيديولوجيات هذه الأحزاب نفسها، هو نهاية المطاف، فأما إنضمام إلى مصر ونفي التيار الديني الإستقلالي أو دولة مهدوية دينية، وبالتالي نفي التيار الإتحادي العروبي.

    كان هذه الفهم سائدا حتى توقيع إتفاقية السودان (الحكم الذاتي عام 1953) بين مصر وبريطانيا، حيث كان ولا يزال الإتحاديون يتمسكون بمبدأ الإتحاد، وكان حزب الأمة لا يزال يمثل تهديدا ضخما لمستقبل السودان حسب رؤية الإتحاديين والبريطإنيين علي السواء. وكانت المفاجأة هي هزيمة حزب الأمة في إنتخابات أواخر 1953. ثم كان التحول الدراماتيكي في موقف الإتحاديين من الإتحاد مع مصر. وهكذا أجريت الإنتخابات والغي الإستفتاء وحدث الإستقلال دون إن تقع المواجهة بين التيارين الكبيرين.

    ولكن ظلت أي محاولة لفرض أي من المشروعين علي مستقبل البلاد، أو منع ذلك، لن يتم إلا بإستخدام القوة العسكرية. وإن كانت هذه المناجزة العسكرية لم تقع بعد الإنتخابات والإستقلال مباشرة، فإنها قد ظلت احتمالا مضمرا قابلا للتجلي في أي لحظة تكتمل شروطه.

    وفي واقع الأمر، فإن تاريخ السلطة في السودان ما هو إلا تاريخ الإنقلابات العسكرية المتبادلة بين هذين التيارين. فقد حرك التيار الديني إنقلاب عبود عام 1958، وحرك التيار العروبي إنقلاب نميري عام 1969، وحرك التيار الديني إنقلاب اليشير عام 1989

    وإذا كان هذا التحليل يؤدي إلى الإعنقاد بإن الأحزاب هي صانعة الإنقلابات العسكرية، فهذا ما رمينا إليه تحديدا، وما سنحاول إن نناقشه في العنوإن القادم .


    2- السلطة الشمولية والإنقلاب العسكري

    لم يكن دستور السودان المؤقت والذي هو دستور الفترة الإنتقالية من الحكم الذاتي إلى الإستقلال لم يكن يحظى بإحترام أي طرف من الأطراف داخل برلمان الحكم الذاتي. وكان ينظر إلية كآخر بقايا العهد الإستعماري. غير إن إستبداله بدستور دائم للبلاد وضمن التركيبة السياسية التي ناقشناها سابقا كان أمرا مستحيلا. فاخطر ما في الدساتير أنها تحدد، وبصورة قاطعة ونهائية نظام الحكم ونظام إنتقال السلطة. وحيث أن الوضع في السودان لم يكن يعدو أن يكون هدنة مؤقتة ريثما تخرج من البلاد دولتا الحكم الثنائي، فإن إنجاز دستور دائم كان رابع المستحيلات. فالدستور يعنى تنازلات من جميع الأطراف لمصلحة إنشاء وطن موحد يسع الجميع ولا يسقط فيه حق أحد. وحيث إن العلاقة بين المشاريع والتصورات السياسية لمستقبل السودان قد ظلت كما هي، علاقة نفى وإبعاد، فإن خطر محاولات الإجتثاث ومحاولات إجهاض المشروع المضاد قد ظل ماثلا بعد الإستقلال. وقد فطن إلى ذلك الدكتور شريف حرير في ورقته إلى بعنوإن (إعادة تدوير الماضي في السودان) حيث ورد :

    (إن الإحترام لنموذج دستور ويستمنستر في الفترة التي أعقبت الإستقلال، لم يكن كبيرا. لقد رجحت عموما المصالح الشخصية والحزبية الأولوية علي الإعتبارات الدستورية وأسهمت في خلق الفرص للتدخل العسكري نتيجة لذلك)
    من هنا جاءت الظاهرة السلطوية الثانية في السياق السياسي السوداني وهى ظاهرة السلطة الشمولية وآليتها المحققة لها وهى الإنقلاب العسكري. وبدراسة هذة الظاهرة بدقة يتضح لنا بإنه لم يقع إنقلاب عسكري في السودان إلا من أجل تحقيق مشروع سياسيي أو إجهاض مشروع سياسي مضاد وشيك التحقيق. وكان ذلك على النحو التالي:

    إنقلاب إبراهيم عبود عام 1958
    كان هذا هو التجلى الأول لظاهرة السلطة العسكرية الشمولية ضمن التجربة السياسية السودانية. وحول هذا الإنقلاب ، وبما يتماشى مع ما ذهبنا إليه من مسئولية الصراع بين المشاريع السياسية في خلق ظاهرة الإنقلاب العسكري، إنقل هنا من كتاب الدكتور إبراهيم محمد الحاج موسى الموسوم: (التجربة الديمقراطية وتطور نظم الحكم في السودان) من الصفحة رقم 200:

    (.. . سافر إلى القاهرة السيد على عبد الرحمن رئيس حزب الشعب الديمقراطي ووزير التجارة آنذاك دون إن يخطر رئيس الوزراء بذلك، كما سافر إلى بغداد السيد إسماعيل الأزهري رئيس الحزب الوطني الإتحادي لتهنئه الشعب العراقي بثورة تموز سنة 1958، ومن بغداد عرج على القاهرة حيث واصل منها إتصالاته مع السيد على عبد الرحمن. ومن القاهرة إنتشرت إشاعة لقائهما وإتفاقهما مع القادة المصريين على إعلان إتحاد مصر والسودان. ولعل أول من أطلق هذه الإشاعة صحيفة فرنسية عندما نشرت خبرا لمراسلها في القاهرة مفاده أن إتفاقا سريا قد تم بين قادة الحزب الوطني الإتحادي وحزب الشعب الديمقراطي وبين الرئيس جمال عبد الناصر لقيام ثورة وطنية إشتراكية بالخرطوم .... إن دوائر حزب الأمة جن جنونها لهذا الخبر، وكان رئيس الوزراء يعلم جيدا أن وزارته سوف تسقط عند افتتاح الدورة البرلمانية الثانية في 17 نوفمبر سنة 1985، لذلك عمل رئيس الوزراء على أن يسلم السلطة للجيش قبل افتتاح البرلمان )

    وسواء عمل حزب الأمة بناءا على تصديقه لهذه الشائعة أو بناءا على حسابات أخرى، فإنه قد كان متأكدا من سقوط حكومته وتولى أهل المشروع الإتحادي العروبي للسلطة مما يجعل فرصة تحقيق المشروع الإتحادي مواتية. وكان لابد من أن يتحرك حزب الأمة لإجهاض تحقق المشروع الإتحادي، وكان لابد من الإنقلاب العسكري.

    2- إنقلاب جعفر نميري عام 1969م
    وتحقق مشروع سياسي أو إجهاض مشروع مناوئ، كان هو أيضا المحرك الأساسي وراء وقوع الإنقلاب العسكري الثاني في السودان عام 1969. وإذ كان أهل المشروع المهدوى الديني قد إستطاعوا إجهاض المشروع الإتحادي العروبي الذي كان يتوهم إنه سيحقق، فإن القمة الراديكالية من أهل التيار الإتحادي العروبي، ممثلين في القوميين العرب، قد إستطاعوا عام 1969، تحريك الجيش للإستيلاء على السلطة وإجهاض مشروع الدستور الإسلامي الذي تأكدت إجازته من داخل الجمعية التاسيسية عام 1969 بإتفاق (حزب الأمة) و(الوطني الإتحادي) و(جبهة الميثاق الإسلامي). فبعد إنتخابات عام 1968 والتي حظر قبلها نشاط الحزب الشيوعي السوداني بإتفاق الأحزاب الثلاثة المذكورة، ظهر جليا أن إتفاقا بين هذه الأحزاب الثلاثة قد أبرم من أجل فرض الدستور الإسلامي من داخل البرلمان. وقد نقل الدكتور عبد اللطيف ألبوني في كتابة: (تجربة نميري الإسلامية في السودان) مقتطفات من مقالة لاحمد البشير الأمين في مجلة (المستقبل العربي) ما يلي:

    (كان واضحا منذ البداية إن الإنقلاب كان محاولة من أنصار الدستور العلماني لوضع نهاية لمخططات أنصار الدستور الإسلامي لإجازته بواسطة الجمعية التاسيسية. وقد أعلن قائد الإنقلاب أن من أول أهدافه تمزيق تلك الوريقة الصفراء ورميها في سلة المهملات).

    إنقلاب عمر البشير عام 1989م
    ولم بشذ الإنقلاب الثالث 1989، عن القاعدة، بل جاء تأكيدا لها. فقد تبلورت الدولة الديمقراطية العلمانية في إتفاقية (الميرغنى - قرنق) في أديس أبابا عام 1988، كما إن التأييد الدولي والإقليمي والداخلي التي حظيت به هذه الإتفاقية قد جعل تحقيق الدولة الديمقراطية العلمانية أمرا مؤكدا. فقد كانت هذه الإتفاقية في سبيلها إلى أن تؤسس وحدة حقيقية بين شمال البلاد وجنوبها على قواعد علمانية يفصل فيها تماما بين الدين والدولة. ولم يكن يمنع من تنفيذ هذه الإتفاقية سوى الإنقلاب العسكري. غير أن الجديد في إنقلاب 1989، هو أنه كان مخططا قبل إن يبدأ مجرد التفكير في إتفاقية (الميرغنى - قرنق) عام 1988. فقد قررت الحركة الإسلامية السودانية الحديثة إستلام السلطة بواسطة إنقلاب عسكري وفرض الدولة الدينية بناء ا على حسابات داخلية تخص هذه الحركة. ولما فوجئت هذه الحركة بتلك الإتفاقية القوية الناضجة كان لابد من أن تعجل بتقديم ساعة الصفر وتستلام السلطة.

    وإذا كان إنقلاب عبود 1958 قد جاء لإجهاض تحقق المشروع الإتحادي العروبي وهو في حكم الإشاعة، وإذا كان إنقلاب نميري 1969، قد جاء لإجهاض تحقق المشروع الديني الذي كان وشيك التحقيق، فإن إنقلاب البشير 1989، قد جاء في الشكل النموذجي المكتمل والمثالي للإنقلاب العسكري في السودان ضمن المفهوم الذي حددناه في هذه الدراسة. فقد جاء هذا الإنقلاب لإجهاض مشروع الدولة الديمقراطية العلمانية، وفرض الدولة الدينية الشمولية في نفس الوقت. وهذا ما جعل هذا الإنقلاب يحدث بوقوعه مواجهة مباشرة وصداما علنيا بين الدولة الدينية التي جاء بها وبين بقية عناصر الساحة السياسية السودانية التي تجمعت في معسكر الدولة الديمقراطية العلمانية كما تبلورت في إتفاقية (الميرغنى – قرنق). كما إنه لم يسبق في تاريخ السودان أن اكتمل تصور الدولة الدينية وتجهيز كوادرها وتحضير برامجها، كما حدث عشية إنقلاب البشير عام 1989.


    3 - سلطة الحرب الأهلية والتمرد

    ظلت حركات التمرد المسلح في الجنوب وبإستمرار، تستبق تغيرا سياسيا كبيرا وشيك التحقق في السودان. إذ لا يفوت الدارس للحركة السياسية السودانية إن يلاحظ بأن موجة التمرد الأولى عام 1955 قد استبقت، موعد تقرير المصير وقرار الإستقلال عام 1956. وهذا يعنى إن الجنوب يرفض إن يقرر الشمال مصيره وفى غيابه الكامل. فقد أصمت الأحزاب الشمالية آذانها عن سماع رأي الجنوبيين حول تقرير المصير والإستقلال. كما سوفت وراوغت بشأن مطالبة الجنوب بالنظام الفدرالي.

    أما موجة التمرد المسلح الثانية عام 1963، فقد استبقت سقوط الحكم العسكري الشمولي الأول عام 1964، حتى تكون مستعدة للمشاركة في تقرير نظام الحكم بعد سقوط الدكتاتورية ومن موقف قوة. وهذا يدل على إن السياسي الجنوبي أقدر على القراءة الصحيحة للوضع السياسي في السودان من رصيفه الشمالي. فعندما بات سقوط السلطة العسكرية وشيكا، إستبق التمرد الحدث الكبير القادم.

    وكذا جاءت موجة التمرد الثالثة عام 1983، مستبقة التحول الكبير تجاه أسلمة الدولة في السودان على يد جعفر محمد النميرى، بإعلانه تطبيق الشريعة الإسلامية عام 1984.

    ويتضح ألآن أن المشاريع السياسية الكبرى في السودان، ومن خلال نظرتها ذات الإتجاه الواحد قد أوجدت ظاهرة السلطة الشمولية والإنقلاب العسكري كما أوجدت ظاهرة الحرب الأهلية والتمرد المسلح. فالعقل السياسي الجنوبي، قد بات متيقنا بإن الجنوب والمواطن الجنوبي لا مكان له ضمن المشروعين السياسيين الأقرب للتحقق والأقدر على التجلى في السلطة، وإنه لابد له من الإعلان عن رفضه للمصير الذي يقرره له، وفى غيابه، كلا المشروعين. لإن هذا المصير لا يهدف إلا لتغيير هوية الإنسان الجنوبي بإتجاه الأسلمة والتعريب. لهذا ندرك ألإن جزع الفعآليات السياسية الجنوبية كلما اقترب موعد تحول كبير في مسيرة الحركة السياسية السودانية. فلا يوجد إنسان على ظهر الأرض مستعد للتنازل عن هويته العرقية والثقافية عن طيب خاطر. إذ أن كل إنسان يرى أنه لا يوجد في الكون هوية عرقية افضل من هويته ولا ديإنة أعظم من ديإنته ولا ثقافة أفضل من ثقافته. هكذا خلق الله البشر مختلفين ولو شاء لجعلهم أمة واحدة.

    قإنون التدهور

    إذ تنأولنا بالتحليل آليات تحقق السلطة في السودان، وحاولنا الكشف عن قإنون يحكم حركتها، فإنه سوف يتبين لنا بإن القإنون الوحيد الذي يحكم حركة هذه الآليات حتى ألإن هو قإنون التدهور. بمعنى إن هذه الآليات، وهي كما أوضحنا سابقا، الحزب السياسي والإنقلاب العسكري والتمرد المسلح، قد أخذت تتحول جميعها في إتجاه عكسي يبعدها أكثر فأكثر عن ماهيتها وعن المفاهيم التي قامت عليها بنيتها.

    ففي مسيرة الحركة السياسية السودانية تبادلت الظواهر السلطوية التي تحدثنا عنها سابقا التجلى والغياب في خط دائري تماما بحيث تكرر تجلى كل منها ثلاثة مرات. فهناك ثلاث ظواهر سلطوية ديمقراطية في عام 1956 وعام 1964 وعام 1985. وثلاث ظواهر سلطوية شمولية في عام 1958 وعام 1969 وعام 1989. وكذلك ثلاث حروب أهلية في عام 1955 وعام 1963 وعام 1983. وهذا يتيح لنا النظر في حالة الآليات المحققة لهذه الظواهر عبر ثلاث مراحل لكل اليه من الحزب إلى الإنقلاب العسكري إلى التمرد المسلح.

    الحزب السياسي

    ا - حافظ الحزب السياسي في السودان على المفهوم العلماني للحزب السياسي طوال فترة مقاومة الأحزاب السياسية السودانية للسلطة العسكرية الأولى ما بين عام 1958 وعام 1964. بمعنى إن أدوات مقاومة الأحزاب السياسية الدكتاتورية الأولى قد ظلت أدوات وأساليب مدنية تتمثل في الضغط السياسي عبر جماهير الشعب السوداني من خلال العرائض والإحتجاجات والمظاهرات وحتى العصيإن المدني. وهذه هي المرحلة الأولى من مراحل تحولات الحزب السياسي, باعتباره الآلية الوحيدة لتحقق الظاهرة السلطوية الديموقراطية

    ب- في المرحلة الثانية بدأ الحزب السياسي في السودان يفارق مفهوم الحزب المدني الذي يستمد قوته الحقيقية من تأييد الجماهير طوال فترة مقاومة الأحزاب للسلطة العسكرية الثانية ما بين عامي 1969- 1985. فقد اعتمدت هذه الأحزاب، في تلك الفترة، على أدوات نضال هي خليط من العمل العسكري الحربي والعمل المدني السياسي. وظهرت لأول مرة في تاريخ الحركة السياسية السودانية المليشيات ومعسكرات التدريب والصدامات العسكرية سواء في الجزيرة أبا وأمدرمإن عام 1970أو في الخرطوم عام 1976. وهذه هي المرحلة الثانية.

    ج- في المرحلة الثالثة ابتعد الحزب السياسي في السودان كلية عن المفهوم المدني للحزب السياسي منذ بداية حركة مقاومته للسلطة العسكرية الثالثة عام 1989. فقد تحولت مقاومة الأحزاب السوادنية للسلطة الحالية كلية للوسائل العسكرية وأصبح لكل حزب جيشه ومواقعه التي يحتلها، بل إن حزبا سياسيا جديدا قد ولد كتنظيم عسكري ألا وهو حزب عبد العزيز خالد.

    ويعنى هذا مباشرة أن الأحزاب السياسية السودانية باعتبارها آلية تحقق الظاهرة السلطوية الديموقراطية، قد قاومت السلطة العسكرية الأولى بوسائل مدنية صرفه مائة بالمائة. وإنها في المرحلة الثانية، قد قاومت السلطة العسكرية الثانية بوسائل نصفها مدني ونصفها عسكري، كما إنها في المرحلة الثالثة قد قاومت السلطة العسكرية الثالثة بوسائل عسكرية صرفه مائة في المائة.

    وهذه المراحل الثلاث توضح بجلاء أن هذه الآلية، آلية الحزب السياسي قد بدأت تفقد مفهومها المدني وصفتها المدنية لصالح المفهوم الراديكالي للحزب السياسي والصفة العسكرية، وهذا يعني إن تنظيم الجماهير وأدوات النضال المدني لم تعد، في نظر هذه الأحزاب ذات جدوى كبيرة حتى صير إلى إستبدالها بالتنظيمات العسكرية وأدوات النضال المسلح. ولا يكون كل هذا بالمعايير المعروفة سوي التدهور. ولعل إستعداد الأحزاب السياسية للإنحدار والتدهور تجاه العسكرة مرة بعد أخرى، يجد تفسيره في ما ذهبنا إلية من وجود النزعة العسكرية كامنة في بذرة تكوين هذه الأحزاب. لهذا يسهل إنحدارها وتدهورها تجاه إستبدال العمل السياسي المدني بالعمل الحربي العسكري.

    الإنقلاب العسكري

    جاءت الإنقلابات العسكرية في السودان بمثابة ثلاث مراحل من تطور آلية الإنقلاب العسكري المحققة للسلطة الشمولية. وهي مثل سابقتها، آلية الحزب السياسي، قد سلكت خطا تدهوريا هابطا خلال ثلاث مراحل. فقد جاء إنقلاب عبود عام 1958 عسكريا صرفا، لم يسع لدعم سياسي مباشر من أي حزب، كما لم يشرك معه حزبا في السلطة. وقد مثل هذا الإنقلاب الطور الأول النقي من تحولا آلية الإنقلاب العسكري المحققة للسلطة الشمولية في السودان.

    مثل إنقلاب نميري عام 1969 الطور الثاني الوسيط من تحولات هذه الآلية وفيه بدأت هذه الآلية تفقد نقاء صفتها العسكرية حيث إشركت العناصر المدنية، وبصفتها الحزبية، في السلطة منذ اليوم الأول للإنقلاب. وبدا جليا منذ البيإن الأول، أن ما وقع هو عمل سياسي نصف عسكري ونصف مدني. وقد ظلت السلطة الناتجة عن هذا الإنقلاب معتمدة بإستمرار، في نسبة خمسين في المائة من إستمرارها، علي العنصر الحزبي المدني.

    فإذ وصلنا إلى الطور الثالث من آلية الإنقلاب العسكري، وهو إنقلاب البشير عام 1989، فإننا نجد أنفسنا أمام إنقلاب مدني مائة في المائة من حيث التخطيط والتنفيذ ورموز السلطة التي نصبها الإنقلاب.

    ومن حيث أن الإنقلاب ظاهرة سياسية معسكرة وآلية عسكرية لإستلام السلطة ومناقضة جوهريا لآلية الحزب السياسي ووسائله المدنية في استلام السلطة، فإننا عندما نشهد آلية الإنقلاب في السودان تتجه تدريجيا، وعبر ثلاث مراحل إلى التخلي عن جوهرها العسكري لصالح المدينة، فإننا لا نستطيع إلا إن نعتبر ذلك تدهورا. ولعل إستعداد الإنقلابات العسكرية في السودان إلى التدهور والإنحدار تجاه المدنية بزيادة العنصر المدني فيها مرحلة بعد أخري، هو مؤشر سليم لما ذهبنا إليه من أن الإنقلاب العسكري في السودان هو بالأساس عمل حزبي مرتبط بصراع التيارات السياسية الكبرى، وظل أثر هذه التيارات يزداد تجليا في تكوين الإنقلاب العسكري مرحلة بعد أخري.



    التمرد المسلح

    الآلية الثالثة لإستلام السلطة في السودان هي آلية التمرد المسلح. وهي مثل الآليتين السابقتين، قد تحولت عبر ثلاث مراحل.

    ا - جاءت الموجة الأولى من التمرد إرتجالية، لحد كبير، سيئة الإعداد، وعسكرية صرفه. وهي من الناحية السياسية، كانت تعتمد خطا سياسية فقيرا، يتمحور حول الإنفصال هدفا نهائيا، ومقاومة الإستعمار الشمالي، هدفا تكتيكيا.

    وقد كان المنطق الواقعي البديهي المبرر للهدفين الإستراتيجي والتكتيكي، واضح وبسيط وماثل للعيإن. فقد أعطت حركة سودنة الوظائف الإدارية، مدنية وعسكرية، إنطباعا عاما لدي المواطن الجنوبي بإنه سوف يستبدل مستعمرا بريطانيا بمستعمر شمالي. هذا بالإضافة إلى أن مستقبل الجنوب قد بدا غامضا في واقع إتفاقية السودان بين دولتي الحكم الثنائي لعام 1953 التي حددت مصير السودان في خيارين لا ثالث لهما وهما الإنضمام لمصر أو الإستقلال تحت رأية المهدية الدينية. ولهذا كان لابد من أن تجيء الموجة الأولى من آلية التمرد إنفصالية ومشبعة بالشعارات العنصرية ضد العرب المسلمين. ويورد الدكتور فرإنسيس دينق ما ذكره المؤرخ دستان في شرح هذه النقطة علي النحو التالي:-

    (إن احتكار السلطة السياسية بواسطة الشمال، أكبد للجنوبيين بداية عهد إستعماري ثاني، ومن الجإنب الآخر، شعر الشمال بان له الحق الشرعي لصيإنة وتنفيذ السياسات التي تؤثر علي القطر كله. إن فشل السياسيين الشماليين في تحقيق شراكه السلطة مع الصفوة السياسية من الجنوب، دعمت، وبشكل مستمر الشعور بالغربة والعزلة لدي الجنوب، والإعنقاد بإن الشمال في حقيقة الأمر، يعتبر خلفا للإستعمار البريطإني.
    وأيضا كانت محاولات الشمال إخضاع الجنوب تحت إمرته، أكثر ضررا منها نفعا في بلورة نظرة الجنوبيين حيال حكومات الخرطوم بعدم شرعيتها، مما أدي في النهاية للتمرد المسلح)

    ب. جاءت موجة التمرد الثانية جيدة الإعداد وقد تزايد فيها العنصر السياسي المدني، فأعلنت عن نفسها في بيإن سياسي وزعته علي الوسائط الإعلامية العالمية عام 1963، وأسمت جناحها العسكري (أنإنيا) أي إسم الأفعى . وحيث أن هذه الموجة من التمرد المسلح في الجنوب قد جاءت ردة فعل مباشرة ضد سياسية نظام الجنرال عبود القائمة علي فرض الأسلمة والتعريب عن طريق القوة، فإنها ما كان لها إلا إن تكون إنفصالية وعنصرية.

    غير إن هذه الموجة من التمرد المسلح، وفي مسيرتها خلال عقد من الزمإن، إنتهت إلى أن الإنفصال ليس في صالح السودان ولا صالح الجنوب. لهذا، وعندما وافق الشمال، ممثلا في سلطة جعفر محمد نميري، علي منح الجنوب حكما ذاتيا عام 1972، ألقت (إنإنيا) سلاحها، وعرف الجنوب السلام لأول مرة منذ فجر الإستقلال عام 1955. وبهذا تكون الموجة الثانية من التمرد قد سارت نصف الدرب عنصرية إنفصالية، ونصفه قومية وحدوية.


    ج - خلال سبعة عشر عاما من الحرب، تلتها عشر سنوات من السلم، إرتفع الوعي العام، ولا شك، للمواطن الجنوبي وازدادت الصفوة المتعلمة الجنوبية عدديا، وقد صار الجنوبيون أكثر إدراكا لمصالحهم وأكثر إعتزازا بهويتهم وأكثر حساسية وحذرا تجاه الحكومات الشمالية.

    لهذا فقد كان الجنوب متنبها عندما بدأ الدكتاتور نميري، إنطلاقا من حسابات خاصة بإطلة عمر نظامه، يميل بالدولة السودانية كلها تجاه الأسلمة. ثم، ولتنفيذ ذلك، بدأت السلطة التي تحالفت مع الإسلاميين الراديكاليين، تمارس تكتيكاتها لإضعاف الجنوب حتى تقلل من فعالية ردة فعله تجاه الأسلمة. هنا إندلعت موجة التمرد الثالثة عام 1983، واهتز الجنوب بعنف لهذا التحول الكبير الذي حدث في مركز السلطة في السودان. وكان لا بد من التفكير في معالجة المشكلة السودانية من جذورها بصورة متكاملة. وقد اختلف الأمر هذه المرة، ولا بد من أن يتحمل الجنوب المسئولية الكاملة في الحفاظ علي وحدة البلاد أولا ثم حل (المشكل السوداني) ثانيا.

    لهذا جاءت الموجة الثالثة من التمرد عام 1983 قومية الهوية ووحدوية التوجه. ودعت الحركة الشعبية لتحرير السودان إلى إقامة (السودان الجديد). وحددت الحركة الشعبية لتحرير السودان بأن (القضية وطنية وليست جنوبية. فهي تضم في تركيبتها قوات مقاتلة من أقاليم معينة في الشمال وأفراد من كل إنحاء القطر. إن أي تسوية للنزاع علي أسس الشمال والجنوب، يجب إن تضع في الاعتبار ذلك البعد للتعقيد وتوسيع النزاع) . وقد جاء في منفستو الحركة الشعبية لتحرير السودان البيإن التأسيسي الآتي:

    (إن المهمة الريئسية للحركة الشعبية / الجيش الشعبي لتحرير السودان هي تحويل الحركة الجنوبية من حركة رجعية يقودها رجعيون وتهتم بالجنوب والوظائف والمصالح الذاتية، إلى حركة تقدمية يقودها ثوريون ومكرسة لتحويل كل القطر إلى الإشتراكية. ويجب التأكيد علي أن الهدف الرئيسي للحركة والجيش الشعبي لتحرير السودان ليس هو فصل الجنوب، فالجنوب جزء لا يتجزأ من السودان، وقد تمت تجزئة أفريقيا بما فيه الكفاية بواسطة الإستعمار والإستعمار الجديد، وأن المزيد من التجزئة لن يخدم إلا أعداء أفريقيا.)

    وبالمقارنة مع آلية الحزب السياسي المحققة لظاهرة السلطة الديمقراطية التعددية والمنحدرة تجاه العسكرة، وآلية الإنقلاب العسكري المحققة لظاهرة السلطة الشمولية والمنحدرة تجاه المدنية، فإن آلية التمرد المسلح تبقي هي الآلية الوحيدة السائرة تصاعديا من الإنفصال تجاه الوحدة ومن العنصرية تجاه القومية.
    لكل هذا فقد جاءت الموجة الثالثة من التمرد المسلح قومية ووحدوية، تحمل هما سياسيا عاما وليس هما سياسيا جنوبي.



    الأوهام وقودا للأزمة

    ثمة قضيتا رئيسيتإن ظلتا بلا حل جذري ومؤجلتين منذ أن صار للسودإنيين رأي وقرار في شأنهم السياسي عند بداية مفاوضات الحكم الذاتي أول عام 1953. هاتإن القضيتإن هما:

    - علاقة الدين بالدولة

    - علاقة جنوب السودان بشماله

    وقد سكت الإتفاق المبرم بين الصاغ صلاح سالم، ممثل حكومة الثورة المصرية وبين ممثلي الأحزاب الشمالية السودانية عن هاتين القضيتين، وكان ذلك في العاشر من يناير عام 1953. فلم يجيء في ذلك الإجتماع شيء عن علاقة الدين بالدولة، وكان ذلك طبيعيا في أجواء يسيطر فيها الإتحاديون بدعم قوي من الحكومة المصرية، كما إن علاقة الدين بالدولة لم تكن مطروحة بالوضوح والحدة التي طرحت بها بعد الإستقلال، إذ كانت في ذلك ألوقت مغلفة بالدعوة للإستقلال التام من جهة، وبحق السيد عبد الرحمن المهدي في حكم السودان من الجهة الأخرى. كما لم يرد في ذلك الإتفاق أي شيء عن وضع جنوب السودان سوى ما ورد في الاقتراح المصري بشأن عمل لجنة الحاكم العام وعلاقتها بالحاكم العام ودولتي الحكم الثنائي، مما ليس له علاقة بمعرفة ما يريده الجنوبيون. علما بإن هذا الإتفاق قد أريد به أن يكون هو الكلمة السواء التي أليها السودانيون. وقد جاء في ديباجة ذلك الإتفاق: (اتفقت الأحزاب السودانية والموقع مندوبها علي هذه الوثيقة أن تكون النقاط المتقدمة أساسا للدستور السوداني للحكم الذاتي، وبغير ذلك أجمعت هذه الأحزاب علي مقاطعة الإنتخابات التي تجري في ظل أي دستور غير هذا) .

    ووأخطر ما في هذا الإتفاق هو أنه قد تم في غياب كامل لأي ممثل للجنوب أو بقية أرياف السودان المختلفة، الأمر الذي فطن له السير جيمس روبر تسون، السكرتير الإداري لحكومة السودان والذي أعلن ندمه فيما بعد علي حل الجمعية التشريعية و(بالتالي لم يتوافر للجنوبيين ولا لأهل الأرياف فرصة التأثير علي الأحداث)

    وعلي الرغم من وجود قضايا أخري كثيرة وهامة، عالقة حتى الوقت الراهن، مثل الدستور الدائم والتنمية المتوازنة والإستقلال الأمثل لموارد البلاد، إلا أننا نعتقد بأن عدم حسم هاتين القضيتين هو سبب كل الإخفاقات في كل الميادين. فعلاقة الدين بالدولة ووضع جنوب السودان، هما الإشكاليتين الوحيدتين القادرتين علي إشعال حرب أهلية، والقادرتين بالتالي علي تهديد إستقرار البلاد ووحدتها. وسبب ذلك هو أن هاتين القضيتين مشبعتين بالعوامل العاطفية العامية وبالعقيدة ورواسب التاريخ والثقافة الأمية. فبسبب هذه العوامل ظل المجتمع الشمالي، في غالبيته، يحس بإنه مكلف بمواصلة حملة عبد الله بن أبي السرح، التي يأسف هذا العقل لتوقفها في دنقلا، بمواصلتها جنوبا لنشر الإسلام والثقافة العربية. ولنفس السبب ظل العقل الجمعي الجنوبي يحس بإنه مكلف بوقف الزحف الإستعماري العربي الإسلامي إلى قلب القارة الأفريقية السوداء.

    لهذا نجد إن إتجاهات الطرح العام نحو حل هاتين المشكلتين تعج بكثير من التعمية وكثير من الفجاجة العامية وتجاوز مقتضيات الواقعية السياسية، والتعامي عن الواقع الإجتماعي وتمثيل أدوار تاريخية مضحكة لا تمت للواقع بصلة.

    لكل هذا فقد نجد أن الحل لدى العقل الجمعي الشمالي لا يزال هو أسلمة وتعريب الجنوب أو فصله، ولدى العقل الجمعي الجنوبي هو إما أفرقة الشمال أو الإنفصال، إن لم يكن طرد العنصر العربي من السودان. ولقد لمس الدكتور فرإنسيس دينق هذه الحقيقة وعبر عنها ببساطة فصيحة حين قال: (وفي حقيقة الأمر، تعمق الصفوة من الجإنبين الإنقسام، بعضها يبني علي أفكار خالية عن عروبته، ويرد البعض الآخر بإنيا علي أفكار وهمية عن أفريقيته متجاهلين بذلك حقيقة سو دإنيتهم) .


    ولقد كانت هذه النظرة القاصرة واضحة وضوح الشمس، حتى لدى الفئات المستنيرة من الشماليين في بداية الحركة السياسية الوطنية. ففي عام 1940 زار السودان، على ماهر باشا، رئيس وزراء مصر إنذاك. وتقدم له مؤتمر الخريجين بمذكرة يطالب فيها مصر بإن ( تساعد جنوب السودان ). وكانت المساعدة المطلوبة في نظر تلك الفئة المستنيرة هي العمل على أسلمة وتعريب الجنوب وتغيير هويته. أي إنهم لا يريدون جزءا من الوطن غير مسلم وغير عربي. هذا مطلب قوم، لا يعترف عربي واحد، في كل إنحاء العالم العربي، بعروبتهم، إذ تجاوزنا المجاملات الدبلوماسية. قالت مذكرة الخريجين للباشا المصري: (إن من واجب مصر أيضا إن تخصهم "الجنوبيين" بنصيب من العناية فتلفت نظر الجمعيات الخيرية والمعاهد الدينية المصرية للعمل بالجنوب من حيث التبشير بالدين الإسلامي ونشر اللغة العربية حتى يتسنى للجزء الجنوبي أن يتمشى في ثقافته مع الجزء الشمالي) .

    وكانت النظرة الفجة القاصرة واضحة في حملة سلطة إبراهيم عبود الدكتاتورية لأسلمة وتعريب الجنوب، وهى واضحة في الإحتكاكات القبلية بمناطق ما يسمى بالتماس بين الشمالي العربي المسلم والجنوبي الأفريقي الكافر. وهى بعد واضحة في صبغ الحرب الأهلية الدائرة الآن بالصبغة الدينية وإطلاق مسمى (الجهاد) على الحملات العسكرية التي تشنها الحكومة ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان، على الرغم من إن غالبية جنود الجيش السوداني هم من الجنوب وجبال النوبة.

    وبنفس القدر ظلت الأوهام العامية الجنوبية ضد العرب المسلمين تغذى المقاومة العنيفة لحملات الأسلمة والتعريب. وقد ظلت هذه الأوهام حاضرة في موجة التمرد الأولى عام 1955 التي لم تفرق في حربها بين العسكريين والمدنيين من الشماليين وهى كانت حاضرة في حرب الأنانيا التي إندلعت عام 1963 حتى عام 1972. كما أن الحركة الشعبية لتحرير السودان التي بدأت حربها عام 1983 وحتى الوقت الراهن، نظن أنها لم تسلم من مؤثرات الأوهام العامية الجنوبية، على الرغم من الفهم الواضح والعميق للمشكلة السودانية بين الشمال والجنوب لدى قيادة هذه الحركة. ففي المستويات الوسيطة والدنيا من الهيكل القيادي للحركة الشعبية، لا بد أن رفع روح الجنود المعنوية وحثهم على القتال يتم على أساس عرقي وعلى أساس يعج بالأوهام والأمية. ففهم قيادة الحركة الشعبية للمشكلة السودانية، يقتضي مستوا عاليا من الثقافة والإدراك العام المفقود بالضرورة لدى الجندي البسيط في جيش الحركة الشعبية، كما هو مفقود لدى العديد من القادة السياسيين في الشمال والجنوب على حد سواء.

    وفي هذا السياق يشكك عبد الرحيم محمد صالح وشريف حرير في إستيعاب مقاتلي الحركة الشعبية لتحرير السودان للمفاهيم التي ترفعها قيادة الحركة. يقولإن:

    (والجيش الشعبي لتحرير السودان من أجل تفكيك النظام القديم وآلياته غير العادلة في توزيع السلطة الإقتصادية والسياسية، وبرغم إن الجيش الشعبي والحركة الشعبية تدعيان إنهما حركة للجميع مكرسة لكل السودانيين بغض النظر عن الأصل العرقي أو الطائفة الدينية، لكن من الواضح أنه من السابق لأوانه رؤية قدر من الوعي السياسي الشعبي الكافي لتحويل القيم التقليدية للتعبير السياسي إلى هذه الأهداف العلمانية. إن الفجوة المفاهيمية بين عامة الشعب والأيديولوجيات التي عملت الصفوة السياسية المتعلمة علي تكريسها، قد اصطدمت بالواقع القاسي عندما وضعت موضع التنفيذ.)

    ولا نشك مطلقا في وجود الفجوة المفهومية بين ما تدعو إليه قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان، وبين ما يقاتل من أجله الجندي البسيط داخل الحركة. غير إن أدبيات الحركة الشعبية لتحرير السودان القليلة التي إطلعنا عليها، تجعل ثمة أمل في ردم هذه الفجوة بنشر المثل العليا للحركة وسط جماهير الشعب السوداني في الشمال والجنوب معا.

    ففي مؤتمر كوكادام الذي عقد عقب الإنتفاضة التي أطاحت بسلطة نميري الدكتاتورية عام 1985، جاء في خطاب الدكتور جونق قرنق أمام المؤتمرين ما يلي:

    ( السودان يتكون من قوميات متعددة، البعض يسميها قبائل، سمها ما شئت ولكن توحيد هذه الجماعات هو التحدي الكبير والواجب الملح الذي يجابهنا. كيف نفعل هذا ؟ يجيب البعض إن نكون جميعنا عربا. ويقول البعض الآخر: يجب إن نكون جميعنا أفارقة لكي ما يصبح السودان موحدا. أقول لهذا المؤتمر التاريخي إن السودان كان وما يزال يبحث عن روحه، عن ذاتيته، وعندما نعجز عن إيجادها "لإننا لا ننظر إلى داخل بلادنا بل إلى خارجها " يتحصن البعض بعروبته ويتحصن البعض الآخر بإسلامه ويتجه آخرون نتيجة إحباطهم عندما يكتشفون إنهم لا يمكن إن يكونوا عربا لأن الله لم يخلقهم كذلك، للتحصن بالدعوة الإنفصالية. في كل هذا كثير من التعمية والتشويه اللذين يناسبإن المصالح المختلفة. يجب إن ننظر إلى داخلنا وإلى تجارب الآخرين ) .

    هذه نظرة جديدة وعميقة لمشكلة السودان القومية، لكن مشكلتها إنها تظل وجهة نظر صفوية، أمامها صعوبات جمة لتتحول إلى برنامج سياسي ثقافي قومي وأولوية من أولويات السلطة التنفيذية في السودان. فلا يزال الصراع يجرى على هامش القضية السودانية الحقيقية، ولا تزال الأوهام هي وقود الصراع، ولا تزال مسالة نظام الحكم وأسس الهوية القومية هي جوهر الأزمة السودانية، ولا تزال التيارات السياسية المغلقة والمتوازية هي الفاعل الأساسي في الحركة السياسية السودانية. ولا يوجد حتى الإن حزب سياسي قومي قادر على تغيير العقلية السياسية في الشمال والجنوب وأرياف السودان الأخرى في وقت واحد، وقادر على تخطى أوهام العامة ومرارت التاريخ.

    لكن يبقي الأمل متقدا إذا حولنا هذه الصعوبات إلى برنامج تحديات سياسية تواجه الحركة الشعبية لتحرير السودان عندما تحقق طموحاتها السياسية المباشرة والأولية من قسمة الثروة والسلطة، وتحقيق الديمقراطية وإنجاز الدستور العلماني.

    ومنذ بداية السياق السياسي السوداني الذي بدأ مع إتفاقية الحكم الذاتي عام 1953، أبعدت قضية علاقة الدين بالدولة وعلاقة الجنوب بالشمال عن محور نظام الحكم في السودان وبنفس الوسيلة، وسيلة الأغلبية الإنتخابية. فقد أعتبرت هزيمة حزب الأمة في إنتخابات سلطة الحكم الذاتي التي أجريت أواخر عام 1953، أعتبرت بمثابة هزيمة لمشروع الدولة المهدية الدينية، وارتاح الإتحاديون والختمية والمصريون والبريطإنيون من هاجس عودة الحكم المهدوى الديني للسودإن. ولعل هذا قد كان أحد الأسباب الرئيسية في سهولة تحقق إستقلال السودان. وقد لمس هذه الحقيقة الدكتور حسن عبد الله الترابي عندما قال:

    (إن الإستعمار لم ينقشع بمحض الكفاح الوطني ولا لضعف بريطانيا، و إنما خرج الإنجليز لإنهم إطمأنوا على أنهم لم يبقوا للدين قضية في الحياة العامة).

    وكان الساسة البريطإنيون يخشون حقيقة أن يشعل السيد عبد الرحمن المهدى حربا أهلية بهدف فرض الدولة الدينية على السودان بعد خروج دولتي الحكم الثنائي. وقد جاء في المذكرة الضافية المرفوعة من السكرتير الخاص للحاكم العام إلى وزارة الخارجية البريطإنية في الثالث من مايو عام 1954، وفى النقطة الرابعة عشر ما يلي:

    (وبهذا فإن من المحتمل أن تزداد عزلة السيد عبد الرحمن المهدى والمهديين وضعفهم، كقوة سياسية بمرور الوقت. ولا شك في أن السيد عبد الرحمن يفكر في احتمال ثورة مهدية في مرحلة ما، ولا يبدو أنه يدرك مزايا التفوق الضخم للأسلحة الحديثة المتوفرة لقوة دفاع السودان على أتباعه غير المسلحين. وهو يستطيع دون شك إن يتسبب في متاعب خطيرة في مناطق الغرب المتطرفة في ولائها الطائفي. ولكنه لا يثير حماسة كبيرة في أواسط السودان حيث يتميع كثير من أتباعه بمصالح يقتضي بقاؤها الأمن والسلام) .

    أما إبعاد قضية علاقة الجنوب بالشمال عن الواجهة والأولوية، فلم يكن أمرا صعبا عن طريق تحكيم رأي الأغلبية ضمن دوائر نظام الحكم الذي خلف الإستعمار. ولم تكن صرخات حزب الأحرار داخل البرلمان تجد من يلتفت إليها. وكان وضع قضية علاقة الجنوب بالشمال في بداية السياق السياسي السوداني أشد بؤسا من قضية علاقة الدين بالدولة. إذ كيف يستطيع حزب واحد، وهو ليس حزبا كبيرا، بل حزب يمثل إقليما سودإنيا متخافا، أن يجبر البرلمان على إتخاذ قرار بشأن علاقة الجنوب بالشمال؟ ويتضح هذا الموقف اليائس في وقائع الإجتماع الثاني لممثلي الأحزاب السودانية من أجل التداول حول تكوين حكومة قومية قبل إعلان الإستقلال. وقد تم هذا الإجتماع في يوم السبت العاشر من ديسمبر عام 1955 بغرفة اللجان بمجلس الشيوخ. ومثل حزب الأحرار في هذا الإجتماع السيد بنجامين لوكى. قال السيد لوكى: ..

    (وإذ أراد المجتمعون أن يعلن الإستقلال بواسطة البرلمان فلا بد من الموافقة على قيام إتحاد فدرالي بين الشمال والجنوب داخل السودان الموحد بحدوده الحالية.

    سال السيد إبراهيم المفتى عن موقف حزب الأحرار الجنوبي في حالة إجراء إستفتاء في القطر كله بحدوده الحالية كما تنص الإتفاقية، إما لإستقلال السودان التام أو لإيجاد رابطه بينه وبين مصر. رد السيد بنجامين لوكى بإنهم إنذاك سيطالبون بتعديل الإتفاقية ) .

    بالطبع هذا موقف يائس وبائس، إذ لا يعقل إن يطلب حزب صغير من دولتي الحكم الثنائي أن تعدلا إتفاقهما بعد البدء في تنفيذه. فإذا تذكرنا بأن إتفاقية الحكم الذاتي 1953، هي في الأساس مبنية على ما أجتمعت علية الأحزاب الإتحادية والإستقلالية ككلمة سواء، فإن هذا يعنى أن الشماليين قد قرروا مصير البلاد دون أي إعتبار للوضع الخاص لجنوب السودان إستنادا على تحكيم رأي الأغلبية داخل البرلمان.

    ومع ذلك فإن الجنوبيين هم من إستطاع إشعال الحرب الأهلية، ليس المهدويين. وظلت حرب الجنوبيين مشتعلة، منذ عام 1955، وظل طرحهم ينضج داخل أتونها، فترة بعد أخرى، حتى وصلوا إلى ما نقلناه من خطاب الدكتور جون قرنق حول ضرورة توحيد الجماعات السودانية. ومن الناحية الأخرى ظلت قضية الدين وربط السياسة به تنمو وتتطور حتى تجلت أخيرا على السلطة في المركز، كما عرضنا لذلك في الفصل الثاني. والآن تدخل كلا القضيتين طورا جديدا وتدخل معهما الأزمة السياسية السودانية إطارا جديدا هو إطارها الأخير


    الثلاثية الجديدة

    عندما طرحت الحركة السياسية الوطنية في بداية تشكلها، المشروع السياسي الإتحادي المنادى بوحدة وادي النيل تحت التاج المصري، هروبا من هيمنة الأنصار واتقاءا لهيمنة الدولة الدينية، وإستجابة للروابط الثقافية والتاريخية العميقة مع مصر. ثم طرحت نفس هذه الحركة المشروع السياسي الثاني، المنادى بعودة السودان دولة مستقلة بناءا على الإرث المهدوى الديني، عندما طرحت هذه الحركة السياسية ذلك في بداية تكونها، فإنها وعت أم لم تعي، كانت تقترح تغيير الهوية العرقية والثقافية والدينية لجميع من هم ليسو عربا وليسو مسلمين من سكان السودان بحدوده المعروفة. فالدولة العربية الكبيرة التي تضم مصر والسودان، لا بد من أن تتكون على حساب الوضعية المواطنية والسياسية والثقافية لغير العرب وغير المسلمين من سكان السودان. كما ،نه لا مكان لمثل هؤلاء في دولة إسلامية شمولية، غير المسلم فيها مواطن من الدرجة الثانية، بل هو إما دافع جزية أو موضوع حرب أو راضى بتغيير هويته وعقيدته.

    لهذا ندرك الآن جزع الكوادر السياسية الجنوبية عند اقتراب موعد تقرير المصير خاصة وأن الإستفتاء الخاص بتقرير المصير لا يحوى سوى نقطتين تعنيان جوهريا إما إنتصار المشروع الإتحادي العروبي أو إنتصار المشروع الإستقلالي المهدوى الديني . فهدا هو ما اتفقت عليه الأحزاب السودانية الشمالية مع الصاغ صلاح سالم كحل وسط يحفظ وحدة كلمة السودانيين، وهو ما اتفقت عليه، بالتالي، الحكومة المصرية مع الحكومة البريطإنية فيما عرف بإتفاقية السودان عام 1953.
    وحسن الحظ وحده، هو الذي أنقذ السودان من ذلك المصير المظلم الذي رسمته له الأحزاب الشمالية في إتفاقها مع الصاغ صلاح سالم مبعوث مجلس قيادة الثورة المصرية إلى السودان. وذلك بحدوث الهزيمة غير المتوقعة لحزب الأمة في إنتخابات الحكم الذاتي أواخر عام 1953، وبالتنصل غير المتوقع للإتحاديين عن مبدأ الإتحاد مع مصر في منتصف عام 1955. وبهذا فقط تجاوز تاريخ السودان تلك المصيدة ذات الفجوتين المهلكتين وبرز الإتجاه نحو الديمقراطية العلمانية كحل وسط وحيد لا مناص منه.

    والديمقراطية هي النظام الوحيد الذي تجد فيه الأقليات السياسية والأحزاب الصغيرة وأهل الهوامش والأرياف، الفرصة لتوصيل صوتهم إلى مركز صنع القرارات في البلاد. لهذا فإن جنوب السودان لم يفجر ثورة، أو ما يسمونه تمردا قط في عهد ديمقراطي. فباستثناء حوادث توريت عام 1955، وهى التي أرجعناها لإشفاق الجنوب من مصيدة تقرير المصير، فإن موجة التمرد الثانية المعروفة بالأنانيا عام 1963، كانت في عهد الدكتاتورية الأولى، وموجة التمرد الثالثة التي قادتها الحركة الشعبية لتحرير السودان عام 1983، كانت في عهد الدكتاتورية الثانية.

    والنظام الدكتاتوري المتحقق بواسطة إنقلاب عسكري في السودان، هو جوهريا تجلى عنيف لأحد المشروعين السياسيين الكبيرين، المشروع العروبي الإتحادي والمشروع الإستقلالي الديني، على السلطة. وقد لا تبدو الصلة واضحة بين الحزب الذي يمثل المشروع السياسي وبين العناصر العسكرية المنفذة للإنقلاب، ومع ذلك فإن التحليل الدقيق ليكشف لنا صحة هذه الفرضية، وقد تعرضنا بشيء من التفصيل لذلك عند تحليلنا لتحولات المشاريع السياسية، وعند تحليلنا لكيمياء السلطة في السودان. حيث إتضح أن إنقلاب الفريق إبراهيم عبود عام 1958 كان هو التجلي العنيف للمشروع الديني من أجل إجهاض فرصة تحقق المشروع الإتحادي العروبي، كما شرحنا ذلك في موضعه. وكذلك جاء إنقلاب جعفر محمد نميري تجليا عنيفا لطلائع المشروع الإتحادي العروبي، ممثلين في القوميين العرب من أجل إجهاض فرصة المشروع الإستقلالي الديني في التحقق. ولا حاجة لذكر التجلي العنيف الثاني للدولة الدينية بعد التحول النوعي الذي طرأ علي المشروع الإستقلالي الديني، وإنتقال قيادته للحركة الإسلامية الحديثة. فهذا واقع يعيشه السودان اليوم.

    الذي يهمنا هو أنه كلما تجلي أحد المشروعين السياسيين الكبيرين وبالقوة علي السلطة، لجأ جنوب السودان إلى حمل السلاح للدفاع عن هويته وثقافته وتفرده. وهذا يعني أن علاقة جنوب السودان السياسية مع شمال السودان لن تتعادل وتستقر إلا في ظل النظام الديمقراطي. وإذا حدث أن إستمر الجنوب في حمل السلاح إبإن الفترات الديمقراطية، فذلك لإن القادة السياسيين الجنوبيين كانوا يدركون هشاشة النظام الديمقراطي مقابل قوة المشروعين السياسيين الكبيرين، ويدركون أيضا، إن الفترة الديمقراطية ما هي إلا هدنة مؤقتة تعود بعدها المشاريع السياسية لإنتهاج العنف ضد بعضها بعضا. هكذا علي الأقل قرأت الحركة الشعبية لتحرير السودان الساحة السياسية السودانية عقب إنتفاضة أبريل 1985. فبعد وضع العراقيل أمام مقررات مؤتمر كوكادام وإتفاقية (الميرغني – قرنق)، فإن الحصافة السياسية تملي عدم وضع السلاح. فالدكتاتورية العسكرية قادمة لا محالة. ولم يكن الوصول إلى هذه النتيجة يحتاج لعبقرية.

    وإذا كنا قد أرجعنا الظواهر السلطوية في السودان إلى ثلاث نماذج، هي الديمقراطية والشمولية والحرب الأهلية، فإننا يجب إن نوضح هنا بأنه لا يمكن تجلي أي شكل من أشكال السلطة ما لم يكن وراء هذا الشكل قاعدة إجتماعية، (فئة، طبقة، عرق) يبرر هذا التجلي ويمنح السلطة أيديولوجيتها. وهذا يعني إن ثمة قاعدة إجتماعية تبرر تجلي سلطة الحرب الأهلية في الجنوب. وقد ظلت القاعدة الإجتماعية المبررة لسلطة الحرب تنمو وتتسع فتشمل تدريجيا جبال النوبة وبعض أجزاء دار فور وبعض أجزاء الساحل الشرقي وبعض أجزاء جنوب النيل الأزرق بل تعدت هذه الأقاليم المهمشة لتضم إليها فئات من الشمال النيلي.

    هكذا ظهر، ولأول مرة في التاريخ، مشروع سياسي قومي، لا يعني بحل (مشكلة الجنوب) وإنما يعني بحل (مشكلة السودان). هذا المشروع السياسي الجديد هو مشروع (السودان الجديد) مقابل (السودان الإسلامي) و(السودان العربي). ويحمد للحركة الشعبية لتحرير السودان هنا إنها لم ترفع شعار (السودان الأفريقي). وهذا دليل ذكاء وسعة أفق لقيادة هذه الحركة، فلو أنها أغلقت دعوتها في (السودان الأفريقي)، لخسرت مناصرة عناصر عديدة في السودان يملأها الوهم بإنها (شيء آخر غير الأفريقي).

    الآن يتحدث الجميع في السودان، عن الحرص علي (وحدة السودان). وليس من المجدي في شيء الحديث عن وحدة السودان دون وعي بالتركيبة السياسية الحاضرة في السودان والممثلة في هذه المشاريع الثلاث الكبرى، المشروع الديني والمشروع العروبي ومشروع السودان الجديد.

    وحيث أن لكل من هذه المشاريع قاعدته الإجتماعية المبررة لإستمراره والمتطلعة لتجليه علي السلطة، فإنه يبدو، نظريا على الأقل، أن لا شيء يجمع هذه المشاريع في سودإن موحد، من حيث إن كل مشروع هو تصور لوطن مختلف عن تصور المشروعين الآخرين. بمعني آخر فإن الحركة السياسية السودانية تعود إلى الصفر بعد مرور نصف قرن علي نشأتها. فقد بدأت في شكل ثلاثة مشاريع سياسية لا رابط بينهما، وانتهت في شكل ثلاثة مشاريع سياسية لا رابط بينهما.

    غير إن ثمة فرق جوهري بين ثلاثية الماضي وثلاثية الحاضر. فقد بنيت ثلاثية الحركة السياسية السودانية عند نشأتها، علي قاعدة من العهود التاريخية التي لا علاقة بينها سوي الإجتثاث والإزالة، وهي عهود التركية السابقة والمهدية والإستعمار الحديث. بينما تقوم ثلاثية الحاضر علي قواعد إجتماعية متعارضة المصالح من ناحية، ومشتركة المصالح من ناحية أخري. ثمة مصلحة عامة تهم كل القواعد الإجتماعية في السودان ألا وهي بقاء السودان موحدا بأنهاره وغاباته وجباله وسواحله. فجميع القواعد الإجتماعية لها مصلحة في بقاء ونمو موارد السودان المجتمعة.

    ولهذا دخلت في الأدب السياسي السوداني مؤخرا تعابير جديدة مثل (تقسيم السلطة والثروة). فهذا شعار ناضج يرتبط مباشرة بمصلحة الفئات الإجتماعية التي تبرر تجلي المشاريع السياسية وتمنحها أيديولوجيتها. فهو شعار لا رائحة فيه للأوهام أو الرواسب التاريخية. ومع ذلك لا تزال الأوهام تعشعش بسبب الأمية وإنهيار نظام التعليم الرسمي ذي الأهداف الإنسانية السامية وإستبداله بنظام تعليم يقوم عل المصلحة الضيقة الإنية. ولا تزال المشاريع السياسية تميل علي إستغلال الجهل والأمية والأوهام لتحقيق أهداف تكتيكية فقيرة وأحادية النظرة، مما ينتج عنه أنواع من التعالي العرقي والتعالي الثقافي والتعالي الإجتماعي التي هي من أخطر أدواء المجتمع.

    يعطينا مجمل النقد التحليلي السابق نتائج محددة يمكن إن نبني عليها رؤية متماسكة حول الأزمة السياسية السودانية، وحول مجمل الحركة السياسية السودانية، وحول الحلول المتماسكة التي تقترح نفسها لحل المشكل السوداني.
    وأهم ما يبرز أمامنا من نتائج يمكن تلخيصه في:

    1 - أنه لا يمكن محو أو إجتثاث أي تيار سياسي بالقوة والإقصاء والمنع.

    2 - إن أي نظام حكم وأية سلطة سياسية تفرض بالقوة من قبل أي تيار سياسي، لا يمكن لها إن تستمر وتثبت، وأن أية سلطة من هذا النوع هي سلطة آيلة للسقوط منذ يومها الأول.

    3 - إن النظام السياسي الوحيد القادر علي لم شمل شعوب وقبائل السودان والقادر علي استيعاب تبايناتها هو النظام الديمقراطي التعددي النيابي العلماني، بمعني رفض التعصب الديني ومنع التعالي العرقي وتأسيس هوية قومية مشتركة علي أساس المواطنة.
    4 - إن سكان المناطق المهمشة في السودان قد شبوا عن الطوق وعرفوا حقوقهم واستعدوا لأخذها طوعا أو كرها، ولا يمكن الآن إجبارهم علي ما لا يريدون بسبب تنامي الوعي السياسي في أوساطهم وبسبب إتجاهات النظام العالمي الجديد.

    5 - إن السياق السياسي القديم الذي حكم السودان منذ الإستقلال وحتى الآن، قد شاخ وتفسخ وفقد مقومات البقاء، ولا بد من الإستعداد في الدخول لسياق سياسي بديل بعيدا عن الدورة المتكرر للديمقراطية والشمولية والحرب الأهلية.
                  

07-18-2005, 04:06 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8855

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وشرب دكتور قرنق القهوة بالمتمة. (Re: محمود الدقم)

    iwiil come back as soon as
                  

07-19-2005, 12:32 PM

manubia
<amanubia
تاريخ التسجيل: 04-21-2002
مجموع المشاركات: 1284

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وشرب دكتور قرنق القهوة بالمتمة. (Re: محمود الدقم)

    WHAT SURPRISE ME IS THAT YOU WROTR FROM ATHINES , THE CITY OF CIVILIZATION !!!
    NO COMMENTS
                  

07-21-2005, 05:31 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8855

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وشرب دكتور قرنق القهوة بالمتمة. (Re: محمود الدقم)

    manubia:
    you are discovering (Atom) ....cogratulation...s
                  

07-22-2005, 07:10 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8855

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وشرب دكتور قرنق القهوة بالمتمة. (Re: محمود الدقم)

    الاخ الاستاذ حامد بدوي بشير تحياتي:
    واعتذر سلفا عن التاخير في التعقيب على مداخلتك الضافية المهمة استوقفتني النقاط التالية فيه:
    قولك:
    {ويتضح ألآن أن المشاريع السياسية الكبرى في السودان، ومن خلال نظرتها ذات الإتجاه الواحد قد أوجدت ظاهرة السلطة الشمولية والإنقلاب العسكري كما أوجدت ظاهرة الحرب الأهلية والتمرد المسلح. فالعقل السياسي الجنوبي، قد بات متيقنا بإن الجنوب والمواطن الجنوبي لا مكان له ضمن المشروعين السياسيين الأقرب للتحقق والأقدر على التجلى في السلطة، وإنه لابد له من الإعلان عن رفضه للمصير الذي يقرره له، وفى غيابه، كلا المشروعين. لإن هذا المصير لا يهدف إلا لتغيير هوية الإنسان الجنوبي بإتجاه الأسلمة والتعريب. لهذا ندرك ألإن جزع الفعآليات السياسية الجنوبية كلما اقترب موعد تحول كبير في مسيرة الحركة السياسية السودانية. فلا يوجد إنسان على ظهر الأرض مستعد للتنازل عن هويته العرقية والثقافية عن طيب خاطر. إذ أن كل إنسان يرى أنه لا يوجد في الكون هوية عرقية افضل من هويته ولا ديإنة أعظم من ديإنته ولا ثقافة أفضل من ثقافته. هكذا خلق الله البشر مختلفين ولو شاء لجعلهم أمة واحدة.}


    تعليقي هنا:
    هو ان الجنوب تكتنفه (ثقافة المقاومة) والرفض سواء كان ذلك في الاطار الاجتماعي او الثقافي او السياسي ..الخ انطلاقا من خلفيات انوية اثنية باعتبار ان انسان جنوب السودان هو اول من عرف ارض السودان وبالتالي الانتماء الافريقي للسودان يشكل بمفهوم مثقفي الجنوب خيار حاسم وكانت هذه النظر تتكيء في الاصل على الارساليات الكنسية والثقافة الغربية التي حلت محل الثقافة العربية باعتبار ان الكنسية -بروتستانتية او كاثوليكية- تولت زمام التوعية في تلك الاصقاع بالتالي تكون ثقافة ليبيرالية غربية لدي نخب الجنوب ولعل الدكتور فرانسيس دينق اكثر من عبر عن هذه النزعة في الافريقية الهوى.

    بينما الشمال تحكمه (نظرية الاستعيابية والاستحواذ) واللعب على المتناقض الاخر هذا الاخر شمل لاحقا غرب السودان باعتبار ان (نكبة المتمة) ما زالت تشكل كربلاء ابدية في وجدان البعض /الشمالي.

    كانت الاحزاب الشمالية تنطلق من بعد عروبي يتخذ الاسلام اسس معرفية له والعرب عرق لا بد و ان يحكم الكل وعلى راس هذا الكل الجنوب بغض النظر عن نخبه الثقافية من هنا تحول الصراع الى مسيحية افريقية مثلته الحركة الشعبية ضد اسلامية عروبية مثلته الجبهة الاسلامية القومية الحركة توسلت بالمنظمات الكنسية مثل منظمة لورد/ مثل الصندوق القومي الامريكي لدعم الديمقراطيات/ منظمة التضامن المسيحية/ مجموعات فورد الثمانية الاميركية الكنسية/... الخ. هذه المنظمات التي كانت حاضرة في نيفاشا لاستلام الفواتير في شكل تنقيب عن النفط في ابيي وهلجليج والميريم وكليك في قلب شمال السودان بينما توسلت الجبهة الاسلامية الجهاد وبدات في تعبئة الطلاب والعيال والمراهقين في حرب مقدسة دفاعا عن الشريعة الاسلامية ذات الشريعة الاسلامية التي تنازلت عنها الجبهة رغم عن انفها في نيفاشا.. من هنا اعتقد ان القبلية تشكل الداعم الاساسي للعمل الحزبي في الوعي السوداني جنوبا وشمالا شرقا وغربا..
    للموضوع تتمة
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de