حول معالجة مسالة الوحدة الوطنية في السودان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 04:14 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-09-2005, 03:25 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حول معالجة مسالة الوحدة الوطنية في السودان

    حول معالجات مسألة التكامل القومي والوحدة الوطنية في السودان

    بقلم:د/ عبد الوهاب إبراهيم الزين
    مقدمة
    تعتبر مسألة التكامل القومي والوحدة الوطنية واحدة من أهم القضايا السودانية الراهنة التي تتطلب دراسات علمية جادة من أجل الوصول إلى حل حاسم لهذه المسألة من جميع جوانبها . وتأتي ضمن هذه المسألة ، الصراعات القبلية بتجذراتها وأسبابها المختلفة كواحدة من الروافد الأساسية التي تؤرق كمال الوحدة الوطنية والاستقرار السياسي . إن تجذرات هذه الصراعات تعود إلى عوامل تاريخية صدر عنها فهم خاطئ لأصول القبلية في السودان . ونتجت عن هذا الفهم الخاطئ مؤشرات نفسية بجانب المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ، والتي من شأنها العمل على تكريس الفرقة والتشتت بين التعدديات القبلية والاثنية المختلفة في السودان . هذه المؤشرات أدت إلى بروز فجوات وحواجز نفسية بين التعدديات القبلية . وفي ظل هذه الفجوات ظهرت اتجاهات تعبر عن سلوك قبلي يطغى على اتجاهات تعبر عن السلوك القومي في أوساط بعض السودانيين منتجاً أحقاداً قبلية وجهوية امتدت إلى جانب ما يدور من صراع دموي بين الشمال والجنوب ، إلى نوع من الصراع بين التكوينات القبلية داخل الأقاليم الشمالية والجنوبية كل على حدة .
    إن الدولة السودانية الراهنة أصبحت بتعددياتها المختلفة واقعاً تمثل فيه التاريخ المشترك . ومصيراً تحزمه المصلحة الاقتصادية المشتركة . وتراهن هذه الدولة في استقرارها السياسي وتطورها وتحديثها على وحدة أراضيها وتكامل قومياتها . لذا فإن كل مستدعيات التجزئة وأسبابها ستبقى موضع نظر ودراسة وتمحيص . وكل العوامل التي من شانها العمل على تعزيز السلوك القومي وتنمية التوجهات الإيجابية نحو التكامل والوحدة موضع اهتمام الباحثين .
    إن الساحة السودانية شهدت العديد من المحاولات والتجارب والاتفاقيات لإنهاء الصراعات التي تدور بين التعدديات القبلية والجهوية . وللوصول إلى كمال الوحدة الوطنية ركزت تلك التجارب في معالجاتها على العوامل الموضوعية ذات الصلة بالعوامل الاقتصادية والسياسية والإدارية . إلا أن الوحدة الوطنية التي تأتي في إطار التكامل القومي ليست نتاجاً آلياً لعمليات فنية وإدارية ، وليست محصلة لإصلاحات اقتصادية وسياسية فحسب ، وإنما هي قبل كل ذلك شعور إنساني ينبع من إرادة الأفراد ونواياهم لقبول بعضهم البعض ، واستعدادهم العقلي والنفسي لممارسة الحياة مع بعضهم داخل كياني وطني واحد . ترقية مثل هذه المشاعر تتطلب دراسات وافية لنفسية الإنسان السوداني ، وفهماً واعياً من جانب السودانيين لذاتيتهم وخصوصيتهم التاريخية ولطبيعة المواقف التي تؤثر على توجهاتهم نحو الآخرين من أبناء وطنهم .
    إن التكامل القومي المنشود يجب أن يكون مصحوباً بإدراك معرفي جديد للجذور التاريخية لأسباب التنافر والتي أدت بدورها إلى خلق التوجهات القبلية والجهوية وإلى وجود نوع من السلوك الاستعلائي لدى بعض السودانيين على أوهام من التفوق العرقي أو الثقافي . وهذا ما يستوجب قراءة موضوعية للتطور التاريخي للذات القبلية في السودان ، لاحلال وعي معرفي يؤكد انتفاء عامل التفوق والنقاء العرقي والقبلي في البيئات السودانية . واستناداً على نظرية المعرفة الطاردة ، يتغير المجال الادراكي المحصور في التقوقع الذاتي ، ويحدث تعديل في المكون الانفعالي ومن ثم السلوكي للانتقال من الذاتية القبلية والجهوية إلى الذاتية القومية الشاملة . كما يجب أن تواكب مرحلة الوعي المعرفي أسس حركية تحدث نوعاً من الاتصال والتواصل بين التكوينات المتصارعة لإحداث نوع من التحلل في أبنية التمركز حول الذات القبلية والجهوية لتفعيل نسق جديد من القيم القومية والمعايير الوطنية . ولاشك أن المواقف القسرية التي تتعرض لها البلاد وضرورة مجابهتها ، تعتبر من ضمن هذه الأسس الحركية التي تنمي الإحساس الجماعي بالحاجة إلى التواصل والتعاون والتكاتف تحت مظلة وطن واحد. وقد يؤدي مثل هذا الإحساس إلى إعادة النظر في تصور البعض لذواتهم القبلية والجهوية ومفاهيمهم عن الآخرين ومن ثم إعادة النظر في نظم القيم ومعايير الذاتية القبلية ، ونظم التنشئة الاجتماعية المرتبطة بذلك والتي تؤثر سلباً على مجمل السلوك القومي .
    فإن كانت معظم المعالجات تركز على الجوانب الموضوعية ذات الصلة بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية والعرقية والثقافية ، فإن المعالجون لهذه القضية لم يركزوا على العوامل الذاتية (subjective factors) ، والتي ترتبط ببعض المضامين النفسية والسلوكية والقيم الخاصة بالشخصية السودانية ذات الطابع القبلي وإمكانية تغييرها إلي شخصية ذات طابع قومي .
    استناداً على ما تقدم ومن منطلق الإحساس بوجود نوع من السلوك القبلي الاستعلائي التي تزيد من هوة المسافة بين التعدديات القبلية والقائم على مزاعم من التصنيف العرقي والتفوق الثقافي التي تمجد الذات القبلية يمكن تحديد النقاط التالية مداخل لما سنقوم بتحليله في المقالات التالية للوصول إلى صيغة مثلى لموضوع الوحدة الوطنية في السودان :
    • رغم المعالجات العديدة التي أجريت حول قضية التكامل القومي والوحدة الوطنية في السودان وتناولت العوامل الموضوعية بكل جوانبها ، ورغم التجارب السياسية والاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تم اتخاذها بهذا الصدد ، فإن هناك بعض العوامل الذاتية ذات الصلة بالتراكمات النفسية و التي من شأنها أن تعيق تطور الذات القومية وتعمل على تقويض الوحدة الوطنية في السودان .
    • إن الذات القبلية مازالت موجهاً أساسيا لسلوك البعض ولمعطيات تعاملهم وعلاقاتهم مع الآخرين من أبناء القبائل الأخرى، ليظل تصور بعض الأفراد عن ذواتهم القبلية على درجة متميزة من التفوق ، مما يستدعي بالضرورة إعادة النظر في مثل هذه التصورات .
    • هناك مسافات وهمية بين صور الذوات القبلية المختلفة والتي تعيق بدورها تنمية الذات القومية في السودان ، الأمر الذي يتطلب النظر في المعطيات التي تعمل على تقريب تلك المسافات.وفي هذا الصدد ينبغي الوقوف على التساؤلات التالية :
    • كيف برزت هذه المسافة ؟ وما دور الأحداث التاريخية في صنعها ؟ وكيف يتسنى للباحثين والمهتمين بمسألة التكامل القومي إلغاؤه .
    في سلسلة مقالات سنتناول العوامل الموضوعية لنرى إن كان في حلها حل لمشكلة الوحدة الوطنية في السودان دون التركيز على العوامل الذاتية التي أشرنا إليها سلفاً في هذه المقدمة .
    المقالة الأولى
    دور العامل العرقي في إعاقة التكامل القومي في السودان
    رغم ارتباط كثير من الحركات الانفصالية بالعامل العرقي ، إلا أن الحديث في الدول المعاصرة عن وجود عرقية نقية بخصائص بيولوجية وعلى غرار ما يذهب إليه الفيلسوف الألماني فيخته من وجود نقاء عرقي للشعب الآري ، لا يعكس واقعاً حقيقياً مع تداخل الأعراق واختلاط الدماء نتيجة لعوامل تاريخية عديدة . وغالباً ما يشـار بالعرقية إلى عدد من السمات المشتركة ذات الصلة بعامل القومية كاللغة والدين والثقافة المشتركة(33).فيما يختص بتأثير العامل العرقي في بنية التكامل القومي في السودان يميز الباحث شريف حرير في دراسة له عن "تراجع القومية وانبعاث الاثنية في دارفور" موقفين: الموقف الأول يمثله المستعربون المسلمون في الوسط ، بينما يمثل الموقف الثاني المسيحيون من ذوي الثقافة الكنسية الأوربية من أبناء الجنوب . ويرى أن التقسيم بين العرقية العربية والأفريقية، لا يمثل الحقيقة في السودان الذي يضم أكثر من 570 مجموعة قبلية . ويستبعد وجود خط فاصل بين العرقية العربية والأفريقية في ظل وجود هرم اجتماعي وتباينات لغوية داخل هذه المجموعات. فهناك داخل المجموعة العروبية تصنيفات ، عل سبيل المثال ،ما بين عرب الوسط وعرب البقارة في غرب السودان . ورغم إيمانه بعدم وجود فاصل واضح بين العرقية العربية وغيرها ، إلا أنه يتمسك بوجود إشارات مبهمة تقوم علي سلوك عرقي داخل المجموعات التي تنتمي إلى الأصول العربية والتي ترى الآخرين من الأصـول الزنجية مجرد رقيق . ويرى أن كلمة "العبد" المرتبطة بثقافة الرق ، ما زالت متداولة في أوساط العروبيين رغم الضوابط القانونية(34). ولعل الباحث قد أصاب شيئاً من الحقيقة التي لا يمكن تعميمها في الوقت الذي لا يمكن إنكارها جملة . فهي موجودة في أوساط البعض وتستوجب تنشئة وتربية قومية تستهدف اقتلاع مثل تلك التوجهات من جذورها الاجتماعية والنفسية . من جانب آخر ما زال لفظ " العبد" يرتبط في أذهان بعض أبناء الجنوب بتجارة الرقيق وتوجساتها. وفي هذا الشأن يقول الباحث عبد الله على إبراهيم أن الجنوبيين سيقاومون كل ما يجعلهم يتبنون النسبة العربية بجانب نسبتهم الأفريقية . إذ أن لهم محاذير كثيرة حيال عرب الشمال تبدو في دلالات الازدراء التي تجري بها كلمة "عربي" على السنتهم " وأنهم يفضلون أن يحزم العرب حقائبهم ويقطعوا البحر الأحمر(35)".
    وفي السياق نفسه يقول الباحث السوداني عبد الله بولا في رده على شعراء مدرسة " الغابة والصحراء" *الذين اتخذوا من أطروحة الأفروعربية في السودان مدخلاً لأجندتهم التصالحية بين الشمال العروبي والجنوب الأفريقي واتخذوا من العودة إلى سنار رمزاً للتكامل العروبي الزنجي في السودان .أن أطروحة الهجنة العربية الأفريقية التي ترمز إليها العودة إلى سنار فيها مجافاة لواقع التاريخ وحقائق الواقع التجريبي في مملكة سنار التي لم تخلو من أسواق لتجارة الرقيق حسب الوثيقة التي أوردها أبوسليم وسبولدنق وحسب الإشارات الموجودة على صفحات كتاب طبقات ود ضيف الله .ويورد إشارات صريحة وغير مبهمة لكلمة العبد المرتبطة بالجنس الزنجي في مجتمع سنار . وبهذا الصدد يشير إلى مواقف للشيخ حمد النحلان الذي لم يمنعه زهده وتصوفه من أن يأخذ بمعايير أهل زمانه من أحكام القيمة المسيئة وأقصاها أن يكون الإنسان عبداً مطلوقاً لا سيد له ويرى أن وضعية العبد المطلوق الذي لم يعرف تجربة العبودية الفعلية هي صفة تخص بها ثقافة أولاد العرب في السودان الزنوج لمجرد أنه من عرق زنجي مما يجعل من الزنجي عبداً بمحض طبيعته . ويرى أن ملوك سنار أنفسهم وإن كانوا زنوجاً بأعراقهم ، فقد كان وعيهم عروبياً لدرجة أنهم انتحلوا لأنفسهم نسبًا عربياً قرشياً أموياً هذا بجانب أن مثل هذا الطرح تجرد أجندة المشروع المقترح من مجال لمشروعية الاختلاف ثم البقاء ضمن الوطن الواحد (36). إلا أنه ورغم ما كان يسود في المجتمع السنار من ثقافية الرق التي أشار إليها الباحث ، فأنه من المشكوك فيه أن شعراء مدرسة الغابة والصحراء ذهبوا أبعد من تصوير مملكة سنار بوتقة جمعت مختلف القبائل السودانية في تحالف مبكر وقامت على رباط تحالفي وثيق بين عرب العبدلاب والفنج ، وتأسست على يد عمارة دنقس الذي يرمز الاسم الأول إلى النسب العربي فيما يرمز الاسم الثاني إلى النسب الأفريقي
    نتابع....
                  

06-10-2005, 08:36 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36991

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول معالجة مسالة الوحدة الوطنية في السودان (Re: نزار باشري ابراهيم)

    دراسة قيمة يجب ان تبقى فى الصفحة الاولى
                  

06-10-2005, 03:21 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول معالجة مسالة الوحدة الوطنية في السودان (Re: نزار باشري ابراهيم)

    أهلا أخي عادل امين
    نعم هي كذلك ليت البقية تدرك قيمة هذة الدراسة
    لك ودي واحترامي
                  

06-11-2005, 03:00 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول معالجة مسالة الوحدة الوطنية في السودان (Re: نزار باشري ابراهيم)

    up
                  

06-14-2005, 12:54 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول معالجة مسالة الوحدة الوطنية في السودان (Re: نزار باشري ابراهيم)

    المقاله الثانية
    حول الوحدة الوطنيه / بقلم د عبد الوهاب ابراهيم الزين
    دور الاختلافات اللغوية في إعاقة التكامل والوحدة الوطنية في السودان

    فردينادو سوسور المؤسس لعلم اللسانيات يعرف اللغة بأنها النظام الذي يدعم تأويل الخطاب الخاص في إطار جماعة معينة تتميز بنسق من العلاقات ، وترتبط أمرها بتوفر مجموعة من العبارات التي لها دور أساسي في سيرورة الجماعة الاجتماعية (4) وهي وسيلة انتقال وبث الثقافات والوعاء الذي تعبر من خلالها المعتقدات والآراء(5) واللغة بمفرداتها وبالمفاهيم التي تصيغها تشكل إدراك المتحدثين بها واتجاهاتهم واستجاباتهم نحو المجتمع الذي ينتمون إليه . وهي بذلك مكون أساسي من مكونات ثقافة جماعة بشرية معينة وطرق حياتها. وبهذا المفهوم تساعد اللغة في تحديد هوية الجماعات البشرية وانتمائها المكاني والعرقي والثقافي . وقد تقوم الجماعات الثقافية بالدفاع عنها والمحافظة عليها كعنصر أساسي من عناصر ثقافتهم . كما قد تتخلى عنها تلك الجماعة في سبيل القبول والاندماج في جماعة ثقافية أخرى(6)
    اللغة ليست دائماً ترتبط بالمجال المكاني فقد تنتقل عبر المهاجرين وعبر الاستعمار من مكان إلى آخر . كما أنها ليست دائماً جامدة تحتفظ بمفرداتها كجذور ثابتة ولكنها تتطور وتتعدل لتقابل مقتضيات التطور التاريخي .كما وأن مقومات اللغة لا تشكل أفقاً منغلقاً بقدر ما تطرأ عليها تحولات تتناسب صياغتها مع الموضوعات الاجتماعية المواكبة . ومثلما قد تتطور اللغة ، فإن بعض اللغات التي سادت في عصور معينة تموت وتنتهي في عصور لاحقة فنجد اليوم حوالي 6000 لغة مازالت حية من جملة اللغات التي تراوحت ما بين 10000 و15000 في عصور ما قبل التاريخ (7)
    تاريخياً شهد السودان سيادة لغات محلية عديدة قبل دخول العربية كلغة غالبة لمعظم أهل السودان . فعلى سبيل المثال يذهب بعض الباحثين إلى أن اللغة النوبية سيطرت كلغة تخاطب بعد زوال اللغة المروية وتنشر اليوم من كوم أمبو شمالاً إلى الغدار جنوباً.كما انتقلت مع هجرات النوبة الداخلية إلى أواسط السودان وإلى شمال كردفان في منطقة جبل حراز وشمال دارفور عند جبل ميدوب . بعد دخول المسيحية السودان حوالي القرن السادس الميلادي ومع الحاجة إلى فهم تعاليمها بترجمتها إلى اللغة النوبية ، استعارت اللغة النوبية الحروف القبطية وأضيفت إليها حروف أخرى من اللغة الديموطيقية مما جعلها لغة كتابة وقراءة بعد أن كانت لغة شفهية للتخاطب فقط .
    بدخول العرب المسلمين السودان ، أصبحت اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن ، تمثل قيمة جديدة لدى المحليين الذين أسلموا لفهم الدين الجديد وتعاليمه . ومن ثم اصبح تعليمها مواكباً لضرورة حفظ القرآن في الخلاوي القرآنية التي انتشرت في البلاد . إلا أن ألفاظ العربية ومخارج حروفها تأثرت باللكنات المحلية السائدة وما زال هذا التأثير بايناً في أوساط الذين استعربوا على مستوى الثقافة من أولئك المحليين .
    مع التطور التاريخي والسياسي نحو الدول الوطنية ، ومع ضرورة وجود وسيط لغوي تأمن التواصل الداخلي والتفاهم بين القوميات التي جمعتها الدولة الوطنية ، أصبحت هناك حاجة لتدريس اللغة العربية في المدارس النظامية. هذا أدى إلى الانتشار التدريجي للغة العربية كلغة مشتركة ( Lingua franca) لا على حساب اللغات المحلية ولكن جنب إلى جنب مع هذه اللغات مع التأثير عليها والتأثر بها . فدخلت الكثير من المفردات العربية إلى معاجم تلك اللغات المحلية كما تأثرت اللغة العربية ببعض المفردات المحلية في مناطق التماس مع مناطق هذه اللغات المحلية . بتأثير من الألسنة المحلية ولهجاتها تشكلت فيما بعد اللهجة العربية السودانية المميزة عن اللهجات العربية في البلاد العربية الأخرى ، كنظام لغوي للمعاملات الشعبية اليومية في المناطق الحضرية المختلطة القوميات وفي المناطق البدوية ذات الطابع العروبي في الأرياف . .فيما أصبحت اللغة العربية الفصحى تستعمل في الخطاب الديني والرسمي وفي نظم التعليم والتربية .
    بانضمام الجنوب السوداني بلغاته المتعددة ومع التواصل التجاري ، نقل التجار الشماليون مفردات اللغة العربية بلكنة محلية تطورت فيما بعد ومع مزيد من التواصل إلى ما يعرف اليوم " بعربي جوبا "
    في مرحلة لاحقة وبدخول السودان تحت الحكم الثاني ، حدث تطور جديد في نمط السلوك اللغوي حين بدت اللغة الإنجليزية رمزاً للهيبة النخبوية ((Prestige لدى طبقة المتعلمين السودانيين باعتبارها وسيلة إلى المجالات الوظيفية المرموقة ، دون أن يكون لها دور بارز في أوساط العامة من غير المتعلمين . كما أصبحت اللغة الإنجليزية لغة التعليم الكنسي في الجنوب على حساب اللغة العربية ولسان صفوته من الجنوبيين الذين نالوا قسطاً من التعليم . وفيما بدا الانحسار التدريجي للغة الإنجليزية فيما بعد مع حركة التعريب في المدارس الثانوية في الشمال ، ظلت اللغة الإنجليزية في الجنوب في الانتشار في ظل عدم الثقة في العروبيين الشماليين ولغاتهم .
    في إطار الدولة القومية تكمن أهمية اللغة في اعتبارها وسيلة الاتصال والتفاهم بين أفراد المجتمع . ويرى بعض الباحثين فيها معياراً حقيقياً للانتماء القومي . ولعل من أهم الباحثين السياسيين الذين أكدوا على أهمية اللغة ودورها كوسيلة اتصال تقلل من مخاطر التعدد القومي في الدولة الوطنية ، عالم السياسة الأمريكي كارل دويتش وذلك في إطار نظريته العامة للاتصالات . لقد تأثر دويتش بنموذج الضبط والاتصال الذي طوره نوربرت واينر كما تأثر بكتابات تالكوت بارسونز في فهمه للدور الفعال الذي تقوم به نظم الاتصالات في الدول متعددة القوميات . ويرى أن وجود نظام اتصالات فعال من ضمنه عامل اللغة ، ركيزة أساسية من ركائز الوحدة الوطنية والتجانس القومي(. من جانبهم تناول بعض المختصين في علوم اللغات ومن المهتمين بالشأن السياسي والاجتماعي في السودان قضية اللغة في إطارها التعددي ما بين هيمنة لغة الأغلبية والتعايش الأخوي بين اللغات السائدة . وبهذا الصدد ، تناول الباحث السوداني عشاري أحمد محمود في دراسة له عن جدلية الوحدة والتشتت ، دور اللغة ووجودها المادي الفاعل في الكل الاجتماعي . فنجده يستلهم مقولات لويس التوسير ويقترح إدراج الظاهرة اللغوية كمستوى ممارسة لسانية لها ذاتيتها وفاعليتها داخل المنظومة الكلية وترتبط نظرياً وعملياً بعلائق جدلية بمستوى الممارسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية . ويرى أن "قضايا الوحدة الوطنية في السودان ، ومن حيث أنها ترتبط بالممارسات السياسية والإيديولوجية والاقتصادية ، لن تكتمل في غياب حل لقضية اللغة المتجذرة أصلاً من تفاعلات تلك الممارسات(9)".
    في المجتمعات متعددة اللغات كالمجتمع السوداني ، وفي حال فرادة الجماعة العرقية بلغتها الخاصة ، تتحول اللغة إلى ظاهرة تتأصل بها العرقيات وتكون رمزاً لتعبئة الشعور العرقي عند تصاعد الصراعات بين الجماعات المختلفة . ولعل مما يدل على ذلك الحرب الأهلية التي شنها الباسكيون من أجل الانفصال على أساس لغوي . وانطلاقاً من هذه الإشكالية ، يتناول عشاري تحليلاً موضوعياً لقضية الهيمنة اللغوية في السودان ويذهب إلى القول بإمكانية الانتقال التدريجي من اللغات المحلية إلى اللغة العربية وأن عملية انتشار اللغة العربية على حساب اللغات المحلية وانحسارها ، عمليتان مترابطتان تاريخياً . هذه العملية التي ترتكز ، حسب رأيه ، علي أسس مادية تتصل بأصول جذرية بخلخلة الأسس الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية الداعمة للغات المحلية ، عملية حتمية ما لم تعمل الظروف السياسية علي إعادة إنتاج تلك الأسس المادية الداعمة لسريان اللغات المحلية كما هي في حالة تمفصل الأطراف الإقليمية المميزة بلغاتها المحلية(10). إلا أنه من غير المؤكد وفي ظل الظروف الراهنة التي تعمل في اتجاه إحياء اللغات المحلية ، أن يكون للغة العربية دور فاعل في تعبئة الحس القومي في أوساط الأقليات السودانية التي تعتز بلغاتها المحلية .ولعلنا نجد في سياسات الأقلمة الحالية، تشجيعاً في اتجاه انبعاث اللغات المحلية ولاسيما إذا ما سعت بعض الجامعات الإقليمية إلى تدريس اللغات المحلية وبذلت جهوداً لتحديثها للإنتاج الكتابي لاستيعاب التراث المحلي ( جامعة دنقلا وفكرة تدريس اللغة النوبية مثال على ذلك )، عندئذ وفي ظل ازدهار الوعي بقيمة اللغات المحلية كوعاء للتراث الشعبي والفنون المحلية ، لن تكون اللغة العربية ونزوعها إلى احتكار السوق اللسانية، عاملاً حاسماً في بنية الوعي القومي في السودان .
    إن المسألة التي تثير الجدل بين القوميات المختلفة في إطار الدولة القومية هي فرض لغة قومية معينة كلغة رسمية للدولة (official language) كما هي الحال في الولايات المتحدة .ففي الولايات المتحدة بالرغم من أن دستور الولايات المتحدة وقوانينها الفدرالية لا تحدد لغة رسمية ورغم أن حوالي 18% من المقيمين بها يتحدثون بلغات غير الإنجليزية ، فإن المعارضين للاعتراف الضمني بالتعدد الغوي في نظم التعليم والامتحانات ،يرون ضرورة الاعتماد على اللغة الإنجليزية وحدها باعتبارها ضماناً للوحدة الوطنية (Unifying glue of the United States) وصيانة لعملية الأمركة والتوجهات نحو التثاقف الأمريكي (acculturation)التي تتبناها القوميات المختلفة والتي قد تتعرض لنوع من الانهيار مع تشجيع حركة التعدد اللغوي في المعاملات الرسمية . تمكن هؤلاء رغم اعتراض كثير من الاثنيات من تمرير قانون "رسمية اللغة الإنجليزية " في 23 ولاية أمريكية في بداية التسعينيات من القرن العشرين (11) المعارضون لرسمية اللغة الإنجليزية في هذه الولايات يرون أن هذه القوانين تكرس العنصرية والتمييز العرقي .
    اشكالية اللغة الرسمية واعتبار اللغة العربية لغة رسمية كما ورد في دستور 1973وفي دستور السودان الانتقالي ، لا تشكل جدلاَ كبيراً كما هي الحال في بعض البلدان الأخرى . إذ أنه بجانب اللغة العربية هناك اعتراف ضمني باللغة الإنجليزية كلغة للتعليم في الجنوب إلى جانب أنها تسري في الشمال ليست كلغة رسمية ولكن كلغة نخبوية وكوسيلة للبحوث العلمية. ولا نعتقد أن وجود اللغة الإنجليزية كلغة رسمية في الجنوب يثير الحفيظة الوطنية باعتبارها لغة أجنبية . فكثير من البلدان تبنت لغات غير وطنية لغات رسمية لها . في نيجيريا على سبيل المثال حوالي 350 لغة محلية أهمها لغات الهوسا واليوربا واليبو . ومع ذلك تظل اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية للبلاد .
    كما وأن الاعتراف بلغتين رسميتين في السودان لا يخرج عن الإطار المتبع في دولة مثل كندا التي تعترف حسب تشريع اللغة الرسمية الصادر 1969 باللغة الفرنسية كلغة رسمية في مقاطعة كويبك واللغة الإنجليزية في المقاطعات الأخرى من البلاد ..أما اللغات المحلية الأخرى في السودان ، وعلى العكس من اللغات المتواجدة في الولايات المتحدة ما زالت لغات مخاطبة فقط في حدود الأقليات التي تتحدث بها ومازالت أية واحدة منها غير قابلة لأن تكون لغة مشتركة( mutually incomprehensible ) . هذا الأمر يعيق الاعتراف بأي منها لغة للمعاملات العامة أو الرسمية .

    للموضوع بقية
                  

06-17-2005, 12:59 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول معالجة مسالة الوحدة الوطنية في السودان (Re: نزار باشري ابراهيم)

    المقالة الثالثة
    العامل الإقتصادي بقلم / د عبد الوهاب ابراهيم الزين
    دور العامل الاقتصادي والتنمية غير المتوازنة في إعاقة التكامل القومي
    والوحدة الوطنية في السودان
    يختلف الباحثون في وجهات نظرهم حول أهمية العامل الاقتصادي في تدعيم الوحدة القومية أو تشتيتها . فالماركسيون يعولون على العامل الاقتصادي كمحرك أساسي لمسيرة التاريخ ووقائعه ، ويعتبرون الحركة القومية مرحلة تاريخية من مراحل التطور نحو الأممية الناتج أصلاً من جدلية الصراع حول امتلاك وسائل الإنتاج . من جانب آخر ، يرى البعض في بعض التجارب التاريخية تعليلاً على أولوية العوامل الأخرى كاللغة والدين والعرق على العامل الاقتصادي في قيام الدول القومية . فنجد هارولد لاسكي يرى أن القومية ليست متوقفة على العامل الاقتصادي ، بل هناك عوامل أخرى محركة للقومية وطاغية على العامل الاقتصادي. ويرى في تفكك الإمبراطورية النمساوية – المجرية تضحية بالمصالح الاقتصادية، وانتصاراً لعوامل موضوعية أخرى كالعرق والثقافة(22). ولعل ما يؤكد مثل هذا الزعم تضحية بعض الأقليات القومية بالمقومات الاقتصادية الضخمة التي قد تتمتع بها في ظل دولة متعددة القوميات كما هي الحال في التجربة الانفصالية للقوميات المختلفة في جمهوريات الاتحاد السوفيتي، ونضال الكويتيين لأسباب وطنية ليست من ضمنها وحدة الأصل أو العامل الاقتصادي للحفاظ على استقلال الدولة بعيداً عن الهيمنة السياسية لجمهورية العراق .
    على النقيض من وجهة نظر لاسكي ، نجد لدى هول كين (Hal Kane) ما يؤكد أولوية العامل الاقتصادي على العامل العرقي . يذهب كين إلى أن الصراع الذي يدور بين التوتسي والهوتو صراع اقتصادي في المقام الأول . مجموعة التوتسي كانت مميزة أكثر من الهوتو خلال فترة الاستعمار بتفضيلات اقتصادية وتعليمية .ويقول أن المجموعتين ليستا مجموعات اثنية بقدر ما ترتبط التسمية بالخلفية الحرفية لكل . تاريخياً فيما تقابل كلمة التوتسي مالك الماشية ، فإن كلمة الهوتو تقابل كلمة المزارع . ورغم أن المجموعتين تشركان في اللغة واحدة ولهما ديانة مشتركة ، بجانب عمليات المصاهرة التي تتم بين المجموعتين ، فقد اندلعت بينهما واحدة من أشرس الحروب الأهلية في أفريقيا بسبب الخلافات الاقتصادية .تلك الخلافات التي تحولت فيما بعد إلى استياء طبقي بين الفقراء والأغنياء أدى بدوره إلى مذابح بين الطبقتين الاقتصاديتين داخل كل مجموعة على حدة(23)..
    كذلك نجد الباحث الاقتصادي السوداني ، محمد هاشم عوض يستعرض في دراسة له ، العديد من الأمثلة المعاصرة التي تؤكد أهمية العامل الاقتصادي كدافع لنزوع بعض الأقليات التي تتميز مناطقها بنصيب وافر من الثروة القومية ، إلى الانفصال عن الدولة الأم . من هذه الأمثلة ، الحركة الانفصالية التي قادها الجنرال أوجوكو عام 1967 م في بيافرا ضد هيمنة الهوسة والفلاتة على مواردهم النفطية. وكذلك حركة الأكراد في شمال العراق للمطالبة بأنصبة عادلة من عائدات النفط الذي يتركز في مناطقهم . وبأسباب من تركز المعادن في منطقة كاتنجا من زائير، سعت المنطقة إلى الانفصال , ونجمت عن هذا المسعى حرب أهلية أدت إلى مقتل باتريس لوممبا وتعيين تشومبي رئيساً للوزراء(24). إلا أن تجربة السودان في رأيه ، تختلف عن تلك النماذج رغم أنها قد تتجسم في السودان بعد اكتشاف النفط في بانتيو . ويرى أن المشكلة الأساسية في هذا الصدد ، تكمن في تركيز التنمية الاقتصادية في أواسط السودان وحرمان الأطراف من التطور الاقتصادي الموازي ، وفيما نجم عن ذلك من تأثير سلبي على الوحدة الوطنية . ويرد الباحث مرتكزات الفوارق هذه ، إلي السياسية الاستعمارية التي كرست مقومات الاقتصاد السوداني لخدمة أهدافها الاقتصادية الخاصة(25). لتحقيق هذه الأهداف توسع الاستعمار في زراعة القطن في أرض الجزيرة ودلتا القاش. كما عمل على ربط مناطق إنتاج القطن بشبكة المواصلات الحديدية إلى بمواني التصدير ببورتسودان ووادي حلفا . وبالمثل مد هذه الشبكة بمناطق إنتاج الصمغ العربي بكردفان (26). ولأهداف سياسية تضمن ولاء بعض القطاعات السكانية ، وتكرس مبدأ "فرق تسد" ، عمدت السياسة الاستعمارية إلى خلق طبقة موسرة من زعماء العشائر والزعماء الدينيين ، وخلق إقطاعيات زراعية محلية وأجنبية ترتبط مصالحها بمصالح الاستعمار القائم(27).
    يناقش الكاتب استمرار سياسة التمييز الاقتصادي في مرحلة ما بعد الاستقلال ، ويقول أن حكومة عبود جعلت من سياسة التركيز على المناطق الأكثر تطوراً وتحديثاً في أواسط السودان مبدأً أساسيا في تنفيذ الخطة العشرية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للأعوام 1961-1971. فجاءت الاستثمارات في منطقة الوسط باستكمال امتدد المناقل ومشروع خشم القربة مع توجيه نسبة ضئيلة من الاستثمارات وبما لا تتجاوز مبلغ 3.3 مليون جنيهاً سودانياً من جملة 565 مليون جنيها المعتمدة للخطة لتنمية أطراف البلاد في شكل إنشاء بعض المصانع في مناطق متفرقة كإنشاء مصنع البصل في كسلا والكرتون في أروما وتعليب الفاكهة في كريمة و واو والألبان في بابنوسة (2. ويرى الباحث أن أول محاولة جادة في إطار تحقيق التوازن التنموي بين أقاليم القطر وتعزيز العدالة الاجتماعية وتوطيد الوحدة الوطنية ، كانت ضمن دراسات وقرارات الهيئة القومية للتخطيط التابعة للاتحاد الاشتراكي التي تقدمت بها في يناير 1976. إلا أن الخطة السداسية للتنمية الاقتصادية للأعوام 1977-1983 جاءت مغايرة لما جاءت بهذه الدراسات وتبنت السياسة المعروفة باستراتيجية "رأس الرمح "في التنمية وبحيث تم تركيز التنمية في الوسط في مشروع الرهد ومصانع السكر في عسلاية وكنانة(29).
    من هذه الدراسة التي قدمها محمد هاشم عوض ، نستطيع أن نؤكد على دور العامل الاقتصادي وأهميته كعنصر موضوعي في البناء القومي وتدعيم الوحدة الوطنية متى ما كان مبنياً على أسس عادلة بين الأقاليم المختلفة . وأن التنمية الاقتصادية في السودان شابها كثير من التحيز الإقليمي الذي نجمت عنه صراعات وأحقاد اجتماعية تمخضت عنها حركات إقليمية ذات طابع سياسي كحركة الأنيانيا في الجنوب ، ومؤتمر البجا في الشرق ، وسوني في الغرب ، وجبهة نهضة دارفور ، واتحاد عام جبال النوبة . وما لم يعاد النظر في السياسات التنموية وبما يكفل التوزيع العادل لكل أقاليم السودان ، ستظل المشاعر القومية والإحساس بوحدة الوجدان الوطني في السودان ، محفوفة بمخاطر التوجهات الانفصالية التي تهدد الوحدة الوطنية والتكامل القومي . وما لم يحدث تغيير جذري في سياسية تسخير الثروات القومية لخدمة مثلث الوسط إلي تعميمها لخدمة كل السودانيين ، ستظل الأحقاد والإحن من المؤشرات الكامنة في توجهات الأطراف نحو المركز . وقد يزداد الأمر سوءاً عندما يتم تدويل مثل هذه المشكلة ويتم ربطه بقضايا حقوق الإنسان ويستدعي نوعاً من التدخل الخارجي . وفي هذا الصدد وضمن دراسة حديثة لمايكل رنر (2002) ، نجده يؤكد مثل هذا التدخل الخارجي. يرى رنر أن كثيرًا من الصراعات الداخلية والحروب الأهلية تربط بشكل ما بمسألة الموارد الاقتصادية وهيمنة قطاعات سكانية معينة عليها ، وتوجيها لتسليح نفسها ضد القطاعات الأخرى التي تطالب بأنصبة عادلة في هذه الموارد .وهذه العملية حسب رأيه ، نهب غير مشروع يقول رنر أنه في عالم ما بعد الحرب الباردة ، أصبحت الصراعات على الموارد الاقتصادية بديلاً عن الصراعات الأيديولوجية وتربط في كثير من الحالات بالطموحات الخارجية (30).
    إن ما تقدم من تحليل يؤكد أهمية العامل الاقتصادي في معالجة التكامل القومي ، إلا أننا نصر على أنه ليس كافياً لخلق الانسجام النفسي بين التعدديات المتنازعة . إن العدوات القبلية والجهوية قد تكون مصدرها الفوارق الاقتصادية ، إلا أن المساواة الاقتصادية وما يتبعها من عدالة في توزيع الثروة ، قد تؤدي إلى مزيد من العدوات في ظل سيادة مفاهيم التفوق والاستعلاء المرتبطة بالأنوية والنرجسية العرقية والقبلية . يقول برتراند راسل أن هناك مشاعر غريزية تخلق العدوات بين الأعراق وتربط المشاعر بالخوف من كل ما يهدد استقرار نظم العلاقات القائمة (31). إن مطالبة المستضعفين اقتصادياً بالعدالة والمساواة مع المهيمنين على الثروة ، لا يعني بالضرورة زوال العداوة بين الطرفين . ولا يعني تحقيق هذه المطالب بالضرورة شيوع المحبة والتآلف والانسجام بينهما . إن البيض في الولايات المتحدة أصبحوا أكثر عدوانية تجاه السود عندما طالب السود بتحقيق المساواة بينهم وبين البيض(32) وقد يحدث في الحالة السودانية أن يتحول الشمال إلى ممارسة نوع من العدوانية تجاه الجنوب ما لم يتم الاعتراف بالمساواة الكاملة بين الطرفين ويقتنع الطرفان بهذه المساواة
                  

06-17-2005, 01:13 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول معالجة مسالة الوحدة الوطنية في السودان (Re: نزار باشري ابراهيم)

    الشى الجميل والملاحظ فى هذه الدراسه إنها ترتكز فكريا على أسس ومبادى ومناهج التكامل القومى والوحده الوطنيه والتى تتضح فى فكرة الدكتور بصورة واضحة يدعمها شمول نظرته للعوامل الإقتصاديه والإجتماعيه وربما البيولوجيه النفسيه إلخ ومعالجة هذه القضيه الهامه وهذا يتضح لنا فى الموضوعيه واللانحيازيه للحقيقه حيثما كانت
    نحي الدكتور عبد الوهاب الزين على هذه الدراسه المفيده ففيها معالجات جيده ونظره مستقبليه صحيحه مخلصه وواعيه أيضا فالمستقبل لهذا الوطن والحلم بالحياة فيه والتقدم لايقبل بغير الحقيقة والإخلاص فعالم اليود تسوده التكتلات والوحده أساس الأشياء فيه فالوحدة تعنى الأرض بكاملها والعالم بمجموعه
    ولعل مساله التكامل القومى والوحده الوطنيه هى أول نقطة تحول حقيقيه نحو التنمية حيث أنها تسهم فى خلق كيان قوى ومترابط إجتماعيا تشكل إقتصادياته مصدر القوة فيه ولعل العوامل الاخرى والتى تطرق لها الدكتور لاتقل شانا عن العامل الإقتصادى والذى يعتبر أبرزها فالمصالح الجماعيه المشتركه هى التى تسهم فى متانة وتوثيق الروابط بين أفراد هذا المجتمع على إختلاف شاكلتهم من ثم يشعر الجميع بإحساس قوى بالإنتماء يتذايد يوما عن آخر
                  

07-14-2005, 02:33 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول معالجة مسالة الوحدة الوطنية في السودان (Re: نزار باشري ابراهيم)

    up
                  

08-13-2005, 01:27 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول معالجة مسالة الوحدة الوطنية في السودان (Re: نزار باشري ابراهيم)

    up
                  

08-24-2005, 02:14 PM

nour tawir
<anour tawir
تاريخ التسجيل: 08-16-2004
مجموع المشاركات: 17638

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول معالجة مسالة الوحدة الوطنية في السودان (Re: نزار باشري ابراهيم)

    up
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de