محجوب محمد صالح: التحديات التي تواجه الأحزاب في المرحلة القادمة

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-11-2024, 07:47 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-08-2005, 01:45 AM

sultan
<asultan
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1404

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
محجوب محمد صالح: التحديات التي تواجه الأحزاب في المرحلة القادمة

    الأيام

    أصوات / الأحد 29/5/2005

    محجوب محمد صالح


    التحديات التي تواجه الأحزاب في المرحلة القادمة(1-3)


    بدعوة من منظمات (اتجاهات المستقبل) قدمنا هذه الورقة في ندوة بدارها وقد آثارت نقاشا حيا وانا إذ انشرها أتطلع إلى تواصل النقاش حول هذا الموضوع الهام:-

    الأحزاب في اي نظام ديمقراطي هي المؤسسات الرئيسية التي يقوم عليها البنيان الديمقراطي وهي التي تستقطب المواطنين حسب برامجها المطروحة وتعبئهم وتنظيم مشاركتهم في العمل السياسي وهي التي تجعل مبدأ التداول السلمي للسلطة قابلا للتطبيق ولا يقوم نظام ديمقراطي بلا أحزاب ولا تقوم أحزاب في غيبة الديمقراطية وسر أزمة الأحزاب السودانية هي غياب الديمقراطية لثلاثة أرباع الفترة الممتدة منذ استقلال السودان حتى اليوم. ان الانقلابات العسكرية والأنظمة الشمولية التي ظلت تتعاقب على حكم السودان خلال العقود الخمسة الأخيرة أضعفت هياكل الأحزاب واوهت نسيجها وقوضت هياكلها ولم تمنحها الفرصة لكي تطور أجهزتها او تبني قدراتها – وإذا كانت اغلب الأحزاب السودانية قد بدأت مسيرتها بهياكل ضعيفة فان الحصار الشمولي قد قضى على احتمالات التطوير الذاتي الذي كان يمكن ان يعينها على تجاوز أزماتها المو########.

    وقد تجاوزت الاثار السلبية للأنظمة الشمولية الأحزاب إلى سائر تنظيمات المجتمع المدني من جمعيات ومنظمات واتحادات ونقابات وبذلك قوضت الأنظمة الشمولية فرصة المجتمع في تطوير منظمات العمل الجماعي على المستوى القومي وهي منظمات بالغة الأهمية في بناء الوحدة الوطنية وفي تجاوز الانتماءات الضيقة وأدوات فاعلة في تحقيق الانصهار القومي – ولا غرو ان تملأ الفراغ تنظيمات جهوية وقبلية وطائفية لان المجتمع لا بد له من ان يفرز مؤسسات لحماية حقوق أفراده وإذا انسد الطريق القومي أمامه فانه يتراجع إلى مؤسسات الحماية التقليدية المتمثلة في العشيرة والقبيلة والطائفة.

    وإذا توقفنا لحصر المثالب التي ألحقتها الأنظمة الشمولية المتعاقبة بالأحزاب لتوقفنا عند بعض المعالم البارزة:

    أولا: نتيجة للحصار القانوني والأمني الذي شل إلى حد كبير نشاط الأحزاب ضعفت مؤسساتها وأجهزتها التنظيمية وفقدت القدرة على التواصل مع الأجيال الحديثة والقدرة على استقطاب أعضاء جدد في نفس الوقت الذي فقدت فيه الأحزاب كوادرها القديمة بالحصار والقمع أو الهجرة – والقلة التي واصلت تحت ظروف القمع كانت المساحة المتاحة لها نتيجة لهذا الحصار جد محدودة ولذلك تدنت قدراتها وفعاليتها.

    ثانيا: تحت وطأة هذه الظروف انعدمت تماما فرص الأحزاب في تطوير هياكلها ومؤسساتها وفرص إدارة صراعها الداخلي لمعالجة قصور مؤسساتها وتوطين الديمقراطية الداخلية في صفوفها تجاوزا لعيوبها التاريخية والمو######## والمستجدة وقد أدى ذلك إلى احتقانات داخلية ولانسداد قنوات الحوار الداخلي فكانت النتيجة انفجارات وانقسامات حتى تشظى كل حزب تقريبا الى مجموعة أحزاب – والمفارقة هنا انه حتى الحزب الحاكم – الجبهة الإسلامية – انشطر وتشظى نتيجة لهذا الاحتقان وانسداد قنوات العمل السياسي بعد ان أصبح الاعتماد على جهاز الدولة بديلا للجهاز السياسي – بل ان الحركة الشعبية طالتها الانقسامات لنفس هذا السبب والنتيجة ان الانقسامات والفركشة قد طالت كافة الأحزاب السياسية وأضعفتها جميعا.

    ثالثا: ظروف المواجهة مع النظام الشمولي الحاكم وحالة الحصار المفروضة على الأحزاب وانسداد قنوات الفصل السياسي شغلت الأحزاب جميعها عن المتغيرات الكبيرة التي طرأت على الموقف العالمي والإقليمي والداخلي في وقت تعاظمت فيه تلك المتغيرات اثر تطورات داخلية وخارجية سريعة وفاعلة وراديكالية ولذلك لا يملك أي حزب من أحزابنا أجندة للتعامل مع هذه المتغيرات الكبيرة والمشاكل العديدة التي ستصاحب السلام والتحول الديمقراطي في السودان والأجندات الخارجية الكثيرة المتنافسة على أرضنا ولذلك سنقبل على التحول الديمقراطي المرتقب بأحزاب لا تملك أجندة وبرنامج عمل لمقابلة المتغيرات الداخلية أو الخارجية والمشاكل التي تراكمت عبر السنين وتجاوز اثار الحرب والصراع الداخلي ونخشى ان تتعامل الأحزاب مع هذه المشاكل بعقوبة تشكل خطر جديداً.

    رابعا: السلطة الحاكمة المتمثلة في المؤتمر الوطني اعتمدت على الجهاز التنفيذي والجهاز الأمني وهمشت تماما الدور السياسي والحركة الشعبية تقوم على القوة العسكرية مما اضعف الجانب السياسي والمعارضة تعاني من ضعف قدراتها السياسية بسبب الظروف التي عاشتها – ويسود هذا الضعف العام في وقت يفترض فيه ان يفتح فيه الدستور أبواب العمل الشعبي على مصراعيها ووسط الاحتقان السائد وإذا افتقدت الجماهير الأحزاب التي تركن اليها فان احتمالات التحرك العفوي والعشوائي والانفجاريات التلقائية تصبح واردة وحاضرة مما يشكل تحديا لكافة القوى السياسية ويفرض عليها البحث عن وسائل لاستيعاب هذه الحركة المنتظرة في وقت هي لا تملك المواعين القادرة على الاستيعاب ولا البرامج الجاذبة لتلك الحركات وهي مطالبة بأن تعالج هذا الخلل.

    هذه بعض الأزمات التي تعاني منها الأحزاب وهي مقبلة على التحول الديمقراطي ونحن إذ نرصدها لا ننطلق من رؤية معادية للأحزاب ولا ندعو للتقليل من شأنها بل ننطلق من النظر اليها باعتبارها الأدوات الأساسية في صناعة التحول الديمقراطي ونتطلع لان تنظر هي في واقعها وتعمل لتجاوز هذا الواقع المنذر بالخطر وان تتذكر ان الأحزاب الضعيفة لا تنتج الا نظاما ديمقراطيا هشا وآيلا للسقوط وإذا جاز لنا ان نفخر بأننا استطعنا في تاريخنا الحديث وعبر انتفاضتين شعبيتين ( 1964 - 1985) ان نسقط أنظمة عسكرية فيجب ان نتعلم من ذلك الدرس- أيضا- ان الأنظمة التي اقمناها كانت هشة لدرجة انها سقطت خلال بضع سنوات (1969 – 1989) مما يعني ان النظام السياسي الهش لا ينتج الا نظاما ديمقراطيا هشا يكون عرضة للسقوط فور قيامه.

    وحقيقة أخرى يجب ان نتذكرها هي ان سيناريو التغيير يحدث هذه المرة بشكل مختلف تماما والنظام لم يسقط والمعارضة السياسية لم تنتصر والمعارضة العسكرية لم تنتصر والحكومة لم تنتصر والتحول الديمقراطي ياتي نتيجة (تسوية) بعون كبير من المجتمع الإقليمي والدولي ولن يتحقق او يكتمل التحول الديمقراطي الحقيقي الا اذا تغيرت موازين القوى الداخلية بحيث تفرض اكتماله والأحزاب السياسية ينبغي ان ندرك تماما أبعاد التحديات التي نواجهها خلال المرحلة القادمة لكي نعدل موازين القوى لمصلحة التحول الديمقراطي عبر نشاطها وسط قواعدها وفق برامج تدرك الأزمات والمشاكل الحقيقية وتتعامل معها بالجدية وسعة الافق المطلوبة.

    =====
    الأيام 30/5/2005
    أصوات وأصداء

    محجوب محمد صالح


    التحديات التي تواجه الأحزاب في المرحلة القادمة (2)


    إضافة لما ذكرناه أمس عن العناصر والأسباب التي أضعفت الأحزاب السياسية فان الوضع القادم الذي دشنته اتفاقية السلام ياتي في أعقاب حرب أهلية دامت أكثر من عقدين من الزمان شهدت صراعات قبلية في الجنوب ومليشيات جنوبية مستقلة او متحالفة مع الحكومة كما لجأت المعارضة الشمالية بكافة أحزابها للسلاح وجيشت الجيوش ثم ظهرت الحركات المسلحة في الغرب وفي الشرق وهكذا أصبح السلاح مباحا ومتاحا والسلاح المنفلت والديمقراطية نقيضان لا يلتقيان – اكبر مهدد للديمقراطية القادمة وجود السلاح في الأيدي بكميات كبيرة وبنوعيات متطورة – كيف ينزع السلاح؟ وكيف نسترد احتكار السلاح للدولة حتى نضمن استدامة السلام والديمقراطية؟ وعلى الجانب الأخر كيف نتعامل مع الجيوش الثلاثة وكيف نضمن قوميتها والتخلص من أساسها الحزبي الاتفاقية اعتبرت جيش الحركة هو جيش الجنوب وهو جيش حزبي المليشيات الجنوبية لا تعترف بقوميته في اطار الجنوب والمعارضة الشمالية تريد ضمانات وترتيبات لتحقيق قومية الجيش الوطني الجيوش الثلاث حتى تصبح فوق الولاءات الحزبية الضيقة وهذا سيكون مطلبا هاما لكل حاملي السلاح قبل ان يوافقوا على نزع سلاحهم والا فان السلاح المنفلت سيظل يهدد الاستقرار.

    هذه هي صورة المسرح السياسي – فما هي التحديات المحددة التي تواجه الأحزاب في برامجها وهياكلها وتمددها الجماهيري ؟ دعونا نرصد بعضها رصدا أوليا لا ندعي انه جامع مانع ولكنه تسليط للضوء مع بعض تلك التحديات:

    التحدي الأول:

    ان اتفاقية السلام التي ستحكم الفترة المقبلة هي بكل المقاييس اتفاقية بالغة التعقيد ومليئة بالتفاصيل الدقيقة وتنشئ نظاما معقدا للحكم وجهاز دولة مركب وهو يضعف دور الحكم المركزي بصورة غير مسبوقة وتقوي دور الولايات وتقوم على فدرالية معطونة لانها غير متوازنة ويصبح جهاز الدولة جهازاً عالي التكلفة وازدياد الصرف على الجهاز الإداري سيكون على حساب الصرف التنموي وسيحدث هذا في وقت أطلقت فيه اتفاقية السلام العنان للتوقعات المتعاظمة وسط الشعب بحيث يتوقع الجميع تغييرا راديكاليا في حياتهم مما سيخلق موقفا سياسياً متوتراً يحتاج لحكمة ومعالجة سياسية حكيمة حتى لا يقود هذا التوتر إلى انفجارات تجهض السلام والتحول الديمقراطي معا كما يحتاج لمبادرات للتعامل مع الاتفاقية بأفق جديد – لكن إصرار طرفي الاتفاق على الانفراد بالأمر لا يقود في هذا الاتجاه ووجود نظام حكم فدرالي غير متوازن يعقد المشكلة ومن باب الحرص على حماية السلام والتحول الديمقراطي فان كل الحركة السياسية مطالبة بأن تضغط في سبيل تحقيق إصلاح هياكل الحكم والوصول إلى برنامج حد أدنى سياسي يستطيع ان يعبر بالبلاد المرحلة الأولى الحرجة السابقة للانتخابات دون انفلات الصراع بصورة تعود بنا للمربع الأول وهذه معادلة دقيقة وحرجة.

    التحدي الثاني:

    ان هذا الاتفاق واتفاق السلام فتح الباب أمام تدخل خارجي في السودان – إقليمي ودولي- يقترب من مرحلة الوصاية الدولية إذ ان الوصول الى هذا الاتفاق تم بجهد خارجي كبير وتواصل ذلك الجهد بتوفير دعم مادي عبر مؤتمر المانحين لانفاذ الاتفاق –وسيظل الباب مفتوحا أمام خطر توسع النفوذ الخارجي الدولي والإقليمي في المرحلة القادمة بعد انفاذ الاتفاق خدمة لاستراتيجيات وأجندات أجنبية ولا شيء يغري بالتدخل الأجنبي أكثر من الصراع الداخلي وتفتت الجبهة الداخلية ورغم الخلافات الكبيرة البادية اليوم بين الحكومة والمعارضة فان التحدي الذي يواجه الحركة السياسية كلها حاكمة ومعارضة هو مدى قدرتها على إدراك هذه المخاطر والمبادرة لتوحيد الجبهة الداخلية لان صراع الأجندة الخارجية على الأرض لن يكون في صالح اي طرف من الأطراف إذا تواصل.

    التحدي الثالث:

    المجتمع السوداني بات يعاني من اختلالات كثيرة وخطيرة نتيجة لمتغيرات داخلية خارجية فقد أدى انهيار الاتحاد السوفيتي واستئثار المعسكر الرأسمالي بالشأن الدولي إلى فرض سياسة العولمة والتحرر الاقتصادي وتخلي الدولة عن دورها في الرعاية الاجتماعية مما زاد رقعة الفقر وتدني الخدمات وانتشار الفساد وانهيار جهاز الدولة وأصبحت البلاد تعيش واقعا جديدا لم تعرفه من قبل والأحزاب السياسية مطالبة بأن تكون لها رؤية وبرامج لمواجهة هذا الواقع وانتشال المجتمع من وهدته ومحاربة الفقر وتوفير الرعاية الاجتماعية والخدمات الضرورية ولكن المراقب للنشاط الحزبي لا يفوته ان هذه القضية حتى الان لا تشغل بال الأحزاب بالدرجة الكافية ولا تتوفر لها الدراسات ولا المعلومات ولا البرامج للتعامل معها وعندما تتوفر للناس حرية التعبير في أعقاب التحول الديمقراطي ستصبح هذه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة قضية مركزية لا يمكن تجاهلها – وهناك مستجدات أخرى في الأجندة الوطنية ما زالت غائبة تماما عن الأجندة الحزبية مثل قضايا الحكم الراشد والشفافية وحقوق الإنسان ولن يستطيع اي حزب يريد ان يخاطب القواعد الحضرية والإقليمية ان يتجاهلها – الأحزاب اذن مطالبة بوجه السرعة بتحديد مواقفها من تلك القضايا فهل هي تمتلك الأدوات اللازمة لهذا العمل؟ – سؤال مشروع وكل الإرهاصات تشير ان الإجابة ستكون سالبة.

    التحدي الرابع:

    لقد حدث تغيير كبير في التركيبة السكانية في السودان واندفعت جموع الريف إلى الحضر نتيجة لسياسات تنموية خاطئة ولظروف طبيعية تمثلت في الجفاف والتصحر ولأسباب إنسانية نتيجة للحروب الأهلية والصراعات القبلية وهذا الوضع يواجه الكثير من الأحزاب بتحديات جديدة وخطيرة إذ ان الولاءات التقليدية بالنسبة لهؤلاء النازحين قد اهتزت وزاد وعيهم وأصبح استقطابهم لا يعتمد على ولاء تقليدي موروث ولا على ولاء ديني أو ايدولوجي مفترض بل ولاؤهم سيعتمد على تبني قضاياهم وحل مشاكلهم وستخطئ الأحزاب خطأ كبيرا لو ظنت انها ستكون قادرة على استقطابهم بالخطاب السياسي القديم المستهلك او بالشعارات العاطفية او الولاءات التقليدية أو الايدولوجية وسيكون سقف مطالبهم مرتفعا والأحزاب لم تدرس واقعهم ولم تتابع قضاياهم وهي تحتاج إلى مبادرات جديدة تجاههم.

    = = = = =
    الأيام 31/5/2005

    أصوات / الثلاثاء

    محجوب محمد صالح


    التحديات التي تواجه الأحزاب في المرحلة القادمة(3-3)

    التحدي الخامس:

    يتمثل في مفهوم جديد للفيدرالية ساد كل أنحاء السودان يريد لكافة الأقاليم حكا ذاتيا يزيل مظالم تراكمت مع وجود وإحساس متزايد بمسؤولية المركز عن كل تلك المظالم ولم يعد ذلك الإحساس قاصرا على المناطق الطرفية ولكنه وصل إلى أقصى الشمال والى الوسط بعد ان أصبح مفهوم التهميش شائعا والمرتكزات التي قام عليها اقتصاد الوسط نفسه انهارت (السكك الحديدية، مشروع الجزيرة، الصناعات الزراعية .. الخ)، ولا نريد ان نتوسع في الحديث عن هذا الجانب ولكننا نود ان نتحدث عن انعكاساته مفهوم الفدرالية على الأحزاب فإذا كانت الفيدرالية قد أصبحت الخيار الغالب فان كل أحزاب السودان بعيدة كل البعد عن الفيدرالية في هياكلها وتنظيمها فهي مركزية حتى النخاع وهي مركزية بأكثر من معنى – مركزية بمعنى تمركز صناعة القرار في يد الزعيم الخالد للحزب ومركزية بمعنى صدور قراراتها من المركز لتطبق على كافة فروع الحزب الإقليمية ايا كان موقعها – الأقاليم ستفرز قياداتها الخاصة وأجنداتها الخاصة وستطالب بأكبر قدر من الاستقلال عن مركز الحزب وقيادة الحزب في صناعة القرار المحلي كما تطالب بالمشاركة الفاعلة في صناعة القرار في المركز – جماهير الأحزاب في الأقاليم ستسعى لان يصبح الحزب – مثل الدولة – فيدراليا بالمعنى الكامل للكلمة فهل الأحزاب مستعدة لهذه النقلة النوعية؟؟

    التحدي السادس:

    التحدي السادس لا يقل خطورة عن فيدرالية الحزب وهو أيضا يأتي نتيجة للمتغيرات الحديثة في الساحة السياسية وإذا كانت التنظيمات الجهوية قد ملأت الفراغ الناشئ من غيبة الأحزاب عن الساحة الإقليمية فان منظمات المجتمع المدني قد ملأت الفراغ في المدينة وهذا تطور جديد لم تعرفة الساحة السياسية ابان الديمقراطية الثالثة – يومها كانت منظمات المجتمع المدني وقفا على الجمعيات والنقابات والاتحادات اما اليوم – ونتيجة لمتغيرات محلية ودولية – فان الساحة تغص بمنظمات المجتمع المدني التي تمارس النشاط في شتى الميادين لتلبي حاجات حقيقية في المجتمع – في قضايا محاربة الفقر وتقديم الخدمات وحماية البيئة وقضايا المرأة وحماية حقوق الأقليات وفي مجال رعاية حقوق الإنسان وتحقيق التنمية المستدامة والشفافية وسيادة حكم القانون وعشرات الموضوعات المستحدثة – ومهما كانت هياكل منظمات المجتمع المدني ضعيفة اليوم فهي ستزداد قوة بعد التحول الديمقراطي ومنظمات المجتمع المدني ليست منافسة للأحزاب في الوصول للسلطة (وان كان بعضها قد يتحول لأحزاب كالخضر مثلا) ووجودها لا يتناقض مع وجود الأحزاب ولكن التنافس ينشأ في استقطاب الشباب الذي قد يجد نفسه في هذه المنظمات أكثر من الأحزاب السياسية وقد يفضل المنظمات على الانتماء للأحزاب رغم عدم وجود ما يمنع من ازدواج العضوية طالما كان استقلال المنظمة محل الاحترام – التحدي الذي يواجه الأحزاب هو كيف تتعامل مع هذه المنظمات وكيف تخلق افقا للتعاون وكيف تصنع الخطط التي لا تجعلها تفقد الشباب لهذه المنظمات بل تتعامل بالمرونة التي تكفل التعايش والتعاون.

    وقد يبدو من هذا السرد ان الأحزاب ستجد نفسها محاصرة بين حركات جهوية في الأقاليم ومنظمات مجتمع مدني في المدن ولكن الأمر ليس كذلك بل هو واقع يتطلب من الأحزاب ان تتعامل معه بالمرونة فتعدل في هياكلها ومؤسساتها وبرامجها لتتعايش مع هذه المتغيرات وهذا هو التحدي الأكبر فهل قادرة على مواجهة التحدي ؟

    التحدي السابع:

    والتحدي السابع يتعلق بمفهوم إعادة بناء الأحزاب وعضويتها ومؤسستها وستكشف الأحزاب بعد عودتها ان هناك عزوفا واضحا عن العمل السياسي الحزبي، وان المجتمع الذي كان يفيض حيوية سياسية قد بدأت اهتماماته بالعمل السياسي المباشر تتراجع من جراء الإحباط والخيبات التي توالت عليه، كما ان الواقع الاقتصادي السئ وتزايد الأعباء الحياتية باتت تشغل جل وقت قطاعات شعبية واسعة وان إعادة النشاط للمجتمع واستقطاب العضوية الجديدة واستنفار القوى الحية سيحتاج الى خطاب جديد والى رؤية جديدة والى برامج تستثير حماسة الفرد حتى يصبح مشاركا فاعلا.

    وهناك أيضا – أجيال من الشباب تأثرت بثورة المعلومات التي اقتحمت كافة افاق الحياة وربطتهم بتيارات ومعارف وممارسات جديدة وخلقت لهم اهتمامات متنوعة وأسلوب العمل السياسي القديم لا يناسبهم والاطروحات السياسية التقليدية لا تستهويم ولا تستجيب لاهتماماتهم الحديثة والحزب الذي يريد ان يستقطبهم لا بد من ان يقترب من واقعهم ويتفهم رغباتهم واهتماماتهم بينما القيادات الحزبية القائمة تجمدت عند نقطة تاريخية تجاوزها الزمن وتباعدت المسافة بينهم وبين هذه الأجيال التي ما عادت تستهويها الايدولوجيات ولا القوالب الجاهزة ولا سبيل للاقتراب من هذا الأجيال الا إذا أعطيت الحرية الكاملة لتطرح خطابها السياسي وتعبر عن واقعها ورؤاها.

    وعلى الجانب الأخر فان وعيا كبيرا بدأ ينتشر في صفوف النساء واهتمام المرأة عموما بالعمل العام وبالمشاركة في شتى جوانب الحياة تضاعف عدة مرات وتأثر بتيارات عالمية عديدة وبمفاهيم جديدة وسيكون صوتها مؤثرا وفاعلا في الحياة العامة وقد ارتفعت معدلات التعليم وسط النساء بدرجة غير مسبوقة واكتسبت القيادات النسائية خبرات واسعة في العمل العام في شتى ميادين النشاط الاجتماعي والثقافي والسياسي بينما زاد مستوى الوعي في القاعدة النسوية حتى غير المتعلمة اثر اتساع دائرة الفقر وآثار الحرب ونزول المرأة لميدان العمل والإسهام في إعاشة الاسرة وأحيانا تحمل كامل المسؤولية المادية للاسرة – صحيح ان الأحزاب السودانية أعطت المرأة سابقاً مواقع في تنظيماتها وصحيح ان المرأة مارست ابان الديمقراطية حق الترشيح وحق التصويت ولكن تطور المرأة خلال العقد الفائت قد تجاوز ذلك ولم يكن وضعها في الماضي متماشيا مع ثقلها في المجتمع وكان أشبه بالتمثيل الرمزي وستكون مطالبها غدا كبيرة وطموحاتها اكبر ووزنها في العمل العام لا يمكن تجازوه ومكانها في القيادات الحزبية ينبغي ان يتناسب مع ثقلها المجتمعي ومع دورها المرتقب وذلك يقتضي تغييرا في عقلية القيادات الحزبية وتفهما لقضايا المرأة المطروحة في الساحة والتطور الكبير الذي طرأ على تلك القضايا مؤخرا حسب المعايير الدولية والممارسات السائدة.

    الطريق للمستقبل:

    إذا اتفقنا على ان الأحزاب هي الركن الأساسي في البناء الديمقراطي، وإذا اتفقنا ان الوضع السياسي بالغ التعقيد كثير التحديات، وإذا تذكرنا ان احتفاظنا بالسودان موحدا ومستقراً سيتوقف على قدرة النظام الديمقراطي القادم على مواجهة التحديات. وان اي نظام ديمقراطي هش لن يستطيع ان ينجح في مواجهة تلك التحديات لاستبان لنا ان قدرا ضخما من المسؤولية سيقع على عاتق الأحزاب وان استدامة النظام الديمقراطي واستقرار السودان سيكون رهنا بمدى نجاحها في إصلاح وإعادة ترتيب أوضاعها في الفترة القصيرة القادمة وفي تجاوبها مع متطلبات هذا الواقع بالغ التعقيد.

    والذي ينظر في واقع الحياة السياسية والتشرذم والتشظي الذي تعاني منه كل القوى السياسية ووجود مليشيات مسلحة في الساحة جنوبا وشرقا وغربا والتحديات الكبيرة التي تواجه القوى السياسية في الميادين الاجتماعية والاقتصادية والثقافية مع الضعف الذي اعترى الأحزاب وجهاز الدولة المعقد وغير المتوازن الذي تنشئه الاتفاقية الذي يتمعن في ذلك كله لا بد ان يحس بقدر من التشاؤم تجاه هذا الواقع وينتابه الخوف من ان هذه (التوليفة) قد تكون وصفة جاهزة لانفجار قادم ولكننا لا ننطلق من رؤية تشاؤمية ونعتقد انه إذا توفرت الإرادة السياسية والمرونة العملية والوعي الكافي وإذا استبانت كافة القوى السياسية المخاطر المحدقة بهم جميعا في هذا المركب الواحد فان عملية (هندسية) يمكن ان تتم لتجاوز هذا الواقع المفعم بالمخاطر او على الأقل توفير المناخ الذي يساعد على مواجهة التحديات اما كيف ومتى يتم ذلك؟ فهذا هو السؤال الذي ينبغي ان يشغلنا جميعا.

    = = = = =
    السودان لكل السودانيين
    المجد لشعب السودان ... المجد لأمة السودان
                  

06-08-2005, 08:18 AM

الرفاعي عبدالعاطي حجر
<aالرفاعي عبدالعاطي حجر
تاريخ التسجيل: 04-27-2005
مجموع المشاركات: 14684

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محجوب محمد صالح: التحديات التي تواجه الأحزاب في المرحلة القادمة (Re: sultan)

    شكرآ يا للروعة ومحتاجين متابعة زي دي كدا
                  

06-10-2005, 05:12 AM

sultan
<asultan
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1404

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محجوب محمد صالح: التحديات التي تواجه الأحزاب في المرحلة القادمة (Re: الرفاعي عبدالعاطي حجر)

    الأخ الرفاعي،

    كل الشكر للأستاذ محجوب.

    مع تقديري

    ===

    السودان لكل السودانيين
    المجد لشعب السودان ... المجد لأمة السودان
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de