المخابرات تخترع عدوا جديدا...المخابرات، الاسلام والعنف السياسي (عدو جاهل خير من عدو عاقل)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 09:16 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-24-2005, 05:18 AM

Hatim Elhassan

تاريخ التسجيل: 05-11-2005
مجموع المشاركات: 576

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
المخابرات تخترع عدوا جديدا...المخابرات، الاسلام والعنف السياسي (عدو جاهل خير من عدو عاقل)

    Quote: *لوران بونيللي
    Laurent Bonelli

    " لقد دخلنا مرحلة جديدة في تاريخ الارهاب. هذه الحقبة الجديدة غير المحصورة مناطقيّا او وطنيّا، تتميّز بالارهاب الانتحاريّ والاعتداءات التي تتعمد الحاق اضرار جسيمة بالمدنيّين وينفذ هذه الاعتداءات جماعات ليست لديها ايّ مصلحة في الدخول في مفاوضات من اي نوع كان [1] ." بعد اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، قامت المديرة العامة للأجهزة الامنية البريطانية، إليزا مانينغام بولير، بابراز المصاعب السياسية التي تفرضها جماعات أمثال "القاعدة" في وجه السلطات واجهزة الاستخبارات الغربية.

    ان الحرب ضد الارهاب لا تتخذ دائماً المعنى نفسه، كما توحي التصريحات القوية والصارمة لعدد من وزراء الداخلية ( نتذكر ما قاله السيد شارل باسكوا "يجب ترهيب الارهابيين"). ان تلك الحرب هي، على العكس، نتيجة أخذ وردّ متعدّد الاوجه بين الحكومات واجهزة المخابرات والجماعات السرّية، في سعي من كل طرف للدفاع عن مصالحه السياسية والتنظيمية ومحاولة فرض "حقيقته".

    لذا، إن "الارهاب" لا يعبّر عن حقيقة موضوعيّة تفرض نفسها على الجميع. فقد استعمل الجيش الالماني هذه العبارة في الاشارة الى المقاومة الفرنسية، واستخدمته روسيا ازاء المحاربين الشيشان، كما أنّ لا أحد من الجماعات السرية تعتبر نفسها ارهابية، مفضّلة تسمية نفسها، حسب الحالات، بـ"مناضلين من اجل الحرية" أو "وطنيين" أو "طليعة البروليتاريا"أو "جنود الاسلام"، الخ. إن دمغ بعض المنظمات ومطالبها بصفة "الارهاب" ليس سوى وسيلة لسلبها اي شرعيّة. ممّا يفسّر، في الوقت نفسه، استحالة التوصّل الى تعريف موحّد للارهاب في الزمان والمكان، والاستراتيجيّات المختلفة التي اتّبعتها الحكومات لمواجهته: عدم التدخّل، الضغط، المفاوضات، القمع البوليسيّ وحتى التدخل العسكري. إن أساليب الردّ هذه تعود الى طبيعة موازين القوى السياسية بين الافرقاء وتطوّرها، إضافة الى أهداف المجموعات السرية وأساليب عملها.

    تلعب أجهزة المخابرات دوراً مركزيا في ضبط العنف السياسي. فإنّ ما تقوم به من عمليّات تقصّي وتحديد مواقع ومراقبة، يؤمّن للسلطات معلومات تسمح لها باستباق ظهور الازمة وتفاقمها، وباختيار محاورين او الاطّلاع على استراتيجيّات أعدائها. لكنّ الاجهزة لا تقتصر فقط على لعب دور أدوات بسيطة في خدمة القرارات السياسية، فإن استراتيجيّاتها متعدّدة، تبدأ بالتجريد العلنيّ لبعض الجماعات من مصداقيّتها، الى تخريب أعمالها أو القضاء ــ نفسياً أو جسدياً في بعض الاحيان ــ على قادتها، مروراً بإحباط عزيمة بعض المؤيّدين لها أو إثارة النزاعات الداخلية في صفوفها . [2]

    ففي ما يخصّ اجهزة الاستخبارات الفرنسية، اقتصرت هذه العمليّات على بعض الاقسام فيها التي تعتمد طرقا سرية وغير قانونية أحياناً، كمكتب الحرب النفسية ومجموعة التحقيقات السرية، أو غيرها من وحدات فاعلة غير معترف بوجودها رسمياً. وفي أسبانيا، دعمت الاجهزة المخابراتية مجموعات تحريرية معادية للارهاب، قامت باغتيال لاجئين من دولة الباسك أتوا الى فرنسا في نهاية الثمانينات. وفي بريطانيا، شاركت أجهزة المخابرات في تطوير ممارسات "صوّب واقتل" الهادفة الى التخلص من مؤيّدين يُِفترض أنهم تابعون للجيش الجمهوري الإيرلندي. هكذا، أصبحت تلك الاجهزة تشكّل محوراً ـ مستقلا جزئياً ـ في ممارسة العنف الحكومي، يكون لأعماله تأثيراً على استراتيجيّات المجموعات السرّية والسلطات الرسميّة على حدّ سواء.

    إضافة الى ذلك، إن استقصاءهم الروتينيّ للمعلومات والتحليل والتفسير واستباق الاحداث، يساهم في حصر اللعبة السياسية. فمن خلال تأهيل او خلع بعض المحاورين، على أساس تقديراتها الخاصّة، تحدّد أجهزة المخابرات ان كان بإمكانهم المشاركة ام لا في اللعبة السياسية. فهم بمثابة حراس ـ مجهولين في الغالب ـ للنظام السياسي، وإنّ نظرتهم للأمور تؤثّر كثيراً على تحديد هذا النظام وعلى طريقة عمله.

    وبالرغم من تنوعهم، يجتمع أعضاء الأجهزة المخابراتية على تخصيص أهمّية أساسية لموازين القوى السياسية. وإنّ المبادىء التي يعملون على أساسها تتعارض مع مبادىء عالم القضاء الذي يصبّ اهتمامه بشكل اساسي على ميزان الحق (القانون). وحتى اذا كان هؤلاء العملاء أعضاء في الشرطة، فانهم وليس فقط في ما يخصّ مهمّاتهم، يختلفون عن زملائهم في أجهزة الشرطة القضائية أو الشرطة المدينية. فبعد تمضيتهم للقسم الاكبر من حياتهم المهنيّة داخل الاجهزة المخابراتية، يكونون قد اكتسبوا الممارسات وروتين العمل البيروقراطي ونظرة للعالم مو######## عن تاريخهم المهني هذا. ومن شأن هذا التمرّن خلق مؤهّلات محدّدة، تتميّز بالاهتمام باللعبة السياسية والقدرة على التحكّم الفعلي برهاناتها، وبالتعلّق بالنظام الشرعيّ والحفاظ عليه. إنّ هذه المؤهّلات مستخلصة من منطق الشكّ والريبة الخاصّ بأعضاء الشرطة عامّة خلال ممارستهم العمل السياسي، وهي تفسّر ما يتردّد من عبارات "مؤامرة" و"تلاعب".

    إنّ أحدى المظاهر الاكثر وضوحاً لتلك المؤهلات، هي درجة التنظيم العالية التي تنسبها المخابرات لأعدائها ضمن تقاريرها وتحليلاتها. فهي ترى وراء أصغر مبادرة محلّية عنصراً لخطّة سياسية شاملة، وتسارع الى اعتبار بعض المجموعات الصغيرة او حتى الاشخاص المستقلّين عملاء لمنظّمة سرّية حسنة التنظيم. وقد علّق رئيس جهاز المخابرات العامّة الفرنسية بين 1992 و2004، السيد إيف بيرتران، على مراقبة الخطابات التي تُتلى في المساجد بقوله: "لقد أصبحنا حذرين، بشكل خاصّ، بعد اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001. وقد توقّع عدد من المراقبين حدوث الكثير من أعمال الشغب (...). من الغريب أنّ المسؤولين عن المساجد والمنظّمات استطاعوا التحكّم بجمهورهم، الامر الذي لا يطمئننا في كلّ حال. فهذا يعني (...) بأنّ المنظّمات تتحكّم جيداً بالجماعة الدينية. " [3]

    بحسب هذا النوع من التحليل، يعتبر الهدوء أسوأ بكثير من العاصفة، لأنه قد يخفي شيئاً أكثر خطورة. ومن خلال هذه التصوّر الخطر للعالم، وإعطاء الأولويّة للمخفيّ على المرئيّ، يصبح الرفض شبه الاجماعي للاعتداءات الدامية مدعاة اهتمام اضافي ومبرر جديد للمراقبة اللصيقة التي يقومون بها. إن هذا الاصرار على"تضخيم" الخطر يؤمّن لعناصر المخابرات أرباحاً كبيرة، سواء على الصعيد المادّي (وسائل، مال) أو الرّمزي ( أهمّية الأجهزة، امتنان شخصيّ ).

    في ما يخصّ الاسلام، انّ مراقبة الجماعات الدينية، وخاصّة أماكن الصلاة والقادة والمنظّمات الدّينية، لم تبدأ فقط بعد الاعتداءات التي استهدفت مركزي التجارة العالمي والبنتاغون. فهي تشكّل جزءاً من الاجراءات الروتينية في محاربة التجسّس، وإن أجهزة المخابرات في عدد من بلدان الهجرة (خاصّة المغرب)، تستخدم منذ زمن اماكن الصلاة والاجتماع الديني لمراقبة الاشخاص المنفيّين من تلك البلدان.

    لكنّ أهمّية أجهزة المخابرات الغربية، بالنسبة للمجموعات الاسلامية، اتّخذت منحىً مختلفاً جداً إثر وقوع عدد من الاحداث الدولية المرتبطة بالتشدّد الاسلامي السياسي. وفي فرنسا، تعود المحطّات الرئيسية في تطوّر الوحدات الاستخباراتية المتخصّصة في الاسلام الى الثورة الايرانية، في العام 1979، والوضع في الشرق الاوسط والاعتداءات التي قامت بها شبكة فؤاد علي صالح بين 1985 و1986، وخاصّة حرب الجزائر بعد حزيران 1991، التي أدّت الى موجة جديدة من الاعتداءات في العام 1995. وأدّى الامر بهذه الوحدات الى تركيز اهتمامها على نشاط المجموعات الاسلامية المسلحة (خاصّة الجزائريّين)، من أجل وضع حدّ لنزعتها القيام بأعمال ارهابية على الارض، أو لعرقلة العمل اللّوجيستي الذي بمتناول هذه المجموعات (دعاية، حملات تجنيد، طرق تمويل،الخ.) وفي بريطانيا، يعود اهتمام أجهزة المخابرات بالمسلمين الى تدفّق اللاجئين الباكستانيين، أوغيرهم من "الاخوان المسلمين" الملاحقين في المستعمرات البريطانية السابقة. لكن الاهتمام بقي لمدة طويلة هامشيا، بسبب تركيزها على الصراع في شمال ايرلندا. أما في اسبانيا، فقد حصل التغيير حديثاً لأنّ مسألة الباسك، وحتى وقت قريب، كانت شغلت طاقة الاجهزة شبه الكاملة.

    وقد أدّت اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر 2001 و11 آذار/مارس 2004، الى اعادة توجيه نشاط تلك الاجهزة بدرجات مختلفة. فقد شهدت تغيّرا جديّا في وسائل العنف السياسي التقليدي: أولاً التفجّر غير المنتظر وفي أيام السلم، لعمليات ابادة جماعية على اراضي الدول الغربية، بغضّ النظر عن نوعيّة الضحايا وصفاتهم الاجتماعية، السياسية، وحتى المذهبية. أكثر من ذلك، إن هذه الاعتداءات قلبت أسس الرؤية والانقسام الاساسيين في الحيّز السياسي. إذ لا تعتمد المجموعات المسؤولة عن هذه الاعتداءات على أسس ومطالبات مذهبية وطنية أو طبقية، كالتي كانت تشكل حتى الآن خلفية العنف السياسي، والتي ما زالت فاعلة في العديد من النزاعات بما فيها تلك التي تقودها حركات اسلامية متشدّدة (في فلسطين أو الشيشان مثلاً).

    أضافة الى استهتار الحركات المنتسبة الى تنظيم القاعدة، باي سياق تقليدي للمفاوضات، أنّ استقلاليّتها على الصعيدين التكتيكي والاستراتيجي، وعدم وجود مركز جغرافي واجتماعي لها، يؤدّيان الى عرقلة التواصل معها بشكل كبير. وخلافاً لسواها من المجموعات السرية، التي كان بإمكان أجهزة المخابرات تحديد الناطقين باسمها ــ المرتبطين بالحركات نفسها أو بواجهات سياسية أو بحكومات داعمة لها ــ انّ هذا الصنف من المنظّمات هو بمثابة " عدوّ مجهول ودون وجه ". [4]

    لذا يقتصر الامر على الكشف، ضمن الجماعات الاسلامية، عن الاشخاص القابلين للالتحاق بصفوف الجماعات المتشدّدة. ومن خلال مراقبتها المستمرّة للمساجد والمواعظ والجمعيات الثقافية، الخ.، اعتمدت أجهزة المخابرات أكثر وأكثر تحديد " وجوه " أو " شخصيّات " نمطيّة. ووفقاً دراسات تُعنى بأشخاص معروفين متورّطين في أعمال سرية، ستقوم بتحديد مسارات اجتماعية نموذجية والانتباه الى الاشخاص الذين تنطبق عليهم تلك المواصفات.

    وهكذا أصبحت أجهزة المخابرات تلتفت تلقائياً الى الاشخاص من أصول غريبة (خاصّة من البلدان المسلمة) الذين يتمتّعون بمستوى علميّ عال نسبياً أو يتردّدون الى مراكز الجمعيات أو المساجد (خاصّة "الاصوليّة" أو "السلفيّة")، والذين يقومون بأسفار متكررة أو يتوقّفون عن العمل لتمضية وقت في الخارج، الخ. إنّ الامر نفسه ينطبق على الذين اعتنقوا الاسلام من الغربيين والذين يمثّلون العدوّ الخفيّ المتماهي بالشعب والذي يتمتّع بكافّة الامتيازات التي تمنحها له الجنسيّة (التنقل بحرّية، الحماية القضائية، التسهيلات الادارية، الخ.).

    بالاضافة الى القلق المشروع للعديد من الحكومات أمام هذا الخطر، والى اضطرابها نسبياً في مواجهته، فإن صعوبة هذه المهمّة تفسّر وتشرّع المطالبات بالحدّ من الحريات، وباعتماد تدابير استثنائية، سواء كانت بوليسية أو قضائية . [5]

    ويمكننا القول بأننا نشهد، على العديد من الاصعدة، اعادة تشكيل التوازن بين منطق الاستعلام (الاشتباه) والمقاضاة (ادارة التهم)، بحيث تصبح صورة المشتبه به أهمّ من صورة المذنب. ويجسّد مخيّم غوانتانامو المثل الاقوى على منطق الاستعلام هذا، من خلال سجن بعض الاشخاص لسحب المعلومات منهم، عن طريق خرق الضمانات القضائية الاساسية التي تحميهم. لكنّ هذا المثل ليس الوحيد، بالرغم من تطرّفه. ففي بريطانيا، سمح "قانون الجريمة والامن ومناهضة الارهاب"، الذي عدّل في كانون الاول/ديسمبر 2001، باحتجاز أشخاص يُشتبه بأنهم إرهابيّون دوليّون، وذلك لمدّة غير محدّدة، ودون التثبيت القضائي للتّهم الموجّهة ضدّهم.

    وفي فرنسا، فإن التطبيق الموسّع لقانون محاربة الارهاب، الصادر في العام 1986 (وخاصّة تجريم "تأليف العصابات المرتبطة بمشاريع ارهابية")، يسمح بوضع استراتيجيات تعرف بـ" ركلة داخل حفرة النمل"، والتي تقضي بالتوقيف الواسع النطاق لأشخاص قد تكون لديهم علاقة بجماعات سرّية، وذلك بهدف "تفكيك الشبكات"، بالرغم من ثبات براءة الأكثرية الساحقة منهم ولو بعد سجنهم لمدة تصل الى 24 شهراً. كقاعدة عامّة، في ما يخصّ "الارهاب الاسلامي"، اتّضح أنّ لا تناسب على الاطلاق بين عدد التوقيفات وعدد الاتهامات والجنايات المعترف بها.

    لكن التشكيك يتجاوز الحرب على الارهاب ليطال أيضاً ولاء المجموعات الاسلامية، خاصّة في فرنسا. فمن خلال إخضاع كافة العناصر والاحداث أو النشاطات الثقافية والدينية الى التدابير التي تقوم بها أجهزة المخابرات، من أجل وضع حدّ لأعمال التخريب، يتمّ ربط تلك النشاطات بالتحريض السياسي الهادفة الى تخريب النظام العام من قبل منظمات مقنعة.

    لهذا، فإن الاجهزة الفرنسية تُولي اهتماماً خاصّاً بالمجموعات الاسلامية المهتدية حديثاً، مثل "جماعة التبليغ" التي تبشّر في الاحياء الشعبية. كما أنهم متنبّهون للدور الذي قد تلعبه بعض المنظمات أو القادة الدينيّين في التخفيف من حدّة التوتر داخل المدينة. لكن، بما أنها لا تستطيع تحديد مدى التأثير المباشر لهذا النفوذ، لجأت الى الفكرة المبهمة لـ"الانغلاق الديني"، التي يفترض بأنها تهدّد الوحدة الجمهورية، من خلال فورة الهوية "المسلمة".

    كما قامت المخابرات الفرنسية بوضع معايير لتقويم هذا الانغلاق في الأحياء، على أساس ثمانية إشارات وهي: "وجود عدد الكبير من العائلات المهاجرة، والتي تمارس أحياناً حقّ تعدّد الزوجات"، " "شبكة الجمعيات الاهلية"، " وجود تجارات إثنية"، "ارتفاع عدد أماكن الصلاة الاسلامية"، "ارتداء ملابس شرقية ودينية"، "شعارات مناهضة للسامية وللغرب"، "وجود صفوف داخل المدارس تجمع واصلين جددا لا يتكلّمون الفرنسية"، " صعوبة استمرار وجود أشخاص فرنسيّي الاصل". ان تلك الاشارات تعيد تفعيل فكرة الاندماج في الجمهورية والمرتبطة بنموذج التطوّر التاريخي للدولة، والتي تتجه الى إلغاء الفروقات المناطقية والثقافية. هذا ما يسمح للسلطات بزجر أيّ رفض لهذا النموذج المرجعيّ.

    إنما من المهم جداً اتخاذ جانب الحذر الشديد، فبإمكان الانتماءات الدينية اتخاذ أشكال متعدّدة، إذ هنالك مجموعة من المواقف التي تنحدر بدءا من القطب الديني الجاذب نزولاً الى قطب ذي طابع ثقافي. وتعود هذه المواقف الى دوافع شديدة الاختلاف كما تولّد ممارسات وتصرّفات وعادات اجتماعية اسلامية لا علاقة لها ببعضها البعض. فما هو القاسم المشترك بين طالب(ة) مولع(ة) باللاهوت ومراهق(ة) غير متكيّف مع المجتمع، والذي "يفبرك" لنفسه هوية خاصّة، بهدف استعادة أشكال جديدة للكرامة، وحيث بامكان الاسلام لعب دور ما [6]؟ ما الذي يجمع بين صورة الغرب الشيطانية التي يبشّر بها بعض القادة الدينيّين، والانتقادات التي توجّهها بعض المنظمات الدينية الى السياسية الاسرائيلية، والخطاب المتطرّف لبعض شباب المدن الذين سيصوّتون للجبهة الوطنية ، على غرار بعض العمّال من اصحاب الاوضاع الهشة، وذلك لوضع حدود نهائية بينهم وبين المجموعة التي يتخوّفون من الوقوع داخلها، والذين يقومون بتحميل "النساء" أو "اليهود" أو "الغرب" مسؤولية وضعهم الحالي؟ لا شيء. فإن المنطق والاهداف والاشكال تختلف. ومن المؤكد أنه باستطاعة أيّ كان اعتبار بعض الأعمال أو التحرّكات على أنها غير مقبولة، وأنه يجب محاربتها، لكن دون خلط كافة الامور ببعضها.

    إن هذا ما يتجنّبه عدد من باعة الخوف المهتمّين بتسويق الرؤيا التي تنذر بنهاية العالم، الامر الذي يخدم مصالحهم الاقتصادية أو السياسية. في الوقت الذي تصرّ فيه الدراسات التي تتناول الذين تورّطوا في أعمال عنف، على اختلاف وتميز مسار وتاريخ هؤلاء الاشخاص [7]. ولا يتوانى كلّ من ألين بوير وكسافيي روفير وسواهما عن وصف إضرام مقصود للنار بـ"اعتداء طفيف"، أو حتى الاعلان أنّ "إيواء منظمة إرهابية انطلاقاً من تلك المناطق الخارجة عن القانون وعن متناول قوى الأمن، والتي تعجّ بالاسلحة الحربية، هو بلا شكّ لعبة أطفال ." [8]

    إن هذه التفسيرات تتضارب مع الصورة التي تشكلت عن ديانة مسيطرة ومتناغمة ومحاربة، وذلك في بعض الندوات الاستراتيجية التي أصبحت تفتقد لعدوّ شامل، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي [9]، والارتفاع النسبي للمطالب المرتبطة بحق ممارسة الدين الاسلامي في البلاد الغربية، كل ذلك من أجل دمج المسلمين داخل وحدة خطيرة وتشكل تهديدا.

    أما بالنسبة لانتقاد التعصب الطائفي، المتداوَل ضمن الخطابات الرسمية، فقد لا يكون إلا وسيلة للتهرّب مجانا من التأثيرات المخرّبة للسياسيات الاقتصادية والاجتماعية المتّبعة منذ عشرين سنة. ففي العام 2004، كان 33 بالمئة من الاشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و29 سنة، المقيمين في المناطق السكنية الحسّاسة، عاطلين عن العمل أو غير منتجين (دون خضوعهم لاي تأهيل مهني)، مقابل 12 بالمئةعلىالمستوى الوطني. وإنّ لدى المهاجرين غير الأوروبيين، الذين يعيشون فيها، فرص ايجاد عمل تقلّ بنسبة 17,2 عن غيرهم من الاوروبيين [10]. وإذا أضفنا على ذلك غياب الحقوق السياسية للبعض، والنفي الذاتي للبعض الآخر، العائد الى اتساع الهوة بين الاحزاب السياسية (خاصة اليسارية منها) والاوساط الشعبية، والخدمات العامة المتردّية، وأشكال يومية مختلفة من العنصرية، والمراقبة المستمرة من قبل الشرطة، والتنكّر للعدالة، يصبح التهويل من خطر "الطائفية" أمراً مثيراً للضحك. وإن التستير على الوضع الهش لبعض الأحياء (وأصولها)، يؤدّي الى القضاء أخلاقياً على أشكال التكيّف الفردي والجماعي مع الفقر، وبالتحرّك تحت إسم مشروع جمهوريّ جعلوه مثالياً، وخبأوا بدقة ما يعتريه من نواقص في ما يخصّ المساواة.

    لذا يظهر الإسلام اليوم، سواء تحت منظار "الارهاب" أو "الطائفية"، على أنه مشروع تدمير شامل، قد يكون بمثابة بديل للشيوعية التي قضت عليها "الرأسمالية ما بعد الفوردية" post-fordiste وانهيار الاتحاد السوفياتي. فهو يجمع بين الانتشار الذي يتخطّى الأوطان ( الذي يتناسب مع التلاعب الخارجي)، ومجموعات قوية متأصّلة في الدول الغربية والتي تحتل مواقع سفلى في السلم الاجتماعي. إن هذه التفسيرات منبثقة مباشرة عن عمل أجهزة المخابرات وتدابير عملائها. ويفسّر نجاحها من خلال المواقع المؤسساتية التي تشغلها في اطار تقسيم العمل السياسي، وايضا بفضل خطاب بعض الجماعات الدينية التي لديها مصلحة في عملية الاستقطاب التي تمنحها القوة والمصداقية التي تفتقد إليها. لكن، مهما كان رأي الطرفين، إن المهاجر ليس بالضرورة مسلماً، والمسلم ليس بالضرورة مناضلاً سياسياً.

    إن إعادة طرح المسألة الاجتماعية باعتبارها مسألة أمنية أو دينية، يسمح بدحض أسس المصاعب الفعلية التي تعاني منها اليوم الطبقات الشعبية المسحوقة سياسياً وإجتماعياً، إثر عقود من الاصلاحات النيوليبرالية. كما أنه يعيد تحديد ــ ورسم ــ خطوط تمايز داخلها، ممّا يزيد الصعوبة في الاستعادة الجماعي لمستقبل أفضل. لكن هل هذا هو مشروعهم فعلاً؟






    --------------------------------------------------------------------------------

    * باحث في العلوم السياسية في جامعة Paris-X-Nanterre


    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] "الارهاب الشامل: أنحن على موعد مع التحدي؟" مؤتمر في مركز شرطة مدينة لندن، تشرين الاول/أوكتوبر 2003. يتناول هذا التحقيق المقارن أجهزة المخابرات الفرنسية: المخابرات العامة وادارة مراقبة الاراضي، والبريطانية منها: الجهاز الامني والفرع الخاص، والاسبانية منها: المفوضية العامة للاستعلام والمركز الزطني للمخابرات الذي خلف المركز الاعلى للاستعلام والدفاع في العام 2002.

    [2] Gary T. Marx, Undercover. Police Surveillance in America. University of California Press, Berkeley, 1988

    [3] تقرير للسيد جان لويس ديبري حول "مسألة اعتمار رموز دينية في المدرسة"، (رقم 1275)، جمعية وطنية، كانون الاول/ديسمبر 2003.

    [4] إن هذا التعبير هو للسيد جورج ديكالار دي مازاريدو، مدير المركز الاعلى للاستعلام والدفاع، ومن ثم المركز الوطني للمخابرات، من عام 2001 حتى 2004.

    [5] تم وضع مرقباً للممارسات والسياسات المناهضة للارهاب في مختلف دول الاتحاد الاوروبين كما على مستوى الجماعات، ضمن اطار البرنامج الاوروبي "تحدي". ان المعطيات والتحاليل متوفرة على الموقع www.libertysecurity.org

    [6] Jocelyne Césari, Musulmans et républicains. Les jeunes, l’islam et la France, Bruxelles, Complexe 1998.

    [7] Stéphane Beaud et Olivier Masclet, “ Un passage à l’acte improbable ? Notes de recherche sur la trajectoire sociale de Zacarias Moussaoui ”, French Politics, Culture and Society, vol. 20, lieu de publication ? n°2, été 2002.

    [8] Alain Bauer et Xavier Raufer, La guerre ne fait que commencer, JC Lattès, Paris 2002.

    [9] Samuel Huntington, The Clash of Civilizations and Remaking of World Order, New York, Simon and Schuster, 1996.

    [10] بحسب مرقب المناطق الحساسة، تقرير العام 2004، منشورات DIV، 2004، تضم المناطق السكنية الحساسة 751 حياً موزعين على مجمل الاراضي ويضمون 4672089 مستوطناً.
                  

05-25-2005, 01:10 AM

Hatim Elhassan

تاريخ التسجيل: 05-11-2005
مجموع المشاركات: 576

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المخابرات تخترع عدوا جديدا...المخابرات، الاسلام والعنف السياسي (عدو جاهل خير من عدو عاقل) (Re: Hatim Elhassan)

    up
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de