المرأة واللغة ثقافة الوهم للدكتور عبدالله الغذامي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 03:59 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-21-2005, 08:01 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
المرأة واللغة ثقافة الوهم للدكتور عبدالله الغذامي

    -1-



    للمرأة حكاياتها....
    وللثقافة حكاياتها..

    ولكن حكايات المرأة وحكايات الثقافة لا تسيران في خط واحد. وكلما صنعت الأنثى حكاية تظهر فيها بطولة الأنوثة تدخلت الثقافة في إعادة صياغة الحكاية من تغيير مسار السردية وتحويله وصرفه عن الأنوثة إلى بطولة ذكورية. وبين يدينا ثلاث روايات لحكاية واحدة. تتغير فيها العناصر والتفصيلات من رواية إلى أخرى، ولكنه تغيير لا يؤثر على السرد ولا على الحبكة إلا من وجهة واحدة فحسب. وذلك في تغيير الفعل البطولي وصرفه عن الأنثى. ولسوف أعرض واحدة من هذه الروايات وأجعلها قياساً أقيس عليه التغييرات.

    والروايات الثلاث هي واحدة نجدية والأخرى يمانية والثالثة هنغارية (مجرية)، وهناك روايتان إحداهما ألمانية والأخرى فرنسية، وهما لا يختلفان عن المجرية، - انظر عن المجرية كتاب استيز المشار إليه في الحلقة الماضية ص 44 -. وسوف أبدأ باليمانية. تقول الحكاية اليمانية وهي حكاية (الجرجوف)(1):

    كان هناك سبع بنات خرجن في أحسن زينتهن إلى الصحراء من أجل قطف الثمار الدوم، وكن جميعهن قد تزين بأحلى زينتهن ما عدا البنت الصغرى التي كانت فقيرة بائسة لا زينة لديها. وفي بحثهن عن شجر الدوم وجدن شجرة كبيرة مثمرة ولكنها عالية وشائكة. وهنا بدأ نزاع فيما بينهن عن أي واحدة تتطوع في تسلق الشجرة وقطف الثمار. وبدأت الأعاذير، وهذه استعارت ثوبها من أمها وتخشى أن يتمزق ....و و. ثم انتهى إجماعهن على البنت الصغرى التي ليس لديها من اللباس ما تخاف عليه، ووعدنها أن يملأن سلتها مع سلالهن إذا ما تسلقت الشجرة. ولقد وافقت البنت الصغرى على ذلك مكرهة ومجبرة إذ ليس حجة تقاوم حجج صديقاتها.

    صعدت البنت الشجرة وأخذت تهزها فتتساقط الثمار والبنات من تحتها يملأن سلالهن حتى امتلأت كل السلال ما عدا سلة البنت الفقيرة،وانصرف البنات وتركن صديقتهن على قمة الشجرة وحيدة وسلتها فارغة.

    وظلت البنت معلقة فوق الشجرة لا حيلة لها على النزول وبعد مدة سمعت صوتاً يقترب منها ولما دنا علمت أنه (الجرجوف) فخافت وارتعبت ولكنها عديمة الحيلة فاستغاثت به كي يساعدها على النزول من الشجرة، فاعتذر منها وقال إن وراءه ستة جراجيف وعليها أن تقنع أحدها لكي يساعدها. ظلت البنت ترجو الجراجيف واحداً تلو الآخر وكلهم يعتذرون باستثناء الجرجوف السابع الذي وافق على مساعدتها على النزول بشرط واحد وهو أنها إذا وقعت على الأصبع الخنصرفسيأكلها وإذا وقعت على الأوسط فسيتزوجها، أما إذا وقعت على السبابة فإنه سيعتقها، وإن وقعت على الأصبع الأكبر فسوف يقتلها.

    وألقت البنت بنفسها فوقعت على الأصبع الأوسط وتزوجها الوحش. وأخذها إلى بيته حيث تحول هناك إلى شاب جميل مهذب فاستمال قلب الفتاة إليه ورغبها في نفسه. وترك لها شؤون المنزل وأعطاها ستة مفاتيح لست غرف، واحتفظ بمفتاح الغرفة السابعة وحذرها من هذه الغرفة. وهذا ما أثار فضولها وأشعل الرغبة في نفسها لمعرفة سر الغرفة السابعة.

    ولما وجدت فرصة للتعرف على مكان الغرفة ومفتاحها بادرت إلى فتح الغرفة لتفاجأ بما يرعب ويخيف فهذه الغرفة مملوءة بالجثث الآدمية والجماجم البشرية. ولذا فقد بادرت الفتاة إلى إغلاق الغرفة وطوت في نفسها الحزن والخوف وزالت بشائر السعادة التي كانت تطفو على وجهها. وهذا أثار شكوك (الجرجوف) حولها. وقرر أن يحتال لها حيلة ليكشف خبر البنت وهل قد دخلت إلى الغرفة السابعة أم لا.

    وجاءها ذات صباح وقال لها: لعلك قد اشتقت إلى أهلك؟ فقالت:نعم، قال: سأحضر لك أمك تأنسين بها. وتشبه الجرجوف على هيئة أمها، وصار يلاطفها بوصفه أمها ويسألها عن سبب حزنها وهل قد رأت من زوجها ما يكدر خاطرها أم كشفت في المنزل عن سر يخيفها. ولكن البنت خافت فلم تخبر أمها عن حكاية الغرفة لا سيما وأنها تتذكر تحذيرات الجرجوف لها من فتح تلك الغرفة.

    وظل الجرجوف يحول نفسه من الأم إلى الأخت إلى الصديقة وإلى الأخ حتى ظفر من زوجته بما يؤكد شكوكه.

    ولكن الجرجوف لا يبطش بها بعد أن علم بفتحها للغرفة، وإنما ينصحها بنسيان ما جرى، وهو يتحدفث بلسان صديقتها التي تحسّن لها البقاء مع زوجها الشاب والرضا بما تيسر لها من نعمة ومحبة على يد هذا الزوج. ولكن الفتاة لا تقتنع. وظلت تتطلع إلى يوم الخلاص.

    وفي مرة من المرات شاهدت راعي غنم على جبل لا يبعد عنها كثيراً فلوحت له بردائها، فلما جاءها تبين أنه أخوها ففرحت به وأدخلته الدار.

    ولما حان الغروب جاء الجرجوف عائداً من رحلته اليومية، فشم رائحة الآدمي فقرر البطش به واحتال لذلك حتى تمكن من قبل الأخ. وعلمت الفتاة بمقتل أخيها فاحتالت وجمعت قطع لحمه ووضعتها في حفرة وظلت تسقي هذه الحفرة وترعاها حتى نبتت شجرة قرع ثم أثمرت زهرة واحدة تحولت من بعد إلى قرن أخذ ينمو والمرأة تتعهد بالعناية حتى نضج فقطفته وأخفته عن العيون وداومت العناية به حتى تشقق وخرج منه طفل صغير فرحت به وعقدت عليه الأمل في الخلاص. وعلمت أن أخوها قد عاد إلى الحياة ليخلصها. وقالت للجرجوف إنها رزقت بمولود، وقد تقبل الجرجوف الخبر على مضض وتصبر على الغلام ولم يبطش به.

    وكبر الغلام فعلمته أخته كيف يستطيع قتل الجرجوف وقالت له إن الجرجوف يبصر إذا أغمض عينيه، ولكنه إذا نام مفتوح العينين فإنه لا يرى. وهولا يموت إلا إذا ضرب ضربة واحدة، وإذا تلقى الضربة الأولى يلتفت إلى ضاربه بأن يضربه مرة أخرى أو أن يمشي على جسده أو يبصق في وجهه، فإن فعل الضارب واحدة من هذه فإن الجرجوف يعود إلى الحياة. وحذرت أخاها من ذلك وأعطته سيف الجرجوف، وهو السيف الذي لا يموت إلا به.

    فعل الأخ ما قالته أخته....ومات الجرجوف. وتخلصت الفتاة من محنتها.

    -2-



    هذه هي القصة حسب الرواية اليمانية، ولا تختلف عنها القصة الهنغارية، سوى اختلافات تمس أسماء الشخوص وصفاتهم. فهي هناك عن بنت من ثلاث أخوات والوحش ساحر سابق تحول إلى مسخ بشري اشتهر بأنه ذو اللحية الزرقاء وتزوج البنت الصغرى وعاشت معه في قصره، وتركها مرة ومعها رزمة مفاتيح سمح لها باستخدامها كلها ما عدا المفتاح الصغير. وهو مفتاح حذرها منه وخوفها من مغبة استخدامه، ولكنها تقع في المحذور ويقرر ذو اللحية الزرقاء قتلها وإلحاقها بزوجاته السابقات اللواتي استخدمن ذلك المفتاح من قبل فلاقين مصارعهن وسكنت هياكلهن داخل الغرفة المحرمة.

    ولكن الفتاة تسترحم الوحش لكي يمهلها بعض الوقت لتتهيأ للموت وانهمكت تصلي، وأثناء ذلك جاء إخوانها على خيولهم ومعهم سيوفهم فواجهوا ذا اللحية الزرقاء وقتلوه.

    وفي الحكايتين نجد الأنثى في مواجهة مع عنصرين حاسمين، هما عنصر الإغراء بالمفتاح السري وعنصر الخلاص من الوحش.

    فالرجل يتمثل للأنثى على أنه وحش متربص، يريد المرأة للمتعة ولبيت الزوجية، ويفعل من أجل ذلك كل ما يمكن فعله فهو يتحول من وحش بشع إلى فتى وسيم وإلى إنسان كريم سمح. ويبذل لها كل ما تتمناه من متع الحياة باستثناء شيء واحد.
    وهذا الشيء هو المفتاح السري، هو العالم الخاص للرجل وهو الغرفة المحرمة على المرأة.

    هذه خصوصية ذكرية ترمز إلى العالم المذكر العالم الخاص الذي يمثل المعرفة ويمثل اللغة ويمثل الحق الستثنى.

    ويجري دائماً امتحان المرأة بواسطة إغوائها بالسر، وتنص الحكايات كلها على أن الرجل أعطاتها المفتاح ووضعه بين يديها ولم يخفه عنها. وهذا يعني أن الرجل يمتحن المرأة من حيث إنها ستسمع كلامه وتنصاع لأوامره وتتجنب نواهيه أم لا.

    فإذا عصت فإن مصيرها العقاب. وهذا ما حدث. وهو يمثل درساً ثقافياً للمرأة بأن تسمع الكلام ولا تعصي الأوامر. وبأن تقبل هذه القسمة المحسومة فليست كل المفاتيح مباحة لها. إن هناك مفتاحاً واحداً محرماً عليها. ولا بد أن تعلم بذلك وتراه وترضى به، ولذا جرى إبلاغها عنه وجرى امتحانها فيه.

    أما الخاتمة فهي تدريب ثقافي للمرأة بأن خلاصها لا يكون إلا على يد الرجل.

    وهي توقع نفسها بالمشكل، والرجل يخرجها من محنتها. كما أنها تملك المعرفة وتعرف السبيل إلى الخلاص وآلات الخلاص، ولكنها لا تملك الوسيلة التي تجعلها تتصرف بما لديها من معرفة. والمرأة في القصة اليمانية كانت هي التي درّست أخاها عن الطريقة التي يمكنه بها قتل الجرجوف بأن يستخدم سيفاً محدداً في ظرف محدد ولا يسمع لرجاءات الجرجوف بأن يضربه مرة أخرى وأن يبصق على وجهه....الخ.

    إنها تعرف ولكنها لا تملك أن تتصرف. وهذا تدريب ثقافي للمرأة بأن لا تعتمد على معرفتها وبأن تنتظر خلاصها على يد الرجل فحسب.

    كما أن الحكايات كلها تشير إلى أن الوحش لا يقوى على البطش بالذكور وتشير إلى أن المرأة وحدها هي المطمع وهي ضحية الإغراء والتهديد، وهي التي تورط نفسها في المأزق أو تورط زميلتها ورفيقتها وتتخلى عنها، بينما الرجل هو الذي يفي وينقذ.

    -3-



    بقي أن أشير إلى أن الحكاية اليمانية والمجرية هما تحريف واضح للحكاية الأصلية.

    والحكاية الأصلية في ظني هي الحكاية النجدية كما رواها عبد الكريم الجهيمان في كتابه (أساطير شعبية من قلب الجزيرة العربية، ج 1، ص 57). وهناك نحن أمام قصة أقل تفاصيل وأكثر اختصاراً مع اختلاف في النهاية.

    ونهايتها تقول إن الفتاة بعد أن أطمعت الوحش من الشجرة قام الوحش بإنزالها إلى الأرض ثم راح يحفر حفرة كبيرة ويجمع حطباً ويوقده النار. وعلمت البنت أنه يريد أن يدفنها في حفرة النار هذه. فاحتالت لنفسها وقالت للوحش "يا عم إن في رأسك قملة فدعني آخذها عنك". فأسلم رأسه للفتاة وجاءته البنت من وراء ظهره وأحست لحظتها بقوة لم تعهدها في نفسها فاندفعت نحوه ودفعت جسمه بكل قوتها فسقط الوحش في الحفرة وشبت النار فيه وراح يستغيث فيها ويسترحمها بأن تخرجه وقال لها أخرجيني وأعطيك ما تحت الحصاة البيضاء فتقول لا. ثم يقول أخرجيني وأعطيك ما تحت الحصاة الحمراء فتقول لا، ويردد عليها الطلب تلو الطلب والإغراء تلو الإغراء وما تحت الحصاة الخضراء والحصاة السوداء. ولكنها ترفض رجاءاته ووعوده، وتسلم من أذاه، ثم تعود إلى أهلها بعد أن كشفت ما تحت الحصى الملونة فإن هو ذهب وفضة وجواهر انتفع بها أهلها واغتنوا من بعد فقر.

    هذه خاتمة تدل على حكاية نسوية تظهر فاعلية المرأة وقدرتها المعنوية والذاتية. وهي دليل على أن الحكاية الأصلية هي حسب ما ورد في نص الجهيمان، لكن الرواية الثقافية تتدخل ضد النص وتحرفه وتعدل فيه فتزيد في التفاصيل من جهة، وتعدل الخاتمة من جهة ثانية لتحرف ما هو أنثوي وتحوله إلى نهاية ذكورية تتفق مع النسق الثقافي الذكوري. ومن هنا أن للمرأة حكاياتها ولكن حكايات الثقافة أغلب وأقوى، وما خالفها يجري تحريفه وتعديله.

    19- العباءة المسروقة
    (ارتهان الجسد)
    -1-




    تقول الحكاية:




    كان هناك رجل يعيش وحيداً على حافة البحر ليس له علاقة مع البشر سوى ذكريات باهتة تعيش في رأسه عن الناس وحالاتهم وعن لغة الحديث والغناء البشري. ولقد بلغت العزلة منه مبلغها الشديد في روحه، وصار يتوق للأليف والعشرة. وكان في نفسه طرف من حكاية تقول إن سمك الحوت كان بشراً وتحول إلى حيوان بحري، وعلامة ذلك أن عيون الحوت تشبه عيون البشر في جمالها واستدارتها وفي تساقط الدمع منها وفي لحظاتها الوديعة والأنيسة.

    وفي ذات يوم كان الرجل يقف مع حزنه وعزلته على طرف الشاطئ ينظر باتجاه صخرة تربض بعيداً هناك وسط المياه، وقد انعكس عليها ضوء القمر فبدت بيضاء صافية لماعة، وداوم النظر فيها حتى انغرست في منظرها عيناه. وفجأة صار يسمع أصواتاً تأتي مع نسيم الهواء العليل من جهة الصخرة. كانت أصوات فرح وضحك وغناء وفرفشة. أصوات عذبة تملأ فراغ المكان وفراغ الروح. فتحرك الرجل باتجاه الأصوات الفضية العذبة. ولما اقترب من الصخرة رأى جمعاً من الصبايا العذراوات يسبحن في الماء ويتقافزن على الصخرة بأجساد عارية كساها نور القمر ووشاح الماء فصارت تتلامع ضياءً وحياة ومرحاً.

    ولمح على البعد القريب منهن عباءات من جلود أسماك الحوت مرتمية على جال الصخرة، فاقترب بهدوء بالغ وأخذ واحداً من الجلود وأخفاه عنده.

    وظل يمتع نواظره ومسامعه بما يرى ويسمع من على تلك الصخرة المضيئة بالجمال والأنغام.

    ثم سمع صوتاً يرن مع ذرات النسيم يصدر من إحدى الفتيات، صوتاً يشبه أصوات الحوت وهي تناغي الماء عند انبزاغ ضوء الفجر.....أو أنه يشبه ترجيعات ذئب صغير ولد للتو. كان صوتاً عذباً وأنيساً.
    كانت تلك رئيستهن،وقد دعتهن للانصراف.

    وتحركت الأجساد النورانية نحو عباءات الجلود ولبست كل واحدة منهن جلدها وعدن الواحدة إلى الماء، أسماك حوت صافية اللون كالفضة المصقولة وكالعنبر الزاهي...ما عدا واحدة منهن بقيت حائرة النظرات محتارة الخطوات تبحث عن جلدها (عباءتها) فلا تراها.

    وهنا نط الرجل ناهضاً باتجاهها وقال لها: إن جلدك عندي، ولن أرده إليك.
    تزوجيني ...تزوجيني...قال لها.
    وظل يحاول معها ويتحايل عليها ويتوسل إليها، وهي ترفض وتقول إن حياتها هناك في الماء مع جنسها من الحيتان، ولا ترغب في الحياة الزوجية البشرية.

    رد عليها مترجياً ومستعطفاً وشارحاً لها عزلته وحزنه واغتمامه، وقال لها أريد منك أن تبقي معي سبع صيفيات فقط، وبعد الصيف السابع ننظر في الأمر.
    وافقت المرأة / الحوت واستسلمت لقدرها مع هذا الرجل.
    عاشت معه في بيت الزوجية وأنجبت له غلاماً جاء كمثل القمر ليلة منتصف الشهر أو مثل حوت يسبح فوق صخرة وسط المياه تحت تساريح ضياء القمر.

    إنه طفلها وجوهرة حياتها، ولذا كانت تناغيه وتحكيه عن مخلوقات حبيبة تعيش هناك تحت المياه وتقص عليه قصص الأعماق وشعاب المرجان ووديان اللؤلؤ هناك تحت المياه.

    ومر الصيف السابع... وطال وقت الصبر والتحمل حتى إن جسمها بدأ يجف جفافاً بالغاً وصارت إذا مشت تصر قدماها صريراً يشبه احتكاك العظم بالعظم، وتيبست محاجر عينيهاوصارت جدائل شعرها حبالاً بل أعواداً جفت منها مياه الحياة. وأخذ نور عينيها يتلاشى ويتلاشى إلى أن فقدت بصرها.

    وساءت حالة جسدها وجفت روحها.. وهي لما تزل تطالب زوجها (خاطفها) بالوفاء بوعده لها وأن يرد إليها جلدها.

    ولكن الزوج يرد عليها بلغظة وتأنيب، ويقول: لا ..لا . إنك تريدين الفرار عني وأنا زوجط وهذا الولد ابنك. ولن أعطيك جلدك فتعودي إلى الماء وتتركينا في الوحشة والعزلة. وغضب الزوج منها وخرج من المنزل ساخطاً ماخطاً وأغلق الباب خلفه بغضب وسخط.
    جرت المشادة في الليل وقت منام الغلام، مما أيقظه الطفل من رقدته فسمع كل شيء وانتابه حزن كاسح على أمه المسكينة، وبكى الغلام بكاءاً مراً وطويلاً وهو في فراشه إلى أن نام ثانية وسط دموعه وزفراته.

    وبينما كان الطفل مرة بمحاذاة جدار المنزل من جهة البحر سمع صوتاً آتياً من المياه ينادي باسم الطفل: أوروك.... أوروك.
    كان هذا اسمه الذي منحته له أمه..وها هو الصوت يردد هذا الاسم ويصبه في مسامع روحه:
    أوروووووك
    أوروووووك
    أوروووووك...أوروووووك
    راح الطفل باتجاه الصوت ودخل في الماء ولم يخف ولم يتساءل ...إنه اسمه وصوت حروفه.

    ولما بلغ موقع الصوت رأى عباءة سوداء من جلد سمك الحوت، وقد تركها الصوت ملقاة على طرف الصخرة إياها. كانت صافية ملساء تشع بالحياة والنضارة.

    أخذها الغلام وحملها على كتفيه وعاد بها إلى البيت حيث رماها بين يدي أمه التي تحركت أنفاسها عبر صدرها وأنفها وشرعت تلبس الجلد، جلدها،ولما تكللت به أخذت تتحرك باتجاه باب المنزل. فصاح فيها طفلها: هل تتركيني يا أماه؟ فنظرت إليه بحب وتوجس.. ثم وضعته تحت إبطها وسارت نحو البحر.

    هناك دخلت في الماء، وسبحت نحو الأعماق، ودخلت من تيار إلى تيار وفيما بين شعب المرجان، وطفلها معها تحت إبطها إلى أن وصلت ماءها وماء أهلها. وهناك قابلها أول ما قابلها حوت كهل مكتمل العمر فرحت بها وابتسم للطفل وقال له أهلاً بك يا حفيدي، لقد أحسنت أيها الصغير إذا استجبت لندائي لك وأوصلت عباءة أمك إليها ورددت لها جلدها.

    هناك فرحت وفرحوا وتنفست أسراب الحيتان معها.
    ووسط هذه العودة الفرحة قال لها أبوها: كيف ستفعلين بالغلام.....؟!
    راح الحوت الجد وراحت الأم يصحبان أورك نحو بيته الأرضي، والأم تسارّه طول الطريق وتقول له: إذا اشتقت إلى فما عليك إلا أن تلمس أي شيء مما كنت ألمس أو استعمل منن أدوات البيت والمطبخ وسوف تجدني أمامك.

    كبر الفتى واشتهر بين الناس أنه يذهب كل يوم نحو صخرة في البحر يجلس على طرفها ويبدو وكأنما هو منهمك في حديث حميمي مع كائن بحري تحت الماء.

    -2-



    تلك هي الحكاية. وإن كنا قد رأينا حكايات سابقة اختلطت فيها قيم الأنوثة مع قيم الذكورة، وحدث فيها انحراف قسري يقلص التأنيث من أجل تركيز المركزية الذكورية، فإن هذه الحكاية تسلم من عمليات التحريف والتحويل وتحافظ على (أنوثتها).

    فالأنثى هناكائن حي تكتسي جلدها ( عباءتها) وتعيش من داخل هذا الجلد حياة تخصها في محيط يخصها في رحم مائي عميق وأمين. تفرح وتغني وتنتمي إلى جنس تتساوى معه ويتساوى معها وتتميز معها عن أي كينونات أخرى غريبة عليها.

    هنا نجد الذات المؤنثة ذاتها وتعرف ماءها وسياقها ولا تنكر نفسها ولا تتنكر لها، داخل هذا البحر وداخل هذا الجلد وداخل تلك العباءة.

    والجلد غطاء ومعنى سياق وظرف حياتي لهذه الأنوثة الواعية بنفسها وبمحيطها. ولكن الرجل هناك.

    إنه هناك يتحين فيها الأحايين ويتربص بها ويحتال عليها الحيل لكي يصطادها وينزع عنها جلدها وينزعها من جلدها ويجردها من عباءتها.

    إنه يحبسها ويحبس أنفاسها، هذا هو الكائن الذي تعرفه حكايات المرأة، الرجل الصياد، لرجل ذو الحيل.

    يقيدها أولاً بشروطه (سبع صيفيات) ويحاصرها بوعوده (ما بعد الصيف السابع)، ويرهن جلدها في صناديقه. ثم يقيدها بالولد ليربطها ربطة لا فكاك منها.

    ولكنها – وقد علمت عنه كل ذلك – تسعى للخلاص والعودة.
    وصحيح أن وسائل الخلاص جاءت بواسطة الذكور، أبيها وابنها، ولكن إرادة الأنثى هنا جاءت واضحة وقوية، إنها إرادة العودة إلى جلدها ليكتسي جسدها بالحياة والأنوثة والماء والإياب.

    إنها تفر إلى ذاتها، إلى جلدها، إلى مائها، إلى جنسها المؤنث. وترفض الأسر المادي ومعه الأسر المعنوي المتمثل بابتزازها وارتهانها إلى محبة الولد.

    هناك حب أول، حب أكبر، حب أصل،هو عالم التأنيث في رحم الماء، وهو قبل أي حب فرعي.
    المحبة الأصل أم المحبة الفرع...؟!
    قال الصياد بالثانية (الفرع) وقالت هي بالأولى التي هي الجلد والماء والجنس حيث تعود السمكة إلى الماء ويعود إليها جسدها حياً مرتعشاً بالحياة.

    الجلد هنا يمثل الثقافة والهوية. أما نزع الجلد فيمثل الاستلاب و العري والجفاف وفقدان البصر، ويمثل الارتهان والقسرية. وليس للأنوثة من حل أو خلاص سوى أن تستعيد جلدها المسلوب لكي يعود إليها بصرها وبصيرتها.

    -3-



    التقطت المرأة جلدها وفرت، عادت إلى مائها....هذا ما جرى وتم في هذه الحكاية من دون تدخل ثقافي يحيط الحبكة.
    والسؤال الآن:
    هل تسمح الثقافة بتكرر هذا الحدث...؟
    في المقالتين القادمتين سنرى أجوبة تقول لا ... لا.

    20- الجبــــروت الرمــــــزي
    -1-



    تصنع المرأة خيالها الخاص، وتبدع عالمها الذاتي الذي تفر إليه من عالم الارتهان والاستلاب، ولقد رأينا في الحلقة الماضية كيف فرت المرأة بعد أن استعادت جلدها، وكتبت لنفسها النجاة من سارق عباءتها،سارق جلدها. ولقد سلمت الأنوثة في تلك الحكاية ولكنها سلامة مؤقتة، لم تلبث الثقافة أن اقتصت لنفسها وعملت على نسخ تلك الحكايات بحكايات أخر تعدل النهاية وتعيد صياغة الحبكة.

    وفي ذك نجد قصصاً كثيرة منها حكاية حسن البصري – كما وردت في ألف ليلة وليلة – وقصة تماثلها عند عبد الكريم الجهيمان في (أساطير شعبية، ج 1، ص 127) وحكايات أخرى لدى الهنود الحمر، سنقف عند بعضها.

    أما حكاية حسن البصري فهي عن هذا الصائغ الذي رمته الأقدار في سفرة نائية اكتشف فيها أن له أختاً من الجن آوته وأحسنت في ضيافته في قصر بديع، وأعطته حريته التامة بالتصرف على هواء في هذا القصر، ولكنها نصحته ألا يقترب من واحدة من شرفات المبنى، تلك التي تطل على بحيرة مجاورة.

    ولكنه لم يستطع منع نفسه عن التعرف على سر تلك الشرفة، ولما خلا له القصر مرة راح وجلس في الشرفة ذاتها يتفرج على جمال المنظر، وبينما هو مسرّح بصره في الفضاء لمح سرباً من الطيور تقترب باتجاه البحيرة، قربت الطيور وقربت حتى حطت على جال البحيرة، وصرن يتلاعبن ويتهادين من حوالي الماء. وظهر من بين الطيور واحدة أكثرهن دلالاً وأبرزهن حركة وأقواهن على زميلاتها حيث كانت تنقر هذه وترفس تلك وتدفع الأخرى، وهن يحمن حولها ولا يؤذينها بشيء.

    وما لبثت الطيور أن خلعت ريشها وظهرن كأحسن ما تكون الأجساد، نساء حسناوات كاملات الجسم والفتنة، ثم شرعن في السباحة في الغدير ومضت ساعة وهن في الماء في فرح ومرح.
    وحسن ينظر إليهن مفتوناً بما يرى ومتعجباً ومتسائلاً عما إذا كان هذا هو السبب الذي جعل أخته تمنعه من دخول الشرفة.

    وبعد قليل خرجت الفتيات من الماء ولبس ثياب الريش وتعلق قلبه وهواه بتلك البنت الطير التي كانت تنقر زميلاتها.
    وظل على كمده حتى جاءت أخته الجنية وعرفت منه سر ما جرى فأبلغته أن الطير هي بنت ملك الجان واللواتي معها هن حاشيتها، وقالت له إنه لا سبيل إلى هذه البنت إلا بالحيلة، وهذه الطيور تأتي مع مطلع كل شهر وعليه أن ينتظر مجيئهن هناك فإذا خلعن ريشهن ونزلن إلى البحيرة فليتسلل بخفية وليأخذ ريش البنت ويخفيه فإنهن إذا فرغن من السباحة فسوف يلبسن ريشهن ويطرن ولن ينتظرن البنت التي تفقد لباسها. وأوصته ألا يقبل رجاءات الطير برد ريشها إليها وألا يرق قلبه فتضيغ منه إلى الأبد.

    تصرف حسن مثلما أوصته أخته الجنية وتمكن من تملك طيره وتزوجها وعاد بها إلى البصرة.

    وهناك عاش معها على المحبة وجاءه منها أولاد وحسنت حالهما مع بعض.

    وفي يوم من الأيام انتابه الحنين إلى أخته الجنية وقرر السفر لزيارتها. ولم ينس أن يوصي أمه على زوجته ويركز على ثوب الريش ويشدد عليها بأن تحافظ عليه ولا تعطيه لزوجته مهما صار، وحفظت الأم وصايا ابنها والتزمت بها غير أنهها سمحت للبنت بالذهاب إلى الحمام العام هناك رأتها إحدى الجواري وأبلغت عنها سيدتها زبيدة، زوجة الخليفة، وهذه طلبت أن ترى هذه الفاتنة العجيبة.

    ولما مثلت البنت مع حماتها أمام زبيدة وأثارت عجب زبيدة استغلت البنت الفرصة وقالت إن لديها ثوب ريش تحتفظ به حماتها، ولو لبسته لظهر جمالها أكثر وأشد. فما كان من زبيدة إلا أن ضغطت على الأم حتى أحضرت الريش فلبسته البنت واحتالت حتى وضعت أطفالها في حضنها ثم طارت من أمام الجميع. وعادت إلى موطنها.

    ولكن حسن يعود فلا يستسلم لما حدث ويقرر السعي وراء زوجته وأطفاله ويدخل في مغامرة طويلة ساعدته فيها أخته الجنية وساعده بعض ملوك الجان وسحرة الإنس حتى أعطوه عصا وطاقية. أما العصا فإن مالكه يحكم على سبع طوائف من الجن، ومن لبس الطاقية فإنه يختفي عن الأنظار.
    وبواسطة هاتين الهديتين يتمكن حسن من إعادة زوجته وأولاده إلى البصرة.

    -2-




    لا تختلف هذه الحكاية عن حكاية المرأة / الحوت إلا في نهايتها.
    وهي نهاية من الواضح أن اليد الثقافية قد تدخلت في إضافتها.
    فالحكاية هنا تتفق مع الحكاية السابقة في تأسيس سردية نسوية تجعل المرأة بطلة ذاتها وتمنحها القدرة المعنوية على امتلاك جلدها الخاص وريشها الواقي الذي به تفر من آسرها وتعود إلى سياقها الخاص.

    ولكن الحكاية هنا تدخل عناصر بشرية وأخرى غير بشرية مع عناصر طبيعية وأخرى سحرية كلها تدخل من أجل إعادة الحمية الذكورية إلى النص.

    ومهما تأنث النص وتأنثت الحكاية فهذا أمر مؤقت فحسب، وهو أمر طارئ، أو نشاز لا بد أن تتدخل الثقافة لقمعه وتصحيح مساره. وكل الكائنات من إنسها وجنها في خدمة حسن البصري لكي يسترد امرأته ويبطل مفعول ثوب الريش. ويعيد الأنوثة الفارة من رمزية التذكير.

    وتتحارب الرموز هنا: ثوب الريش بوصفه رمزاً أنثوياً مع العصا والطاقية من حيث إنهما رمزان ذكوريان، وفي النص استخدمت كلمة (القضيب والطاقية).

    والحكاية تقول إنه إذا اجتمع رمز مؤنث في مواجهة رمز مذكر فالغلبة للأخير حتماً. فما بالك إذا ما جاء رمزان فحوليان، العصا والطاقية (القضيب والطاقية، حسب كلمات ألف ليلة وليلة).
    تتغلب الذكورة والفحولة وتعيد الفارة إلى سيدها وهذا ماحدث.
    وإن كانت المرأة قد ابتكرت عباءتها التي تسبح بها وريشها الذي تطير به، وهما رمزان مؤنثان، فإن للرجل عصاه الذي يملك به ممالك الجان،أي العالم المضمر وعالم الاختفاء وعالم ما وراء العالم، فهو إذن يملك عالمين في آن،عالم الظاهر وعالم الظلام، بل هن سبع عوالم، ويملك معها طاقية إذا ما وضعها على رأسه خفي عن البصر ولن يستطيع الرمز المؤنث على بساطته ووحدانيته بوصفه قطعة جلد أو كومة ريش على مواجهة الجبروت الرمزي المذكر.
    كأن الثقافة تستنبط أقوى ما لديها من رموز لكي تواجه هذه المحاولة اليائسة للقرار.

    وهل من جبروت رمزي أقوى من العصا والطاقية...؟

    21- حكــــاية الحكــــايات
    -1-



    من غير الممكن أن نتصور الثقافة على أنها كينونة محايدة أو قوة غير عاقلة، بمعنى أنها لا تعقل فعلها ولا تنتصر لذاتها.
    إن الثقافة سلطة وقوة.
    وكل سلطة – مهما كانت – تسعى إلى بناء نفسها وتحصين قوتها، ومن ثم فإنها تتصدى للدفاع عن إمبراطوريتها وقيمها.
    والثقافة كذلك، فهي سيادة قيمية معنوية. والقيم السائدة ثقافياً لا بد لها من شيئين، أحدهما هو حدوث معارضة داخلية تناوئ السائد وتخاتل لحظات ضعفه أو غفلته لكي تعبر عن نفسها وتفصح عن معارضتها.

    والثاني أن الثقافة بوصفها سيادة معنوية قيمية لا بد أن تنهض للدفاع عن سيادتها فتضرب رموز المعارضة وحالات الخروج على طاعة القيم الثقافية المتسيدة.
    إن الثقافة صورة بشرية عن أصحابها وعن مستهلكيها ومنتجيها ولذا فإنها تتصرف مثلهم وهم يتصرفون مثلها... وليس من شأن القوي المهيمن أن يدع صوتاً ناشزاً يرتفع ويعلو فوق ما هو سائد ومقبول ومتعارف عليه ومحسوم أمره.

    وكلما ظهرت حالة من حالات الانكسار أو الشذوذ بادرت الثقافة إلى معالجة الحالة بكل ما لديها من وسائل رمزية ومجازية وسردية. ولن تعوز الثقافة الحيل في هذا المجال.

    ولقد رأينا في المقالات الخمس الماضية كيف أن الحكايات التي تبدأ نسوية وتطرح ثقافة مؤنثة بقيم تأنيثية، تنتهي كلها – أخيراً – إلى مآل يصرفها عن الأنوثة، بل يلغي أنثويتها ويحط بدلاً عن التأنيث نهاية ذكورية أو يجيرها إلى التذكير لكي تحافظ الثقافة على نسقها الذكوري السائد.

    وعلامة على ذلك رأينا كيف جرت محاصرة حكايات الفرار (الحلقة التاسعة عشرة والعشرين) إلى أن تحولت الجنية إلى إنسية والطير الطائر إلى فتاة قارة في قفص في البصرة، وتعاونت الجن والسحرة ورموز اللغة ومجازاتها ومخاييلها كلها من أجل مساعدة حسن البصري على إعادة طيره الفار إلى قفصه البشري، وعلى كسر الخيال المؤنث بواسطة الرموز الثقافية (الذكورية) لكي تظل سيادة الثقافة دون مساس أو نشازات.

    ونختم كلامنا بحكاية هي حكاية الحكايات فيما يتعلق باستنهاض الثقافة لقواها كلها في مواجهة المروق السردي: وهي حكاية من حكايات الهنود الحمر.

    -2-




    تقول الحكاية:




    (شيخ قبيلة الباتشي يعاقب زوجته)
    سارت جماعة البيت الأصفر مترحلين، ونزلوا على بحيرة ماء، ومن أجل الوصول إلى الماء الغائر تحت وضعوا جاموس لكي يطؤوا عليه حين استسقائهم من البحيرة.

    وذهبت زوجة شيخ القبيلة ومعها جرتها إلى البحيرة، وحينما شاهدت رأس الجاموس شرعت تتحدث مع الرأس وتقول له: أنت أبي، ولقد كنت رجلاً كاملاً ووسيماً... كم كنت أتوق لرؤيتك حياً. يا للحسرة إذ أراك معفراً بالطين والوحل.
    ولما فرغت من همهمتها نط بجانبها جاموس أبيض ضخم الجثة، وقال لها: أنا الرجل الذي تتحدثين عنه، أنا شيخ القبيلة الجاموس الأبيض، وأريد أن آخذك معي. اجلسي على رأسي فيما بين القرنين.

    رمت المرأة جرتها وركبت على رأس الجاموس.
    وحينما حل الظلام والمرأة لم تعد إلى زوجها أحس زوجها بأن حادثاً قد حدث لزوجته وذهب إلى البحيرة باحثاً عنها فرأى جرتها مرمية على الأرض ورأى آثار جاموس ضخم وقد انغرست في الأرض فعلم أن رأس الجاموس قد تجسد حياً وأخذها وفر بها باتجاه الشرق. فعاد الرجل إلى مخيمه وشرع يصنع سهاماً، ولما صنع من السهام ما يظنه كافياً انطلق في طلب أثر زوجته.

    وهو في طريقه مر على بيت من بيوت العنكبوت وأوشك أن يخفس أحد هذه البيوت بوطأة قدمه، فطلعت عليه عنكبوت عجوز وصاحت به: شو .. شو.. شو، يا يا حفيدي، لا تهشم رأسي أيها الحفيد العزيز. أنت زعيم الأباتشي يا من اسمك (يحيا سعيداً)، ماذا تفعل هنا...؟

    -إني أبحث عن زوجتي، يا جدتي، لقد خطفها زعيم الجواميس هل تستطيعين مساعدتي؟!
    - نعم يا حفيدي، سأعطيك دواء تستعين به، ولكن احذر فزعيم الجواميس قوي وجبار. ولقد تزوج امرأتك، وهي الآن أم قبيلة الجواميس، وتعيش مع زوجها الجديد في الوسط والجواميس تحيط بهما من كل الجهات. وقد صنعوا لها ثوباً مرصعاً بأسنان الوعول. ولو بدا منها أي حركة فإن الثوب يصدر أصواتاً تثير انتباه الجميع، ولذا يصعب أمر إخراجها من بينهم. لكن اذهب أنت إلى طرف الموقع وانتظر هناك، وأنا سأتولى الباقي.

    تصرف الزعيم (يحيا سعيداً) كما قالت جدته العنكبوت ووقف على مشارف أرض الجواميس، وهناك رأى خصمه زعيم الجواميس البيضاء يتوسط جماعته الذين اصطفوا حول الزوجة، وهي ترقص على وقع أهازيجهم، وهم يرددون:

    يا هـــــــــي آ هــــــــي
    يا هــــــي إيا هـــــــــي
    هي يـــا أي يــــــــــــاء
    هيــــنا يــــي نـــــــــي
    هــــي مــــاه نــــــــي


    اقترب الأباتشي (يحيا سعيداً) من جمع الجواميس وفتح قارورة الدواء التي زودته بها جدته العنكبوت، وما أن فعل ذلك حتى خرت الجواميس كلها نائمة على الأرض.

    وفي هذه الأثناء تسللك العنكبوت عبر مسارب الأرض حتى قاربت أذن المرأة فهمست فيها وقالت لها: لقد جئت لآخذك، ومعي (يحيا سعيداً) زوجك زعيم الأباتشي.

    قالت المرأة إن الجاموس الزعيم قد تزوجني، وهو كائن جبار، ولقد شبك أسنان الوعول في ثوبي، ولسوف تصدر عنها أصوات تنبّه إليّ وتكشف حركتي.

    قالت العنكبوت العجوز: اجمعي أطراف ثوبك وضعيها تحت إبطيك واتبعيني.

    وهكذا سارت المرأة خلف العنكبوت وتسللتا عبر الجواميس النائمة.
    تقابل الزوج الأباتشي مع زوجته المخطوفة وأبلغها الزوج عن نيته في إعادتها، فبادرته بالتحذير وأن يسرع بأخذها إلى مكان آمن، قبل أن ينتبه الجاموس.

    كانت الأرض واسعة وفسيحة وسار الزوجان في تلك الفيافي إلى أن وصلا إلى غابة من أشجار القطن، وما أن وصلا هناك حتى أحسا بالأرض تهتز وترتعش تحتهما، لقد تيقظ الجاموس الأبيض ولم يجد المرأة في مكانها فصاح بقومه أن هبوا من مراقدكم فلقد خطف خاطف زوجتي وفر بها، فانطلقت عواصف الجواميس تطوي الأرض طياً وتنهب المسافات نهباً في أثر الفارين وباتجاههما.

    تلفت الزعيم الأباتشي من حواليه باحثاً له ولزوجته عن مخبأ فاستجار بأول شجرة قطن تصادفه وقال لها:
    - أنت أخي أيها القطن فأجرني وزوجتي عندك من الجواميس.
    - فقالت الشجرة: اطلب الجيرة من أخيك الثاني في الشجرة المجاورة، فأنا شجرة مسنة وضعيفة. فراح للثانية وكأن جوابها كالأولى، ودلته على الثالثة.

    استجار بالشجرة الثالثة وكانت شجرة شابة قوية فرحبت به وقالت له: اصعد أنت وزوجتك فوقي واختبئ بين الأوراق.
    دخلا في الشجرة وأحاطا نفسيهما بالأغصان وأحسا بأنهما في أمان الآن.
    غير أن المرأة أحست بحاجتها للتبول, فأخرج الزوج قناعة وقال لها: تبولي هنا في القناع.ففعلت ولكن شيئاً من البول تسرب وتساقط على الأرض.

    وكانت الجواميس تخترق الغابة وسط أشجار القطن تتطاير الأرض من تحت حوافرها قطعاً من الطين والحجار، وتملأ المكان بعواصفها وهديرها، ومرت من حوالي الزوجين دون أن تلحظهما.

    غير أن جاموسين كانا في مؤخرة المسيرة أحدهما عجوز طاعن السن والآخر فتى صغير، وكانا يسيران بهدوء، وفجأة توقف الصغير ونادى على جده قائلاً: توقف يا جدي، إني أشم رائحة بول زوجة الزعيم، إنها هنا في الشجرة.

    قال العجوز: يا بني أنت سريع فانطلق نحو الركب وأبلغ أول جاموس تلحق به، وهو يبلغ أول ما يسمعه، وهكذا تصل السلسلة إلى الزعيم في المقدمة.

    وما هي إلا لحظات حتى عادت جموع الجواميس وأحاطت بالشجرة.

    أخرج الأباتشي ( يحيا سعيداً) كنانة سهامه وحاول أن يرمي الجواميس بما لديه من سهام.
    ولكن الجاموس الأبيض الزعيم لم يترك وقتاً للانتظار فينقض على الشجرة وينطحها برأسه نطحة هزت الشجرة بعنف وكاد الزوجان أن يسقطا من تلك الهزة.

    وجاء غراب يصرخ من فوق الزوجين: كاو...كاو...كاو.... كاو.

    فصاح الأباتشي (يحيا سعيداً) بالغراب قائلاً: كيف بك تصرخ بي وأنت ترى ما أنا فيه...؟!

    قال الغراب: لقد جئتك لأبلغك بأن ترمي الجاموس من فتحة الشرج، فإنه يموت حالاً، لأن روح الجاموس هناك في تلك الفتحة.
    وفعل الأباتشي حسب نصيحة الغراب فقتل الجاموس. ونزل الأباتشي وزوجته إلى أسفل، وقام بتقطيع لحم الجاموس وأوقد ناراً ليشوي اللحم.
    كان الرجل يقطع اللحم والمرأة تنظر فتساقط الدمع من عينيها. ولاحظ زوجها دموعها فسألها: هل تبكين لأنني أقطع لحم الجاموس الأبيض..؟
    فقالت: لا . إنما دمعت عيناي من الدخان.
    واستمر الزعيم الأباتشي يقطع ويشوي، وفي الوقت ذاته يختلس النظرات الخفية نحو زوجته، فلاحظ أنها مازالت في دموعها، فقال لها:
    إنك تبكين...!
    أجابت: لا ..إنه الدخان ليس إلا.
    فرد الزعيم بغضب وقال: بل تبكين، إنك تبكين عليه، على الجاموس الأبيض، إنك تريدينه. وبعد كل التعب الذي تعبته من أجلك، ها أنت تبكين عليه. إذن.. فلتموتي معه.
    وجرّ كنانته وسهامه وصوب عليها سهماً أرادها ميتة بجانب الجاموس الأبيض.
    وراح يصيح في الفضاء:
    أنا زعيم الأباتشي، زعيم القبيلة النازعة أبداً للترحال، سوف أطوف فوق هذه الهضاب مراقباً متربصاً، ولو رأيت امرأة تفر من زوجها فسوف أفعل بها ما فعلت مع زوجتي.

    هذه حكاية تجب كل الحكايات، أو هي حكاية الحكايات مما يجعلها تقترب وتتلامس مع حكاية شهريار قبل لقائه مع شهرزاد.
    حيث نجري معاقبة وملاحقة الجنس النسوي بوصفه جنساً غادراً خائناً ماكراً، وليس له سوى القتل والحرق. ولهذا وقف الأباتشي شاهراً سيفه ومقسماً على ملاحقة أي أنثى تفكر بأن تفر تماماً مثلما كان شهريار يقتل إناث مدينته بعد أن يفتض بكارتهن.

    هذه صورة المرأة حسبما تقدمها حكاية الحكايات، وهذه هي الطريقة التي تعاملت بها الثقافة مع حالات (الفرار) عن النسق السردي المذكر.

    ولذا جرى تقديم شخصية المرأة – هنا – تقديماً ساخراً حيث وضعت أولاً بين زوجين قادرين وهي بينهما كائن عاجز وغير إرادي الأفعال. وجرى تعميق السخرية من خلال إخضاع مصير المرأة ومصير الحكاية لحالة (التبول). فالبول هنا صار حدثاً حاسماً لكشف المرأة وكشف حقيقتها ولتسليم رقبتها للموت أخيراً، وذلك لكي يعيش زوجها.
    يحيا سعيداً. هذا هو اسم الرجل الذي يحيا سعيداً في مقابل موت الأنثى حسرة في حسرة. ومن أجل البقاء الذكوري السعيد فإنه لا بد من موت كل امرأة تفكر في تكرار العلة ذاتها، أي تكرار الحبكة مما يعني تكرار النهاية.

    ويأتي البول والدمع بما إنهما سائل مائي يخرج من الجسد المؤنث ليكونا علامة على خبث هذا الجسد وفساده. وهو جسد لا بد أن يحاط بأسنان الوعول أو يحاط بلحد القبر وهذه هي الحلول التي تضعها الحبكة السردية في هذه الحكاية لكي تكون حبكة الحبكات ونهاية النهايات.

    تفعل الثقافة فعلها في السرد من أجل أن يحيا الرجل سعيداً، وهو شرط لا يتم إلا بأن تموت المرأة محسورة. ولذا جاء اسم البطل هكذا (يحيا سعيداً) وحقق السرد له هذه الصفة وهذا العلم.

    22-الثقافة ضد ثقافتها
    -1-



    يروي الجاحظ حكاية امرأة أعرابية اسمها (غنية)، (وذلك أنها كان لها ابن شديد العرامة، كثير التلفت إلى الناس، مع ضعف أسر، ودقة عظم، فوثب مرة فتى من الأعراب،فقطع الفتى أنفه، وأخذت غنية دية أنفه، فحسنت حالها بعد فقر مدقع. ثم واثب آخر، فقطع أذنه، فأخذت دية أذنه في المال وحسن الحال. ثم واثب بعد ذلك آخر فقطع شفته. فلما رأت ما قد صار عندها من الإبل والغنم والمتاع والكسب بجوارح ابنها، حسن رأيها فيه فذكرته في أرجوزة لها تقول فيها:

    أحلف بالمـــــروة يوماً والصفـــــا
    أنك خيـــر من تفاريق العصــــــا




    (-الجاحظ: البيان والتبيين – كتاب العصا 2/414).




    -2-



    هذه حكاية عجيبة، وليس العجيب في طرفتها فحسب، ولكنه – أيضاً - في كونها ترد لدى كاتب من رموز الثقافة الفحولية، وفي فصل هو أبلغ مظاهر الفحولة وأشدها رمزية، وهو الفصل (العصا).

    والعصا أداة ذكورية ترمز إلى أسمى درجات الفحولة، فالرجل الخطيب لا تكتمل أداته إلا بواسطة العصا والعمامة. وهما رمزان للفحولة المتكاملة.

    وبالعصا والعمامة تتكامل الإشارات الثقافية وتتحد مع اللسان الذكوري ليكون الرجل واللغة معاً علامة على المجد والقوة. ولا يكتمل اللسان الفصيح إلا بالمظهر الفصيح، متمثلاً باللغة الفحولية والعصا الذكوري والعمامة التي تزيد قامة الرجل ارتفاعاً وتحمي جمجمته وتكبر رأسه.

    وكلها عناصر امتداد وإضافة فالعصا يطيل اليد والكلمة تطيل اللسان والعمامة تطيل القامة.

    هذا هو النسق الدلالي لكتاب العصا، وهو الدلالة المعلنة في خطاب الجاحظ.

    ولكن حكاية المرأة الأعرابية تأتي وسط هذا السياق لتكسر كل شروط النسق وتفضح دلالات الخطاب الفحولي وتعريها.
    وهنا نلاحظ موقفاً ثقافياً نادراً ندرة عجيبة. وذلك حينما تتحد اللغة مع الأنثى ويتآمران معاً ضد الفحولة.

    -3-



    يقع الجاحظ بوصفه ممثلاً للثقافة السائدة ومتحدثاً باسمها في مأزقين ثقافيين هما:

    وجود امرأة اسمها (غنية) ولكنها (فقيرة) وهذا مأزق لغوي حاد حيث حصل تضارب بين الدال والمدلول فالغنية ليست غنية كما أن الفقيرة ليست فقيرة. هي فقيرة في الواقع لكن اللغة لم تكترث لفقرها منذ أن سمتها غنية. وهي قد تسمّت بهذا الاسم،فإنها لم تنل من اسمها أي نصيب. وهذا مأزق لغوي / ثقافي يواجه الجاحظ ويهز فكرته عن (البيان) وفلسفة اللغة.


    لدى الجاحظ – ومعه ثقافة الفحولة- مثل عن (تفاريق العصا) ولكن ليس لهذا المثل من حكاية تسند وجوده وتعزز دلالته.

    لهذا – وبسبب هذين المأزقين – جاءت حكاية المرأة الأعرابية. مما يعني أن هناك ثقافة فحولية تحتاج إلى الحكاية من أجل خلق سياق مرجعي لهذه الثقافة.

    وجرى استجلاب المرأة لكي تتخلق اللغة عبر لسانها وتنطلق لنا ببيت مرجوز عن تفاريق العصا.
    ولكن...
    لقد جاءت المرأة وجاءت معها نجدة لغوية لتفعل فعلاً ينقض الفحولة ويكسرها بدلاً من أن يعززها.

    -4-



    وأول ما نلاحظه هنا هو أن الوجه المذكر جرى العبث به عبر هذا الولد الذي درج في الحكاية بوصفه ولداً شقياً، شديد العرامة والشراسة، ولكنها شراسة كاذبة تقوم على مجرد الادعاء. وحينما يجري اختبار هذه (العرامة) ينكشف أمرها. وقد امتحنت ثلاث مرات، وفي كل مرة يفقد الولد شيئاً من خصائص وجهه أولها الأنف ثم الأذن ثم الشفة.

    ولو لاحظنا المفقود هنا لوجدنا أنه الأدوات التي هي الوسائل البلاغية للخطيب وكل واحد منها ينتج عنه عيب في لغة الخطيب وفي علاقته مع اللغة والناس.

    ولو تصورنا خطيباً مقطوع الأنف والأذن والشفة لخرجنا من الصورة بمنظر ساخر عن الفحل الدعيّ.

    وهنا تظهر الفحولة وكأنما هي مجرد (عرامة) أي شراسة قسرية و مدعاة ولا تنطوي على جوهر صامد وأي امتحان لها سوف يكشف وهنها وضعفها.

    هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الوجه هنا صار معادلاً دلالياً للعصا، وتفاريق الوجه هو تفاريق العصا.

    وفي الوجه والعصا يجري إحداث عيوب فادحة تتضمن تكسير العصا بوصفه رمزاً فحولياً وتكسير حيث هو الدلالة الأخرى للعصا.

    والمستفيد هنا هو المرأة أذ عبر تقطيع وجه الولد تحصلت المرأة على عدد من الديات فحسنت حالها وزاد مالها وبارك الله لها بجوارح ولدها. وهو ولد ما كان فيه نفع ولا خير حينما كان كاملاً تاماً. أما حينما تمزق وتقطع وجهه فقد جاءت الخيرات من وراء ذلك.

    تجري هنا أفعال ضد الوجه المذكر الذي هو وجه عرامة ووجه لا نفع فيه للمرأة، هو وجه أخذ من اللغة أسوأ ما فيها فهو سليط طويل وبذيء. ولكنه قول بلا فعل وادعاء عاجز.

    وإن كان الرجل ينعى على المرأة نقصها العضوي فإن الوجه المذكر يصاب هنا بمجموعة من النواقص العضوية وجاءت الفوائد عبر هذه النواقص.

    وبالتالي فإن العضو الناقص (المفقود) أفود وأنفع، وفي كل نقص فائدة، وفوائد النقص تفوق فوائد الكمال.

    والرجل هنا لم يمت ولم يقتل وإنما تقطعت بعض أعضائه. وهي أعضاء محصورة في منطقة الوجه فقط.
    هذا لأن المرأة لا تريد إفناء الرجل ولا تريد إحداث عيب جوهري فيه، إنها – فحسب – تريد تمزيق هذا الوجه وكأنما هي تمزق وجه الثقافة بما إنه وجه مذكر يقوم على العرامة بوصفها شراسة وادعاء. والفائدة من وراء ذلك تعود إلى المرأة التي ستغتني بعد هذا التمزيق.

    -5-



    كان هناك عبثية لغوية حول حدوث اسم بلا مسمى، حيث كانت المرأة غنية باسمها وفقيرة في حقيقتها.

    وهذا يقوم على ظلم لغوي للأنثى، وهو ما تعودت عليه الثقافة الفحولية. ولكن اللغة هنا تتواطأ مع المرأة وتبتكر حيلة سردية تفضي إلى حبكة تحل معضلة التسمية وتتحقق للمرأة صفة الغنى وتصبح غنية اسماً ومسمى. وصار الاسم يدل ويعني، وكان من قبل غير ذي دلالة، وليس بذي معنى.

    يحدث هذا كله وسط كتاب العصا، وهو كتاب يحتفي بالفحولة ويؤسس لها. ولكن القصة تأتي لتكسير الفحولة والسخرية منها، وتوظيف الذكور ضد بعضهم بعضاً. وكل اللذين تضاربوا مع الولد كانوا ذكوراً هنا تتحول إلى فائدة نسوية، حتى إن الشعر انتسب للمرأة هنا وليس للرجل ولا للخطيب.

    وجرى كذلك تكسير العصا وتحويله إلى (تفاريق) فلم يعد عصا مثلما أن الوجه لم يعد وجهاً بعد تقطيعه.

    هل هذه غفلة من الرقيب الثقافي لدى الجاحظ أم أن وراء الجاحظ لعبة أبعد من مجرد الغفلة.

    لا أريد الدخول – الآن – في محاورة هذين السؤالين وأترك المسألة لبحث مستفيض عن هذه اللعبة، ولكنني أكتفي بالقول – هنا – إن الثقافة تتحرك أحياناً ضد نفسها حتى إننا نجد في كتاب الفحولة حكاية تمزق أهم رموز الفحولة وتسخر منها.

    v v v



    الهوامش:



    1- عثرت على الحكاية لدى: عبد الله عسكر: الأوديبية بين الأسطورة والتحليل النفسي ص 86، مكتبة الأنجلو المصرية 1990.

    2- وهي حدوتة لشعوب عديدة منهم الآيسلنديون والسيبيريون وقبائل الهنود الحمر في شمال غرب أمريكا – أنظر عنها إستيز ص 258 – المرجع المذكور في المقالة رقم 17.

                  

05-21-2005, 08:35 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
sssss (Re: Sabri Elshareef)

    كتبت الدكتورة امينة غصن ردا موضوعي علي الرؤية النقدية

    للدكتور عبدالله الغذامي وكتابها بعنوان


    نقد المسكوت عنه

    في خطاب المراة والجسد والثقافة


    دار المدي للثقافة والنشر

    الطبعة الاولي 2002


    واذا وجدت فرصة سوف انشر جزء من كتابها
                  

06-03-2005, 02:22 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المرأة واللغة ثقافة الوهم للدكتور عبدالله الغذامي (Re: Sabri Elshareef)

    UP
                  

06-03-2005, 03:18 PM

Tumadir
<aTumadir
تاريخ التسجيل: 05-23-2002
مجموع المشاركات: 14699

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المرأة واللغة ثقافة الوهم للدكتور عبدالله الغذامي (Re: Sabri Elshareef)

    انها لدراسة ممتعة حقا..

    ولعلك لاحظت يا صابر الشريف ان هذه الحكايات تشبه لحد بعيد حكاياتنا السودانية فاطنة السمحة وود النمير وفاطنه القصب الاحمر وكل حكاوى الغول

    وما تتميز به حياة الانسان السودانى فى ذلك الوقت من بداوة ..اما الوحشية والعنف والعنصرية فقد كانت من الاسباب الرئيسية لرفض تلك المخرجة الامريكية لعرض مسرحية تمسرح الحكاية ..لمخرجة تعنى بثقافات نادرة ..وكنت قد طرحت عليها فكرة عرض مسرحية فاطنه السمحة ..وكانت بها مقاطع تحكى بكيفية معاملة ود النمير "لعبيده" وكيف يقليهم بالزيت الحار وكيف يتزوج شيخ القبيلة من عديد من النساء وكيف يعكفن على خدمته وخدمة الرجال الزوار بالطبخ والغسل ..وكيف تذبح الذبائح عن الافراح ...وعلقت لى المخرجة بعد الانتهاء من قراءة القصة بأنها لم تحبها لانها وحشية وعنصرية وتقف ضد المرأة من كل الاتجاهات والزوايا....

    احى فى الكاتب هذه الشفافية الثقافية وان الاساطير والحكايات الشعبية تلعب دورا كبيرا فى بناء العقل الجمعى وتثبت المفاهيم الخاطئة بنحو خطير قد يستستصغره غير المتعمقين ويطنون انه مجرد حكاية "لا تودى لا تجيب".

    فى اوروبا والغرب اذكر اننى شاهدت برنامجا تلفزيونيا لاحدى الناقدات الادبيات تنتقد فيها حكايات سندريللا والاميرة النائمة واليس فى بلاد العجيب وانها تغرس فى البنت روحا سلبية واحساسا بالعجز عن المواقف التى تتطلب الشجاعه والبسالة ما لم يكن هنالك رجلا حتى لو تفوقت عليه بالذكاء والحكمة.


    المقال كما قلت ممتع وساتابع المزيد من ما ستنشر هنا او مداخلات الاخرين...

    شكرا عليه.
                  

06-05-2005, 07:28 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المرأة واللغة ثقافة الوهم للدكتور عبدالله الغذامي (Re: Sabri Elshareef)

    تماضر الفنانة

    تشكري علي الطلة ودايما نري مرورك علي مختلف العناوين

    وتزينيها بالسمح لك الاشواق وفي انتظار عودتك
                  

06-10-2005, 12:46 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المرأة واللغة ثقافة الوهم للدكتور عبدالله الغذامي (Re: Sabri Elshareef)

    000000000000000000
                  

06-24-2005, 09:54 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المرأة واللغة ثقافة الوهم للدكتور عبدالله الغذامي (Re: Sabri Elshareef)

    for all
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de