|
|
 فلتحذر الحركة الفساد !
|
رئيس مجلس الإدارة:
طه علي البشير
رئيس التحرير:
عادل الباز
المدير العام:
هاشم سهل
مستشار التحرير:
نور الدين مدني
مستشار هيئة التحرير:
أمال عباس
مدير التحرير:
حيدر المكاشفي
مسارب الضي
قبل فوات الأوان:نصيحة مخلصة للسيد/ النائب الأول
الحاج وراق
* الانحرافات الاخلاقية والسياسية، مثلها مثل كرة الثلج، تبدأ صغيرة، ثم تكبر وتكبر كلما
تدحرجت الى الاسفل، الى ان تصير طوفانا يكتسح امامه كل شيء!
وقد عرف التاريخ الانساني الكثير من حالات الحركات الاجتماعية والشخصيات القيادية التي
بدأت بنوايا طيبة لتغيير حياة الناس الى الافضل، ولكنها انتهت الى نتائج كارثية تناقض
مشاريعها الاصلية والابتدائية.
ويجدر بالحركة الشعبية وقائدها د. قرنق ـ النائب الاول ـ والتي تدشن حاليا مشروعها
للتغيير في البلاد، ان تتأمل في مثل تلك المآلات حتى تتجنبها.
* وتتعدد الاسباب التي تفضي بمشاريع التغيير الى الاخفاقات والكوارث، منها الاسباب
الفكرية والسياسية، كالمنطلقات النظرية لهذه المشاريع، ومكانة الديمقراطية فيها، ومنها
الاسباب المتعلقة بالبيئة الاجتماعية والسياسية التي تنشط في اطارها حركات التغيير،
اضافة الى المحددات الاقليمية والدولية. وقد سبق وتطرقت لمثل هذه الاسباب مأخوذةً في
علاقتها بالحركة الشعبية، ودعوتها بالتالي الى اعادة هيكلة ذاتها فكريا وسياسيا
وتنظيميا لتتواءم مع المتغيرات الجديدة.
ولكن اضافة الى هذه الاسباب فهناك سبب اخلاقي، وأعني به انحراف القيادات عن المثل
القيمية والسلوكية المعلنة واللازمة لتحقيق مشروعها في الممارسة العملية.
* وتبين الخبرة التاريخية ان القيادات التاريخية عادة ما تبدأ حياتها السياسية بصورة
نقية وطاهرة، واذ يتسرب الانحراف ،فإنه يبدأ صغيرا، يمكن التغاضي عنه، بل وتبدو ملاحقته
او التعليق عليه وكأنها تنطع لا معنى له«!» ثم يتحول تدريجيا الى خلل في الفكر
والممارسة السياسية، وليتحول لاحقا الى انحراف مؤسسي ـ له أزلامه وحاشيته، وله مناهجه
واقتصادياته!
* وفي تقديري ان هناك آفتين اساسيتين تفضيان الى الانحراف، اولهما ضعف الرقابة القاعدية
على القيادات، وهذا يتعلق ـ وكما سبق وذكرت ـ بالديمقراطية الداخلية في حركة التغيير
المعنية، والآفة الثانية قبول القيادات الجديدة لمعايير القوى القديمة عن
السلوك «الطبيعي» للقيادات! وفي «الطبيعي» هذه تكمن الكارثة!
* كانت القوى المعادية للتقدم، على مر التاريخ الانساني، تتصور الاوضاع القائمة في
مجتمعاتها وكأنها نواميس «طبيعية»، نواميس كانت وستظل بصورة ابدية وسرمدية، فلا يمكن
تغييرها الا بقدر امكانية تغيير نواميس الكون، كتغيير خصائص العناصر ومواقع النجوم
والكواكب! من «الطبيعي» ان يظل الاقوياء اقوياء! ويظل اصحاب الامتيازات ينعمون
بامتيازاتهم! ومن «الطبيعي» ان يظل الفقراء فقراء! تماما كما من «الطبيعي» ان «العين
ما بتعلا على الحاجب»! فلدى هؤلاء الهرمية الاجتماعية مثلها مثل هرمية الجسد معطى «طبيعي»
لا يملك احد الحق في تغييره!
ولكن في كل مجالات التاريخ، سواء الاجتماع، او السياسة، او في الفكر، او العلوم، او
الفنون، فانه لم يتم الصعود في مدارج التقدم الا بالخروج على ما هو «طبيعي» ومألوف! لقد
استند التقدم دوما على اولئك الموصومين بالجنون والتخريب والشذوذ والهرطقة والزندقة!
وهكذا فإن ركون القوى الجديدة لمعايير القوى القديمة عن «الطبيعي» انما يعني في
المحصلة النهائية التخلي عن مشروع التغيير من اساسه! وفي هذه الخلاصة تكمن نصيحتي
للنائب الاول د. قرنق.
* عزيزي الدكتور قرنق، سيقولون لك إنه من «الطبيعي» ان يتم تأثيث منزل النائب الاول
لرئيس الجمهورية بصورة «لائقة»! وستتصور المسألة كأمر روتيني فتوافق على ذلك، ولكن
بالنسبة لمتعهدي الافساد فهذه بداية وضع الانشوطة حول عنقك، سيأخذون قرار الشراء وكأنه
امر بميزانية مفتوحة، فيرسلون متعهدا لدبي، لينتقي افضل واغلى الاثاث، ليس لاجل العمولة
وحسب، فهذا ادنى الاهداف، وانما لاجل هدف اساسي آخر ـ ان تأتي الفاتورة بمبلغ خرافي يزيد
عن 250 مليون جنيه للاثاث وحده! ثم يكملون شراء الاجهزة الكهربائية، والاواني، والسجاد
والنجف، ولتصل الفاتورة النهائية الى مليار ونصف المليار جنيه! ويخدم هذا عدة اغراض!
الغرض الاول تغيير «طبيعة» القائد نفسها، فالذائقة التي تستمتع بأثاث يفوق ثمنه المليار
جنيه لا يمكن بعدها ان تحس بآلام المحرومين.. والغرض الثاني التوريط والتسريب، فاما
التوريط فيلبي لدى متعهدي الإفساد حاجة نفسية وعملية، نفسيا لانهم مثلهم مثل مرضى الجزام
يريدون ان يحيق بغيرهم ما حاق بهم بحيث يصير الجزام «الفساد» حالة «طبيعية» عامة،
وحاجة عملية كذلك لانه حين يؤثث النائب الاول منزله بمليار جنيه فسيؤدي ذلك الى ملء فمه
بالماء، فلن يسأل بعدها عن تضخم مصروفات تأثيث مكاتب ومنازل الولاة والوزراء والمعتمدين
وغيرهم، وآخذين في الاعتبار الاعداد المهولة لهؤلاء ،فإن ذلك سيفتح ماسورة من اموال
العمولات والفواتير المنتفشة!
* وأما التسريب، واعني به تسريب فاتورة التأثيث نفسها الى الرأي العام، فالقصد منه
مزدوج، الاغتيال المعنوي من جانب، ومن الجانب الثاني ارسال رسالة الى جماهير المستضعفين
مفادها: «لا تحلموا بعالم سعيد.. فقياداتكم الجديدة مثلها مثل القيادات السابقة يمكن
احتواؤها وافسادها، فاستسلموا الى الحقائق «الطبيعية»: الفساد طبيعي، واوضاعكم البائسة
طبيعية، ولا يملك اي رمز، أيا كان، تغييرها»!!
* عزيزي النائب الاول، وتندرج اقامتكم في فندق الهيلتون في نفس سياق تأثيث المنزل!
سيقولون لك هكذا «طبائع» التأمين، تتطلب وجودك في الهيلتون، والسؤال: التأمين ضد من؟
وهل ستتهدد حياتك وانت بين جماهيرك في الحاج يوسف ؟!
وكذلك سيقولون لك إنها «طبائع» الدبلوماسية، فزوارك الاجانب يفضلون الهيلتون! واقول لك
العكس، فالدبلوماسيون الاجانب حينما يجدونك في هيلتون تستهلك يوميا آلاف الدولارات على
اقامتك فسيثور لديهم سؤال مشروع عن جدوى الموارد الممنوحة لاجل اعادة الاعمار في الجنوب،
بينما اذا التقوك في بناء متواضع، كما كانوا يلتقونك في السابق تحت ظل شجرة مانقو في
توريت، فإنهم سيطمئنون قطعا بأن اعاناتهم ومساعداتهم تصل الى منتهاها المفترض ـ الى
ايدي المحتاجين.
* عزيزي د. قرنق، ان ترشيد المصروفات وتوفيرها قضية هامة وحاسمة في نهضة البلاد، وخصوصا
نهضة الجنوب، وهي قضية تحتاج الى حزم وشدة، تجاه النفس والآخرين، وتحتاج الى قدوة والى
انموذج، وبدون النجاح في هذه العملية، وفي تأسيس ادارة حكومية قليلة الكلفة فلا يمكن
تصور نهضة البلاد مطلقا.
فلماذا سيدي لا ترسل بوصفك زعيما للحركة الشعبية ونائبا اول ورئيسا لحكومة الجنوب رسائل
ا بتدائية رمزية تشكل إلهاماً وقدوة للآخرين؟
* عزيزي د. قرنق، لو كنت مكانك، لاخليت مقر الاقامة الحالي في فندق هيلتون، وطلبت من اي
عضو في الحركة الشعبية بالحاج يوسف تدبير غرفتين مناسبتين في منزله والرحيل الى هناك
الى حين تهيئة مقرك الحكومي المناسب. وتصور معي عمق ومغزى مثل هذه الرسالة! خصوصا اذا
اضيفت اليها رسالة اخرى: التبرع بفاتورة الاقامة المفترضة في هيلتون لصالح النازحين
الجوعى في دارفور!! وقد سمعت شخصياً عند زيارتي لمعسكر عطاش بنيالا إحدى النازحات ـ وقد
نزحت من اويل اصلا، ثم الى دارفور ـ سمعتها تكرر في ضراعة المستغيث: «قرنق وين، عايزين
أكل...»!!
* ولو كنت مكانك، سيدي النائب الاول، لامرت بايقاف استيراد اي اثاث من الخارج، ولاخذت
الأثاثات اللائقة ولكن المتواضعة، من شركة «آرت سقدان» السودانية، وهي بالمناسبة شركة
اثاثات يملكها احد قيادات الحركة الشعبية الفاعلة «الاستاذ/ عثمان كنون»!
* عزيزي النائب الاول، إحذر ان يقال لك إن مثل هذه الاقتراحات انما تشكل خروجا على ما
هو «طبيعي»، فما هو طبيعي عادة ما ينتهي الى الفاجعة الطبيعيــة، فاجعـــة: «ملك هو
الملك الجديد»!!
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست