بورخس: المخلوقات الوهميّة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 03:49 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-08-2005, 08:49 AM

mazin mustafa
<amazin mustafa
تاريخ التسجيل: 07-30-2005
مجموع المشاركات: 287

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
بورخس: المخلوقات الوهميّة

    من »كتاب المخلوقات الوهميّة«
    لخورخي لويس بورخيس


    بسام حجار (شاعر ومترجم من لبنان)


    --------------------------------------------------------------------------------


    مقدّمة

    نصطحبُ طفلاً للمرّة الأولى إلى حديقة حيوانات. قد يكون هذا الطفل أيّاً منّا نحن، أو، على العكس، كنّا، نحنُ، هذا الطفل ولا نستذكر. في هذه الحديقة، المرعبة، يشاهد الطفلُ حيوانات لم يسبق له أن شاهدها، يُشاهد يَغاوِرَ وعقابينَ وبياسينَ، وحتّى زرافاتٍ. يشاهد للمرّة الأولى جحافل مملكة الحيوان الجامحة، وعِوَضَ أن يجفله المشهد أو يُرعبه، يلاقي في نفسه استحساناً. يستحسنُه بحيث تغدو الزيارة إلى حديقة الحيوانات سلوى الطفل، أو ما يتبدّى للطفل أنّها سلواه. فكيف السبيل إلى تعليل هذه الظاهرة الشائعة، والملغِزة في الوقت نفسه ؟

    طبعاً يسعنا الإنكار. يسعنا الزعم بأن الأطفال إذ يُصحبون إلى حديقة الحيوانات يعانون، بمضيّ عشرين عاماً، أعراضَ العُصاب؛ والحقّ انّه ما من طفلٍ لم يأتَ له اكتشاف حديقة الحيوانات وما من بالغٍ، إذا أمعنّا النظر، لا يعاني أعراضَ العُصاب. يسعنا الجزم بأنّ الطفلَ، تعريفاً، هو مكتشفٌ، وأنّ اكتشاف الجمل ليس أغرب من اكتشاف المرآة أو الماء أو السلالم. ويسعنا الجزم بأن الطفلَ واثقٌ من أبويه اللذين يصطحبانه إلى هذا المكان الذي يعجّ بالحيوانات. إلى ذلك، فإنّ النمر القماش، والنمر الرسم في دائرة المعارف قد مهّدا له الطريق للقاء النمر دماً ولحماً من دون فزع. (لو قيض) لافلاطون (التدخّل في هذا البحث) لأنبأنا بأنّ الطفلَ قد سبقَ له أن شاهد النَمِرَ في عالم الأطياف الأسبق، وبأنّه، إذ يشاهده الآن، إنّما يتعرّف عليه استذكاراً. أمّا شوبنهاور (وهذا أدعى إلى العَجَب) فقد كان يقرّر بأن الطفل يتطلّع بلا فزع إلى النمور لأنه لا يغفل عن كونه النمورَ وأن عن كونِ النمور هو نفسه، أو، الأحرى، عن أنّ النمورَ وهو نفسه من ماهيّة واحدة: الإرادة.

    لننتقل الآن من حديقة حيوانات الواقع، إلى حديقة حيوانات الأساطير، حيث شعب الحيوان ليس أُسْداً بل سفنكس وعنقاء مُغرِب وسنتور. ينبغي لعديد أهلِ الحديقة الثانية هذه أن يربو على عديد الأولى، بما أن المسخَ ليس سوى مزاجٍ من عناصر كائناتٍ حقيقة وبما أنّ احتمالات فنّ المزجِ يقارب اللامتناهي. في السنتور مزيج حصان وإنسان، وفي المونتور مزيج ثور وإنسان (دانتي تخيّله بوجهٍ آدمي وجسم ثور) وعلى هذا النحو يسعنا، على ما يبدو لي، إنتاج عددٍ لامتناهٍ من المسوخ، وأمزجة السمك والطير والزواحف، لا يحدّ مسعانا إلاّ السأم أو التقزّز. ومع ذلك فإنّ هذا لا يحدث؛ فالمسوخ التي قد نولّدها تولدُ ميتة بنعمى الله. لقد جمع فلوبير في الصفحات الأخيرة من »الإغواء«، كلّ المسوخ القروسطيّة والكلاسيكيّة، وحاول، كما ينبئنا شارحوه، أن يخلق منها؛ إنّ العدد الإجمالي ليس كبيراً، وقليلٌ جداً يؤثّر في مخيلة الناس. ومن يقرأ ثَبْتَنا لا بد أن يلاحظ بأنّ علم حيوان الوهم أقلّ غنىً ووفرةً من علم حيوان الربّ.

    نحن نجهل معنى التنين، كما نجهل معنى الكون، ولكن في صورته ما يتلاءم ومخيّلة البشر، ولهذا يظهر التنين في عصورٍ وفي أماكن مختلفة. وقد نقول إنّه مسخٌ ضروري، وليس مسخاً عابر الوجود ولا جدوى منه، وكذلك الخَيْمَر أو الغول.

    ثمّ أننا لا نزعم بأن هذا الكتاب، وهو ربّما كان الأوّل في نوعه، يشتمل على العدد الكامل للحيوانات الخرافية. لقد أجرينا بحوثاً في متون الآداب الكلاسيكية والشرقيّة، غير أننا نعلم يقيناً أن الموضوع الذي نحن بصدده هو موضوع لامتناه.

    عمداً نستبعد من هذا الثبت الخرافات التي تعالج تحوّلات الكائن البشريّ: كالمتذئّب(١، والغول الذئبيّ وسواهما.

    نودّ أن نشكر لإسهامهم كلاّ من ليونور غيريرو دي كوبولا، وألبرتو دابرسا ورافاييل لوبيث بيليغري.

    ج. ل. ب. و م. غ.

    مارتينيث، في 29 كانون الثاني 1954.



    الحمار ذو القوائم الثلاث

    ينسبُ بلّينُس إلى زرادشت، منشئ الديانة التي ما زال يبشّر بها مجوسُ بومباي، نظمَه مليوني بيت من الشعر؛ ويؤكّد المؤرّخ العربي الطبري أنّ أعماله الكاملة التي خلّدها نسّاخ وخطّاطون ورعون، تتألّف من اثني عشر ألف جلد بقرة. والمعروف أنّ الإسكندر المقدوني قد أمر بإحراقها في برسيبوليس، غير أنّ ذاكرة الرهبان الأمينة تمكّنت من إنقاذ النصوص الأساسيّة وجاء، منذ القرن التاسع، مؤلّفٌ موسوعي، هو الـ»Boundahishm«، ليُكملها، وقد احتوى الصفحة التالية:

    »يُقال عن الحمار ذي القوائم الثلاث إنّه وسط المحيط وإنّ عدد حوافره ثلاثة وعيونَه ستٌّ وأشداقه تسعة وأذنيه اثنتان وقرنه واحدٌ. فروته بيضاء، وعَلَفه روحانيّ وكلّ كيانه منصفٌ. اثنتان من عينيه الستّ في موضع العينين واثنتان عند قمّة رأسه واثنتان عند ظاهر الرقبة؛ وبنفاذ الأعين الستّ يُخْضِع ويُقوِّض.

    من أشداقه التسعة ثلاثة في الرأس وثلاثة في ظاهر الرقبة وثلاثة عند الجنبات... كلّ حافر، إذ يطأ الأرضَ، يغطّي مرقد قطيع من ألف نعجة، وتحت ظفرِ الحافرِ ساحة لألف خيّال. أمّا الأذنان، فهما قد تغطيان مزندران. القرن كأنّه من ذهبٍ وأجوف، وله ألف شعبة وفرع. وبهذا القرن سيهزم ويبدّد كلّ فساد الأشرار.«

    نحن نعلم أن العنبر هو روث الحمار ذي القوائم الثلاث. وقد جاء في الميثولوجيا المزديّة أنّ هذا المسخ كثير المنافع وهو أحد أعوان آهورا-مزده (أورمادز)، مبدأ الحياة والنور والحقيقة.



    الجــــــــــــن

    حسبِ الرواية الإسلامية، خلق الله الملائكة من نور والجنّ من نار والإنسان من تراب. ويؤكّد البعض أنّ مادة الجنّ هي نار كابية بلا دخان. خلقوا قبل آدم بألفي عام غير أنّ جنسهم لن يبلغ يوم الحشر.

    يعرّفهم القزويني على أنهم حيوانات هوائية هائلة الأحجام، شفّافة، قادرة على التشكّل بأشكال متنوّعة. يظهرون أولاً على هيئة سُحُبٍ أو كأعمدة شاهقة بلا منتهى؛ ثمّ، بحسب أمزجتهم، فيتخذون هيئة الإنسان أو الثعلب أو الذئب او الأسد أو السرطان أو الحيّة. بعضهم مؤمن، وبعضهم كافر زنديق. قبل قتل الحيّة ينبغي الطلب منها باسم النبيّ أن تخلي المكان؛ ويحلّ قتلها إذا أبتِ الانصياع. الجنّ قادرون على اختراق جدارٍ حصين وعلى التحليق في الفضاء أو حجب أنفسهم فجأة عن الأعين. غالباً ما يبلغون السماء الدنيا حيث ينصتون إلى أحاديث الملائكة عن الحوادث المقبلة. بعض أهل العلم ينسب إليهم تشييد الأهرامات، وبإيعاز من سليمان بن داود الذي كان يعرف اسم الربّ كلي القدرة، تشييد هيكل أورشليم.

    من على السطوح والشرفات يرجمون الناس؛ كما اعتادوا خطفَ الحسناوات. لاجتناب شرورهم، ينبغي ذكر الله الرحمن الرحيم. اعتادوا الإقامة بين الخرائب والمنازل المهجورة والآبار والأنهر والصحارى. والمصريون يؤكّدون أنهم مسبّبو العواصف الرمليّة. ويعتقدون بأن الشُهُبَ السماوية إنما هي حرابٌ يقذفها الله على أشرار الجنّ.

    إبليس هو أبوهم وقائدهم.



    البُــــراق

    أولى آيات السورة السابعة عشرة (الإسراء) من القرآن تتألّف من الألفاظ التالية: »سبحان الذي أسرى بعبدِه ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريَه من آياتنا إنّه السميع البصير«. ويفسّر المفسّرون أنّ من يُسبَّح له هو الله وأنّ العبد هو محمّد وأنّ المسجد الحرام هو مسجد مكّة، وأنّ المسجد الأقصى هو مسجد القدس وأنّه من القدس ارتقى النبيّ إلى السماء السابعة. في رواياتٍ للخبر مغرقة في القِدَم، قيل إنّ محمداً هُديَ الوجهةَ من قبل إنسان أو ملاك. وفي روايات أحدث عهداً ورد ذكرُ دابّة أكبر من حمار وأصغر من بغل. هذه الدابة هي البُراقُ الذي سمّي بذلك لنصوع لونه وبريقه. وبحسب بورتن »Burton«، يتصوّره مسلمو الهند بوجهٍ آدميّ وأذني حمار وبدن حصان وذَنَب طاووس.

    وقد ورد في أحد الأخبار الإسلامية أنّ البُراق لدى مغادرته الأرض أوقع قِدراً مملوءة بالماء. حُمِلَ النبيّ إلى السماء السابعة وخاطبَ في جميع السماوات السبع الأولياء والملائكة وخاطبوه وجازَ الوحدةَ وأحسّ ببردٍ أثلج قلبه لمّا ربّتت كفّ الله على كتفِه. ولأن زمان البشر لا يُقاس البتّة بزمان الله: استلقى النبيّ، لدى عودته، قِدرَ الماء ولم ينسكب منها قطرة واحدة.

    يتحدّث ميغال آثين بالاثيوس عن متصوّف من مُرسيا في القرن الثالث عشر، كان رأى، في كتاب له أسماه »كتاب الإسرا إلى مقامِ الأسرى«، في البراق رمزاً للحبّ الإلهي. وفي كتاب آخر له يستشهد بـ»بِبُراق طهارة القَصْد«.



    البانشي

    الظاهرُ أنّ أحداً لم يلمحها؛ ليست هيئةً بقدر ما هي أنّةٌ تنشر صقيع الفَزَع في ليالي إيرلنده و- بحسب كتاب السِير والكوت سكوت »Walter Scott« عن الشياطين والسَحَرة - ليالي المناطق الجبليّة في اسكتلنده. تنذرُ، من وراء نوافذ الناس، بموت فردٍ من أفراد العائلة. وهي حظوة خاصّة ببعض السلالات السلتيّة الخالصة النسب، بلا هجنة لاتينيّة أو ساكسونية أو اسكندنافية. تتناهى إلى السمعِ في بلاد الغال أيضاً وفي بروتاني. تنتمي إلى جنس الجنيّات. أنينُها اسمُه العويل.



    البَهَموت

    ذاعَ صيتُ البَهَموت حتّى بلغ صحارى الجزيرة العربيّة، حيثُ أضاف الناسُ إلى صورته شكلاً وروعة. فرس نهرٍ أو فيل، جعلوا منه سمكةً تسبح في مياهٍ بلا قعر وعلى هذه السمكة تخيّلوا ثوراً وعلى هذا الثور تخيّلوا جبلَ زمرّد وعلى الجبل ملاكاً وعلى الملاك ستّ جهنمات وعلى الجهنّمات الأرض وعلى الأرض سبع سماوات. نقرأ في خبرٍ نقله لاين »Lane« .

    خلق الله الأرض، غير أن الأرض لم يكن لها سندٌ، وهكذا، تحت الأرض خلق ملاكاً. غير أن الملاك لم يكن له سند، وعندئذ خلق تحت قدمي الملاك جبلاً من الزمرّد. غير أنّ الصخرة لم يكن لها سند، فخلق ثوراً بأربعة آلاف عين وأذن وأنف وشدقٍ ولسان وظلف. غير أن الثور لم يكن له سند، وإذ ذاك خلق تحت الثور سمكةً اسمها بَهَموت، وتحت السمكة بسط الماء والعتمة، ولا يبلغ علمُ البشر عِلماً أبعد من ذلك.

    آخرون يزعمون أنّ ركائز الأرض في الماء؛ إنّ الماء على الصخرة؛ الصخرة على قذالِ الثور؛ والثور على فراشِ الرمل؛ والرمل على البهموت؛ والبهموت على ريح خانقة؛ والريح الخانقة على ضباب. ولا ندري ما تحت الضباب.

    البهموت هائل الحجم ساطع البريق فلا يقوى بصرٌ آدميّ على رؤيته. كلّ بحور العالم مجتمعة في تجويف أحد منخريه لتكون أشبه بحبّة الخردل وسط صحراء. في الليلة الأربعمائة وستّ وتسعين من كتاب ألف ليلة وليلة، يُروى أنّه قيض لعيسى أن يبصر البهموت، وأنّه بعد ذلك ارتمى على الأرض متخبّطاً ولم يفق إلى رشده إلاّ بمضي ثلاثة أيام. ويُزعمُ، فضلاً عن ذلك، أنّ تحت السمكة التي بها مسّ ثمّة بحر، وتحت البحر هوة هواء وتحت الهواء نار وتحت النار حيّة اسمها فَلَق تسند جهنّم بشدقيها.

    والظاهر أن خبرَ الصخرة على الثور والثور على البهموت والبهموت على أي شيء آخر هو إيضاح للبرهان الكونيّ على وجود الله؛ إذ يُحتجّ بالفعل بأن كلّ علّة لها علّة سابقة عليها، فتقضي الضرورة أن تكون هناك علّة أولى، لكي لا يتواصل سرد العلل إلى الأبد.



    البهيموت

    قبل ميلاد المسيح بأربعة قرون من الزمن، كان بهيموث تعظيماً للفيل أو لفرس النهر، أو تأويلاً خجولاً ومغلوطاً لهذين الحيوانين؛ الآن، أصبح على الصورة التي تصفه بها آيات أيوب الشهيرة (40؛ 10-19) والحجم الهائل الذي تتحدّث عنه. وما تبقّى مجرّد جدالٍ في أصول اللغة.

    اسم »بهيموت« هو صيغة للجمع؛ إنه (كما ينبئنا خبراء اللغة) صيغة جمع الجمع للفظة bhema العبريّة، والتي تعني بهيمة. وكما قرّر فراي لويس دو ليون Fray Luis de Leon في كتابه »شرح سفر أيوب« : »البهيموت هي لفظة عبرية، تعني بهائم؛ وبحسب ما أجمع عليه العلماء، قد تعني أيضاً الفيل، الذي يُسمّى على هذا النحو نظراً لحجمه الهائل، لأنه برغم كونه واحداً، فإنه في حجمِ كثرة.«

    على سبيل الاستئناس لا أكثر نذكر في السياق أن اسم الله، Elohim ، هو أيضاً في صيغة الجمع في أولى آيات كتبِ الشريعة (سفر التكوين)، على الرغم من أن الفعل الذي يتبعه يردُ في صيغة المفرد »في البدء خلق الله السموات والأرض...« وقد سمّيَت هذه الصيغة جمع الجلالة أو الامتلاء... (٢

    في ما يلي الآيات التي تصف البهيموت في الترجمة الحرفيّة التي وضعها فراي لويس دو ليون، الذي اقترح على نفسه »الحفاظ على المعنى اللاتيني والمناخ العبري، لما ينطوي عليه من جلال«:

    أنظر إلى بهيموت الذي صنعته مثلك

    إنّه يأكل العشب مثل الثور.

    قوَّتُه في مَتْنَيه

    وشدّته في عضَل بطنه.

    يشدّ ذنبه كالأرز

    وأعصابُ فخذيه محبوكة.

    عِظامُه أنابيبُ من نحاس

    وأضلاعُه حديد مُطَرَّق.

    هو أوّل طُرقِ الله في الخَلْق

    وصانِعُه يُعْمِلُ السيفَ فيه(٣.

    فالجبال تُخرِجُ له الطعامَ

    وحوله تلعبُ جميع وحوش البريّة.

    يربضُ تحت عرائسِ النيل

    ويختبئ تحت القصب في المستنقع.

    تخيّم عليه عرائس النيل بظلّها

    ويُحيطُ به صفصافُ الوادي.

    إن طغى عليه النهر لم يحْفَلْ

    هو مُطمئنٌّ لو اندفقَ أُرْدُنٌّ في فمه.

    فمن يصطادهُ مواجهةً

    ويثقبُ أنْفَه بأوتاد.

    طيرُ الرُّخّ

    الرخّ هو تخريفٌ مثالُه النسر أو العقاب، وبلغ بأحدهم الظنُّ أنّ كَنْدوراً ضالاّ في بحار الصين أو الهندوستان، قد أوحى به إلى العرب. يرفض لاين هذا التخمين ويعتبر أنّ المقصود هو، بالأحرى، جنسٌ خرافي من نوعٍ خرافي، أو هو مرادفٌ عربيّ لطائرِ Simorg. يُدين الرّخّ بشهرته الغربيّة لكتاب ألف ليلة وليلة. فلا بدّ أن يستذكر قراؤنا السندباد حين خلّفه صحبُه على جزيرة، فرأى من بعيد قبّة بيضاء وفي اليوم التالي حجبت عنه سحابةٌ عظيمة نورَ الشمس. كانت القبّة هي بيضة الرّخّ والسحابة هي الطير الأمّ. فعمد سندباد إلى ربط نفسه، بواسطة عمامته، إلى قائمة الرخّ الضخمة؛ وحلّق الطير قبل أن يخلّفه على قمّة جبل غير منتبهٍ إلى وجوده. ويضيف الراوي بأنّ الرخّ يُطعم فراخَه أفيالاً.

    في الفصل السادس والثلاثين من »أسفار« ماركو بولو، نقرأ ما يلي:

    يروي سكّان جزيرة مدغشقر أنّه في أحد فصول السنة، يفد إلى المناطق الجنوبيّة جنسٌ غريبٌ من الطير، يسمّون الرّخّ. هو شبيه النسر من حيث الشكل، لكنّه أضخم منه حجماً بما لا يُقاس. فالرخّ من القوة بحيث يحمل بمخالبه فيلاً ويحلّق به في الفضاء، ثمّ يُسقِطه من علوّ شاهق لكي يلتهمه فيما بعد. ويؤكّد من شاهدوا الرخّ أنّ طول جناحيه، من الطرف إلى الطرفِ، يبلغ ستة عشر قدماً وتبلغ الريشة منه ثمانية قدام.

    ويضيف ماركو بولو قائلاً إنّ رُسُلاً من قبل الخان الأعظم أحضروا ريشة رخّ إلى الصين.



    العقيق الجمريّ

    اسمه مشتقّ من اللاتينية carbunculus ، أي »قطعة الفحم الصغيرة«، وهو، في علم المعادن، لَعْل(٤. أمّا عقيق الأسلاف فنحسبُ أنّه كان بجاديّاً.

    في القرن السابع عشر أطلق الروّاد الأسبان في أميركا الجنوبيّة، هذا الاسم على حيوان غامض - وهو غامض لأنّ أحداً لم يره عن كثب ليعلم يقيناً ما إذا كان طيراً أو حيواناً لبوناً، وما إذا كان يكسوه ريش أم فرو. يصفه الراهب الشاعر مارتن ديل باركو سنتنيرا الذي يزعم أنه شاهد أحدها في البراغواي، في مؤلّفه »Argentina (1602)« بأنّه »حيوان ضئيل الحجم له على قمّة رأسه مرآة برّاقة كأنها قطعة جمر«. رائد آخر، يُدعى غونثالو فرنانديث دي أوفيدو، يقيم الصلةَ بين مرآة النور الساطع في العتمة هذه - التي شاهدها مرّتين عند مضيق ماجيلاّن - وبين الحجر الكريم الذي كان يُعتَقَد أنّه مخبّأ في نخاع التنّين. كان قرأ مثل هذه المزاعم في »كتاب الاشتقاق« لمؤلّفِه إيزيدور دي سيفيلاّ، الذي أورد التالي:

    يُستخرج من نخاع التنّين لكنّه لا يستحيل فصّاً صلباً إلاّ إذا قُطِع رأس الحيوان وهو حيّ. لهذا يعمد السَحَرة إلى قطع رؤوس التنانين وهي نيام. رجالٌ على قدرٍ من البأس والجرأة يتسلّلون إلى معقل التنين ناثرين حَبّاً مطبوخاً يخدّر البهيمة وعندما تنام يقطعون رأسها ويستخرجون منها الحجر الكريم.

    يتبادر إلى الذهن، هنا، علجوم شكسبير (كما يحلو لك،٢،١ الذي »برغمِ دمامته وسمّه، يحمل في رأسه حليةً ثمينة...«

    إنّ الفوزَ بحلية العقيق الجمريّ كان فوزاً بناصية الثروة وحُسنِ الطالع. لقد شَهِدَ باركو سنتنيرا عدداً من الأهوالِ عبر أنهر الباراغواي وغاباتها بحثاً عن هذا الحيوان الذي يحتجب عن الأبصار؛ ولم يعثر عليه قط. وإلى يومنا هذا لا نعرف عن هذا الحيوان الصغير إلاّ ما تردّد من أخبار عن الحجر المكنوز في رأسه.



    السربيروس

    إذا كان الجحيم منزلاً، منزل هاديس، فلا بدّ من كلبٍ يحرسه؛ ولا بدّ أيضاً، بحسبِ ما تصوّره لنا المخيّلة، من أن يكون هذا الكلب ضارياً. كتاب »نسب الآلهة« لهسيودُس يجعله بخمسين رأساً؛ ولكن خفّض هذا الرقم، لدواعٍ تشكيليّة بحتة، فذاع صيت رؤوس السربيروس الثلاثة. يذكر فرجيل أعناقه الثلاثة: ويذكر أوفيد عواءه المثلّث؛ ويقارن بتلر »Butler« بين التيجان الثلاثة لقلنسوة البابا الذي هو بوّاب السماء، وبين الرؤوس الثلاثة للكلبِ الذي هو بوّاب الجحيم »Hudibras , IV, 2« أمّا دانتي فيضفي عليه طباعاً آدميّة تزيد من حدّة طبيعته الجهنّمية: لحية سوداء قَذِرة، وأيدٍ ذات أظافر تمزّق، تحت المطر، أرواح المنبوذين. يعضّ ويعوي ويكشّر عن أنيابه. تمثّلت آخر مآثر هِرَقْل بأنه أخرج الكلبِ السربيروس إلى وضحِ النهار. وقد وصفَ مؤلّف إنكليزي من القرن الثامن عشر، يدعى زكريا غراي، هذه المغامرة كالآتي:

    هذا الكلب ذو الرؤوس الثلاثة يرمز إلى الماضي والحاضر والمستقبل، وهي رؤوس تتلقّف، وكما يُقال، تفترسُ كلّ شيء. أمّا أن يكون قد لاقى شرّ الهزيمة على يد هِرَقْلُ، فبرهان على أنّ المآثرَ منتصرة على الزمان وراسخة في ذاكرة الأجيال.

    بحسب نصوص الأقدمين، يحيّي السربيروس بذَنَبِه (الذي هو أفعى) كلّ الداخلين إلى الجحيم، ويفترس من يسعى منهم إلى الخروجِ منه. وتزعم إحدى الروايات المحدثة أنه يعضّ الوافدين؛ ولكي يستكينَ، درج الناسُ على وضعِ الكعك المحلى بالعسل داخل التابوت.

    في الميثولوجيا الاسكندنافيّة يرد ذكرُ كلبٍ مدمّى، اسمه »غام«، يحرس منزل الموتى ويُعارِكُ الآلهة عندما تلتهم الذئاب الجهنّمية القمرَ والشمس. بعضهم يزعم أنه ذو أربع عيون؛ وذات أربع عيون هي كلاب »ياما«، إله الموت البراهماني.

    في البراهمانية والبوذيّة ثمة جهنّمَ للكلاب التي هي، على غرار السربيروس الدانتي، جلاّدة الأرواح.



    حصانُ البحر

    بخلافِ الحيوانات الوهميّة الأخرى، لَمْ يجرِ تصوّر حصان البحر انطلاقاً من عناصر متنافرة؛ فهو ليس سوى حصان برّي سُكناهُ البحر ولا يطأ اليابسةَ إلاّ في الليالي غير المقمرة، عندما يهبّ عليه النَسيمُ برائحة الأفراس. في إحدى الجزائر غير المحدّدة - ربّما كانت بورنيو - يستدرج الرعاة إلى الشاطئ أحسن أفراس الملك ثمّ يختبئون في حجراتٍ تحت الأرض؛ شاهد سندباد المهرَ خارجاً من البحر وشاهده وهو يعتلي الأنثى وسمعَ صهيلَه.

    إنّ التاريخ النهائي لتدوين كتاب ألف ليلة وليلة، يرقى، بحسب برتون »Burton« إلى القرن الثالث عشر؛ وفي القرن الثالث عشر ولد وتوفي عالِمُ الكونيّات القزويني الذي أثبتَ في مؤلّفه »عجائب المخلوقات« ما معناه أن حصان البحر هو شبيه حصان اليابسة، لكنّ عرفه أطول وكذلك ذيله، ولونه أجلى وحافره مشقوق كحوافر البقر الوحشيّ وحجمه أضأل من حجم حصان اليابسة وأكبر قليلاً من حجم الحمار. ويلاحظ القزويني أن تهجين الأجناس البحرية بالاجناس البريّة تولّد سلالةً فاتنة ويذكر مهراً داكن الفروة »وبها رقشٌ أبيض كرقاق الفضّة«

    أمّا وانغ تاي-هاي، وهو رحّالة من القرن الثامن عشر، فيذكر في »المنتخبات الصينيّة« ما يلي:

    غالباً ما يظهر الحصان البحريّ على الشواطئ سعياً وراء الأنثى؛ وأحياناً قد يؤسَر. فروته سوداء لامعة؛ ذيله طويل يكنس التراب؛ على الأرض اليابسة يعدو كما تعدو الجياد الأخرى، وهو وديعٌ وقد يقطع في نهار واحد آلاف الأميال. من المستحسَن ألاّ يُغسَل في النهر، لأنه ما إن يلمح المياه حتّى يستردّ طبعه القديم فيبتعد سابحاً.

    لقد تحرّى علماء السلالة مصدر هذه الرواية الإسلامية في الرواية اليونانية اللاتينية عن الريح التي تُخصِبُ الأفراس. ففي الكتاب الثالث من »الجورجيّات«، نظم فرجيل هذا المعتقَد شعراً. أمّا عرض بلّينُس »VIII , 67« فكان أكثر دقّة: »لا يخفى على أحد منا أنّه في لوسيتانيا، في نواحي أوليسيبو (لشبونه) وضفاف نهر التاج، تدير الأفراس وجوهها باتجاه رياح الغرب فتُخصبها؛ فتولدُ من هذا اللقاح مِهارٌ تمتاز برشاقة بالغة، غير أنها تنفق قبل بلوغها العام الثالث.«

    وارتأى المؤرّخ جوليانُس أنّ صفة »ابن الريح«، التي تطلق على الجياد السريعة، هي مصدر هذه الخرافة.



    الهوامش

    ١- الغول الذئبي بحسب مرويّات الريو ديلا بلاتا، والتي تتبدّل صفاته من منطقة إلى أخرى (المترجم)

    ٢- على نحو مماثل، نقرأ في (مصنّف) »النحو« الصادر عن الأكاديمية الملكية الأسبانية: »نحن، وإن كانت صيغة للجمع بطبيعتها، غالباً ما ترد مع أسماء مفردة عندما يتحدّث أشخاص من ذوي المقام والرفعة عن أنفسهم؛ مثلاً: نحن، الدون لويس بيلوغا، بنعمة الله والحاضرة البابوية، أسقف قرطاجة.«

    ٣- إنّه أعظم معجزات الربّ، غير أنّ الربّ، الذي خلقه، سوف يُهلِكه.

    ٤- ياقوت أحمر.
                  

10-08-2005, 08:51 AM

mazin mustafa
<amazin mustafa
تاريخ التسجيل: 07-30-2005
مجموع المشاركات: 287

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة (Re: mazin mustafa)
                  

10-08-2005, 09:05 AM

mazin mustafa
<amazin mustafa
تاريخ التسجيل: 07-30-2005
مجموع المشاركات: 287

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة (Re: mazin mustafa)

    أجزاء من سيرة ذاتية
    خورخي لويس بورخيس

    --------------------------------------------------------------------------------


    "قاص وباحث"، صفتان (فقط) تلازمان كل تعريف بحياة وأعمال خورخي لويس بورخيس (ولد في بوينس آيرس عام 1899 وتوفي في جينيف عام 1986، كتب أعماله القليلة بلغات مختلفة، ثم ترجمت هذه اللغات بدورها إلى لغات مختلفة. بعض ما كتبه في أبحاثه وضمنه سيرته الذاتية المبعثرة، لم يكن سوى تلفيق؛ وفي بعض محاضراته التي دعي إلى القائها بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واليابان، أجرى تدقيقا مطولا في نصوص مختلفة، واستند إلى مراجع غير موجودة، وأحيانا إلى مؤلفين اخترع أسماءهم وسيرهم ومجالات اختصاصهم. ومع ذلك قيل عنه انه أحد أساتذة الأدب في القرن العشرين.

    لم يعترف بورخيس الا بالقصة فنا أدبيا صرفا. شغف بالشعر وكتب بعضا منه، لكنه أهمل الرواية والأنواع الأدبية الأخرى. العالم بالنسبة له، هو مكتبة هائلة، حتى يحار واحدنا حيال ما يصفه بالعيش. أما الكتاب فهم كائنات مختلقة على غرار ما يؤلفونه، ففي آخر الأمر لا أحد يعرف من يكتب ماذا أو ماذا يكتب من؟ الاختلاق هو الحقيقة والحقيقة هي اختلاق.

    كتب الكثير عن أدبه وسيرته، وحين أراد أن يكتب، هو، سيرته كتبها أجزاء فير مكتملة بالانجليزية، وفي نيويورك عام 1970؟ لذلك أذنت لنفسي أن أنقل إلى العربية أجزاء من هذا النص عن لفة ثالثة هي الفرنسية، لظني أي في ذلك لا أخون النص الا قليلا، لأن خيانة النص الأصلية قد اقترفها كاتبه.

    الأرجح أن بعض الأسماء والعناوين والأحداث في هذا النص مختلق. لم أشر في أي موضع إلى مثل هذا الاحتمال لأن الاشارة تفسد سياق الاختلاق، ولأن أدوات التحقق معدومة أو شبه مستحيلة، ولأن الاختلاق يجعل النص طبقات متراصة من الكذب والصدق إلى أن يتبادلا صفتيهما؛ واذ ذاك كيف الاهتداء إلى ما كان صدقا وما كان كذبا في حكاية، مجرد حكاية؟

    فيما يلي الترجمة العربية للصفحات الأولى من "محاولة في (كتابة) سيرة ذاتية" الذي صدر، في طبعته الفرنسية، ملحقا بـ "كتاب المقدمات" لخورخي لويس بورخيس (سلسلة كتاب الجيب "فوليو"- باريس 1987).

    لا استطيع القول ما اذا كانت ذكرياتي الاولي ترقى إلى الضفة الشرقية او الضفة الغربية من نهر دولابلاتا الموحل المتهادي، بمونتفيديو حيث كنا نقضي أوقات عطل طويلة كسولة في فيلا عمي فرانشيسكو هاييدو، أو في بوينس أيرس، حيث رأيت النور، في وسط تلك المدينة عام 1899، ناحية شارع توكومان بين سويباشاوا سمرالدا، في منزل صغير متواضع يمتلكه جداي لأبي. على غرار معظم المنازل وقتذاك، كان سطحه مصطبة ومدخله بهوا فسيحا مزينا بعقد جسر يسمى "الزاغوان" وقد ألحق به خزان نجر مياهنا منه، وبردحتين خارجيتين. ولابد اننا سرعان ما انتقلنا منه للاقامة في ضاحية باليرمو لأنه المكان الذي ترقى اليه ذكرياتي الاولي عن منزل آخر من راحتين مطليتين وحديقة مجهزة بناعورة هوائية عالية ومن الجهة الأخرى من الحديقة فسحة أرض بور. في تلك الحقبة كانت باليرمو تلك التي أقمنا فيها، بالقرب من شارعي ستراند وغواتيمالا- ضاحية فقيرة من ضواحي المدينة وخير من سكانها لا يعترفون بأنهم يقطنونها بل يكتفون بالقول، إذا سئلوا، أنهم يقيمون في الناحية الشمالية من المدينة. كنا نقيم في أحد المنازل ذات الطابقين النادر وجودها في الشارع، فيما الجوار يقتصر بمعظمه، على منازل وطيئة وأراض بور. لطالما تحدثت عن تلك الناحية ناعتا اياها بالوضيعة غير أي لم أكن أقصد بذلك حرفية ما تعنيه عبارة SLUM في أمريكا، ففي باليرمو كان يقيم أناس فقراء لكنهم لائقون، والى جانب هؤلاء أناس غير مرغوب فيهم. كان في باليرمو أيضا لصوص وأشقياء- يسمون بالكومبا ودريثويس - اشتهروا بمشاجرات المدى، غير أن هذا الوجه من أوجه باليرمو لم يطغ على مخيلتي الا فيما بعد، لانهم في المنزل، كانوا يبذلون ما بوسعهم لكي لا ندرك ذلك وكانوا يفلحون في سعيهم على أكمل وجه، مثل هذا التغافل لم يكن ليشمل جارنا ايفاريستو كارييغو الذي صودف انه كان أول شاعر أرجنتيني يستغل تلك الامكانيات الادبية المتاحة في متناول يده، أما أنا فكنت غير مدرك تقريبا لوجود الكومبادريتوس لأني، عمليا ما كنت أغادر البيت مطلقا.

    أبي، خورخي غييرمو بورخيس كان محاميا، فيلسوفا فوضويا- من مريدي سبنسر- وكان، في الوقت نفسه، يدرس مادة علم النفس في معهد المعلمين للفات الحديثة حيث يعطي دروسه باللغة الانجليزية مستندا إلى مؤلف وليم جيس المختصر في علم النفس. وكان مرد إلمام أبي بالانجليزية إلى كون والدته، فاني هاسلام مولودة في ستافوردوشاير لأسرة متحررة من نورثميرلاند، اذ حملتها ظروف غير اعتيادية إلى أمريكا الجنوبية. فقد تزوجت الأخت البكر لفاني هاسلام مهندسا ايطاليا يهوديا يدعى خورخي سواريس هو الذي أدخل على الأرجنتين أولى حافلات الترامواي التي تجرها الخيل، واستقر هو وزوجته في هذه البلاد واستقدم اليها فاني، اذكر سالفة من تلك الحقبة. كان سواريس ضيفا على "بلاط" الجنرال أوركويزا، في أنثري ريوس، واقترف خطأ ان يفوز في الدور الأول للعبة الورق على الجنرال وهو طاغية المقاطعة الذي لا يتوانى عن قطع الرقاب، فور انتهاء الدور سارع بعض الضيوف المجربين إلى ابداء النصح وقالوا لسواريس إنه إذا أراد أن يحظى بالموافقة على تسيير حافلاته في انحاء المقاطعة، فما عليه، قطعا إلا أن يخسر كل مساء حفنة لا بأس بها من النقود الذهبية خلال اللعبة. ولأن أوركويزا لاعب أخرق إلى أقصى الحدود عانى سواريس الأمرين لكي يتمكن من خسارة المبالغ المطلوبة.

    في بارانا، عاصمة مقاطعة انتري ريوس، التقت فاني هاسلام، الكولونيل فرنسيسكو بورخيس. كان ذلك في عام 1870 أو 1971، خلال حصار المدينة من قبل (0المونتانيروس"، ميليشيا الرعاة أنصار ريكاردو لوبيز خوران. وكان بورخيس الوافد رأس فرقته، قائدا للجنود الذين يدافعون عن المدينة. رأته فاني هاسلام من على شرفة منزلها. وفي الليلة نفسها أقيم حفل راقص احتفاء بقدوم القوات الحكومية المتحررة، فاني والكولونيل التقيا ورقصا سويا وتحابا فأفضى بهما ذلك إلى الزواج.

    كان أبي أصغر الولدين اللذين رزقاهما، ولد في أنتري ريوس وكان من عادته ان يشرح لجدتي، وهي الانجليزية الجديرة بالاحترام، بأنه ليس حقا من أبناء أنتري ريوس، لأن "أمه حبلت به في البامبا". وكانت جدتي تجيبه آنذاك بكل التحفظ الذي يؤثر عن الانجليز: "اني لا أدرك ماذا تقصد حقا". غير أن ما كان أبي يردده هو صحيح فعلا، ذلك أن جدي كان في مطلع السبعينات قد عين، في البامبا، قائدا عاما للحدود الشمالية والغربية لمقاطعة بوينس ايوس. وفي طفولتي سمعت الكثير من الحكايات التي كانت فاني تسردها على مسمعي وتدور حول الحياة في المناطق الحدودية في ذلك الوقت. وقد نقلت وقائع احداها في "حكاية المحارب والسيرة". لقد أتيح لجدتي أن تلتقي عددا من زعماء الهنود الذين كانت أسماؤهم الغريبة، على ما أعتقد، سيمون كوليكويو، وكاترييل، وبنسين ونامونكورا. عام 1874 في أثناء إحدى حروبنا الأهلية، وافت المنية جدي، الكولونيل بورخيس. كان عندها في الحادية والأربعين، فقد أرغمته ظروف هزيمته في معركة لافردي على التنقل ممتطيا حصانه، مشتملا بالبانشو الأبيض، ومتبوعا بعشرة رجال أو اثني عشر رجلا، على مقربة من خطوط الأعداء التي أطلقت منها الرصاصتان الرمنغتون اللتان أردتاه. وكانت تلك هي المرة الأولى التي تستخدم في الغدارات الرمنغتون في الأرجنتين. ولا أملك الا أن يذهلني، كل صباح، مجرد التفكير في أني استعمل شفرات من نفس ماركة البندقية التي أردت جدي.

    كانت فاني هاسلام شغوفة بالقراءة، وكان الناس لا ينفكون يرددون على مسمعها، هي التي تخطت الثمانين، ظنا منهم أنهم بذلك يسعدونها، بأن في أيامنا هذه لا نجد كتابا يضاهون ديكتر وثاكري، فتجيبهم جدتي: "إذا أردتم الحق اني اؤثر على من ذكرتم أمثال ارنولد بينيت وجيلسوورثي وولز".

    وكانت قبيل وفاتها عن عمر يناهز التسعين عاما، قد اعتادت أن تدعونا للجلوس بجانب سريرها وتقول لنا بالانجليزية (فقد كانت تتكلم الاسبانية بطلاقة ولكنها اسبانية ركيكة) وبصرتها الخافت: "إني امرأة عجوز تحتضر ببطء شديد. وليس في ذلك ما هو لافت أو غير معتاد". فهي ما كانت ترى أدنى سبب موجب لحال الاضطراب الذي يسود المنزل، بل كانت مربكة حيال الوقت المتمادي الذي يستغرقه موتها الوشيك.

    كان أبي رجلا بالغ الذكاء، وعلى غرار الرجال الأذكياء جميعا، كان رجلا طيب القلب. ذات يوم أشار علي بأن أراقب مليا الجنود والبزات النظامية والثكن والبيارق والرهبان والمجازر، لأن كل ذلك على وشك أن يزول، ومأتمكن، على هذا النحو، من أن أحكي لأولادي بأني حقا شهدت كل ذلك. لم تتحقق نبوءته، لأسفي الشديد، إلى اليوم. كان أبي رجلا على قدر من التواضع جعله يتوق أن يكون، لو استطاع، غير مرئي. وعلى الرغم من افتخاره بنسبه الانجليزي، فقد اعتاد أن يسخر منه على سبيل الدعابة، فيقول متظاهرا بالحيرة: "في آخر الأمر، من يكون الانجليز؟ انهم مجموعة من العمال الزراعيين الألمان". كان شديد الاعجاب بشيلي وكيتس وسوينبرج، وكان شغوفا بمجالين من مجالات القراءة. تأتي أولا مؤلفات الميتافيزيقا وعلم النفس (بركلي، هيوم، رويس، ووليم جايمس). وفي المرتبة الثانية الأدب والمؤلفات التي تتناول الشرق (لاين،.بورتن، وبدين). فهو من كشف لي معنى الشعر ومغزاه - واقع أن الكلمات ليست أداة اتصال وحسب بل هي أيضا رموز سحرية وموسيقى. وعندما أنصرف اليوم إلى تلاوة قصائد بالإنجليزية، تقول لي أمي أن نبراتي هي هي نبراته. وهو أيضا- وان لم أدرك ذلك في حينه - أول من قرأ علي مبادئ الفلسفة. وفى صباي المبكر جدا شرح لي، مستعينا برقعة شطرنج، مفارقات زينون - أخيل والسلحفاة - والطيران الجامد للسهم واستحالة الحركة. وقيما بعد، ومن دون أن يأتي على ذكر بركلي، اجتهد ما أمكنه الاجتهاد في تلقيني المبادئ الأولية للنزعة المثالية.

    أمي، ليونور آسيفيدو دو بورخيس، من أسرة عريقة أرجنتينية وأوروجوانية، وهي في الرابعة والثمانين من عمرها مازالت في صحة ممتازة، مقدامة وكاثوليكية صالحة. ففي عهد طفولتي كان الدين هو حمى النساء والأولاد. أما الرجال في بوينس آيرس فكانوا، في معظمهم، من ذوي الأهواء التحررية - مع أنهم لو طرح عليهم السؤال آنذاك لأجابوا جميعا، من دون شك، بأنهم كاثوليكيون. أحسب أي ورثت عن أمي فضيلة أنها دائما كانت تحسن الظن بالآخر انطلاقا من حسها العميق بالصداقة. فقد كانت أمي تهوى حسن الضيافة. ومنذ اليوم الذي تعلمت فيه اللغة الإنجليزية، كفت تقريبا عن قراءة أي شيء الا بالإنجليزية. اثر وفاة والدي، واذ شعرت بأنها باتت عاجزة عن التركيز على أي نص مطبوع، شرعت في ترجمة "الكوميديا البشرية" لوليم سارويان لكي تنكب على عمل ما. وقد صدرت تلك الترجمة في كتاب واستحقت عليها استحسان الجالية الأرمنية في بوينس آيرس، فيما بعد انكبت على ترجمة بضع حكايات لهاوثرن وأحد مؤلفات هربرت ريد حول الفن. كما أنجزت ترجمات لملفيل وفيرجينيا وولف وفوكنر يعتقد اليوم أنها لي. لطالما كانت بالنسبة لي رفيقا- خصوصا خلال هذه الأعوام الأخيرة، لما صرت أعمى- وصديقا مفعما بالتفهم والتغاضي. لسنوات طويلة والى وقت قريب، تولت هي أعمال السكرتارية لأجلي، فردت على الرسائل التي تصلني، وقرأت لي، ودونت ما أمليته عليها، ورافقتني في أسفاري الكثيرة، داخل بلادي أو خارجها، وهي التي، وان لم أفكر في الأمر آنذاك، نمت في، بروية وشدة، ما أنجزته في حياتي الأدبية.

    جدها هو الكولونيل ايزيدور سواريس، الذي كان في الرابعة والعشرين حين قاد، خلال العام 1824، هجوم سلاح الفرسان البيروفي والكولومبي، والذي بفضله تغيرت موازين المعركة فأحرز النصر في معركة خونين في البيرو، كانت تلك المعركة هي المعركة ما قبل الأخيرة في حرب الاستقلال الأمريكية الجنوبية. وعلى الرغم من أن: سواريس كان ابن العم الشقيق لخوان مانويل دي روزاس الذي نصب نفسه ديكتاتورا على الأرجنتين بين 1835 و1852، فقد فضل حياة المنفى والعوز في مونتيفيديو على الحياة في ظل الطغيان في بوينس آيريس. طبعا صودرت ممتلكاته، وأعدم أحد أشقائه. فرد آخر من عائلة أمي كان يدعى فرنسيسكو دي لابريدا، وهو الذي أعلن في توكومان خلال رئاسته الكونجرس عام 1816، استقلال الكونفيدرالية الأرجنتينية، ثم قتل عام 1829 في غمرة حرب أهلية، والد أمي، ايزيدور آسيفيدو، الذي لم يكن رجلا عسكريا، خاض هو الآخر حروبا أهلية بين 1860 و1880. وبهذا أكون امتلكت أسلافا محاربين من عائلتي لأبي ولأمي. وقد يفسر هذا أحلام مصيري الملحمي الذي لم تشذ الآلهة أن أعطاه لحكمة منها دون شك.

    لقد قلت فيما سبق انني أمضيت القسط الاوفر من مراهقتي بين جدران المنزل ولا فتقارنا لأتراب الطفولة عمدنا، أنا وأختي، إلى اختلاق رفيقين متخيلين أسيمناهما لأسباب أجهلها كويلوس وطاحونة الهواء. (وعندما مللناهما أخيرا، قلنا لأمي أنهما ماتا). لطالما كنت حسير النظر أرتدي نظارة، ناحل الجسم. وبما أن معظم أفراد عائلتي كانوا عسكريين - حتى أن أحدهم كان ضابطا بحريا- وليقيني بأني لن أكون مثلهم ذات يوم، فقد استبد بي، في سن مبكرة جدا، احساسي بالخجل من كوني شخصا لا يحب الا الكتب بدل أن أكون رجلا فاعلا. وطوال مراهقتي لازمني الشعور بأن حبهم لي هو من قبيل السلوك الجائر، كنت لا أستحق أن أحب، بأية حال، وأذكر أن يوم الاحتفال بعيد ميلادي كان يسبب لي حرجا لا يوصف، لأن الجميع يغدقون علي بالهدايا وأنا أشعر بأني لم أفعل شيئا لكي أستحقها وبأني، في ذلك الموقف، ألعب لعبة المحتال، ولم أتمكن من تخطي ذلك الشعور الا بعد أن تجاوزت الثلاثين. في المنزل كنا نتكلم الإنجليزية والاسبانية، سواء بسواء، وان سئلت عما كان الأشد تأثيرا في حياتي لأجبت على الفور: مكتبة أبي. وقد يخطر ببالي أحيانا أنني، في الواقع، لم أغادر تلك المكتبة يوما. فمازالت ماثلة أمام عيني، حجرة منفردة، غطيت جدرانها برفوف ذات واجهات زجاجية، ولابد انها كانت تحتوي بضعة آلاف من المجلدات.

    كنت حسير النظر إذن إلى درجة جعلتني أنسى معظم وجو» تلك الحقبة (والأرجح أن حين أفكر في جدي اسيفيدو، إنما أفكر في صورته على ما أظن) ومع ذلك فاني مازلت أذكر بوضوح عددا من الرسوم التوضيحية في دائرتي معارف شامبرز وبريتانيكا. وأولى الروايات التي قرأتها كانت (HLJCKLEBRY) أعقبتها (Roughing it) و (Flush Days in California) كما قرأت كتب القبطان ماريا و (Les bremiess homes dows la lunu) لوليز، وادجار ألن بو وطبعة بمجلد واحد للونغفيلو، و (Llsle on heron) وديكنز، ودون كيشوت، (Ton Brouns school Days) ولويس كارول، و(Les Aventures de Mr. Vadaut Green) (وهو كتاب منسي الآن)، وألف ليلة وليلة لبرتون، كان كتاب برتون مليئا بما اعتبر آنذاك، اباحيات، وحظرت قراءته علينا، لذا قرأته خلسة، على السطح، غير اني كنت في تلك الحقبة مفتونا بسحر هذا الكتاب فلم أعر أي انتباه للفقرات الفاضحة، قارئا تلك الحكايات لا يساورني أدنى شك بأنها قد تنطوي على معنى آخر. تلك الكتب التي ذكرتها كنت قد قرأتها بالانجليزية. وعندما قرأت، فيما بعد "دون كيشوت"، في نصها الاصلي بدا لي النص ترجمة رديئة، ومازلت أذكر جيدا تلك الاغلفة الحمراء السميكة التي تحمل عناوين بأحرف مذهبة، التي كانت تصدرها دار نشر غارينيه. ثم جاء يوم تبعثرت فيه مكتبة أبي وعندما قرأت "دون كيشوت" في طبعة مختلفة، أحسست بأن هذه ليست "دون كيشوت" الحقة.. فيما بعد استحصل لي صديق على نسخة من طبعة غارينيه وفيها الرسوم نفسها والهوامش ففيها في أسفل الصفحات ملحق تصويب أخطاء الطباعة، نفسه، فكل هذه الاشياء كانت بالنسبة لي، جزءا لا يتجزأ من الكتاب. فكان ذاك في نظري هو "دون كيشوت" الأصلي، بالاسبانية قرأت أيضا عددا من مؤلفات ادوارد جوتييونير عن الخارجين على القانون، وديوسبيوادوست الارجنتيني- وفي طليعتهم خوان مورييرا- بالإضافة إلى كتابه(Siluetas militare) الذي يتضمن سردا حماسيا لمصرع الكولونيل بورخيس. وكانت أمي قد حظرت علينا قراءة "مارتن فبيرو" لأنه كتاب لا يثير الا اهتمام الدنيئين وتلامذة المدارس، ناهيك عن كونه لا يتحدث عن الرعاة الارجنتينيين الفعليين. هذا الكتاب أيضا قرأته خلسة. وكان رد فعل والدتي مبنيا على واقع ان هرنانديز هو أحد أنصار دي روزاس، وهو تاليا، عدو اسلافنا أنصار الحزب الوحدوي. كما قرأت (Facundo) لسارمينثو، وعددا كبيرا من المؤلفات حول الميثولوجيا الإغريقية، وقيما بعد، حول الميثولوجيا الاسكندنافية. وقد طرقت الشعر من باب اللغة الإنجليزية - شيلي، كيشس، فيتزجرالد سوينبرن، الشعراء المفضلين لدي وبإمكانه ان يتلو الكثير من أشعارهم وغالبا ما كان يفعل.

    لقد كان الشغف بالأدب تقليدا متوارثا في أسرة أبي فشقيق جده، خوان كريسوستومو لافيندر، كان أحد أوائل شعراء الأرجنتين. ونظم نشيدا حول مقتل صديقه الجنرال مانويل بلغرانو عام 1920.

    أحد ابناء عم أبي، ويدعى آلفارو مليان لافينور، الذي أعرفه منذ صباي، كان شاعرا قليل الشأن ولكن ذا حظوة استطاع فيما بعد أن يصبح عضوا في أكاديمية الآداب الأرجنتينية، وجد أبي لوالدته، ويدعى ادوارد يونج هاسلام، كان قد أصدر أحدى أولى الصحف الانجليزية في الأرجنتين، الـ (Southern)، وحائزا على شهادة الدكتوراة في الفلسفة او الآداب، ما عدت أذكر بالضبط، من جامعة هايدلبرنج. اذ لم يكن هاسلام يمتلك الإمكانات المادية التي تخوله الالتحاق باكسفورد أو كامبريدج، فتوجه إلى ألمانيا حيث نال شهادته بعد أن أنهى كل دراسته باللاتينية. وفي النهاية توفي في بارانا. ألف أبي رواية نشرها في مايورك عام 1921، حول تاريخ انتري ريوس.

    كان عنوانها: "الكوديلو" (الزعيم). وألف أيضا (وأتلف) كشكول دراسات، وأصدر ترجمة لعمر الخيام نقلا عن ترجمة فيتزجيرالد ملتزما تشطير الأبيات كما وردت في الأصل. ألف كتابا هو عبارة عن مجموعة حكايات شرقية - على غرار ألف ليلة وليلة - مسرحية مأساوية، عنوانها (Hicia la noda) (نحو العدم) تدور أحداثها حول اب محبط من ابنه، كما نشر عددا من السونيتات الجميلة محاكيا اسلوب الشاعر الأرجنتيني أنريكي بانكس. منذ طفولتي، ومذ صار أبي كفيفا، توافق جميع من حولي على ضرورة أن أتمم المصير الأدبي الذي لم تشذ الظروف أن يكون لأبي. كان أمرا بديهيا (فمثل هذه الأمور أشد تأثيرا من تلك التي يعبر عنها ببساطة)، كان المرتقب في أن أصبح كاتبا.

    كان أول عهدي بالكتابة حين كنت في السادسة او السابعة، حاولت ان أقلد الكتاب الكلاسيكيين باللغة الاسبانية - ميجيل دوسرفانتس، على سبيل المثال. وألفت بانجليزية رديئة جدا نوعا من التاريخ الميسر للميثولوجيا الكلاسيكية، أحسب انه كان سرقة موصوفة لمؤلف لمبريير.. كانت تلك، على ما اعتقد، خطواتي الأولى في عالم الأدب. وقصتي الأولى كانت حكاية عجيبة، كتبتها مقلدا سرفانتس - رواية فروسية عثيثة عنوانها: (La visua ratal) (مقدم الخوذة القاتل)، كنت أنكب على كتابة مثل تلك الأمور على دفاتر مدرسية، وكان أبي حريصا على عدم التدخل فيما أفعل، اذ يتيح لي سانحة أن اقترف أخطائي الخاصة، حتى أنه خاطبني ذات مرة قائلا: "الأولاد هم الذين يربون آباءهم وليس العكس". "حين شارفت على سن التاسعة ترجمت "الأمير السعيد" لأوسكار وايلد، إلى الأسبانية، ونشرت تلك الترجمة في أحدى صحف بوينس آيرس، EIPais وبما أنها حملت توقيع "خورخي بورخيس" كان من الطبيعي أن تنسب تلك الترجمة إلى أبي (....).
                  

10-08-2005, 09:08 AM

mazin mustafa
<amazin mustafa
تاريخ التسجيل: 07-30-2005
مجموع المشاركات: 287

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة (Re: mazin mustafa)

                  

10-08-2005, 09:11 AM

mazin mustafa
<amazin mustafa
تاريخ التسجيل: 07-30-2005
مجموع المشاركات: 287

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة (Re: mazin mustafa)

    بورخيس والحكاية التخيلية



    بييرماشيري
    ترجمة :محمد آيت لعميم(مترجم من المغرب)


    --------------------------------------------------------------------------------


    "هنا شيء ما يعود على الذات, شيء ما يلتف حول نفسه ومع ذلك لا يتعلق أبدا. ولكنه في نفس الوقت يتحرر بنفس هذا الدوران "

    هيدجر_ مبدأ العقل _ ص 94

    لقد كان بورخيس مشتغلا أساسا بقضايا الحكي: إلا أنه كان يطرح هذه القضايا بطريقته الخاصة (فليس من قبيل الصدفة أن يعنون أحد مؤلفاته بعنوان يحيل الى هذه الطريقة Ficciones) التي هي أساسا تخييلية. إن بورخيس يقترح نظرية تخييلية للحكاية, ومن هنا خطورة حمله على محمل الجد. إن فكرة الضرورة والتعدد، هي التي تعطي للكتاب صورته, متحققة بإمتياز في المكتبة (أنظر قصة: مكتبة بابل, حيث لكل مجلد مكانه الحقيقي، يبدو فيه كعنصر داخل مجموعة, فالكتاب (ونعني به الحكاية) لا يوجد في الهيئة التي نعرفها إلا أنه يرتبط ضمنيا بمجموع كل الكتب الممكنة, إنه يوجد وله مكانه الحقيقي في عالم الكتب لأنه جزء من المجموع. وهنا يمكن لبورخيس أن يستخدم كل مفارقات اللانهائي. ليس للكتاب حقيقة فهو لا يفرض نفسه إلا عبر تعدده الممكن, أي خارج ذاته (في علاقته بالكتب الأخرى)، وفي ذاته أيضا (إن الكتاب من الداخل يشبه مكتبة)، فالكتاب يمتلك كثافة خاصة لأنه متطابق مع ذاته, لكن هذا التطابق ليس سوى شكل محدد للتنوع. إن أحدى بديهيات المكتبة هي أنه لا يوجد كتابان متطابقان... ويمكننا استعمال هذه البديهة لتمييز الكتاب كوحدة.: لا يوجد كتابان متطابقان في نفس الكتاب, فكل كتاب يظل مختلفا عن ذاته لأن يتضمن امكانيات وتشعبات لا نهائية, إن هذا التأمل الماكر حول الشيء ذاته وحول الآخر هو ما يصنع الموضوع. مثلما هو الشأن في القصة التي كتبها بورخيس عن "بيير مينار"، الذي كتب فصلين عن الدون كيخوطي Don Quiehote) ) " فنص سرفانتس ونص مينار متطابقان لفظيا ( Ficciones. 68. ) لكن هذا التشابه هو شكلي فقط, مشتمل على تعدد جذري. إن خدعة القراءة الجديدة المتمثلة في المفارقة الزمنية المعتمدة, ترتكز مثلا على قراءة "محاكاة المسيح » كما لو أنه عمل ليسيلين أو جويس "، ليس لها معنى حكائي فقط يقصد منه اقتراح مفاجأة مموهة, بل تحيلنا بالضرورة الى طريقة في الكتابة.

    إذن فخرافة "مينار" الحكيمة تأخذ هنا كل دلالتها: فأن تقرأ ليس في نهاية المطاف سوى انعكاس لرهان الكتابة (وليس العكس).

    إن ترددات القراءة تعيد انتاج إن لم نقل تحريف التحويلات المثبتة في الحكي نفسه. فالكتاب دائما غير مكتمل, لأنه يخفي وعودا من التنوع لا تنتهي «فلا يوجد كتاب طبع دون فروق بين طبعاته » La loterie de Babyp. 90) ) إن أدنى تحريف مادي يوحي بعدم وجود الملاءمة الضرورية للحكي مع ذاته, فهذا الأخير لا يحدثنا إلا بمقدار تحديده للزمن بالصدفة.

    لا وجود للحكاية إلا بدءا من ازدواجيتها الداخلية, هذه الازدواجية تظهر هنا كرابط وكطرف في علاقة غير متماثلة, كل حكاية في لحظة تشكلها هي إظهار لاستعادة متناقضة مع ذاتها. ففحص واختبار العمل الأدبي لـ، Herben Quain يطلعنا على هذه " الرواية - المشكل " متمثلة بشكل تام في قصة«اله المتاهة "

    ) The Godof the laburisth) هناك جريمة غامضة, في الصفحات الأولى, ونقاش طويل في الصفحات الوسطى، وفي الأخير هناك حل حينما اتضح اللغز, وجدنا فقرة استرجاعية طويلة تشتمل على هذه الجملة: «ظن الكل أن اللقاء بين لاعبي الشطرنج كان زائدا" يفهم من هذه الجملة أن حل اللغز خاطيء، لذلك فالقاريء القلق يعيد قراءة الفصول الملائمة ليكشف حلا آخر أي الحل الحقيقي.إن قاريء هذا الكتاب الفريد أكثر ذكاء من مفتش الشرطة (اله المتاهة - ص 110).

    فانطلاقا من لحظة ما يبدأ الحكي من جديد عكس ذاته: فكل حكىRecit خليق بهذا النعت يحتوي في جزء منه على نقطة انقلاب ما. هذه النقطة تفتح طريقا بكامله غير مشكوك فيه بغية التفسير، وهنا بالذات يشبه بورخيس كافكا، الذي جعل من هوس التأويل مركز أعماله كلها.

    إن رمزية المتاهة لا تسعف أبدا في فهم نظرية الحكاية هذه: البسيطة والمنزلقة نحو انحدار حلم اليقظة المتدرج إن المتاهة لتضليلنا، المتاهة عوض اللغز, وتسلسل الحكاية هو هذه الصورة المقلوبة المنعكسة بدلا من النهاية, حيث تتبلور فكرة: التقسيم الذي لا ينفذ, فقطع متاهة الحكاية يتم بشكل معكوس, بغية الوصول الى مخرج, هذا الأخير يسخر منا، لأنه لا يوجد شيء وراء المتاهة, لا مركز ولا محتوى، ولا وجود لأثر هدف ما، مادمنا نتراجع بدل أن نتقدم.

    تأخذ الحكاية ضرورتها من هذا الانحراف الذي يبعدها عن ذاتها ويربطها بمضاعفها son double ويمكننا قراءة القصة البوليسية لبورخيس (الموت والبوصلة) بهذا الصدد، التي يمكن أن تكون هي العمل الأدبي لـ Herbert Quain : فسير المخبر Lomrot الحل هو اعلان عن مشكل أساسي. فحل اللغز هو إحدى نهايات اللغز نفسه. فأن نحل المشكل كلية وأن نبطل الفخ هو ألا نفك اللغز الخ..

    ينتظم بداخل الحكاية العديد من الروايات تقوم بوظيفة تضليلية, وهنا نلمح مظهرا من مظاهر الفن الشعري لإدغار ألان بو: فالحكاية تثنى بطريقة معكوسة, تتسلسل انطلاقا من نهايتها, وهذه المرة في هيئة فن جذري تتسلسل انطلاقا من نهاية لا نعرفها أبدا حيث هي النهاية والبداية. وفي الأخير تلتف الحكاية حول ذاتها وتوهمنا بالانسجام عبر تشييد منظور لا نهائي.

    إن ما كتبه بورخيس له قيمة أخرى شبيهة بقيمة الألغاز،. فإذا بدا ظاهريا أن بورخيس يجعل قارئه يتأمل (والمثال الجيد لهذا الجنس موجود في قصة "الخرائب الدائرية " حيث الشخص الذي يحلم شخصا آخر، هو الآخر نتيجة لحلم آخر), فذلك لأنه ينتزع منه ما يفكر فيه, من هنا كان يفضل - بورخيس - استعمال مفارقات الوهم التي لا تحتوي بدقة على أية فكرة. إن بورخيس الأكثر بساطة, لكنه يوقعنا في الفخ, يسرف في استعمال نقط الحذف. وأفضل قصصه ليست تلك التي تفتح بسهولة, بل العكس تلك القصص المنغلقة كلية والتي ليس لها من مخرج.

    يحضر القراء تنفيذ الحكم, ويشهدون كل مقدمات الجريمة, حيث القصد بالنسبة لهم معروف, لكنهم لا يدركونه, فيما يبدو، إلا في نهاية الفقرة ( (Ficciones p.17.

    فحين يلخص بورخيس قصة "الحديقة ذات السبل المتشعبة هكذا في التقديم الذي وضعه لمجموعته القصصية (Ficciones ) نكون ملزمين بتصديقه دون أي دليل, فالحكاية مطوقة بالمشكل وحله (ولا داعي لطرحه). والفقرة المعلن عنها في التقديم, تمنحنا مفتاح اللغز. لكنها تقوم بذلك لقاء غموض رهيب عكس كل ما تقدمه.

    فاللغز المبدد ينكشف بطريقة ساخرة, ومقابل الخدعة علينا أن نتحمل ثقل الحكاية, فالمؤلف يخاتل ويجعل من عدم الدلالة شيئا غريبا،والحل هنا من أجل الاستعراض فقط: لا يعمل إلا على محاذاة معنى الحكاية.

    إنه تشعب جديد يغلف المغامرة ويفصح في الوقت ذاته عن المحتوى الذي لا ينضب, إن منفذا ممكنا انغلق والحكي انتهى. لكن أين هي الأبواب الأخرى؟ أو بتعبير آخر أكان الانغلاق غير تام ؟ تنفلت الحكاية, عبر النافذة الخاطئة, الى إرجاء غير محددة هكذا يبدو أن المشكل مطروح بشكل واضح, إما أن هناك معنى للحكاية وأن الحل الخاطيء رمزية وإما أنها ليست هناك رمزية, فالحل الخاطيء رمزية العبث.

    إنه هكذا نؤول أعمال بورخيس: ننهيها ونحن نمنحها أشكالا ارتيابية ذكية وليس من المؤكد أن الارتيابية ذكاء. ولا المعنى العميق لقصص بورخيس ظاهرة في هذه التهذيبات.

    سيطرح المشكل بطريقة مغلوطة, فالحكاية لها معنى، لكن هذا المعنى ليس هو ما نعتقد, إن هذا المعنى لا ينتج عن الاختيار الممكن من بين التأويلات المتعددة فطبيعته ليست تأويلية. فالمعنى لا نبحث عنه في القراءة ولكن ينبغي البحث عنه في الكتابة.

    إن استدعاءات القاريء المستمرة, تبين عسر الحكاية من حيث التطور كما لو أنها كانت متوقفة, من هنا تأتي تقنية إنشائية بسيطة تعمل على استعمال التلميح بشكل موسع, فبورخيس لا يكتب حكاية بل يشير اليها: ليس فقط الحكاية التي من الممكن أن يكتبها, لكن ما يمكن لآخرين أن يكتبوه: (انظر مثلا تحليل رواية Bouvard Pccuchet الوارد في العدد الخاص حول بورخيس من مجلة ,L'herne فهو يعكس جيدا طريقة بير مينار)، فبدل أن يسطر مسارا للحكاية, يكتفي بتسجيل امكانيتها: لهذا فمقالات بورخيس التحليلية تقيم بواسطة النقد الصريح الذي تحتوي عليه هذه الحكايات. إنها عملية شبيهة بالمشروع العميق " لبول فاليري": ضرورة التأمل في لحظة الكتابة والتفكير، هنا يصل المشروع الى منتهاه, لأن بورخيس وجد فيه الأدوات الحقيقية, إذ كيف نكتب القصة البسيطة, في حين أنها تتضمن إمكانية لا نهائية من التنوع, وأن الشكل الذي اختير لها قد يحيد عن أشكال أخرى هي الملائمة للقمة. إن الصنعة البورخيسية تسعي للاجابة عن هذا السؤال بواسطة الحكاية. حيث يختار من بين هذه الأشكال الشكل الذي, عبر لا توازنه وخاصيته المصطنعة وتناقضاته, يصون هذا السؤال, قبل أن نعود الى السبل المتشعبة, يمكننا أخذ مثال جديد أكثر شفافية إنه قصة "شكل السيف» Ficciones) ) حيث سردت الحكاية وفق صيغة من صيغ الرواية البوليسية, أضحت تقليدية حسب "أجاثا كريستي" في قصتها (جريمة قتل رويجير Achoyd ) حيث تم السرد عبر انفصال ضمير الغائب من قبل موضوع الحكاية (أنا أحكي أنه, هو يحكي أنني, فالأنا ليس هو هو، وحده ضمير الغائب "هو" يمكنه أن يؤخذ كطرف مشترك ليجعل الحكاية ممكنة). رجل يروي قصة خيانة, غير أنه يكتشف في النهاية بأنه هو الخائن, وقد تم هذا الاكتشاف عبر فكه لاحدي الامارات, فالراوي في وجهه ندبة Cieatriee وفي اللحظة الي تظهر فيها الندبة في الحكاية تنكشف الهوية, هكذا فكل تغير غير مجد لأن حضور مؤشر بليغ (الحكاية خطابة) يقوم مقامه عليه أن ينتشر في الخطاب والا فسوف تظل دلالته مختفية, يكفي أن يظهر المؤشر مرة أخرى في لحظة مميزة من لحظات الحكاية ليأخذ كل معناه. الأمر هنا يشبه مسرحية ,Phedre حيث أعلنت Phedre فوق الخشبة في بداية المشهد الأول بأنها ستموت وبأن الأقنعة خنقتها.. لقد ماتت بالفعل في نهاية الفصل الخامس: في الظاهر لم يحدث أي شيء، لقد احتاجت Phedre الى ألف وخمسمائة بيت لكي تأخذ الحركة الحاسمة معناها، لكي تعطيها حقيقتها اللغوية وحقيقتها الأدبية.

    هكذا فوظيفة الخطاب أو الحكاية واضحة, تأتينا بالحقيقة مقابل انعطاف طويل لابد أن نؤدي ضريبته,إن الخطاب يمنح أطرافه للحقيقي شريطة أن يوضع محل تساؤل وأن يظهر كخداع محض: فلن يتقدم بالضرورة نحو النهاية إلا إذا أسس لا جدواه الخاصة (ما دام أن كل شيء قد أعطى مسبقا، ولن يرتجل مقاطعة, في حرية مطلقة, إلا ليخدع السامع).

    (مادام أن كل شي ء سيعطى في النهاية) يلتف الخطاب حول موضوعه, ليعطيه ويحده بطريقة تتضمن حكايتين اثنتين: الوجه والظهر، فالمتوقع هو غير المتوقع لأن غير المتوقع هو المتوقع.

    لننظر الآن وجهة النظر المفضلة التي يختارها بورخيس. إنها تلك التي تفجر اللاتماثل بين الموضوع (الدسيسة) والكتابة الموصلة اليه, فكلما امتلأت القصة بالمعنى تتشعب الحكاية معلنة عن كل الطرق الممكنة للحكي، وكل المعاني الأخرى التي يمكنها أن تمتلك.

    وبالفعل فقصة "الحديقة ذات السبل المتشعبة ", التي يمكن أن تصلح كدعامة لمغامرة جاسوسية. تدور باتجاه لا متوقع موجه, في الحكاية يحدث شيء ما حيث الدسيسة الأساسية في غنى عنه فالشخصية الرئيسية عبارة عن جاسوس من واجبه أن يحل المسألة التي وضعت فيها الكلمات والعبارات بطريقة غامضة جدا. كي يقوم بحل المسألة يذهب الى منزل شخص يدعى Albert ولما انجز مهمته جعلنا ندرك الأمر, ففك اللغز، كما أن الأمر كان وعدا بذلك.

    في الفقرة الأخيرة تنقل القصة المنتهية خبرا، وهي فقرة ليست ذات جدوى. (فلكي يعلن الجاسوس عن انفجار مدينة Albert ,ارتكب جريمة ضد شخص يدعى Albert وجد عنوانه في دليل التليفون: هكذا ينكشف كل شيء. لكن ما الجدوى؟) إن هذا المعنى غير الدال ينتج معنى آخر وقصة أخرى ستبدو أساسية. ففي منزل Albert بالاضافة الى اسمه الذي يصلح كرقم, نجد شيئا آخر: نجد المتاهة نفسها، فالجاسوس, الذي من مهامه ملاحقة أسرار الآخرين, كان قد ذهب مباشرة الى مكان السر دون أن يعرفه في حين أنه لا يبحث عن السر ذاته, ولكنه يبحث عن وسيلة لنقل السر، إن Albert يحتفظ بالمتاهة الأكثر اكتمالا المبلورة في الذكاء الصيني: إنها الكتاب. لم يستطع ترجمته (إن لم تكن ترجمة خطية, تقرأ الخط الغامض دون أن تفك الرموز، وتدع كل تأويل جانبا. إن حقيقة السر, سره هو، هي المكان الهندسي لكل التأويلات.

    لقد حدد Albert هذا المكان, وهو يدرك بأن هذا الكتاب هو متاهة مطلقة الدخول فيما يعني التيه، ويدرك كذلك أن هذه المتاهة هي كتاب, حيث كل شيء يمكن أن يقرأ، مادام كتب هكذا (أو بالأحرى لم يكتب, مادمنا، كما سنرى أن كتابة كهذه مستحيلة).

    فالرواية المتاهية للعلامة " تسوبين " تحل كل مشاكل الحكاية( فداخل حكاية حقيقة يمكن أن نطرح فقط بعض المشكلات).

    "من المعروف أنه في كل القصص كلما عرضت حلول مختلفة يتبنى الانسان احداها ويلغي غيرها، أما في قصة «تسوبين " المتعذرة الحل تقريبا فإنه يتبنى الامكانيات جميعا في نفس الوقت "ص 129.

    إن الكتاب الكامل هو ذلك الذي ينجح في إلغاء مضاعفاتها وكل المسافات البسيطة التي يزعم اختراقها، أو بالأحرى ينجح في أن يمتصها فبالنسبة لأي حدث كل التأويلات تتعايش, فأن يطرق شخص ما الباب في القصة مثلا: فإن سارت الحكاية بطريقة مسترسلة يمكن توقع أي شيء: يمكن أن يفتح الباب أو لا يفتح, أو أن يكون هناك حل آخر إن أمكن إن خدعة المتاهة تنبني على بديهية هي: إن هذه الحلول تشكل مجموعة محددة ولكي توجد الحكاية لابد من اختيار واحد من هذه الحلول, التي تبدو ضرورية أو على الأقل حقيقية ينطلق الحكي ويتخذ اتجاها محددا، إن أسطورة المتاهة تشبه فكرة حكاية موضوعية صرفة تأخذ كل الأطراف في نفس الوقت وتطورها حتى نهايتها لكن هذه النهاية مستحيلة, والحكاية لا تعطي أبدا سوى صورة المتاهة, لأنه محتم عليها اختيار نهاية محددة وهي مضطرة لاخفاء كل التشعبات واغراقها في نسيج الخطاب.

    إن متاهة الحديقة تشبه مكتبة بابل, والكتاب الحقيقي ليس أمامه سوى الاستهلال: إنه منحنا مفتاح المتاهة, موضحا أن الآثار الحقيقية للمتاهة نجدها في شكل الحكاية العابر والمنتهي والمكتمل.

    فكل حكاية فريدة تخون فكرة المتاهة, لكنها تعطينا عنها الانعكاس المقروء.

    لقد استطاع بورخيس أن ينهي برهنته دون أن يسقط في عرض الكتاب الفنطاستيكيين التقليديين (إننا ندرك بأن بلاغة الفنطاستيك قد تبلورت في ق 17).

    في إحدى قصص بورخيس يتحدث عن شخص يدعى Melmoth هذا الأخير يلتقي بشخص ما يحكي لنا قصة حول Melmoth حيث يلتقي... دون أن تنتهي أبدا أية حكاية الأمر شبيه بتداخل الأدراج فالمتاهة الحقيقية هي أنه لا وجود للمتاهة, فأن نكتب معناه أن نفقد المتاهة.

    تتجدد الحكاية بغياب كل المحكيات الممكنة التي من خلالها تختار الحكاية. إن هذا الغياب يعمق شكل الكتاب, ويدخله في صراع لانهائي مع ذاته, إذن فبدل الرمزية المرحة للمكتبة مكان التيه بامتياز، وألغوريا الحديقة التي نضل فيها لشساعتها نعثر على الاليغورية النقدية للكتاب المفقود، الذي تبقى منه فقط الآثار ( موسوعة Tloin).

    " يكفي أن نذكر النظام الذي لاحظناه في المجلد العاشر وهو من الدقة والضبط بمكان حيث تناقضات هذا المجلد الظاهرة دليل على أن المجلدات الأخرى موجودة. (موسوعة -TIOIN بورخيس ص Ficciones - 2.

    إن الكتاب الغائب أو الناقص يظهر بعض الحضور عبر شذراته, فليس عبثا أن نتخيل أنه بدل الكتاب الجامع الذي يجمع كل التوليفات سيكون في الامكان كتابة كتاب واحد ناقص عبره تتفجر أهمية ما فقد:

    " فثمة جدال كبير حول كتابة رواية بضمير المتكلم, حيث ينسى الراوي أو يشوه الحقائق ويسقط في العديد من التناقضات التي تسمح لعدد قليل من القراء لعدد أقل اكتشاف واقع فظيع وتافه " (نفسه ص 19).

    وفي النهاية فكل حيل بورخيس لا تهدف لشيء سوى تأكيدها على امكانية بناء حكاية ما. هذا المشروع يمكننا اعتباره كنجاح واخفاق في نفس الوقت, إذا ما لمحنا أن بورخيس عبر ثغرات ونواقص الحكاية تمكن من تبيان أننا لم نفقد شيئا.

    * النص مأخوذ من كتاب Pour une theorie de la production litteraire لبيير ماشري - فرانسوا ماسبيرو- باريس من الصفحة 277- 285
                  

10-08-2005, 07:40 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة (Re: mazin mustafa)

    up
                  

10-13-2005, 09:05 AM

mazin mustafa
<amazin mustafa
تاريخ التسجيل: 07-30-2005
مجموع المشاركات: 287

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة (Re: عبد الحميد البرنس)

    شكرا البرنس علي اللذة..
    وتاني up
                  

10-13-2005, 01:50 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة (Re: mazin mustafa)

    عزيزي مازن:

    خورخي لويس بورخيس كاتب من أعمدة السرد الأساسية في العالم كما هو موضح أعلاه. وسبق لي أن كتبت عنه إلى الحياة اللندنية ثلاثا. والمشكلة الآن أني مع زحام تلك الرواية أحاول هنا قول كل شيء وفي الوقت نفسه لا أقدر على قول شيء ذي بال. عموما على صعيدي الخاص أفادني هذا الكاتب كثيرا على مستوى التكنيك لجهة الكتابة السردية ك"القصة داخل قصة". عموما أحاول رفع هذا البوست لكاتب قادته حساسيته العالية بفناء العالم إلى القول: "أكتب فقط كي يخف مرور الزمن". أقول أرفع هذا البوست إلى أعلى متمنيا أن يجد جمهوره مكونا في السودان من كتاب شباب وكاتبات شابات على وجه الخصوص. وللأمانة لم أقرأ كل الموضوعات هنا. ولكني أرجو أن يكون هذا البوست بالغ الأهمية في الصفحة الأولى لقراءته في أية لحظة. وأتمنى أن يكون قد حوى "رثاء بورخيس لبورخيس".. ذلك النص الشعري الذي يقول فيه:

    يا لقسمة بورخيس
    سافر عبر بحار اختلفت من العالم
    أوعبر بحر عزلة
    ورأى أشياء رآها الناس... إلخ
                  

10-13-2005, 04:07 PM

ودرملية
<aودرملية
تاريخ التسجيل: 07-27-2002
مجموع المشاركات: 3687

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة (Re: عبد الحميد البرنس)

    سلامات
    وعوافي
    العزيز مازن مصطفي
    واستاذي النبيل البرنس
    (علكن) بخير وصحة ...
    شكرا يامازن علي هذه الهدية الجميلة كونك اجترحت هذه الكتابة الجميلة (لـ - وعن) بورخس..
    فقط وددت رفع البوست حتي يتسني لي وللاخرين متابعته كما ينبغي ..
    وانشاء الله سيكون (ترصد) هذا البوست واحد من مشاريع الاجازة والتي نعول عليها كثيرا في مسالة (القراية الهادئة) باعتبار ان وجودنا في المنبر يكون اثناء اوقات العمل فقط لذلك دائما ما تكون مشاركاتنا مبتسرة وغير ذات فائدة محسوسة(ذي جنس مداخلتي دي) والتي قد لاتفيد الحوار في شي المهم ربما لنا عودة مرة اخري..
    كل سنة وانتو طيبين ..
    وفوق
                  

10-13-2005, 05:06 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20485

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة (Re: ودرملية)

    صديقنا مازن
    كنت اود المساهمة في البوست لكن انشغالي المعروف منعني من ذلك
    ارجو ان تواصلوا البوست,وهو في الاحتفاء بكاتب عظيم
    ولعلها تكون تجربة في التوثيق له كما فعلت في بوستي الطويل عن دريدا
    راجع اللنك التالي
    بوست "وداعا جاك دريدا في السودان"
    محبتي
    المشاء
                  

10-18-2005, 10:24 AM

mazin mustafa
<amazin mustafa
تاريخ التسجيل: 07-30-2005
مجموع المشاركات: 287

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة (Re: osama elkhawad)

    up

    إلى أن أعود بالتفصيل





    مع محبتي
                  

10-20-2005, 01:22 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20485

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
"آمل أن يوجد عالم ذات يوم بلا حدود ومن غير ظلم" (Re: mazin mustafa)


    أفق : السبت 23 يوليو 2005
    "آمل أن يوجد عالم ذات يوم بلا حدود ومن غير ظلم "

    لن تبقى في الليل نجمة
    لن يبقى الليل
    سأموت ومعي حاصل
    العالم الذي لا يطاق

    قبل سنوات من الآن رحل عنا من هذا العالم المتآكل المهزوز أديب مرموق جدا, ففي الرابع عشر من شهر يونيو 1986 توفي الكاتب والشاعر الشهير خورخه لويس بورخيس (jorge luis burgos) عن سن تناهز السابعة والثمانين تاركا للإنسانية جمعاء تراثا خالدا لا يسع المرء إلا أن يقف أمامه معترفا بالعبقرية الفذة والروح الشاعرية الحية.

    ولعل من بين الأسباب الرئيسية التي جعلته يحلق في سماء الأدب، أسلوبه السلس الذي يحطم كل الحدود والحواجز التي قد تنتصب بين المبدع والقارئ، وبهذا الصدد فإنه يقول: "حين شرعت في الكتابة فعلت ذلك بتأثير سحر (كيفيدو) و (لوغونيس Lugones) بأسلوب مزخرف (="باروكي") بينما أنا الآن على العكس أحاول الكتابة بأسلوب سهل بسيط, بأسلوب يطمح أن يكون واضحا لا يحد بشيء بين النص وبين القارئ, الشعر هو خير وسيلة لدي للتعبير، والسبب هو أن قصصي هي مصطنعة بلا مواربة، وعلى العكس أظن بأن أشعاري هي تعبير مباشر عن شعوري وعن وجودي الذاتي, لا أنكر حق النقاد في أن يروا قصصي أفضل من أشعاري, إذ إنني في هذه القصص موجود بشكل ضحل, أقل مما أنا في شعري لكوني إنسانا يحس ويتلاشى إذ يتعذب"

    وبالفعل فقد جاء شعره متدفقا بعاصفة جياشة، ثريا بصور وأخيلة أبدع حقا في التعبير عنها, فقد كان شعرا صادقا ينتشل القارئ من عالمه الخاص إلى عوالم رحبة تتراقص فيها الرؤى والدلالات العميقة, ذلك أن الشعر لديه يعد التزاما واحدا مع الجمال وهذا ما جعله موسوما بمسحة جمالية غاية في الروعة، إلا أن بورخيس يرى بأنه بالرغم من ذلك فهذا لا يعني أن المواضيع السياسية لا يمكن لها أن توحي، فهو لا يمكن أن يدرك "وايتمان" دون الديمقراطية ولا "نيرودا" من غير الشيوعية, ولكن هذا ليس معناه أن على كل شعر أن يتضمن بالضرورة فكرة سياسية "فالشعر يحظى بكل الحرية مع أنه يرفض الحرية. الشعر الملتزم ليس له من معنى، الشعر ملتزم بالشعر, ولكن ليس بأمور جد سريعة الزوال, وجد متغيرة كما هي ظروف مجتمع ما, مع أن هذه الظروف قد تكون موحية كذلك ولكنها ليست الوحيدة".

    والمتأمل في أعمال بورخيس يقف في بعض الأحايين مثل الحيارى ليس بسبب تعقيد أو ضبابية في الرؤية ولكن بسبب بساطة واضحة وقدرة إبداعية خارقة على البوح الشاعري، ففي قصيدته "بأننا لا نعرف شيئا" نجده يقول:
    أنا, أتراني في السهم! والقوس هل هو ممكن؟
    وهذا القوس، أية قمة يمكن أن تكون له, هدفا؟
    ولتبديد هذه الحيرة كما تبدد فقاقيع الصابون نستنجد بقوله "الفعل الجمالي لا يمكن تغييره، فهو أحد الأعاجيب والمعجزات, إذ إن كل شيء هو أعجوبة في حد ذاته إنني أحس بهوى الشعر, بحثت عنه في لغات شتى, في أزمنة مختلفة, أعتقد بأنه إن لم توجد العاطفة فليس هناك من شعر البته" وليس غريبا أن نجد هذا التلازم والترابط الأزلي بين الشعر الحقيقي والعاطفة عند الشاعر الكبير بورخيس وهو الذي أحب ماريا كوداما (maria kodama) وتزوجها قبل شهرين من وفاته موصيا بكل ما يملك، وهي من أصل ياباني وتصغره بأربعين سنة وقد أهداها إحدى قصائده الرائعة التي يقول فيها:
    Quote: كم عزلة في هذا الذهب
    قمر لياليك ليس القمر
    الذي رآه آدم الأول
    سهرات الناس القرنية أتخمته بدموع قديمة،
    انظر إليه، هو مرآتك


    وقد كان بورخيس كوني الثقافة والفكر "فهو كوني وطني" كما قال عنه فيرناندو ارابال فقد كان يردد دائما بأنه لا يعترف بالحدود الضيقة التي تخندق المرء في وضعيات معينة تحد من حريته وتقنن سلوكه وشاعريته فهو يقول "لا أنتمي إلى أي حزب سياسي, ولم تتدخل السياسة في أعمالي الأدبية قط, لعلني فوضوي هادئ وصامت, يحلم في منزله بأن تختفي الحكومات، أنا لا أؤمن بالحدود ولا بالأقطار, هذه الأسطورة الخطيرة تطيب لي, أعرف بأنها توجد الحدود والأقطار ولكن آمل أن تختفي الاختلافات الهائلة في توزيع الثروات, وآمل أن يوجد عالم ذات يوم بلا حدود ومن غير ظلم".

    ورجل كهذا يحمل هذا الفكر الوحدوي الكوني يستحق منا الكثير في ذكرى رحيله المنسية, يستحق منا أن نقف أمام أعماله - على الأقل - وقفة استبصار وتأمل نقدي لاستيعاب دروس في الإنسانية الخالدة, خصوصا وأننا في عهد تفشت فيه أمراض كثيرة توحي بالاهتراء والتعفن.
    فمنظوره العالمي الكوني يظهر بشكل واضح من خلال قاموسه الشعري الذي يستمد مفرداته من معطيات كونية لا ترتبط فقط بنزعة إقليمية أو عصبية قبلية، فمثلا في قصيدة "الأسباب" نجده يتحدث عن بابل وبلاد الكلدان والغانج.. دون أن يتقوقع في منطقة معينة مادام العالم كله يشكل دنياه التي يستقي منه شعره حيث يقول:
    Quote: برج بابل الذي كانت تنظر إليه بلاد الكلدان
    حيات الرمل بلا عدد في الغانج
    شوانغ - شو الفراسة التي تحمله
    التفاحات الذهبية في جزر المغيب
    خطى المتاهة المشردة
    وشاح بنلوب الذي لا ينتهي
    زمن الرواقيين المستدير.

    وهذه السعة في التخيل والتصوير إما تنبع من اعتقاده الدائم بأن "كل أدب هو تخيل أو أنه مع الزمن يصبح تخيلا, لست أدري إذا كان الأدب الواقع ممكنا في الواقع" وعلى كل فقد أهدى هذا الأديب الفذ الكثير لحركية الأدب العالمي حيث أضاف روائع جمة مازالت تبرهن على عبقريته وشاعريته الفريدة التي جعلت العالم كله يهتز في الرابع عشر من شهر يونيو 1986 لوفاته، وجعلت الحكومة الأرجنتينية حينئذ تعلن حدادا رسميا, فهذا النبوغ إنما يعود في عمقه إلى قدرته على تقديم المتعة للقارئ ويولد لديه عواطف في نفسه تسمو به نحو آفاق تنتفي فيها المفاهيم القديمة التي تستحق معاول الهدم والتقويض.

    تجدر الإشارة في الأخير إلى أن الشاعر بورخيس قد كتب قبل وفاته رباعية عن منيته جعل فيها من نفسه أحد رعايا السلطان يعقوب المنصور:
    Quote: لقد مات غير أن هذا جرى في القديم
    فما الفصل حين يحل لنا الموت؟ كل عليم
    أنا من رعية يعقوب سلطان تلك التخوم
    لسوف أموت كما الورد، أو كأرسطو العظيم".


    إذن ألا يستحق منا هذا الشاعر العظيم أن نحتفي بذكرى رحيله؟
    المراجع:
    1- مختارات من الشعر العالمي ترجمة بول شاوول, دار الحداثة, الطبعة الأولى 1990 ص101 فما بعدها.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de