مقال جيد،رغم العنوان : الاتفاق- المهزلة .... هل من صحو شيوعي محتمل ؟؟

Quote: نقلا عن سودانايل الاتفاق- المهزلة .... هل من صحو شيوعي محتمل ؟؟ عزالدين الشريف [email protected] قبل عدة أسابيع اعلنت سلطة الجبهة أنها لن تتفاوض مع التجمع إلا بتحديد تاريخ التوقيع النهائي فيما يخص مفاوضاتها مع التجمع في سابقة لا يمليها إلا المنتصر في ميدان الحروب وعندها لا تحدث مفاوضات بل استسلام وإعلان بقبول الهزيمة. لن نلوم السلطة المصرية على دورها فيما يخص الاتفاق الموقع بين التجمع الوطني وسلطة الإنقاذ لأنها سلطة اعتادت على أساليب غير سوية في العمل السياسي وادمنت التضليل الإعلامي في عالم تحول إلى شقة وهي في كهولتها البائسة لا ترى غير الذي تود ان تراه. السلطة المصرية في حالة تفكك منذ عدة سنوات. وتحاول ان تغطي على تراجع وضعها الإقليمي والدولي بما يشبه ما تم يوم السبت الماضي 18/6/2005م وهي ملمات علاقات عامة منقولة على التلفاز بحضور رؤساء "محترمين" وهي لن تزيد السلطتين إلا بؤسا رسميا، واعلاميا سواء على مستوى شعبيهما أو ما يراه العالم من خلال ذلك. ويبدو واضحا ان مصر تحاول ان تعوض ما فاتها في اتفاق نيفاشا، وهذا أيضا جزء من تضائل وضعها حتى على المستوى الأفريقي الأكثر بؤسا في العالم! من المعلوم ان الحركة الشعبية تحتاج إلى حلفائها في التجمع بالنسبة لوجودها في السلطة وصياغة الدستور والدفع تجاه وحدة البلاد، وهذه مسائل لا يمكن ان تغيب عن التجمع ولا عن الحركة ولكن هل هذا مبرر لعقد هذا الاتفاق؟ ظل التجمع محافظا على مواقفه تجاه سلطة الإنقاذ حتى اتفاق القاهرة الذي عقد قبل عدة اشهر والذي لم يكن غير ملمة إعلامية هو الآخر وكانت هنالك بنود رئيسية لم يتم البت فيها وهي بندي السلطة وقوات التجمع. في اتفاق القاهرة الذي سبق هذا الأخير لم يقدم الوفد الحكومي بقيادة د. ناقع علي نافع أي أجندة ولم يقدم أي وثائق تخص المفاوضات بينما كان التجمع جادا فيما يتصل بالمباحثات وتمت المفاوضات ووفد الحكومة لم يقدم ورقة واحدة وهذا دليل على عدم الجدية والمسئولية كان كفيل برفض مواصلة المفاوضات من جانب التجمع واختتم بـ "هللولة" إعلامية من شاكلة ما تم يوم السبت. إشكاليات التجمع غير خافية على احمد واولها انقسام التجمع نفسه بين خارج وداخل وانتظار الجماهير لحلول الخارج. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الطريقة التي يدار بها التجمع في الخارج غير مجدية ولا تنم عن احترام للديموقراطية خصوصا من قبل السيد محمد عثمان الميرغني. كان يفترض بالتجمع ان يكون بالداخل كلية منذ العام 1999م ويفعل وجوده بين الجماهير ويذكر الجميع إننا "هنا" ولم يحدث شيء من ذلك. قبل أيام غادرت التجمع أربعة تنظيمات وانضمت لحلف مكون من حزب الأمة والمؤتمر الشعبي الذي يتزعمه الترابي، وهذا الأخير لم يقدم ما يدل على احترامه لجماهير الشعب السوداني فيما يخص دوره في انقلاب يونيو 89 والجرائم المرتكبة والنهب الاقتصادي الذي قامت به كوادره. انضمام هذه التنظيمات خير دليل على يأس هذه التنظيمات وعلى عدم فاعلية التجمع في الشارع السياسي بالرغم من ان الانضمام لحلف الأمة-الشعبي يبدو اقرب للانتحار لأن الأخير ما زالت يداه ملوثتان بدم ومال الشعب السوداني خلاف تآمره على الديموقراطية التي يسعى إليها اليوم! وقد يتساءل المرء: ما الذي جناه التجمع من اتفاق القاهرة؟ لا يوجد جسم سياسي يلعب في حلبة السياسة ويستهدف الفراغ، أي لا يستهدف أي نتائج. هذا شيء غير ممكن اطلاقا. ظل التجمع في المعارضة منذ 16 عاما وظل ينادي بإزالة أو تفكيك سلطة الجبهة الإسلامية حربا أو سلما. واستقر به الرأي على التفكيك السلمي بعد تبدل الظروف والمتغيرات والمستجدات الكثيرة التي طرأت على الساحة السياسية السودانية. وارتضى التفاوض سبيلا لحل الأزمة مع سلطة الإنقاذ. وفي نفس الوقت سعت سلطة الإنقاذ إلى تفكيك التجمع لأنه الجسم المعارض الأكبر وأغوت من اغوت، وارهبت من ارهبت حتى شقت غالبية أحزاب التجمع خصوصا الحزبين الكبيرين حينما كان حزب الأمة عضوا بالتجمع. كان قادة الإنقاذ ومازالوا يعتقدون في رجوع الأحزاب إلى الداخل والعمل وفق "ثوابت" السلطة ودستورها ولم يعترفوا بالتجمع مطلقا. لم يجني التجمع شيئا مما حدث في اتفاق القاهرة ويكاد يكون خسر كل تاريخه ورضي من الغنيمة بالاياب كما علق د. حيدر إبراهيم يوم التوقيع على الاتفاق. كان بالامكان الرجوع إلى الداخل ورفض المشاركة في السلطة والوقوف في صف المعارضة في وجه سلطة تتفكك يوما اثر يوم حتى بعد إنقاذ الحركة الشعبية لها. كسبت سلطة الإنقاذ ما ظلت تسعي إليه منذ استيلائها على السلطة ولم تتنازل عن أي شيء فيما يخص المفاوضات وحتى نسبة 14% أضافت إليها الأحزاب التي انشئتها هي "أحزاب الفكة"!!! واقترحت دمج مقاتلي الشرق في الخدمة المدنية!! جاءت اغلب تصريحات قيادات التجمع فيما يخص إيجابياته عن الحريات وقضايا التحول الديموقراطي واصلاح القضاء. ولكن هل يمكن لاتفاق لا يجد أي ضمانات دولية أو إقليمية (حتى البلد راعي الاتفاق يفتقر إلى الحرية والديموقراطية) ويجري مع نظام عسكري ان يضمن منح الحريات واصلاح الجهاز القضائي والتحول الديموقراطي؟ وأين دور التجمع في انتزاع هذه الحقوق؟ وما هو دوره التاريخي تجاه ذلك؟ لم نسمع بنظام عسكري يمنح حريات أو ديموقراطية أو يسعى لإصلاح نظام قضائي افسده عن قصد لينفذ مخططاته. وتجاربنا مع الأنظمة العسكرية في السودان لا تقول بـ "منح" بل بـ "انتزاع" هذه الحقوق. وجود قوات التجمع ضمن الاتفاق والإبقاء عليها طوال فترة الاتفاق خير ضامن على انفاذ الاتفاق كما فعلت الحركة الشعبية. دخول التجمع في هذا الاتفاق يؤدي نتائج إلى محددة: 1- إلحاق التجمع باتفاق نيفاشا الذي بان عواره بثنائيته. 2- لا توجد شروط واضحة مفروضة على سلطة الإنقاذ 3- تدعيم السلطة المهيمنة أصلا على مفاصل الدولة (جيش، امن، شرطة، خدمة مدنية ... الخ). 4- لا توجد أي ضمانات، حتى على القدر اليسير الذي وقع عليه. 5- تضييق مساحة المعارضة ان لم يكن انعدامها كليا بسبب مشاركته. 6- تحميل قوى التجمع اوزار سلطة الإنقاذ. هذا الاتفاق على المدى الطويل يخدم سلطة الإنقاذ ولا يقدم شيئا لقوى التجمع، بل يزيد من البلبلة وسط الجماهير ويثير الكثير من اليأس. لم تكن هنالك حاجة لاتفاق بالطريقة التي تمت وكان بالامكان ان يعود التجمع إلى الداخل دون أدنى حاجة لهذا الموقف الذي ابسط ما يوصف به ضعفه وبؤسه الواضح. التاسع من يوليو القادم كان كفيل برجوع التجمع والعمل من الداخل بشكل طبيعي. إن القوى الثورية ومن بينها الحزب الشيوعي داخل التجمع تحتاج إلى وقفة جادة تجاه ما جرى في الاتفاق-المهزلة حفاظا على مواقفها الحقيقية وحفاظا على وجودها بين الجماهير وحفاظا على تاريخها الذي صنعته بدم مناضليها عبر كل حقب الدكتاتورية التي مرت على البلاد. هنالك حاجة ماسة لفض اليد عن هذا الاتفاق-المهزلة وإرجاع الأمور إلى نصابها. لم يبني الحزب الشيوعي السوداني مواقفه ولم يعتمد طوال تاريخه على التحالفات الهشة ولم يرهن مصيره لقائد لا يقدر الأمور حق قدرها يرضخ لعقد اتفاقيات لا تساوي الحبر الذي كتبت به تحت ضغط استخبارات أجنبية ومكاسب ذاتية اعلاها حلم الرجوع وسط "هللولة" يسمع فيها اللفظ المحبب "عاش ابوهاشم ... عاش ابوهاشم"! 18 يونيو 2006م