|
|
 قصار القامة «تونق- تونق» وراء الادغال: البؤس وجيش الرب ينشران الموت في جبل الرجاف
|
نقلا عن الرأي العام
قصار القامة «تونق- تونق» وراء الادغال
البؤس وجيش الرب ينشران الموت في جبل الرجاف
جوبا: احمد يونس
بين جبل الرجاف الشهير وجبل لادو، تقع قرية «الرجاف» اثنى عشر كيلو مترات جنوب شرق جوبا، في جغرافيا وعرة وثرية وناس بؤساء يقتلهم البؤس ما يمثل تناقضاً واضحاً بين الثراء الفاحش للطبيعة، والفقر المدقع الذي يعيشه السكان، والرعب الذي يقتلهم عشرات المرات يومياً بسبب هجمات «جيش الرب» الذين يسميهم السكان المحليون «قصار القامة» او التونق تونق برطانة قبيلة «الباريا».
الطريق الى هناك يمر عبر الجسر الوحيد الذي يربط ضفتي نهر الجبل الذي يطلق عليه الاهالي بحر جوبا، وهو الجسر الشهير الذي دارت فيه معركة جوبا الشهيرة في العام 1992م وتقول التحصينات وحركة الجنود، ان هنالك امراً ما، الطريق البري يتلوى كأفعى اسطورية ذنبها عند الجسر، ورأسها يلدغ الجبل، الطبيعية الاستوائية بكل ما تحمل من سحر وغموض واثارة للرعب هي سيدة الموقف، الاشجار الضخمة الخضراء والحشائش الطويلة التي تسد المسافات بينها، والنسوة المحملات بالحطب على رؤسهن طول الطريق علامة بارزة تحكي ما وراء الافق.
السيارة التي تقلنا تحاول هوناً مرة وعنفواناً اخرى الوصول، لكن خوراً وربما سيارة تحمل الجند تربك مسيرها، السائق اوشك ان يرجع بنا، قال لو كنت اعرف وجهتكم لما قبلت بالسعر الزهيد الذي اتفقنا عليه، ومن حكايات مرافقنا ظننا ان احد «قصار القامة» ربما يقطع الطريق علينا!.
* فقدان الامل
كانت روزا الام عشرينية اول من جلسنا في كوخها الصغير، اول كلمتها كانت قولها «نحن قاعدين بالصبر» كنا ننتج عيشنا من الزراعة لكن الحرب والتونق تونق حرمونا منها، وصار رزقنا على الحطب، اجمع حزمة حطب من الغابة القريبة واحملها على رأسي الى جوبا، لاشتري بثمنه «كوزين» عيش، لكنها عادت للقول لكن جيش الرب جعل الذهاب الى الغابة مخاطرة كبيرة، لكنا مجبرون عليها فالاطفال لا يعرفون الا جوع بطونهم، فتقرر الواحدة منا الذهاب وليحدث ما يحدث.
ثم اضافت ان جيش الرب قتل ثلاثة من القرية قبل يومين رغم وجود الجيش وقوات الحركة وقوات واني، وزادت كثيرات من نسوة القرية امسك بهن جيش الرب في الغابة، قبل ان تواصل الحديث تلفت حولي لاعرف حدود الغابة من القرية فكلها في نظري غابة، ومن يمسك بها جيش الرب يقطع رأسها ويسرقون «هدومها» ويتركونها عارية.
حين سألناها لماذا لم تنتظر هنا قالت سبق لها ان ذهبت الى جوبا لكنها لم تستطع لانها لا تملك بيتاً ولا تستطيع دفع الايجار فقررت ان تبقى في قريتها «موت موت حياة حياة» واستطردت روزا في وصف فظائع جيش الرب «كانوا يدخلون علينا في البيوت ليلاً، يبقروا بطون البعض، ويقطعوا أذان الآخرين، يطلبون منك الضحك، فاذا ضحكت قتلوك وقطعوا فمك، وان لم تفعل قتلوك وقطعوا فمك، اما الاطفال فيقطعون ارجلهم ويحملونها معهم، ولا ندري ماذا يفعلون بها. روزا قالت ان زوجها كان عسكرياً تزوجها عنوة ايام الحرب، وهو من منطقة الدمازين، وحين قتل في الحرب ترك لها ثلاثة اطفال ولم تصرف لها الحكومة لا تعويضاً ولا راتب تقاعد ولا مخصصات شهيد! قلت كيف تزوجك عنوة؟ قالت بنات كثيرات كان امامهن خياران اما الموت او قبول الزواج فاخترت الزواج ولا اعرف للاطفال اهل، لم احاول ان اطالب بحقوق زوجية لاني بلا عقد زواج نظامي، واهل زوجي ربما يكونون قد اخذوا مستحقاته. قالت ان زوجها اسمه محمد زين كان يتبع للكتيبة «187»، تزوجني وعمري ستة عشر عاماً عندما اوقفني وانا في طريق عودتي من المدرسة على دراجتي.
وبأسى يكاد يطفر من الحديث قالت «تعرف ان هنالك سلاماً» لكن بعد التونق تونق كانت ايام الحرب افضل لنا.
* موت مجاني
تدخلت سوزانا وقالت الثلاثاء الماضية قتل التونق تونق ابن عمي، وقبله قتلوا «3» ثم «9» افراد قطعوا رؤوسهم بالساطور، وبينما فلورا تتكلم تدخل شاب كما يبدو من مظهره انه في السابعة عشرة، وقال لماذا تتعبون انفسكم وتكتبون الاسماء فقد مللنا كتابة الاسماء كل من يأتي يكتب اسماءنا بلا فائدة، ورفض ان يقول اسمه بحسم، حين سألناه لماذا لا تقوم القوات الموجودة بحماية المواطنين من هجمات جيش الرب، رد العساكر يقولون انهم بلا ذخيرة.
ليس بعيداً عن بيت فلورا وروزا يجلس مجموعة من الجنود على الارض وهم يلعبون «الدومينو» قالوا انهم من جنود «واني» والي الاستوائية السابق والحالي، وهم قوات شبه نظامية قاتلت الحركة الشعبية ببسالة مع قائدهم الفريق كلمنت واني، وانهم بلا نمر عسكرية، وان التعيينات تأتيهم ناقصة، ولا تأتيهم مرتباتهم بانتظام، حين قلنا لهم لماذا لا تحمون مواطنيكم من جيش الرب، قال لنا احدهم ساخراً «هؤلاء مثل الحيوان يختفون في الخلاء» ونستطيع ان نطاردهم لكن لم تصلنا تعليمات بذلك.
* مدرسة وحائط صد
وتحت ظل شجرة في فناء الكنيسة يجلس الاب بول بوكسو، حارس كنيسة الرجاف التاريخية، الاب بول يبلغ من العمر «88» عاماً، حين جلسنا اليه كان يرتجف وهو يتحدث دون ان ندري من الجوع ام من السن، لكنه قال انه يعتمد على «المديدة» في غذائه، اول كلمات قالها لنا ان جيش الرب افسد عليهم السلام، وهو لا يعرف لماذا يقتلون الناس «سمبلة» هكذا قالها، ثم تنحنح الاب بوكسو وقال «اتفاقية قرنق كويس خلت ناس واحد» ونريد من حكومة الشعبية اذا كانت جادة في حديثها عن السلام ارجاع جيش الرب الى بلدهم يوغندا ثم زاد نحن منذ العام 2002م لا تعرف عيوننا النوم، وعندما انتهت الحرب زدنا سهراً بسبب هجمات جيش الرب.
يبرنارد لادو مدير مدرسة الرجاف الاساسية قال ان تلاميذ مدرسته كان عددهم «300» طالب في كل الصفوف لكن بعد دخول جيش الرب هجر الناس القرية وتراجع عدد التلاميذ الى «159» الآن، واضاف لقد شرد التونق تونق اهل القرية اما الباقون فهم لا يستطيعون النوم في بيوتهم بل يتجمعون في فناء المدرسة حتى يحتموا من هجماتهم الليلية.
حين سألناه هل شاهدت التونق تونق قال نعم امس هجموا على منزلي وانقذتني منهم قوة السيد المسيح، لولاه لكانوا قضوا عليّ، اخذوا كل ملابسي وممتلكاتي وتركوني بلا شئ!
* مع الضحايا
وفي مستشفى جوبا التعليمي يرقد فاقداً الوعي المواطن هيلاري قوري، قال مرافقه والممرضة المشرفة ان التونق تونق هجموا عليه في البيت حوالى الساعة الحادية عشرة ليلاً، وضربوه بالساطور في اربعة مواضع في رأسه، واضافت الممرضة ان حالته الصحية متأخرة اربعة جراح كبيرة في الدماغ وتتم تغذيته عبر الانبوب، وزادت كان حصاد هجوم الاربعاء في منطقة الرجاف ثلاثة مصابين بينهم امرأة وزوجها قتلت الزوجة في بيتها على الفور، ولحق بها زوجها في المستشفى.
* تبريرات
وقال مصدر امني رفض ذكر اسمه ان عدد قوات جيش الرب تراجع في الفترة التي اعقبت توقيع الاتفاقية الى حوالى الـ «500» جلهم من قبيلة الاشولي اليوغندية ثم عاد ليقول جوزيف كوني كسب اعداداً اضافية واصبحت قواته تربو على الألف، حيث قلت له كيف لا تستطيع ثلاثة جيوش «القوات المسلحة، الجيش الشعبي لتحرير السودان، القوات اليوغندية التي عبرت الحدود لقتال جيش الرب» القضاء على مجموعة مقاتلين لا تزيد على الألف وصف القوات اليوغندية الموجودة في السودان بأنها مسمار جحا وقال انها تصر على مقاتلة جيش الرب لوحدها اما قوات الحركة فالخيارات التي لديها تتمثل في قبول جيش الرب الخروج طوعية من السودان او ان يقاتل ويخرج بالقوة ثم اضاف نقاط الضعف الرئيسية في موضوع جيش الرب هو عدم سيطرة القوات المسلحة على الحدود بين يوغندا والسودان، ولا مبالاة القسم السوداني من قبيلة الاشولي التي ينتمي اليها جيش الرب بما يفعله ابناؤها اليوغنديون.
* ماذا بعد
تعيش اعداد كبيرة من المواطنين في جغرافيا وعرة وديمغرافية شديدة التعقيد ما يجعل استقرار الاوضاع الامنية صعباً «لكن يجب ان يصل السلام للجميع ويجب ان توفر الجيوش والحكومات العيش الآمن للمواطنين لاسيما ان شعارات السلام تملأ الاثير المحيط بهؤلاء الناس الذين يرون ان وضعهم كان افضل قبل توقف القتال.
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست