|
رقْصُ العصفور
|
رقْصُ العصفور
شعر :عبد الجبار الدوري
والناسُ نيامٌ..
يصحو الديكُ..
ينطُّ على ُأنثاهُ..
ويهبطُ من جبل اللذةِ
مزهواً..
مدهون َالريش..
هوَ الانَ..
ولا كُلّ أباطرة ِ الرومان ِ..
بهذا العرُفِ المتوهج ِ..
تاجاً مِن مرجان ٍ..
والصدرِ الصاعدِ..
كالمركب ِ فوق الموجة ِ..
والذيل ِ الفوّارِ كنافورة ِ نار ٍ ..
هاهوَ ..
يسترقُ السمعَ
لديكِ المَلأ ِالأعلى ..
يلتقط ُالنبض َ الكونيَّ
يرفُّ جناحاهُ..
يصفّقُ..
ثم يصيحُ ..
صياحَ البطل ِ الفاتح ِ..
والناسُ نيامٌ..
أو نصْفُ نيام ٍٍ..
* * *
يتخلّى عن أخرِ الليلُ..
وينزلُ
أو يتنازلُ..
عن عرش ِ المملكةِ السوداء ِ..
بلا أوسمةٍٍ
تكشف عن ساقيها امرأةُ من النارِ الأزلية..
تكشفُ عن نَهدَيها..
تخلُع ثوب النوم ِ الكُحليَّ..
وتمشي في أروقة ِ القْصرِ المَلَكيَّ..
لتجلسَ فوق العرش ِ..
مَليكة َ يومٍ آخر ِ..
من أيام البحرِ..
ونصحو نحنُ..
نزيحُ ملاءات ِ النوم ِ..
ونتركُ دفءَ أسرّتنِا..
لجواري الأحلام ِ..
ونُبحُر ثانية ً..
إمّا بمجاذيفَ..
تمشّط ُأعراف َ الموج ِ..
وإمّا بشراعات ٍ..
تتنفسُ في غَبَش ِ الفجر ِ..
ضباب َ البحر..
متى أوّلُ عهد ٍ ليْ بالبحر ِ..؟
متى افترقَتْ..
أوّلَ ما اقترفتْ..
سفني الابحارَ مع التيارِ..؟
سألتُ الساعاتِ الرمليةَ آلافَ المرّاتِ..
وذاتَ نهارٍ..
جرَفتْ ساعاتِ الرمل ِ الريحُ ..
فما عُدتُ..
ولا عادَ البحارةُ مثلي..
نجلسُ أعواماً..
نتأملُ في الأقداح ِ المقلوبة ِ..
والرمل ِ السيّال ِ..
وهاهيَ أشرعتي..
في عرض ِ البحرِ تهيمُ..
هيام َ الأرواح ِ المحكومةِ بالتيه ِ الأبديَّ..
فلا للنارِ..
ولا للجنةِ..
تبحثُ- مثلي – عن باب ٍ..
اخرج ُ منه الى الجنةِ..
أو أخرج ُ منه الى انارِ..
سَوَاءٌ ..
فالعصفورُ يموتُ بلا اشجارٍ
واللؤلؤُ رملٌ لاغيرَ..
بلا محّارٍ..
وبلا مجرى ًوضفافٍ..
هل تتسّللُ أسرابُ البط َّ..
الى أنهار ٍ..؟
وأنا أبحث ُ عن شجرٍ..
عن محّارٍ..
عن انهارٍ ..
عن باب ٍفي هذا السُّور ِالصَّلْدِ ..
فحيناً..
بحبال شراعاتي أتعلّقُ
تذبحني الريحُ ..
وترميني للحِيتان المفترساتِ..ِ
وأحياناً..
أستلقي فوق الخَشَبِ الرطْبِ
وأنتظرُ النجمَ الثاقبَ..
تحت المطرِ الهاطل ِ..
طول الليل ِ..
وقد أتسلّقُ حتى برج ِ الصّاري الاعلى..
أُطلقُ للآفاق ِحماماتي..
عشرةَ أعوام ٍ..
أو عشرينَ..
فما لم يسقطْ من عَطَش ٍفي البحرٍ..
يؤوب اليَّ..
بلا نبأٍ من سَبَأٍ ما..
* * *
ماذا قالَ قُدامى البحارة ِ ليْ مِن قَبْلُ اذَنْ..؟
أين شواطئ تلك الجزر ِالمفرشة ِبالحوريات ِ..
يُلَوِّحْنَ ..
بأيديهنَّ المنحوتة من بلّورٍ..
أو يسكبنَ على زَبَدِ الماء ِ..
جِرار َخمورٍ..
أو يستلقينَ على فَرْوِ أسرَّتهِنَّ عَرايا..
أو يتواثبنَ أمامَ البحارةِ ..
نحوَ الخلجان ِ ..
دلافينَ من الفَضّة ِ..
يأخذنَ بهم..
لقصورٍ فارهةٍ
ورحابٍ ..
ومسابحِ طِْيبٍ ..
وثياب ٍ..
شَفّتْ فكأنَّ الأجسادَ ..
بغير ِ ثيابٍ..
وموائدِ فاكهة ٍ..
وشرابٍ..
مُْلكٌ لا يفنى هذا..
وشبابٌ موصولٌ بشبابٍ..
ذلك ما قال قدامى البحارةِ ليْ..
في أوّل ِعهدي بالبحر ِ..
وها أنا في عامي الستين ..
أجوبُ فيافي البحر ِ..
أفتشُ عن واحدة ٍ من جُزُرِ الله..
وبين يديَّ..
مئاتٌ من أوراق ِ البرديَّ ..
وألواح ِ الطين ِالمشويَّ ..
ومخطوطات ِ السفن ِ الفينيقية ِ..
بين يدي َّ..
نواظيرُ..
وأساطرلاباتٌ..
وخرائطُ ..
معتكفاً معها مثل َ دراويشِ الصّوفيةِ..
أقضي الأعوامَ ..
أضيفُ الى آلافِ الأرقام الأرقام ِ..
وأعرفُ أني ..
لم أعرفْ منها الشرقَ ..
ولا الغربَ ..
و لا من أين يطيرُ شمالٌ..
أو أين يحطُّ جنوبٌ ..
لم أعرفْ منها قطُّ ..
مواقيت َ هبوبِ الريح ِ..
فأرخي أشرعتي ..
أو أوقات هطول الأمطار ..
فاطويها..
لم اعرفْ أين تقودُ السفنَ الأنجمُ ..
أو أين تميلُ بها الأقمارُ..
ومَن يدري – مهما فكّرَ-..
ماذا تخفي للأعمى في التيهِ ألأقدارُ..؟
لقد تعبَتْ من طيش ِ الريح شراعاتي ..
وترامَتْ..
كفروع الأشجارِ مجاذيفي ..
فمتى أرسو في أحدى الجزر ِ المنسيّةِ ..
تعشقني أحدى الحوريات ..
تغنّي ليْ..
تستدرجُ أقدامي بالمزمارِ السّحريَّ
تريح ُ على ثدييها رأسيْ ..
تسقيني من ماء النبعين ِ العذب ِ..
وتغسلُ قلبي بالثلج ِ..
وتُعلنني مَلِكاً..
لا يترجّلُ عن رأسيْ التاجُ ..؟
الليلُ قريباً سوف يمدُّ عباءتهُ..
ويلفُّ قرىً وبساتينَ..
وثانية ً..
سينط َّعلى أنثاهُ الديكُ..
ويغفو..
فوق سريرِ الُمْلكِ ..
وموتى سوف ينام ُ رجالٌ ونساءٌ..
كجذوع ِ الاشجارِ المرمية ِ في الانهار ِ..
وفوق العشب ِ النائي ..
سينامُ العشاق ُ..
فحيناً تعُبقُ رائحةُ الشَمْع ِ..
وحيناً..
رائحةُ الطَلْع ِ..
ويُكمل ُدورتَهُ البدرُ..
وَحَولَ الأحلام ِ..
تلفُّ الأكمامَ عيون ُ جميع النوّام ..
ووحدي أبقى في البحرِ..
أدورُ ..
أدورُ..
دُخاناً في كُرةِ البلّورِ ..
وعصفوراً..
يرقصُ في قفص ٍ..
ماذا ينفع ُعصفوراً في القفص الرقصُ ..
أذا مذبوحاً ..
|
|
|
|
|
|