كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
|
 رسالة خاصة من الصاوي الصديقات و الاصدقاء لا ازال حيا و اقرئكم السلام
|
سلام جميعا
اخونا و صديقنا العزيز الصاوي يوسف عضو البورد ارسل لنا رسالة خاصة اناو معي الكثير من الاخوات و الاخوة.. و لان الرسالة قطعة نقدية و لغوية ساحرة... و فيها تجربة عميقة لمهاجر، عاد من الغرب كي يعانق ربوع بلاده على الرغم ما فيهامن اشكالات فقد وددت ان اشرككم في عالم هذا الرجل الصديق الذي كتبت عنه مقالا عبر بوردنا هذا.. في وقت مضش..
الا تحية لك يا الصاوي اينما حللت
اخوك امجد ابراهيم
أخواتي وإخوتي وأحبابي
سلامات يا ناس يا رايعين. الصاوي ما زال حيا يرزق ويسأل عن اخباركم
بعد احتفالكم الرائع بي في ربيع العام الماضي، عدت للسودان. وبقيت انتظر الربيع لأكمل عامي الاول، ثم ارسل لكم تقريرا عن الوضع، ولما بانت تباشير الخريف الكردفاني أدركت انني كنت انتظر ما لا يأتي، وأدركت ان الربيع قد جا وفات، وانني قد اكملت العام وازددت بضع اشهر. وها أنا أحاول ان اقول كلمتي
خلاصة الامر أنني سعيد جدا بقراري بالعودة. وبوجودي في السودان في هذه اللحظة.
عندما حضرت، بقيت في البداية في الخرطوم، محل الرئيس بنوم والطيارة بتقوم والقروش بالكوم. أما الرئيس والطيارة فقد رأيناهما ولم يغنيا عنا شيئا، وأما القروش فوجدناها تشغل الناس عن انفسهم، ذُهلت كل مرضعة عما أرضعت وصار الناس كلهم سكارى حقا، لا يدرك الواحد من هو وماذا يريد، يجرون كلهم كجري القوم في قصة بشرى الفاضل الشهيرة يبحثون عن الاوراق، أوراق النقود في هذه الحالة. حتى ان الواحد منهم لا يسأل نفسه ماذا يريد بهذه القروش وماذا ستحقق له من رضا نفس او سعادة او إشباع لحاجات ضرورية وملحة. جريت إذن مع القوم، جري الوحوش، وصرت أعمل في عدة أماكن: عيادة في طيبة الحسناب، حوالي 20 كيلو جنوب الخرطوم، آل كلاكلة آل، وعيادة في الرياض، في الجريف حقيقة لكن فاتحة على شارع الرياض، ومستشفى خاص في العمارات، وعيادة تابعة للتأمين الصحي في العرضة، ومستشفى في أم بدة ثم عيادتي الخاصة في أم بدة. وصرت أجري بينها، لا كجري الوحوش المفترى عليها، مرة أخري يسعفنا بشرى بالتعبير، بل كجري إمرأة في مأتم مفتعل. ثم لما كاد نفسي ان ينقطع، توقفت هنيهة لأسأل نفسي، أنا جاري في شنو؟؟ اكثر من 4 ساعات يوميا في حر الخرطوم وزحمة الكبري وأنا ممسك بمقود العربية، وما أدراك ما حر الخرطوم وزحمة الكبري. وزحمة جميع الشوارع. أكرر جميع الشوارع، بما في ذلك، مثلا، شارع الوادي في الثورة ما بعد كلية التربية الما وراها ناس، زمان، ودعك عن وسط ام درمان، والشهداء، ولا تطرا لي وسط الخرطوم، ولا أراكم الله مكروها في عاصمة لديكم. إذن سألت نفسي الناس دي متزاحمة فوق كم؟ طيب ما كان أحسن لي أمستردام. صحيح انني هنا بقل أدبي مع بتاع المرور وبتاع الاي حاجة، ببساطة لان بلدنا ما فيها قانون، وهذه ميزة أحيانا، تستطيع بالحنك او بالبنية او بالسلوك المتخلف والمخالف ان تنال ما لن تناله بطرق أخري. وأعترف ان هذه خصلة فينا ولم تزرعها الإنقاذ. وقررت ان أخطو الى الامام، أم هي الى الخلف لا أدري، حسب طريقتك في النظر الى الاشياء. ياخي أنا عايز أرتاح، وأكون مع الناس، لا مع العربات والسواقين والمشاكل المترتبة علي مدينة لم تتمدن بعد، وقرية لم تقرا بعد، وبدو لسه ما بدوش، أو كما قال
ذهبت الى الابيض، وهي للمستشرقين منكم، مدينة صغيرة في غرب السودان، يصر الانجليز الكفرة انها هي سرة السودان ووسطه، فجعلوا فيها من قيادات الجيش ما أسموه بالقيادة الوسطى، وتصر الامم المتحدة الان انها هي سرة السودان ووسطه، ولما جاءت بقواتها المرسلة لحفظ السلام في الجنوب والشرق، جعلوا رئاستها في الابيض، فتأمل. ما علينا. المهم ذهبت الى الابيض، حيث لا رئيس ولا طيارة الا طيارات الاغاثة في طريقها الى دارفور، وحيث لا قروش، ولا موية ولا كهرباء الا بالصرفة، ولا طرق ولا مشاريع يفتتحها الوالي المتعافي كل يوم. ولكنني سعيد رغم ذلك بكل ما فيها. لن يستطيع الاوغاد ان ينتزعوا سعادتي ولا ان ينتزعوني منها بعد الان. جلست الى ستات الشاي الطيبات، والحاجة ست اللبن ذات اللهجة البقارية المحببة والنكتة والطرافة، والى المعلمين والميكانيكية في المنطقة الصناعية، يضحك الواحد منهم حتى يعديك، كأن عندهم مصنعا للفرح، يضربون الحديد وهو ساخن وآخر اليوم يحملون ما تيسر لأسرهم وينامون وهم مرهقون. تلك حياة يحبها الله ورسوله. جلست الى أهلي رعاة الغنم، حشاشة الدخن، طقاقة الصمغ، بناة القش، زراع البصل، والجالبين الحطب والفحم والحبال علي حميرهم وجمالهم، والى اخواتي تاجرات الخضار وبارشات البروش وناسعات النسع وشايلات صفايح الموية وقربها على رؤوسهن. ما أحلاهن. شالن لينا الهم بالجملة. ونحن ما معاهن. جلست الى أهلنا الحلب البدقوا الحديد. هذا هو إسمهم وليس صفتهم. لم يأتوا من حلب كالشوام أصحاب الاسم، ولا يعرف من أين جاءوا، يسمونهم الغجر في بلدان أخرى. ولكنهم هنا سودانيون أصيلون. من الرابعة صباحا، وهم جيراني، يبدأ دقهم علي الحديد وهو ساخن، جلست اليهم فلم يؤذوني بنفخ كيرهم ولا بريح غير طيب، بعد أهدوا لي سكينا أسلخ بها الضحية والكرامات، واشتريت منهم الطورية والفاس والحشاشة وغيرها. جلست مع الفراشين والفراشات في سوق ابوجهل، الفراشات يا خوانا بتشديد الراء وليس تلك الحشرات الملونة، وهم وهن اللائي يفرشن السلع علي الارض. نبق وقونقوليس وعرديب وقضيم وويكة وشطة ومنتجات السعف والمساويط والطباقة والفحم واللالوب والدوم والقرض وغيرها.
أعمل في عيادتي الخاصة فقط. ساعة واحدة بالصباح وحوالي ساعتين ونص بالمساء. وأعطى بعض المحاضرات في الجامعة والمستشفى. التدريس ممتع وانا أجد فيه الكثير من الالهام والتحفيز، ولكن مستوى الطلاب محبط، مقارنا طبعا بما كنا نعرفه زمان، أما مقارنا مع امكانيات الجامعات الان، والفهم السائد في المجتمع الان، فهم معذورون. أشعر بالراحة لانني رئيس نفسي. رغم كثرة الالتزامات خاصة الاجتماعية، الا انني أجد ان وقتي صار مفيدا ومنتجا. ابرمج حياتي ووقتي بالشكل الذي يروقني. أعمل أكثر حين أجد في نفسي طاقة ونشاطا، وأقلل الايقاع حين أجد انني مرهق او قليل الطاقة والقدرة والرغبة. وبذا انا جد سعيد وحامد وشاكر لربي.
أجلس بعض الاوقات لأقرأ، للأسف ليس عندي الوقت الكثير للقراءة، ولكني أتفرج علي الصور وأتصفح الجرايد. وكلما تفرجت علي الصور شعرت بانني أفقدكم يا أصدقائي وراء البحر ووراء العالم ووراء المدار والشمس. أحيانا أغبطكم على جوكم البااااارد وكهربتكم التي لا تقطع والمرور المنظم في شوارعكم، وأحيانا أرثي لكم لجوكم القاتم المظلم بلا شمس ولا دفء، وناسكم الباردين وحياتكم الروتينية الخالية من ناس السوق وناس الحي وناس ابوجهل وناس المنطقة وناس الاهل وناس حبوبتي وعمتي وخالتي. ولكني في كل الاحوال مدين لكم. وأعيش بكم في داخلي. أصدقاء يجعلون للحياة طعما أحلي وأعمق. ورفاق درب لم نكمله بعد وان كنا نأمل ونعشم ونرجو، ونورا يضئ لنا لحظات الظلمة لأن حب الناس هو كنز لا يفني ولا يخلق من العدم، ولا يمكن تمثيله او اصطناعه، ولأن مكانكم عندي سيظل خاليا حتى يمتلئ بكم يوما، ان شاء الله، نرجو ان يكون قريبا.
السودان من نواح كثيرة هو هو، لم يتغير. ولكنه تغير أيضا. هناك أجيال جديدة اهتماماتها مختلفة وثقافتها مختلفة. الفنان الاول في السودان تسمى نانسي عجرم وعرفت انها من لبنان. شباب كثر يغنون في الحفلات غناء لا أعرفه، نصه حبشي ونصه ما سوداني، وبعضهم يغني ما يسميه اغنيات فرفور مثل "إنت صاحي ولا نايم" او اغنيات عصام محمد نور مثل "الشوق والريد" !!! هذا مبلغهم من علم التاريخ، ودعك عن الغناء. الناس في الاقاليم البعيدة والارياف هم هم، لم تتغير طباعهم وطيبتهم وأصالتهم، رغم دخول تلفونات الثريا اللاسلكية والبكاسي الكثيرة، ولكن الناس في الخرطوم أصابهم السعار وراء المال السريع جدا، ونسوا الدنيا وما فيها من متع اخري وطيبات غير ارقام الحساب في البنك، وتعلقوا كثيرا بالمظاهر. صدقوني ليس في الخرطوم فقير رغم انهم كلهم تحت خط الفقر وفوق خط الاستواء الساخن. الفقير عندنا يحمل تلفون موبايل آخر موديل مع النغمات البوليفونية والاغنيات والمدايح وهذه تكلف الاف الجنيهات لتعبئتها وصار لها سوق رائج، وهم يضحكون علي لان تلفوني ليس فيه سوى القدرة علي اجراء المكالمات !! والفقيرة تلبس من الدهب ما يكفي لشراء دبي كلها، والشابة الفقيرة المسكينة دخلت حفلة ايهاب توفيق وحفلة كاظم الساهر، سعر التذكرة 200 دولار. اكرر: دولار. مشكلة السودان مشكلة أولويات، لكن ما علينا
المقتدرين عالم تاني. لم أر سيارات بهذه الفخامة والكثرة لا في لندن حيث تصنع الرولز رويس ولا في برلين حيث تصنع البورشه والبي أم دبليو. سيارات ذات دفع رباعي، حجم محركها 4 لترات ونصف وأكثر. مثل هذه عندنا في هولندا، ضريبتها الشهرية بس ممكن تشتري ليك سيارة من ذوات ال 1300 سي سي!! أسعار العقارات وايجاراتها في الخرطوم اسطورية. شاهدت منزلا بسيطا من طابقين في العمارات، قالوا بمليون دولار. أكرر دولار. يعني ثمن 4 شقق في لندن من النوع الذي اشترته مادونا وكتبت عنه الجرايد!! وما يعادل منازل شارع كامل في روتردام. هذا كله في مدينة ليس فيها شوارع، ولا مجاري، ولا أرصفة، ولكن فيها "يحزنون". كثيرة جدا. عادي تسمع إيجار بيت بي 10 أو 15 ألف دولار، أو بيع ارض ب 500 مليون جنيه، أو منزل بثلاثة مليار جنيه. اللهم زد وبارك. ماني حاسد بس بغران
كلما نظرت الى التصاوير، او استمعت الى الغناء، خاصة قلت أرحل ويا شعبا لهبك ثوريتك، ذكرت ضياء الدين، ذلك العبقري الموهوب والملحن المدفون في ظلمات اوروبا وبردها. كان ممكن يعمل ثورة في غناء السودان لو عاش معانا هنا ولو بضع شهور، وسمع "دق الباب وجانا وانا جريت ليهو حفيانة" . زمن تافه. لا غنا لا نعلات. أو كما قال
خلاصة كلامي انني مشتاق لكم. لكن ليس في هولندا. بل هنا والآن. ويا ريت كل منكم يخطط لاجازة. مجرد اجازة. يزورنا فيها في الابيض حتى نتمتع بكم بضع لحظات سراع. صحيح أنكم ستعانون من الدسنتاريا (بسبب الموية الملوثة والمعدومة) والملاريا (بسبب الموية الكثيرة المدفقة في الشوارع! شفتو كيف؟!) ومن شنو ومن شنو.. لكن لا يهم. كلها ضريبة كم يوم تدفعوها معانا. وعشان تعيشوا حياة. حياة الناس السودانيين في أرض المليون ميل الواسعة المترامية. مرة سافرنا باللواري انطلاقا من حمرة الشيخ في أقصي شمال كردفان، متجهين الى ليبيا، عبر شمال دارفور، فوصلنا الحدود بعد 7 يوم من السير المتواصل ليلا ونهارا، فقال محدثي: والله الناس ديل ما قاسوا السودان دا صاح.. هسع دي براها ما مليون ميل. ودي مديرية واحدة!! عشان كده الاخبار تعرِّف دارفور هذه الايام بانها ولاية في حجم فرنسا. هولندا فيها 580 بلدية و12 ولاية. ونحن عندنا 25 ولاية شايفنها كثيرة. ونحن عندنا ما يعادل 75 هولندا في المساحة. وفي المساخة برضو
سأرسل لكم صورا من كردفان في الخريف، وهي الوقت الوحيد الذي تكون فيه أجمل من هولندا حتى من ناحية الخضرة. طبعا من ناحية الوجه الحسن والشمس والضياء والجبال نحن أصلا أحسن وأجدع ناس. ومن ناحية الموية، الما بتلحقوا جدعوا، نحن الحمد لله ما عندنا مشكلة فيضانات ولا دايك ولا دام
خطتي الحالية أنني سوف أنتقل، قريبا باذن الله، الى قريتنا في شمال الابيض لأعمل بالزراعة، ويبلغ الحلم تمامه، والسعادة ذروتها، وأموت كما تموت العير، لا بحادث حركة مشؤوم ولا بد
ولكم الحب ما بقي فينا قلب ينبض
أمجد. وعيسى. وأحمد. وعثمان. وعبدالله. وعفاف. وأحكام. وضياء. وحازم. ومجاهد. وسامي. ونصرالدين. وبقية الكرام والكريمات
أما توينا. فخليها في كوم براها
وربنا يقدرنا على جزاكم. بس بي حفظ الود والجميل. أما الجزاء فهو متروك لله، يديكم حتى يرضيكم. ويخليكم. ويعليكم. آمين
الصاوي
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: رسالة خاصة من الصاوي الصديقات و الاصدقاء لا ازال حيا و اقرئكم السلام (Re: Amjad ibrahim)
|
امجد ابراهيم ..... وينك يا مان ؟؟؟؟؟؟
كويس انك انت برضو حى !!!!!
الصاوى
| Quote: مدينة صغيرة في غرب السودان، يصر الانجليز الكفرة انها هي سرة السودان ووسطه، |
ودى حقيقه جغرافيه يجهلها الكثيرين انو فعلا يا الصاوى الابيض هى
وسط السودان .....!!!!! لكن بالتهميش المتتالى عليها دا اعملو حسابكم
ممكن بعد سنه تمرقو بره الخرطه .... الغرب هين !!!!
رساله جميله يا الصاوى وجاياك راجعه يا مصطفى سعيد !!!!!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: رسالة خاصة من الصاوي الصديقات و الاصدقاء لا ازال حيا و اقرئكم السلام (Re: Amjad ibrahim)
|
سلام جميعا
شكرا الاخوة ود قاسم، الكيك، هميمة، ضياء ابو جهينة
فعلا الصاوي رجل صادق مع نفسه و مع قناعاته، زرته في فبراير الماضي في الابيض و دار حامد، و اخبرني برغبته الحقيقية في العودة الى ارض اباءهن و الالتحام بناسها و ارضها، لانه يؤمن ان دور المثقف ان يلعب دورا ايجابيا في ترقية محيطه، و هو لا يقذف الكلام على عواهنه، و عندما يتكلم عن المثقف يعني نفسه و الاخرين، بل يضع نفسه في مقدمة من يعنيهم الامر و يتقدم الجميع لتنفيذ ما اقتنع به، لقد تقدمنا في الرجوع الى السودان، و تقدمنا في العودة من الخرطوم الى الابيض، و سيتقدمنا دون شك في العودة الى دار حامد...
بذلك يقدم نموذجا يحتذى به.. و يفتح الباب على مصراعيه... امام الجميع لذلك
و فعلا التشبيه بمصطفى سعيد وارد هنا لكن الصاوي رجل يفوق مصطفى سعيد في الالتزام الاخلاقي و الاتساق الروحي و الفكري..
تمنياتي لك يا صديقي بتقديم نموذجا نتبعه جميعا
و اذكر كلامك في تلك الامسية جيدا، ان قرار العودة هو قرار موضوعي و يمكن ان نتفق حوله جميعا... لكن يظل توقيت العودة مسألة خاصة جدا تحددها الكثير من الظروف...
تحياتي لكم جميعا مرة اخرى
امجد
| |
|
|
|
|
|
|
| |
ودقاسم
الكيك
ابو جهينة
altahir_2
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست