| 
  
  | 
  
  
     رحيل العقيد .... بعض أسرار 3-3 ... 
   | 
   
   
   حسن ساتي يحدثني مولانا محمد عثمان الميرغني أنه وفي أحد زياراته لدولة الأمارات العربية المتحدة منتصف التسعينات، التقى حكيم العرب رئيسها الراحل الشيخ زايد بن سلطان ، فبدا الشيخ الحكيم ، كدأبه ، مهموما بما يحدث في السودان، ووقتها كانت حمى الخلافات بين التجمع والحكومة في الخرطوم في أوجها ، قال الشيخ زايد لمولانا الميرغني : أنا مهموم وحزين لما يحث للسودان وبين السودانيين ، ما رأيكم في أن تستضيف دولة الأمارات مؤتمر مصالحة جامع لفرقاء السياسة السودانية علنا نجد للسودان وأهله مخرجا يقيهم شرور ما هم فيه؟ .  فقال له الميرغني بدبلوماسيته الحصيفة، اعطني فرصة يوم واحد لأعود اليك بالإجابة، لأنني أرأس فصائل مختلفة التوجهات ( الإشارة هنا للتجمع الوطني الديموقراطي الذي يرأسه ) .  ومضى مولانا يقول لي ، كان أول اتصال أجريته بالعقيد جون قرنق ، وحين شرحت له الأمر ورغبة شيخ زايد ، لم يتردد للحظة وإنما قال وعلى التو : يا مولانا شيخ زايد دا كبير العرب وحكيمهم ولازم نسمع كلامه . ومضى مولانا ليقول : ولكن رمزا في الطرف الآخر من الإنقاذ أجهض الفكرة ( أحجب الإسم رغبة مني في عدم صب الزيت على نيران قائمة ).  أي ثائر هذا الذي يدحض لك كل تلك الفوارق التي تشاع بين حركته والعرب ، وأي أدب جم هذا الذي يوقر الكبير سواء بحساب السن أو المكانة . وللعلم أعادتني عبارة قرنق تلك الى حديث للزعيم نيلسون مانديلا بالبيت الأبيض في خضم فضيحة مونيكا لوينسكي ، سحر الحاضرين بدفاع مبطن عن كلينتون ، وروى لهم ما يجبر على الأخذ بنصيحته وقال لهم أن رئيس زامبيا السابق شالوبا ، وحين نختلف معا في أمور ، يرضخ في النهاية لرأيي مكتفيا بالقول : سيد مانديلا لدينا حكمة قروية ورثتها عن أهلي تقول : ''لا تتحدى رجلا عجوزا '' Do not challenge an old man  وكأن لسان حال مانديلا هنا كان لا تتحدوني وخذوا بنصيحتي أو آرائي حول كلينتون لأنه رجل إيجابي ، ومضى ليقول لهم أن هذا الرجل العجوز الذي هو مانديلا ، معجب بهذا الشاب كلينتون لأنه حين أتاني في أفريقيا قال لي : يجب أن نعيد ونصحح تركيبة السؤال المطروح ماذا نعمل لأفريقيا لنجعله ماذا نعمل مع أفريقيا ، والترميز هنا يذهب لتخطي '' المساعدة '' الى  '' المشاركة '' ، وهناك فرق بالطبع .  ويحدثني مصدر آخر وشاهد عيان على إجتماع مغلق للتجمع ، حاول فيه مبارك الفاضل هذا العاشق للتمرد كيفما اتفق ، أن يستفز رئيس التجمع محمد عثمان الميرغني على تصرف سياسي  تصرفه كرئيس للاتحادي الديموقراطي ، ولم يشأ الميرغني أن يجاريه ، فغضب جون قرنق ، وتصدى لمبارك قائلا : شوف يا مبارك ، مولانا ده عنده ثلاثة طواقي ، رئيس التجمع ورئيس الاتحادي الديموقراطي وزعيم طائفة الختمية وهو حر في أن يلبس أيها .  نحن هنا مرة أخرى أمام رجل يوقر الكبير ، بالسن أو الزعامة ، بل ويعرف أن هناك مساحة للزعامة الصوفية والتي يعتبر التطاول عليها غير مقبول بأخف العبارات وصفا للتطاول أيا كانت سياقاته .  أمر محزن أن يتوخى حمام الموت على رأي الشاعر إبن الرومي هذه الشخصية الفذة ، مثلما كان قد تخير أوسط أبناء ابن الرومي فرثاه قائلا:  توخى حمام الموت أوسط صبيتي ...  فبالله كيف اختار واسطة العقد ..  ومعه نقول، كيف إختار الموت (واسطة عقد سلام ) لم يشب عن الطوق بعد هو العقيد الراحل قرنق ، ليترك مسيرة السلام برغم كل ما يقال عن التمسك بها قولا ، وحتى لو تتبعه الفعل ، مذهولة مكسورة الخاطر والوجدان ، ممسكة بحزن لا أراه سينفك قريبا . وستبدي لنا الأيام ما نجهل ...  ... ووداعا جون قرنق ، وطبت حيا وميتا . 
   
   | 
 |  
  
  
   
      
           
  
 
 
 | 
 | 
   |   
  |