الخرطوم في حالة جمود سياسي محفوف بالفوضى المنظمة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 03:00 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-15-2005, 04:29 AM

من الله

تاريخ التسجيل: 11-29-2004
مجموع المشاركات: 8

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الخرطوم في حالة جمود سياسي محفوف بالفوضى المنظمة

    هيمنة العقلية القديمة أغرقت المرحلة الانتقالية في لجة المساومات
    الخرطوم في حالة جمود سياسي محفوف بالفوضى المنظمة




    حال أحزاب السودان يناقض تماماً الرهان عليها في المرحلة الانتقالية. المأمول كان وجود أطر سياسية موحدة، منظمة ومقتدرة بغية انجاز مهمات المرحلة الأساسية الثلاث، وهي التحول الديمقراطي والوحدة والسلام. بدلا عن ذلك ما من مرحلة كانت أحزاب السودان على هذه الشاكلة من التمزق والتشرذم والخواء والاهتراء وقعود الهمم.


    وبما أن العزائم تأتي على قدر أهل العزم، فليس في الأداء السياسي ما يومض ببريق من الأمل، بل هناك ما يغمر بالإحباط إذ كل خطوة على الدرج تغلِّب الذاتي على الوطني وحين تنفذ الرؤية فإنها تتجاوز الفرد إلى العشيرة أو الفئة ليس أبعد.


    تورطاً في الشخصي فان الأحزاب أضاعت أسماءها السياسية وارتضت حمل أسماء قادتها وما هم بأعلى كعب من الآباء المؤسسين والرعاة الأوائل. كان ذلك جيل الرواد المسلح بالوعي والمشرَّب بحب الشعب والوطن المتجرد من مصلحة الذات، المتنافس على العطاء دون مقابل وبلا حدود وما كان ثمة حزب يحمل اسم احد من أولئك العمالقة وربما كان يزينه آنذاك. لكن كلا منهم التزم مقعده حيث هو، وساهم في رفعة أسهم حزبه وتوسيع قاعدته ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.


    عرف السودانيون الوطني الاتحادي ولم يسم حزب أزهري كما ألف حزب الأمة ولم يكن حزب عبدالرحمن المهدي أو الصديق وخبروا حزب الشعب الديمقراطي ولم يطلق عليه اسم حزب علي الميرغني او علي عبدالرحمن. حتى عندما تعرضت احزاب للانقسام تحت ضغوط خارجية او بفعل عناصر داخلية متباينة ظلت حريصة على الاحتفاظ باسم الحزب الأم واعتبر كل فريق جناحا، ربما كان اعترافا ضمنيا بالحاجة الملحة للجناح الآخر بغية التحليق.


    يعرف السودانيون في هذا السياق ـ مثلا ـ حزب الأمة جناح الهادي وحزب الأمة جناح الصادق. والاتحادي جناح الشريف «الراحل حسين يوسف الهندي» وعرف الحزب الشيوعي جناح عبدالخالق محجوب مقابل المنشقين جناح معاوية سورج.


    ثم أتى حين من الدهر اضاعت القيادات عناوينها المو######## وجاراهم في ذلك رهط من الباحثين عن الزعامات الوهمية فألفنا «حزب الميرغني»، «حزب المهدي»، «حزب مبارك المهدي»، «حزب الترابي» مع أن الترابي نفسه ظل زعيماً لـ «الاخوان المسلمين» ثم «جبهة الميثاق» وما كان أي من الاطارين السياسيين يحمل اسم الترابي. طرأ الجديد في زمن التجزئة الشخصية والانقسامات الاقليمية.


    فطفا حزب الشريف «وليس جناحه» وتنظيم عبدالعزيز خالد وحركة قرنق وبلغ التشظي كل مسار في كل نهار. القراءة الموضوعية يقين على إبانة الفارق الشاسع بين دوافع الانقسامات التي كانت والتي تحدث فحتى حينما كانت النوازع الذاتية هي الكامن الرئيسي وراء الانقسام كان اصحابه يحرصون على التدثر بالمسوحات الفكرية. غير ان غلبة المصالح الشخصية كسرت إطار الادب السياسي وبلغت الجرأة حد التباهي بالمكاسب الشخصية من وراء الانشقاق.


    * هيمنة العقلية القديمة


    تعدد الأسماء وتباين العروض الهزيلة واختلاف امكنة وأزمنة الأدوار لا ينفي هيمنة عقلية يتيمة تدير الانتاج المسرحي السياسي بكامله. هي العقلية نفسها التي ترفع الذات أو العشيرة فوق الشعب او الوطن. كيلا نستغرق في التفاصيل يمكن الإشارة إلى نموذجين أولهما العقلية التي أدارت مفاوضات السلام في مشاكوس ونيفاشا.


    افضل الخلاصات التي انتهت اليها تلك المفاوضات الماراثونية تتمثل في اقتسام السودان بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية اذ ارتضى الطرفان اطلاق يد كل منهما في الجزء الذي يعنيه فاصبح الشمال في قبضة المؤتمر الوطني الحاكم مقابل وضع الجنوب تحت امرة الحركة الشعبية.


    اما النموذج الثاني فيتجسد في مفاوضات تجمع المعارضة مع المؤتمر من اجل المشاركة في مؤسسات المرحلة الانتقالية.


    فقد دبت المساومات من الخرطوم إلى القاهرة خفية وجهراً بغية زيادة حصة التجمع وزارتين في الحكومة المركزية.


    وحدها هذه المساومة لا تزال تشكل العثرة امام لحاق التجمع بالحكومة المركزية المترهلة بـ 60 وزيراً. تجاهلت كل فصائل التجمع كل أدبيات اسمرة المعنونة «السودان الجديد» في سبيل مقعدين في حكومة تبدو كل ملامحها انها قصيرة العمر ولا تملك ما يؤهلها لتحقيق شيء مما هو مرجو منها في المرحلة الانتقالية.


    التشكيل الوزاري جاء إفرازاً تلقائياً للعقلية ذاتها المؤمنة بالاستئثار والمساومة الذكية والتنازل عند الضرورة عما يغري جشع الآخر ولا يشبعه. لذلك لم يأت فقط مترهلاً بل هو يعكس في الوقت نفسه احتقاناً داخل الحزب الحاكم واحتقاناً في علاقة المؤتمر مع شريكه الجنوبي الحركة الشعبية التي تعيش هي الأخرى احتقاناً داخلياً ساخناً.


    وبما أن التشكيل الوزاري قائم على هذه الاحتقانات فليس من المستبعد تغيير هذه التركيبة الحكومية في غضون فترة وجيزة إما بغية احتواء احتقان ينذر بانفجار أو معالجة ما يمكن من الاحتقانات قبل تصاعدها أو ربما بفعل انفجار إحداها.


    وأغلب الاحتمالات يرجح إعادة النظر فيها قبل أي انفجار من شأنه إرباك خارطة طريق المرحلة الانتقالية المرسومة من قبل الشريكين ذلك أن الاستقرار في هذه المرحلة ليس غاية مطلوبة من قبل الشريكين وحدهما بل هو هدف يجري التشديد على تأمينه من قبل شركاء اتفاق السلام في الخارج الذين يؤكدون على أهمية الحفاظ على الاستقرار من أجل ضمان مواصلة إنتاج النفط والتنقيب عنه وضمان تدفق الاستثمارات الخارجية.


    من الواضح أن السودان دخل مرحلة من الجمود بدلاً من الحراك السياسي الذي كان مرتقباً ولكنها حالة أشبه بالجمود المنظم وربما يكون ذلك أفضل من الخيار الآخر وهو حالة الفوضى وهو بديل قريب لكنه سيكون كذلك أشبه بحالة الفوضى المنظمة.


    * بذخ الدولة يولّد شريحة جديدة


    بات واضحاً منذ الوهلة الأولى أن الترهل في التشكيل لم يقف فقط عند المألوف والمتخيل لكنه يتجاوز أبسط مظاهر البنى التحتية للحكومة ولذلك صدر غداة إعلانه قرار بحصر الاجتماع الأسبوعي للحكومة على الوزراء المركزيين وحدهم وتغييب وزراء الدولة والمستشارين إذ ليس ثمة قاعة لاستيعاب كل هذا الجيش الوزاري.


    كما بات واضحاً أنه لا يوجد فقط متسع لاستيعاب 12 مستشاراً في قصر الرئاسة بل إنه ليس هناك تخصصات لمثل هذا العدد. ومن الجلي الواضح أن وجود أكثر من مستشار في مجال واحد لن يحل العقدة، فالمستشارون قادمون من مشارب متباينة وعدم وجود التجانس يؤدي حتماً إلى التشاكس وليس إلى التنافس من أجل الأفضل. كان الانطباع الأول أن هؤلاء المستشارين سيحظون بمقاعد وثيرة دون أعباء غير أن التجربة تثبت أنهم بلا أعباء وبلا مقاعد.


    التجربة تثبت أن العقلية المهيمنة تفترس الجميع ولا تستثني أحداً فالمستوزرون والمستشورون يدركون أن الدافع وراء المنصب ليس حاجة الوطن أو كفاءة الفرد بل هي حاجة في نفس الطالب والمطلوب حان قضاؤها. يحدثك البعض عن أصحاب مناصب سخرت الدولة لهم من يحقق لهم أطماعهم من بناء منازل أو تسوية ديون أو إصلاح حال.


    وتكريساً للمنهج صدر قرار بتأمين امتيازات لشاغلي المناصب الدستورية منذ فجر الاستقلال يفيد منها الأحياء والأموات والمحبوبون من قبل الشعب والمغضوب عليهم وهي امتيازات تكفي لتخليق شريحة اجتماعية سودانية جديدة تحت عنوان عائلات حاكمة.


    * احتقانات داخل المؤتمر والحركة


    غير أن التشكيلة الوزارية ـ رغم ترهلها ـ لا تشكل في حد ذاتها تهديداً للاستقرار فالاحتقانات الداخلية هي مفاصل الأزمة. فالاحتقان داخل المؤتمر الحاكم لم يعد سراً فالخرطوم تتحدث جهراً عن خلافات عميقة عكسها التشكيل الوزاري ـ ولم يكن سببها ـ بين أقطاب الحزب.


    ففي ظل تلك الخلافات غابت أسماء كانت متوقعة وظهرت أسماء في مواقع غير مرتقبة وبرزت أسماء على نحو فجائي. فكان متوقعاً توزير عدد من طاقم المفاوضين باسم النظام في كينيا. وشكل انتقال وزير الدفاع إلى رئاسة الجمهورية مؤشراً على تعزيز قبضة العسكر ولم تعتبر عودة وزير الداخلية إلى الدفاع مجرد خطوة في هذا السياق بل ضربة قاصمة لتوجه يتزعمه الرجل القوي في النظام والذي أوضح التشكيل أنه فقد عدداً من أسنانه.


    وزاد هذا الانطباع تكريساً صعود نجم أصبح يحتل المدار الثاني في هرمي الحزب والسلطة وعزز هذا التصعيد كلاماً متداولاً عن وقوع فجوة ذات طابع قبلي بين أقطاب النظام إذ بسطت فئة قبلية هيمنتها على حساب تهميش فئة أخرى ولا تزال كل فئة تتربص بالأخرى مع أن كل جانب يدرك حتماً مغبة أي مغامرة غير محسوبة على الجميع ولهذا فإن عملية استقطاب حثيثة تجري في كواليس السلطة في محاولة الاستقواء بالأصلح ضد الآخر.


    وجاء ظهور نائب الرئيس علي عثمان محمد طه على شاشات التلفزيون في برنامج حواري قبل ثلاثة أيام في محاولة لدحض وجود شرخ داخل قصر الرئاسة ونفي الرجل احتجاجه على التشكيل الوزاري. لكن من غير المؤكد الجزم بأن المقابلة التلفزيونية نجحت في تحقيق غايتها.


    وقال العارفون ببواطن الكواليس إن إثناء بونا ملوال وغازي صلاح الدين عن الاعتذار عن قبول منصب المستشار تمت بنجاح تحت ظل هذا الاستقواء. كما أن إعلان رئيس جهاز الأمن العزم على دفع الأداء في اتجاه الاحتراق يشكل خطوة أخرى في السياق نفسه بمعنى أنه يكشف تفكيك تحالف قديم مع الرجل القوي.


    في المقابل كذلك عكس التشكيل الوزاري الاحتقان الذي يموج داخل الحركة الشعبية عقب وفاة قرنق، إذ وضح تماماً صعود التيار المضاد لتوجهات زعيم الحركة الراحل من داخل الحركة ومن خارجها، فأصبح رياك مشار الرجل الثاني في الحركة ويشغل الدكتور لام اكول منصباً مفصلياً في الحكومة المركزية وهو وزارة الخارجية وكلاهما كانا من الذين انشقوا عن قرنق في مرحلة سابقة.


    وأصبح بونا ملوال مستشاراً في القصر، ويقال إنه الرجل الأكثر قرباً من سيلفاكير وهو في الوقت نفسه الجنوبي الأكثر قرباً من الرئيس البشير.. وأعلن بونا بلسانه أنه لم يكن ليقبل المنصب في حياة قرنق ويذهب البعض حد وصف الجنوبيين المشاركين في الحكومة المركزية بأنها «حكومة بونا» وذلك نظراً لتغيب الوجوه المعروفة بولائها للراحل قرنق مثل نيال دينغ، باقان أموم، إدوارد لينو وسامسونغ كواجي «اولاد جون»،. الموزاييك القبلي والسعي لإرضاء الطبقة السياسية النتيجة وراء تعثر إعلان حكومة مؤقتة في الجنوب.


    * الجفول عن أمهات القضايا


    كما أن التشكيل الوزاري لم يصدر عنه بعد ما يوحي بالانسجام بين الشريكين العظيمين بل طفا على السطح ما يؤكد عدم الاتساق. وما الجدل المثار من قبل الحركة عن قومية العاصمة في مناسبة رمضان إلا مظهر للصدع داخل الائتلاف الحكومي. واغتنم عدد من القياديين في الحركة إغلاق أبواب المطاعم في الخرطوم ـ وهو تقليد متبع يراعى حرمة الشهر الفضيل ـ واعتبروه مدخلاً لانتهاكات حقوق الإنسان وتصادم ذلك مع اتفاقات السلام.


    غير أن هذا العزف المنفرد إذ لم يتجاوب المؤتمر معه يفضح قلاقل غير مرئية تحت طاولة الشريكين، ففي داخل كل معسكر يدور جدل يكتسي بالحدة أحياناً وبالحذر غالباً في شأن كيفية التعامل مع المعسكر الآخر، فهناك عدم إجماع داخل المؤتمر في شأن الجزم بنوايا الحركة المستقبلية، وفي المقابل ثمة تجاذب داخل الحركة إزاء كيفية التعامل مع المؤتمر. ويمكن اعتبار التوجهين أمراً تلقائياً لعدم ثبات الثقة أو لغياب تبادلها بين الجانبين.


    لكن ما لا يمكن استيعابه هو جفول الحكومة الجديدة من الإقدام على أي موقف يتسم بالجرأة ووحدة الرؤية تجاه قضايا ساخنة. سنتجاوز عمداً التباين تجاه الأحداث الدامية التي شهدتها الخرطوم عقب مصرع قرنق باعتباره وليد ظرف طارئ إزاء حدث فجائي من قبل حكومة وليدة لم يكتمل تحليقها.


    غير أن قضية مثل أبيي لا يمكن التزام الصمت إزاءها مطولاً، فهي تنتظر حسماً عاجلاً وناجعاً يتطلب الجرأة ووحدة الرؤية. ومع أن الحركة أصبحت طرفاً في السلطة إلا أنها لا تزال تنأى بنفسها عن المشاركة في مفاوضات أبوجا وتتحدث عن مبادرة لحل الصراع في دارفور من موقع طرف مستقل وليس شريكاً.


    ومع أنه يحسب للحركة تماسكها في أعقاب مصرع زعيمها الفجائي واختيار خليفته بيسر وسلاسة، إلا ان المرء لا ينكر وجود فراغ في القيادة ذات الحضور المبادر والفاعل والخلاّق الحاسم. فالعزف على الوحدة وخيارها الجاذب أمسى فاتراً، مما يثبت انطباعاً بانكفاء قيادة الحركة على قضايا الجنوب.


    ومن الواضح أن القيادة الجديدة للحركة تبذل ما استطاعت للخروج عن ظل زعيمها الراحل وهي لا تتردد في فعل كل ما هو متاح من أجل هذه الغاية. فالوسط السياسي في الخرطوم يتحدث ـ مثلاً ـ أن أحد الحقوقيين الذين دأبوا على امتداح قرنق من منطلق تجسيده للحركة


    تم استدعاؤه من قبل قيادي بارز في الحركة إلى مكتبه وسأله عما إذا كان هو نصير لقرنق أم للحركة، فاستوعب الحقوقي «الاستجواب» السياسي وأكد مناصرته للحركة ذلك انه يدرك أن العقاب ربما يطال المقعد البرلماني الذي بات يشغله ضمن حصة الحركة في المجلس التشريعي المركزي. فهو كان توبيخاً أكثر من اعتباره استدعاء.


    * التجمع يساوم على الوطن


    تحت ظل تلك الاختناقات الداخلية في معسكري المؤتمر والحركة والتنازع الخفي بينهما تلكأ التجمع في حسم موقفه من المشاركة في مؤسسات المرحلة الانتقالية ووقع هو الآخر تحت العقلية القديمة نفسها التي تضع الذاتي أمام الوطني.


    كان المأمول أن ينطلق التجمع من قواعد مبدئية


    ويطرح محاور وطنية للتلاقي مع الآخر من ذلك مسألة تعزيز خيارات الوحدة وتكريس نهج التحول الديمقراطي وضمان التداول السلمي للسلطة. غير أن العقلية القديمة جعلته يفتح أبواباً عدة للمساومات على حقائب وزارية ومقاعد برلمانية وهذا ما وصفه الصادق المهدي ـ وهو محق ـ بـ «التفريط الوطني.. واختزال قضية الشعب في وزارات».


    في محاولة لوضع نهاية لمسلسل المساومات المثير للضجر استبدل الشيوعيون رفضهم المبدئي بالدخول طرفاً في المؤسسات وهو الموقف الذي كان سكرتير الحزب محمد ابراهيم نقد أعلنه في أول ظهور علني في الخرطوم قبل أشهر، وأعلنوا الموافقة على قبول المشاركة في المجالس البرلمانية وتذرعوا بحجة مساءلة الحكومة ومراقبتها وإسماع صوتهم المعارض. لكن الثابت أن الشيوعيين عمدوا تجنب وزر الخروج عن التجمع أولاً حتى لا يتحملوا المسؤولية التاريخية في تفكيكه، كما أنهم لم يفقدوا الأمل في إصلاحه.


    وكان الحزب القومي والبعث والقيادة الشرعية ارتضوا مع التوغل في المساومات المشاركة بما هو متاح بينما اتخذ الحزب الاتحادي موقفاً متأرجحاً بين القبول والسعي لتحسين فرص العرض. وسعى الاتحاديون لانتزاع أربع حقائب بدلاً من الوزارتين المخصصتين للجميع في التجمع. والواقع أن هناك أكثر من تيار داخل الحزب الاتحادي.


    فهناك من يرفض المشاركة على طريقة الشيوعيين وثمة من يرى من العرض «تحقيراً» لقامة الحزب، ولكن ينبغي عدم إغلاق الباب بل تركه موارباً وهناك من يضغط من أجل القبول بالعرض المتاح. وسعى البعض لاستبدال إحدى الوزارتين ـ التعليم أو التقانة ـ بوزارة أفضل والتفضيل هنا معياره تغليب المصالح كالصناعة أو التجارة.


    من سوء حظ زعيم التجمع أن الاحتقانات الداخلية في معسكري النظام أربكت حليفيه الأساسيين على نحو لم يعودا يقدمان من التسهيلات ما يخفف عنه الضغوط فيقبل على المشاركة بصدر رحب. ولم يكن زعيم التجمع نفسه محمد عثمان الميرغني مقتنعاً بعدالة القسمة وكفاية الحصة،


    ولذلك مارس كل مهارته المألوفة لإقناع أطراف حزبه وحلفائه في التجمع بقبول صيغة ترضي الجميع جاءت في بيان أعلن القبول بالمشاركة في المجالس البرلمانية واعتبار العرض الخاص بالتنفيذية «غير مقبول»، ثم استبدلت العبارة بـ «غير مناسب» إمعاناً في الحفاظ على عدم استثارة من يملك توزيع الحصص.


    ورغم صدور القرار لا يزال الموقف داخل التجمع يشوبه الغموض خاصة بعد صدور تصريحات في الخرطوم عن رفض مشاركة التجمع الجزئية باعتبار العرض واحداً لا يقبل التجزئة فإما الرفض الكلي وإما القبول. وبينما لا يزال أحمد سعد عمر الذي يعتبر أحد معاوني الميرغني المقربين له يتواجد في الخرطوم منذ ذهابه عقب وفاة قرنق


    فإن الميرغني يستعين بعلاقاته مع حلفائه في الخارج من أجل تحسين شروط المشاركة في السلطة التنفيذية ويظل الموقف النهائي للتجمع غامضاً حتى بعد انفضاض اجتماع قيادته المرتقب في الحادي والعشرين من الشهر الجاري في العاصمة الاريترية وهو الاجتماع المقرر أن يكون الأخير للقيادة في المنفى.


    * العشاء مع الذئاب


    وفي غياب خطوة جريئة من حكومة الائتلاف المترهل حولت صحافة الخرطوم مشاركة التجمع وكأنه الأولوية الوطنية فظلت خطوطها الرئيسية أسيرة هذا الانتظار طوال 27 يوماً حتى واتتها مناسبة مسرفة في الذاتية فحولتها إلى حدث وطني خطير!


    فصادف أن استجاب كل من الصادق المهدي زعيم حزب الأمة والدكتور حسن الترابي زعيم المؤتمر الشعبي ومحمد إبراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي لدعوة عشاء من قبل أحد القياديين في الحزب. ولعل استجابة القيادات الثلاثة وتلاقيهم في مناسبة من هذا النوع تكشف عمق العلاقات الاجتماعية داخل الوسط السياسي السوداني.


    ومع ذلك يمكن للمرء أن يذهب أبعد من ذلك فيقرأ فيها خواء في فضاء أجندة القيادات السياسية. لكن صحافة الخرطوم مضت أبعد من هذه القراءة وحوّلت المناسبة إلى عشاء عمل يشكل نواة لتحالف سياسي جديد يجمع القوى السياسية المعارضة الثلاث.


    اختلقت الصحافة عشاء العمل اختلاقاً مع أن الحضور لم يكن قاصراً على الزعماء الثلاثة، فكان هناك لفيف من الأطباء والحقوقيين وسط معارف وأصدقاء أهل البيت وتابعت الصحافة النبأ باستطلاعات مع أساتذة ومفكرين عن تصوراتهم لتداعيات التحالف الافتراضي.


    للتوثق من صدقية النبأ من منابعه سألت سكرتير الحزب الشيوعي متعمداً مجاراة ظرفه المعهود: «ما الذي دار في العشاء مع الذئاب؟» كنت أستثمر رائعة كيفين كوستنر السينمائية «الرقص مع الذئاب». ونفى السكرتير حدوث اجتماع أو حتى تبادل آراء بل أكد عدم جلوسه إلى الترابي والمهدي معاً. وقال: أكثر ما تبادلناه كان السلام. وقال نقد آن لقاء من هذا الطراز لو قُدر له أن يكون لن يحتاج إلى غطاء.


    وأعاد إلى الذاكرة أنه كان التقى المهدي إبان فترة الاختباء وزار الترابي عند إطلاق سراحه في إطار المجاملات السودانية وأكد أن أي لقاء سياسي مع زعيم الحركة الإسلامية يتطلب اعترافاً مسبقاً بالخطيئة الوطنية التي ارتكبها في 30 يونيو 1989 أي تدبير الانقلاب العسكري وتنفيذه. وأشار نقد إلى أن حزبه كان طرفاً مع حزب الأمة في المنبر الذي أسسه الدكتور عصام صديق، واتخذ فيما بعد عنوان «التحالف الوطني» بعد انسحاب الشيوعيين منه مؤكداً أن لا شيء يستوجب السرية.


    ونفى المهدي بدوره جلوسه ونقد والترابي إلى مائدة واحدة قائلاً: إن طبيعة تنظيم الحفل لم يكن يسمح بذلك واعتبر المسألة برمتها محاولة اختلاق مقصودة لأسباب غير موضوعية. وأشار المهدي إلى أن لديه تحالفاً مع حزب الترابي أقرته أجهزة حزبه. تلك قضية أخرى ليس هذا مجالها.


    * أجندة اجتماع 21 أكتوبر


    تظل مشاركة التجمع الفريسة التي يسعى وراءها ذئاب الصحافة على أمل أن تحسم الفصائل موقفها النهائي قبل أو في اجتماع 21 أكتوبر، ولعل في اختيار التوقيت الاكتوبري إيماءة للحفاظ على التجمع وربما سعى الميرغني للفوز بهامش زمني مريح يحتوي إبانه التيارات المتنازعة داخل حزبه وداخل التجمع أو ربما الوصول إلى عرض أفضل من قبل المؤتمر والحركة لتحديد الموقف النهائي من المشاركة. خاصة بعد تأجيله الى 6 نوفمبر.


    ومع أن الميرغني يدرك شخصياً أن مصلحته تكمن في الرفض إلا أنه لا يجنح للتصلب كعادته، فالميرغني بنى لنفسه زعامة تتجاوز أطر حزبه وطائفته عبر ترؤسه للتجمع، ومن شأن مشاركة حزبه منفرداً أن ينسف كل ذلك البناء. كما أنه لا يرغب في تحمل وزر تفكيك التجمع.


    أكثر من ذلك يدرك الميرغني أن التجمع يمكن أن يصبح جواداً رابحاً في الانتخابات العامة المرتقبة قبل نهاية المرحلة الانتقالية، فالفصائل تشكل تحالفاً مؤثراً بغض النظر عن مدى اتساع قاعدتها، ذلك أنها تتسم بديناميكية لا يمكن إنكارها، غير أن هذا الإدراك لا ينفي تماماً احتمال إعلان الميرغني قبل أو أثناء أو بعد اجتماع 21 أكتوبر الرغبة في المشاركة في السلطة التنفيذية،


    وطالما حصل على إجماع من الفصائل بالمشاركة في المجالس التشريعية، فلن يتردد الميرغني في دخول السلطة التنفيذية باسم التجمع مع أنه قد يذهب بحزبه منفرداً، ومما يعزز احتمال المشاركة رغبة أكثر من فصيل في قبول العرض الحالي بالإضافة إلى الجهود الخفية المبذولة لتحسينه.


    ولن تكون المشاركة البند الأكثر حيوية في اجتماع العاصمة الإريترية الأخير أو هكذا ينبغي إذ من المأمول أن تعكف هيئة القيادة على تقييم تجربة العمل في السنين الماضية سواء في المنفى أو في الداخل وتحديد مهابط الزلل والاسترخاء وتعزيز مفاصل الأداء وفق تصور مبدئي للعمل في المرحلة الانتقالية.


    ولكن قبل تحديد مهام التجمع في المرحلة الانتقالية يجب على القيادة تحديد آلية المشاركة الإيجابية في المجالس البرلمانية، ذلك أنه ما لم تأت هذه المشاركة وفق منظور محدد كفصيل معارض لن يكون لها تأثير ولن ينجح ممثلو التجمع في مراقبة أداء الحكومة ومساءلتها وإسماع صوت المعارضة كما يحاججون.


    وهذه مهمة تتطلب في حد ذاتها عناصر من طراز خاص للتعبير بلغة خاصة عن مواقف صلبة فلابد من طرح مبادرة لتعديل لائحة العمل البرلماني على نحو يعترف بوجود جسم معارض يمنح التجمع صفة الكتلة البرلمانية التي تتمتع بحق اختيار زعيم يتحدث باسمها للرد على ما تطرحه الحكومة في شأن القضايا العامة


    ويكفل لها وجود مكتب في مقر البرلمان. ففي غياب مثل هذه الشروط لن ينجح المعارضون في اسماع أصواتهم، ذلك أن الأمر كله حاليا في يد رئيس البرلمان الذي يمنح من يشاء حق الكلام ويحرم منه من يريد وليس للمعارضة حق دستوري.


    * موقف جدير بالاحترام


    هذا هو ما يجعل موقف المهدي الرافض للمشاركة في كل مؤسسات الفترة الانتقالية جدير بالاحترام ذلك انه نأى بنفسه وحزبه عن التورط في أجهزة غير منتخبة ومؤسسات وليدة سلطة شمولية لم تعترف بفاعليته اثناء التفاوض الذي أفضى إلى الشراكة التي فرضت دستورها واطرها،


    والمهدي يعيب على التجمع مبدأ البحث في أمر المشاركة وفق هذه الرؤية ويرى فيه اعترافاً صريحاً بسلطات عمدت إلى تهميش غيرها. ويرى ان البرلمان ليس سوى أداة لشرعنة خطوات الجهاز التنفيذي، ويحق للمهدي ان يتباهى في حملته الانتخابية بأنه الحزب ـ ربما يكون الوحيد ـ الذي لم «يتلوث بالإنقاذ».


    ونعيب على فصائل التجمع أنها انخرطت في تيار الإنقاذ في منعطف ليس هو الأفضل في سياق تعرجاته وانحداره.


    قلت للمهدي بعيداً عن الانشقاق الذي قاده مبارك الفاضل اعتقد انكم لم تستثمروا هذا الموقف المبدئي على النحو الذي يعزز مكانة الحزب في الشارع السياسي كما ينبغي.


    اعترف الرجل بشيء من القصور في الأداء وبعض من العثرات التنظيمية لكنه أكد فاعلية الحزب أكثر من غيره باتخاذ مواقف واضحة تجاه كل القضايا التي شغلت المواطن بدءاً من دارفور مروراً بقضية ابيى وانتهاء بالتشكيل الحكومي وقال ان الحزب يمارس نهجاً تكتيكياً في التمهل حتى لا يحوله الآخرون كبش فداء لأخطاء تتراكم من قبلهم.


    ما لم أقله للمهدي إن الحزب خسر كثيراً بفقد قياديين نادرين من طراز الراحل الدكتور عمر نور الدائم ـ عطر الله ثراه ـ والأمير عبدالرحمن عبدالله نقدالله ـ رد الله غربته ـ في فترة وجيزة وربما حتى مبارك الفاضل الذي يختلف المرء مع رؤيته السياسية ولكن لا يقلل ذلك من قدراته الديناميكية.


    من المؤكد أن الفاضل أصبح أكثر رغبة في الرجوع إلى الحزب الأم بعد تفتت الحزب الذي توهم بناءه ولكنه لا يملك الرؤية التي تعينه على تحقيق الرغبة من المؤكد ان هناك عناصر في الحزب لا ترغب في عودته لكنها تصدر في ذلك من منطلق العقاب على خطأ الخروج الذي ارتكبه وليس في سبيل مصلحة الحزب التي تقتضي تجميع قواه قبل الانتخابات المرتقبة. كما تطلب خروج الفاضل عن الحزب جرأة فان الرجوع يقتضي جرعة جراءة اكبر.


    تلك الوحدة مهمة لا تعلو عليها أخرى في انتظار التجمع اذا كانت فصائله قادرة على الاحتفاظ به اطارا للعمل الجماعي ابان المرحلة الانتقالية اذ لابد من السعي لتطوير أدبيات التجمع وميثاقه وأجهزته. التجمع يتطلب اعادة هيكلة كاملة بعد الرجوع من المنفى على النحو الذي يفرد مظلته لاستيعاب أي قوى أخرى تتلاقى على طروحاته وبما يعني على الاستعانة بالكوادر المتاحة الأكثر قدرة مما كان متاحاً في ظروف العمل القسرية في المنفى.


    ثمة فصائل مطالبة بإثبات وجود قاعدة تؤهلها لشغل مقاعد في القيادة. الأهم من ذلك ان تصوغ القيادة برنامج عمل يحدد المهام والواجبات تجاه القضايا الوطنية الأساسية المتمثلة في التحول الديمقراطي والوحدة والسلام. لابد من الحديث الجهور عن الموارد المالية ونهج الشفافية في شأنها. التجمع في صيغته الحالية لم يعد قادراً على استيعاب فصائله الحالية مع انه لم يفقد الجاذبية الفكرية للبقاء تجمعاً من أجل «السودان الجديد».


    متابعة: عمر العمر

                  

10-15-2005, 11:55 AM

ahmed haneen
<aahmed haneen
تاريخ التسجيل: 11-20-2003
مجموع المشاركات: 7982

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الخرطوم في حالة جمود سياسي محفوف بالفوضى المنظمة (Re: من الله)

    الأخ من الله

    شكرا لأيرادك تحليل عمر العمر عن الوضع الراهن

    فهي قراء دقيقة سوف نعود لها علي مهل


    تحياتي
                  

10-15-2005, 12:32 PM

نصار
<aنصار
تاريخ التسجيل: 09-17-2002
مجموع المشاركات: 11660

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الخرطوم في حالة جمود سياسي محفوف بالفوضى المنظمة (Re: من الله)

    العزيز من الله

    شكرا لايرادك هذا الجهد الصحفي الوافي و التحية للاستاذ عمر العمر
    ذلك الصحفي المتميز الذي تدرج بمواهبه الي مراقي شاهقة في الصحافة
    العربية خاصة صحيفة البيان المتطورة و السابقة للصحف السودانية
    في متابعتها للشأن السوداني باشراف الاستاذ عمر و دينميكية و حرفية
    مراسلي البيان مثل العزيزة رجاء العباسي و الاخرون من الخرطوم و القاهرة
    و حيثما وجد نشاط سياسي سوداني

    تحياتي
                  

10-17-2005, 02:16 AM

من الله

تاريخ التسجيل: 11-29-2004
مجموع المشاركات: 8

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الخرطوم في حالة جمود سياسي محفوف بالفوضى المنظمة (Re: من الله)

    الأحباب احمدحنين ونصار
    شكرا على المرور وهذا هو عمر العمر كما عودنا دائما بقرائته الدقيقة والموضوعية للاحوال السياسية بالسودان

    من الله
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de