|
|
 الحاج ورّاق يكتب : خرافة الصماء!
|
مسارب الضي
خرافة (الصمّاء) !
الحاج وراق
* تتداول المجالس الخاصة لأهل الإنقاذ بزهو وخيلاء، حديثاً عن قوة ضاربة خاصة جديدة اسمها (الصمّاء) !
ومصدر الزهو ، كما يبدو، اعتقادهم بأن (الصمّاء) ، بما يتوفر لها من عتاد متقدم وتدريب عالٍ النوعية، فإنها وبمعزل عن السياق السياسي والاجتماعي ، ستشكل لوحدها (صمام) أمان لحراسة النظام !
وفي هذا الزهو اشارة لاحدي مشاكل الانقاذ الاساسية ، وهي أنها لا تقرأ التاريخ ، واذا قرأته ، فليس هناك ما يشير الي انها تستخلص دروسه ! واقدم ادناه، انموذجا من النماذج التاريخية، انموذجا يجري مجرى السنة (أو القانونية) التاريخية ، ولعل في هذا النموذج ما يجعل الانقاذ تتدبر في مآل تجربة شبيهة بها ، هي التجربة السوفيتية (!)، وفي مثل هذا التدبر ، ما يجعلها ،اقله، تتخطي نفسية البطر التي تنغمس فيها هذه الايام !
* والطغيان ملة واحدة ، فمهما كانت ادعاءاته وشعاراته ، وغض النظر عن اختلافاته في هذه الجزئىة أو تلك . ومن اهم تجارب الطغيان في التاريخ الحديث، تجربة الدولة الشيوعية الستالينية في الاتحاد السوفيتي السابق !
ورغم الطابع الاجتماعي المختلف لهذه التجربة ، إلا أنها، وعلى عكس ما يبدو، فيما يتعلق بمؤسسات وممارسات القمع ، فإنها تشبه طغيان الانقاذ «الاسلامي» ! بل ويمكن القول إن الطغيان الشيوعي الستاليني، بحكم (أبوته) لتجارب الطغيان في العالم الثالث ، وبحكم (الخبرات) التي نقلها بعض (آبقة) الشيوعيين الستالينيين الى الحركة الاسلامية السودانية ، فإنه يشكل مصدر الإلهام الذي ينهل منه طغيان الانقاذ «الاسلامي» ..!
* وقبل أن ندلف الى ايراد الأنموذج السوفيتي ، تجدر ملاحظة انه وبرغم الاختلافات بين نمطي التفكير الوثوقي ـ الاسلامي والشيوعي ، الا ان بينهما كذلك اتفاقا جوهريا ، فبالنسبة لكليهما، هناك نواة صلبة من المعتقدات غير قابلة للمراجعة ايا كانت المتغيرات في الواقع من حولها ، وتعبر هذه النواة الصلبة عن (الحقيقة المطلقة) التي لا يأتيها الباطل من أمامها او خلفها،والحزب الذي يحمل هذه الحقيقة المطلقة هو حزب (الله) أو حزب (الطبقة العاملة)، وما عداهما اما احزاب الكفرة والمنافقين في الحالة الاولى، أو احزاب البرجوازية والبرجوازية الصغيرة في الحالة الثانية ! والطريف أن كليهما يوصِّف الخارج عليه كمرتد ! .. وغني عن القول إن الحزب الذي يدعى تمثيل الحقيقة المطلقة سواء بادعاء اقتناص جوهر الوحي الإلهي ، أو اقتناص اتجاه (الحتمية التاريخية) ، فإنه وبطبيعته هذه، لا يقبل التعددية الفكرية والسياسية، إلا مكرها ، اواذا فرضت عليه فرضا !!
* اذن فهناك، وبرغم الاختلاف في الانحياز الاجتماعي وفي الشعارات، صلة موضوعية بين نمطي التفكير الوثوقي، وهي صلة تبرر اهداءنا للإسلاميين السودانيين تجربة (اخوانهم) في الطغيان، في الاتحاد السوفيتي السابق !
* لكي تصير اجهزة القمع أجهزة (صمّاء!)، لا تتساءل ولا تتردد ، فقد اتخذ الشيوعيون الستالينيون اجراءات غاية في الدقة والتحسب : فاضافة الي حل الاجهزة القديمة ، واحلال اجهزة جديدة كليا مكانها ، تقرر ان تتكون غالبية قوام الجيش الاحمر من ذوي الأصول العمالية والفلاحية ، وحُظِر على اولئك الذين كان آباؤهم من (اعداء الشعب)، دخول الجيش والشرطة والأمن ، ويشمل تصنيف (اعداء الشعب)، اولئك الذين عارضوا الثورة البلشفية (الشيوعية) في عام 1917م، واولئك الذين كانوا يملكون ملكيات اقطاعية كبيرة، بل ويشمل كذلك القساوسة! . كما تم السعي دوما الى ان يحوز الحزب الشيوعي الحاكم على نسبة ثلثي سلك الضباط في الجيش والشرطة والأمن ! واضافة الى ذلك، فإنه في اية وحدة عسكرية، يتم تعيين مفوض سياسي جنبا الى جنب قائد الوحدة المحددة ، ويتبع المفوض السياسي الى قيادته الحزبية وليست العسكرية ، ولامضاء اى قرار اساسي، تشترط الاجراءات المقررة موافقتي القائد العسكري والمفوض السياسي معاً !
* ومن هذه الاجهزة (الصمّاء!!) تماما في ولائها للناظم السوفيتي، تم تشكيل جهاز المخابرات السوفيتية (GBK)، ومن صفوة الصفوة هذه، تم لاحقا تشكيل قوة خاصة تسمي (قوات الزبرا bra Force ,(Zeوهي ارفع قوة عسكرية من حيث العدة والتأهيل الفني والفكري والنفسي، وقد شُكِّلت للتعامل مع احتمال ان ينجح بعض المعارضين او الغزاة الاجانب في الاستيلاء على احدي منشآت السلاح النووي السوفيتي، وفي هذه الحال، فإن واجب (قوات الزبرا) استعادة هذه المنشأة دون السماح بإطلاق او تسرب الاسلحة النووية !
ولكن ماذا كان موقف (قوات الزبرا) حين جد الجد، وفي اللحظة الحاسمة في تاريخ النظام السوفيتي ؟!
* حين نظم الشيوعيون المحافظون إنقلاب أغسطس على ميخائيل جورباتشوف ونهجه الاصطلاحي ، اعتصم الاصلاحيون الروس بقيادة بوريس يلتسين في مبني البرلمان، تعبيرا عن رفضهم للانقلاب ، ثم دعوا الشعب الروسي للخروج والاعتصام معهم، وكانت نتيجة هذه الدعوة تجمهر حوالي 25 الف من المواطنين والبرلمانيين في مبني البرلمان وامامه.
وحين فوجئ الانقلابيون بعدم رغبة اجهزة الجيش والشرطة والأمن في فض تجمهر المواطنين المحتشدين، لجأوا الى اهم قوة ضاربة في الاتحاد السوفيتي «قوات الزبرا»، فأصدروا لها الاوامر باحتلال البرلمان واجلاء المعتصمين، وكانت (قوات الزبرا) وحسب تأهيلها، قادرة على تحرير منشأة نووية، دع عنك مبني برلمان يحتشد فيه 25 الف من المدنيين ! ولكن اسقط في ايدي الانقلابيين حين اجابهم قائد (قوات الزبرا)، بأن هذه قضية سياسية لا تتعلق بأمن الاتحاد السوفيتي، ولهذا فإنه لن يتدخل فيها !!
وبالنتيجة، سقطت سلطة الانقلابيين !
* والخلاصة واضحة : حين يفشل نظام ما، سياسيا واجتماعيا، فما من اجهزة قادرة على حمايته ! وذلك لان هذه الاجهزة مكونة من بشر، لهم عقول، ولهم مشاعر، ولديهم القدرة على التساؤل وعلى الاختيار، وبالتالي فإن هذه الاجهزة، ومهما بُذل في بنائها وتحصينها، فإنها لا يمكن ان تتحول مطلقا الي اجهزة (صمّاء) !!
الا ما اكثر العبر وما اقل الاعتبار !!
المصدر:
http://alsahafa.info/news/index.php?type=6&issue_id=770&col_id=5&bk=1
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست