اتفاق ثنائى وحكومة ثلاثية_ الصحافة

Quote: اتفاق ثنائى وحكومة ثلاثية تزدحم القاهرة هذه الايام بالسودانيين من غمار الخلق فى حين غاب عنها السياسيون وطالبو اللجوء والطلاب . السياسيون اخذتهم المنافى البعيدة او اخذهم الفلس، فعادوا للوطن واخرون ينتظرون ان تتنزل عليهم بركات اتفاق القاهرة حتى يعودوا مرفوعى الهامات بعد ستة عشر عاما من التيه . طالبو اللجوء فى القاهرة اكثر الناس حيرة الآن . لقد استبد بهم القلق على ارصفة المقاهى . لفقوا الاوراق كما شاءوا . ظهروا فجاءة فى ازقة القاهرة مناضلين لايشق لهم غبار . بعضهم انتسب لاصول دينكاوية ايام كانت حرب الجنوب تمنح الفيزا، والآن تنحدر اغلب اصول طالبى اللجوء من قبائل الزرقة فى دارفور، فهذه هى مؤهلات التأشيرة لطالبى اللجوء اليوم فى القاهرة . الطلاب لم يعودوا يفدون الى القاهرة لاسباب كثيرة ساهمت فيها حكومتا البلدين ايام غياب العقل والحكمة عنهما . فى زحمة القاهرة الغائب الوحيد هو التجمع، صفصفت دوره واخليت الشقق وانشغل ماتبقى من كوادره بلملمة عفشه، اذا ان العفش والشقق اصبحت داخل القاهرة على مسؤولية صاحبها.انتظار الزمن المتبقى من هنا وحتى نهاية هذا الشهر، يبدو طويلا طول الستة عشر عاما التى انفقوها هنا . التجمع نفسه تفرق ايدى سبأ، لم يتبقَ بداخله الا الحزب الاتحادى الديمقراطى بزعامة مولانا السيد محمد عثمان، الذى لم تعد له القاهرة دار بقاء كالآخرين . الآن السيد محمد عثمان، فى مكة فى انتظار اليوم الثامن عشر من هذا الشهر، وهو الميقات الذى ينتظر ان يطوى فيه مع اخرين اخر لحظات معارضة التجمع، فيسلم راية المعارضة بعد ان يتسلم اربعة عشر مقعدا فى الحكومة الانتقالية، وسط اقاويل ان الحليف السابق قرنق قد وعد بمنحها له من نصيبه، الشئ الذى ساهم بفعالية فى حلحلة اخر عقد اتفاق القاهرة الذى تجرى مراسم لحظاتة الاخيرة الآن . الحزب الشيوعى هو الضلع الثانى المتبقى من احزاب التجمع. غادرت معظم كوادر الحزب القاهرة مبكرا، ملتحقة بالمهاجر بحيث لم يتبقَ منها الا الحرس القديم الذى اعتصم ببعد اخلاقى، منعه من اللحاق بطوفان المهاجرين . عضوية الحزب الشيوعى بالخارج التقطت القفاز مبكرا وانخرطت في المنظمات الدولية العاملة فى مجال الاغاثة وحقوق الانسان ، فأصبحت من انشط الكوادر الحزبية السودانية فى هذا المجال . سيطرة الحزب الشيوعى على مجموعة لايستهان بها من هذه المنظمات اعطته افقا جديدا للتعامل مع المجتمع الدولى بعد الحصار الذى ضرب على الاحزاب الشيوعية عموما، فى اعقاب انهيار المعسكر الاشتراكى . اما بقية احزاب التجمع، فبعضها غادر مبكرا وبعضها فر اخيرا ،كما فعلت الاسود الحرة برفقة مؤتمر البجا بعد ان ملأت الرياح الدولية اشرعتها . يعود التجمع للوطن عودا حميدا ليشكل الضلع الثالث فى الحكومة الانتقالية . مركب نيفاشا لم تكن تحتمل اكثر من اثنين من ناحية عملية، ولكن الحكومة الانتقالية ذات الاربعين وزيرا تحتمل . سوف لن يضير التجمع شيئ من المشاركة فى الحكومة الانتقالية تحت ظلال نيفاشا، بل سيضيف اليه الكثير . التجمع وان ابدى ملاحظات حول ثنائية الاتفاق وعبر عن بعض التحفظات هنا وهناك، الا انه رحب بالسلام منذ اول يوم وايد ماجرى فى نيفاشا بشكل واضح ، وبذا لن يجد اليوم حرجا فى الالتحاق بحكومتها ،خاصة ان نيفاشا قد استجابت لاغلب المطالب التى كان التجمع ينادى بها، ابتداءً من حق تقرير المصير للجنوب والتحول الديمقراطى وغيرها من الشعارات. التجمع يعود الآن ليشارك مرفوع الهامة على كل حال . من مصلحة طرفي الاتفاق و مصلحة الوطن، التحاق التجمع بالحكومة الانتقالية الشئ الذى من شأنه ان يهيئ مناخا هاديا ومستقرا، يساعد الحكومة فى انجاز برامجها . ستكون الخسارة كبيرة لو ذهب طرفا نيفاشا للحكومة الانتقالية وحدهما باتفاق ثنائى وحكومة مثله . الآن سيضف التجمع بعدا جديدا للاتفاق وللحكومة، خاصة فى ظل مطالبة دولية باستيعاب القوى الاخرى داخل الحكومة الجديدة .ستستفيد قوى التجمع بالتأكيد من دخول الحكومة ، فالإنهاك والهزال وعدم الفاعلية التى اصيب بها التجمع فى اواخر ايامه لايتيحان له ترف البقاء فى المعارضة فى ظل اوضاع داخلية وخارجية فى غاية التعقيد .بقاء احزاب التجمع اكثر من هذه السنوات بعيدة عن جماهيرها من شأنه ان يضيف لوضعها تعقيدا فى ظل وجود معارضة اخرى وفاعلية فى الشارع، خاصة بعد تكوين الحكومة الانتقالية . فى اعتقادى ان التجمع قد حسبها بشكل صحيح هذه المرة، فالالتحاق بقطار نيفاشا افضل له من البقاء في المعارضة وبكل الحسابات . الحزب الشيوعى مثلا ماهى خياراته فى ظل اوضاعه الحالية ؟. المعارضة بالنسبة له فى ظل الاوضاع المعقدة غير مأمونة العواقب . اوضاع الحزب الداخلية مضعضعة بما يكفى، والكوادر غائبة. يحتاج الحزب لمرحلة بناء وللملمة كوادره وجر نفس من هذه المعارضة المتطاولة . معارضة الحزب الشيوعى دائما كانت تستند على خلق حالة من عدم الاستقرار عبر سيطرته على النقابات . فأين هى النقابات الآن ؟ . . او تستند على حركة الجماهير فى الشارع، فأين الجماهير الآن التى ستسند الحزب اذا ماقرر خوض تجربة معارضة جديدة؟ .فلا الزمان عاد الزمان ولا الجماهير عادت هى الجماهير . يحتاج الحزب الشيوعى لخلق ارضية جديدة، ويحتاج لصياغة ادوات نضال جديدة، وقبل ذلك فهو احوج مايكون لتجديد فكره وبرامجه . هذه المطالب لا يمكن استيفاؤها فى حالة معارضة لاهثة. البناء يحتاج لهدوء وتفكير عميقين، ولايحتمل العمل فى ضوضاء المعارضة ومزايداتها .اما الحزب الاتحادى، فإن بقاءه فى المعارضة يعنى باختصار فناءه بعد التفتت الذى قطع اوصاله . ولذا فى اعتقادى ان عودة السيد محمدعثمان الى قلب العملية السياسية بالداخل كفيلة باستعدال كافة الموازين ولملمة اطراف الحزب واعادة بنائه استعدادا للمرحلة القادمة، ويبدو ان هذا هو الخيار الذى يتجه اليه السيد وصحبه الكرام من قادة الحزب. الحمد لله الذى هيأ لنا اخيرا اتفاقا ثنائىا، انجب حكومة ثلاثية .