عطش البياض : الكتابة حياة أخرى وسؤالها سؤال الحياة " تحقيق : أستبرق أحمد "

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-11-2024, 09:17 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-17-2004, 09:56 PM

nassar elhaj
<anassar elhaj
تاريخ التسجيل: 05-25-2003
مجموع المشاركات: 1129

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عطش البياض : الكتابة حياة أخرى وسؤالها سؤال الحياة " تحقيق : أستبرق أحمد "

    هذا التحقيق / الحوار بجريدة القبس الكويتية، أجرته القاصة الكويتية أستبرق أحمد حيث وجهت ذات الأسئلة الواردة أدناه لمجموعة من الكتاب من عدة أقطار وهم : هناء مرهون - قاصة من البحرين / عائشة راشد عبدالهادي - قاصة من الكويت / نصار الحاج - شاعر من السودان / نورة فرج - قاصة من قطر / كامل صالح - شاعر وروائي لبناني / عواض العصيمي - قاص وروائي من السعودية / مي الشراد - قاصة من الكويت / محمد العباس - ناقد من السعودية / عبدالقادر حميدة - شاعر وقاص من الجزائر / عيد الخميسي - شاعر من السعودية .


    وهم يشبه الحقيقة.. حقيقة تشبه الوهم
    عطش البياض: الكتابة حياة أخرى.. وسؤالها سؤال الحياة


    حين أشار الملك الفرعوني للإله ثوث عن هدية «الكتابة» أجابه بأنها «وصفة تخدم الذاكرة والحكمة». فالكتابة إناء الكلمة وعبر هذا العناق الدائم يأتي انعتاق الإبداع من ممارسة وظيفتها باعتبارها «العلاقة بين الإبداع والمجتمع» كما يشير إليها رولان بارت. ولا يتأتى ذلك إلا عبر وساطة كاتب/كاتبة يؤطر كتاباته بطابع الجدية في التعاطي مع الآخر.. (القارئ)، إلا أن تلك الجدية تختلف من كاتب إلى آخر، خاصة أن جذوة الكتابة قد تستعر أو تخفت في دائرة الأيام.. وقد تنطفئ عبر انقطاع (مراوغ) في مدى استمراريته مما يشكل شيئا من الأزمة للبعض، وهو ما تدور في فلكه كاتبة هذه الأسطر، عبر انقطاع مازال يجلس محدقا بي ويبتسم بخبث وأنهره بحنق منذ أشهر طويلة.. معاندة إياه عبر وصفة القراءة المكثفة، لارتياد المنتديات الثقافية. إلا أنه مازال قابعا بإطلالة ابتسامة أكثر مكرا.. ربما لا فكاك منه حتى كتابة هذه الأسطر. إلا أن قبضة هذا الانقطاع مست الكثير من التجارب الكتابية.. بسطت يدها عن البعض و مازالت تمسك بالأخرين. لذا نهضت هذه الأسئلة:

    السؤال الأول:

    جاروميل في «الحياة هي في مكان آخر» لميلان كونديرا كان موقنا بأنه سيجد مجده الخاص عبر كتابته.لربما الكثير منا يمارس الكتابة للعثور على شيء ما يتكرس عبر المزيد من التأمل و المعرفة والبحث حول ماتمثل له الكتابة.أي أهمية تشكلها الكتابة بفضاءاتها الشاسعة لك؟

    السؤال الثاني:

    برودة تنساب على وجه صفحتك، اللاشيء يعبر مسالك الكتابة، انقطاع اختياري مفتعل راهنت عليه خلال رحلة البحث عن انتقاء/إتقان تترصده تحت سطوة الرغبة أو التردد، وقد يكون هذا التوقف إجباريا/قدريا كسب ورقته من ظروف حياتية، جسدية، نفسية ما. في خضم هذا الانقطاع تأتي هذه الأسئلة.

    ـ حالة الرغبة في الكتابة تزداد مع ارتفاع الصراع الداخلي إزاء ما يحدث بالخارج مع أحداث لاهثة كيف توازن بين عزلتك ورغبتك؟

    متي يبدأ يقينك بتجاوزك الفترة الزمنية لعزلتك الاختيارية.. أهناك مدة تحددها سلفا؟

    السؤال الثالث:

    نحتال، نهادن، نغامر، نلقي بكل عصا الوسائل لتجاوز هذا الحاجز وقد نوفق أو نستسلم في النهاية.

    ـ من واقع تجربتك أي الوسائل الناجعة التي التمستها لإبعاد هذا العائق؟
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    تحليق في أشجار الرؤية
    هناء مرهون (قاصة).

    عنونت القاصة البحرينية كتابتها عبر إصدارها الأول «هروب الكرز» و قدمت إجاباتها بلذة الكرز:

    ـ الكتابة بحث تأمل وتجرد وتلاقح واندماج ونتيجة، الكتابة تفقد مشروعيتها عندما تخرج من دائرة البحث والتأمل وتدخل في قسرية المعنى وضيق الرؤية، وتكتسب الكتابة أهميتها لكونها كائناً ينمو ويتسع كلما توغلت في داخلك في أشجار الرؤية والذاكرة والفضاء، الكتابة تحليق وأفق

    اما بخصوص العزلة فترى:

    ـ العزلة هي الرغبة، فهي الخيار الذي أختاره عندما أكون في لحظة ولع وشوق وهيجان داخلي، لم يكن في داخلي صراع بقدر ماهي أصوات ترتفع وتخبو ثم ترتفع ثم أخرجها بصوتي الذي تتداخل فيه نظرات ولمسات وهمسات كثيرة ومختلطة، عندها تهدأ روحي على حافة الورقة وأبدأ في الطيران الهامشي ويقيناً أقطع، أن لازمن للعزلة ولا زمن للكتابة ولا اختيار ولا إجبار، هي كالهواء تنساب إلى الروح فتؤجج الحريق.

    وتفيد: لانزال في عملية التجريب، والمهادنة والمغامرة، ومتى ما توقفنا عنها سوف نتوقف توقفاً حقيقيا.


    رسالة/هم/ هاجس
    عائشة راشد عبدالهادي (قاصة).
    بعد تجربتين كتابيتين تجاسر انقطاع طويل على الحلول بينهما كانت إجابة القاصة الكويتية:

    ـ تشكل الكتابة لي رسالة وهما كبيرا وهاجسا مؤرقا، هي نوع من الخاض لايجد استقرارة إلا حين يسكن بصياغته عبر نص يتشكل ليعطي مسماه الخاص. الكتابة لكل كاتب يراها عبر إطار الجديّة فيتعاطاها، هي ليست إلا حياة تحتمل الخلود، وكتابتي تأتي، بل عبر تماس مع الكثير من الشخصيات التي أعيد بناؤها وكتابتها من جديد.

    الانقطاع الاختياري لا أمارسه كثيرا بل ما يفرض نفسه علي هو الانقطاع عن الكتابة أو العزلة بصورتها الإجبارية فوفق تجربتي الذاتية كان هو المهيمن دائما.

    وأعتقد إن أسر الوظيفة من أهم العوائق التي تحد من انطلاق الكاتب فتفرض سيطرتها على انطلاق مخيلة الكاتب وتحد من نتاجه الكتابي. علما بأن الكاتب، وهو يواجه هذه العزلة، يظل أسيرا لحالة العثور على كتابة ما. فصراعات الأحرف و الكلمات تشتّد في مخيلته وتحاول الخروج عنوة، وبالتالي يمكن أن يكون هذا التوقف هو مجرد هدنة لمراجعة ما كتبه سابقا وتقييمه ذاتيا.

    و تواصل: ألجأ لانهاء هذا العائق بأن اكرس نفسي أكثر لقراءات مكثفة، دون الدخول في دوامة الاستسلام لفكرة الانقطاع، بالتالي أجد نفسي من جديد قد كونت مخزونا من الأفكار والمفردات الجديدة مما يهيئني للعودة بصورة مغايرة.


    نزوة عابرة
    نصار الحاج (شاعر).
    تجربة جديدة انبعثت عبر لغة ذات دلالات لا تجد سوى توالد غارق بالتأويلات هكذا هي لغة شاعرنا السوداني وإجاباته:

    ـ كما الكتابة نفسها، هذه الأهمية تظل حالة تشكل مستمر وتحولات غير مستقرة، لأن الكتابة في حد ذاتها تعني حياة اخرى، لذلك فيما يخصني، على ان ارعاها لكي تظل اهميتها متجددة في حراك دائم، ربما للوفاء بأسئلتي وحفرياتي في التراكمات الواعية واللاواعية وفي مشاهداتي وكل معطيات حالتي الانسانية وتأمل خطوطها وتقاطعاتها واستمرارية تحركي في هذه الحالة التي اسميتها انسانية وراء ومستقبلا تحت هذا الضخ اليومي من التحولات والمطاردة والفتوحات وكذلك رؤية البيئة الحاضنة لهذا الوجود ومحاولة تفكيك وتأويل واعادة النظر في الاشياء وهي تسطع ضمن حالة الكتابة او خارجها، خاصة ان الكتابة تمثل وسيلة تتسلل الى الكثير من التفاصيل بجرأة عالية وتتمدد حالة الكتابة نفسها لتصبح منتجة لعلامات كثيرة، منتجة لعلاقات، منتجة لوسائط، منتجة لأصدقاء، منتجة لحالة وعي صارمة تطورت من خلال فعل الكتابة وشروطها المصاحبة.

    اذن، اهمية الكتابة بالنسبة إلي لا تأتي من آليتها كنزوة عابرة، أو متعة شخصية تتحرك في الأفق الضيق للذات، بل تتشكل أهميتها من أرضيتها وكينونتها كفعل انساني خلاق وكذلك من خلال ما تنتجه من فعل ابداعي ومن حياة أخرى ممتدة في الواقع والمخيلة، لذلك تبدو مهمة بالنسبة إلي لكونها تمنحني كل هذا الاتساع من الحرية وقدرة التعبير عما أراه وكذلك تقودني الى آفاق واسعة خارجها وفي الوقت ذاته ذات صلة بهاجسها الكلي، اذهب إلى ذلك بأدوات تمكنني من الافادة بايجابية عالية من حقول عديدة يقود الوعي بالكتابة والمعرفة والقراءة الى تبصر معطيات مساهمتها.


    طمي بكر
    يحدث هذا كثيراً، أي حالة العزلة/الانقطاع، وبالتالي حينما تكون هذه الحالة كسبت ورقتها من ظروف حياتية، جسدية، نفسية، هنا تكون مؤذية جدا وقاسية ومربكة لأنها حالة مصادرة وقهر غير منصفة، تنتزع حرية فردية ذات حضور داخلي قوي لتتحول النتيجة الى وضع مَرَضِي آخر ربما، أي قلق وتوتر وتَبَلُّد فادح وذهنية عاطلة عن انتاج كائناتها تحت سجن تلك الظروف الحياتية غير العادلة، وفي هذه الحالة يجب محاولة هدم هذا العائق في أقل وقت من الخسائر الزمنية. أما على الجانب الآخر ان كان هذا الانقطاع اختياريا/تلقائيا ولا أقول مفتعلا فالحالة بالتأكيد تختلف، أي هنا أجدني أتصالح مع حالة العزلة أو الانقطاع وأسعى إلى استثمارها في بيئة مشابهة، أي ليست منفصلة عن الكتابة، مثل المزيد من القراءة، المزيد من تأمل التجربة، المزيد من مساءلة حالة الكتابة نفسها وشروطها والمزيد من محاولة خلق حالة حراك ثقافي.. اذن، كأني أغذي ينابيع الكتابة بمياه جديدة وطمي بكر يصلح لتخصيب تربة الكتابة، ذلك اني انظر هنا الى الاختيارية من انني لا أنجز كتابة جديدة كحالة طبيعية لا ترتبط بأي مصادرة خارجية تحاصر رغبتي في الكتابة، كأن لا يوجد مبرر للكتابة أو غير متوفرة، شروط تجعل الكتابة تخرج كما أرغب في طرائق معالجتها وقوتها النصية وهنا اعني محركات وقوة دفع الكتابة كفعل.

    لهذا لا تقلقني هذه الحالة مهما طالت مدتها الزمنية، بل أوقات كثيرة، أرغب في حدوث هذا الانقطاع وفق هذه التلقائية، وليس الافتعال، لان افتعال العزلة/الانقطاع، فقط يوقف آلية الكتابة لكنه يبقيني تحت قلق وهاجس الكتابة والحاح اشتغالها الذهني وربما ضمن ذات وقائع ما قمت بانجازه سلفاً من كتابة، وهذا لا يخدم إعادة النظر وتأمل التجربة ومحاولة فتحها نحو أفق أرحب من نسيج الكتابة وإضافاتها، لكن هذا الانقطاع اذا تم وفق تلقائية الحدث يجعلني أخرج قليلاً عن سلطة الكتابة واستدراجها المستمر لأجل العودة باضافات جديدة وتراكمات ومشاريع ورؤى واستدراكات ومخيلة وذاكرة أكثر حيوية ونشاطا تخدم التجربة وتخدم حالة الكتابة نفسها.

    وهنا من الصعب الحديث عن مدة يتم تحديدها مسبقا لحالة العزلة/الانقطاع الا اذا كان هنالك عمل ابداعي او ثقافي مواز، يتطلب إنجازه وقتا محددا وتعطيلا موقتا لمشاريع ابداعية أخرى... والا ستظل الحالة رهينة حركتها الخاصة طالما انها تعايش وتشتغل على توفير وانجاز قوة دفع وتراكمات اخرى مفيدة في مسيرة تجربة الكتابة ومعالجة البياض ورغباته الشاسعة.

    ويدلنا على وسائله فيذكر:

    ـ من الوسائل التي التمستها لابعاد هذا العائق، أي عائق الانقطاع، بالطبع حالة الالتصاق بالمناخ الثقافي ذاته اي الاحتماء بميحط الكتابة الواسع كثقافة لها معطيات كثيرة وتقاطعات متعددة خلاف حالة الفعل الآلي للكتابة أو التدوين، فالكتابة تتقاطع مع الكثير من الأنشطة والمنجزات والأفعال الثقافية الاخرى لذلك هذا المناخ الموازي يوفر حالة البقاء ضمن واقع مناسب يقلل من فداحة الانقطاع وقسوته ولا يحوله الى حالة نضوب وجفاف وتوتر اضافي وكواحدة من طقوس هذا المناخ الذي اتحدث عنه بالنسبة لي، أقرأ بشراهة وربما بشراسة عالية الكثير جداً من الاعمال والكتب المؤجلة مستثمراً كامل الوقت الذي كان يمكن أن تشغله حالة نص يتشكل ويتحرك محاولاً الخروج ويستهلك كثيراً من الوقت حتى يتكون بحالته المعقولة، اذن حالة العزلة/الانقطاع تتم مقاومتها والعبور الى طريق تجاوزها والافادة منها في الآن ذاته، بوسائل وأدوات تستمد قوتها وحيوتها من الكتابة نفسها بأن أظل و استمد روح البقاء في محيط وطقس التواصل الثقافي وفق ما تحتمله الحالة نفسها ليكون تواصلاً مبدعا وخلاقاً وفعالاً ما أمكن.


    وجهي مع الناس
    نورة فرج (قاصة).

    «الطوطم» تجربة طوقتها ضمن دائرة الضوء كقاصة قطرية، أفادت حول تجربتها بالآتي:

    ـ لا بد أن تعرف شكلا من أشكال الحضور يعرفك الناس من خلاله، وتتواصل معه عبره، هكذا هي الكتابة بالنسبة إلي، معادلة لوجودي، أرى ذاتي متحققة من خلالها. هناك ممارسات أخرى أمارسها، ولكنها أكثر خصوصية، أتواصل فيها مع ذاتي وأعود إليها وحسب، أما الكتابة فهي الوجه الذي ألقى به أكثر الناس.

    الآن لا أتخيل نفسي من دون (الكتابة)، ليس لأنها الشيء الوحيد الحقيقي في حياتي، فهناك أشياء أخرى حقيقية، ولكنها تكسبني وجودي على نحو خاص جدا، ولكن الكتابة هي العالم الذي أملكه، والذي أدعو إليه الناس، وأريهم ما يمكن أن يستأثر باهتمامهم، يمكن أن أنجح في ذلك أو لا. كما أنني في فعل الكتابة أتحاور مع البعدين، بعد الذات الكاتبة، وبعد الذات المتلقية، أحاور نفسي أولا، ثم أحاور من يقرؤنني.

    واستطردت: يجب أن أفرق بين الكتابة الفنية، والكتابة العشوائية التي تأتي ملبية لدافع نفسي، ربما أتعرض لمواقف تكون وسيلتي لمعالجتها هي الكتابة، الكثيرون يمارسون هذه الوسيلة، فهل هي كتابة فنية؟ إنها كتابة محكومة بدوافع انفعالية بحتة، غير خاضعة للعقل الإبداعي.

    إذن نحن نتحدث عن رغبة في خلق نوع فني، لا مجرد التنفيس، مع ملاحظة أن الرغبتين قد تتضافران أحيانا. أقول ردا على السؤال كيف أوزان بين رغبتي وعزلتي، انني لا أعرف، حقا لا أعرف، توقفت مدة، ولست قادرة على تحديد أسباب هذا التوقف، كانت لدي أفكار لكن كنت أشعر أنها لا تناسبني، أنني أريد شيئا آخر، كنت أفتش في ذهني عن هذا الشيء المختلف، أحيانا أعلل سبب توقفي إلى أن حياتي في الفترة الماضية كانت مزدحمة إلى حد ما، ازدحاما يخلو من الإلهام، ولكن حينما أتمعن قليلا أجد أن ذلك غير صحيح، في الوقت نفسه خضعت لفترات من العزلة، ولكنني أيضا رفضت الكتابة على الرغم من رغبتي في ذلك، ربما كنت أميل إلى الفرجة والترقب والتحليل، على المستوى الشخصي، ومستوى العالم الغريب هذا، ولهذا توقفت، أنا لا أعرف.

    شعرت بالاختناق، وبأنني لم أعد هنا، وأنني أريد أن أعود. ثمة أفكار، قررت أن أمنح نفسي لها، وللعمل من أجلها، وبذلك أعود.

    وتشير أخيرا:

    ـ لا أظن ان الحيلة والخداع خارج النص قادران على صنع أشياء حقيقية، والمهادنة بغرض المهادنة وحدها غير مجدية كذلك، ربما المغامرة أحيانا مفيدة، وقد تكون عواقبها الندم، ولكن الحياة سلسلة من المغامرات متفاوتات المستوى. أنا كحركة إيجابية أفضل التنقيب بهدوء تحت الحجارة العادية التي لا تثير بمنظرها أحدا، أحيانا أجد ما لا أتوقع.


    تهيأ للصلاة
    كامل صالح (شاعر، روائي)

    تجارب شعرية آخرها «كناس الكلام» وتتم تجربة روائية عبرها اجاب الكاتب اللبناني:

    ـ سؤال الكتابة سؤال فعل الحياة، أو بمعني أدق فعل الخلق، فاحيانا يكون هذا الفعل سيئا أو «ولدا ملعونا» وأحيانا يجيء بالبشارة والأمل. لا معنى للكتابة خارج إنسانيتي خارج «أناي» التي من خلالها اطل على هذه الكرة الأرضية و سكانها.

    عندما أمارس الكتابة، أجدني اعطي من روحي وجسدي تماما كما اضم ابني بين يدي، لكن أشعر أحيانا أن بعض ما أكتبه لايليق بما كنت أريد التعبير عنه، فأرمي ما سطرته جانبا، وانساه واذا كان يستحق الحضور فانه ينسّل بين كلمات قصيدة أو مقالة أو رواية أو صياغة خبر صحفي. لابد أن يخرج إذا نضج... ولعلني أذكر ان كل قصائدي القليلة التي كتبتها في السنوات الخمس الأخيرة، كانت تهرّ مني قبل أن اسكنها في بياضها، فتجدينني أصرخ بكلمة ما وتصبح عندي كالثيمة، فتهطل أثناء محادثتي لأحد الأصدقاء أو زوجتي أو وانا أشاهد التلفزيون أشعر أن شيئا ما يزن في رأسي في جسدي.. يريد الانعتاق.

    مرات ألملمها على كتفي عن صدري، عن خدي مرات، أرى الكلمات تنساب من صحن الطعام.. إنها حالة التوتر القصوى ساعتئذ اجلس كمن تهيأ للصلاة وأكتب أحبط مرات حيث يكون الحمل وهما فأضحك من نفسي من هواجسي من رؤاي.. وانتظر أياما أخر. دفعة واحدة، واعجز عن اللحاق بالكلمات..

    هي هكذا، هي الكتابة المؤلمة دائما بحضورها وغيابها.

    ثمة رباط بين الأسئلة هنا ولا شك في ان الأجوبة ستأتي كمشهدية واحدة تضمها في إطار واحد، على رغم انها موزعة في مساحات محددة.


    ولادة الغربة في المتن
    العزلة عندي لها علاقة بالغربة، وثمة دلالات تنكشف عن هذين المعنيين: الغربة ـ العزلة.

    ففي الوقت الذي غادرت به بلدي لبنان للعمل في الخارج، ثمة عزلة تبللني، لا عن كتابة بقدر العزلة عن الحياة،هذا الشعور دفعني على التوقف عن الكتابة/ الشعر تحديدا لفترة تجاوزت السنتين،وذلك عندما بدأت التمس فعل الحياة خارج المتن، وادركت انه يمكن الوقوف على هامش الحياة لنرى، وفي لحظات معدودات ودون أي سابق تحضيري سوى هذا الإحساس الخانق بالعزلة/ الغربة، حضرت قصيدتي بعد غياب، هذه القصيدة التي حملت عنوان «مقام الهجرة و الوله» كعنوان مبدئي، جاءت لتكون مختلفة كليا عن كل ما كتبته سابقا وبها و معها دخلت مرحلة جديدة مع الشعر. القصيدة كانت تسكنني دون أن ادري، وعندما خرجت مني أصبت بحالة سكون ودهشة، وانطلاقا منها أشرفت على درب آخر للكتابة، هذه الكتابة الساكنة في فيء العزلة.

    وأضاف: ربما يساعدني انني أعمل محررا صحفيا أي ان كأس الاحتيال والمهادنة الذي أتجرعه بغير إرادتي يمكنني أن أسكبه في هذه المساحة المؤلمة احيانا. لعل هذا الحافز أبعد عن كتاباتي الخاصة: أي الشعر والمقالة والبحث والرواية كأس التملق، بحيث لا شيء يجبرني على ان اكتب مالا أريد كتابته وما لا يمثل قناعاتي الخاصة والشخصية. لم اضطر يوما، لم أتلبس الاحتيال أو المجاملة فيما أضع اسمي عليه، و إلا لا داعي لما سأكتبه وليذهب الى الجحيم.صحيح ثمة مساحة من الالتزام أو المهادنة أمارسها في عملي لأن ثمة سياسات تحريرية عليا التزم بها. غير ذلك لست خاضعا لأي مساحة سوى مساحة هواجسي أنا وأحلامي انا وجنوني أنا.

    تصالح مع الذات
    عواض العصيمي (قاص وروائي).

    تجربة لافتة مورست عبر تجربة سردية أتت من السعودية، وقراءة فعلية للأسئلة فكانت إجابات نضحت بالكثير لكاتبنا:

    تترسخ الكتابة عند الكاتب كأسلوب حياة لا غنى عنه، وخصوصا عندما يشعر بالكتابة نفسها أنه يتصالح مع ذاته ويعبر بها عن حكيه الخاص الذي يستبطن خلاصة تجاربه في الحياة. التجربة الذاتية مهما كانت غنية وثرة، قد تنجح في إنطاق الحال إلى حكاية لكنها لا تستطيع تحويل التجربة إلى نموذج مقروء إلا بالكتابة. لذلك تحتل الكتابة المرتبة الأولى في تسييل التجارب الإنسانية ونمذجتها ضمن شروط أدبية معينة، وليست الحكاية ذاتها أو القصة أو الحدث أو أيا ما كانت تسمية الموضوع الذي تدور حوله التجربة الذاتية. حتى على صعيد الكتابة عن تجربة غيرية حدثت لآخر ولم يعشها الكاتب، فإن مجرد الوقوف عليها ومعايشتها والدخول في تفاصيلها، يعتبر تجربة ذاتية على صورة ما. أقول تكتسب الكتابة أهميتها من كونها وسيلة فهم ومكاشفة واستنطاق واع للذات، يطمح الكاتب أن يحقق من خلاله «اسطورة الذات» كما يشير إليه إيحاءً الكاتب البرازيلي باولو كلويلهو في كتابه «السيميائي». أيضا تكتسب الكتابة أهميتها من كونها أسلوب حياة وتفكير يختل الكاتب اختلالا كبيراً من دونه.


    جرثومة
    وبخصوص حالة الانقطاع أفاد أنه:

    ـ عندها يمكن تخيل الانبتات الذي وقع فيه الكاتب عن العالم والحياة. إنه لأمر قاس وصعب بالتأكيد. قد يكون هذا الجنوح نتاج قرار واع اتخذه الكاتب بقصد إعادة تأمل الأمور والأشياء التي حوله إما ليغوص في حمياها بوسيلة معرفية ليكتسب قدرات تعبيرية أفضل، وليطور من نظرته إلى الحياة نفسها، أو ليتوقف مرحليا لأنه لسبب ما غير قادر على فعل الكتابة. هذان الافتراضان يمكن أن يقعا لأي كاتب، وهما في نظري قابلان للمعايشة والتصالح معهما، لكن الأمر الأسوأ هو أن يجد الكاتب نفسه مبتوراً بفعل قسري خارج إرادته عن الكتابة ولذائذها وعذاباتها المشتهاة. كابوس حقيقي لا شك. ولو حدث ذلك، لا سمح الله، فلا أدري كيف سيكون عليه واقعي بفعل التأثير الكبير الذي سيحدثه في هذا الجنوح الحاد وغير المتوقع. يلذ لي، في المقابل، أن أصنع كهفي بيدي ثم أنقطع فيه عن أي نشاط كتابي، للإيقاع بجرثومة الكتابة وهي في حال أكثر علوية ونضجاً على الصعيد النفسي والمعرفي أيضاً، لكن بإزاء ذلك تتقلب الروح على بعضها البعض لكونها تحس بالفراغ والتحييد القسري عن مواصلة عادتها في التشكل عبر الكتابة.

    في نظري، لا يمكن أن نشبه الكتابة بفرس نستطيع بترويضها أن نمتلك صهوتها. الكتابة، ونحن هنا نتحدث عن الكتابة الأدبية التي نتخذها كأسلوب حياة وتفكير، من الصعب تأجيلها، وبالذات حينما تخادنها روح إبداعية نابهة وخلاقة تتفاعل مع ما يحدث حولها. سيجد نفسه الكاتب في مواجهة قوية مع الكتابة كإغواء شديد في البداية، أي قبل أن يعود إليها وينغمس فيها، وعليه أن يقرر إما أن يدمر شيئاً من ذاته بالإعراض أو التأجيل للعملية الكتابية أو أن يستجيب ويرضخ لجاذبيتها وسطوتها عليه. و لحسن الحظ لم تمر فترة طويلة. كل ما كنت أقوم به هو أن أروض نفسي على الصمت والتلويح بيدي في الهواء خالية من الكتابة. وهي مدة لا تطول كثيراً، ليس أطول من عشرة أيام على نحو تقريبي. وأذكر بالمناسبة أن الروائي الأميركي أرنست همنغواي كان يكف فورا عن الكتابة والقصة في أشد توترها، ليعود إليها لاحقاً بلياقة ذهنية وروحية أفضل، وهذه المناورة تصلح أيضاً لمن يكف عن الكتابة فترة من الوقت من أجل أن يعود إليها محتشداُ بحضور نفسي وروحي أعمق وأكثر حرارة

    وبالنسبة إلى مناوراته لاستدعاء الكتابة أشار:

    ـ في الغالب لا ننجح في المناورة. أنا أشبه الكتابة بامرأة نحبها لأنها بقدر ما هي جميلة عميقة ومؤثرة، ونعلم يقيناً أننا مهما كابرنا لا نستغني عنها. وبالتالي أقوم بالانغماس أكثر في الكتابة، وانا أقصد الكتابة التي لا تخذلنا إذا ما اتكأنا عليها لحمل الداخل بكل تناقضاته وصدقه، وفي الوقت نفسه نتكئ عليها للإحساس بقيمة الحياة والانفتاح مع الآخر.


    جنة المعذبين الموعودة
    مي الشراد (قاصة).

    تأتي القاصة الكويتية الشابة والواعدة بالكثير كما هي دوما بإجابات مخضبة بالجرأة وخصبة فترى أن:

    ـ يقسم ابراهام ماسلو الحاجات الأساسية للفرد للوصول إلى تحقيق الذات التام إلى خمس حاجات عليه ان يحققها واحدة تلو الأخرى، فإن الكتابة تأتي في الدرجة الثانية بعد الحاجات الفسيولوجية وهي الأمن النفسي والبدني أو السكن كما يعبر عنه ماسلو، لذلك فهي سكن وأمان للنفس وحاجة أساسية للارتقاء في سلم الحاجات و تحقيق التوازن الداخلي الروحي، هي جنة المعذبين الموعودة.

    «لا هاجس لي بالنشر»، كانت لها وجهة نظر بخصوص الانقطاع حين بينت:

    ـ الانقطاع الاختياري هو انقطاع عن النشر ولكن الرغبة في الكتابة تظل تلح من خلال الأفكار والأصوات التي تقتحم الوعي قسرا لذا لابد أن تخربش، ولو على لوح غير مرئي لكن العزلة تكون بالانقطاع عن التواصل مع القارئ لذا هناك حالة توازن خلال التوقف الاختياري أما النشر فلا يشكل هاجساً أو يولد صراعاً.ولا احدد فترة زمنية للانقطاع بل تظل مقاعد المتفرجين تنتظر انتهاء الفترة الزمنية الهزلية التي تدور على مسرحهم.

    العائق بالنسبة إلي كان صدمة مدمرة وفقد الجدوى من ممارسة النشر والتواصل في ظل هذه الظروف، لذا فقد كانت عزلتي مساحة زمنية لتتلاشى هذه الصدمة تدريجيا بلا تدخل فعلي مني، بل سمحت لي بالتشبث أكثر بأخلاقياتي ومبادئي التي كدت أفقدها بسبب صدمتي بأغلب عناصر الوسط الأدبي.


    هي الوجه الإنساني للأنا
    محمدالعباس (ناقد):

    أسس خطه الواضح عبر كتب عميقة الرؤى آخرها كتابه «ضد الذاكرة ـ شعرية قصيدة النثر» وكتابه «سادنات القمر ـ سرانية النص الشعري الأنثوي» لذا جاء كما يجب أن يجيء الوعي:

    ـ الكتابة ليست مجرد اشتغال ذهني أو فني انها شكل من أشكال رغبتي في الحياة. ألا يقلد الفن الحياة ويشتهيها!؟ الكتابة إذا، وبمعناها الأوسع، هي مجمل خيالاتي ووعيي واحاسيسي واستيهاماتي ونزقي، أي الطريقة التي أتمثل بها الحياة ولا أمثلها، فالكتابة بمعناها الطهوري هي تلقائيتي، أو فطرتي بمعنى أدق، ضد أوهام الاستعارة وضد التدبير، انها الوجه الإنساني الأمثل لما أسميه «أنا». أوليس أسلوب الكاتب هو الكائن بكل تفاصيله منطوقا؟ وأن الكاتب اذا وجد أسلوبه فقد اهتدى الى حياته؟ وعليه أحب الكتابات المثيرة للقلق، المقوّضة للمتفق عليه، الكتابات المفرطة في الذاتية والفردانية، الكتابات التي يجترحها كائن لا يريد مغادرة غبطة بداياته، أي طفولته. الكتابات التي تنبني على ديالكتيك الهدمي البنائي.


    أكتب ضدي
    الابتعاد عن الكتابة عذاب يشبه الانفطام القسري. رولان بارت تحدث عن الكاتب في اجازته فكان حديثه هادئا وفلسفيا، وتنسي وليامز انكسر بهدنة الاكتهال والشيخوخة ونضوب بئر الموهبة، فجاء حديثه حزينا فقد تسوّل في آخر أيامه عشرة سطور يعادل بها نفسه، أما نيكوس كازنتزاكي فقد مات وهو يعتصر ألما لأن في داخله عشرات الكتب لم تكتب. بالنسبة إلي أحس بأن وجودي خارج الكتابة يعني عدم انوجادي داخل الحياة. أحيانا أطرد من برزخها لأسباب كثيرة، عندها أحس بأني أقرب الى الشلل ولي الخرس وحسب، فالكتابة فعل إنساني يشبه الصراخ والاستغاثة والعويل والابتسام والغزل، وعندما أنعزل أو أعزل عن الكتابة لأي سبب يتنازل الوجود عن سمته الشعرية ويتحول الى ما يشبه المأتم. مفجع هذا التوازن المرعب بين ما أرغب أن أكونه وما يتعذر عليّ أن اقاربه بالكتابة. الكلمات تشبه الى حد بعيد صدور الأمهات الدافئة، وراحات الآباء الحنونة، وعيون الحبيبات الوالهات، وأحضان الأصدقاء الأوفياء. الكلمات كائنات نؤاخيها ونصادقها ولذلك لا أجد ما أعزي به نفسي بعد العزلات الاجبارية أو الاختيارية الا بكتابة من نوع آخر، كتابة ربما تكون ضد الكتابة الأولى، فأنا لا أفر من الكتابة إلا اليها. الكتابة تعمل بوحشية ضد حس «التأقيت» فهي صيرورة لا تضبط توقيتها الا على لهاثات «الأنا» أي على ايقاع الدم. لا أظن أن الكتابة الحقيقية تستجيب لأي شكل من أشكال الضبط الزمني، وبالنسبة إلي العودة الى الكتابة تعني، كما قلت، الحضور في قلب الحياة. هنالك نداء من جهة ما يستدعي كل ما أكنّه من وعي وشعور للتملص من كفن اللاكتابة والعودة الى تهجي الحياة بكلمات جديدة.

    و يرى: أبرع حيلي وأغباها ربما عندما أبدو موضوعيا، أتخفف من ذاتيتي فتأتيني كتابة برانية، حقيقية بالتأكيد ولكنها ليست صميمية تماما كالكتابة الذاتية. هذا الشكل المراوغ يبقيني على رمق الكتابة ويحفظ لقلمي حالة الإحماء الدائمة، ولأني أعلم يقينا أن الكتابة هي المعادل الأصدق للحياة أحاول أن أتورط في شكل جديد من أشكال الحياة لتأتي الكتابة، فهي لا تجري بشكل آلي أو كاستجابة اعتباطية لإرادة مبيتة، بل تتولد من دهشة اللقاء بالآخر والتوله به، والارتطام بمتناقض الأشياء والحالات، ومن الارتدادات العنيفة أو النقائية ربما الى المنقضي والآفل في المكان والزمان. أحب أن أنفلت في نوبات تعيدني الى مداراتها، أخاصم مظهرا من مظاهر الحياة الأفقية الساكنة لأذهب عميقا في أناي، أتماوت، وأتنقل بما فوق الوعي وتحته من غربة المكان الى اغتراب الذات.


    وهم يشبه الحقيقة
    عبدالقادر حميدة (شاعر وقاص):

    الكتابة لدى كاتبنا الجزائري مأهولة بعدة أوجه، واصفا إياها باللعنة والفخ، والجنون يرافقنا بهذه الإجابة:

    ـ حين أحاول تأثيث البياض وتثنيته، بما يسيل بين أصابعي، بعد امتلاء مفترض، وجدتني أدمنه طقسا يوميا منذ المنابع الأولى أو البئر على لغة «جبرا»، أرى نفسي داخل اللذة و بين أسوارها التي أصلي لبقائها قائمة، تسيجني وتحيطني بدفء المعنى والجدوى، مرددا مع ليلى بعلبكي «أنا أحيا».. في البداية أردت أن أكتب، ثم أحببت كوني أكتب، و اليوم أقول مدركا ـ على رغم كل خيباتي المعلنة والمستترة ـ لا أستطيع إلا أن أكتب.. تاركا كل شيء خلفي، محاطا باللعنة الأبدية، مأسورا يؤلمه الفخ الذي وقع فيه.. لكنه لا يرى لنفسه خلاصا إلا بالاستمرار والغرق حد الاحتراق.. ذات يوم وفي قصتي «دوائر السفر والاغتراب» المنشورة بالملحق الأدبي لجريدة صوت الأحرار الجزائرية كتبت: «الكتابة معصية مستعصية» الكتابة حياة، حرية، لذة وفي الوقت ذاته ألم وتضحية، لعنة وجنون، تمرد وانفلات حتى لا أقول انطلاقا. هي وهم يشبه الحقيقة وحقيقة تشبه الوهم ومن كل هذا تأتي أهميتها بالنسبة إلي، أنا الباحث عن نفسي هناك.. كأني أريد «الحياة في مكان آخر» على رأي كونديرا، والمشرح لنفسي هنا لا أرى الحياة إلا في مكاني الكتابي، سواء كان واقعيا أو متخيلا

    وأخيرا أكتب لأني لا أحب البياض أو أخافه.. وأرى في الكتابة نوعا من التأجيل والانفلات والمراوغة وكما يضيف حول تجربة في رصده للانقطاع روائيا:

    الكتابة هي المهنة/الفعل الأكثر انعزالية وتفردا في العالم.. وقبل الحديث عن العزلة، أنحرف لمسألة البحث عن الكتابة.. ففي روايتي «أنفاس ممزقة» (مخطوط) الشخصية التي تكاد تكون محورية فيها عبارة عن كاتب صحفي تعتريه حالة عجز تام عن الكتابة، فيبدأ عبر فصول الرواية رحلة بحث طويلة عن الكتابة، إلى أن يجد ضالته/لحظته في فصل «أطياف الانبعاث»، ولكن بعد مشقة وجهد وهذا ذكرته هنا لأن الشيء بالشيء يذكر، وأعود من انحرافي إلى سواء السبيل لأظهر رغبتي الداخلية وقوتي الخفية التي تدفعني دائما إلى العزلة كلما اكفهر غيم داخلي فأجنح للعزلة ولو في ملأ «خلوة في جلوة» فعادتي المشي مسافات طويلة محاورا متأملا حالة النص و شكله وخيطه ومبتدأه ومنتهاه.. بعدها أنعزل ثانية (خلوة في خلوة) لأرسم ما التقطت من داخلي وخارجي أما بالنسبة إلى الشطر الثاني فأنا لا أظن أنها عزلة اختيارية، لأن عدم الانعزال بمفهوم عام يلغي الكتابة ذاتها ويجعل كل الهمسات تتبخر وتذهب إلى غير رجعة و كذا فإن زمنها هو الزمن الإبداعي قد يطول وقد يقصر تبعا للحظة ذاتها ولدكنة الغيم ووهج الامتلاء أيضا.

    وأخيرا يرى: أن تظل المغامرة أنجع وسيلة، ويظل التفجير عنصرا أساسيا في الخلق والابداع ولابد لكل هذين من جرأة واقتحام ومغايرة، ودخول من باب جديد رفضا للمألوف بغية تجاوزه، بعد الإحاطة به واستقراء معالمه، ويظل الخاصة هم أولئك الذين يكتبون بحرية يندرج ضمن أهم معانيها الخلق والجمال.


    صدفة استولت على حياتي
    عيد الخميسي (شاعر).
    المصادفة وطالب عشريني وخيط محكم بالكتابة، تجربة الشاعر السعودي الجميل خير دليل غزل قدري لهذه الحكاية عبر هذه الردود:

    ـ لا أعرف بالتحديد كيف بدأ الأمر؟ لقد كان مزحة، محاولة لصنع شيء والانتهاء منه للتفرغ لأمور أخرى جديرة بالحياة. أخذت الكتابة حياتي فعلا على حين غرة وانتهى الأمر من يومها: لم اجد الوقت الكافي فعلا للتأمل في مسألة أهميتها على هذا النحو الذي يطرحه السؤال إلا لماما. ففي عام 88م كنت لتوي خارجا من أسر الأسرة وقوانين البيت الصارمة وأؤدي دور طالب في سكن داخلي لكلية معلمين بمكة المكرمة ولأن ذلك الطالب كان يهتم وقتها بعض الشيء بالقراءة وكتابة الشعر، فقد انضم بطريقة مبهمة إلى مجموعة أخرى من زملائه و ثانية من طلبة الجامعة وثالثة من شعراء ومبدعي المدينة التي وجد نفسه يؤدي فيها هذا الدور. في الصيف سينشر لأول مرة في الصفحات الثقافية، المرة الثانية ستقدم هذه الصفحات نصوصه كنصوص ناجزة وليست كبدايات في الزاوية المخصصة لذلك.

    هكذا توسع الدور دون أن يضع المخرج مخططاً لذلك.. اتسعت دائرة القراءات، اتسعت دائرةالأصدقاء الذين يشتغلون بالشأن ذاته، ازدادت حلقة تبادل الكتب اندلاعاً، زيارات إلى نادي جدة الأدبي والمساهمة في ورشة عمل، الاشتراك في تحرير صفحة ثقافية مع الدائرة السابقة ذاتها من أصدقاء مكة المكرمة توطيد العلاقات بعدد آخر من شعراء الساحة وصحافييها. هكذا وجد الطالب الذي تجاوز العشرين، بالكاد يجد نفسه قد تخلى عن دوره وأصبح متورطاً بالشعر والكتابة والكتاب.

    لم أسأل ذاتي شيئاً عن أهمية الكتابة لأنني وجدتني أعيشها كمتابعة للسنوات الفائتة.. كحياة تتابع اندلاعها وأيامها واشتغالاتها وتأخذنا.. أخذتني الكتابة دون أن تترك لي فرصة تأملها عن كثب.

    التأملات التي حدثت أثناء ذلك وبعده، ولا شك أنها مستمرة وقيد الاشتعال دوماً هي في مناطق أخرى: حول طبيعة الكتابة الشعرية ومحدداتها، جمالياتها وأفق تحركها.

    حول المثقف وطبيعة دوره إن داخل مجتمعه الضيق أو إنسانياً.. حول تيارات الفكر الحديث.. حول الواقع الثقافي والاجتماعي والسياسي وقراءاته المتعدده.. إلخ.

    في حالة كهذه بأي عين سأنظر إلى الكتابة وإلى أهميتها الآن. أحاول مجابهة السؤال فأجده قاسياً، صعباً، ويحتاج إلى سرد تفاصيل الأعوام الخمسة عشر الماضية للإجابة عنه. الكتابة شكل من أشكال الحياة عملياً بالنسبة إلي وطريقة بحث ورؤية للحياة ذاتها، للعالم، للذات.

    يحدث أن أنقطع عن الكتابة لفترة لكنني ذهنياً أمارسها تستمر النصوص في التوارد إلى مملكة الرأس، البصر يؤرشف المشاهد، الذهن يحلل، الروح تتشرب مايرد لها كصفحة بيضاء ولا يمكن لها أن تغفل نقطة قط.. كل ماعليك هو وضع يدك على المكان الصحيح فقط، وفي الوقت المناسب.

    يحدث كثيراً أن أنقطع عن النشر فهو غير متوافر ـ صحفياً على الأقل ودائماً ـ لكننا في حياتنا الأدبية ـ بالمملكة ـ لم نعول على هذا الأمر كثيراً بل اننا اعتدناه.

    ما يتم فقدانه في هذه الحالة هو التوثيق والتراكم الواضحان للتجارب الإبداعية المحلية لكن هذا الأمر يعني الساحة ككل وليس المبدع كجزء وهو أمر اعتدناه أيضاً في حياتنا الأدبية.

    المجد الأدبي أمر مضحك كثيراً بالنسبة إلي ويعجبني للغاية أن أسخر من أولئك الذين يطمحون إلى تحقيقه أو يتوهمون الوصول إليه ـ خاصة أنه مرض عضال إذا استشرى، وله أعراض جانبية غاية في الطرافة ـ وأرى أن تحويرات كثيرة تتم عليه عربياً ومحلياً وتحوله إلى صيغة مرضية ـ كاريكاتيرية لهذا فقد زهدت فيه مبكراً كما زهد كثيرون أيضاً حينما شاهدوا عرض نسخته العربية غير الجيدة.

    الاكتشاف والاستمرار في البحث، الركض، المشي لأراض شعرية وإنسانية جديدة هو ما يحقق الأثر (وهو الصيغة التي تناسبني) الجمالي والإنساني لإنسان أخذته الكتابة وأقنعته بأن بيتها الشحيح هو البقعة الأكثر اتساعاً وخضرة على هذه الأرض.








                  

05-17-2004, 11:26 PM

nada ali
<anada ali
تاريخ التسجيل: 10-01-2003
مجموع المشاركات: 5258

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عطش البياض : الكتابة حياة أخرى وسؤالها سؤال الحياة " تحقيق : أستبر (Re: nassar elhaj)

    Dear Nassar El Haj,
    thank you for sharing this with us and I look forwards to reading the interview article

    nada
                  

05-18-2004, 10:57 AM

nassar elhaj
<anassar elhaj
تاريخ التسجيل: 05-25-2003
مجموع المشاركات: 1129

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عطش البياض : الكتابة حياة أخرى وسؤالها سؤال الحياة " تحقيق : أستبر (Re: nada ali)

    شكرا لك ولخطوك هنا
    ايتها الجسورة والمبدعة ندا علي .
                  

05-18-2004, 01:51 PM

فتحي البحيري
<aفتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عطش البياض : الكتابة حياة أخرى وسؤالها سؤال الحياة " تحقيق : أستبر (Re: nassar elhaj)

    وشكرا لك يا صديقي
    دائما
                  

05-18-2004, 08:38 PM

nassar elhaj
<anassar elhaj
تاريخ التسجيل: 05-25-2003
مجموع المشاركات: 1129

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عطش البياض : الكتابة حياة أخرى وسؤالها سؤال الحياة " تحقيق : أستبر (Re: فتحي البحيري)

    ولك يا فتحي
    دائما المحبة العالية
                  

05-19-2004, 03:39 AM

Solara_sabah


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عطش البياض : الكتابة حياة أخرى وسؤالها سؤال الحياة " تحقيق : أستبر (Re: nassar elhaj)


    كثيراً من الجنات يعبرون .
    لا يهم إن كانت في عرف الآخرين جحيما أو نعيماً .
    في الداخل سحب كثيرة وأصدقاء .
    ولغات .
    تزهر بين أياديهم كل المسافات مثل برزخ يسيل من جنون الشهب المصقولة بذهب الكتابة الناصع . يحملون التمرد واليأس والفقر والبؤس والجنون والمحبة والزهو كله ليرصفون طريق النار وزلزلة الصامت من أوجاع الواقع والمخيلة والليل والنهار والكواكب في أسطورتها النائية التي أصبحت الآن في مهب الريح وتحت سندان عواصف العولمة واحتمالاتها . يعرّون اليومي والآني والعابر والهامشي وما هو خارج السهولة والسالك من أكواخ الحياة . ينسجون مفاتيح أخرى كي تفتح بداياتها العاصفة لخلخلة الظلمة وتذويب تربتها عتمةً .. عتمةً للإمساك بقيامة الضوء المشعة . تختال في البياض فاتحةً جسور الخروج الماهر نحو خرائط ليست بالضرورة خضراء لكنها خالية من بالوعات الليل السائلة من بيوت الرقابة اليومية وخوذات الجلادين وهلع الجيران


    هكذا بدا نصار "كائنات الكتابة" فى مقدمة خاصة لجهات الشعر سوف تنشر قريبا ليغفر لى قاسم حداد سرقة ذلك الجزء المختصر قبل نشره انه فقط احتفاء بكتابات نصار المميزة بتلك اللغة التى لا يجيدها الا هو.
    رائعة هنا استبرق كعادتها دائمة هى تنشر لنا هذا جزء من افكار الاصدقاء وشكرا لك نصار على نقل هذا اللقاء هنا.

    وتلويحة محبة لك يا فتحى البحيرى

    سولو

    (عدل بواسطة Solara_sabah on 05-19-2004, 03:44 AM)

                  

05-19-2004, 11:52 AM

nassar elhaj
<anassar elhaj
تاريخ التسجيل: 05-25-2003
مجموع المشاركات: 1129

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عطش البياض : الكتابة حياة أخرى وسؤالها سؤال الحياة " تحقيق : أستبر (Re: Solara_sabah)

    صديقتي الشاعرة سولارا الصباح
    شكرا لك دائما
    وانت تصنعين المفجاءات دائما
    وايضا حوارتنا المشتركة المحفزة دائم لافكار جديدة
    وكتابات جديدة
    ولك محبتي .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de